الفضاء المديني والرواية البوليسية

إنسانيات عدد 13 | 2001 | أبحاث عمرانية | ص 45-62 | النص الكامل


Peripheral crowding and « a durable urban development » in Algeria

Abstract: Peripheral extension has reached real estate limit, it has become indispensable  to « return to the city ». From this moment on, urban development must adapt to a logic of « durable development ». Crowding in dispersed peripheral tissue has there fore become an impossible act in accomplishing this new urbanism. Because this putting into practice in Algeria, of voluntary peripheral urban policies since independence, has led to a very worrying situation, in so much at a structural level as a social one. It is thus necessary and urgent « to correct the range»  as our outskirts have become an amalgam of projects, which originally precise, are on unsound urban space. In this context, enabling users of this space to take part in its development becomes a key parameter related to a participative approach, which has more over been put to test else where. Because one has realised that the relationship Man– space is unavoidable. It is this particular aspect, which interests us in our present research, because we believe this type of approach must be incrusted more and more in our « urban mores ».


Abdelkader CHARCHAR 


 

المدينة بيئة ومجال تطور الأدب البوليسي:

إن النمو السريع لعالم المدينة، وما قابله من  نمو ديمغرافي أفرز مشاحنات وتناقضات اجتماعية خطيرة، نتيجة صراع ثقافات مختلفة، وعقليات متفاوتة، وأوضاع اجتماعية خطيرة غير متكافئة.. ساهمت  في قطع الصلات بين أفراد  المدينة الواحدة، وولدت حقدا اجتماعيا رهيبا، تسبب في هدم العلاقات الإنسانية بين سكان المدن، وبقيت هذه العلاقات قائمة على  المادة، لكنها سرعان ما كنت تنتهي وتزول بمجرد انتهاء السيولة النقدية أو زوال اللذة الجسدية، والمنفعة الذاتية الآنية..

 ويمكن الوقوف على عالم المدينة الصناعية وما تلعبه من دور فعال في ربط العلاقات بين المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكيف انعكس ذلك ضمن النص الروائي البوليسي.

  1. البوليسية الأدبية ومسوغات وجودها في المجتمع الغربي:

تتلخص الهواجس المركزية التي تحرك النصوص البوليسية أو تقف وراء إنتاجها في الأدب الغربي ضمن التمفصلات الآتية: 

أ- الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وارتباطها بالمدينة:

من بين المشاكل التي يعرفها المجتمع الغربي المتحضر اليوم، اتساع المدينة، وما يفرضه- هذا الاتساع- على المستوى الهيكلي أو الفضاء المكاني وتكدس السكان وكثافتهم، وما يترتب عنه من تعقيدات في الإيصال والتعامل  نتيجة بروز ظواهر اجتماعية سلبية خطيرة، تطفو أغلبها على سطح النص البوليسي، ويمكن أن  نذكر بعضها:

- نمو حس الأنانية، وحب الذات لدى الفرد الأوروبي، وانتشار هذه الظاهرة واستفحالها في المجتمعات الأكثر تصنعا.

- البحث عن الوحدة والعزلة، وهذا نتيجة الضغط الاجتماعي المفروض على الأفراد والمتسبب في  اللاتعايش الاجتماعي في التجمعات الحضرية على غرار التآلف والتضامن بين الأفراد في المجتمعات الريفية.

-الطموح على اعتلاء مراكز السلطة، عن طريق استخدام أقبح الطرق، وأوضعها..  كاللجوء إلى التزوير في الانتخابات والممارسات اللاشرعية، والرشوة..

-اللجوء إلى العنف الشفهي أو الجسدي، وممارسة العنف السياسي، وما يسببه هذا العنف من ضحايا إنسانية وأزمات اجتماعية واقتصادية..

- انتشار تعاطي الخمر والمخدرات في الأوساط الطلابية وداخل المدارس والجامعات، وما ينتج عن ذلك من تدهور في العلاقات الأسرية..

- الهيكلة العمرانية للمدينة المعاصرة  وما تفرزه من تناقضات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأمني.. نتيجة الفوارق الطبقية، والعنصرية، وتردي المستوى المعيشي لبعض الفئات الاجتماعية.

-النمو الديمغرافي للسكان داخل المدينة وما يفرزه هذا النمو السريع من مشاكل سياسية واجتماعية كالبطالة  وانتشار الجريمة، والعنف..

- انتشار ممارسة الجنس تحت تأثير الدعاية  الإشهارية التي تتخذ مفاتن  جسم المرأة العاري مادة لها، وتطور وسائل الإعلام السمعية البصرية،) السينماء، التلفزة، الراديو،  الفيديو، الأنترنات..) وكثرة الملاهي، واعتبار الجنس ظاهرة اجتماعية تسمح بها أخلاق المجتمع الغربي.. دون فرض رقابة على الأفراد انطلاقا من فكرة حرياتهم الشخصية وحقوقهم الاجتماعية واستفحال أمر الممارسة الجنسية واللواط نتيجة تعاطي الشباب المخدرات حياة اللهو والمجون، وانتشار المخدرات في الأحياء الأكثر سكانا.

ب-  الحياة  الثقافية في الغرب وتطور الجهاز الإيديولوجي والفكري:

يمكن أن نلخص هذا الجانب في الظواهر الآتية:

 - انتشار الفكر العلمي والتكنولوجي وتطور الصناعات المختلة.

- تطور جهاز البوليس وتوسيع مجال اختصاصاته نتيجة الفصل بين الطبقة العقلانية، فالبوليس هو تطوير لشخصية الشريف، أو هو القانون مجسدا في مواجهة الغرائز التي تحاول تدمير بنية المجتمع..

جمود الحس الديني، وعدم فعاليته في الحياة الاجتماعية والسياسية. ويمكن أن نلخص المظاهر المذكورة أعلاه في الشكلين الآتيين:

شكل: 01

 

شكل 02:

 

 ملاحظة : يمكن أن يقدم المعارض معلومات تساعد المحقق في بحثه..

 كانت الرواية البوليسية ثمرة لهذا التحول  الخطير في التركيبة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية والسياسية لأوروبا القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين.. وأعتقد أنه لا يمكن تصور أرضية أخرى لمولد هذا الجنس الأدبي وتطوره، لكن إتجاهاته بعد ذلك تبقى رهينة مضامين النصوص المعروضة على الدراسات النقدية والنفسية.

إن الرواية البوليسية كتجل  أدبي وليدة الحداثة الغربية- بمفهومها الواسع-التي عرفتها أوروبا بعد  الثورة  الصناعية  بفرنسا، ويفهم من الحداثة حسب تعريف الدكتور محمد  علي محمد أنها " قوة اجتماعية مستقلة، تخضع لقوانين داخلية خاصة  بها، إلا  أنها في النهاية إنتاج لرؤية الإنسان وإرادته[1].

وإذا أدركنا مضمون  هذا التعريف وأبعاده الدلالية المختلفة، كان بإمكاننا أن نحدد أربع مراحل أساسية لعملية التحديث.

المرحلة الأولى:  مرحلة الإيقاظ أو الصدمة:

وهي مرحلة تتميز بالصراع الذي يحدث بين الفكر المحافظ والفكر المجدد بمعنى أن المجتمع التقليدي حينما يواجه أفكارا ونظما وخبرات حديثة، تظهر بداخله أصوات تطالب بالتجديد والإصلاح[2].

المرحلة الثانية: الإصلاح والتحديث:

حين تتضح فكرة التحديث في المجتمع، يزول  تدريجيا الصراع بين الفئات المجددة، ويحدث اكتمال في المنظور السياسي والاجتماعي والثقافي..

المرحلة الثالثة:  مرحلة التجلي:

وهي المرحلة التي تتحقق فيها بالفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، فينتقل المجتمع من مجتمع ريفي يعتمد على الزراعة كطريقة في الحياة، إلى مجتمع صناعي حضري..[3]

عرفت الرواية البوليسية في الغرب عدة  أطوار ولكنها في مجمل هذه الأطوار كانت تفصح عن  كشف وفضح الحياة الرأسمالية بمتناقضاتها المختلفة، وإن كانت هذه الرواية في بداية تطورها توخت حل أزمة المجتمع البرجوازي الرأسمالي في شكل حلقة مغلقة  كما ذهب إلى ذلك أحد النقاد الفرنسيين في قوله "وتبدو الشخصية الأرستقراطية في الديكور الذي تتتبناه الرواية البوليسية، سيما الإطار المكاني الضيق الذي تفترضه نظر بناء  هذا الجنس (من  قصور فخمة، وقصور ريفية صغيرة) أو شخصيات ذات رتب اجتماعية أرستقراطية رفيعة (سفير كونتاس، أمير) ويتجلى من خلال أحداث الرواية، انحراف هذه الطبقة البرجوازية الرأسمالية ( غش، تزوير، إبتراز )، ولكن فضح هذا الانحراف، لا يظهر في الأدب البوليسي الكلاسيكي، إلا من خلال الإطار الأخلاقي الذي حددته هذه الطبقة لنفسها.. وكأنه انحراف  مشروع يخصها وحدها.. ولذلك تبدو صورة.. أرسان لوبان..(Arsène Lupin) رمزا طبقيا، يعكس بطولة خيالية شبيهة ببطولة "دون كيشوت" حين يحارب خيالا طبقيا وهميا، سرعان ما يسقط في  أتونه[4].

وتبدو علاقة التشابه كبيرة بين الفروسية كبطولة رعوية، ومفهوم البوليسية كبطولة مدنية، وهناك ما يبرز إجراء مقارنة بين الصنفين:

تيمز  أدب الفروسية بطابعه المثالي في الوصف، على نحو  ما اتسم به فن الملاحم في العصور الوسطى من قبل." فالبطل في القصة مثل الفارس الكامل، يعيش في عالم بعيد عن الحقيقة، حيث تحميه  قوانين غيبية[5]. فهو يحارب مخلوقات وحشية، وعملاقة، "ولا يربط بين الأحداث سوى شخصية البطل التي تنتقل من نصر إلى نصر"[6].

إن المؤثرات المباشرة وغير المباشرة في الأدب البوليسي في المجتمع الغربي  تكمن في الموروث الثقافي بالمعنى الواسع للكلمة، أي" معتقدات الناس، ومواقفهم واتجاهاتهم، وقيمهم وعاداتهم وأنماط سلوكهم، وغير ذلك من أساسيات ومقومات الثقافة"[7] ولا يمكن بأي حال من الأحوال، فصل هذا الجانب الحيوي في ظهور الجنس الأدبي وتطوره، وهذه المثالية حاضرة كصفة ملازمة لبطل الرواية البوليسية، إلا أن الفارق بين بطل الأدب الفروسي، وبطل الأدب البوليسي يكمن في نوعية وجنس المخلوقات التي يصارعها كل منهما، فبينما يصارع البطل في القصص الفروسي مخلوقات وهمية، وعملاقة، تحميه قوانين غيبية، يصارع البطل في الرواية البوليسية مخلوقات وحشية لكنها من جنس الآدميين ( عصاة، مجرمون شواذ، مرضى)، تحميه قوانين شرعية وضعية وهو يعيش حياة واقعية تحكمها روابط  عقلية محضة..

والوفاء بالنسبة للبطل في  أدب الفروسية غاية في حد ذاتها،  وفي سبيل هذا بالفلسفة الأفلاطونية، كما تأثر بالنزعة  الفروسية عند العرب.."[8]

 إن الحب الخالص مبدأ شريف "ولا بد لصاحبه أن ينتصر على ما يقوم في سبيله من عقبات، ولكن المحب عليه أن يبرهن  على صدق حبه بالخضوع لأمر حبيبته ولو كان  في هذا الخضوع هلاكه.."[9]

إن هذا التسامي بالعاطفة في أدب الفروسية  حوله إلى أدب " كان في مجمله متصنعا، بعيدا عن الواقع في عالم من المثل"[10] ولذلك وقف " سرفينيس" من أدب  الفروسية موقف الناقد الساخر في قصته.. دون كيوخته، ويفصح الدكتور غنيمي هلال عن هذه السخرية بقوله:" وقد سخر- سرفينيس- من أدب الفروسية، وما فيه من تصنع و زيف، وأنه بمثاليته يبعد كثيرا عن الواقع على حسب ما  يعرفه الناس، فيفسد العقول بخلطه بين عالم  الغيب، وعالم الواقع"[11]

والبطولة  في البولسة الأدبية تتسم بالمثالية في تركيزها على تفوق-المحقق- على المجرم، مهما  بلغت درجة ذكائه، وحيله، كما أن البطل يتميز بالنزاهة،  والشجاعة والإخلاص في الدفاع عن الحق، ومحاربة الشر، ولو كان ثمن ذلك  حياته، وتختلف في ذلك عن البطولة في الأدب البوليسي موضوعا  يستحق التركيز..

وتتضح علاقة التشابه بين الفروسية كبطولة رعوية، ومفهوم البولسة كبطولة مدنية، في كون الصراع الذي يخوضه البطل في الجنسين الأدبيين صراعا وهميا،  يتمثل في كفاح الفارس ضد الوحش، والعمالقة، وصراع المحقق ضد المجرمين والعصاة وهو كفاح  وصراع المنتصر دائما، وتأتي بعد ذلك النهاية المكررة دائما من ظفر البطل بحبيبته، وتغلبه على  جميع الصعوبات"[12] وتكمن المحقق من القبض على المجرم وتقديمه للعدالة.

ولذلك قلّد سرفنتيس تقليدا ساخرا البطولة الفروسية حيث "نقل الحوادث  من الناحية المثالية إلى ناحية هزلية يصطدم فيها  المثال بالواقع  الأليم، وتقدم كثيرا في التحليل النفسي لشخصيته، فجعل منها  نموذجا  بشريا.."[13]

ويستخلص من نظرة- إيف دي مانو- المعروضة- سابقا أن  البطل الخيالي المتكرر في الرواية البوليسية ليس  إلا أداة طيعة يستخدمها الكاتب لتمثيل الشخصية القانونية  بعيدا عن رجل البوليس الذي يشك في نزاهته في الدفاع عن مصالح  الطبقة الأرستقراطية وهو تقليد ساخر يعكس خبث هذه  الطبقة، ومرضها الاجتماعي " إن ظاهرة الاعتماد على محقق سري حر  (Détective privé) تعكس الوجه الخفي لمقصد البرجوازية المتمثل في عرض قضاياها السرية على هذه الطبقة لنفسها لمعالجة فضائحها في إطار سري مغلق، وما  يمكن أن تكشفه من جوانب دنيئة متناقضة في حياة هذه الفئة من المجتمع"[14]

   وقد مثل هذا التيار صفوة من الكتاب البارزين،بمستويات متفاوتة، نذكر منهم-على سبيل المثال لا الحصر موريس لوبان  Maurice Leblanc (1864-1926)،  وجاستون لورو  Gaston Leroux(1859-1930) وأجاتا كريستي  Agatha Christie (1891-1976).

إن القصة البوليسية لدى هؤلاء الكتاب تتضمن في أغلبها صورا من الحياة اليومية لكل الفئات والشرائح الاجتماعية، إلا أن البطل فيها لا ينتظر إلى عمق الحياة، وصراع أفرادها، ولا يهمه منها سوى حل اللغز المطروح بكيفية رياضية، بعيدة عن القيم الاجتماعية، وما تمثل من خير أو شر.

ويظهر أن الرواية البوليسية قد حافظت على بعض الثوابت الفنية على الرغم من التطور الكبير الذي عرفته هي وما تفرع عنها من أنواع أدبية عددها الناقد المصري محمود قاسم في قوله:" والطريف أن الرواية البوليسية بحبكتها ونواميسها، قد أصبحت نوعا أدبيا أما (من الأمومة) للعديد من الأنواع الأدبية التي ازدهرت في القرن العشرين، وانبثقت منها رواية التجسس، ثم رواية الخيال العلمي، ورواية الخيال السياسي، وأيضا  رواية  الفانتزية، ورواية التخويف، وما إلى ذلك من  الأسماء أو تحت الأقسام التي تفرعت عن النوع الأساسي..."[15].

وأما الثوابت التي قرضتها نظرية  هذا الجنس فتتمثل في أن أغلب شخصيات الرواية البوليسية "  إما ضحايا أو مشبوهين.. أما القتلة والمقتولين فهم شخصيات ثانوية . يختفي القتيل في الفصول الأولى.. ويبقى القاتل وراء الستار ولا يوجد منفذ منها إلى موقف إنساني فكه، ولذلك فالعواطف دائما مشبوهة وموضع ريبة، وتعيش الشخصيات متوترة  الأعصاب تنتظر حدوث الموت في أية لحظة، وللقريبين منها.."[16]

ويلاحظ الناقد قاسم في  هذا السياق أن أغلب كتاب هذه الروايات اهتموا بالمعاصرة على حساب التاريخ، وكانت الجريمة هي نتاج العصر بإيقاعها المجنون الملئ بالغموض والدم، على  سبيل المثال، فإن الروايات التاريخية التي كتبتها أجاتا كريستسي عن مصر الفراعنة وبابل العراق كانت الحبكة البوليسية  فيها أضعف، نتيجة الاهتمام بإبراز النواحي التاريخية على الحس البوليسي[17].

ويستخلص من  تتبع اتجاهات هذه المضاضمين أن الرواية البوليسية بعد أن كانت حكرا على طبقة النبـلاء والبرجوازيين الرأسماليين  في بريطانيا، اتسع نطاقها واتخذت شكلا جديدا مغايرا ظهرت بواكيره في الولايات المتحدة  الأمريكية وكان ذلك شاهدا على التحولات الجذرية التي عرفتها الولايات المتحدة  في الثلاثينات من القرن العشرين أحدثت تغييرات بارزة على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي تجلت أهم مظاهرها، وبدا واضحا أن كتاب هذه القارة من العالم قد تخلوا نهائيا عن جو القلق الذي كان يطبع كتاباتهم، واتجهوا نحو تبني غضب الشارع أو بالأحرى.. إنه التزام- من نوع جديد- بقضايا المجتمع، وبذلك يدخل عالم  الرواية  البوليسية عهدا جديدا، يقول عنه الناقد- إيف- " أنه عهد تميزت كتاباته ببعض  الخصائص، وقد عرفت طريق النشر والاتصال بالجماهير بفضل قناة الصحافة والمجلات.. جلبت مجلة القناع الأسود"  Black Mask -  حولها  جيلا جديدا من الكتاب، تخلوا بصورة مفاجئة عن تقاليد الكتابات البوليسية، وتبنوا طريقة واقعية تعتمد المباشرة في رسم تحركات وتطورات المجتمع الأمريكي المعاصر بعيدا عن التهويمات  الخيالية الإنجليزية، وقد  شمل هذا الجيل الجديد..."ديشل هايميت  Dasheill Hammet  1894-1961)  و-ريموند شندلر  Raymond  Chandler  وهوراس ماك كويHorace Mc Coy وابتدعوا شخصية بطولية تختلف جوهريا في مميزاتها عن شخصية البطل الكلاسيكي، إنها شخصية- المخبر السري الذي يتولى البحث في  القضايا، وتكون تدخلاته غير رسمية، إنه يعمل على هامش القاون بطرق خاصة، ويبقى جوهر وجوده في شبكة العلاقات قائما على البحث عن الحقيقة وكشفها  عارية حتى  ولو تطلب ذلك التضحية ببعض القيم الاجتماعية والأخلاقية[18].

البولسة الأدبي و والمجتمع العربي

استطاعت الرواية البوليسية أن تلعب دورا كبيرا في بث الإيديولوجية الليبرالية في أوروبا والولايات المتحدة "باعتبارها أكثر القنوات شعبية، إذ تمكنت من تحويل المغامرة واللغز والحلم إلى أدوات تزيين ثياب البوليس، وتحويله إلى شخصية نافذة ومؤثرة"[19]. وقد ساعد على ذلك عوامل كثيرة، كالتطور الصناعي، واتساع المدينة وتعقد الحياة فيها، ونمو الاقتصاد، وتطور العلم والتكنولوجيا، ورسوخ الديمقراطية وحرية الفكر..

أما في بلادنا العربية فالأمر غير ذلك "فالقصة البوليسية التي ترجمت منذ زمن وصدرت ضمن طبعات شعبية بقيت خارج قدرة الإبداع العربي على إنتاجها..."[20]، فقد ترجم طانيوس عبده ستمائة قصة وإلياس فياض 25 مسرحية وأبو خليل القباني 60[21]. وقد عاب الدكتور أنور الجندي على هذه الترجمة تجاهلها موقفنا التاريخي، وقيمنا الأساسية وذاتيتنا كأمة عربية[22].

كان من المفروض أن تلعب الترجمة دورا إيجابيا في نقل الأعمال الأدبية الكبرى إلى الأدب العربي لخدمته وتقويته لكنها انحرفت في ظل الضغوط الغربية تحول الترجمة عن أهدافها الأساسية إلى التسلية وإرضاء رغبات القراء[23].

ويذكر الدكتور أنور الجندي أن يوسف أسعد داغر قد أحصى عشرة آلاف قصة ترجمت حتى أوائل الحرب العالمية الثانية  (1939).. وقد  ترجم أغلب هذه القصص من الفرنسية[24].

إن الأدب  العربي لم يكن قادرا على أن يفرض ذاتيته ومنهجه على حركة الترجمة  الحديثة فقد جاءت من خلال مرحلة استعمار له سيطرة  فكرية، وله أداة من أدوات الغزو الثقافي التي تحاول أن تفرض الفكر الغربي في كل مجال[25] ولذلك كان دور  الترجمة في  صناعة الرواية الكولونيالية خطيرا جدا، ومن هنا كانت أهداف الغزو الاستعماري الثقافي الوافد أن انقض على مقومات الأمة عن طريق مسح آدابها وفكرها وغزوها بمذاهب وفلسفات  ونظريات مستطاعا من خلال الترجمة، ويخلص أنور الجندي إلى الحقيقة التالية وهي إلى غزو وتمييعه وتذويبه في بوثقة المادية والإباحية الوثنية وإخراجه عن مقوماته، وفرض مقومات أخرى عليه[26]. وإلا كيف حجبت الأعمال الأجنبية الجادة البناءة من الآداب والفنون والعلوم والفكر، وفرضت علينا وترجمت  لنا ألوان تثير الغرائز وتدفع إلى الشبهات في مجال الدين والأخلاق[27]. ولذلك بقيت هذه الترجمات خارج اهتمام العربي لأنها كانت مرتبطة بالفكر الأوروبي الذي يستمد مقوماته من الآداب اليونانية والإغريقية الوثنيو، ومن هنا فإن قراء الترجمات في أدبنا لا يستطيعون أن يعرفوا موقفهم تماما[28]. ولذلك نراهم يصارعون هذا الأدب، ولم يتقبلوا منه ما رأوه مناسبا لمزاجهم النفسي وأذواقهم، ذلك لأن الغربي حين ترجم ما اقتبس من الأدب العربي كان قويا وكان قادرا على الأخذ والرفض[29].

مما سبق نستنتج أن الترجمة استهدفت في أغلبها نقل الأعمال القصصية ومن بينها القصة البوليسية، كقصص أجاتا كريستي، كونون  دويل وموريس لوبلان وغيرهم، إلا أنها بقيت خارج قدرة الإبداع العربي على إنتاجها فما أسباب غياب القدرة على الكتابة البوليسية؟ نتصور أسباب غياب هذه القدرة في العوامل الآتية:

الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية:

نعيش اليوم تمزقا فكريا  وأيديولوجيا خطيرا نتيجة تعدد مصادر ثقافتنا وفكرنا عن  حقوق الإنسان، وعلاقاته الاجتماعية والسياسية ومن بين مصادرنا التاريخ الاجتماعي والسياسي الحديث الذي يبلور في الغرب أسسا ومبادئ ثابتة تحكم العلاقات بين الفرد والدولة، قائمة على قدسية  الحياة الشخصية وعلى احترام حرية الرأي والضمير والعمل والتنظيم الأساسي وحق الملكية والأمن لكل أفراد المجتمع، وسيطرة  القانون، ورفض التمييز والعنف والعقوبات الجماعية[30]..

وقد رفضت التيارات الثورية اليسارية  هذا المصدر باعتباره إعلانا رأسماليا يصب في العقيدة الليبرالية التي تؤكد على حرية الفرد على حساب حرية الجماعة. وإلى جانب هذا المصدر المرفوض من قبل التيار الثوري اليساري هناك من الاعتقاد لفترة طويلة لدى المنتمين إلى هذا التراث، بأن المسألة الحقيقية ليست إلا مسألة شكلية، وأن لا إصلاح بدون تغيير الأسس المادية لحياة الفرد والجماعة معا[31]، على أن غاية إتباع هذا التيار لم تكن إفصاح  فقط ، بل أراد أتباعه ترسيخ قاعدة تغيير اجتماعي جذري عن طريق تغيير الشروط المادية للإنتاج والعمل، وشروط الملكية وعلاقة الإنتاج، ثم تغيير سلطة الدولة، وهناك مصدر ثالث لأفكارنا السياسية وهو التفكير الإسلامي الراديكال، ويتلخص في التمسك بالإسلام الأصولي كمصدر أساسي ببقيم التي تحرك سلوكنا الفردي والجماعي وتسييره..[32] وينظم هذا التيار مع الحركة اليسارية حيث يعتبر قلب النظام القائم شرطا أساسيا لأي تحول جذري، تكون الديمقراطية سلما يرتقي به إلى السلطة، ثم ينفصل عنه لتطبيق إيزوتوبيا "الجمهورية الفاضلة".

إن الواقع الأليم للمجتمع العربي يعكس التناقض الرهيب بين المجتمع السياسي الذي تعمقت عزلته الأيديولوجية والمجتمع المدني الذي حطم القهر لحمته  وتضامنه[33]، بعد أن بذر فيه الاستعمار الاستيطاني بذور النزاع، وانحلال علاقات القربى والتضامن الجماعي. وعلم  الرغم من ذلك كله بقيت ثوابت اجتماعية وأخلاقية حالت دون ترسخ أدب بوليسي بالمواصفات الغربية في الأدب العربي.

مفهوم الجريمة : يتضح من  النصوص الإسلامية أن ردء الجريمة ومنع العوامل الدافعة لها أهم من العقوبة في ذاتها ويظهر زيف الصورة التي ترتسم في أذهان البعض من أن الإسلام مجرد سيف يهوي على أعناق الناس وأيديهم، ويتبين أن الشريعة الإسلامية نظام متكامل ترتبط مبادئه وأصوله السياسية ونظام الحكم فيه بنظامه  الاقتصادي ونظامه  الاجتماعي وهذان يرتبطان بقيم الأفراد والجماعة الأخلاقية..[34]   

وتبدو الشدة في ظاهر القوانين الإسلامية وإن كانت في الحقيقة رحمة بالفرد والجماعة، فالذي يوقن أنه قتل كان من حق أولياء دم القتيل أن يقتلوه يخشى هذا المصير المخيف.. فالقتل أنفى للقتل، وهكذا الأمر بالسبة للسارق، والزاني والقاذف[35] .

تتخذ الجريمة مفهوما مغايرا لمفهومها في المجتمع الغربي، لذلك لا تكون هاجسا مركزيا في التفكير الفردي أو  الجماعي في الحياة الاجتماعية العربية الإسلامية كما أن الجريمة لا يمكن أن تتخذ مطية للغنى، لأن الوازع الديني، يقلل إن لم نقل ينفي هذا التفكير ويتبره من أصله، لذلك لا يمكن قيام بولسة أدبية بالمواصفات الغربية.

- تأثير  الاستعمار على  السلوك الفردي والجماعي للمواطن العربي: من بين المشاكل المشتركة بالنسبة لجميع الدول العربية في  القرن العشرين، ظاهرة  الاستعمار الاستيطاني والنفوذ الثقافي، حيث شمل  هذا الاستعمار كل أجزاء  الوطن العربي وكان  ذلك إثر فشل وضعف الإمبراطورية العثمانية، التي خلفت إرثا اجتماعيا واقتصاديا متدهورا على أكثر من صعيد، ولذلك قامت حركة حديثة بدأت موضوعيا بثورة شبه الجزيرة العربية على الحكم العثماني (عام 1916) وكان من نتائجها جامعة الدول العربية في (مارس 1945)[36].

ولقد أثر الفكر الكونيالي على سياسة العمران والتخطيط في المجتمعات المستعمرة، حيث أن العامل الاستعماري والميكانيزمات الاقتصادية التكنولوجية والاجتماعية والسياسية كونت الإطار التاريخي والأيديولوجي الذي نمت  فيه المخططات والمشاريع الحضارية[37]، ولئن كانت المدينة ناتجة عن انفجار حضاري صناعي، إثر الاختناق الذي سببه التطور الهائل في جميع الميادين[38]  في الغرب، فهي في الدول النامية قائمة حيث وجدت صناعات كانت تحول إلى أوروبا، أقيمت حولها شبكة المواصلات وتكاد ظاهرة تكدس السكان في  الوطن العربي تمثل أزمة اجتماعية حادة، وإن  كانت ظاهرة  حضرية في المجتمعات الغربية لأنها تساعد على نمو الحس السياسي وتبلور مفهوم الأيديولوجية الاقتصادية.. ولعل مرد هذه الأزمة يعود إلى ( حس الأنانية وحب الذات) المختلفين في المجتمع الغربي.

من بين الباحثين والنقاد العرب الذين استرعى اهتمامهم وفضولهم غياب جنس الرواية البوليسية في الأدب العربي، إلياس الخوري، في ظل هاجس البحث عن المبررات الموضوعية لهذا الغياب، يخصص هذا الباحث ضمن مؤلفه- الذاكرة المفقودة-[39] دراسة عنوانها:" عن البوليس والرواية البوليسية"، يتعرض فيها إلى طبيعة الحكم في الوطن العربي، وعلاقة السلطة بالشعب وجهاز البوليس، إلا أن اللذين لم يسمحا بالعرض والتحليل والمناقشة  واستخلاص النتائج دفعة واحدة.

أثار إلياس الخوري موضوع عقم السياسة والبنية السلطوية الهشة بالمواصفات الغربية في الأدب العربي.

ولقد استطاع المجتمع الغربي الرأسمالي أن يحقق فصلا شكليا بين السلطات مما أهله إلى تأسيس سلطة برجوازية على أساس هيمنة طبقة على المجتمع بأسره، عبر تفتيت هذا المجتمع في الأفراد، وتمكنت السلطة أن تحقق ضمن شبكة معقدة من الأجهزة الدولية، فأكدت السلطة الرأسمالية طابعها العقلاني، أو ادعت العقلانية في مواجهة الرغبات والغرائز التي يجب قمعهان ومن ضمن هذه الصورة العامة تبرز صورة رجل البوليس[40].

ويلاحظ أن إلياس الخوري أهمل في هذا  الطرح عوامل أخرى تبدو جوهرية في قيام أدب بوليسي، قيمين بهذه الصفة، الموروث الثقافي الشعبي، والمثل الاجتماعية والأخلاقية العليا المؤثرة في سلوك المواطن  العربي، حيث لا يزال يمارس التفكير الرعوي على الرغم من إستطانه للمدينة، واستخدمه لكثير من الآليات التكنولوجية الحديثة. ونجد تركيزا  لوصف هذه الظاهرة، وتحليلها  والتعليق  عليها لدى الباحث "محمد الدين محمد" حيث يرجع مصدر هذا التفكير الرعوي إلى الموروث  الأدبي العام ، والنصوص الإسلامية ، وهو عن ذلك يقول:" الأدب العربي أدب له جذور مخالفة لشكل حياتنا الحديثة، لأنه  تعبير عن حضارة رعوية جافة، ظلت لمدة طويلة طراز حياة الأمة الوحيدة التي كان لها كيان نفسي في تلك الأيام"[41].

وهذه الأصول، لا يزال كيان، وحيوية، على مستوى شكل ومضمون الأدب المعاصر، أي أن المفكر والأديب لم يتحررا مطلقا من هذا الموروث الفكري الرعوي، وقد ترسخ هذا المفهوم في الأذهان ويصعب استئصاله نتيجة إرتباطه بالنصوص الإسلامية حيث يرى محمد الدين محمد أن الدين الإسلامي ذاته تعبير عن تلك الحضارة الرعوية، وتأكيد  لها، بل إن صورة الفردوس تعكس إلى مدى بعيد مطالب الرعاة الذين لا يشاهدون سوى الرمل والصخور، ويقتلهم الجفاف والعطش، ويقلقهم إلى حد العذاب انغلاق مجتمعهم من حيث الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة..[42] ويجد الباحث مبررا لأرائه في التغيير الجذري الذي مس حضارتنا وأثر على سلوكنا الخارجي وممارساتنا اليومية، في الانتقال من حياة القبائل والقرى إلى حياة المدن، فحضارة المدينة تختلف جذريا عن حياة الواحات، كما تختلف حياة المجتمع الكبير عن حياة القبلية.. فالمدينة في الغرب تطورت إلى مدينة أحسن وسوف تتطور إلى المدينة الأحسن.. أما هنا فالواحة تنقلب إلى مدينة، بكل الفارق الجسيم بين الاثنين[43].

إن هذا التغيير الذي مس حياتنا أثر كثيرا على  الجانب النفسي والمشاعر والوعي والفهم لدى الفرد العربي لذلك نراه اليوم يعيش قلق وجود، وقلق  فهم..[44]

ونستخلص مما سبق، التعارض الكبير بين الجذور التاريخية القديمة لثقافتنا التي كانت في مجملها، تعبيرا عن واقع صحراوي ( ومئات الشواهد في شعرنا وأمثلتنا وأحكامنا أتثبت ذلك)، وبين حياتنا الجديدة التي تستمد من الغرب أكثر من وجه[45].

إن ما ينبغي التركيز عليه في مجال دراستنا هذه، هو التعارض والتناقض بين واقعنا اليومي المعيشي والسلوكي وأدبنا الذي لا يزال في  أغلبه يسلك الطريق الكلاسيكي القديم، إن حياتنا تمشي وفكرنا واقف مكانه[46].

إن هذا التعارض في الفكر ومصادر الثقافة، وممارسة الحياة اليومية المعاصرة، من شأنه أن يعطل ظهور أدب بوليسي حيث سمت الشرائع الغربية بهذه الشخصية، فجعلت منها " معبودة الجماهير" ، فالبوليس هو الشرائع، وقد تجسدت في شخصية ملموسة، وعملت الأيديولوجية على تقديم صورة جديدة لأداة القمع، فهي أداة أخلاقية.. والشرطي الذكي هو "معبود الجماهير" الباحثة عن الطمأنينة، وبذلك استطاعت أن تؤسس قاعدة  لامتصاص العنف الاجتماعي وتحويله إلى قنوات نبيلة، العنف ضد الخارجين عن القانون  حيث يمثل رجل البوليس المواطن العادي وقد تزود بالوسامة والذكاء والحيلة[47].  وعن طريق المقارنة بين تأسيس السلطة على الهيمنة الطبقية  العقلانية في الغرب، وقيام سلطة لا لون لها  في الوطن العربي، تمكن الباحث إلياس الخوري من استخلاص النتيجة التالية: هكذا استطاعت القصة البوليسية أن تشكل إحدى أكثر القنوات شعبية لبث الأيديولوجية المسيطرة، ولتحويل المغامرة واللغز والحلم إلى أدوات تزين البوليس وتحوله إلى شخصية اجتماعية نافذة ومؤثرة[48]، بينما فشلت الحداثة العربية في استلهام النموذج الغربي، واكتفت باستعارة الشكل في بناء جهاز دولتها البرجوازية حيث بنت في المحصلة جهازا خاصا بها، استقدمت النموذج، ولكنها صهرته أو انصهرت به، فقدمت بذلك صورتها الخاصة في بنية اجتماعية لا تتشابه مع آل بنية الاجتماعية الغربية  الرأسمالية إلا في مظهرها الخارجي[49]. ومن ثم أصبحت السلطة جهازا من خارج المجتمع من خارج علاقاته لا تملك أي تدبير أيديولوجي لشرعيتها، ومن هذه الزاوية يصير رجل البوليس الذي يفترض في الأيديولوجيا أن  تقدمه على أنه صورة الخير صورة العسكري الذي ينهب، ويستولي على المحاصيل.. ويهتلك الحرمات[50].

إن الروايات البوليسية تعكس بصدق تطور الفكر الإنساني من عالم السحر والأساطير والأشباح التي عملت على ترسيخ الفكرة الساذجة في الأذهان إلى عالم الآلة والتكنولوجية حيث تفرغ الإنسان لحل مشاكله اليويمية انطلاقا من العلم  والفن على حد سواء بمنهجية وموضوعية، حيث تسود العقلانية في مواجهة الرغبات والغرائز. إن تقدم العلم والتفكير  ساعدا على  وجود مخاطرات أخرى أكثر واقعية، تتصارع فيها  قوى الخير والشر في التعقيد والحل، والعلم هو عماد القوتين معا، وذلك في القصص البوليسية التي أتت بعد قصص  المخاطرات القديمة فيما تثير من قلق وضيق،  وبما تخلق من  ألغاز في الأشياء العادية اليومية، فقد يكمن الموت فيها يتخيله الضحية  قلما وهو خنجر صغير، أو حبلا وهو ثعبان. في هذا تنشر حوادث القصة البوليسية نوعا من الغموض السحري،  يهيج التفكير  وينتظر الحل الأكيد، إذ أن القارئ على ثقة بأن هذه الألغاز واقعية إنسانية وأن شريرا أبتدعها، وسيهتدي إلى حلها إنسان خير أقدر منه، يغلب فيها على أمره، ألا وهو رجل الشرطة المكلف بتتبع الجاني في القصة البوليسية، وهي القصة التي قامت على أنقاض قصص المخاطرات القديمة وعجائبها،  ومشكلاتها إنسانية تتفق  وما انتهى إليه العصر الحديث في مفهوم القصة بعامة، وهو أنها تجربة إنسانية يصور فيها القاص مظهرا من مظاهر الحياة، تتمثل فيه دراسة إنسانية للجوانب النفسية في مجتمع وبلد خاصين، وتنكشف هذه الجوانب بتأثير حوادث تساق على نحو مقنع يبرزها ويحولها، وتؤثر ضئيل في القصص البوليسية، وغالبا لا وجود له، فهي تعتمد على الأحداث، ولذا كانت من هذا الجانب أقل في المرتبة الفنية، ومنزلتها الأدبية- لهذا السبب- أقل كثيرا من أجناس القصة الحديثة الأخرى[51].


الهوامش

[1]-محمد، علي محمد: أصول الإجتماع السياسي- الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، الجزء الثالث: 1987،-ص.103.

[2]- المرجع السابق ص.-103.

[3]- المرجع السابق.- ص 104

[4] DI-MANNO YVES : Roman policier et société.- Paris , Europe , N°  571-572, 1976.-  p.119.

[5]-غنيمي  هلال:  النقد الأدبي الحديث.-بيروت، دار العودة، 1987،-ص.502

[6]- المرجع السابق.- ص.502.

[7]د.عبد الله، عبد الدائم: في سبيل ثقافة عربية  ذاتية.- بيروت، دار الآداب، 1983.- ص.07

[8]- لمرجع السابق-.ص  502.

[9]-  غنيمي، هلال: النقد الأدبي الحديث.- ص.502.

[10]- المرجع السابق.-ص . 502.

[11]-غنيمي، هلال: النقد الأدبي الحديث.-ص.502.

[12]- المرجع السابق.-ص 502.

[13]-المرجع السابق .- ص.503.

[14]- Di- Manno, Yves :  Roman policier et société.- Op.-p.10.

[15]-واية التجسس والصراع العربي الإسرائيلي.- ص.20.

[16]-المرجع السابق-ص.21.

[17]-المرجع السابق- ص، 21) من بين هذه الروايات، جريمة في وادي النيل، ورواية كالتي تجري أحدلثها في العراق.

[18]  Roman policier et société.- Op.122

[19]- الخوري، إلياس: الذاكرة المفقودة.- ص.350.

[20]-المرجع السابق،-ص 350.

[21]-الجندي، أنور: خصائص الأدب العربي- ص. 255

[22]-المرجع السابق،- ص 255.

[23]- المرجع السابق ص 254.

[24]- المرجع السابق،ص. ص. 254-255.

[25]- خصائص الأدب  العربي.- ص، 256

[26]- المرجع السابق ص 256.

[27]- المرجع السابق ص- 257.

[28]-المرجع السابق ص- 257.

[29]- المرجع السابق ص- 258.

[30]- د. غليون، برهان: السياسة والأخلاق.- طرابلس، مجلة الفكر العربي، العدد 22، أكتوبر 1989.- ص.150.

[31]- المرجع السابق.- ص.ص 150-151.

[32]- المرجع السابق.- ص. 151

[33]- المرجع السابق .-ص 152.

[34]- الهضيبي/ محمد المأمون: الجريمة في الشريعة الإسلامية- الجزائر، دار الصديقة للنشر والتوزيع، 1989.-ص.29.

[35]-المرجع السابق .-ص –ص.30-29.

[36] - د. عويس سعيد، سيد: الطريق إلى الوحدة  العربية. وجهة نظر ثقافية إجتماعية فكرية.- طرابلس، مجلة الفكر العربي، العدد 23، 1981،-ص.53.

[37] Marouf,  Nadir : La relation ville compagne dans la théorie

[38]  Ibid.- p.52.

[39]-  الخوري إلياس:  الذاكرة المفقودة، دراسات  نقدية.- بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 1982.

[40]- المرجع السابق.- ص.350.

[41]- محي الدين، محمد: ثورة على الفكر العربي المعاصر ودراسات أخرى.- صيدا، المكتبة العصرية، 1964،-ص.17.

[42]- المرجع السابق.-ص.17

[43]-المرجع السابق.-ص.17

[44]-المرجع السابق.-ص.18

[45]- ثورة ع لى الفكر العربي المعاصر.-ص.18

[46]- المرجع السابق.- ص.18.

[47]- الخوري، إلياس: الذامرة  المفقودة.-ص.351.

[48]- المرجع السابق  والصفحة نفسها.

[49]- المرجع السابق ص.351.

[50]- المرجع السابق  ص.352.

[51]- غنيمي، هلال: النقد الأدبي الحديث.-ص.ص. 351-352.

 

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche