التديّن والمرض: دراسة في تأثير المرجعيّة الدينية في تمثّلات المرضى والمصابين بالإيدز وتجربتهم


انسانيات عدد مزدوج 80-81| 2018 | الصحة في الحياة اليومية بالبلدان المغاربية| ص91-104| النص الكامل


Bouchaib MEJDOUL: Université Ibn Zohr, Faculté des Lettres et Sciences humaines, Département de Sociologie, Laboratoire Interdisciplinaire des Sciences Sociales, 80000, Agadir, Maroc.


مقدمة

يمكن أن نعتبر الدّين والمرض ظاهرتين اجتماعيتين متلازمتين تاريخيا، فالمرض بوصفه خللاً لا يصيب الجسد وحده بل يتعداه ليصيب الجوانب الاجتماعية والثقافية لحياة الإنسان، يلتقي حتما بالمعطى الديني في أحد جوانبه. والدين باعتباره مؤطرا للحياة الإنسانية في جل جوانبها لا بد وأن يترك أثره، تفسيرا وتأويلا فيما يصيب الإنسان من علّة أو مرض. فقد دلّت الدراسات الإثنوغرافية على هذه العلاقة الوثيقة بين الدين والمرض منذ عصر الإغريق وحتى وقتنا الراهن. وقد تجسدت نظرة الإغريق الدينية إلى مسألة الصّحة والمرض من خلال عباداتهم، والتي لا تزال زياراتهم للأضرحة شاهدة عليها حتى يومنا هذا، نذكر على سبيل المثال زيارة أضرحة ديلفي (Delphi) وديلوس (Delos) وأولمبيا (Olympia) التي تؤكد على وجود فكرة "الإنسان الكامل" روحيا واجتماعيا وفيزيقيا (المكاوي، (1994). ولعلّ القسم الطبي الذي عمل به منذ أن صاغه أبوقراط وحتى عهد إنشاء الاتحاد الطبي الدّولي خير دليل على الحضور القوي للبعد الديني فيما يتعلق بالخدمة الصحية (المرجع نفسه، ص. 53).

تصدّرت الديانات التوّحيدية -فيما بعد- مسألة الاهتمام بالصّحة، فكانت الكنائس تصدر تعليماتها الدّينية للاهتمام بالمرضى ورعايتهم في الأديرة والمستشفيات. وبهذا اصطبغت الرعاية الصحيّة بالصبغة الدّينية في جل أنحاء أوروبا. وفي "العصر الإسلامي" أنشئت البيماريستانات في كل أرجاء العالم الإسلامي، وكانت وظيفتها الاستشفائية لا تنفك عن وظيفتها الدّينية. وستعرف هذه العلاقة تدريجيا نوعا من الانفصال مع التطور العلمي في المجال البيولوجي والطبي والصيدلي خصوصا بعد التفوّق الذي أظهره الطبّ في مواجهة الأمراض بما فيها الأوبئة التي كانت تحصد الكثير من الأرواح وكان الكلّ يقف عاجزا أمامها. كان لمسار علمنة مؤسّسات الدّولة دورًا بارزًا في انكماش دور الدين في القضية الصحيّة من خلال استبعاد رجال الدين عن بعض الأدوار التقليدية التي أصبحت فيما بعد تحتاج إلى خبرات متخصّصة. لكن مع كل هذا ظل الدّين حاضرا بقوة في الحياة الصحية وإن على المستوى الفردي، خصوصا مع ظهور بعض الأمراض التي أعادت للأذهان مرحلة عجز الطبّ، أو بعض الأمراض ذات الصلة بالمعايير والقيم الدينية.

ويطرح داء فقدان المناعة المكتسب- كداء ينتقل عبر الجنس، ويظهر أكثر في صفوف بعض المجموعات المصنفة في خانة "الفئات المنحرفة سلوكيا" (المثليين، ممتهنات الجنس، مستعملي الحقن المخدرة...) العديد من الأسئلة حين يتقاطع مع متغّير الدين. فحينما ظهر هذا الوباء وانتشر في بقاع العالم وأصاب جميع الثقافات والديانات لم يقف الدين، بمؤسساته ورجاله موقف المتفرج، بل حاول تقديم موقفه ورؤيته حول هذا الوباء من خلال أوراق صادرة عن مؤسّسات رسمية دينية أو مواقف لرجال دين وعلماء بشكل مستقل، أو حتى تيارات دينية من خلال إعلامها أو صحافتها، حتى أصبحنا أمام ما يمكن أن نصطلح عليه "بالتمثل الديني لداء فقدان المناعة المكتسب". إن كانت الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسب، كما تشير مجموعة من الدراسات، تغيّر من طبيعة علاقة المصاب مع نفسه ومع محيطه
(الأسرة، الدراسة، العمل، العلاقات الجنسية...الخ)، فالتغيير يتعدى ما هو اجتماعي ليجد صداه في التجربة الروحية للمصاب. نفترض أن هذا التغيير على مستوى التجربة الروحية يتأثر بالضرورة بالتمثل السائد حول الداء.

سؤال البحث

لقد ظل داء فقدان المناعة المكتسب، ومنذ ظهوره في بداية ثمانينات القرن الماضي وبشكل حصري شأنا طبيا خالصا، بل شكل محطّ اهتمام فئة ضيقة من الأطر الصحية العالمية خصوصا الجامعيين الأمريكيين والفرنسيين منهم. وقد كان الهدف هو تحقيق السبق في الوصول إلى حقيقة هذا الفيروس الجديد، وتحديد طبيعته، والظروف المصاحبة لظهوره وأصله وطرق انتقاله
(Grmek, 1989).

سيجعل دخول وسائل الإعلام على الخط سيجعل من داء فقدان المناعة المكتسبة قضية "رأي عام" تستحدث اتجاهات مختلفة بحسب المقاربات الإعلامية المتعدّدة للموضوع. فقد أخذ الموضوع عند بعض المنابر الإعلامية طابعا أسطوريا من خلال شيطنة الداء وترويج أفكار غالباً ما تكون خاطئة، مثل إمكانية انتقال المرض عن طريق اللمس والنظر.... لكن بعض الصحف والمجلات [1]أخذت على عاتقها مسؤولية تبسيط المعلومات العلمية التي تم التوصّل إليها والمعقدة بطبيعتها والصعبة على القارئ العاديّ، في حين اختارت منابر أخرى أن تكون فضاءً لتقاسم أحاسيس الخوف وعدم الاطمئنان لدى المنشغلين بالموضوع(Benoît, 1995) .

كان لظهور الجمعيات الموضوعاتية[2] دورًا بارزًا، قبل السلطات العمومية في التّعريف بالمرض والتّحسيس به والقيام بحملات التوّعية في صفوف مختلف فئات المجتمع، بل ساهمت في التكفّل بالمرضى والمصابين والدّفاع عن حقوقهم. وقفت المؤسّسات الدينية طويلاً موقف الصّامت والمتفرج قبل أن تدلي بدلوها في الموضوع، فخرجت أولا مجموعة من الكنائس عن صمتها ثم توالت التّصريحات وفي مناسبات عديدة. كان الموقف العام في البداية عبارة عن استنكار لما وصلت إليه الإنسانية من تحلّل أخلاقي وتراجع للقيم الدينية جراء انتشار تجارة الجنس والمثلية الجنسية باعتبارهما أحد أسباب ظهور داء فقدان المناعة المكتسب. فكان من البديهيّ في هذا السياق اعتبارُ المرض عقوبةً إلهية بسبب طبيعة البشر الخطّاءة، انسجاما مع التصوّر الديني القديم للأمراض والأوبئة(Herzlich, 1994) . فقد وقفت الكنائس موقف الصدّ للتشجيع على استعمال العازل الطبي بوصفه وسيلة وقائية من الدّاء، وفي المقابل عملت على الترويج لقيم العفّة والوفاء للشريك وتحريم الجنس خارج إطار الزواج.(Gruénais, 1999)

كان لهذه الموقف الأولي للكنيسة من المرض كان له أثر سلبي في برامج التوعية والتحسيس وكل الجهود التي تبذلها المؤسسات المهتمة بمحاربة الداء سواء بسبب شيطنة الداء وربطه بالسلوك المنحرف كالممارسة التجارية للجنس وتعاطي المخدرات، وبسبب الوصم والتمييز اللذين يطالان المرضى والحاملين للفيروس. شجّع هذا الوضع على بقاء المرض في المجال غير المرئي، وعلى عزوف الناس عن الإقبال على الفحص المبكر ليحموا أنفسهم من وصم قد يطالهم، لكن أمام إصرار المؤسّسات الدوليّة والمحليّة وكذا المؤسسات الرسميّة على إنجاح برامجها في محاربة الداء، وبالنظر إلى أبعاد المرض الثقافية والدينية المعقدّة، لم تجد هذه المؤسسات بُدًّا من إشراك الفاعل الديني باعتباره مساعدا محورياً في الحد من انتشار الوباء إذ كان الأمر يستلزم إعادة قراءة النصوص الدينية من أجل تجاوز تلك القراءات التقليديّة التي كانت تشكّل حاجزا أمام انخراط الفاعل الديني في مواجهة الوباء(Jaap, 2006) .

تطّور خطاب الكنيسة من خطاب منفّر إلى خطاب مستوعب يحمل بين ثناياه رسائل حبّ وإخاء للمرضى والمصابين، بل هناك من الكنائس من بادرت إلى إصدار كتب ووثائق توضح فيها مواقفها الجديدة، ورسائلها إلى كل رجال الدين التابعين لها.  فنقرأ مثلا في دليل الخُدَّام المسيحيين في مواجهة الداء ما يأتي:

"علينا أن نعلن من منابرنا أنّ المرض موجود بيننا، أن الله لا زال يحب ويعتني ويشتاق أن يسكب نعمته على المرضى وحاملي الفيروس، أن العفّة والإخلاص مع شريك الحياة هما السبيل الأضمن للوقاية من المرض، أن الله لا يعاقب بعض الخطايا أكثر مما يعاقب خطايا أخرى لكنه يدعو الجميع للتوبة والمحبة المقدسة والحياة النقية، أن علينا أن نبحث عن الضال ونسترد المطرود ونجبر الكسير في النفس والروح، علينا أن نصلّي أن يرسل الرب من يفتقد من خلالهم، برسالة محبته وغفرانه ونعمته وقوته للمدمنين والعاملات في الجنس التجاري والرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال"[3].

هذا التطّور في الموقف المسيحي من المرض كان له الأثر البالغ في إنجاح برامج التوعية والتحسيس وفك العزلة عن بعض المرضى والمصابين من خلال التخفيف من مظاهر الوصم والتمييز التي ظلت تلاحقهم، وساعدتهم في العثور على توازن روحي أبعد عنهم شبح الأفكار السوداوية من قبيل الانتحار أو الانتقام.

إذا كان حال التجربة المسيحية مع المرض قد انتهى إلى مثل هذا الوضع المتقدم حيث أصبح للفاعل الديني دورًا مهمًا في محاربة الداء وكذا محاربة كل أشكال الوصم والتمييز التي تطال المصابين، فكيف يتمثل الفاعل الديني الإسلامي داء فقدان المناعة المكتسب؟ وما انعكاسات هذا التمثل على التجربة الإيمانية والروحية للمصابين بالداء؟

تنطلق فرضيتنا الرئيسة التي تشكل الخيط الناظم للدراسة من فكرة مفادها أن هناك تمثلًا للمرض يَصوغه الفاعل الديني، وهناك مريض أو مصاب يعيش تجربة روحية يوجهها ويؤثر فيها هذا التمثل.

منهجية الدراسة

اعتمدنا في هذا البحث على تركيب منهجي يتوسل تقنيتين أملتهما أسئلة الدراسة. فسيرا على خطى موسكو فيشي (Moscovici)، الذي يرجع له الفضل في إعطاء مفهوم التمثل الاجتماعي بعدا جديدا في حقل العلوم الإنسانية وعلم النفس الاجتماعي على وجه التحديد، بعد المحاولات الأولى لدوركايم (Durkheim) في الحقل السوسيولوجي[4]، وباعتبار أنّ التمثل الاجتماعي يجد تعبيره بخطابات ذات خلفية ثقافية ويتمّ ترجمته عبر مؤشّرات لغوية أو تعابير توضّح طبيعة العلاقة بين الذّات المعبّرة والموضوع المعبّر عنه (Jodelet, 1989)، فقد استلزم الجواب على سؤال التمثل الديني لداء السيدا تطبيق تقنية "تحليل المضمون" على متن مُكوَّن من مجموعة من الوثائق[5] تمّ اختيارها بناء على شرطين أساسيين: أن تكون صادرة عن فاعل ديني إسلامي مؤسسة أو أفراد، وأن يكون السيدا هو موضوعها الرئيس.

 للوقوف على الشق الثاني من إشكالية بحثنا والمتعلّق بانعكاسات هذا التمثل على التجربة الروحية للمصابين، عملنا على اعتماد المقابلة شبه الموجهة مع بعض المرضى والمصابين، وبعض المخبرين المطّلعين على شؤون المصابين، ثم على تحليل مضمون بعض السير الذاتية المنشورة للمرضى والحاملين للفيروس من المسلمين إما بالمواقع الالكترونية أو الجرائد والصحف.

تمثل الفاعل الديني الإسلامي لداء فقدان المناعة المكتسب

للحديث عن وجود تمثل اجتماعي لموضوع ما، يجب التأكد من وجود ميكانيزمين أساسين : أولهما التشييءُ (Objectivation) وتعني اختزال المجرد وتحويله إلى ملموس مع تسميته وظيفيا. (تحويل السيدا من مفهوم مجرد إلى أشخاص أو إلى أعراض)  ثانيهما مرحلة الرسْوُ (phase d’ancrage) أي ربط الموضوع بتمثل آخر لموضوع آخر (Desbrosses, 2007) وعلى اعتبار أن التمثّلات تسمح بالانتقاء وسط المعلومات المتوفرة حول موضوع التمثل، ما قد يؤدي إلى عملية تشويه واختزال، وللإضافة أو الإقصاء، وقلب أو إخفاء للحقائق تحت تأثير نمط التفكير، والإيديولوجيات، والمرجعيّة الثقافية، وكذا نظام القيم الخاص بالمجموعة (Seca, 2003) فالتركيز موجه أساسا لتأثير المرجعية الدينية على بناء التمثّل حول مرض السيدا لدى الفاعل الديني الإسلامي.

من خلال عملية تفكيك وإعادة بناء المتن موضوع الدراسة تمكنا من الوقوف على ثلاثة اتجاهات كبرى من التمثلات:

  • السيدا مرض غيرِ المسلمين أو مرض الآخر: "لا خماره ولا دعارة الإيدز مرض النصارى"

هذا الشعار الذي رفعه مجموعة من الطلبة المسلمين السودانيين بحرم جامعة الخرطوم، يمكن أن يعفينا من مزيد من التّحليل، فهو يلخّص بوضوح التمثّل السائد حول الداء. فبعدما ذاع صيت الداء بالعالم وأخذ بعدا وبائيا وتحرّكت المؤسسات الدولية في مواجهته بكل الوسائل المتاحة، ظل "العالم الإسلامي" -ولوقت طويل- يعيش صمتا عنوانه البارز "لا وجود للداء ببلاد المسلمين" )مصطفى مجدي، 2011) وأن دار الإسلام محمية بدينها وقيمها. وانسجم الموقف الرسمي طويلا مع هذا الطرح، وكان دافعه في ذلك سياسيّا واقتصاديّا وأخلاقيّا. فعلى المستوى الأخلاقي يمكن أن يعتبر التصريح بظهور المرض اعترافا ضمنيا على وجود "انحرافات" ناجمة عن العمل الجنسي والمثلية وهو ما لا يستقيم مع نموذج "الدولة الإسلامية المحمية بقيمها وأخلاقها"؛ وعلى المستوى السياسي الرسمي كان التحدّي هو المحافظة على الاستقرار الدّاخلي والابتعاد عن خلق تحديات جديدة على المستوى الصحي تزيد من تفاقم العجز الصارخ للسياسات العمومية في مواجهة المشاكل الكثيرة والمتعدّدة والتي تمس جميع القطاعات من تعليم وصحة وتشغيل وغيرها وعلى المستوى الاقتصادي واعتبارا أنّ بعض الدول "الإسلامية" تراهن كثيرا على الدور المحوري لقطاع السياحة في جلب العملة الصعبة، كالمغرب مثلا، فإنّ جلب السياح رهين بالصورة التي يتمّ ترويجها عن البلد، لهذا كان الحرص على عدم السماح بالحديث عن وجود حالات الإصابة.

إن هيمنة الدولة -ولوقت طويل- على القطاع الصحفي، وغياب الصحافة "المستقلة" في بداية ظهور الداء ساهم في الحفاظ على هذه الصورة ولمدة طويلة (Husson, 1999). سيغير من معالم هذه المعادلة ظهور الفاعل المدني على ساحة الفعل الصحي المرتبط بالداء، خصوصا الجمعيات التي تدعمها ماليا المؤسسات الدولية، وسيتم الاعتراف -على مضض- بوجود حالات إصابة لكن دون إعطاء إحصاءات دقيقة عن العدد الحقيقي للمصابين والمرضى، ودون الحديث عن ظروف إصابتهم وكيف يتم التعامل معهم. هذا التعتيم عن المعلومات بخصوص الداء ترك الفرصة مواتية لتنامي الشائعات والأساطير حول أصله ومآلاته. فمن قائل إنَّ أصل الداء من القردة، إلى من يقول إن المرضى يتم إحراقهم في مكان بعيد عن أنظار الناس. لكن الفكرة المحورية التي اكتسبت توافقا بين الجميع هو أن الداء ليس له أصل في بلاد الإسلام وأن الفيروس قادم إليه من الخارج. يأتي الفيروس في التصوّر السائد لدى المؤسسات الدينيّة بالبلاد الإسلامية عن طريق السيّاح الأجانب أو عن طريق العمالة الأجنبية(Husson, p. 56) ، مما دفع ببعض الفاعلين الدينيين باقتراح إجراء الفحص الطبي للأجانب أو الإدلاء بشهادة طبية تظهر سلامتهم من الإصابة قبل ولوجهم للبلدان المستقبلة (Husson, p. 56). لكن الرهان الكبير على السياحة في تلك الدول لم يسمح بتنزيل هذه المقترحات على أرض الواقع. لم يقف التصوّر عند هذا الحد بل هناك من اعتبر أنّ الأمر يتعلّق بمؤامرة تحاك في الخفاء، لعلّ من تجلياتها إدخال الفيروس عمدا للبلاد الإسلامية من أجل إضعافها سياسيا واقتصاديا) 2018 (Majdoul, ، لأنّ الحرب الحضاريّة والقيميّة في المخيال الاجتماعي بين العالمين الغربي "المسيحي" والعربي "الإسلامي" لا تترك قطاعا لا تدخله.

إن ظهور الداء بالبلدان التي تعرف تحوّلات على المستوى الاقتصادي والثقافي والقيمي مثل البلدان "الإسلامية"، يعيد إلى الواجهة جلّ التوتّرات الظاهرة والكامنة، خصوصا ما تعلّق بالتهديد الذي يمسّ الهويّة، لذا يكون المخرج هو البحث عن مشجب لتعليق أو لتبرير الإخفاقات، وهذا المشجب هو الآخر "الأجنبي". و"الآخر" هنا يصبح مفهوما نوعيا "générique" يشمل في التمثّل الجمعي كل "مختلف" له علاقة بموضوع الداء، وبهذا يتحمّل الأجنبي والمثلي الجنسي والعاملة الجنسيّة وزر شيوع المرض وبقائه.

  • المرض بين العقاب والابتلاء بوصفه انحرافا، عقابا،/أو ابتلاء

يقول يوسف القرضاوي:

"أولا أنا أريد أن أذكر شيئا، السبب الأول لشيوع هذا المرض ونشوئه أيضا هو الانحراف، الانحراف عن فطرة الله وعن شرع الله سببه هو الممارسة الجنسية المحرمة {ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً} ... فالسبب الأساسي الذي أنشأ هذا المرض هو ما يسموه نقص المناعة المكتسبة لأن ربنا جاعل في جسم الإنسان جند حُراس يعني يدافعون عنه من كل أجسام غريبة مضادة الإنسان أصبح قلعة بلا حراس فهذا نتيجة الانحراف وشيوع الفاحشة والأشياء الأخرى كلها تأتي عن هذا الأمر..."[6]

إذا كانت الصحة، من وجهة نظر طبية، تمثل قيمة تحيل إلى الجسم والمعافى من كل علة، فالمرض يعبر عن انحراف عن هذه القيمة. وقد يتم تحديد الحالة الصحية من الحالة المرضية بالاعتماد على إحساس الشخص بجسده وعلى المعرفة العلمية التي يكتسبها الطبيب في تحديد الحالة "العادية" من الحالة "المنحرفة". وبما أن التقنية الطبية العصرية تقنية معيارية وموضوعية، فهي أثناء تفسيرها للمرض تبحث دائما عن علة عضوية ولا تأخذ بالاعتبار الأبعاد الثقافية والنفسية والدينية للمرض والمرضى إلا نادرا، وبالتالي لا تنتفي هذه الحالة المنحرفة للجسد إلا بتدخل الطبّ اعتمادا على المعرفة والمهارات، بغرض نجاحه في محو آثار الانحراف وإعادة التوازن المفقود.

تطوّر مفهوم المرض بوصفه انحرافاً لكن ليس بناء على معايير طبية وبيولوجية وإنما انطلاقا من معايير اجتماعية. فالسوسيولوجيا، وباعتمادها على "الاجتماعي"  تعتبر المرض حالة اجتماعية منحرفة تنتج سلوكا مرتبطا بحالة بيولوجية معتلة (Parsons, 1955). لكن الانحراف الاجتماعي كما أسست له أعمال هاوورد بيكر
(H. Becker) لا يعتبر الحالة انحرافا في ذاتها بقدر ما هي مرتبطة بردّة فعل الآخرين اتجاهها. وبهذا المعنى يبدو أنّ سبب الانحراف لا يوجد في الشخص المنحرف بقدر ما يتم بناؤه عبر مسلسل اجتماعي يتم من خلاله وضع قواعد وقيم تصنع سلوكا وأشخاص منحرفين (Becker, 1985)، وهكذا فالانحراف خارج عن إرادة المريض ومرتبط بنظرة الآخر.

فداء فقدان المناعة المكتسب بوصفه داء ينتقل عبر الجنس "غير الشرعي"، وبواسطة سائلين "مدنسين"، الدم والمني )السحيري بن حتيرة، 2008)، يأخذ في المرجعية الدينية حكم أسبابه. يحيل الجنس اللاشرعي في التصوّر الديني على الخيانة الزوجية وعلى تعدّد الشركاء الجنسيين والخلط بينهم. وطبعا، يظلّ العمل الجنسيّ هو التعبير الرئيس عن الفساد في بعده اللاشرعي. فهو يعني الشارع وتجارة الجسد والخلط بين الشركاء الجنسيين والوسخ والكحول والمخدرات (الديالمي، 2009) "فالفطرة" و"الشرع" هي القواعد المبنيّة التي يتم من خلالها وصم السلوك بالعادي أو المنحرف.

لا يعتبر المرض في هذا التصوّر انحرافا لذاته وإنّما بالنظر للسلوك المسبب له، فالانحراف هنا يشمل المرض وطرق انتقاله والمصاب بالمرض وكذا المحتمل إصابته، أي كل ممارس لجنس غير شرعي. فإذا كان الانحراف في التصوّر الطبّي ينتفي بإعادة التوازن للجسم والانحراف الاجتماعي يتم تعليقه بالامتثال للقواعد والقيم الاجتماعية (مثل الإقلاع عن تعاطي العمل الجنسي مثلا)، فالانحراف الذي يمثله الداء، على الأقل إلى حدود الساعة، أزلي بالنظر إلى أن الداء مزمن ولا رجاء في الشفاء منه.

  • المرض بين العقاب والابتلاء

نقرأ على الموقع الإلكتروني لشبكة النور، المختار الاسلامي ما يلي:

"والإيدز هو عقاب الله الدنيوي العاجل لمن يحارب الله ورسوله بفعل الفواحش وانتهاك الحرمات بمقاربة الزنا واللواط حيث يقول الله -تعالى-: ... ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا" ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم... )). بل العقاب لكل المجتمع لأنه يتساهل مع الممارسات المسببة للمرض"... ومن هنا نخلص إلى أن الإيدز Aids هو عقاب الله للمجتمع بصفة عامة لتسامحه مع أهل الفاحشة. قال عليه الصلاة والسلام (إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإن فعلوا عذب الله الخاصة والعامة".

ليس بجديد على المجتمعات أن تعتبر الشّر، كل الشّر، نوعا من العقاب الإلهي على ذنوب اقترفوها في حق بعضهم أو في حق آلهتهم، فالمجاعات والأوبئة وانحباس الأمطار وظهور الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين يعتقد أنّها تعبير عن غضب الآلهة )مجدول، (2018، وهذا التفسير صاحب الإنسانية طيلة قرون، وساعدها في إعطاء معنى لكل ما يحيط بها أو كل ما يتجاوزها في ظل انحصار العلم. لكن مع التطور العلمي بدأت دائرة التفسير الغيبي تضيق وأصبح البحث في مسببات الأشياء تزيح فكرة غضب الآلهة لصالح الظروف الموضوعية الكامنة وراء الظاهرة.

إن ظهور التيارات الدّينية الجديدة، وبالخصوص ما يعرف بتيارات "الإسلام السياسي"، ساهم في بناء تصوّرات جديدة عن المجتمعات وقيمها، حيث أصبح الأمر الاجتماعي، في كثير من القضايا، يتماثل مع الأمر الأخلاقي بما فيه صحة الإنسان الذي يعتمد على مبدأي الطهارة والفضيلة. وقد عادت فكرة غزو المرض بسبب سوء السلوك، أو بسبب التنشئة الاجتماعية السيئة أو نتيجة لضعف الضبط الاجتماعي، لتكتسب مصداقية بناء على ما تمّ الاجتهاد في تأويله من نصوص مقدسة كالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

فإصابة الشخص بداء فقدان المناعة المكتسب علامة عن بعده عن الفضيلة وزيغه عن الطريق السليم الذي تحدّده القيم والقواعد الدينية، لذلك فهو يستحق ما قد يلحق به من أذى، ولأنّ حجم المعصية المرتبطة بالجنس أعظم من غيرها، فهي تستحق عذابا بحجمها:

"... العقوبات البدنية التي تحيق بالإنسان وتقتله فوراً هي أقل تعذيباً لنفسه من تلك التي تذيقه مر العذاب قبل أن تقتله . والأمراض الجنسية بآلامها وعذابها لجسم المصاب تقتله ببطء ألف مرة قبل أن يموت ليدفع ثمن المتعة القليلة أضعافاً من العذاب والألم ، لعل ذلك يكون صارفاً ورادعاً لمن يرى هذا العذاب عن الوقوع في هذه الجريمة فالعقوبات في الإسلام روادع وزواجر..." (محمد عطية، 2015).

من خلال هذا التعبير يظهر أنّ الداء يتمّ توظيفه واستغلاله من أجل أهداف إيديولوجية دينية. ما يدعم فرضيتنا أو تفسيرنا هو أن التوظيف لا يقتصر على داء فقدان المناعة المكتسب بل كل المآسي التي تصيب الناس، خصوصا ما يرتبط منها بالجنس، وتشكّل فرصة للتذكير بدور الدين في الحياة الاجتماعية ووجوب العودة إليه، فكارثة تسونامي على سبيل المثال، والتي راح ضحيتها عدد كبير من الأطفال والنساء، ثم توظيفها إيديولوجيا من بعض التيارات الدينية من أجل التدليل على صدق خطابها الإيديولوجي الذي يدعو للفضيلة ويحارب الحرية الجنسية
(Majdoul, 2018).

إن داء فقدان المناعة المكتسب ينتقل عبر الجنس وعبر الدّم ومن الأم لجنينها، بما يفيد أنّ المصابين ليسوا فقط ممن مارسوا جنسا "غير شرعي"، بل منهم أطفال أبرياء ونساء لم يبحثوا عن الداء بل هو من جاء إليهم. فكيف يحيق العذاب بأبرياء لم يقترفوا ذنبا؟ لقد مثّل هذا الإشكال حرجا كبيرا كان له أثر قديم في علم الكلام، وقد ذكر الونشريسي موقف المعتزلة حول الآلام التي تحلّ بالأطفال والبهائم أنّها تحسن لعدة أوجه، منها أن تكون مستحقة على سوابق، ومنها أن تجلب منافع أزيد منها بقدر واف، ومنها أن يقضي بها على دفع ضرر أخطر منها، وأنّه قد يحصل إسقاط من إيلام الإنسان على الأطفال والبهائم (السحيري بن حتيرة، 2008).

إن مفهوم الابتلاء في التأويل الديني هو الذي يعقلن فوضى توزيع العقاب والأذى ويبرّر الاعتباط بتوظيف العذاب والشدائد نحو غايات محدّدة هي الاختبار والامتحان. وبذلك فمفهوم الابتلاء يساعد على تجاوز الحرج وبلوغ معانٍ أخرى أكثر استيعابا للمصابين. فقد اعتبر المسيحيون، قبل ذلك، أن الألم والعذاب والمرض أداة تطهير ترفع الإنسان إلى مستوى الطهارة القلبية الحقة
(Scheler, 1946)، لكن كل الديانات الكبرى، بما فيها الإسلام، أعطت أهمية كبرى للمرض والألم لأنّ الألم الذي يسبّبه المرض يعتبر أداة فعالة لتحقيق العزلة الروحية والحياة الباطنية العميقة. فهل الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسب صحبة هذه التمثلات شكلت فرصة لتجارب روحية؟

التجربة الروحية للمرضى والمصابين

يرى دوركايم أنّ الفرد أو الضمير الفردي لا يقوى بمفرده على وضع أخلاق أو تشريع أو قيم وإبداع معايير، ولكن المجتمع هو الذي يخلق القيّم والمعايير. "فالقوة الجمعية" هي مصدر كل سلطة أخلاقية، وأن فكرة الله نفسها لا تخرج عن كونها مجرد صورة إبدالية رمزية للمجتمع، (Durkheim, 1924) لكن وإن سلمنا بوجود تمثل جمعي، وتدين جمعي، فإنّ كل فرد، بل كل ضمير أخلاقي لا بد من أن يعبّر عمّا هو جمعي على طريقته الخاصة. إن علاقة الأفراد بالدين، لاعتباره شأنا جمعيًا، تخضع لعوامل كثيرة ومتعدّدة. فالتنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد داخل الوسط الاجتماعي تحدّد بشكل كبير شكل ودرجة تدينه، وهناك عوامل أخرى تعتبر على درجة عالية من الأهمية في علاقة الفرد بالدين، نذكر منها متغيّر الجنس والسن والمستوى التعليمي ثم المستوى الاجتماعي... لكن التّديّن أو التجربة الروحية لفرد ما تتأثر كذلك بالأحداث السارة والأليمة التي تمرّ بحياته. ففقدان قريب أو حبيب، أو النجاح في تجربة تعليمية أو مهنية يمكن أن يكون له الأثر البليغ في التجربة الروحية، وبهذا المعنى يمكن للمرض بوصفه تجربة أليمة يمرّ بها الإنسان أن يكون لها يد في تحويل مسار التجربة الروحيّة خصوصا إذا كان المرض مزمنا وإمكانية الموت واردة كما هو الحال مع داء فقدان المناعة المكتسب.

ستوصلنا الفرضية التي اعتمدناها مدخلا في دراساتنا والتي تفيد أن التمثّل الديني للسيدا ينعكس على التجربة الروحيّة للمرضى والمصابين، إلى استخراج تيبولوجيا للتجارب الروحية المرافقة للإصابة بالداء. للتذكير فقط ليس كل من أصيب بالداء يمرّ حتما بتجربة روحية، وليست كل تجربة روحية هي ردة فعل للتمثل الديني الذي جئنا على شرحه لذا سينصب اهتمامنا فقط على الأشخاص الذين عاشوا تجربة روحية بعد معرفتهم بالإصابة، وبصورة حصرية الأشخاص الذين كان للتمثل الديني الأثر على تجربتهم.

تتوزع التجارب موضوع الدراسة على ثلاثة مجموعات، تتكون الأولى من أشخاص ممارسين للشعائر الدينية قبل الإصابة، يعتقدون في أن الداء عقابٌ وابتلاء سيزيد من توطيد علاقتهم بالدين، أمّا المجموعة الثانية فمكونة من أشخاص غير ممارسين، يؤمنون بأنّ المرض هو انحراف وعقاب من الله، يتمثل الإصابة فرصة للعودة إلى الشعائر الدينية، والمجموعة الأخيرة مكونة من أشخاص يعتقدون أنّ المرض انحراف وعقاب إلهي، لكنه عقاب عن ذنب لم يقترفوه، وستمثل الإصابة مرحلة ابتعاد عن كل ما هو روحي والاعتقاد فقط فيما يقول به العلم حول المرض.

  • الإصابة واختلال دورة التديّن

تضمّ هذه المجموعة مرضى ومصابين من أسر محافظة، كانوا مواظبين على الفرائض كلها، من صلاة في المسجد وقراءة للقرآن. ستُحدث الإصابة بالمرض منعطفا حاسما في تجربتهم الروحية. سنعرض لتجربة هذه المجموعة من خلال قصة عبد الصمد[7] (في العشرينيات من عمره لا يزال عازبا)، يعيش حالة من الاستقرار المهني. يحكي عن تجربته مع المرض من خلال تمثله لإصابته بوصفها انحرافا وعقاباً إلهيًّا.

"أنا نشأت في أسرة محافظة وفي بيئة محافظة تقطن في البادية كأي شاب أحلم بالحصول على شغل بالمدينة، بعد معاناة كبيرة وانتقال من شغل إلى آخر استقر بي المقام في إحدى المحلات التجارية "

إذا كان هذا الشاب، وإلى حدود لقائنا به بالمستشفى، ينكر أن الفيروس قد انتقل إليه من خلال علاقة جنسية، وهي مرحلة يتم توصيفها من طرف الباحثين بمرحلة النكران وعدم التقبل (le déni) ، فإنّه يصف إصابته بالخطأ، وهو يعتبر أنّ هذا الخطأ الذي ارتكبه كان بإيعاز من الشيطان وليس برغبة صريحة منه؛ لأنّه يعتبر نفسه مؤمنا ممارسا ولا يمكن أن يرتكب خطيئة من تلقاء نفسه دون دافع خارجي. وبهذا يحاول أن يزيل عنه شيئا من المسؤولية ليتماهى مع صورة المؤمنين الصادقين والأنبياء والمرسلين عليهم السلام في قصتهم مع إبليس. يقول هذا الشاب

" ... أما أنا في هذه اللحظة فقد استسلمت استسلاماً تاماً للشيطان عليه لعنة الله وزين لي الشيطان كل شيء... لأريكم أن الشيطان تخلى عني بعد أن أوقعني في المصيبة".

فالإحالة للأسباب الخارجية تعني أن المرض خارج عن إرادة المريض، بمعنى أنّ المريض لا يتحمّل أي مسؤولية فيما لحق به من أذى.

إن الإصابة بالمرض داخل النماذج التفسيريّة حول الأمراض، والتي يتم بناؤها اجتماعيا، تبنى على منطق المسؤولية الداخلية أو الخارجية؛ فهناك أمراض يغلب عليها التمثل بأنها خارجة عن إرادة المريض، وفي هذه الحالة يتمّ إرجاع المرض عادة لأسباب سحريّة (العين، الحسد...) أو أسباب دينية (القدر، الابتلاء...)، أو أسباب بيئية...أمّا فيما يخص داء فقدان المناعة المكتسب، فالتمثل السائد يحيل للمريض  بوصفه مسؤولا أولا وأخيرًا عن مرضه، والمرض ما هو إلا محصلّة لسلوك منحرف تمّ من خلاله خرق للقواعد الاجتماعية وأعرافها ويستوجب نوعا من العقاب الاجتماعي أو الإلهي (Zempleni, 1985). يستدرك الشاب ليعبّر عن حظه من المسؤولية، ويمني النفس بمغفرة ممّا اقترفه من خطيئة:

"... فأسأل الله أن أكون قد أخذت عقوبتي في الدنيا فالنار في الآخرة لا نقوى عليها بالله".

هذا الإحساس بالمسؤولية سيشعره بالحاجة الملحة للاستدراك وذلك بالإكثار من العبادات خصوصا تلك التي يعتقد أنها تمسح الخطايا جميعها، خصوصا بالأماكن الأكثر قداسة. لكن الذهاب لهذه الأماكن ليس بغرض المغفرة مما يعتقد أنّه خطيئة وانحرافا فقط، لكنه رجاء في الشفاء من المرض لأنّه تماشيا مع المنطق الداخلي للتمثل والذي يفسّر مصدر المرض من الله فالشفاء يأتي كذلك من الله عن طريق العبادة والدعاء والصلاة وقراءة القرآن. هذا الاعتقاد بإمكانية الشفاء من الله، عن طريق العبادة، لا تعني عدم الاعتقاد في الطبّ الحديث. فقد حكى الشاب تجربته المتكرّرة مع الأطباء والمتخصّصين من أجل الوقوف على حالته ومساعدته على الشفاء، فالقلق والخوف من الموت في حضور الأمراض المزمنة والمستعصية غالبا ما  تضطر الإنسان لتنويع المسارات العلاجية عسى أن يتكلل أحدها بالنجاح.

إن كانت دورة التديّن عند الشباب، تعرف تشددا وتعصبا في البداية بسبب الحماسة والرغبة في الحياة المثالية، يليها نوع من الارتداد السلبي والابتعاد عن التديّن ثم في الأخير نوع من الاعتدال، فإن المرض، كما رأينا في تجربة هذا الشاب، يحدث منعطفا جديدا يعود من خلاله لبداية دورة التديّن حيث التشدّد والإكثار من التردّد على دور العبادات.

  • تدين غسيل السمعة أو البحث عن هوية جديدة

هذه المجموعة الثانية مكونة في غالبها من أشخاص غير ممارسين للشعائر الدينية مثل الصلاة وتلاوة القرآن، لكن يقرّون جميعا على أنّهم يصومون رمضان، وما تركهم للشعائر الأخرى إلا تهاونًا وليس نكرانا. سنتعّرض لهذه المجموعة بمثال لشابة في الثلاثين من العمر، كانت ظروفها المادية والاجتماعية صعبة، من أبوين مطلقين، وتعيش مع أمها وإخوتها الصغار حيث كانت تشتغل ببعض المهن الهشة، تنتقل بين شركات الخياطة ثم تشغل بالمقاهي كنادلة إلى أن احترفت مهنة الجنس بشكل حصري. تحكي أن المرض انتقل إليها عن طريق الجنس خصوصا لما كانت تقدم خدمتها الجنسية للأجانب. فهي تعتقد اعتقادا راسخا أن الداء

"قدم إلينا من الأجنبي الكافر الذي يتربص بنا وبديننا، وأن المسلمين الملتزمين بدينهم لم يعرفوا قط مثل هذه الأمراض...".

هذا التمثل للداء باعتباره داء الكفار جعلها تعتقد أنّ الله عاقبها على ما كانت تقترفه من معصية متمثلة في ممارسة مهنة الجنس، لكن العقاب في نظرها كان مضاعفا لأنّها كانت تهب جسدها للأجنبي الكافر.

"لما بدأت تتدهور حالتي الصحية بشكل متكرر، قررت الذهاب للطبيب، ... هناك اكتشفت أنني مصابة بهذا المرض الخبيث...فالله عاقبني على ما فعلته...".

يمكن أن نقسّم المسار الروحي لهذه الشابة المصابة إلى ثلاث مراحل مختلفة من حيث كثافة الحضور الروحي. المرحلة المباشرة بعد معرفة خبر الإصابة بالداء، وتميزت هذه المرحلة بكثرة ممارسة الشعائر من صلاة وقراءة القرآن، وكذا تغيير منظرها الخارجي بارتداء "الحجاب". كانت تقرأ القرآن كثيرا وتحمل معها المصحف بشكل مستمر

"كنت أتوضأ وأصلي كل نصف ساعة تقريبا، كنت أجد راحتي في الصلاة، كنت أدعو الله ألا يتخلى عني وأن يغفر لي... كنت أحمل المصحف معي أينما ارتحلت، حتى إن أدركني الموت أكون على طهارة...".

هذه المرحلة تميزت بسيطرة الخوف والقلق من الموت الذي يعني العذاب بالآخرة، لهذا كان الهدف هو الإسراع في تدارك ما فات بالعبادات قبل فوات الأوان. المرحلة الثانية بدأت لما التحقت بإحدى الجمعيات التي تتكفل بالمرضى والمصابين بالداء، حينها علمت أنّ المرض لم يعد يعني الموت المحتوم بوجود الدواء الذي يمكّن المصاب من التعايش مع المرض. هذا المعطى خفّف شيئا ما من روعها خصوصا لما قابلت أشخاصا يعيشون الحالة نفسها. تعدّد الأنشطة داخل الجمعية، من لقاءات تحسيسية، إلى جلسات تدريبية، فخرجات ترفيهية، ملأ فراغها وقلّل من ارتباطها الدائم والمتكرّر بالعبادات. تقول إحدى الفاعلات الجمعويّة المحتضنة لهذه الشابة:

"لما قدمت فاطمة للجمعية، كانت تعيش اضطرابا نفسيا حادا، استدعى تدخل الطبيب النفسي، حيث كانت كثيرة الصلاة وقراءة القرآن...لكن مع الوقت بدأت تستقر حالتها خصوصا مع المصاحبة للمصابين وتقاسم تجاربهم...".

المرحلة الثالثة عرفت استقرارا نفسيا واجتماعيا واستقلالا ماديا بعد حصولها على عمل داخل الجمعية. فالجمعية تفرض على ممتهنات الجنس عدم العودة للشارع، كشرط لقبولهم داخل الجمعية كأجيرات. وهذه المرحلة تميزت بعودة فاطمة لإزالة الحجاب وممارسة التدين "العادي" بحسب تعبير رئيسة الجمعية.

هذا التديّن يصنف ضمن ما يطلق عليه وليام جيمس بتدين "غسيل السمعة"، فوليام جيمس يميّز بين نوعين من التدين، تدين الأصحاء نفسيا وعقليا وبين تدين المرضى، فيعتبر التديّن الأخير محاولة من الشخص المريض لتجميل الصورة التي عرف بها من خلال تخليصها من الشوائب والفضائح التي لطخت سمعته
(غازي، 2009). لكن يمكن قراءة هذا النوع من التديّن كردة فعل اتجاه القلق والخوف الذي يستشعره المصاب بفقدان هويته، لذا فالتجربة الروحيّة داخل هذه المسارات تساهم في بناء هوية وإعادة بنائها من خلال مد الجسور بين العالم الذي يعيش فيه الإنسان وبين صورته عن نفسه(Dubar, 1991) .

  • القطيعة الروحية كوسيلة للتكيّف والاندماج

هذه المجموعة تضمّ مصابين من الجنسين ومن أعمار مختلفة، أغلبهم من مستوى تعليمي عالٍ، مستقرين ماديا ويشغلون مناصب قارة بمداخل محترمة. نموذج هذه المجموعة تقدّمه من خلال تجربة لسيّدة في الأربعين من العمر متزوجة، زوجها مصاب وأم لطفل سليم، تشغل حاليا بإحدى الجمعيات المهتمة بالمرضى والمصابين بداء فقدان المناعة المكتسب. تعتقد هذه السيدة أنّ الداء انتقل إليها عن طريق زوجها المصاب في ظروف لم تشأ أن تفصح عن تفاصيلها. وبحكم موقعها داخل الجمعية واهتمامها بالمرضى والمصابين راكمت تجربة مهمة حول المرض بجلّ جوانبه الطّبية والاجتماعية والحقوقية. كانت هذه السيدة بمثابة الصوت المرتفع لهؤلاء المرضى في الدفاع عن حقوقهم في العلاج والتكفّل دون إقصاء أو تمييز. كان موقفها متشددا ممّا يتم تداوله حول المرض خصوصا في الصحافة ذات التوجه المحافظ. كانت تستنكر موقف بعض الأئمة والدعاة والحركات الإسلامية من الأنشطة التحسيسية التي تسهر عليها الجمعيات خصوصا موضوع توزيع الواقي الذكري بوصفه وسيلة وقائية من انتشار الداء.

إن تمثل المرض باعتباره عذابا إلهيا يصيب المنحرفين سلوكيا، يثير حفيظة هذه السيدة وتكاد لا تستسيغ سماع مثل هذه الأحكام التي تخرج في نظرها

"من أفواه الجهال الذي لا يفقهون في العلم وفي الطب شيئا، ويهربون للتفسيرات الغبية لخدمة أغراضهم الدينية...".

يوضح مثل هذا الموقف مدى الرفض الصريح الذي يبديه بعض المرضى من مثل هذا التمثّل. ليس الرفض هو التعبير الوحيد عن الامتعاض من هذا التمثل بل القطيعة مع التجربة الروحية تعدّ أكثر تجليات الاستنكار. فاستنكار الصّلة بالدين قد تعفي المريض من عملية إسقاط مثل هذا التمثّل على تجربته

"المرض يفسره الأطباء وليس رجال الدين... هل كل مريض هو معاقب؟ ...كيف يستقيم مثل هذا الكلام؟".

وإذا كانت هذه السيّدة لا تتنكر صراحة لتدينها، فالمفيد من كلامها أنّها لا تعير اهتماما بالغا لمسألة الممارسة الدينية، بل تعتبر أن تدينها تترجمه عبر خدمة قضية المصابين والدفاع عن حقوقهم.

إنّ ركود الخطاب الديني السائد وضعف طاقته الاستيعابية وعدم مواكبته للتحوّلات السريعة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية التي لحقت العالم الإسلامي، في ظل الحاجة القوية لبعد روحي منسجم والواقع المحيط، ساهم في ظهور توجّهات تدينيّة جديدة غير تقليدية لا تحتاج لمؤسّسات حاضنة
 (Campiche, 1996).فالاتجاه العام للتدين يطغى عليه نموذج "المصلح الفاقد للخبرة" "bricoleur"، حيث التدين النفعي والذي يعني البحث عن الفعالية في المعتقدات، والتديّن الفرداني الذي يفيد استقلال الفرد في علاقته بالمعتقدات المختارة وأخيرا التديّن الذاتي الذي يميّزه البحث في المعتقدات عما يناسب وترك كل ما يتنافى ما تطلعات الفرد (Hervieu-Léger, 1996). لا يقتصر هذا التعامل مع الدين في الأفراد بل كل الجماعات والمجتمعات، تعاملت بمنطق الحاجة مع النصوص الدينية، لأنّ النصوص بصفة عامة بما فيها النصوص المقدسة، ليست هي المحدّد للعلاقات الاجتماعية سوى بنسب ضئيلة، ففهمها وتأويلها إنّما ينتميان بحسب حاجة الجسم الاجتماعي في ظرف معيّن إلى قراءة معينة، ولذلك فالنصوص كانت في الغالب أداة للتبرير والشرعنة أكثر مما كانت مؤسِّسة لنوعية البنى والمؤسسات الاجتماعية (الشرفي، 1998) .

خاتمة

إن النتائج التي توصلنا إليها من خلال دراستنا لتمثلات داء فقدان المناعة المكتسب لدى الفاعل الديني الإسلامي جاءت لتؤكد ما توصلت إليه دراسات عديدة حول تمثّل المرض أجريت بأوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء (ديالمي عبد الصمد (1999)، محمد اعبابو (2010)، آن سيسيل بيكو، (2004)، مارك إريك غرنيي (1999)). فكما رأينا، لا تخرج هذه التمثلات عن مفاهيم الآخر، الانحراف والعقاب. إن هذه الخلاصات تعطي شرعية لإعادة طرح السؤال عن مدى استعداد الفاعل الديني الإسلامي ليكون شريكا في برامج محاربة الداء، خصوصا أنّ المؤسسات الدولية المهتمة بموضوع السيدا ما فتئت تنادي بإشراك الأئمة والوعاظ بحكم مكانتهم وقربهم من الناس. كيف يمكن لخطاب الأئمة والوعاظ الذي يتأسّس على قيمتي العفة والوفاء للحياة الزوجية أن يكون إجرائيا خصوصا لدى الشباب الذي يعيش على وقع تحوّلات قيميّة عنوانها البارز: الحريّة؟ هل يمكن أن ينسجم هذا الخطاب مع توجّه المؤسسات "العلمانية" التي تؤسّس لخطاب التربيّة الجنسيّة واستعمال العازل الطبي كأهم الوسائل الوقائية؟ هل يمكن لتحرير الفكر الديني وإثرائه أن يستجيب لانتظارات الجميع، مرضى وأصحاء، مثقفين وأميين، رجالا ونساء؟ وقد رأينا كيف كانت انعكاسات هذه التمثلات على تجارب المرضى الروحية، وكيف أسست لعلاقات فريدة مع التدين. فمن اختلال دورة التدين عند البعض، إلى وجود بتدين هدفه غسيل السمعة أو البحث عن هوية جديدة، إلى القطيعة أو الاجتهاد الفردي.

في الختام لا بد من الإشارة إلى بعض مكامن القصور في هذه الدراسة والتي يكمن تلخيصها فيما يلى: ضعف التمثيلية العددية للعينة، حيث لم تتح لنا الفرصة لمساءلة تجارب أخرى يمكن أن تكون أكثر غنى، لكن العثور على أفراد مصابين بالمرض مستعدين لتقاسم تجارب مع الباحثين ليس بالعملية السهلة. اقتصرنا في دراسة تمثلات الفاعلين فقط على الوثائق المتاحة على الشبكة العنكبوتية وبعض المنشورات المتاحة على المكتبات وبهذا يمكن أن نكون قد أغفلنا بعض الكتابات ذات توجهات أخرى غير التي جئنا على ذكرها. لكن حسبنا في هذه الدراسة أن أثرنا السؤال حول الخطاب الديني من خلال مدخل جديد هو مدخل الصحة والمرض.

بيبليوغرفيا

مراجع بالعربية

البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي،
(د ت)، الدليل المسيحي في مواجهة الإيدز، القاهرة: هارباس.

مجدول، بوشعيب (2018). المرض والإيديولوجيا، الشباب ومسارات التعايش مع السيدا بالمغرب. ابن زهر-أكادير: سوس للطباعة والنشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية.

الشرفي، عبد المجبد (1998). تحديث الفكر الاسلامي. الدار البيضاء: الفنك.

المكاوي، على (1994). الأنتربولوجيا الطبية. دراسات نظرية وبحوث ميدانية. دار المعرفة الجامعية للطبع والنشر والتوزيع

المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، (2005). الإيدز من منظور العلوم الاجتماعية. القاهرة: مطبوعات اليونيسكو.

الديالمي، عبد الصمد (2009). في سوسيولوجيا الجنسانية العربية. بيروت: دار الطليعة.

السوايحي، منجية (2004، 18 دسمبر). مرض السيدا (الأيدز) يهدّد العالم العربي الإسلامي. ثم استرجاعه بتاريخ 26 /01/ 13من:

http://www.metransparent.com/old/texts/mongia_saouhi_sida_threat_to_arab_world.htm

الخطيب، العدناني (1999). الزنا والشذوذ الجنسي في التاريخ العربي. بيروت: الانتشار العربي.

مالك، شبل (2010). الجنس والحريم، ورح السراري، السلوكات الجنسية المهمشة في المغرب الكبير. ترجمة عبد الله زارو، الدار البيضا: أفريقيا الشرق.

محي الدين، محمد عطية (2015). الشذوذ الجنسي، حقيقته وأشكاله ودور الإسلام في الوقاية والعلاج منه. عمان: أمواج للنشر والتوزيع. 

مجدي، الجمال مصطفى (2011). معركة البحوث الاجتماعية في الحرب على الإيذز. مجلة الحوار المتمدن، عدد 3499.

السحري بن حتيرة، صوفية (2008). الجسد والمجتمع، دراسة أنثروبولوجية لبعض الاعتقادات حول الجسد. تونس: دار محمد على للنشر.

واثق، غازي (2009). الدين واحتكار الحقيقة، آراء في نقد التفكير والسلوك الديني. بيروت: الانتشار العربي،.

المراجع باللغات الأجنبية

Abbabo, M. (2010). Etiquetage, stigmate et religion : la représentation du Sida chez les jeunes lycéens à Fès, Le travail social à l’épreuve des coopérations ouvertes et coopérations fermées : Enjeu capital pour le développement humain, Fès : Presses universitaires Sidi Mohammed Ben Abdellah, 210.

Becker, H. (1985). Outsiders, Étude de la sociologie de la déviance. Paris : Métaillé.

Benoît, G. (1995). Le récit médiatique du Sida ou la gestion journalistique de l’événement de la transcendance au scoop ? Supplément à Recherches en communication, n°4.

Majdoul, B. (2018). Presse et « construction de la réalité » du Sida au Maroc: Cas exemplaire du quotidien Attajdid. Dans Amsider A. et al., Communication publique en Afrique, regards croisés, (éd.), Agadir, Maroc : Faculté des Lettres et Sciences Humaines Ibn Zohr.

Campiche, R. (1996). Entre l'exemple et l'expérience : de la transmission par la famille d'une tradition à celle d'un éthos religieux, Figures des Dieux. Rites et mouvements religieux. Hommage à Jean Rémy, Paris, Bruxelles : DeBoeck, Coll. Ouvertures Sociologiques, 147-162.

Dubar, C. (1991). La socialisation. Construction des identités professionnelles. Paris : Armand Colin.

Durkheim, E. (1924). Sociologie et philosophie. Alacan.

Dyalmi, A. (1999). Jeune, Islam et Sida. Casablanca : Eddif.

Hervieu-Léger, D. (1996). La religion des Européens : modernité, religion, sécularisation, Hervieu-Léger D., Davie G., (éds.), Identités religieuses en Europe, Paris : La Découverte, p. 9-23

Gruénais. M. E. (1999). La religion préserve-t-elle du sida ? Des congrégations religieuses congolaises face à la pandémie de l'infection par le VIH. Cahiers d'études africaines, 154, Vol. 39.

Jaap, B. (2006). Eglise, Théologie africaine et VIH/Sida, Info théologique, Aota,10, Bafoussam.

Laurence, H. (1999). État, islam et sida en Indonésie : un épineux ménage à trois. Le Sida des Autres. Cahiers des sciences humaines, 12, Nouvelle série (éd.), De l’Aube, p. 53-71.

Scheler, M. (1946), Le sens de la souffrance. Paris : Aubier.

Mirko, D., Grmek. (1989). Histoire du Sida. Début et origine d’une pandémie actuelle. Paris : Payot, 1990.

Seca, J. M. (2003), Les représentations sociales. Paris : Armand Colin.

Talbi, M. (2005). Réflexion d’un musulman contemporain, Casablanca : Fennec.

Zempleni, A. (1985). La maladie et ses « causes ». Introduction, l’Ethnographie,2, 13-44.

 

[1] Exemple du Journal Marocain des Sciences Médicales (JMSM) ou la revue Maroc Médical

[2] نخص بالذكر على وجه التحديد جمعية محاربة السيدا التي تعتبر من أول وأهم الجمعيات المغربية التي تشتغل على موضوع التحسيس والوقاية من الأمراض المتنقلة جنسيا/السيدا بالمغرب

 [3]البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، (د س)، الدليل المسيحي في مواجهة الإيدز، القاهرة، هارباس. ص .18.

[4] للتذكير نستعمل مصطلح "مريض" للإشارة للأشخاص المصابين بالداء ويتابعون بالضرورة علاجا لأن حالتهم تستدعي ذلك. ونستعمل مصطلح "مصاب" للأشخاص الحاملين للفيروس دون أن تظهر عليهم أعراض المرض ولا يحتاجون للعلاج

[5] بعد البحث الوثائقي وبالاستعانة بمحركات البحث الإلكتروني حصلنا على متن مكون من الأوراق التالية : وثيقة مجمع البحوث التابع للأزهر، دليل الأئمة والوعاظ في محاربة داء السيدا والأمراض المنقولة جنسيا، حلقة مسجلة ليوسف القرضاوي على برنامج الشريعة والحياة كان موضوعها السيدا، مداخلة لإمام مسجد باريس، أوراق يوم دراسي من تنظيم اليونيسكو حول موضوع المقاربة الثقافية لموضوع الأمراض المنقولة جنسيا/السيدا).

[6] "الإسلام ومرضى الإيدز"، برنامج الشريعة والحياة، قناة الجزيرة.

[7] الأسماء المستعملة هي أسماء مستعارة.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche