رابح سبع، .(2015) الجزائر واللغة الفرنسية أو الغيرية المتشاركة منشورات فرانز فانون، عدد الصفحات 110.


 انسانيات عدد مزدوج 77-78| 2017 | الممارسات اللّغوية المتعدّد والتنقّل بين البلدان المغاربية وأوروبا | ص 7-10| النص الكامل


 يعالج هذا الكتاب لمؤلفه رابح سبع الوضعية الاجتماعية اللسانية في الجزائر، المتواجدة بين اللغة العربية، التي تمثّل في مخيال المجتمع الجزائري رمز هويته، وبين اللغة الفرنسية التي لا تزال تفرض وجودها بالرغم من أنها ترمز إلى التواجد الفرنسي في الجزائر. لا تكف هذه الإشكالية عن التداول في ساحة النقاش الفكري واللغوي، وبالأخص الإثني الأيديولوجي؛ لكونها ذات تأثير مباشر في خطابات الهوية. ينطلق الباحث السوسيولوجي رابح سبع من التساؤل التالي : كيف للغة الفرنسية أن تواصل فرض شرعيتها إلى غاية اليوم في المجتمع الجزائري رغم مقاومته لها طوال الفترة الاستعمارية، في حين كان من المفروض أن يكون حلها وانجلاؤها مرتبطاً مباشرة  بحلول وانجلاء الظرف الكولونيالي ؟

يبرز الإشكال المطروح حول وضعية اللغة الفرنسية في المجتمع الجزائري حالة الوعي الثقافي والتاريخي الجماعي السائد. ولفهم هذا الموضوع يقترح الباحث مساءلة الواقع الاجتماعي الجزائري لمقاربة الأسباب الكامنة وراء انغماس لغة أجنبية في جوانب مختلفة من الحياة اليومية للجزائريين، إذ يعتبرها موضوعاً يعلن عن تناقض يستمر في الظهور إلى غاية اليوم بالعدائية نفسها التي كان يظهر بها إبّان الاستعمار والمتراوحة بين حالتي الرفض والرغبة.

لطالما كان الموقف الجزائري متناقضا مع نفسه اتجاه اللغة الفرنسية، فبالرغم من كونها لغة غير رسمية إلا أنّها تمثل ما هو رسمي من حيث استعمالاتها الإدارية المتعدّدة، ومن حيث استعمالها كلغة لتدريس بعض العلوم ونقل المعارف. وبالرغم من كونها تمثل لغة المستعمر لا تزال تبهر المخيال الجمعي الثقافي والاجتماعي وتكتسب ضمنه مكانة خاصة. يمكن ارجاع "الهابيتيس" (Habitus) اللغوي خصوصا إلى ارتباط هذه اللغة بالمؤسسات المختلفة التي جلبتها الثقافة الفرنسية، من تنظيمات إدارية ومستويات تعليمية مؤسساتية وقنوات تواصلٍ من جرائد ومذياعات ومن أحاديث بين النخب. و قد ساهم الكتاب الجزائريون أيضا في تقوية وجود اللغة الفرنسية، فبالرغم من أن كتاباتهم كانت تروي واقعا جزائريا معيشا لا علاقة له بالتراث الثقافي الفرنسي فإنها كانت تمثل السبيل لنقل هذا المخيال، ومثال عن ذلك مؤلفات محمد ديب.

لفهم كيفية ترسخ اللغة الفرنسية في المجتمع الجزائري، عرّج الكاتب على تاريخ التعليم في الجزائر قبل الاستعمار والذي كان محصورا بين تعليم اللغة العربية وقراءتها في المساجد والزوايا بهدف حفظ القرآن، والتعليم الفرنسي الذي كانت نسبته قليلة جدا إلى حد أنها لم تتجاوز سنة 1890 نسبة 3% من التلاميذ الجزائريين في المدارس الفرنسية، أغلبهم من العائلات الغنية أو المقربة من الاحتلال. لقد أوجد الاستعمار الفرنسي للغة العربية وضعا جعل منها مادة تعليمية غير إجبارية، وهذا الوضع أسهم في بروز ازدواجية بين الرغبة في تعلم اللغة الفرنسية وممارسة ما تحمله من ثقافة، وبين رفضها كونها لغة أجنبية ترمز للعدوان الفرنسي.  و علينا التذكير أنّ نسبة الأميّة التي كانت سائدة قبل الاستقلال وبعده ساهمت
في استمرارية تواجد اللغة الفرنسية؛ لكون المؤسسات الإدارية لم تزل تتعامل بهذه اللغة نظرا إلى أنّ معظم الموظفين آنذاك زاولوا دراستهم باللغة الفرنسية. هذا من أهم أسباب تواجد اللغة الفرنسية إلى غاية الآن في الجزائر حسب الباحث رابح سبع.

علينا أن ندرك أيضا أنّ للغة الفرنسية دورا في تحريك الوعي الوطني وتحقيق الاستقلال ؛ كون أغلب الوطنيين ورواد الثورة كانوا من النخبة التي تكوّنت
في المؤسسات التربوية الفرنسية والمنظمات النقابية اليسارية خلال الفترة الكولونيالية، فأغلب الاتفاقيات الموثقة بين دولة الاحتلال والأحزاب المقاومة كانت بالفرنسية، وهذا ما يشهد عليه الأرشيف، على الرغم من الرمزية الاستعمارية التي تحتلّها هذه اللغة والتي تحيل إلى السيطرة الاستعمارية الفرنسية وإلى مسألة طمس الهويّة الجزائريّة.

يرى الباحث أيضا أنّ المدرسة الآن أصبحت مُنكبّة أكثر على تعليم اللغة في حين أنّها وجدت لتعليم المعارف، وما اللغة إلا إحدى وسائل التعليم وقناة من قنوات التلقين، فالسياسة التي اتبعتها الجزائر بعد الاستقلال من خلال جلب مدرّسين من الشرق الأوسط ظنا منها أنها تستدرك ما فات من تأخر في تعلم اللغة العربية والهوية الإسلامية، لم تنجح حسب الباحث، بل زادت الوضع تأخرا، فهؤلاء المؤطرون جاؤوا بمنطوق لا يشبه منطوق الجزائريين وحاملين لثقافة مختلفة عن الثقافة السائدة، مما أوجد تمسكا لا شعوريا باللغة الفرنسية ؛ لأنّها تمثل واقعا عاشه الجزائريون ويعرفونه رغم كونه واقعا مريرا.

يذكر الباحث أيضا أنّه لا يجب إنكار تعدّد اللغات في المجتمع الجزائري وتعايشها، بل يجب الإقرار أنّ اللغة المنطوقة التي يستعملها الجزائري تختلف باختلاف المناطق، وهي ليست نفسها المكتوبة، فبين اللغة العربية الفصحى واللغة الأمازيغية باختلاف ألوانها واللغة الدارجة باختلاف منطوقها أيضا واللغة الفرنسية التي تسللت إلى قاموس المفردات الذي نستعمله يوميا يوجد ثراء لغوي ملموس. إنّ المحاولات المتعدّدة والمختلفة للمنظومة التربوية التي تحاول جاهدة تعديل النظام التربوي بما يتوافق مع هوية وهمية غير الهوية الجزائرية قد جعلت من اللغة العربية وكذا اللغة الفرنسية الممارسة لدى التلاميذ لغة مبهمة ومكسرة، فالتلميذ الآن، حسب تعبير الباحث، يعيش تيها جعله لا يتقن لا اللغة العربية ولا الفرنسية، مع العلم أنّ اللغة التي يستعملها يوميا لا هي بالعربية الفصحى ولا بالفرنسية بل مزيج بينهما وبين اللغة الأمازيغية، كما يرى رابح سبع أنّ إزاحة اللغة العربية المنطوقة واللغة الفرنسية من البرامج التدريسية أدّى إلى توسيع الفجوة بين الذكاء اللغوي الاجتماعي والذكاء اللغوي المدرسي، الأمر الذي نجم عنه عدم توازن يمسّ كل الجوانب اللغوية والاجتماعية والمعرفية.

يمكن القول حسب رابح سبع إنّ تجذّر اللغة الفرنسية في الواقع المعيش للجزائري وفي مخياله الجمعي يرجع لحقائق لا ينبغي إنكارها لفهم التناقض الوجداني الذي يعيشه المجتمع بين هيام بسحر الثقافة الفرنسية ولغتها كونه أكثر المجتمعات استهلاكا لها وبين الخطاب الرافض لها باعتبارها لغة أجنبية ترمز الى تواجد عدائي استعماري في حقبة مضت، فالفرنسية مثّلت لمدة زمنية طويلة لغة تعامل بها الجزائريون في انتقالهم من مجتمع قبلي إلى الدولة الموحدة المبنية على مؤسسات إدارية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يجب طمس حقيقة أنّ أغلب النخبة الدارسة عشية الاستقلال كانت مفرنسة أكثر من كونها معربة، ثم أيضا يجب إدراك أن الإعلام والتطور التكنولوجي، بوصفه مؤشرا يعتمد عليه الباحث رابح سبع، ساهم في اكتساب مصطلحات فرنسية في المنطوق الجزائري. 

سامية ابرير سعود

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche