ابتسام شاشو، (2016). الوضعيّة السوسيولسانية في الجزائر. منشورات لارمتان، عدد الصفحات 309.


انسانيات عدد مزدوج 77-78| 2017 | الممارسات اللّغوية المتعدّد والتنقّل بين البلدان المغاربية وأوروبا | ص 34-37| النص الكامل

 


تقترح الباحثة ابتسام شاشو (جامعة مستغانم/باحثة مشاركة في CRASC) على المختصّين في المسائل اللغوية والباحثين فيها كتابا يمثّل عرضا حول "الوضعية السوسيولسانية في الجزائر"، ويسلّط الضوء على ممارسات التعدّد اللغوّي على المستويين المؤسساتي والمجتمعي. لا يكتفي هذا الكتاب بالتذكير بالسياقات الأكاديمية للنقاش حول إشكالية "الجزائريين ولغاتهم" ( (Taleb-Ibrahimi, 1997بل يعكس في الوقت نفسه همّا معرفيا حول التعدّد اللغوي بوصفه ظاهرة أنثروبولوجية، والتزاما نخبويا يسعى إلى تحليل الرهانات الأيديولوجية للفاعلين الاجتماعيين، والتي تتراوح خطاباتهم حول هذه المسألة بين "المنطق الإقصائي"، "المنطق الهوياتي"، "منطق التقديس" و"منطق الممارسة الأداتية".

يحتوي الكتاب، الذي يقدمه الباحث اللغوي عبد الرزاق دُوراري، على مقدّمة مؤطرة لإشكالية الكتاب وعلى ستة فصول محكمة التوثيق. علينا بداية أن ننوه بمجهود الباحثة كما يظهر من خلال قائمة المراجع والتي تجمع قرابة 170 مرجعا تشير ضمنها إلى أهمّ الأعمال الأكاديمية حول الموضوع والمكتوبة بالفرنسية خصوصا في حقل البحث السوسيولساني. وهذا الجهد، إذ يعلن عن اطلاع الباحثة على التراكم المعرفي في الجامعة الجزائرية حول هذه الظاهرة، فهو يقدّم للقارئ المتخصّص (الأستاذ الباحث/ الطالب الجامعي) وغير المتخصّص نظرة إجمالية حول أهم الأسماء التي تناولت هذه الظاهرة.

تعالج الباحثة في الفصلين الأول والثاني من الكتاب المفارقات التي تواجه التعدّد اللغوي في الجزائر سواء ارتبط ذلك باللّغات التي تستعملها أجهزة الدولة وباقي مؤسساتها، أو بمنظومات الاعتراف المختلفة (الطروحات السياسية والنخبويّة والنضاليّة حول الاعتراف بالتعدّد اللغوي: لغة وطنية / لغة رسمية)، أو بالممارسات اللغويّة اليوميّة المتعدّدة في المجتمع والتي قلّما تجد أفراده يستعملون لغة واحدة في تعاملاتهم مع المؤسسات أو مع المنظومات أو في حياتهم اليومية (اللغة العربية الفصيحة، العربية الجزائرية، الفرنسية، الفرنسية باللغة الجزائرية، الأمازيغية بتعدّد لغاتها). قد تكون اعتبارات الدولة الوطنية التي ترى في أحادية لغتها أساس وحدتها الوطنية ومنطلق تصوّرها للمواطنة في شقها اللغوي منطلق هذا التعقيد الذي أثّر بشكل واضح، على سبيل المثال فقط، في تطوّر فكرة الاعتراف السياسي باللغة الأمازيغية (لغة وطنية/ لغة رسمية).

تبدو المسألة اللغويّة بالغة التعقيد بسبب تعدّد مستويات استعمالاتها وتنوّع مجالات تداولها خصوصا عندما ترتبط بالحياة اليومية سواء من خلال لغات وسائل الاعلام، المنتوج السنماتوغرافي والتلفزيوني (لغة أفلام جزائريّة، لغات المسلسلات المدبلجة، حصص الترفيه التلفزيوني)، لغات التعابير الفنية (لغات مختلف طبوع الغناء في الجزائر، لغات أغاني المشجعين في الملاعب الرياضية)، أو ما يعكسه سوق النشاط الإشهاري واللغات التي يعتمد عليها. وهذا التعدّد في المشهد اللغوي كثيرا ما يصطدم بالصور النمطية (التمثلات، الممارسات، الخطابات) التي تحكمها غالبا الطروحات الأيديولوجية. تقترح الباحثة، في هذا السياق، تحليلا لاستراتيجيات الهيمنة التي تمارسها المؤسسات ( لغات المؤسسات الرسمية، الأسرة، الجماعة اللغوية، المدرسة،...)، وتكشف عن تراتبية قيميّة ومعياريّة تعلي من شأن ممارسة لغويّة معيّنة في سياق اجتماعي محدّد وتزدري ممارسة لغوية أخرى في السياق نفسه، وهذه الحالات يمكن ملاحظتها عندما يتعلق الأمر بالشعر الملحون في مقابل الشعر الفصيح (أنظر أعمال أحمد أمين دلاي)، أو في حالات التكيّف أو المواجهة بين اللغة العربية الفصيحة في المدرسة المتواجدة في المناطق الأمازيغية أو في الممارسات اللغوية الأسرية (SENI, 2012) (داخل الأسرة) مقارنة بالممارسات اللغوية الشائعة خارجها.

علينا القول أنّ مطلب الاعتراف المؤسساتي بالتعدّد اللغوي يمثل أهم الإشكاليات التي تناقشها الباحثة في هذا الكتاب بحثا عن فهم منظومات الإقصاء والتصنيف والتراتبية ضمن سياق يمكن فيه للتعدّد اللغوي أن يكون عاملا حاسما في الاندماج الوطني والمغاربي يتحدث عبدو لمامElimam, 2003) ) عن "المغاربي" بوصفه لغة تواصل مفهومة بين شعوب المنطقة المغاربية) والإقليمي (العربي، الأفريقي، المتوسطي).

نعتقد أنّ الظاهر اللغوية في الجزائر لا تزال تمثّل مجالا خصبا في العلوم الاجتماعية والإنسانية يستوجب تظافر الجهود المعرفية والتحقيقيات الميدانية ضمن فرق بحث متعدّدة التخصّصات يمكنها أن تنتج المعنى حول حالتي الخصوبة والتعقّد مثلما تبيّن ذلك الباحثة، ففهم الرهانات اللغويّة اعتمادا على نتائج  الدراسات الأنثروبولوجية (مثلا: حالة العلاقة بين لغة الجماعة ولغة المجتمع مثلما تمت الإشارة إليه في مشروع البحث CRASC حول غرداية، 2014، مصطفى مجاهدي (إشراف))،أو من زاوية الأبحاث السوسيولوجية حول لغة النخب والدولة (جابي، 2008) (جابي ناصر يتحدث عن المسألة اللغوية بين انقسامية النخب وقطاعية الدولة)، أو من خلال علاقتها بمنظومات التشغيل(بن قرنة، م.، قادري، أ. (إشراف.)، 2001) (العولمة والسؤال اللغوي)، أو لغة التعابير المكتوبة على الجدران (أوراس، 2015، ص. 157-179) أو من منطلق لغة الخطاب الديني في المنابر (أعمال المستاري جيلالي) ... كل ذلك بإمكانه أن يسهم في إثراء النقاش العمومي حول التعدّد اللغوي في الجزائر وفي المنطقة المغاربية.

فؤاد نوار

 

المراجع

مجاهدي، مصطفى. (إشراف.)، (2014). غرداية: رهانات الجماعاتي والمجتمعي. تقرير بحث غير منشور، وهران: مركز البحث في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.

جابي، ناصر. (2008). الجزائر: الدولة والنخب. دراسات في النخب، الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية. الجزائر: منشورات الشهاب.

المراجع بالفرنسية

Benguerna. M., Kadri. A. (dir.), (2001). Mondialisation et enjeux linguistiques : quelles langues pour le marché du travail en Algérie. Alger: CREAD

Elimam, A. (2003). Le maghribi, alias el darija, langue trois fois millénaire. Oran: Dar El Gharb

Cherif, S. (coord.), (2012). Les langues dans l’espace familial algérien. Oran: CRASC.

Taleb-Ibrahimi, Kh. (1997). Les Algériens et leur(s) langue(s). Alger: El Hikma

Ouaras, K. (2015). L’espace urbain algérois à l’épreuve de ses graffiti. In L’Année du Maghreb, p. 157-179


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche