خصوصيات التحول الديمغرافي و بروز المشكلة السكانية في العالم الثالث : المنطقة المغاربية أنموذجا

إنسانيات عدد 09 | 1999| المغرب : ثقافة، غيرية | ص 41-54 | النص الكامل


 

مقدمة

لقد شهد النمو السكاني على الصعيد العالمي زيادة كبيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و خاصة في بلدان العالم الثالث و من بين ذلك المنطقة العربية، حيث تشير دراسات صندوق الأمم الـمتحدة للأنشطة السكانية أن جزءا من العالم العربي، على غرار جهات أخرى من العالم، يشهد أرفع المعدلات العالمية في النمو السكاني، سواء على الصعيد القطري و ذلك بـدراسة كل قطر على حـدى، أو على صعيد نسبة النـمو السكاني في العالم للمنطقة العربية عند مقارنتها ببقية العالم التي تعرف تطورا سكانيا معتدلا.

فحسب دراسة اليونيسف لسنة 1987، بلغ معدل النمو السكاني في ليبيـا سنة 1985، 1,4 % و بلغ بالمغرب 4,2 % مقابل 3,1 % بالجزائر ليصل إلى 2,4 % بتونس و هي معدلات جد مرتفعة إذا ما قارناها ببعض  الدول الغربية التي بلغت مرحلة متقدمة في تحولها الديمغرافي و الذي يوصف من قبل الديمغرافيين بمرحلة النضج الديمغرافي [1].

فقد بلغ معدل النمو بالولايات المتحدة الأمريكية 1,0 % مقابل 0,5 % بفرنسا و حوالي 0,1 % ببريطانيا، يبلغ باليابان 0,9 %، التي عرفت التحول الديمغرافي متأخرا مقارنة بالدول الغربية، و ذلك في عـقد الخمسينات، و ذلك سنة 1985 [2]. وهنا تجدر الملاحظة أن نسبة 1,0 % كمعـدل نمو سنوي للسكان بالولايات المتحدة الأمريكية، لا يعود إلى الزيادة الطبيعية  للسكان فحسب بل  إن العامل الكبير يرجع بالأساس إلى حركة الهجرة المقننة التي تنظمها الحكومة الأمريكية، يضاف إليها صافي الزيادة السكانية.

فبعض البلدان المغاربية تشهد اليوم معدلات مرتفعة في النمو السكاني، و ما يصح على هذه البلدان يصح كذلك على دول عربية أخرى، حيث أن معدل النمو السكاني بالكويت خلال سنة 1985 بلغ 8,5 %، و بلغ بالإمارات  العربية المتحدة 10,7 % و بلغ بالمملكة العربية السعودية 4,9 % و بلغ بعمان 4,5 % و نشير هنا أن السبب الرئيسي للنمو السكاني في هذه البلدان في هذه الفترة يكمن في الهجرة الأجنبية إليها و أن المسألة السكانية بدول الخليج العربي لا تمثل معضلة إقتصادية و إجتماعية  بالنسبة لحكومات المنطقة، على الأقل في هذه المرحلة من تاريخها الديمغرافي، حيث أن دول الخليج العربي لم تبلغ بعد مرحلة الإشباع الديمـغرافي و هي بالعكس من ذلك، لا تزال تحتاج إلى حقب من النمو السكاني، حتى تبلغ هذه المرحلة، فالكثافة السكانية بهذه المنطقة من الوطن العربي لا تزال ضعيفة [3].

في حين  أن الحكومات المغاربية باستثناء ليبيا، قد دخلت في سياسة سكانية تحد من النمو الطبيعي للسكان، بعضها منذ الخمسينات كتونس، عقب حصولها على إستقلالها السياسي، و منذ الستينات كالمغرب الأقصى بينما الجزائر و موريتانيا في  بداية الثمانينات، و كان من نتائج السياسة السكانية على مستوى بلدان المغرب العربي أن إنتقلت المنطقة من المرحلة الديمغرافية البدائية المتميزة بتوازن طبيعي بين نسبة ولادات جد مرتفعة، مع نسبة وفيات جد مرتفعة مما يجعل صافي الزيادة السكاني بسيط جدا و يكاد يسمح بعملية تجديد الأجيال، و في صلب هذه المرحلة البدائية تلعب الأوبئة و الجوائح الطبيعية دورا سلبيا في الزيادة السكانية بالمنطقة.

و قد تحسنت مؤشرات التنمية البشرية،  بإدخال الطب الوقائي إلى المنطقة المغاربية إبان الحقبة الاستعمارية و ما بعدها إبان بناء الدولة الوطنية حيث اختل التوازن التقليدي بين ظاهرتي، الولادات و الوفيات الذي كان سائدا، و كان من نتائج ذلك، ارتفاع معدل النمو السكاني بسبب تراجع الوفيات فيما بقيت الولادات مرتفعة و تعرف هذه الحقبة بالتحول الديمغرافي و تعمل الحكومات المغاربية اليوم على التقليل من الولادات قدر الممكن تمهيدا لدخولها مرحلة النضج الديمغرافي و هي المرحلة الثانية من مراحل هذا التحول.

إن ما عرفته المنطقة المغاربية و العالم الثالث من تحول ديمغرافي لم تصاحبه تنمية اقتصادية بشكل تناسبي، بحيث أن الزيادة السكانية ظلت تنمو بنسق  يفوق النمو الإقتصادي لهذه الدول. و هذا الإختلال بين  السكان و موارد الدول خلف وضعا ديمغرافيا متفردا، لم تعرفه أوربا إبان تحولها الديمغرافي.

و سوف نحاول من خلال هذه الدراسة إثبات هذه الخصوصية مقارنة بالتجربة الأوروبية[4] و ذلك في محاولة الإجابة عن التساؤل، لماذا فشلنا في العبور إلى مرحلة النضج الديمغرافي في حين نجح الغرب في ذلك؟ و ماهي العوامل التي ساعدت الغرب على الوصول إلى مرحلة النضج؟ و ماهي العلاقة الناشئة بين العامل الديمغرافي و العامل الإقتصادي.

1- أثر الاستعمار في بروز المشكلة السكانية

خلال الحقبة الاستعمارية التي عرفها العالم الثالث، تراجعت نسبة الوفيات لديها نتيجة لتحسن أوضاعها الصحية العامة من خلال ادخال الطب الحديث و خصوصا الطب الوقائي، في حين ظلت نسبة الولادات مرتفعة.

فلقد كانت نسبة الولادات في هذه المنطقة من العالم في حدود 40 أو 45 ‰، و كانت نسبة الوفايات لديها أيضا مرتفعة بين 35 و 40‰ . و الفارق بين الولادات و الوفايات هو حاصل الزيادة السنوية و هو حاصل ضعيف، جعلت الزيادة الطبيعية تكاد تنعدم في بعض الفترات التي  يمر بها المجتمع بأزمة غذائية  أو كارثة طبيعية تجعل من الزيادة حاصلها صفر بل إنها في غالب الأحيان تقضي على غالبية  السكان كالـمجاعات و الفيضانات و الأوبئة و غيرها من الجوائح الطبيعية [5].

فعندما دخل الإستعمار العالم الثالث وجد به العديد من الأمراض و الأوبئة التي كانت تمثل بالنسبة للمستعمر عدوا شرسا و ظهيرا للمقاومة  المسلحة للاستعمار، مثل حالة الجزائر مع الاستعمار الفرنسي سنوات 1830 و حتى 1845، حيث لم تفلح الحملات الفرنسية العسكرية للسيطرة على الجزائر  إلا بعد وضع برنامج لمقاومة الأمراض و الأوبئة التي فتكت بجندها، حيث مات من الأمراض حوالي 14.032 ألف جندي فرنسي خلال ثلاثة سنوات من 1840 إلى 1843، في حين قتل في المعارك في نفس الفترة حوالي 311 جندي فقط [6]، فكان لا بد  من القضاء على هذه الأمراض في أسرع وقت، فاختارت الإدارة الإستعمارية الطريقة الأسرع في النتائج و هي ما يسميها Alfred Sauvy التقنية المناهضة للموت، و هي تقنية جماهيرية تتمثل خاصة في التلاقيح و توفير الماء الصالح للشراب في المدن، و هي طريقة غير مكلفة و غير مجهدة باعتبار أنها لا تستوجب تعاون الشعوب أو مستوى من التأهيل المرتفع للسكان. و نتيجة لهذه السياسة الاستعمارية تراجعت الوفيات بصفة كبيرة و ملحوظة، في حين ظلت نسب الولادات جد مرتفعة في ظل بقاء البنية التقليدية للمجتمعات المستعمرة،  و هي تقاليد تمجد الكثرة، حيث أن اقتصادها يقوم على الزراعة أساسا.

ففي المجتمع الزراعي يعتبر الأطفال قوة عمل منتجة و لا يشكلون عبئا اقتصاديا على العائلة، بل بالعكس من ذلك، فالأسرة تمثل بالنسبة لهم المدرسة التي يعملون فيها مهارات بسيطة تؤهلهم في زمن قصير إلى العمل داخل الضيعة العائلية، و بالتالي لا تصرف العائلة على تعليم أبنائها، فهم يتعلمون أن يكونوا مفيدين منذ نعومة أظافرهم. كما أن كثرة الوفيات في صفوف الأطفال تجعل العائلة تفكر في تعويض المفقود بمزيد الإنجاب [7].

و المجتمع الزراعي ينظر إلى العائلة الكبيرة و الممتدة بعين الهيبة و الإحترام، عكس نظرتهم للعائلة القليلة العدد. و هكذا فإن استمرار البنية العائلية التقليدية مع تراجع نسب الوفايات في  الحقبة  الاستعمارية و ما تلتها من مرحلة بناء الدولة الوطنية التي واصلت برامج التثقيف الصحي للسكان و حسنت أكثر من أوضاعهم الصحية، جعلت العالم الثالث يعرف نموا ديمغرافيا لا مثيل له في تاريخ الإنسانية، لم تعرفها حتى أوروبا خلال فترة نموها الديمغرافي الكبير أبان القرن التاسع عشر، حيث أن الزيادة الطبيعية في أوروبا الغربية خلال هذه الفترة كانت في حدود 1 % سنويا، في حين أن الزيادة الطبيعية التي عرفتها البلدان المتخلفة كانت من 2 إلى 3 % سنويا، أي من ضعفين إلى ثلاث أضعاف ما عرفته أوروبا خلال مرحلة ثورتها الديمغرافية في القرن التاسع عشر.

إن هذه الزيادة المتسارعة للسكان قد تزامنت في معظم دول العالم الثالث مع حصول هذه الأخيرة على استقلالها، و إن كانت قد بدأت تعرف الظاهرة منذ الحقبة الاستعمارية كما أسلفنا للأسباب المذكورة أعلاه، و قد سارعت الكثير من الدول إثر استقلالها إلى تطبيق سياسة  تنظيم النسل، مثل تونس و المغرب، غير أن هذه السياسات الوطنية المدعومة من قبل منظمات دولية، مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، قد واجهت صعوبات جمة جعلت نتائجها تبقى محدودة رغم  المجهودات المبذولة و من أسباب ذلك أن غالبية هذه الشعوب هي شعوب متخلفة تطغي عليها ظاهرة الأمية، يعيش معظمها في الأرياف النائية و المنعزلة، و هي مجتمعات لا تزال مترسخة فيها عادات و تقاليد المجتمع الزراعي الذي يرغب في الكثرة و يعتبر العدد نعمة و ليس نقمة. كل هذه  العوامل لا تجعل من  السهل تطبيق البرامج الوطنية لتحديد النسل أمرا سهلا و ممكنا، خاصة إذا لم تكن إرادة ذاتية الدفع من قبل السكان.

و الحال هذه فإن الوصول إلى هدف طفلين لكل امرأة  في العالم الثالث يمكن أن يمر عليه 80 سنة قبل تحقيقه  أي حوالي ثلاثة  أجيال، هذا بإعتبار أنه توجد بعض الدول التي يمكن لها أن تستغرق وقتا أطول من ذلك مثل بلدان عربية كما يذكر ذلك Alfred Sauvy في كتابه: Eléments de démographie [8].

هذه إحدى خصوصيات التحول الديمغرافي في العالم الثالث حيث أن السكان في هذه المنطقة من العالم عرفوا تراجعا كبيرا للوفايات لديهم نتيجة للأسباب التي ذكرت سالفا، دون أن يصاحب هذا التراجع تغيرا في ثقافة المجتمع التي يمكن أن تنعكس على السلوك الإنجابي، حيث بقيت البنية التقليدية للمجتمع على حالها لم يمسها أي تغيير، كما أن البنية الإقتصادية  للمجتمع لم تتغير في مراحلها الأولى و لا تزال، حيث ظل المجتمع الزراعي يعتمد أساسا على اليد العاملة العائلية و لم يدخل مفهوم الأجر بعد في النشاط الزراعي بالصفة التي عرفتها الصناعة.

و حتى عند بناء الدولة الوطنية في العالم الثالث عموما ظلت قيم المجتمع التقليدي هي نفسها لم تتغير و لم تفلح سياسات الإصلاح الزراعي في تغيير بنية المجتمع التقليدية و بقيت للأبناء قيمتهم  الاقتصادية حتى بعد ظهور العمل المأجور في المؤسسات الفلاحية الحكومية أو المؤسسات الصناعية، فالعائلة الكبيرة العدد، تتوفر على إمكانية الحصول على موارد مالية متعددة، و بالتالي فإن العائلة التي لها عديد الأبناء المشتغلون، تتوفر على مدخل محترم قد يساعدها على الارتقاء الإجتماعي و يرفع من مستوى معيشتها و وضعها الإقتصادي.

فإنه خلال وقت وجيز استطاعت بلدان العالم الثالث أن تحقق تراجعا كبيرا في معدلات الوفايات لديها منذ الحقبة الاستعمارية تدعمت مع مرحلة بناء الدولة الوطنية و انتهاء الاستعمار، و بالتالي فإن التوازن التقليدي الذي كان حاصلا بين معدل الولادات و معدل الوفايات قد اختل لصالح الزيادة السكانية، فيما تواصلت معدلات الوفايات في التراجع، و هي معدلات مرشحة للإقتراب أكثر فأكثر من النسب التي تحققها البلدان المتقدمة، مثال ذلك  المنطقة  المغاربية التي حققت نتائج جد هامة فيما يخص الصحة العامة للسكان، في حين ظلت الزيادة السكانية في المنطقة جد مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في العالم أو في أوروبا خاصة بمعدل يزيد عن الضعفين أو الثلاث في بعض الحالات.

و لعل هذه الوضعية هي التي دفعت الحكومات في المنطقة المغاربية مدعومة بالأفكار المالتوسية إلى إنجاز برامج لتحديد النسل، و ذلك بالإعتماد على أقل المبادئ المالتوسية تطرفا و المتمثلة خاصة في تنظيم الأسرة و تأمين موانع الحمل الفعالة بوسائلها المختلفة و مدعومة ببعض التشريعات كإجازة الإجهاض في المؤسسات العامة الأستشفائية.

هذا يحيلنا إلى ملاحظة ثانية مفادها أن التراجع الذي حققته أوروبا في نسب الزيادة الطبيعية  للسكان التي تصل إلى أقل من واحدة بالمائة في كثير من الأحيان و إلى حدود 1 %  في أحيان أخرى، إنما كان نتيجة لصيرورة تاريخية طبيعية حصلت خلال عقود من التطور الاقتصادي و الاجتماعي التي عرفتها  العائلية في أوروبا، فكان  أن تحول المجتمع الأوروبي من مجتمع  زراعي و ما يتضمنه من ثقافة و عادات و تقاليد  معينة تميزت بها العائلة  الأروبية في تلك  الحقبة ككثرة الأطفال بإعتبارهم قيمة اقتصادية  كبيرة، ليتحول هذا المجتمع بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر إلى مجتمع صناعي و ما رافق ذلك التحول الإقتصادي من تحول اجتماعي، تمثل خاصة في خروج التعليم من إطار العائلة إلى بروز مؤسسة المدرسة كإطار جديد للتعليم و للرقي و الصعود الطبقي و أداة للتوحيد الإجتماعي، فبرزت ثقافة و قيم و مفاهيم جديدة و أصبح تعلم الأبناء يستوجب وقتا أطول و إمكانيات أكبر، نظرا لتعقد  النشاط الإقتصادي في ظل المجتمع الصناعي و بروز الاختصاص المهني و التقني. حيث أصبح الأطفال في ظل هذا المجتمع عبئا اقتصاديا على العائلة و محددا لطموحاتها المشروعة و بالتالي وقع تحول على مستوى السلوك الإنجابي للعائلة الأوروبية التي بدأت تحبذ العائلة القليلة الأفراد.

كما أن ارتفاع مستوى معيشة المجتمع الأوروبي و دخل العائلات فيها، كل ذلك شجع على بروز  ثقافة جديدة و عزز الطموحات داخل العائلة و جعل من الأبناء مشروعا مؤجلا.

أما في  المنطقة المغاربية و العالم الثالث عامة فإن تراجعا في نسب الوفايات كما رأينا لم يكن نتيجة لتطور علمي حاصل في هذه المنطقة بقدر ما كان نتيجة التدخل الاستعماري و خاصة الطبي  منه، و حتى في  زمن الدول الوطنية تدعمت نتائج الحقبة الاستعمارية في  المجال الصحي، في حين لم  يحصل تحول اقتصادي كبير فقد ظلت اقتصاديات العالم الثالث اقتصاديات زراعية متخلفة و راكدة، رغم التحسن الطفيف على المستوى الإقتصادي عامة فإن دخل العائلات و  إن حقق تحسنا و قفزات هامة إلا أنه لم يكن في مستوى طموحات العائلة المغاربية، التي تأمل في تحسين  أوضاعها و التمتع بملاذ الحياة، فالدخل الضعيف للعائلة لا يشجع على تغيير العقلية الزراعية للسكان فالأطفال الذين كانوا سند العائلة في أعمال الحقل أصبحوا سندا لها أيضا حتى  عندما اشتغلوا خارج العائلة و ساهموا بمداخيلهم المتنوعة في تحسين  ظروف المعيشة. و رغم  بروز المدرسة في  المنطقة المغاربية فأنها لم تحقق نتائج باهرة فيما يخص التحكم في الزيادة الطبيعية للسكان، فقد ظلت الزيادة مرتفعة رغم إرتفاع نسب التمدرس منذ الاستقلال و ذلك نظرا لكونه لم يرافقه تحسنا كبيرا في مستوى معيشية و دخل العائلة. لقد كان للبعد الاقتصادي دور كبير في التحول الديمغرافي الذي عرفته أوروبا في حين أن التحول الديمغرافي في المنطقة المغاربية ظل في مراحله  الأولى.

و لمجابهة تواصل الزيادة الطبيعية المرتفعة للسكان في المنطقة المغاربية التجأت الحكومات إلى التدخل بسياساتها في مجال تنظيم الأسرة. ففي الوقت الذي كان تراجع الولادات و نسب الزيادة الطبيعية للسكان في أوروبا نتيجة لتحولات اقتصادية و ثقافية في المجتمع، كان تراجع الولادات في المغرب العربي بنسب متواضعة نتيجة لتدخل الدولة من خلال برامج تنظيم النسل و ليس نتيجة لقناعة جماهيرية و عمل تلقائي.

و لكن هذا لا ينفي مطلقا كون تراجع المواليد في المنطقة هو نتيجة لتدخل الدولة. فمعدل المواليد لا يتأثر فقط بالعوامل البيولوجية مثل نسب المواليد و موانع الحمل و لكنه يتأثر أيضا بالعوامل و الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية و هو ما يذهب إليه الديمغرافيون[9].

2. انخفاض معدل الوفايات و علاقة ذلك بالزيادة السكانية

حسب الدراسات التي قام بها الديمغرافيون فإن العائلات عادة ما تستجيب لانخفاض معدلات الوفايات لدى أطفالها بالتقليل من إنجابهم، ففي المجتمع الزراعي تستجيب  الأسر إيجابيا لارتفاع وفايات أطفالها و ذلك بمزيد الإنجاب كشكل من أشكال التعويض عن الأطفال المفقودين، أما إذا تحسن مؤشر وفايات الأطفال نحو الانخفاض و ازداد أمل العائلة في الحصول على مواليد أحياء، فإن الرغبة في الحصول على المزيد من الأطفال تقل.

و هذا الرأي هو الذي كانت تعول عليه الحكومات المغاربية أكثر من غيره و ذلك نظرا لانخفاض كلفته الإقتصادية مقارنة بما يتطلبه الرفع في دخل العائلة من إمكانيات جبارة و موارد إقتصادية كبيرة ليس من السهل توفيرها و بالتالي فإن إجراء التخفيض في معدل الوفايات في المنطقة المغاربية هو حلقة من سلسلة متكاملة في الواقع، رسمها الديمغرافيون، توقفت الحكومات المغاربية عند مستواها آملة في تحقيق نتائجها العاجلة.

و يمكن تلخيص هذه السلسلة بالقول أن تحسن مستوى العائلة المعيشية إلى درجة إحساسها بالرفاهية وثقتها في المستقبل، كل ذلك يدفع الناس بصفة إرادية نحو تحديد نسلهم، هذه النتيجة هي التي حصلت في التجربة الأوروبية بصفة تدريجية، و علي مراحل تاريخية طبيعية، و أكاد أقول دون إرادة سياسية هادفة لهذه النتيجة. فالتحول الديمغرافي الذي حصل في أوروبا كان نتيجة طبيعية لسلسلة من التحولات السياسية و الإقتصادية انعكست على الواقع الإجتماعي لشعوب أوروبا الغربية.

ففي أوروبا الغربية التي عرفت أولا الثورة الصناعية ثم التحول الديمغرافي، بدأ معدل الوفايات ينخفض  فيها في القرن التاسع عشر نتيجة لتطور الطب و قد بلغ المعدل 30 ‰ سنة 1850 ليصل بعد ذلك إلى حوالي 24 % في مطلع القرن العشرين 1900، ليصل بعد ذلك إلى معدل 9 ‰ و عرفت أوروبا الإنفجار السكاني خلال القرن التاسع عشر كنتيجة لتحسن مؤشر الزيادة  الطبيعية  الذي هو حاصل التراجع الكبير في نسب الوفايات ثم إنخفض معدل الزيادة السكانية ليبلغ حوالي 0,4 % في أوروبا كنتيجة للتطورات الطبيعية داخل السلسلة الديمغرافية التي كنا بصدد بيان مختلف مراحلها [10].

أما في البلدان النامية  فلقد كان متوسط الوفايات عندها مرتفعا و ذلك قبل المرحلة الاستعمارية، يقابله متوسط مواليد مرتفعة أيضا، مما جعل هذه البلدان تعرف ثباتا في عدد سكانها، في مرحلتها الديمغرافية  البدائية  التي كانت تحكمها الطبيعة، و مع دخول الاستعمار للعالم الثالث بادر بتحسين  معيشية  مستوى السكان للأسباب السالفة الذكر المتعلقة أساسا في الرغبة في  السيطرة على المجال.

و لقد كان المستعمر يعمل من خلال تحسين ظروف المعيشة للشعوب المستعمرة  من خلال بناء الطرقات و مد شبكات الاتصال و الهندسة و تحسين الخدمات الصحية و الزراعية، كان يرمي من وراء ذلك إلى زيادة قوة العمل المطلوبة للسكان لاستغلال الموارد الطبيعية للبلدان المستعمرة. فتقنية مناهضة الموت كما يسميها Alfred Sauvy كانت وسيلة المستعمر للسيطرة و استغلال المستعمرات.

فلقد كان متوسط الوفايات في البلدان النامية حوالي 38 % سنة 1850 ليصل إلى حوالي 23 % سنة 1950، و قد بقيت نسب الولادات مرتفعة لم تسجل تراجعا كما حصل في أوروبا و ذلك لتواصل  العقلية  الزراعية لدى سكان العالم الثالث و ما تحويه هذه العقلية من تصورات و قيم و مبادئ في ظل تواصل الأوضاع المتردية للسكان المعيشية من انخفاض في مستوى المعيشة و تواضع المداخيل رغم بعض التحسن، سواء في الحقبة الاستعمارية أو في مرحلة بناء الدولة الوطنية مما أستوجب من الحكومات التدخل باستعمال الوسائل المانعة للحمل و تنظيم الأسرة، و رغم كل هذه المجهودات فقد ظل متوسط التكاثر في البلدان النامية عموما في حدود 2 % سنويا، في حين أن هذه النسبة تصل إلى حوالي  0,4 % في البلدان المتقدمة و هو  ما يعكس عمق الفارق  في الإنجازات على الصعيد السكاني في كلا المنطقتين من العالم،    و هي من أسباب الانفجار السكاني في العالم الثالث.

و هذه أيضا من خصوصيات التحول الديمغرافي في بلدان العالم  الثالث التي ليس لها نظيرا في التجربة الأوروبية، هذه الأوضاع الديمغرافية في المنطقة المغاربية  خاصة و العالم الثالث المتميزة بالإنخفاض الكبير في معدل الوفايات مع بقاء نسب الولادات مرتفعة، خلق وضعا ديمغرافيا فريدا، تتميز به الآن على الصعيد الكوني بلدان العالم الثالث التي أصبحت تتمتع بقاعدة سكانية عريضة من الشباب و قلة من الشيوخ، فهي مجتمعات أصبح هرمها السكاني يتميز بالأتساع في قاعدته حيث أن نصف السكان هم دون العشرين سنة، و هي فئة عمرية تتميز بكونها غير نـشيطة اقتصاديا و يتحمل السكان النشيطين و الذين يمثلون أقل من 30% من السكان عبئ إعالتهم. هذه الخصوصية لسكان العالم الثالث سوف تحيلنا إلى قضية هامة عند الديمغرافيين  و المتعلقة بأثر الديمغرافي على الاقتصادي.

3. العلاقة بين الديمغرافي و الاقتصادي

هذه المعادلة الصعبة حاول بعض الديمغرافيين البرهنة عليها باحتساب جملة من التغيرات التي كانوا يعتبرونها هامة في قياس الأثر الديمغرافي على الاقتصادي، و من هذه المتغيرات أو المؤشرات الاقتصادية يذكرون نسبة السكان و القدرة على الادخار من نسبة الإنتاج و الاستثمار الصافي و الاستثمار الديمغرافي و الاستثمار الاقتصادي و حاصل نمو الدخل السنوي. فلاحظوا أن البلدان التي ينمو سكانها بمعدل 2,3 % سنويا - و هو حاصل نمو المنطقة المغاربية - فإن قدرتها على الادخار من نسبة إنتاجها هي في حدود 21,8 % في حين أن البلدان التي ينمو سكانها بمعدل سنوي حوالي 0 % فان قدرتها على الإدخار من نسبة إنتاجها هو ما يعادل 31,3 % كما أن صافي الاستثمارات في البلدان التي ينموا سكانها بمعدل 2,3 % ببلدان العالم الثالث هو في مستوى 9,8 % في حين أن هذه النسبة في البلدان الصناعية تبلغ 19,3 % و هذا نتيجة لكون أن البلدان المتقدمة ليست لها استثمارات ديمغرافية ترهق موازنتها و تقلل من نسبة استثماراتها المنتجة، في حين أن استثمارات بلدان العالم الثالث الديمغرافية تصل إلى حوالي   6,9 %، فلو أن هذه الاستثمارات غير المنتجة في بلدان العالم الثالث حولت إلى استثمارات منتجة للرفع من قيمة هذه الاستثمارات إلى حدود 16,7 % عوضا عن 9,8 % حاليا، و هذا يبرز أهمية التحول الديمغرافي في تحسن الأداء الاقتصادي ككل لأي دولة من الدول [11].

و المقارنة تتواصل على مستوى قيمة الاستثمارات الاقتصادية في كلا المجموعتين الدوليتين، ففي العالم الثالث تبلغ قيمة هذه الاستثمارات 2,9 % في حين أنها تبلغ ذروتها في البلدان الصناعية بنسبة تقارب 20 %. هذه الوضعية الاقتصادية سوف تنعكس على حاصل نمو الدخل السنوي، حيث يبلغ حوالي 1 % في البلدان المتخلفة في العالم الثالث لتصل إلى حوالي 5 % في البلدان المصنعة [12].

في هذا المستوى برزت الظاهرة السكانية في بلدان العالم الثالث و المنطقة المغاربية كإشكالية سياسية و إقتصادية مما جعل الحكومات المغاربية تدق نواقيس الخطر و تضبط برامج و سياسات سكانية  لمواجهة الوضع  الـمتـفجر للسكان، الذي أصبحت زيادتهم الطبيعية السريعة تمثل هاجسا مقلقا للحكومات بإعتباره سابقة تاريخية في المنطقة التي عرفت لحقب متعاقبة استقرارا لعدد سكانها يحكمه التوازن الطبيعي بين النسب المرتفعة للولادات مقابل نسب مرتفع للوفايات، و ما صاحب ذلك من إشكالية التخلف على كل صعيد اقتصادي و اجتماعي و علمي و معرفي، مع أكثر من نصف سكانه من الأميين.

4. الطفيلية الديمغرافية

لقد حققت البلدان المتخلفة  المرحلة الأولى من التحول الديمغرافي و المتمثل خاصة في التراجع الكبير لنسب الوفايات لديها و اقترابها من المعدلات الأوروبية. و لكن المرحلة الثانية من هذا التحول الديمغرافي لم تتحقق حيث أن الزيادة الطبيعية للسكان ظلت مرتفعة جدا مقارنة بالمنطقة الأوروبية و غيرها من الدول المتقدمة، في حدود 2 % كمتوسط سنوي للنمو مقابل 0,4 % في البلدان المتقدمة.

لقد استفادت البلدان المصنعة و الاستعمارية السابقة من الثروات  المنجمية و أسواق البلدان المستعمرة و قوة العمال الرخيصة في تدعيم اقتصادياتها و ساعدها ذلك في تحقيق المرحلة الثانية من تحولها الديمغرافي بتحسن مؤشر مستوى معيشة السكان، مما انعكس على السلوك الإنجابي فتراجعت نسبة  الولادات و بالتالي  الزيادة الطبيعية للسكان. في حين أنه في بلدان العالم الثالث السكان في مستوى معيشة متدهور و متخلف مقارنة بما وصلت إليه نفس هذه المستويات في بلدان المركز الاستعماري.

هذا ما دعا بعض الدارسين إلى اعتبار الاستعمار و سياسته الاقتصادية في البلدان المستعمرة و المعتمدة على الهيمنة الاقتصادية و الإمبريالية بالطفيلية الديمغرافية حيث أن المستعمر طور المرحلة الثانية من تحوله الديمغرافي بالاستفادة من الريع المتأتي من المستعمرات، في حين أنه عطل نفس المرحلة في البلدان المستعمرة ذاتها بمزيد إفقارها و ربط اقتصادها بالمركز الاستعماري [13].

أنه مما تجدر ملاحظته عند دراستنا لتاريخ التحول الديمغرافي التي عرفته أوروبا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، هو أن للعامل الاقتصادي دورا فعالا في المساعدة على إنجاز و تحقيق مختلف المراحل الديمغرافية، ففي المجتمع الزراعي السابق عن المجتمع الصناعي في أوروبا كانت مستويات  المعيشة للسكان جد منخفضة و كان النشاط الزراعي هو النشاط الاقتصادي الطاغي داخل هذا  المجتمع، و في ظله كان الأطفال يمثلون سلعة مرغوب فيها نظرا لدورهم الاقتصادي  الفعال داخل  الأسرة، لذلك كانت نسبة  الولادات مرتفعة في ذلك العصر، و كان الذي يعدل من هذه  الولادات النظام الديمغرافي التقليدي، و عندما تحول المجتمع الأوروبي إلى مجتمع صناعي أدخل هذا النظام نسقا جديدا للحياة من قيم و معايير ثقافية لم يعهدها في المجتمع الزراعي. فكان أن ظهرت الصناعة كإطار جديد للنشاط الاقتصادي و قد فرض  هذا النشاط الجديد ظهور ما يسمى بالتخصص نتيجة لتعقد وسائل الإنتاج و طرقه و ما يتطلبه ذلك من تعلم  و معرفة للسيطرة على الآلة كوسيلة إنتاج، فظهرت المدرسة و استقلت عن العائلة، فخرج  التعلم من إطار الأسرة إلى المجتمع، و بعد أن كان التعلم مجانيا داخل العائلة أصبح التعلم في إطار المجتمع الصناعي  مكلفا و مرهقا للعائلة، كما أن فترة الدراسة طالت و أصبحت تتطلب وقتا أطول لدراسة المعارف و العلوم، و بالتالي خروج  الأطفال و كذا  الشباب  من دائرة الإنتاج في إطار المجتمع الزراعي إلى دائرة  الاستهلاك في إطار المجتمع  الصناعي و أصبح الأطفال في ظل هذا النسق الجديد عبئا على العائلة. تتطلب رعايتهم و تكوينهم موارد كبيرة و مجهودا مضنيا يحول دون طموحات العائلة.

أضف إلى ذلك أنه في ظل المجتمع الصناعي ارتفع الدخل العائلي و تحسنت الظروف المعيشية فتراجعت نسب الوفايات داخل المجتمع نتيجة التطور الطبي و العلمي، و بالتالي لم يعد هناك مبررا لاستمرار عقلية التعويض عن الطفل المفقود، كما أن طبيعة المجتمع الصناعي التي كانت تحفز نحو الارتقاء الاجتماعي و الطبقي غذت الطموح لدى العائلة لتحسين ظروفها و وسائل معيشتها، و بالتالي أصبح الأطفال مشروعا مؤجلا في مرحلة أولى ثم طرحت مسألة العدد، كم عدد من الأطفال نريد؟ حتى لا يحد ذلك من طموحات الأسرة فكان أن سعي السكان في المجتمع الصناعي أن يقللوا من أعدادهم بصفة تلقائية.

خاتمة

أثبتت بعض الدراسات حديثا أن معدلات المواليد تتأثر بحسب حصة الأفراد من الناتج القومي الإجمالي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية كان نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي يوازي 15.541 ألف دولار سنة 1984، و كان معدل المواليد يمثل حوالي 16‰  أما في البلدان المتخلفة و الأشد فقرا حيث نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في حدود 500 دولار نجد أن معدل المواليد فيها أرفع بنحو يزيد عن الثلاث مرات إذ يبلغ 55‰.

هكذا نلاحظ أن الرفع من مستوى معيشة السكان و نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لا يمكن إلا أن يكون إيجابيا على السلوك الإنجابي للأفراد و بصفة تلقائية [14]. إن التدخل الوحيد في مواجهة مشكلة الزيادة السكانية هو الرفع من مستوى الدخل العائلي و بث  الثقة في المستقبل. و التجربة التاريخية  تثبت هذا القول، فلقد حققت أوروبا بالمراحل المختلفة من تحويلها الديمغرافي مدعومة باقتصاد متطور و مستوى معيشي رفيع للسكان في حين أن البلدان المتخلفة في العالم الثالث تتميز بمستويات منخفضة من نصيب أفرادها من الدخل القومي الإجمالي، و معدلات مواليد جد مرتفعة. هكذا نلاحظ أنه كلما وجد الفقر و الخصاصة وجدت المعدلات المرتفعة من الولادات، و كلما وجد الغني و الرفاه الاقتصادي كلما وجدت  معدلات منخفضة  للولادات داخل هذه المجتمعات. هذا ما سوف يجعلنا نتساءل عن جدوى البرامج و السياسات السكانية المتبعة في العالم الثالث عموما في مواجهة الزيادة المرتفعة للسكان في ظل تواضع نصيب الأفراد من الدخل القومي الإجمالي. و  أنه لابد من  الوصول بالنصيب الفردي من الدخل القومي الإجمالي في العالم الثالث عموما إلى مستوى يسعى فيه السكان إلى التخفيض الطوعي في أعدادهم. و لكن هل بإمكان حكومات العالم الثالث أن تصل إلى تحقيق هذا الهدف في ظل هذه الظروف الاقتصادية و الدولية الراهنة؟

لقد رأينا فيما سبق أن أوروبا الاستعمارية قد أمكن لها أن تحقق المرحلة الثانية من تحولها الديمغرافي بالإستفادة من الريع الذي كانت توفره لها مستعمراتها في إفريقيا و آسيا : ريع تمثل خاصة في موارد طبيعية رخيصة  و يد عاملة متوفرة و بخسة، مما مكنها من الرفع من نصيب الفرد الأوروبي من الدخل القومي الإجمالي في نفس الوقت الذي عطلت فيه هذه المرحلة نفسها في مستعمراتها.

أن الاستعمار مدفوعا بطبيعته  الإمبريالية الساعية للسيطرة على المجالات الحيوية في القرن التاسع عشر دفعته إلى إدخال الطب الوقائي للمنطقة بغية القضاء على الأوبئة، التي كانت تسبب لها عائقا. كما أن الاستغلال الأمثل للثروات يتطلب تحسن في أوضاع السكان الصحية للرفع من قدرتهم الإنتاجية، كل ذلك أفقد التوازن التقليدي بين الولادات و الوفايات و أوجد وضعا متفجرا للسكان لا سابقة  تاريخية له. و هو نفس  الاستـعمار اليوم الذي يواصل بطرق مختلفة إفقار العالم الثالث و الهيمنة على موارده و قدراته الاقتصادية و يواصل تكريس تبعيته للرأس مال الغربي مما أضعف قدرة العالم الثالث على الخروج من بوتقة التخلف و الركود الاقتصادي و جعلت برامج حكوماته تفشل في تحقيق مستوى معيشي للسكان محترم خاصة إذا علمنا أن معدلات التنمية الإقتصادية في بلدان العالم الثالث لا تجاري مستوى ازدياد عدد للسكان.

و لكي يتمكن العالم الثالث من حل المشكلة السكانية لديه لا بد من ايجاد نظام دولي جديد يعطي التوازن بين الدول المنتجة للخامات الطبيعية و البلدان الصناعية الموردة لها بالرفع في أثمان هذه الموارد الطبيعية و إعطاء الفرصة للعالم الثالث لينقل التكنولوجيا بما يتلائم مع ثقافته و إمكانياته و متطلباته، و باختصار إن ازالة الفقر و العمل على ذلك بالتنمية الاقتصادية هي الكفيلة وحدها لتحقيق المرحلة الثانية من التحول الديمغرافي.

المراجع العلمية العربية :

  • 1- باي (كرموني 1996) : إقامة السلام مع الكوكب. ترجمة عارف حفيدة، سلسلة علوم 25، منشورات وزارة الثقافة، سوريا.
  • 2- رمزي (زكي 1983) : المشكلة السكانية، و خرافة المالتوسية الجديدة - سلسلة عالم المعرفة عدد 84 ربيع الأول 1004 هـ، الكويت.
  • 3- عبد الهادي (يموت 1988) : النمو السكاني و التنمية الإقتصادية و الإجتماعية العربية - معهد الإنماء العربي، الدراسات الإقتصادية، بيروت، لبنان - الطبعة الأولى.
  • 4- فؤاد (مرسي 1982): التخلف و التنمية، دراسة في التطور الاقتصادي - دار المستقبل العربي، بيروت، لبنان.
  • 5- لوسات (فالنسي 1994) : المغرب العربي قبل احتلال الجزائر 1790-1830 - نقله إلى العربية حمادي الساحلي - سلسلة ما يجب أن يعرف عن دار سراس للنشر، تونس.
  • 6- منظمة الأمم المتحدة : حال سكان العالم 1994 - منشورات صندوق الأمم المت حدة للأنشطة السكانية FNUAP.
  • 7- منظمة الأمم المتحدة للطفولة : UNICEF : تقرير حول وضع الأطفال في العالم 1987.

المراجع العلمية الأجنبية :

1- SAUVY, Alfred (1954).- Eléments de démographie - Presse universitaire de France, 1ère édition, 2ème trimestre.

2- REMILI, Abderrahmane (1972).- planification économique et planification démographique : une équation complexe. Revue développement et civilisation, numéro spéciale : Population et développement, n° 47-48, Mars / Juin 1972.-p.48.

3- BOUTHOUL, Gaston (1958) .- La surpopulation dans le monde : la mutation démographique les équilibres démo-économiques.- Paris, Payot.

4- CHESNAIS, Jean Claude (1965).- la démographie. - Paris - France, Edition du Seuil.

5- ROUISSI, Moncef (1983) .- Population et société au Maghreb.- Tunis, Horizon Maghrébine CERES production.

6- SHULTEZ, Théodore w. (1983) .- Il n’est de richesse que d’homme, investissement humain et qualité de la population, Traduction, Jamel Challali - Collection économie sans rivages, Bonnel. Paris.


الهوامش

[1] - منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) : تقرير حول وضع الأطفال 1987.- ص.ص. 281-283.

[2] - عبد الهادي (يموت).- النمو السكاني و التنمية الإقتصادية و الإجتماعية العربية .- ص.18.

[3] - د. عبد الهادي (يموت).- المرجع السالف الذكر.- ص.18.

[4] - د رمزي، زكي .- المشكلة السكانية و خرافة المالتوسية الجديدة.-ص.ص. 50-68.

[5]- SAUVY, Alfred.- Eléments de démographie.- p.360.

[6]- ROUISSI, Moncef,.- Population et société au Maghreb.- p.p.55-56.

[7] - صديق، نفيسة.- صندوق الأمم المتحدة للسكان.- FNUAP.- ص.17.

[8]- SAUVY, Alfred.- Op.cité.- p.365.

[9] - باري، كوموني.- إقامة السلام مع كوكب الأرض.- ص.164.

[10]- باري، كوموني.-المرجع السابق .- ص.166.

[11]-  باري، كوموني.-المرجع السالف الذكر.- ص.166.

[12]- فؤاد، مرسي.- التخلف و التنمية دراسة في التطور الاقتصادي .- ص.175.

[13] -  باري، كوموني.-المرجع السابق .- ص.168.

[14]- REMILI, A..- Planification économique et planification démographie.- p.48.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche