إنسانيات عدد مزدوج 69-70 |2015| الهجرات رُؤى من الجنوب | ص 109-112| النص الكامل
خصص هذا العدد من مجلة فكر [1]Penséeمحوره الرئيسي للإسلام بصيغة الجمع فجاء تحت عنوان "الإسلامات اليومIslam(s) Aujourd’hui " .وكان الهدف من هذا العنوان عكس غنى الظاهرة الإسلامية في عالم اليوم. استهل العدد بنشر لتصريح جان جوريس، Jean Jaurès، الشخصية اليسارية التاريخية، أمام مجلس النواب بتاريخ01 فبراير 1912 حول الإسلام، الذي تعرف عليه من خلال صداقاته مع المسلمين التقدميين في كل من مصر وتركيا. وتطرق فيها إلى غنى الإسلام الحضاري والثقافي والعلمي من جهة، وإلى النزعات الظلامية والرجعية التي تسوده على فترات . وهي نزعات موجودة في نصوصه التأسيسية، حسبه، إلى جانب المضامين الراقية.
تمحورت مساهمتا كل من رشيد بن زين، صاحب كتاب مفكرو الإسلام الجدد[2]، وغالب بن شيخ، المتخصص في الإسلاميات، على موضوع الحداثة الدينية والتنوير في العالم الإسلامي. وقد قارب رشيد بن زين الموضوع من خلال مدخل تيار من سماهم بمفكري الإسلام الجدد، وهم مجموعة من المثقفين المنتمين إلى فضاء الحضارة الإسلامية، متعددي المشارب والتخصصات والاتجاهات. فالذي جمع بين هؤلاء المثقفين ليس فقط إعادة محاولة إنتاج رؤية فلسفية ودينية وقانونية تتوافق مع متطلبات الحداثة في ميادين العلم والتقنية، وما بين تعاليم الإسلام كمنظومة قانونية اجتماعية، ولكن من دون إعادة النظر في أصولها كما كان الحال مع رواد حركة الإصلاح: جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وبدرجة أقل رشيد رضا؛ وإنما أيضا في إعادة التفكير في أصول الإسلام عبر الاستفادة من مناهج وإسهامات العلوم الاجتماعية والإنسانية واللغوية. كما نادى هؤلاء المثقفون بتهيئة الظروف الموضوعية الضرورية لتمكين بروز هذا العمل النقدي على الدين وأهمها: مجتمعات إسلامية منفتحة ومحترمة للحريات الفكرية والدينية، وهو بالضبط ما عانوا منه، فقد أجبر الكثير منهم على مغادرة بلادهم بسبب انتاجاتهم ومواقفهم الفكرية.
أما غالب بن شيخ فقد كانت مساهمته عبارة عن برنامج لإعادة بناء "الثيولوجيا الإسلامية" على أسس جديدة، وهي مساهمة أقرب ما تكون إلى المرافعة من أجل مقترح برنامج يسمح لـ"الثيولوجيا الإسلامية"، وهي المنظومة القانونية الفقهية والعقدية الإسلامية، بالخروج من سياجها، بحسب تعبير محمد أركون، إلى آفاق الحداثة الدينية المعاصرة التي سبقنا إليها العالم الغربي المسيحي. وتقع في نفس هذا الإطار تقريبا مساهمة باتريك ريبو Patrick Ribau حول العلوم والمعارف في العصر الذهبي؛ إذ أعطى صورة مغايرة لتلك الصورة لحضارة إسلامية لم تستطع الخروج من دائرة المعارف الدينية. وأقصى وما توصلت إليه تمثل في ترجمة ونقل المعارف الاغريقية إلى العالم الغربي، وذلك من خلال عرض لنماذج إسهامات في مجالات متعددة من الرياضيات والكيمياء والهندسة إلى التاريخ والعلوم اللغوية والفلسفة.
توزعت بقية الإسهامات على مواضيع متنوعة اهتمت كلها بواقع المسلمين الراهن. فقد عرض الكاتب التونسي الحبيب كزدغلي لتجربة الحكم القصيرة لحركة النهضة التونسية في سياق ما بعد الثورة على الرئيس زين العابدين بن علي، وكيف تمكنت في فترة وجيزة من الاستفادة من سخط وتطلعات الشارع التونسي، ومن انقسام الجبهة الديمقراطية والعلمانية واكتساب شعبية مكنتها من قيادة حكومة ضمت إليها وجوها غير إسلامية. ولكن تسارع الأحداث، يواصل كزدغلي، ودخول حركة النهضة في منافسة مع التيار السلفي على كسب القواعد الإسلامية "هيج" عليها جانبا من الشارع فأرغمت تحت هذا الضغط الداخلي وتحت ضغط فشل التجربة الإخوانية في مصر إلى الانكفاء والقبول بالمشاركة الفعلية والتصويت لدستور مدني. ولكن- حسب رأي كزدغلي دائما- لا يمكن الاطمئنان لهذا القبول ما دامت القواعد والكثير من قيادات الحزب الإسلامي لم تقبل لحد الساعة بمبدإ الدولة المدنية العلمانية.
حول قطر إسلامي آخر كتب جاك كولان Jaques Couland عن الأزمة اليمنية الراهنة ما بين طرفي الصراع اليمني: الحوثيون وحزب المؤتمر اليمني بقيادة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من جهة، وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، إلى جانب الحراك الجنوبي، وهو صراع يجد أصوله في نشأة اليمن الحديث ويأخذ أسبابه من عناصر متداخلة دينية مذهبية وعرقية ومناطقية وإقليمية وأمنية.
اهتم من جانبه فانسان تيبرج Vincent Tiberj بموضوع بدأ يفرض وجوده على المستوى الإعلامي والأكاديمي في فرنسا، موضوع "الانتخاب الإسلامي". بدأ الكاتب باستعراض إحصائيات الانتخابات في فرنسا والدارسات التي ركزت على السلوك الانتخابي للمسلمين، ليخرج بنتيجة تبدو لأول وهلة بديهية وغير قابلة للنقض، وهي أن للمسلمين نزعة أكثر من غيرهم على الانتخاب لليسار. ولكن الدارسات الأكثر عمقا تفند هذه النتيجة المستعجلة، فالمسلمون أو بالأحرى المهاجرون من أصول إسلامية أجنبية وأبناؤهم، ليسوا كلهم مسلمين، وسلوكهم الانتخابي لا تحكمه إلى حد الساعة اعتبارات دينية بقدر ما تحكمه اعتبارات ذات علاقات بوضعهم كأقلية تعاني من العنصرية والتمييز.
وفي ميدان آخر، وهو السينما، قدمت مليكة رومان عرضا عن واقع السينما الجزائرية التي تعاني من جملة من المشاكل حالت دون أن تصبح ذات شعبية، فلم تحقق أهم شروط جذب الجمهور، وهي الحميمية ومخاطبة ذاتية الجماهير. حللت رومان هذا الواقع بوصف مختلف المراحل التي مرت بها السينما الجزائرية من بداياتها الأولى مع السينما الثورية النضالية إلى السينما المعاصرة، كما ركزت على المرأة في السينما الجزائرية.
في الأخير قدم باتريك ريبو في قسم الوثائق مساهمة في شكل جداول إحصائية حول ديمغرافية المسلمين في العالم ونسبهم في كل دولة مع بعض التعليقات عليها. ولقد أكد على أن المسلمين البالغ عددهم في العالم اليوم حوالي 1.5 مليار نسمة، حسب آخر الإحصائيات، لا يشكل العرب منهم سوى أقلية؛ إذ أن عدد المسلمين في أندونيسيا مثلا يقارب عدد المسلمين العرب، كما أن العرب ليسوا كلهم مسلمين، فهناك أقليات مسيحية مهمة في بلدان المشرق العربي : لبنان (%30)، مصر (%7)، سوريا (%7.1)، العراق (%3) وفلسطين (%5) . كما يتوزع المسلمون على الأقاليم الجغرافية كالتالي : %62 في آسيا،%21في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، %15 في إفريقيا جنوب الصحراء و%2 في أوروبا.
لقد عكست مساهمات هذا العدد غنى الظاهرة الإسلامية وترجمت بدقة العنوان المختار وهو الإسلام بصيغة الجمع، قاطعة بذلك مع تلك التصورات السابقة حول إسلام واحد ذي شكل واحد في كل مكان وزمان، وأبرزت تنوع العالم السلامي وتعقيده على كافة الصُّعد والمجالات، مما يجعل أية نظرة أحادية له عديمة الفائدة وغير مجدية على المستوى العلمي، وبالتالي تحول دون معرفة أكاديمية لهذا الفضاء الحضاري الديني.
فريد مركاش
الهوامش
[1] Islam(s) aujourd’hui, n° 384, Octobre-décembre 2015, Paris, Fondation Gabriel Pér.
[2] Benzine, R. (2004), Les nouveaux penseurs de l’Islam, L’islam des lumières, Paris: Michel.