واقع الغرافيتيا بالفضاء الجامعي الجزائري: تعدّد المضامين وتباين الغايات. غرافيتيا طلبة جامعة تلمسان نموذجاَ


انسانيات عدد مزدوج 85-86| 2019 |الغرافيتيا في شمال إفريقيا: أصوات الهامش|ص 15-37| النص الكامل



Boualem BEY: Université de Tlemcen, Département de Sociologie, Tlemcen 13 000, Algérie.


المقدمة

رغم أصالتها وتَجذُّرها في الحضارة الإنسانية تعتبر الغرافيتيا -بمعناها المعاصر- من الظواهر الاجتماعية التي برزت في عديد المجتمعات لغايات سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافيّة. فغالبا ما ارتبطت الغرافيتيا بمناطق الظّل والـمُهَمَّشِين، إذ ما فتئت تُزعج أهل الحَل والرَّبط منذ سبعينيات القرن الماضي لفعاليتها في خلخلة النّظم والقواعد القائمة، حتى وصفتها السّلطات بالفعل التّخريبي واللاّمدني (Acte d’incivisme et de vandalisme) (Ouaras, 2015, p. 158). بل فعل خطير يهدّد أمن السّاكنة الحضرية بتلويث وافساد الممتلكات والفضاءات العامّة -خاصّة في الحواضر الكبرى بالو.م.أ، كندا، أوروبا، وحتّى العربية منها في السّنوات الأخيرة[1]-، وظاهرة غزت تضاريسها المفتوحة والمغلقة، حتى وُصفت بسرطان جِلدي للحضارة المعاصرة (Tim, 1996). وهو ما دفع مالكي وسائل الإكراه لتسخير أموالٍ طائلة لمحاربة الظاهرة بكلّ الوسائل، خاصّة الرّدعية منها، لكنّهم لم يُفلِحوا في ذلك[2].

وقد  فرضت نفسها على عديد التّخصصات البحثيّة، خاصّة العلوم الإنسانية والاجتماعية: علم النفس، علم الاجتماع، اللِّسانيات، التاريخ... إلخ، لارتباطها بإشكالات سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية ثَقيلَة، كالتّمييز العنصري والإثني، اللاّمساواة الاجتماعية والتّعليمية، وأضحت قناة فعّالة لإدانة مظاهر الهَشاشة الاجتماعية في عصر أضحت فيه الكتابة عامّة والغرافيتيا خاصّة وسيلة مهمّة للتّعبير الهويّاتي والثّقافي، وهو ما أكده عديد الباحثين مثل: رولان بارث (Roland Barthes,1969)، بياتريس فراينكل (Béatrice Fraenkel, 1985)، جاك ستيوارت (1989 Jack Stewart)، جون بوشنل (John,1990 Bushnell)، ألان فيلبو (Alain Vulbeau,1992)، جون بيار ألبيرت (Jean Pierre Albert,1993)، ألان ميلو (Alain Milon,1999)، مارك هاتزفيلد (Marc Hatzfeld,2006)، بيار بارتونسكي (Pierre Bertoncini, 2009)، وغيرهم ممن فكّك أوليات نشوء الظاهرة ومنطق فاعليها، ودوافعها المنفتحة على النّفسي، الاجتماعي، الثّقافي، السّياسي، الفني و اللّغوي.

هذا الاهتمام المتزايد أبرز الغرافيتيا كموضوع بحثي مُهم وأصيل، باعتبارها ممارسة اجتماعيّة تكشف الوجه الخَفيّ والـمُضمَر لاِعتلالات الواقع المجتمعي عامّة، والتعليمي خاصّة، لاسيما  عند فئة الشّباب باعتبارها ممارسة شبابيّة بامتياز. وبالنظر أيضا لمخرجات المؤسّسات التّعليمية خاصّة الجامعيّة منها. يعتقد ألان فيلبو (Vulbeau Alain) أنّ من بين أسباب انتشارها بالمجتمعات المعاصرة إشكالية التّنشئة الشّبابية الممارَسَة من لدن مؤسسات التّنشئة الرّسمية (خاصة المدرسة)، التّي تفرض على الشّباب أدواراً ومواضع مُسبَقَة التَّشكّيل دون إعطاء أهمية للأنا الفردي وخصوصياته، مما يدفعهم إلى البحث عن أساليب خاصّة للتّعبير عن ذَواتهم ومشاكلهم وتصوراتهم، في محاولة لتشكيل هويات متعدّدة تساعدهم على التّكيف مع الوضعيات الاجتماعية وفق نموذج يتماشى مع عالم متغيّر لا تكون فيه الأدوار محدّدة سلفاً (Vulbeau, 1992).

في الجزائر وبرغم اكتساب الغرافيتيا شروط الظاهرة الاجتماعية الواجب دراستها إلا أنها لم تزل هامشيّة، بل ومهمّشة حتّى على مستوى الاهتمام البحثي الأكاديمي، وغائبة عن الاشتغال المعرفي المتخصّص رغم أصالتها وأهميتها العلمية، إذ تعود إرهاصاتها لإنسان الأهَقّار والطاسيلي، مرورا بمرحلة ثورة التّحرير أين برزت كقناة فعّالة غير رسمية للتّعبئة النّضاليّة[3]. وتبرز اليوم في فضاءات مختلفة من بينها الفضاء الجامعي الذي تكثّفت فيه كتابات غرافيتية طلاّبيّة، خاصة الجدار الذي يظهر كحامل موضوعي لرسائل غرافيتيّة معبرّة، نفترض أنّها - في جزء كبير منها- مُؤشّر على اختلالات النّظام التّربوي، خاصة الرّسمي منه (المدرسة)، فما هو مضمون ودلالات هذه الكتابات الغرافيتيَّة؟ وما علاقتها باختلالات المؤسّسات التّربوية؟ للإشارة فإن هذه المساهمة تندرج ضمن قراءة خاصة لنتائج دراسة أجريت حول ظاهرة الغرافيتيا بالمجتمع الجزائري عامّة، والفضاء التّعليمي خاصّة والجامعي بالأخص[4].

الإطار النّظري والمفاهيمي

تركزت معظم الدّراسات التّي اشتغلت على الغرافيتيا - وبشكل أوسع حول ثقافة "الهِيب هُوب" - على اتجاهين رئيسين: الأوّل انطلق من تقاليد علم الاجتماع الحضري، التي تعتبرها مشكلة حضرية مرتبطة بإشكالية المدينة، أين تتموضع الغرافيتيا كتعبير مختلف ومتميّز له علاقة بردود فعل الغَريب (l'Etranger) عند زيمل (Georges Simmel)، أمّا الاتجاه الثّاني فيعتبرها معارَضَة مفتوحة للفضاء العام ولمعنى المدينة وأيقوناتها كما تقدمها الجهات الرسّمية. فالغرافيتيا كأثر فردي أو جماعي يحمل معاني معبّرة عن واقع الوسط الذي ظهرت فيه. ما يجعلها  مؤشّرًا  قويًّا عن الخَلل الحضري للمدينة وفضاءاتها، كما أكدته كتابات ألان ميلون (Milon, 1999). وهي نتيجة للتّهميش الحضري حسب ألان ميلو (Alain Milon)، وتعكس أزمة حضرية لمؤسسات المدينة المعاصرة (Austin, 2001, p. 201).

أهمية الغرافيتيا الطلاّبيّة وعلاقتها بالنّسق التّعليمي

يمكِّننا الاشتغال على فهم منطق ومغزى الغرافيتيا الطّلابيّة من إدراك الوجه الآخر للمؤسّسات التّعليميّة، خاصة الجامعة باعتبارها آخر محطّة لصناعة الفَرد المنشود.  إذ يمكن اعتبار الغرافيتيا مقياسا (Thermomètre) نقيس به حَرارة الحياة الاجتماعيّة، وكلّما ارتفعت هذه الحرارة كلّما زاد انتشارها وتَكثّفها على الجدران (Brassai, 1993, p. 20).

من جهة ثانية يمكن التّعامل مع الغرافيتيا الطّلابيّة باعتبارها مقياسا موضوعيا صامِتا وخَفي، يمكّننا من كشف تغيّرات مناخ الحرم الجامعي خاصّة، ومن ثم التعرف على خصوصيّة الثّقافة الطّلابيّة ومردودية السّياسات التّعليميّة المعتمدَة رسميًّا، لأنّها تمدّنا بمعلومات ومؤشّرات ضرورية للتّحقيق حول فشل السّلوك الجامعي وميكانيزمات الغَبَاء التي تُعِيق الفكر حسب (George & Lorraine, 1974). وعلى منوال تصريح أحد المتخصّصين في الغرافيتا حينما قال : "إذا أردت أن تعرف ما يحدث في أيّ مدينة، فانظر إلى كتاباتها الجِداريّة"، نَتجَرّأ ونقول: إذا أردت أن تعرف ما يحدث في دهاليز المؤسّسات التّعليمية الجزائرية فتمعَّن في الكتابات الغرافيتيّة المنتشرة بمختلف زواياها، وفي مُتُونِها الغرافيتيّة ودرجة تَكثّفِها على الدّعامات المؤثِّثَة لها. فهذه الكتابات تشكّل ـباروميتر لتَحَسُّس مشاكل الطالب/المؤسّسة ضمن فضاءها الداخلي والخارجي. إنّها بمثابة سُلَم "ريشتر" (Richter) نقيس من خلاله ارتدادات الهزّات الاجتماعيّة قبل حدوثها وبعده.

ماذا عن "الغْرافِيتيا الطّلابيّة"؟

يمكن تعريفها إجرائيّاَ بأنّها مزيج من الكتابات والرّسومات والخَربَشات التي يدونها  الطالب(ـة)بخط اليَد، بأكثر من لغة وأسلوب وشكل، تتضمّن كلماتٍ، وأرقامًا، وأشكالًا هندسيّة، وصُورًا مختلفةً ومتباينةَ الأحجام والألوان، استثمَر في تجسيدها وسائل متعدّدة: طباشير، أقلامَا، فحمًا، شمعًا، وحتّى البُرَاز. وقد تموضعت على وسائط غير معهودة، كالجدران والأبواب والأعمدة والمناضد والطاولات والمكاتب والكراسي وما شاكلها. وغَزَت زوايا الفضاءات المغلقة والمفتوحة في الوسط الجامعي.

سوسيولوجيًا، نفترض أنّها تعكس مستوى مُضمَرا ومعتلا لمؤسّسات التّنشئة عامّة، والتّعليمية خاصّة. كما نفترض أنّها تجَلٍ مَكتوب لملامح ثقافة طلابيّة مُتمَيِّزة، عُبِّرَ عنها غرافيتيًا على وسائط ودَعامات مخصّصة لغير هذه الوظيفة. بكتابات تعكس مخرجات الـمَعَاش اليومي للطّالب، وتفاعله مع مؤسّسات التّنشَئة في اختلافها وتداخلها (الأسرة، الجامعة والمجتمع ككل)، فالكتابات عاكسة لصور الحياة العامّة والخاصّة لهذه الفئة، ومِرآة كاشِفة لطبيعة تفكير المجتمع ككل، بل مؤشّر لمخرجات غير تلك المستهدفة سميّاً من العملية التعليمية. التَجَأ الطّالب الممارس للغرافيتا (Graffiteur) لهذه الاستراتيجيّة لعدَم تَوافُر قنوات تعبيرية ملائمة وفعّالة لتصريف تلك الأسئلة اللَّحوحَة المتزاحمة في ذهنه، وطرح تيمات تعتبر مجتمعيّاً ضمن دوائر الممنوع ولا يمكن الحديث عنها عَلَناً، أو هامش التّعبير عنها محدّد سَلَفاً، كموضوع الجنس، خاصّة أمام إكراهات سلطة العائلة والمجتمع.

الإطار المنهجي والعملي

تتموضع دراستنا ضمن الاتجاه الميكروسوسيولوجي واختيارات المنهج الكيفي، وبالضّبط الفَهمي الذي يحاول فهم وتفسير المعاني الذّاتية والكامِنة وراء ممارسات الفاعلين، الذين لهم هامش حرية في صناعة الفعل الاجتماعي (الغرافيتيا). وفق مقاربة ثّقافية/ثقافويَّة[5]، بُغية استجلاء أوّليات اشتغالها، باعتبارها عاكِسَة لتصوراتهم وردود أفعالهم (ثقافتهم) حول واقعهم التّعليمي ومخرجاته بفضاء جامعة تلمسان الحيّز المكاني للدراسة. ولتفكيك ذلك اعتمدنا بالأساس على تحليل المضمون، دامت عملية تجميع المعطيات الغرافيتية سبعة أشهر من سنة 2010، مع الإشارة أنّنا لم نتوقف عن الانتقال بين الميدان ومعالجة الإشكال المطروح لكشف مستجدّاته، باستقصاء غرافيتيا طلابيّة غزت أماكن مفتوحة ومغلقة، كالسّاحات الدّاخليّة، المدرّجات وقاعات المحاضرات، بَهْوِ الكليّات والمكتبات، المطاعم بأروقَة اِنتظار الوجبات، المراحيض، الإقامات الجامعيّة، محطّات الحافلات وكل أماكن الانتظار. حيث تكثّفت على مختلف الدَّعامات الـمُتَبايِنَة الشّكل والحجم، العمودية والأفقيّة، الإسمنتيّة، المعدنيّة والخشبيّة، كالجدران، الأعمدة، خَلفيّات الأبواب (بالقاعات، المدرجات..)، المناضد، الكراسي، السَّلالم، زجاج النّوافذ، أسقُف الغُرَف، صناديق الإطفاء، لافتات التَّوجيه، جذّوع الأشجار..إلخ. لنخلص إلى جمع 763 وحدةً غرافيتيّة[6]، قمنا بتصنيفها حسب المضامين والتيمات، أي حسب طبيعة الـمَتْن المبحوث والمجتمع المدروس والحامِل المرصود، والتي تتراكم لتشكّل "مخطوط الأجيال".

الوجه الآخر للفضاء الجامعي من خلال الـمـُتُون الغْرَافِيتِيَة

عكست المضامين الغرافيتيّة ثّقافة طلابيّة خاصّة تتموضع جلّ سلوكيّاتها وتصرّفاتها وأقوالها ضمن الممنوع، أو المنبوذ، أو المسكوت عنه، وتتأطر ضمن دائرة "المدنّس" كمقابل "للمقدّس" اجتماعيًا، نذكرها حسب تكثّف عددها بدءً بغرافيتيا "التَّحرَاز"، الغـــرافيتـــيا العاطفــــيّة والغرامـــــــيّة، غرافيتيا الاحتجاج (الاحتجاج ضدّ الأوضاع المعيشيّة بالإقامات الجامعيّة، العلاقات البيداغوحية ليست على ما يُرام، الاحــــتــجـاج ضدّ الـــواقع الـمـجـتـمـــعي)، غرافيتيا التّقييم الذّاتي (أنا أُغَرفِت إذاً أنا مَوجود)، غرافيتيا الصّراع (الصِّراع الجِيلي، الصّراع الجهوي/المناطقي)، غرافيتيا الحلم بالهجرة نحو  الضّفة الأخرى، الـمُغنـّي(ـة) سَفيـرٌ فوق العادة، كرة القدم "أفيون" الطلبة.

غرافيتيا "التَّحْــــــــــــــرَاز"

نلاحظ أن المؤشّر الأكثر انتشارا -بشكل واسع وملفت، والمعبّر عن الاختلالات الوظيفية- هو ما اِصطلحنا عليه بغرافيتيا التَّحْرَاز[7] ، وهو مصطلح من وَحي ورَحمِ التّنشئة الطّلابيّة الصّامتة، حيث تصدّر تَراتُبِيَة الـمَتُون الغرافِيتيّة (Les contenus graffitiques). وهو عبارة عن كتابات تشهد على تنامي ممارسة الغِش في الامتحان الذي تعاقب عليه قوانين المؤسّسة الجامعيّة بشدّة.

الصورة 1 : "من نَقل انتقل" معادلات رياضية/طاولة/ قسم الهندسة المدنية

 يتموقع فعل "التَّحْرَاز" كاِستراتيجيّة طلابيّة فعّالة للتّعامل مع إكراهات الثّقافة التّنظيميّة التّعليمية، التي تُلزِم وتُوصي الطالب بضرورة التّقيّد بطقوس "التَّحْرَاز"، خاصّة أثناء الامتحانات والمسابقات، وتُحذِّرُه وتهدده، خاصّة خلال اللّجان البيداغوجية وقُبيلَ اليوم المعلوم من الاِلتجاء لهكذا وسائل وسُبل غير قانونيّة. لكن "الواقع الغرافيتي" -إن صحّ التّعبير- يثبت تنامي ذلك الفعل، فقد حضرت غرافيتيا التّحراز بشكل ملحوظ ومثير كأسلوب فعّال لتحقيق رهاناته البيداغوجيّة. وأضحى التَّحْرَاز استراتيجية -عقلانيّة- لمواجهة إلزامات الثّقافة التّنظيميّة في جانبها التّقييمي (الامتحانات)، لكن بِلمسةٍ طُلابيّة متميّزة، بعدما أضحى الامتحان غاية لا وسيلة (موريس، 2011). والـمُتَتَبِع للنظام التّعليمي باِختلاف أطواره يَلْحَظ تنامي الظاهرة، واستمرارها في احتلال مِساحات قَبول على مستوى الأفعال والتّمثلات الاجتماعيّة لدى جمعٍ غَفِيرٍ من التّلاميذ والطّلبة، بل تشير المؤشّرات إلى أنّها انتزعت نوعًا من الاعتراف الرّسمي غير الـمُعلَن، وغير الـمُباشر. اعترافٌ ضِمنيّ من الفاعلين التّربويين -وللأسف- لا يَنسَحِب التّوصيف فقط على الفضاء الجامعي بل يتعدّاه لباقي الفضاءات المجتمعيّة حيث تحوّلت ظاهرة الغشّ إلى ثقافة  مجتمعية.

ولعلّ من أسباب تنامي الظّاهرة عدم وضوح طريقة الإجابة خلال الامتحانات والعُروض، وكيفيات التَّقويم. فأغلب الامتحانات- كما تؤكّده الدّراسات- تقيس المستويات المعرفيّة البَسيطة، مثل التّذكر، وتتجاهل المستويات العليا، كالتّحليل والتّركيب والتّمييز والتقويم. فأضحت الامتحانات بصيغتها الحاليّة تُشَجِّع الطّلاب على الغشّ بدل البحث والتّقصي، لاعتمادها على تقديس اجترار المقرّر فقط.

الغـــرافيتـــيا العاطفــــيّة والغرامـــــــيّة

مؤشّر آخر تجسّد في المُتون الغرافيتيّة يعكس مضامين تعبّر عن تِيمَة الحب والغرام والجِنس، وما يدور في فلكِها، حيث تنوّعت وتباينت الرّسائل المتضمِّنة لهذه التيمَة، ما بين التّعبير عن مدى الهُيَام بالمَعشوق، أو القَدح والتّشهير به في حال فَشل العلاقة بينهما. هذا من حيث المضمون، أمّا بنية الرّسالة الغرافيتيّة فقد انتضدت في ثلاثة أشكال خطابية بارزة، وسَمنا الشكل الأول بمعادلات الحب، وتجلى الثّاني من خلال رسومات لرموزٍ وأشكال وصُور ذات دلالات رمزية لموضوع الحب والغرام مثل: القلب، السّهم، قطرات الدّم. 

الصورة 2 و3 :"معادلة الحب" طاولة/قسم الّلغات

   

ويتجلى الشكل الثّالث في عبارات ذات تعبير صارخ عن الجنس، خاصّة بالمراحيض، مع تغييبٍ مقصود لاسم ولَقَبِ الـمُغَرْفِت(ة)، أو الـمُغَرْفَت بِه أو له، إذ نادرًا ما نجدهما مَعًا. وذلك لأن المضامين الجِنسانيّة في عديد الوحدات تكثّف خطاب فاضِح مباشر لا يلتزم بالحدود والقوانين والتَّوَقُفات (Les stops)، وسلطة مَعالِم (Les balises) التّوجيه الأخلاقيّة والاجتماعيّة الرّسمية، وتُجسِّد ما تسمّيه كاترين فيشر (Katrin Fischer) -في دراستها لغرافيتيا مراحيض طالبات جامعة بون (Bonn)- "الغرافيتيا المُبتَذَلَة الصّارِخَة" المرتبطة بالجنس والعاطفة والشَّتم للآخرين (Fischer, 2009) ، كمقابل للغرافيتيا  "المُهَذَّبَة الموضوعيّة" التّي تطرح مسائل عامّة للنّقاش، وتحترم كتابات الآخرين (Martin, 2009)، حيث نقرأ على نافذة بقسم الهندسة :

« la fille en université pour tout le monde love ».

وفي ذات السّياق نقرأ على واجهة باب مدخل جناح  إقامة جامعية العبارة التّالية:

« chercher le sex love par tous les moyens ».

ومن أبرز مميّزات هذه الكتابات التّغْييب المقَصود لاسم الفاعل (الاسم الكامل)، حيث افتعَل صفة المجهوليّة (L’anonymat)، فحضورَه بالغِياب المباشر والحضور غير المباشر لأناهُ الفردية، أمام هويته الـمَظْهَرِية أو الاسميّة. لأن الغرافيتيا يمكنها أن ترتقي إلى إستراتيجيّة إعلان حضور مُتميِّز، وفي ذات اللّحظة غياب بل تَغيِيبٌ مقصود، ذلك لأنّ الفاعل يَعِي جيِّدًا أنّ ما يعبر عنه يقع ضمن الممنوع والمرفوض من قِبل سلطة الرّقيب الجمعي، فَيَرْكَن لخيار تغييب اسمه، أو الحضور بجزءٍ من هويته الاسميّة (اسمه أو لقبه أو كُنيته).

فالموقف المتناقِض من الجنس مجتمعياً، وهَشاشَة التّربية الجنسيّة للطّالب(ـة)، وانتشار الرّهابات (Les phobies) نتيجة تراكم الكَبت المجتمعي، من مبررات الحضور المكثّف له غرافيتياً، حيث حالة الجفاف العاطفي حاضرة بقوّة، نتيجة غياب -بل تغييب- التّنشئة الاسْتِباقِيَة المقصودة حوله. رغم حضوره الملفت بل القوي في الحياة اليوميّة، يبقى يشكّل اضطراباً في المخيال الاجتماعي، ما يَصنَع وعيّاً مزيّفاً، فهو المرغوب والمرفوض في آنٍ واحد، هو الـمُتعَة الـمُرَادَة واللَّعْنَة الـمُساقَة، يُشكّل هاجِسًا قويًا يَـتَحَيَّن المناسبات والفُرص للظهور، فيُمْسِي قوّةً مُوجِهَةً ومُنتِجَةً لِنَماذج من التّصورات والمفاهيم والسّلوكات، تنتظر من يَجرُؤ على تجاوز خُطوطها الـمُفتَعَلَة التي ضَيَّقت حَيّز النّقاش حوله، بِحُجّة انتهاك المحظورات وضرورة احترام الحرمات.

غــــرافيـتــيا الاحــــــتـجـاج الطــّلابـــــــــــــي

يمكن التّعامل مع الغرافيتيا كأسلوب احتجاج مباشر يحاول البحث عن حلول لمشاكل واعتلالات وظيفية لم يبادر نسق المؤسّسة المقصودة بمعالجتها، أو أخفق في ذلك. حيث تندّد الغرافيتيا بذلك، بالتّشهير والقدح الرّافض للعَطب القائم، وبالكشف عن أمارات الاستبعاد والتّمييز وعدم المساواة القائمة. تراكمت الوحدات المعبّرة عن الاحتجاج ضدّ الظّروف المتأزّمة. ولأنّ الطّالب جزء من الكل، يؤثّر ويتأثّر بمحيطه المجتمعي، ونظرًا لعدم تَوافر قنوات وفضاءات للتّعبير الحر عـمّا يحدث أمامه، وما يشغله ويُؤَرِّقُه، ولِـما يأمَله، اِلتَجَأَ إلى الغرافيتيا كملاذ. فتعدّدت المضامين الـمُعبِّرَة عن الاحتجاج وفي بعض المحطّات السُّخط والتَّذَمُر على الواقع الـمُعاش في جوانبه الاقتصادية، الاجتماعيّة والأمنيّة.

الاحتجاج ضدّ الأوضاع المعيشيّة بالإقامات الجامعيّة

انتشرت غرافيتيا تضمّنت رفضا صارخا للأوضاع الاجتماعيّة السّائدة في الإقامات الجامعيّة، من تَسَيُّب وإهمال وفوضى عارِمة على مختلف المستويات: المأكل، المرقد، النّقل، المنحة، والأمن، فلا يكاد يمرّ يوم حتّى نقرأ عن احتجاجات -عنيفة  أحياناً- حول الأوضاع المزرية للطالب بالأحياء الجامعية. هذا ما لخصته عديد  الرّسائل، حيث نقرأ على  باب مطعم إقامة الإخوة علالي ذكور: "عذاب القبر للطلبة"، وعلى جدار رواق بإقامة بلميمون ذكور غَرفَت أحدهم:  "les internes c’est la famine "، أما على حاجز حديدي برواق المطعم المركزي فنقرأ: "donne-moi du pain ".

العـلاقات الـبـيداغـوجــيّة لـيــســـت على ما يُـــــرام

عَدَد مُهمّ من الوحدات عَبَّر من خلالها الطّالب عن اِمتعاضه واحتجاجه ورفضه لِـمَا يحدث بالفضاء الجامعي في جانبه البيداغوجي، خاصّة العلاقة "المعطوبة" بين الطّالب و الأستاذ، بوصفها علاقة بيداغوجية واجتماعية مضطربة.

 

الصورة  4 : "وصف أستاذة" طاولة/ قسم علم النفس

 

كما لخصت هذه المضامين في جزء منها تصوّره الشّامل لنظام التَدريس الجديد ل م د (LMD)، إذ تعكس في معظمها الاحتجاج -مكتوب- على واقعه البيداغوجي المأزوم، بأسلوب يمتزج بالسُخرِيَة أحياناً، على نحو العبارتين المواليتين:

Lmd: lesse moi dormir مكرّرة على باب بقسم اللغات وقسم العلوم الاجتماعية. و" Les études ses des souffrances " على طاولة بقسم اللغات.إذ يمكن للطّالب أن يرتقي لـيتقمص دور الإنسان اللاّعب (Homo ludens) والمبدع، الذي يتلاعب بالكلمات والعبارات ليلخِّص نظرته للواقع القائم. ويُبَدِل ويُغَيِّرَ ويُحَوِّر الحروف والكلمات التي قد تُخِلُّ بسلامة (الكلمة، العبارة)، بُنيويّاً أو صرفيًّا أو أسلوبياً، كما تنص عليه القواعد -الرّسميّة- الـمُلَقَنَة. حيث نقرأ مثلا في العبارة التالية:  " Lmd غي خروطي" على سبورة مدرج.

الاحــــتــجـاج ضدّ الـــواقع الـمـجـتـمـــعي

يتجلّى ذلك من خلال كتابات عكست نَبرة احتجاج واضح على الأوضاع الاجتماعيّة التي يعيشها الطّالب -والفرد- الجزائري، والتي تعكس نظرة ضبابيّة للغد، خاصّة بعدما دخلت الجزائر "عالم الأشباح" كما يقول بختي بن عودة[8] بداية تسعينات القرن الماضي. وقد عبّر عن مشكلاته بهذا الشّكل للفت انتباه السّلطات، والرّغبة في محاورتها، بعد أن غابت/غُيِّبت قنوات الحوار المؤسّساتي. وهذا ما لخصته بعض الوحدات: كتب أحدهم على  طاولة بقسم الصّيدلة التساؤل التالي: "Ou va l’algerie "، في حين كتب طالب آخر  على مقعد بمحطة الحافلة:  "الشعب في الميزيرية واموالنا عند FMI". يعكس هذا الخطاب ضَــجَــــرا طـــــــــلاّبيا واسعا نتيجة الظّروف الاجتماعيّة وما أفرزته من عدم استقرار نفسي واجتماعي، ما ألجأَ الطالب للغرافيتيا كوسيلة للتَّخفيف من هذا الضَّجَر، وتناسي الواقع المتأزّم، والتّمَسّك بأحلام يَقظة ممكنَة. فَأمست الغرافيتيا كما تؤكّده جانيس ران (Janice Rahn) استراتيجيّة مناسبة لِنِسيَان الواقع الـمعاش (Rahn, 1999). ولأن الطّالب المُغَرفِت فاعل اجتماعي يتأثر ويؤثر في واقعه اليومي عكست الغرافيتيا معالم تَمَثُّلاتِه للوضع القائم، ذلك لأنّها نِتاج لطبيعة الظّروف السّوسيو اقتصادية والسّياسية والثّقافيّة. فكلمات"Merde" و"ouff" و"كَارْهِين" والقَنْطَة"...، صرخات تَختَزِل أصناف المعاناة الطّلابيّة. فالغرافيتيا مَهما كانت حامِلاتها تُجسِّد لنا صُوَر الاحتجاج الفردي أو الجماعي على الظّروف الـمَعاشة (Bilodeau, 1996, p. 8).

غرافيتيا التّقييم الذّاتي (أنا أُغَرفِت إذاً أنا مَوجود)

نوع آخر من أنواع الغرافيتيا استطاع أن يفرض مَتنَه ضمن تراتبية المضامين نظرًا  للمساحة التي اِحتلها، ومنه الثّقل والقلق اللّذان يكوّنانه في المنظومة القيميّة الطّلابيّة، وأهميتيه في الهابيتوس الطّلاّبي، الغرض العام من وراءه محاولة إثبات الذّات/الأنا، أي إثبات الوجود الفردي أو الجماعي أو إثباتهما معاً، وفق مبدأ "أنا أغَرفِت إذن أنا مَوجود (Je tague/graffe donc j’existe). فالكتابة المتكرّرة للاسم أو اللقب أو الكُنيَة (التَّاغ Tag كما يُسمىّ في أدبيات الموضوع) تحمل معنى صَرَخات الطّالب ضمنيًّا: أنا هنا، أنا موجود، رغماً عن كلّ شيء، ورغماً عن كلّ شخص، فإثبات الذّات والتّعبير عنها يحتل جزءاً معتبرًا من المساحات بكتابة الاسم أو ضمير المتكلم "أنا" "Je" و"Moi". وذلك من خلال ترك أَثَر للآخر، الدّاخلي (الطالب، الأستاذ، أيّ عامل بالفضاء الجامعي)، والخارجي (المسؤول والأولياء، وكل من لهم سلطة عليه)، حيث طلب أحدهم  على سبّورة  بقسم الرياضيات: " un peut de respect SVP".  

وكنتيجة لثقافة التّهميش -الـمُعَششَة- في نمط التنشئة المهيمِن، الرّسمي وغير الرّسمي، التَجأ الطالب للفعل الغرافيتي للتّعبير وللرّد على هذا النمط وخلق تقدير ذاتي (فردي وجماعاتي). وقد صرخ أحدهم على جدار إقامة جامعية:   "OH JE SUIS LA" وأردف بجانبه طالب آخر "VIVE MOI SEC".

فالغرافيتيا وسيلة فعّالة لإعادة امتلاك الذّات التي من خلالها تتشكّل الهوية الذّاتيّة (Benveniste, 1975, p. 260). وفي ذات السّياق يؤكد دونيس بيراني (Denise Pirani) أنّ الغرافيتيا في عصرنا هيمنت عليها مجموعات الأقليّات الـمُهَمَّشة -في المجتمع البرازيلي- للتّعبير عن خصائص تواجدها وتحقيق كينونتها، فيصف هوية هؤلاء الممارسين مردفًا: "إنّ هوية من يُقْبِل على الغرافيتي، عبارة عن هوية تُعاني من الاضطهاد. شبابٌ اِستثمر الغرافيتي للانتفاض ضدّ وضعه المعيش، لاِفتقاده فضاءات التّعبير الحر" (Pirani, 1994, p. 82). شبابٌ وصفه أحد السّياسيين الجزائريين -بنوع من الازدراء- "بأنّهم مخلوقات بشرية لا اِرتباط لهم بأيِّ جماعة اجتماعيّة، غير مُكترثين بما يجري حولهم" (El Aidi, 1995, p. 9).

يحدث ذلك لأنّ سُلطة الفعل الغرافيتي تَتّضِحُ من خلال قُدرتها على استنطاق الأصوات الصَّامِتة وإسماعها للآخر، لتكون صَوت من لا صوتَ له. وملاذاً للطّالب لإسماع صوته بطريقة مباشرة موُتَميِّزة. وإعادة الاعتبار والتّقدير لـلأنا الفردي المحتقَر، محاولاً تحقيق ما يسمّيه راوول هوميرو فيلا (Raúl Homero Villa) بإعادة الاعتبار لـلأنا الـمُضطَهَد نتيجة تسلّط الآخر الـمُهَيمِن (Villa, 2000). بدءً بما يعتَمل في الوسط الأسري من هيمنة للسّلطة الأبويّة -بمعناها التَّسلّطي-، ومرورًا بطبيعة العلاقات الاجتماعيّة بالوسط التّعليمي في أطواره المختلفة، ووصولا لباقي الفضاءات. وما تكرّسه من "تَدجينٌ اجتماعيٌّ" قد يخلق ثورة مضادّة، مباشرة أو غير مباشرة. فالغرافيتيا بالنّسبة لـفرانكل بياطريس (Béatrice Fraenkel) وسيلة فَعَّالة لإعادة تحديد المكانة الاجتماعيّة والسّياسيّة للفاعل داخل مجتمعه، ذلك لأنّها مرتبطة بالتّغير الاجتماعي لهذا المجتمع (Fraenkel, 2003, p. 141-142). 

غرافيتيا الصّراع

رغم المحاولات الحثيثة والأهداف الـمُعلَنَة ضمن المقررات التّعليمية للحدّ والتّخفيف من علاقات الصّراع بين الأفراد والجماعات، وتعويضها بقيم العيش المشترك والاحترام، إلاّ أنّ عديد المضامين كشفت عن نمط من العلاقات 'غير محبّذ' جاءت في ثلاثة أبعاد، أبرزها:

الصِّراع الجِيلي

عكست عديد المضامين مدى الاختلال العَلائقي/العَلاقاتي بين الأجيال، خاصّة اِتّجاه الأب (رمز السّلطة بأشكالها الرّسميّة وغير الرّسميّة)، وما ينوب عنه في مؤسّسات التَّنشئَة: الأستاذ، المسؤول..، حيث نقرأ على حافّة طاولة بقسم العلوم الاجتماعية التّصريح التّالي "PA/ PA  I hate you"، في حين افتقد آخر  أمه متسائلا:

الصورة 5:"مساءلة الأم؟؟؟" طاولة/ قسم الانجليزية

أضحت الفجوة الجيليّة في اتّساع دائم، خاصة وأنّها من أهم أسباب تفكّك المجتمعات، فعدم تجسيد علاقات إيجابيّة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وعدم رضى أيّ جيل عن الآخر أوجد علاقات صراع بين الجيلين، جيل محافظ في سمته العامة، ومتمسّك -إلى حدٍّ ما- بالموروث والتّقاليد والقوالب التي نشأ عليها، وجيل تَرَعرَع في ظل اِنفتاح اجتماعيّ وثقافيّ مُعَولَم ومُرَقمَن.  وضعيّة علائقية مضطّربة جعلت الطّالب(ة) ينحو لنسج علاقات خاصّة، وتشكّيل هوية جماعاتيّة مؤقّتة ومتغيّرة حسب توصيف ألان فيلبو(Alain Vulbeau). فَيَمِيل لأتْرَابِهِ دون آبائه -وما ناب عنهم- قصد إعادة الاعتبار للأنا الفردي الـمُحتَقَر أمام تسلّط الخطاب الـمُهَيمِن الذي يتجاهل خصوصيّات هذه الأنا (Monnet, 2001). وتحقيق ما يسمّيه ميشال مافيزولي  (Michel Maffesoli) بـالنَرجسيّة الجماعيّة التي هي في واقع الأمر تجسيدً للنّرجسية الفردية (Maffesoli, 2011).  ولعلّ هذا ما يقصده جون بيار ألبار (Jean Pierre Albert) بقوله "إنّ أيّة ممارسة للتّشهير أو الإعلام عن فكرةٍ ما لأشياء محددّة، أواني، ألبسة، سيّارات، تهدف لتذكير الآخرين بوجوده وبهويته، معبّرًا أو محاولاً التّعبير عن اختياراته الأخلاقيّة أو الجماليّة" (Albert, 1993, p. 259).

الصِّراع الجهوي/ المناطقي

عكس الأهداف التعليمية المسطرة (برامج التّربية المدنيّة والاسلامية مثلا)، والتي  تطمح إلى تجسيد علاقات المواطنة والتّشارك الإيجابي والفعّال بين مختلف الأفراد، فإن الوحدات الغرافيتية تحيلنا إلى مدى الخلل الكامن في العلاقات الاجتماعيّة المرتبطة بالعيش المشترك، إذ يعكس وجود علاقات "تقليدية" تقدّس وتتعصّب للأنا المناطقي (القبيلة، العرش، الجهة، المنطقة) على حساب التّعايش الإيجابي، وقد تجلى ذلك من خلال وحدات تعلي وتتفاخر وتتعصّب للعرش، المنطقة...، في مقابل وذم وسبّ والقدح في الجهة الأخرى، فنجد مثلا: "تحيا مغنية كونْطرا على ناس تلمسان" على  خلفية باب قاعة التدريس/ قسم اللغات، وفي ذات السّياق لخص  طالب العلاقة بين "عين الصفراء ≠ النعامة" على عمود بقسم التاريخ، أما آخر فَغَرفَت  "كلاونا العرب vive les kabiles" على عمود بقسم الحقوق.

جسدت بعض الغرافيتيا شكل من أشكال من "التّفاعل الغرافِيتي" -إن صحت التّسمية- غير المباشر بين الفاعلين، حيث يعلّق كلّ طرف على ما كَتَبه الآخر، لتشكّل ما تسمّيه كلار غينشا (Claire Guinchat) بغرافيتيا رُدُودَ الفِعل (Les graffitis réactifs) (Guinchat, 2003, p. 31). حيث تتموقع الغرافيتيا كاِستراتيجيّة فعّالة لإعادة تعريف العلاقات بين الأنا والآخر، الخاص والعام، ليس كما خطّط له المنهاج الرّسمي المعلَن والخَفيّ، وإنّما وفق مخلّفات مترسبة في مخيال المجتمع.

غرافيتيا الحلم بالهجرة نحو الضّفة الأخرى

كشفت المضامين درجات التَّذمُّر من الواقع الـمعيش بكل أبعاده، حيث العدالة الاجتماعيّة مضطّربة، والتوق لمِا وراء البحر، توقٌ لـلـهُناكَ المنشود والمرغوب بقوّة، يتنوّع ذلك بين الإفصاح المباشر بالرّغبة الملحّة في الحَرْڤَة، وتكرار أسماء البلدان المأمولة، خاصّة الأوروبيّة منها: فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، والأمريكيّة: كندا وأمريكا، مع تذييلها بالتَّبجِيلِ والتَّعظيم والتَّمني، على نحو: تحيا، Vive، إنشاء الله، برَبِّي..، مجسّدة -ولو بغير قصد- مبدأ الآخر الـمُؤَسطَر والأنا المدَنَّس، حيث تنتشر كلمة "الحَرْڤَة" واسعاً في التعبيرات اللّغوية للشّباب، وتعبّر عن أحلام الطّالب الـمُتَعَطِّش لتغيير أوضاعه اليوميّة، وبلوغ الفردوس-الوهمي- الـمَنشُود، لتحقيق حِراك اجتماعي محترم. وللحَرْڤَة مرادفات في القاموس الشّبابي منها "الهَدَّة" و"الهَرْبَة" و"التَفْحَاتْ". وهذا ما تعبّر عنه الوحدات التالية:

"CANADA " or " USA " or "Germany" على مكتب بشعبة الأنثروبولوجيا، و"..الهدّة .. تحيا.. الهدّة" على باب مرحاض بقسم العلوم التجارية.

الـمُغنـّي(ـة) سَفيـرٌ فوق العادة

تعتبر الموسيقى بألوانها وأسمائها وسيلة فعّالة لاِمتداح أو اِنتقاد الأوضاع الاجتماعيّة والثّقافيّة والسّياسيّة والتّعليميّة، ما رشّحها لتكتسب ميزة مُتفَرِّدَة تفتقر إليها باقي الأساليب التَّبليغيّة الأخرى المتعارف عليها رسميّاً. كما يؤكّد مينيو باتريك (Mignon Patrik) أنّها أوّل منتوج اِستهلاكي يُوَزَّع على الشّباب (Marty & Patrik, 1999, p. 20-23)، غرافيتياً تجلّت مكانة الموسيقى عبر المضامين التي كشفت عن مدى التعلّق بهذه الفئة (المغنّيين)، خاصّة في طابع الرّاي العاطفي والاجتماعي. إذ تمكّنوا من كَسر حاجز الصّمت، والجهر بموضوعات ممنوعة ومسكوت عنها، ما جعلها مؤشّر للمعاناة العاطفيّة والاجتماعيّة التي يعيشها هؤلاء. ورَشّح رَاي الشّباب -حسب "حاج سليمان إبراهيم"- ليكون سَفيرا ثقافيّا مُخْلِّصا للشّعب الجزائري في جوانب عِدَّة، بدءً باللّغة الـمُستخدَمة في توصيل المقصود، ووصولاً للجوهر، أيّ بحفظ اللّهجات المحـليّة، والتي بدورها تعتبر الأرشيف الذي يحفظ القيم الثّقافيّة المحليّة، إنّه السَّفير الأكثر تَوَدُدًا ووَفاءً للجزائريين (Brahim, 2000, p. 284)، وهو ما تعكسه النّماذج التالية "عز   الدين الشلفي= شُوْفْ الحُڤْرَة شُوفْ". مدخل جناح /A إقامة البشير الإبراهيمي، وعبارة "HASNI/LOTFI/AMIN "chanter sentimentale " على طاولة بقسم الأدب العربي.

ارتقى المغنّي(ـة) غرافيتيًا لمرتبة ودور النّاطق الرّسمي باِسم الطالب، أمام سُلطة مجتمع يُضاعِف أمامه إشارات التَوَقُف (stop(s قبل وأثناء التّعبير عن مَكبُوتاته ومشاكله. فناب عنه باكتساب مَلَكَة التّعبير المجاهر عن هُمومه وآماله، فَتارةً يَتَقَمَّص دور "النَّقابيّ الـمَهمُوم" بمشاكله، وتارةً يُقاسَمة أحلامه وآماله المنشودَة باستخدام مفردات معينة. فرغم محاولات النّظام التّعليمي دعوة الطّالب من خلال المقرَّرات الـمُعلَنَة رسميّا لتجذير واِستبطان شخصيّات ومشاهير النّضال المجتمعي من رُوّاد المقاومة إلى رموز ثورة المليون ونصف المليون شهيد، من أمثال (الأمير عبد القادر، فرانس فانون، جميلة بوحيرد، العربي بن مهيدي...إلخ). وتقديمهم كأُسوة حَسنَة يُحتذَى بها في السّراء والضّراء، رغم ذلك فإنّ المضامين الغرافيتية كشفت عن حضور واسع لنجوم (Stars ) جُدُد.

كرة القدم : "أَفيــون" الطّلـــبة

تعتبر الرّياضة حسب تالكوت بارسونز (Talcott Parsons) مؤسسة اجتماعية مهمة، وصَمّام أمان للنّظام الاجتماعي (Loy & Booth, 2000).  تهدف للحفاظ على بقاء الجيل النّاشئ مُندمِجًا في ثقافة جِيل الكبار، من خلال تشكيل الوعي الرّياضي Sports consciousness)). غرافيتيًا كشفت عديد الوحدات ذات الـمَتن الرّياضي عن مدى تَتَيُّمِ الطّلبة المغرَفِتيِن (Les étudiants graffiteurs) بـكرة القدم، فإذا كان كارل ماركس (Karl Marx) قد وَصف الدّين بأنّه "أفيون الشّعوب"، فَكُرة القدم اليوم أضحت كذلك، فلم تعد لعبة جماعيّة للتّسليّة فقط كما روّجت له المقرّرات الدّراسيّة (الكرة جِلدٌ منفوخ يَنطُّ هنا وهناك).  فكرة القدم ليست رياضةً فقط، بل وِجهة نظر متميزة للحياة (Ehrenberg, 1991, p. 55).

إنّها تنشئة ثقافيّة قويّة الحضور، وشكل جديد لتجميع الأفراد والجماعات، واحتكاكهم المباشر، إذ تساهم غالباً في عمليّة تمتين الرّوابط الاجتماعيّة اتّجاه هدف محدّد، حيث تفرز أشكالا متميّزة من التّفاعل الاجتماعي، كـالتّضامن أو التّناحُر الذي لا يقوم على رابطة الدّم (العِرق)، وإنّما على علاقة جديدة نابعة من قيم الثّقافة الرّياضيّة (الكُرَوِيَة) -أو حول لعبة ما، ومنه حول فرد أو جماعة ما (لاعب، فريق)- اِستطاعت الإبداع في القيّم الرّياضيّة دون مراعاة الحدود السّياسيّة والقُطْرِية، حيث أضحت عالميّة الانتشار، لها أساطيرها ونجومها الذّين أَبهَرُوا الآلاف من الشّـباب. توزعت المضامين المعبّرة عن "Foot" بكتابة أسماء وألقاب وكُنى اللاّعبين النُّجوم، الذين شغلوا الوَرى ومَلأوا الدُّنا بمهاراتهم وشطحاتهم، وتَذيِيلِها بكلمات الاِعتزاز والتّقدير، وكذا أسماء وشعارات (Logos) الفِرق الرّياضيّة العالميّة والمحليّة، على نحو الوحدات التّاليّة:

الصورة 6 : جدار/ قسم الصيدلة « Real Madrid Vive » عمود /محطة حافلة/ مدخل الجامعة

 

ترأب كرة القدم التّصدّعات والانقسامات بين الأفراد والجماعات، وحتّى بين المجتمعات، بتخدير أفرادها وتزييف وعيهم، بإلهائهم عن القضايا الوجودية الأساسيّة رغم أهميتها، ويمكنها أن تُحدِث النّقيض، تهدم أواصر التّجاور والعيش المشترك. ولعل ظاهرة العنف بالملاعب التي تعرف انتشاراً ملفتاً أصدق برهان على ذلك، حيث تزيد المشاحنات والانقسامات، بل تُذكي الثّورات والحروب
(Koppers, 2011).

هذه أبرز المؤشّرات الغرافيتيّة التي نعتقد أنّها تعبّر عن اختلالات النّسق التعليمي الجزائري وقد حاولنا توضيحها.

خــــــاتمة

يمكن اعتبار الغرافيتيا الطّلابية ظاهرة سوسيوثقافية حُبْلَى بالدّلالات المتعدّدة المستويات (النّفسيّة، السّوسيولوجيّة، الانثروبولوجية، اللّغوية، اللسانية والخطابية.)، تُوحي بقدرة رمزية قويّة لدى الطّالب الـمُغَرِفِت (L’étudiant raffeur)، باعتباره فاعل اجتماعيّ (Acteur social) يُهَندِس بأسلوبه الخاص مخرجات المؤسّسة التّعليميّة ومن وراءها باقي المؤسّسات، بالتّعبير عن خصوصيّاته الثّقافيّة من خلال مضامين تعكس قيم وأفكار ومعايير مختلفة، ومؤشّرَة في أغلبها على اعتلالات وظيفية لفلسفات وسياسات مؤسّسات التّربية القائمة. فرغم تواجد الطّالب ضمن إكراهات فضاء عمومي(الجامعة)،إلاّ أنهّ استطاعُ أن يُخَوصِصَها غرافيتيّاً بعلاقة مباشرة رام من ورائها التّعبير عن آرائه وأفكاره وآماله، وبكلمة مجملة عن ثقافته الخاصّة التي هُمّشَت من طرف الثّقافة السّائدة. مضامينٌ مُؤَثِّثَة لثقافة متميّزة عن الثّقافة التعليميّة الرّسميّة، بل ومناقضة لها في أحايين كثيرة، لتعكس اختلالات وظيفيّة واضحة في تجسيد أهدافها الـمُعَلَنَة على مستوى الخطاب الـمُسَوَّق رسميّاً، وراء هكذا كتابات يختفي فاعل  يظهر للآخرين أنّه موجود اجتماعيّاً وثقافيًّا وفق مبدأ "أنا أُغَرفِت إذاً أنا مَوجود ( Je graffe donc je suis) ".

ونخلص إلى أنّ الغرافيتيا التّعليميّة (Les graffitis estudiantins) ليست ممارسة فردية خالصة، غير واعيّة وعَبَثٍيّة -كما تُرَوِّج له لغة الحسّ المشترك-، مُنفصلة عَمّا يُعتمَل في دهاليز الاجتماعي أو المؤسّساتي، بل نجدها ظاهرة تُضمِر خلفيّات ودوافع تختفي وَراء اِنْكِتابِها واِنتشارها بهذا الشكل الملحوظ والمثير عبر مختلف المكونات المجتمعية عامّة والتّعليميّة خاصّة، فثمّة دوافع وأسباب متداخلة، تَنفتح على النّفسي العميق، والتّربوي والسّوسيوسياسي والثّقافي المعقّد، ساهمت في اِستثارة الفعل الغرافيتي (L’acte graffitique)، ومنه بناء الواقعة الغرافيتيّة عامّة. ما يُلزم الباحثين بالتّقصّي وإشراك مختلف التّخصّصات لاِستِجلاء أوّليّات انتشارها، ودلالاتها الظّاهرَة والمضمرَة.

 

الهوامش 

[1]برزت ثلّة من الباحثين حاولت كشف أغوارها، نذكر على سبيل المثال لا الحصر (محمد إبراهيم و محمد طارق، 1991)، (محمد حمود، 1994)، (أحمد شراك،2004)، (فاطمة سعد الدين، 2005)، (كريم أوراس، 2009)، (سهيلة حداد، 2019).

[2] حول سياسات محاربة الغرافيتي انظر: باي بوعلام، قصور الاجتهادات العالمية للحدّ من ظاهرة الغرافيتي بالفضاءات الحضرية، مجلة العلوم الاجتماعية، المركز الديموقراطي العربي، العدد السادس، برلين، ألمانيا، 2018، ص.117-131.  

[3] للتفصيل أكثر انظر: باي بوعلام، فاعلية الغرافيتيا الثّورية في استنهاض الوعي الاجتماعي: غرافيتيا الثّورة الجزائرية نموذجًا، دورية كان التّاريخية، العدد 42، ديسمبر 2018، مصر، ص.204-2014.  

[4]  يعود اشتغالنا بالغرافيتيا لسنوات مضت، بداية بمذكرة الليسانس الموسومة بـ"الوظيفة الأخرى للطاولة التّعليمية"، جامعة وهران، 1998. ثمّ رسالة الماجستير الموسومة  بـ"الوجه الآخر للثّقافة الطّلابية من خلال الكتابات الغرافيتيّة"، جامعة تلمسان، 2007، ثمّ أطروحة الدكتوراه بعنوان: هوية الطالب الجامعي الجزائري من خلال الكتابات الغرافيتيّة، جامعة تلمسان نموذجًا، 2013. إضافة إلى بعض المداخلات والمقالات حول ذات  التيمة، كانت بدايتها بمقال: الوظيفة الأخرى للطاولة التّعليميّة: مقاربة سوسيولوجية لظاهرة الكتابات الغرافيتية، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، العدد السابع عشر،2012، ص.81-98.

[5] حول المقاربات المعتمدة في الغرافيتيا يمكن العودة لمقالنا: ظاهرة الممارسة الغرافيتية وإشكالية المقاربات المنهجية، محاولة ترصّد أبرز  المقاربات المعتمدة، عدد ربيع وصيف، مجلة الحوار الثقافي، جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم، الجزائر، 2015، ص. 103-108.

[6] الوحدة الغرافيتيّة: كلمة، جملة، رسم، رمز، صورة، ذات معنى مُحدّد وسهل القراءة، كَتَبَها/ رسَمَها الطّالب على دعامةٍ ما، مُستقلةً عن الوحدات الأخرى.

[7] التَّحْرَاز: عملية النَقل (Le copiage) الجُزئي أو الكُلي للمَعلومات التي يحتاجها الطّالب للإجابة في الامتحانات، بهدف النّجاح في المقياس، يتموضع على وَسائِط مُتعدِّدة، بعضها يُهندِسُ الفضاء الجامعي (الطاولة، الجدار، العمود، الكرسي،..)، والآخر جزءٌ من جِسمِ وهِندام المُمْتَحَن (اليد، الذّراع، الفَخِذ،..).

[8] بختي بن عودة 1995-1961، مفكر وكاتب، ناقد وشاعر، مات "مغدوراً". اهتم بعديد القضايا الجوهرية للمجتمع الجزائري، وفق مقاربات متعددة، فلسفية وسوسسيولوجية، خاصة بعد أحداث أكتوبر 1988، حيث فكّك عديد الإشكالات  الأساسية، كالهوية، الحداثة وأعطابها، الوعي، الكتابة، فلسفة الاختلاف، نشر أفكاره في العديد من الجرائد الجزائرية والعربية. من أهم مؤلفاته ``رنين الحداثة`` 1999، ومن أشهر مقولاته: "الجزائر هي البلد الوحيد الذي تعود إليه نفس المشكلات".

 

المراجع

شربل، موريس. (2011). ظاهرة الغش في الامتحانات. تاريخ الاسترداد 23. 1. 2012، المركز التربوي للبحوث والإنماء CRDP: http://www.crdp.org/mag-description?id=8437

Albert, J. P. (1993). Etre soi: Ecriture ordinaire de l’identité. CHADRON M. & F. DE SINGLY (dir.), Identité, lecture, écriture. Paris : Éditions du Centre Georges Pompidou.ed : BPI.

Austin, J. (2001). Taking the train :How graffiti art became an urban crisis in New York city. New York : Columbia University Press.

Beatrice, F. (2002). Les Écrits de septembre New York 2001. Paris : Textuel.

Benveniste, E. (1975). Problèmes de linguistique générale. Paris : Gallimard.

Bilodeau, D. (1996). Les murs de la ville: Les graffitis de Montréal. Montréal : Liber.

Brahim, H. S. (2000). Algérie, histoire, société et culture (Ouvrage collectif). Alger : CASBAH Edition.

Brassai. (1993). Que sa température monte, le mur se couvre de graffiti, Graffiti. Paris: Flammarion.

Cresswell, T. (1996). In place out of place: Geography, ideology, and transgression. U.S.A: The University of Minnesota Press.

Dear, M., Leclerc, G., & Villa, R. (1999). Urban latino cultures. SAGE Publications.

Dundes, A. (1965). Here I Sit - A Study of American Latrinalia. Kroeber Anthropological Society Papers, 34, p. 91-105.

Ehrenberg, A. (1991). Le culte de la performance. Paris : Calmann-Lévy.

El Aidi, A. (1995). Jeunesse en Algérie, représentations et enjeux. Inédit.

Erlich, V., & Lucciardi, J. (2004). Le rapport à l’écrit des étudiants de première année d’université. (SPIRALE, Éd.) Revue de Recherches en Éducation, (33), p. 113-126.

Fischer, K. (2009). Laute wände an stillen orten. klo-graffiti als kommunikationsphänomen. Deutscher Wissenschafts-Verlag (DWV) Baden-Baden.

Fraenkel, B. (2003). Les écrits de septembre. Bulletin des bibliothèques de France (BBF), n°1, p.141-142.

George, R. R., & Lorraine, W. (1974). Encyclopedia of Graffiti. New York : Macmillan.

Guinchat, C. (2003). La vie graffiti. (CNRS, Éd.) CAES magazine (n°67), p. 28.31.

Kuper, S. (2011). "Football against the enemy. Pub : Orion.

Loy, J. W., & Booth, D. (2000). Chapter 1: Functionalism, Sport and Society. In: Jay J.C, & Dunning, E, Handbook of sports studies. London: SAGE, Publications Ltd, pp.8-27. http://dx.doi.org/10.4135/9781848608382.n1. Consulté le 2 .12. 2013.

Maffesoli, M. (2011). Sociologie: Considérations sur un faux. sur Du Tribalisme: http://www.michelmaffesoli.org/articles/du-tribalisme. Consulté
le 8. 22.2011.

Marc, J. S., & John, F. D. (1984). Reading between the lines: Personality correlates of graffiti writing. (H. N. Colgate University, Éd.) Perceptual and Motor Skills, vol. 59(2), p. 395-398.

Martin, M. (2009). German student gest degree in latrine literature. Retrieved 9.7.2014. from http: www.du-world.de/dw/article/0..4540624,00htm

Marty, P., Patrik, M. (1999, janvier). La musique forme la jeunesse. ANIM’ Magazine, (45), p. 20.23.

Milon, A. (1999). L'étranger dans la ville - Du rap au graff mural. Coll. Sociologie d'aujourd'hui, Paris : PUF.

Monnet, J. (2001). Espaces et cultures à Los Angeles. A propos de quatre ouvrages récents concernant les “Latinos". (d. l. Revue: Cybergeo: European Journal of Geography, Producteur). http://cybergeo.revues.org/932. Consulté
le 11. 3.2013

Ouaras, K. (2015). L’espace urbain algérois à l’épreuve de ses graffiti. L’Année du Maghreb, 12, pp.157-179. Récupéré sur http://journals.openedition.org/anneemaghreb /2431

Pierres, P. (2010). Photograffi(ti)es d’expressions murales. Collectif des 12 Singes,vol 1. URI:http://collectif12singes.over-blog.com/article-communique-de-presse-photograffi-ti-es-d-expressions-murales-pierres-philosophales-volum. Consulté le 5.22. 2012

Pirani, D. (1994)."Transition démocratique et culture urbaine au Brésil: Le phénomène du graffiti', Cahiers du Brésil Contemporain. URI: http://www.revues.msh-paris.Fr/ vern umpub/02-4-Pirani.pdf . Consulté le 12.3.2011

Rahn, J. (1999). Motivation in Hip-Hop graffiti culture: A site of tension between individual desire, peer influence and community space. (C. University, Ed.) CANADA. Retrieved from Motivation in Hip-Hop Graffiti Culture: A Site of tension between individual desire, peer influence and community space. http://people.uleth.ca/~janice.rahn/articles/hip-hop_graf.pdf. consulted 1.7.2010

Riout, D. & al. (1990). Le livre du Graffiti. Paris : édition Alternatives.

Villa, R.-H. (2000). Barrio-Logos space and place in urban chicano literature and culture. Universty of Texas press Austin.

Vulbeau, A. (1992). Les tags, spectre de la jeunesse: Histoire d'une nouvelle pratique urbaine. Les Annales de la recherche, (54), p. 60-61.

___________________

مصدر الصور

© بوعلام باي،2010

 

 


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche