آصف بيات، (2014). الحياة سياسة كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط. ترجمة، أحمد زايد، منشورات المركز القومي للترجمة، سلسلة العلوم الاجتماعية للباحثين، القاهرة: مصر، عدد الصفحات 604.


 انسانيات عدد مزدوج 77-78| 2017 | الممارسات اللّغوية المتعدّد والتنقّل بين البلدان المغاربية وأوروبا | ص  41-46| النص الكامل


 يقدم كتاب آصف بيات قراءة سوسيولوجية عن أشكال النضال الناتجة عن الحياة العادية "للبسطاء" في الشرق الأوسط خصوصا في مصر ويعتمد في ذلك على تحليل الحياة اليومية من أجل فهم أوجه العلاقة مع "الدولة"، "السياسة" ومع باقي مؤسسات التنشئة. تكشف القراءة الأولية لهذا الكتاب ثقل المقاربة النظرية التي يقترحها الباحث والتي سبق أن صاغها في العديد من المقالات (مضمون الكتاب هو مجموعة من المقالات المرتبطة بدراسات ميدانية أجريت على فترات زمنية محتلفة)، فهو بإضافة إلى استعماله لمفاهيم محويّة في متن الكتاب مثل" اللاحركة اجتماعية"، "النضال من أجل العيش"، "الزحف الهادئ للمعتاد"، يبين في المحدودية النظرية للعديد من المفاهيم السوسيولوجية في مقاربة المجتمعات الشرق الأوسطية عندما يتعلق الأمر ب "الحركات الاجتماعية" كما صاغته السوسيولوجية الان توران.

يمكن القول أن آصف بيات، والذي تابع "الحياة" بوصفها السياسة من خلال تحليل العادي منها، وفهم فاعيلها وأشكال زحفهم الهادئ للتعبير عن "المعارضة" للمنظومات التسلطيّة، يقوم أيضا بتبيئة المضامين النظرية لمفهوم الحركات الاجتماعية واستعمالها في فهم مجتمعات لم تعرف السياقات التاريخية نفسها التي شهدت تكوّن النخب منها وخصوصا ما ارتبط بالفئات الوسطى.

يتوزع الكتاب على أربعة عشر فصلا مقسمة في ثلاثة أبواب، الفصول الأولى للكتاب كتبت قبل سنة 2011 وهي عبارة عن مجموعة من المقالات التي تبيّن أن الدراسات الميدانية التي أشرف عليها.

يتطرق الكاتب في الفصلين الأولين، إلى دراسة وصفية لحالة مجتمعات الشرق الأوسط من حيث جملة المشاكل التي تعاني منها كالدخل المنخفض للأفراد وانخفاض الإنتاجية و تردي الأحوال الصحية وتقهقر مجالات البحث العلمي و هي كلها عوامل آخذة في ظل الصعود واستمرار النظم التسلطية وسيادة منطق القهر والعنف واللاديمقراطية كما، يجادل الكاتب أيضا في هذا المدخل دوائر التفكير والبحث في العالم الغربي والتي تقرّ باستثنائية منطقة الشرق الأوسط عن العالم حيث ينزع دائما إلى الحكم الأحادي ومجتمعاته خاضعة لصيرورة تاريخية(ديمومة) غير قابلة لفكرة التغير، فقد أوضح الكاتب أن المنطقة العربية كغيرها من مناطق العالم الأخرى شهدت انتفاضات و ثورات مختلفة عبر عقود عديدة انطلاقا من الثورة المصرية سنة 1952 والثورة العراقية عام 1957 و ثورة الجزائر سنة 1954 والثورة الإيرانية الإسلامية سنة 1979، و بعضا من الحراك في العصر الحديث كنقابات العمال في تونس، حركة كفاية في مصر، وبعض التجمعات والاعتصامات في الأردن وإيران، كما يشير الكاتب في هذا المدخل إلى فكرة ما يسميه سياسة الشارع وشارع السياسة حيث اللاحركات الاجتماعية ودورها في تأجيج الممارسات الاحتجاجية في الشارع العربي، فالشارع هو المجال العام الذي يتم فيه التعبير عن عدم الرضا وهو عبارة عن منظومة مشحونة من الصراعات وما يصاحبها من اعتراض على السلطة وتوجاهاتها المختلفة. وفي ثنايا هذا المدخل يعمد الكاتب إلى إبراز فكرة محورية أخذت تتنامى في مجتمعات الشرق الأوسط وهو ما يسميه "باللاحركات الاجتماعية" وبدورها في رسم مشاهد الاحتجاج ومقارعة الطبقة المالكة والقوية، فهي حركات لفاعلين غير مؤدلجين، يجسدون ممارسات مشتركة من أجل النضال والبقاء، هي مرحلة جديد لمجتمعات تتألف من الفقراء والمهاجرين غير الشرعيين والبائسين والمهمشين والنساء المطالبين بحرية أكبر والشباب الطامحين
إلى مستوى افضل.

الهدوء لتحقيق المطالب أحد السمات الرئيسية للاحركات الاجتماعية بوصفها تعبير جديد لمنطق ممارساتي بعيدا عن الضوضاء والفوضى تعتمد على منطق الممارسة اليومية الروتينية وتقاطعاتها مع اللاتنظيم واللاتدرج في الحصول على المطالب، وهي الصورة المتناثرة هنا وهناك من حيث تأطير الفعل الاحتجاجي الذي يتم غالبا بشكل فردي ومتفرق ولكن نمائها يمكن أن يحشد قوة مضاعفة يجعل أمر مراقبتها والتحكم فيها محدود.

استهل الباحث كتابه في الباب الأول بشيء من التفصيل والاسترسال في تفسير منطق اللاحركات الاجتماعية والذي "عنونه باللاحركات الاجتماعية" بتوضيح فكرة نمو الجماعات المهمّشة وغير المنظمة في المناطق الحضرية نتيجة إفرازات ظاهرة العولمة، يكشف الباحث أن هذه الأشكال الجديدة تنامت بشكل لافت وأصبحت السمة البارزة لأفعال الاحتجاج ومقارعة النظم السياسية وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية المضطربة، بحيث إن نزوع الفاعلين إلى هذا النوع من الاحتجاج له ما يبرره بل هو يستقي قوته من علاقات القرابة والصداقة وتشابه الظروف والأوضاع المزرية فهو زحف هادئ للمعتاد ولكن من نوع خاص وتحت ظروف متغيرة كلية.

في هذا الباب أيضا يعمد الكاتب إلى توضيح انعكاسات انهيار دولة الريع
في مجتمعات الشرق الأوسط وتنامي انعكاسات إعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية وظهور أطياف الفقراء والمهمشين فالفكرة الرئيسية التي يدافع عنها الكاتب في هذا الجزء هو اتخاذ الفقراء والمعدومين والمنهارين اجتماعيا وثقافيا وسياسيا الحركات النقابية للدفاع عن مكتسباتهم التي حصلوا عليها في حقبة السبعينات والثمانينات من خلال الاستعانة أيضا بجماهير المناطق الحضرية للنضال ،يشير الكاتب أيضا إلى فكرة بروز الحركات الإسلاموية واتخاذ التنمية الاجتماعية شعارا لأهدافها، ومن بين الأفكار التي دافع عنها الكاتب في هذا الباب أيضا هي حضور النسوية وكيفية تحقيق المساواة الجندرية من طرف أنصار عمدوا على تنظيم حركات قوية للدفاع عن حقوق المرأة، إن هامش الحرية والاستقلالية والتي تحظى به المرأة في الدول الديمقراطية الغربية يختلف جذريا عن ما هو موجود في دول الشرق الأوسط حيث القمع والتسلطية، كما أن استحضار التاريخ الطويل لحصول المرأة على الحرية والمساواة بين الجنسين يظهر بشكل جدي في الحالة الإيرانية حيث التاريخ النضالي والمساهمة في ثورة 1979، فقد وجدت المرأة الإيرانية نفسها حسب الكاتب أمام تحديات جديدة لكنها تجاوزت هاته العوائق بعد استيعاب مظاهر الفترة الجديدة والبروز بمظهر المرأة المتجهة إلى مزيد من النشاط الثقافي والجمعوي والسياسي مع الحفاظ على الهوية الدينية المشتركة وإسلاميتها.

إلى جانب حضور الجندر واللاحركات النسوية في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي، يشير الباحث إلى تنامي مضطرد للشباب في دول الشرق الأوسط خاصة
في إيران، مصر والسعودية، فهو وقود التحوّلات الاجتماعية وهو طبقة ثورية وتحد متصاعد للنظم التسلطية ورهان لحضور البرامج البديلة، إن قوة اللاحركات الشبابية يظهر في دولتين شرق أوسطيتين كبيرتين ففي إيران هناك مظاهر جديدة لشباب إيراني عصري يتحدى القيود الشديدة المفروضة من طرف السلطة السياسية والدينية، أما في مصر فتصاعد انعكاسات الأسلمة والعولمة أدى إلى ظهور هويات شبابية متعددة مهتمة بالفضاءات التي لا تعطيها الدولة أهمية من أجل زيادة مطالبهم والتأسيس لثقافات فرعية جديدة، لقد تأسست ممارسات ونشاطات هؤلاء الشباب في مصر حسب الكاتب على عملية التجديد المتكيف وهو اتجاه يقوم على المراوحة بين عدم الابتعاد بشكل كلي عن النظام السائد والظفر بمزيد من المكاسب من السلطات القائمة.

يختم الكاتب هذا الباب بالتطرق إلى سياسة المرح وكيف غدى التعبير عنه في أشكال وقوالب مختلفة سمة مميزة لثقافة الشباب، وأن معاداته من الإسلاموية خاصة في إيران والسعودية ظل حبيسا لسياساتهم لعقود طوية، فالمرح يجد مبررات رفضه ومعاداته في الدول الأوربية إبان عصور الظلام والتخلف، والخوف كل الخوف حسب الكاتب حينما يصبح المرح سياسة ضد الانظمة الحاكمة التي ترفع شعر التحكم في النظام الأخلاقي كوسيلة للضبط الاجتماعي.

قسم الكاتب الباب الثاني "سياسة الشارع والشارع السياسي" إلى أربعة فصول استهلها بفصل عنونه شارع الثورة من حيث هو مجموعة دلالات مكانية لفضاء لتراكم الاحتجاجات، ففي إيران على حسبه سبقت الثورة تجمعات شعبية في أكبر الأحياء لمدة فاقت الثمانية عشر شهرا، كما أن استحضار رمزية الشارع وقدرته على تعبئة الثوار نابع من الدلالات التاريخية التي تركتها مثلا شوارع فرنسا قبل اندلاع الثورة الفرنسية، إن شوارع الغضب في القاهرة على غرار ميدان التحرير والطرق المحاذية له وشارع الثورة في إيران والمحاط بجامعة طهران تعد منبعا حقيقيا لتصريف الأفعال الاحتجاجية فهي ملتقى بين الغني والفقير وبين النخبة والعوام وبين المثقفين والأفراد العاديين.

أما في الفصل الثاني فيتعرض الكاتب إلى العلاقة بين البيئة الفقيرة ونمو الحركات المتطرفة والمتشددة من خلال استحضار حالة الأحياء الفقيرة في مدينة القاهرة مثلا وتدخل الجيش المصري سنة 1933 لتطهير هذه البيئة من التشدد.

أمّا في الفصل الثالث يتطرق الكاتب إلى النزعة الكونية المتنامية وانعكاسها
على المجتمعات الإنسانية من خلال إثارة الانقسام والعداوة بدل الاتحاد والتجانس، فخطوط الصراع والصدام النابعة من الاختلاف بين الأعراف والثقافات المتنوعة في حيز جغرافي محدود، تدفع الباحث إلى أن يستعرض أيضا الكاتب حالة الأقباط في مصر وكيف أصبحوا سكان من الطبقة الثانية رغم أن الدلائل تشير إلى أنهم هم "المسيحيون الأصليون بحق". ويختتم الكاتب هذا الباب بفصل حول الشارع العربي الذي يوصف حسب المنظور الغربي بأنه شارع غير عقلاني عدواني بحيث يناقض الكاتب هذه الفكرة ويصرّح بأنه شارع سياسي بامتياز ينزع نحو تحولات جذرية بل يتناغم مع الأحداث الكبرى ليشكل حركات شعبية احتجاجية متصاعدة سواء على برامج التكيف الهيكلي المفروضة من طرف صندوق النقد الدولى أو ضد سياسات الدول العربية الاجتماعية والاقتصادية أو في التجاوب مع قضايا الأمة العربية كفلسطين والعراق.

أما الباب الأخير من الكتاب حول الثورات فيستهله بفصل يطرح من خلاله سؤال استفساري غاية في الأهمية حيث يقول هل هناك مستقبل للثورات الإسلامية؟ ولعله من نافلة القول حسب الكاتب التنبؤ بالثورات والتحولات الاجتماعية في دول الشرق الأوسط ولكن لا تعدو أن تكون تغيرات اجتماعية وسياسية إصلاحية ما بعد إسلاموية، ويدافع الكاتب أيضا عن قضية محورية تتميز بها معظم الثورات وهي فكرة التعقيد وتوافر الظروف المادية والروحية لتأجيجها فهي أكثر من كونها مجرد تعبير عن تناقضات بنائية. الحداثة، الأبوية الجديدة، التمرد الإسلامي هي مصطلحات دافع عنها الكاتب في سياق تنبؤه بمستقبل الثور لا الإسلامية في عصر العولمة حيث يظهر التناقض على حسبه بين التحديث والأبوية الجديدة الزائفة، كما أن الثورات والنزوع نحو الديمقراطية يمكن أن يؤدي إلى إصلاحات جديدة يضطلع الإسلام فيها بدور كبير حسب الكاتب.

أما في الفصل الثاني فيتطرق فيه الكاتب إلى ما بعد الإسلاموية وإرهاصات بروز النقاشات والسجالات حول شكل الديمقراطية في ضوء النزعة ما بعد الإسلاموية، وتحقيق مفردات الحداثة البديلة وتمظهراتها من خلال توسيع هامش ومجال المجتمع المدني، القبول بالقواعد الديمقراطية النسوية والمساواة الجندرية، المرونة والانفتاح والفصل بين السلطات. لقد جسّد هذه النماذج الجديدة المتفتحة بعض قيادات الإخوان المسلمين في مصر، الجماعة الإسلامية في الهند، حركة العدل والإحسان في المغرب، بحيث يعتبرها الكاتب الرهان الجديد في إعادة الإنتاج الثقافي وإعادة التموقع داخل نسيج المجتمع. فإن قوة هذه الأحزاب والحركات نابع من الحضور ومن تطوير ما يسميه بالمواطنة الناشطة حيث التفاعل والتواصل والتنظيم وهو ما يجعل الدولة تتكيف مع التوصيات المجتمعية الجديدة.

في الفصل الأخير من الكتاب، يتطرق إلى الثورات العربية وهو الحدث الأبرز حسبه الذي غيّر النظم التسلطية الراسخة، حيث يبدأ بإعطاء وصف أولي لهاته الثورات ويصفها على أنها ثورات شبابية، ثورات ما بعد حداثية استفادت من مضاعفات العولمة وتعمل على إعلاء حقوق الأفراد وليست لها لا صبغة دينية ولا صبغة علمانية. ويتطرق الكاتب في خضم تفسيره لهذه الثورات أيضا إلى أسبابها ودوافعها ويحصرها في وجود فاعلين جدد والأساليب وطرق جديدة للتعبئة. لقد أحدثت هذه الثورات حسبه أيضا الشروخ الجديدة في مجتمعات الشرق الأوسط، دافعا لهذه الثورات كالنمو الديمغرافي لصالح فئة الشباب وتآكل الطبقة الوسطى الفقيرة وانعكاس ذلك على مستقبلها وتوجهاتها الاجتماعية والاقتصادية. إن انتشار الثورات في الدول العربية على صعيد أكثر من مكان في المدينة والأطراف والأقاليم يعدّ من مميزاتها وخصائصها، والتحدي الأكبر لها هو مدى المحافظة على الأشكال الجديدة للنظم والمؤسسات وضمان الابتعاد عن العنف والفوضى والتأسيس لمبادئ الاندماج والعدل

محمد عبد المولى

 

 

 

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche