العلاقات الأسرية، الإعاقة و العلاج الأسري

إنسانيات عدد 29-30 | 2005 | أبحاث أولى 2 (أنثروبولوجيا، علم الاجتماع، جغرافيا، علم النفس، أدب) | ص 11-28 | النص الكامل


Les relations familiales, l’handicap et le traitement familial

Abstract: Nous avons présenté cette étude dans le cadre d’une thèse de magistère intitulée : « Le traitement familial et son efficacité dans le redressement des relations et son impact sur le comportement agité chez l’enfant handicapé et non handicapé ». Nous avons appliqué cette étude à travers le traitement familial sur 10 familles qui posent de nombreux problèmes, mais partagent les mêmes souffrances dans les dysfonctionnements relationnels.
La croissance de l’enfant se base sur la qualité des relations exercées par les membres de sa famille, mais elle commence essentiellement à partir des dispositions instinctives qui naissent avec l’enfant. Ces dispositions sont limitées chez certains enfants à cause de l’handicap qui influencera la vie de l’enfant et de sa famille toute entière ; cette influence pousse la famille à changer son organisation pour s’acclimater à l’état de l’enfant.
Cette acclimatation peut être juste car elle développe les capacités de l’enfant, comme elle peut être déstabilisante car elle pousse l’enfant à l’inertie en comptant sur les autres. En ce sens, le destin de l’enfant handicapé dépendra des limites de la prise de conscience chez les membres de sa famille et sur la possibilité de jouir de relations stables qui poussent certaines familles à l’obligation de faire intervenir un spécialiste pour les aider à corriger leurs perturbations relationnelles. Cette assistance qui s’inscrit dans le registre des traitements familiaux doit être appliquée essentiellement au sein de la famille et doit s’acclimater aux relations et perturbations.

Mots clés : famille - croissance - handicap - relations - perturbations - traitement familial.

 

Leila SOULIMANE-MESSAOUD : Université de Mostaganem, 27 000, Mostaganem, Algérie


 

مقدمة

إن اختيار هذا الموضوع كان نتاجا لممارستنا الميدانية، و لملاحظة نوع من الركود لدى بعض الأطفال المعاقين و بالرغم من المحاولات والحصص العلاجية المتخصصة التي أبدت نتائج إيجابية لدى بعض الأطفال من جهة و من جهة أخرى رغبة أفراد الأسرة وبخاصة الأم في مساعدة الطفل من خلال تساؤلاتهم حول أسباب لجوء الطفل إلى بعض السلوكات الطفلية البدائية.

ولاحظنا كذلك، خلال العمل مع هذا النوع من الأسرة أن الخلافات بين الأفراد تؤدي إلى عدم الاتفاق والمشاركة في الالتزام بنصائح ومطالب المختصين. وهذا ما دفع بنا إلى محاولة توعية أفراد الأسرة كل على حدى بالإعاقة، وكيفية التعامل مع الطفل المصاب بها.

بدأت الاضطرابات العلائقية تظهر بوصفها أسبابا في عدم إمكانية توحيد الجهود داخل الأسرة واشتراك أفرادها في مساعدة الطفل، فارتأينا إذا اللجوء إلى تطبيق العلاج الأسري وتقنياته الممكنة قصد مساعدة هذه الأسر وخاصة ذوات الأطفال المعاقين. ومن ثم كانت هذه الخطوة بداية لطرح إشكالية هذا البحث، ودراسة الموضوع بطريقة علمية كي يكون التدخل مجديا وفعالا.

و انطلاقا من هذه الملاحظات تشكلت فكرتنا عن دراسة الأسر، ونوعية العلاقات داخلها، ولعلاج الاضطرابات فيها لم نجد أي مرجع جزائري، فلجأنا لدراسة الطرق العلاجية المقترحة من طرف النظرية النسقية ثم حاولنا مع حالات الدراسة أن نكتشف العوامل الأساسية المؤثرة في هذا النوع من العلاج، و ما هي إمكاناته و حدوده مع عينة دراستنا، وهذا لغرض مساعدة الأسر التي شكلت عينة الدراسة أولا و لفتح المجال مستقبلا من أجل تأسيس طرق علاجية للأسرة تكون متناسبة مع ثقافة الأسرة الجزائرية ثانيا.

انطلقنا من إشكالية مفادها؛ التساؤل التالي: إلى أي مدى يمكن للجو الأسري الذي يعيش داخله الطفل أن يؤثر على نموه النفسي، اللغوي، المعرفي و الاجتماعي هذا من جهة، ومن جهة ثانية كيف يمكن للكفالة المتخصصة أن تجلب للأسرة نتائج إيجابية، بالنسبة لتعلم الطفل، في ظل اضطراباتها العلائقية. وعليه افترضنا بأن:

  • 1) الاضطرابات العلائقية تؤدي إلى عرقلة نمو الطفل.
  • 2) يعيق الجو الأسري المضطرب الكفالة المتخصصة للطفل المعاق كما يعيق سبل تحقيق تعلمه.
  • 3) يلعب العلاج الأسري دورا هاما في تحرير الطفل من ركوده و ذلك بتسوية العلاقات التي تميز الجو الأسري.

لدراسة ومناقشة الفرضيات حاولنا أن نتطرق في الجانب النظري لآراء الباحثين حول متغيرات بحثنا والروابط بين هذه المتغيرات و ركزنا في الجانب الميداني على دراسة الحالات حيث تمثلت عينة الدراسة في كل الحالات التي طالبت بمساعدة المختص النفسي فيما يخص سلوك الطفل أو اضطراباته،  والحالات التي جاءت في طلب المساعدة المباشرة فيما يـخص الاضطرابات العلائقية،فشملت العينة عشر حالات تمت دراستها في مكانين:

- جمعية خاصة بالتكفل بالأطفال المصابين بالإعاقة الحركية الدماغية(بوهران).

- عيادة خاصة بالتكفل النفسي- الأرطفوني (بوهران- حي الضاية) وكذا وسائل العمل مع الطفل و العملية العلاجية، كما قمنا بعرض شامل لعينة الدراسة.

و قد اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج العيادي، الذي يعتبر من المناهج التشخيصية، التي يطبقها الأخصائيون، في دراسة و تشخيص الاضطرابات "وهو منهج يقوم على أخذ الإنسان في موقف معين أو على أنه حالة فريدة تتطور وتتأثر بالعوامل النفسية و الاجتماعية" (ع م. ت. الشياباني ص. 131) حيث قمنا

أولا: بدراسة الحالات، معتبرين الوحدة الأسرية هي الحالة وليس الأفراد.

ثانيا:حاولنا استكشاف الاضطرابات العلائقية وآثارها على الأفراد وبالخصوص على الطفل المعاق. وعلى الوحدة الأسرية كما استعملنا اختبار تفهم الأسرة للتأكد من وجود أو عدم وجود الاضطرابات العلائقية.

ثالثا: لجأنا إلى الوسائل التربوية لتحري مدى رغبة الطفل في الاكتساب والتعلم أو عدمه.

رابعا: بعد التماس الاضطرابات العلائقية والتأكد من تأثيراتها على نمو الطفل من جهة و النشاطات اليومية لكل فرد، ومن جهة أخرى على تجانس البنية الأسرية، لجأنا إلى تطبيق العلاج الأسري الذي حاولنا تكييف تقنياته حسب كل حالة.

قبل أن نقدم (الجانب التطبيقي) النتائج الميدانية نتطرق إلى توضيح المفاهيم التي نستند عليها، لا لضرورة أكاديمية وإنما لاستخراج المؤشرات و السندات العلمية، لتوضيح الميكانزمات التي تؤثر في التوازن أو الاختلال النفسي- العلائقي و التي يجب التركيز عليها من أجل تعديل و تصحيح الخلل في العلاقة بين أفراد الأسرة و من ثم علاج الفرد الذي يظهر عليه الاضطراب. فسوف نتطرق إلى توضيح المفاهيم التالية "النمو" و "الأسرة" و "العلاقات الأسرية" و "الإعاقة" "العلاج الأسري و المقاربة النسقية".

النمو

إن نمو الطفل في شتى مجالاته الاجتماعية والمعرفية واللغوية مرتبط بنشاط الأسرة ومدى توفيرها للتجارب الفعلية للطفل من أجل ممارسة السلوكات وتنميتها. يتطلب نمو الطفل عند والون (Wallon) اشتراك عوامل داخلية و أخرى خارجية1. تتمثل العوامل الداخلية في استعدادات الطفل وقدرته على التعلم، أما العوامل الخارجية فهي الظروف التي توفرها له الأسرة لتنمية قدراته و تحقيقها.

إن كل فرد في الأسرة خاضع لعملية النمو، فالأطفال ينمون في كل المجالات الجسمية و المعرفية و اللغوية و النفسية. هذا النمو تبدو مظاهره واضحة في سلوك الطفل وتصرفاته ومكتسباته. أما نمو البالغين فهو لا يبدو بارزا مثل نمو الطفل، لكن سن البلوغ، كغيره من المراحل، ينمو باستمرار تحت تأثير تجارب الحياة والممارسات الاجتماعية.

هذا يفسر الاختلافات بين الإخوة، حيث أن كل منهم يولد في مرحلة مختلفة من نمو الأب والأم، و كذا النسق الزوجي الذي يكونانه. "إذا كان الإخوة والأخوات ولدوا من نفس النسل فهذا لا يعني أنهم كان لهم نفس الأبوين، لأن كل واحد منهم ولد في وقت فريد من نمو الأب والأم والزوج الذي يكونانه"2. ونمو كل طفل يؤثر على نمو النسق الأخوي، حسب تطور العلاقات بين الأفراد داخل النسق.

تتأثر الوحدة الأسرية بكل فرد من أفرادها؛ حيث أن نمو الأفراد يؤدي إلى نمو الأنساق التحتية وهذا الأخير يؤثر في الأسرة ذاتها. كما أن المشكلات أو المستجدات التي تمر بها الأسرة كوحدة، تحدث فيها تغيرات من حيث البناء والتماسك.

ومنه فإن دراسة اضطرابات النمو لدى الطفل، سواء كان عاديا أو معاقا، تقتضي الإحاطة بالجو و بالنشاط الأسري الذي يعيش في ظله هذا الطفل، وتمارس فيه العملية التربوية قصد معالجة هذا الجو وجعله سويا موفرا للأمان والثقة والتقدير التي يحتاجها الطفل لتحقيق مكتسباته وممارسته.

الأسرة : عمد الكثير من الباحثين والمطبقين إلى تعريف الأسرة قصد توضيح كيفية تناولها حسب الاعتبارات التي يربطها الباحث بموضوع دراسته. فمنهم من يذهب إلى تعريفها حسب تكوينها؛ حيث تعرفها ف.ساتير (V. Satir) على أنها مجموعة مكونة من شخصين بالغين يعيشان تحت نفس السقف، و يمارسان علاقات جنسية مشروعة في المجتمع، و مثل هذه الجماعة ترتبط بوظائف تتدعم بالمبادلة3.

ويذهب بعضهم إلى تعريفها حسب تشكيلتها مثل ب. دومينيك .(P.Dominique) الذي يعتبرها مجموعة من المكانات (أب، أم، ولد) ينضبط بعضها على بعض في نسق من الـروابـط، أيـن يـكـون لـكـل واحـد حـقـوق وواجـبـات علـيـه القـيـام بـها4 (P. Dominique 1998 ص. 69).

وهي أيضا "مجموعة منظمة ثابتة نسبيا تشكل أحد أسس الحياة الاجتماعية وفي نفس الوقت تمثل نموذجا لنسق تفاعلي يتضمن تحديد الأدوار، المكانات و المعايير العلائقية والتصورات التي توجه السلوك. 5

إذا كان الجو الأسري الذي يعيش فيه الطفل مضطربا، فإن نموه، الذي يتوقف على مدى استثمار الأسرة، سيلقى حواجز اجتماعية تعيقه وتحد من إمكاناته لتحقيق الكفاءات. وبالتالي إذا كانت إمكانات الطفل الفطرية محدودة فإن نموه يتأثر بهذا القصور ويتوقف على مدى قدرة الوحدة الأسرية على التغير والتكيف مع حالة الطفل. لذا فإن علاج الاضطرابات الأسرية يصبح حتميا من أجل مساعدة الأسرة وتقوية قدرتها على التغير والتكيف مع حالة الطفل وحاجاته سواء أكان طبيعيا أو بحاجة إلى تربية خاصة وكفالة.

مكانة الطفل في الأسرة

إن وجود الطفل يعتبر نموا للأسرة يستدعي روابط إضافية بين الزوجين من حيث اعتباره موضوع استثمار مشترك6 و رغم اعتماد الطفل على والديه فوجوده يحقق لكل من الأبوين إشباعات نفسية واجتماعية عميقة؛ حيث أنه بالإنجاب تتحقق أنوثة المرأة وتثبت قدرة الرجل واستحقاقه للمسؤولية، هذه الإشباعات ترفع من قيمة الأسرة بالنسبة إليهما. "إن الطفل بوجوده يقدم لأمه وأبيه فرصة أخرى ليحس كل منهما بأنه كامل، يستحق الحب، مهم وتام" (Satir V. 1982, p. 35).

كما أن هذا الطفل يسمح لكلا الزوجين، وكذا الأسرة التي يكونانها، بامتلاك مكانة جديدة لها قيمتها في المجتمع، وهي مكانة الأب والأم "بالنسبة للطفل الوظيفة الأولى للأبوين هي أنه جعل منهم أب وأم"7 .

العلاقات الأسرية

"إن تناول الأسرة يقتضي اعتبارها ككل نشيط، يتوقف فيه سلوك كل فرد على العلاقات التي تربطه بباقي الأفراد" (Marc E. - Picard D. 1989 p.193)

فالعلاقة هي تلك الجاذبية الوجدانية، والتفاعل الواقع بين الأفراد، الذي يتحدد بكيفية اتصالاتهم، لأن العلاقة عبارة عن تفاعل يتم خلاله اختراق للأنساق والاتصال هو السبيل الوحيد لهذا الاختراق.

ليس هناك من الباحثين من قام بدراسة الطفل دون أن يشير إلى أهمية العلاقات الأولية في حياته. حيث يرى ج.بولبي (J. Bowlby) "أن نوعية العلاقة بين الطفل وأمه هي التي تمكننا من التنبؤ بمدى تكيف الطفل مع محيطه. وأن تجربة الحنان خلال العلاقات الأولية تسمح للطفل أن ينفتح على العالم"8.

فمنذ اللحظات الأولى، عندما يكون الطفل في حضن أمه، يمارس أول تجربة للعلاقة الأحادية، التي يعتبرها كستيلان (Castellan) تمهيدا لكل أنواع التنشئة الاجتماعية. (Castellon Y. 1982 p 56) تبدأ تهيئة الطفل منذ البداية لتزويده بمبادئ عقد العلاقات السوية التي يحتاجها للاستمرار في النمو و التعلم.

وتجسد الأم هذه العلاقة بحضورها واستجابتها لحاجات الطفل الأساسية. إذ أن عملية الرضاعة وخاصة الطبيعية منها تسمح للطفل بتحقيق أولى رغباته في الحياة.

تأثير العلاقة الزوجية على الطفل

 تتمثل في التعويض الذي يجده كل من الأبوين في علاقتهما مع الأطفال. و في النماذج العلائقية التي يقدمها الأبوان للطفل، والتي ستؤثر على علاقاته مستقبلا عند تكوينه لأسرته الخاصة كما أن علاقة كل طرف مع الآخر، يعكس تصوراته عنه، وكلاهما يمثل جنسه بالنسبة للطفل و بالتالي يركز الطفل على ما يعيشه من علاقات بين أبويه، لبناء تصورات عن كلا الجنسين : الرجل والمرأة.

فالنماذج التي يقدمها الأبوان هي في رأي Y. Castellan أكثر عمقا من التقليد. و يتفق معه برونير Bruner حيث يرى بأن النماذج هي وسائل قوية لتوريث السلوكات الأكثر تعقيدا 9.

العلاقات الأخوية: تعد من المحاور البالغة الأهمية في تكوين شخصية الطفل، وتمايزه جنسيا وإدراكه لذاته وللآخر حيث يرى ب باكون P. Cohn H. أنه في ظل التفاعلات الأخوية، التي هي عبارة عن نوع خاص من التنشئة الاجتماعية، تتشكل بعض معالم شخصية الطفل كما أنها تشكل نماذج ينقلها الطفل فيما بعد خلال تمدرسه وفي حياته الاجتماعية، لعقد علاقات مع محيطه وفق ما كانت عليه علاقاته مع إخوته.

فشخصية الفرد مرتبطة بتشكيل أسرته وترتيب أفرادها، وبنمو كل فرد منها، حيث يقترح بعض الباحثين (Wallon) مثلا، تحليل نمو الطفل انطلاقا من تمييزه تدريجيا بين "الأنا" و"الآخر"، وهذا التمييز يرتكز أساسا على المقارنة التي يقوم بها بين سلوكاته وسلوكات الإخوة الأكبر والأصغر منه ولذلك فإن كل مكانة داخل النسق لها خصوصياتها، و هو ما يدفعنا كمختصين إلى البحث عن مرتبة الطفل بين إخوته عند دراسة الشخصية.

"الطفل يجد مكانته داخل أسرته عند التقاء محورين عاطفيين، المحور العمـودي فيما يخص علاقاته مع الأبوين، والمحور الأفقي الذي يخص علاقاته مع إخوته" (Marc E. –Picard D. 1989 p188).

الإعاقة

مفهوم الإعاق:Handicap إن مصطلحHand in cap بالإنجليزية معناه اليد في القبعة وذلك نسبة إلى بعض الألعاب التي كانت منتشرة قديما، يحاول فيها المتســابقون عرقلة منافسيـهم لمنعهم من الـفوز10.

المعاق هو الطفل الذي يباشر حياته بقصور أو يكتسب خلال نموه تأخرا، مقارنة مع الأطفال العاديين الذين هم في نفس سنه البيولوجي. ((In) Robert Laffont ص. 513)

وتعرف منظمة الصحة العالمية (O M S )المعاق على أنه كل من تميز بنقص جسمي أو عقلي بصفة دائمة أو مؤقتة سواء كان هذا النقص فطري أو مكتسب.

القصور يعني تلف في أحد الأجهزة، أو في وظيفة نفسية أو بيولوجية. وهو يمثل كل اضطراب، فطري أو مكتسب، دائم أو مؤقت. أما إنعدام القدرة فيعنى نقص في القدرة على القيام بالنشاط و الإعاقة هي ذلك الحرمان الذي ينتج عن القصور أو انعدام القدرة الذي يتجسـد في عدم التناسـب بين قدرة أو حالة شخـص وما هو منتظر منه.

تأثير الإعاقة على الأباء: إن وجود الإعاقة في الأسرة يعتبر من العقبات التي تتصدى لسيرورة الأسرة حيث تتطلب التكيف معها، هذا التكيف هو عملية تفاعلية يتغير على إثرها نظام الأسرة ككل؛ "حيث يتلقى الأبوان أخبار مثيرة تغير عاداتهم ورغباتهم وكذا مشاريعهم، إذ تستلزم السرعة في إعادة بناء سلوكاتهم"11

كما أن الإعاقة تؤثر على الأبوين، من حيث أن إنجاب طفل سوي ومستحسن من طرف الآخرين، يزيد من قيمة الأبوين واعتزازهما أما المعاق فيسبب جرح نرجسي؛ ويتفق الكثير من علماء النفس على هذا الرأي إذ يرى م.مانوني(M. Mannoni) أن قصور الطفل يمس الأم في نرجسيتها و كل إنقاص من قيمته تعتبره مس بشخصيتها الخاصة12.

ويؤكد شيل (Scelles) أن ميلاد طفل معاق هو دائما جرح نرجسي بالنسبة للأبوين كما أن الإعاقة مهما كانت درجتها تتسبب في شعور الأبوين بالذنب، إما لعدم قدرتهما على إنجاب طفل سوي أو عجزهما عن حمايته ونجد في رأي Satir V. أن لدى الأبوين شعور داخلي بأنهما مسؤولان عن حالة الطفل (Satir,V. 1982, p. 62).

إن معاش الطفل المعاق يعتبر شيء غريب على الآباء الأسوياء، فهم عاجزون عن تصور ما يحس به الطفل، وبالتالي غير قادرين على مساعدته في تمثل ما يشعر به والتعبير عنه. فتحدث حاجات الطفل إحباطا لدى الوالدين لعدم قدرتهما على إرضائه، و لدى الطفل لإحساسه بعدم الفهم من طرف الآخر و يؤكد Scelles هذا الرأي باعتبار أن التفاعلات بين الطفل المعاق وأقربائه تصبح مصدرا للإحباطات (Scelle R. 1997p29).

تأثير الإعاقة على الأخوة والأخوات: إن أكبر مشكل تتسبب فيه الإعاقة بالنسبة للأخوة والأخوات هو عدم فهم حالة الطفل، وعدم تمكنهم من الحزم في اختلافهم أو تشابههم معه كما أن الأبوين قد يكثران التدخل بين الإخوة، إما لحماية المعاق أو لحماية إخوته منه وهذا يمنعهم من عقد علاقات سوية معه "فالأبوان يعتبران أحيانا الإعاقة خطر على أطفالهم العاديين أو على العكس يظنون أن هؤلاء قد يضرون بأخيهم المريض وهذه المواقف تؤثر على مستويات العلاقات الأخوية" (Scelle R. 1997p109).

يحس إخوة وأخوات الطفل المعاق بامتيازه عنهم في كسب أبويه حيث يعتبر Freud أن الرغبة الأساسية لكل طفل هي أن يستحوذ على حب أبويه و امتلاكهم. (Marc E. Picard D. 1989, p87) و أن قصور الطفل يدفع بالأبوين إلى الاهتمام به مما يجعله مستفيدا و يدفعه إلى الركود وعدم الرغبة في الاستقلالية للمحافظة على هذا الاهتمام والامتياز. فالطفل برأي V. Satir يقدم مطالبه العاطفية واللغوية باستغلال ضعفه، والشفقة التي يثيرها. والمرضى بارعون في جلب التعاطف والتفاني لدى الآخرين (Satir V. 1982, p16)و كل هذا قد يدفع بالإخوة والأخوات إلى نبذ المعاق.

إن إحساس الغيرة يعتبره فرويد حالة عادية مثل الحزن، بل هي شعور يدفع إلى الرغبة في التفوق والمنافسة يساعد هذا الشعور الأطفال على تسيير عدوانيتهم، لكنه يتطلب التساوي في المستوى و القدرات، أما الإعاقة فهي تمنع من التساوي، وبالتالي من الشعور بالغيرة. وإن أحس بها الإخوة فقليل ما يعبرون عنها "إن إخوة الطفل المعاق قليلا ما يعطون لأنفسهم الحق في طلب المواساة وتخفيف الآلام من آبائهم". (Scelle R. 1997, p72)

تأثير الإعاقة على الوحدة الأسرية: إن حاجة الطفل المعاق إلى الآخر، وخاصة إذا كانت استقلاليته منعدمة، يتطلب باستمرار تجنيد شخص من الأسرة معه وغالبا ما تكون الأم. مما يدفعها إلى إهمال مجالات أو علاقات أخرى، كالعلاقة الزوجية أو علاقتها مع الأطفال الآخرين فقصور الطفل يفرض على الأسرة إعادة تنظيم حيث أن الفراغ الذي تتركه الأم بسبب اهتمامها به سيعوض بطريقة ما لإعادة إيجاد التوازن.

إن مرافقة المعاق تتطلب تحمل نظرات وتركيز الآخرين عليه، بما في ذلك تساؤلاتهم و تعليقاتهم. ولذلك فإن الإعاقة تحد من العلاقات مع العالم الخارجي، إما بدافع الخجل أو بدافع حماية الطفل من الإحباطات، التي تسببها نظرات الآخرين التي تظهر الشفقة.

و في بعض الحالات تنعزل الأسرة خوفا من عدم تحمل الطفل لكثرة الغرباء؛ أو نظرا لحاجاته الملحة، التي تحرج الأم خلال زيارتها للآخرين، فالكثير من الأمهات صرحت بأنها منذ ولادة المعاق لم تحضر المناسبات العائلية بسبب الإعاقة.

يعتبر R Scelles أن إخوة الطفل المعاق لهم علاقات اجتماعية أقل من الآخرين وهذه الحالة تثير تفاقم الاضطرابات الأسرية. (Scelle R. 1997, p134)

دور الأسرة في نمو الطفل المعاق: يتاح للطفل التعرف على عالمه الخارجي باستعمال مختلف الحواس، فيبني انطلاقا منها صورة عن واقعه ، وفي غياب أحد هذه الحواس تثبت مجموعة الطرق الأخرى التي على أساسها يستطيع المعاق أن يبني صورة نوعا ما مترابطة عن الواقع ولكنها مختلفة (Aimard P. -MorgonA. 1985, p13)

 فالأطـفال المـعاقون في نمو دائم حيث تبنى سـلوكاتهم انطـلاقا من قـصورهم، فنمو الطفل المعاق يتطلب نوعا من التحكم والوعي لدى الآباء إذ عليهم حمايته وفي نفس الوقت إعطائه الفرص لتنمية قدراته؛ أما محاولة إبعاد كل الصعوبات، التي تعترضه، فتجعله لا ينمي هذه القدرات ولا يبحث عن حلول للمشكلات.

ينمي الطفل تصورات و يعتبر نفسه فيها "مستفيدا" من العلاقة مع المحيط. وفي هذه الحالات يتكون لديه إحساس ضعيف بالتحكم، والتأثير في محيطه، مما يؤدي إلى انعدام أو نقص النشاط، في البحث عن الأمن في الحالات المقلقة.

إن الأم، في حالة معاناتها من اضطرابات علائقية مع الزوج، تجد مكانتها وأهميتها في الاهتمام بالطفل المعاق، خاصة إذا تمكن باقي الأطفال من اكتساب الاستقلالية الذاتية "يفيد مرض الطفل في حماية الأم من قلقها الداخلي. "(Mannpni M. 1964, p10) فتصبح نشاطات الأم مرتكزة على إعاقة الطفل. لكن المريض لا ينقص من ألم والديه و إنما يوجه التركيز نحو ذاته.

العلاج النفسي

تعبر عملية العلاج النفسي عن النشاط الفعلي الذي يعكس أهمية وفاعلية علم النفس، حيث تمثل جانبه الوظيفي، وهي وضعية تفاعلية واعية مصممة من أجل التأثير على الاضطراب السلوكي، وحالات المعاناة التي تتطلب علاجا بطرق نفسية في اتجاه نحو هدف متفق عليه13.

وتتأثر تقنيات العملية العلاجية، باعتبارها الجانب النشيط لعلم النفس، بتطور نظريات ومدارس هذا الأخير، التي تتفق في موضوع الدراسة وتختلف في كيفية تناول هذا الموضوع، ففي الستينيات كانت وجهة نظر علم النفس متمركزة على المدارس ثم تطورت في الثمانينيات لتركز على الاضطرابات التي يعاني منها المريض. ثم توجه التركيز نحو منشأ الاضطرابات. وأصبح تدخل المختص النفسي لمساعدة فرد أو أكثر يأخذ بعين الاعتبار أن مشاكله هي مشاكل أسرته ككل، فيتم التدخل في دراسة العلاقات بين أفراد الأسرة. التي تتطلب بدورها دراسة وتحليل لنوعية الاتصالات بينهم.

فنشأ العلاج الأسري، الذي هو طريقة علاجية يتم فيها تناول الأسرة، كوحدة في نشاط مستمر، تعرف بالتفاعلات الواقعة بين الأفراد، وليس بمجموع أفرادها. ففهم الأسرة كنسق يركز على تحليل نشاطها الذي يظهر في وجهتين:

- الطاقة التي تحرك الوحدة.

- انتقال وسير الأخبار والمعاني.

 المقاربة النسقية

تعرف على أنها العلاج النفساني الذي يسعى لدراسة الاتصالات، وأشكال التفاعل داخل الأسرة حيث يمكن تحسين شبكة العلاقات باستخدام المقاربة الجماعية و هو تيار نتج عن تبني فكرة ذات أصل بيولوجي، هي نظرية النظم العامة، و مفادها أن الكل يشكل وحدة خاضعة لقوانبن تختلف عن القوانين التي تحكم كل جزء على حدى.

المفاهيم الأساسية

النسق: كلمة يونانية تعني مجموعة منتظمة تتناول نظرية الانساق الأسرة باعتبارها وحدة في توازن دائم. و هي مجموعة من العناصر متفاعلة فيما بينها. خاضعة لمجموعة من الخصائص و لها حدود. تختلف القوانين التي تنظمها عن تلك التي تنظم الأفراد.

التواصل بين الأجيال : فالأسرة تحوي على الأقل جيلين أو ثلاثة أجيال (ابن، أب، جد) و إن كل جيل يتأثر و يؤثر في الأجيال الأخرى. ويرى بوفين (Boven) أن اختلال وظيفي على مستوى الأجيال الثلاثة المتتالية يتسبب في ظهور الذهان لدى أفراد الجيل الثالث.

الاتصالات المتناقضة : توجد رسائل متناقضة في الاتصالات، أي هناك عدم اتفاق و تناقض بين الاتصال اللغوي و طريقة التعبير أو الإيماءات المرافقة مما يحدث اضطراب على مستوى الاتصال داخل الأسرة، كأن تدعو الأم طفلها لتحضنه، و تنفر منه إذا اقترب منها. و ترى V. Satir أن هذا النوع من الاتصالات بين الأبوين يجعل الطفل في وضعية مبهمة و مضطربة

المريض المحدد Le patient désigné هـو أحد أفراد الأسرة تظهر عليه أعراض مرضية أو اضطرابات سلوكية، هذه الأعراض تحدث توازن خاص على مستوى النسق. فالمريض المحدد هـو الحامل لأعراض الاضطرابات داخل النسق. .(Le Porteur du Symptôme)

خصائص الوحدة الأسرية

الوحدة: لا تعرف الأسرة بمجوع أفرادها وإنما بمجوع الروابط والتفاعلات التي تجمع أفرادها في كل متجانس.

المحافظة على التجانسHoméostasie : أن الأسرة في ديناميتها و تفاعلها الدائم مع المحيط الخارجي في تغير مستمر حسب المستجدات الخارجية و حسب نمو أفرادها، فعندما يهتـز التجانس الأسري يبذل مختلف الأفراد الكثير من الطاقة للمحافظة عليه(Satir V. 1982p14).

القدرة على التغير : وهي المرونة التي تتصف بها الوحدة الأسرية الخالية من الاضطرابات، و هي تلك القدرة التي تجعل الأسرة تتغير من حيث تنظيمها و مكانات أفرادها للتكيف مع وضعية جديدة؛ حيث أن فقدان أحد الأفراد يعيد تنظيم كل النسق، فتتغير المكانات والعلاقات وكل فرد عليه اتخاذ مكانة جديدة وفقا للآخـرين، هذا التغير ينشئ نسق جديد متكيف مع الواقع الجديد(Picard D. 1998p69).

تساوي الأعراض مع الغايات Equifinalité : في حالة تصلب النسق ومقاومته للتغير تظهر الأعراض التي تؤدي وظيفة المحافظة على التجانس، فالأزمات الأسرية تتناسب مع عدم قدرة النسق المتصلب على إستدخال التغير(Marc E. Picard D. 1989p196).

و لفهم مـعـنـى أعـراض الـطـفـل عـلـيـنـا البحث أولا لدى الآباء (Mannoni, M. , 1964, p. 79)

 فهذه الطاقة داخل النسق بفعل الاضطرابات العلائقية قد تصبح سلبية وتؤثر على الطفل فتظهر عليه الأعراض و بالتالي يجسد الطفل معاناة الجماعة الأسرية (Scelle R. 1997p52)

عمل المعالج في النظرية النسقية

  • تحديد وظيفة العرض.
  • طرح أسئلة تتيح لكل عنصر بالتعبير.
  • مساعدة الأسرة على إيجاد توازن في غياب العرض.
  • إدخال تغيير في النسق (بأخذ مكان فيه).

نتائج الدراسة

 توصلنا من خلال هذا البحث إلى أن الاضطرابات العلائقية داخل الأسرة تؤثر على نمو الطفل سواء كان معاقا أو غير معاق و أن التربية المتخصصة للطفل المعاق لا يمكن أن تأتي بنتائج إيجابية إذا كان الطفل يعيش في جو أسري مضطرب. و أن العلاج الأسري للاضطرابات العلائقية يؤدي إلى تسوية الاضطرابات السلوكية و اضطرابات النمو التي يعرضها الطفل.

ما لاحظناه عند دراستنا للاضطرابات مع عينة الدراسة هو أن الاضطرابات تختلف من حالة لأخرى و لها مستويات، فقد تتوقف عند طرق الاتصال أو تتعمق إلى المستوى العلائقي، وفي حالات أخرى يكون الاضطراب على مستوى شخصية الأفراد.

 واكتشفنا أن الاضطرابات العلائقية خاضعة لقوانين النمو فيبدأ الاضطراب على المستوى الاتصالي،وإذا استمر سيبني كل طرف تصورات عن نظرة الآخر له. و انطلاقا من هذه التصورات تكون ردود أفعال و سلوكات يتعود عليها كل طرف فيتحول الاضطراب إلى المستوى العلائقي. يتأثر كل طرف بعلاقته مع الآخر فيبني على أساسها تصوراته عن ذاته وتكون بذلك الاضطرابات قد تعمقت إلى مستوى بناء الشخصية.

هذا الاختلاف في مستوى و عمق الاضطرابات يفرض على المعالج الأسري أن يحدد مستوى الاضطرابات قبل التخطيط للطريقة العلاجية المناسبة و استطعنا تحديد (انطلاقا من عينة الدراسة) ثلاثة مستويات ممكنة للاضطرابات داخل الأسرة هي:

 الاضطرابات الاتصالية

 تتمثل هذه الاضطرابات في طريقة الاتصال، والتعبير عن المشاعر، والألفاظ المستعملة و شدة الصوت، حيث تكون المشاعر موجودة والتصورات إيجابية لكن طريقة التعبير مختلة. يضطر الزوجان في الحياة اليومية إلى الحديث عن متطلبات مادية، أو إعطاء انتقادات ومناقشات تفرضها مواقف التجربة الحياتية، وغالبا ما تنشأ الشجارات بسبب الألفاظ المستعملة أو شدة الصوت.

يكتفي المعالج مع هذه الحالات بتوعية العملاء، وتنبيههم لأهمية الحوار المجدي والبناء. وقد يلجأ إلى تعليمهم، معا أو كل على حدى، الطريقة المثلى للاتصال، ونقد الآخر دون التسبب في جرحه أو إيذائه.

 الاضطرابات العلائقية

 يكمن الاضطراب، في هذه الحالات، على مستوى التصورات والمكانات، كالتنازع على السلطة، أو اللجوء إلى التعميم و الحكم، في حالة حدوث خطأ من طرف الآخر والخلاف في هذه الحالات يؤدي إلى سلوكات عدوانية، قد تكون جسدية، معنوية أو لفظية.

ويرتكز التعامل مع الآخر على أساس ردود الأفعال، دون اعتبار مكانته وأهميته. فكل سلوك يقابله من الطرف الآخر رد فعل أقوى منه.

لا يكتفي المعالج بإصلاح المظاهر الاتصالية للاضطراب وإنما يتجاوزه إلى تحديد المكانات وتوضيح التصورات وتقسيم السلطة.

تتطلب العملية العلاجية، مع هذه الحالات مقابلات فردية وأخرى جماعية، يتم من خلالها تحديد الأبعاد وتوضيحها، والاعتراف بالمكانات وإعادة النظر في القوانين التي يتم على أساسها تقسيم السلطة داخل الأسرة ومن خلال الحصص الفردية يعمل المعالج على جعل كل طرف يركز على إيجابيات الآخر ويدفعه إلى الاعتراف بتقديره له.

الاضطرابات الشخصية

في هذه الحالات يكون الاضطراب أعمق، وتعم تأثيراته كل أفراد الأسرة والعلاقات داخلها. إذ يكون على مستوى بناء شخصية أحد الأبوين أو هما معا، كمعاناة أحدهما من الحرمان، أو مروره بتجارب قاسية في أسرته الخاصة.

فيلجأ المعالج إلى دراسة شخصية كلا الأبوين حيث يعود من خلالها إلى تكوين أسرة كل منهما ومكانته فيها، وطبيعة التربية التي تلقاها، ومستوى العلاقات التي ربطته مع آبائه وإخوته.

تتطلب هذه الحالات مقابلات فردية، وثنائية لكل أفراد الأسرة، حسب الحاجة التي تتطلبها العملية العلاجية ثم مقابلات أسرية يتم فيها جمع كل أفراد الأسرة. فيقوم المعالج، خلال هذه الحصص، على إشراك أفراد الأسرة في مساعدة الأب أو الآم، على تخطي الحواجز التي تمنعه من عقد علاقات سوية معهم وذلك بجلبه نحو الوعي بأهمية تحقيق العاطفة، وجعله يكتشف العلاقات الوجدانية، ويتعرف عليها إن كان لم يعشها من قبل.

ويتم تحقيق هذه الأهداف من خلال إعطاء المعالج للأفراد تدريبات وواجبات منزلية يقومون بها مع الشخص المقصود.

اضطرابات العلاقة مع الطفل

إن عجز الطفل عن التعبير في حالة عدم رضاه يجعل نموه يتميز بنوع من الركود وأحيانا يدفعه إلى تنمية سلوكات مضطربة أو إلى أمراض نفس- جسدية. فاضطرابات الطفل ما هي إلا وسائل يلجأ إليها للتعبير عن مطالبه أو عن عدم فهمه لوضعية معينة أو رفضه لهذه الوضعية، و تتأثر العلاقات حسب تفهم الكبار للطفل و لسلوكاته، و حسب ردودهم تجاه هذه السلوكات. و بالتالي على المعالج أن يتدخل على مستوى الأولياء لتوعيتهم وتعليمهم كيفية فك الحواجز التي تعيق نمو الطفل، وكيفية تدعيم ملكات الطفل، و مساعدته على التعبير اللّفظي و المباشر بمنحه الفرص والتجارب الفعلية لممارسة هذه المكتسبات.

نتائج تطبيق العلاج الأسري

بعد دراستنا لنوعية و مستوى الاضطراب داخل الأسرة ركزنا على كيفية علاجها و التي تمثل في محاولة إحداث تغيرات على مستوى الأسر التي شكلت عينة الدراسة، حيث برزت لنا أهمية أحد العوامل المؤثرة في العلاج الأسري و هو عامل المرونة و نقصد به مدى تقبل الأفراد لعملية التغير. تختلف الأسر من نسق لآخر في درجة المرونة، و هي متعلقة بمدى النضج الوجداني لدى الأفراد خاصة الوالدين، و بمدى تقديرهم لذاتهم وللآخرين هذا من جهة، و من جهة أخرى تلعب الثقة بالنفس و بالآخر دورا هاما في تحديد مدى تفتح أو انغلاق النسق على العالم والمحيط و مدى تقبله للاختلاف. تمكننا خلال العمل التطبيقي من تمييز مستويات متباينة من مرونة الأنساق و حددناها كالتالي:

  • المبادرة: في هذا المستوى يتمتع الأفراد باليقظة و الدقة في ملاحظة الاضطرابات النفسية أو العلائقية، مما يجعل لديهم الوعي الكافي بضرورة التغير، فيبادرون به وأحيانا يلجأون إلى المختص النفسي لطلب المساعدة. يقتصر عمل المعالج مع هذه الحالات على التوجيه و الإرشاد.
  • التقبّل: يتمثل هذا المستوى في تقبل الرأي الآخر و الاقتناع به و عدم اعتبار أن تبني الرأي الآخر أو الجديد مساس بقيمة الذات أو نقد لها مع هذه الحالات يعمل المعالج على لفت الأنظار، نحو ضرورة التغير.
  • التردد: و هو تقبل رأي الآخر و عدم الاعتراف بذلك، مع الدفاع عن الرأي الخاص خوفا من المساس بقيمة الذات و مكانتها لدى الآخر. يعمل المعالج في هذه لحالة على تجنيب الأفراد حالة الشعور بالذنب، قبل البدء بإقناعهم بضرورة التغير وتدعيم ثقتهم لتشجيعهم على إدخال التغيرات.
  • الإنكار: و هي حالة التشدد و التمسك في الرأي و مقاومة التغير مع الإصرار على المواقف المعتادة. يحتاج المعالج مع هذه الحالات إلى التعمق أكثر في الدراسة لكسب ثقة الأفراد وإقناعهم بضرورة التغير، كما يستحسن أحيانا أن يحاول ذلك مع كل فرد على حدى.
  • الرفض: وهي حالة الاعتراض عن الرأي الآخر و التشكيك في صحته، مع استبعاد ضرورة التغير وإمكانيته. يحتاج المعالج هنا إلى دراسة تاريخ كل من الأبوين و أنواع التربية التي تلقاها كل منهما، ليستكشف الطرق الفعالة للإقناع بضرورة التغيير.
  • الهروب: وهو عدم الرغبة في المواجهة، و تفادي الوضعية العلاجية، ومع هذه الحالات ليس بإمكان المعالج أي شيء لأن الأفراد يفضلون استمرار المعاناة على أن يقتنعوا برأي جديد أو يدعون إلى التغير.

فاتضح أن العملية العلاجية تتطلب أربعة مراحل مهما كان مستوى الاضطراب ومدى انتشاره:

المرحلة الأولى: يتم فيها تحديد الأعراض والتعرف على الاضطرابات الدافعة لها وتوضيح طبيعة العلاقات و الاتصالات و ثقافة الحياة الأسرية.

المرحلة الثانية: هي أصعب وأهم مرحلة حيث يتوقف عليها إما نجاح أو فشل العملية العلاجية وهي عملية التوعية التي يتم من خلالها تفسير الأعراض وربط الاضطراب بأسباب الأعراض. كما يتم خلالها التحضير النفسي للأفراد ودفعهم نحو الشعور بالرغبة في التغير وتغيير الآخر.

المرحلة الثالثة: مرحلة العلاج الواعي وفيه يتم الاشتراك مع الأفراد قصد التغيير تدريجيا حسب طبيعة الحياة الأسرية وطبيعة الاضطراب.

المرحلة الرابعة: يتم فيها متابعة التغيرات ونتائجها ثم العمل على تعميمها على كل أفراد الأسرة وفي كل المجالات، كما يتم تكييف وتوحيد الجهود وتدعيم الثبات على الإيجابيات.

يوضح الاختلاف والتشابه بين الأسر المدروسة بأن العملية العلاجية للأسرة تنطلق أساسا من خصوصيتها وثقافتها، فمثلا تطلبت مع إحدى الحالات التركيز على العلاقة الزوجية قبل باقي العلاقات، بينما مع حالات أخرى كانت معالجة العلاقة الزوجية تتطلب مسبقا تسوية العلاقات بين الأب وأبنائه، أما فيما يخص مستوى التدخل وطريقته فتفرضه طبيعة الحياة الأسرية ومستوى الاضطراب الذي يؤثر عليها.

تبرز نتائج هذا البحث أهمية تقدير الأسرة من أجل مساعدة الأفراد على تحقيق الصحة النفسية. و تكشف بأن مجال العلاج الأسري لا يزال بحاجة إلى استثمار الباحثين و خاصة في مجتمعنا الجزائري، من أجل تأسيس طرق علمية خاصة بثقافة الأسرة الجزائرية لدراستها و معالجة الاضطرابات داخلها، وهذا من شأنه أن يساهم في إثراء العمل العلاجي بصفة عامة.

المراجع

1- Chiland, C, L'enfant, la famille, l'école, Paris, Ed PUF, 1993.

2- Picard, D, Politesse, savoir-vivre et relations sociales, Paris, Ed PUF, 1998.

3- Marc, E. ; Picard, D, L'interaction Sociale, Paris, Ed PUF, 1989.

4- Poussin, G., La fonction parentale, Ed Dunod, 1999.

5- Salim, G, L'approche thérapeutique de la famille, Paris, Ed Milar Masson, 1990.

6- Wallon, H, L'évolution psychologique de l'enfant, Alger, Ed ENAG, 1994.

7- Wallon, H, L'enfant turbulent, Paris, Ed PUF, 1925.

8- Bruner, J. S., Le développement de l'enfant savoir faire – savoir dire, Paris, Ed PUF, 1983.

9- Guidetti, M. ; Tourrette, C., Handicaps et développement psychologique de l'enfant, Paris, Ed Armand Colin, 1999.

10- Mannoni, M., L'enfant arriéré et sa mère, Paris, Ed Seuil, 1964.

11- Berger, M., Pratique des entretiens familiaux, Paris, Ed PUF, 1987.

12- Elkaim, M., Panorama des thérapies familiales, Paris, Edition du Seuil, 1995.

13- Aimard, P., Morgon, A, L'enfant sourd, Paris, Ed PUF, 1985.

14- Durning, P., éducation familiale, acteurs, processus et enjeux, Paris, Ed PUF, 1995.

15- Scelles, R., Fratrie et handicap, Paris, Ed l'Harmattan, 1997.

16- Satir, V., Thérapie du couple et de la famille, édition EPI, 1982.

17- Huber, W., Les psychothérapies, quelle thérapie pour quel patient? Alger, Ed ENAG, 1994.

18- Castellon, Y., La famille, Paris, Ed PUF, 1982.

19- Rochat, P., «Conscience de soi et des autres au début de la vie», in Enfance, Paris, PUF, 1/2003, pp. 39-47.

20- Blaise, P., «Attachement et psychopathologie», in Enfance, Paris, PUF, 1/2003, pp. 74-80.


الهوامش

* ماجستير في علم النفس الأسري، تحت إشراف بدرة ميموني، جامعة وهران، 2004.

1Wallon, H, L'évolution psychologique de l'enfant, Ed ENAG, 1994, p. 42.

2 Scelle, R. , Fratrie et handicap, Ed l'harmattan, 1997, p. 25.

3 Satir, V. , Thérapie du couple et de la famille, Ed EPI, 1982, p. 32.

4 Picard, D,. Politesse, savoir-vivre et relations sociales, Ed PUF, 1998, p. 69.

5 Marc, E. , Picard, D, L'interaction sociale, Paris, Ed PUF, 1989, p. 176.

6 Castellon, Y, La famille, Paris, Ed PUF, 1982, p. 56.

7 Poussin, G, La fonction parentale, Paris, Ed Dunod, Paris, 1999, p. 123.

8 Blaise, P. , « Attachement et psychopathologie », in Enfance, Paris, PUF, 1/2003, (74/80), p. 76.

9 Bruner, J. S., Le développement de l'enfant – savoir faire – savoir dire, Paris, Ed PUF, 1983, p. 103.

10 Guidetti, M. , Tourrette, C. , Handicaps et développement psychologique de l'enfant, Paris, Ed Arman Colin, 1999, p. 8.

11 Aimard, P., et Morgon, A., L’enfant sourd, Paris, Ed PUF, 1985, p. 70.

12 Mannoni, M., L'enfant arriéré et sa mère, Paris, Ed Seuil, 1964, p. 26.

13 Huber, W., Les psychothérapies, quelle thérapie pour quel patient? Ed Nathan, Paris, 1993, p. 57.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche