سلسلة لقاءات "المدينة وكتّابها". وهران ملتقى أجيال الكتابة تجارب وكتابات متقاطعة وهران، الكراسك، 03 مارس 2020


إنسانيات عدد 92، أفريل – جوان 2021، ص. 55-59



ضمن نشاطات قسم البحث: المخيال والسّيرورة الاجتماعية تمّ بعث برنامج البحث الموسوم بـ"المدينة وكتّابها"، والذي يهدف إلى جمع تجارب ومسارات كتّاب وروائيين ومسرحيين وشعراء وإعلاميين تجمعهم مدينة واحدة، إذ يقدِّم هؤلاء الكتّاب -في كلّ لقاء- تجربتهم في هذه المدينة، وتقاطع كتاباتهم مع فضائها الذي كتبوا فيه وعنه. يطمح القائمون على هذا النشاط إلى مراكمة مجموعة من المسارات والخطابات الإبداعية التي يمكنها أن تبني وتؤسّس لمواد بحث أنثروبولوجي يعكس تقاطع فضاء "المدينة"مع "الكتابة"، ما يسمح باستقراء تأثير الفضاء في مسار الكاتب وفكره وأساليبه واختياراته الفنية، وفي مضامين نصوصه، من خلال مساءلة رؤية الكاتب إلى مدينته وتأثّره بها والسياقات التي وضعها فيها.

وفي إطار هذا البرنامج البحثي نظم يوم الثلاثاء 03 مارس 2020 م أوّل لقاء حول مدينة وهران بعنوان: "وهران ملتقى أجيال الكتابة: تجارب وكتابات متقاطعة"، أشرف على تنظيم اللقاء الباحثين بوغنجور فوزية وشرنوحي أحمد، وشهد مشاركة كلّا من الروائيين عمارة لخوص، بوزيان بن عاشور، أكرم الكبير والشاعرة خيرة حمر العين.

تركّز الاهتمام من خلال اختيار المتدخلين على البحث في حقول دلالية مختلفة تفرزها الكتابة في تقاطعها مع فضاءات المدينة، وتناولها من جهة لتيمات: الذاكرة، التاريخ، الفضاءات الشعبية، الحيز الحضري، تماس المدينة مع محيطها البدوي/الريفي، الخصوصية الثقافية والبنى الفكرية في المدينة، العلاقات الاجتماعية وتأثرها وتأثيرها في فضاءات أخرى (الريف/الدشرة/الأحياء الشعبية)، حضور الفن في المدينة (المؤسّسات الثقافية والفنية/سلوكيات الأفراد)، الشخوص الإبداعية وتقاطعها/أو تصادمها مع الواقع. ومن جهة أخرى تأثيرها في أساليب الكتابة: الواقعية، الترميزية، السريالية، الكاريكاتورية الساخرة...إلخ، حيث شكّلت هذه الأسئلة حقول بحث تتمحور حول موضوعة "مدينة وهران" وحضورها في أعمال الكتّاب المشاركين الذين تنوعت تجاربهم الإبداعية في: الرّواية، الشعر، المسرح، الكتابة الصحفية.

توزعت مداخلات المشاركين على جلستين، حيث استُهل اللّقاء بمداخلة الروائي عمارة لخوص حول "المدينة والهوية والرواية"، فانطلاقا من خلفية تكوينه الأكاديمي في الفلسفة والأنثروبولوجيا، وإقامته لسنوات عديدة في مدن مختلفة: الجزائر العاصمة، روما، نيويورك، وهران، أثار عمارة لخوص مجموعة من الأسئلة العميقة التي تتفتّح جميعها كحقول بحث أنثروبولوجي انطلقت من تأثير انتقاله بين مدن مختلفة وما يتيحه ذلك من إمكانيات الملاحظة، وكذا تنويعه في لغة الكتابة بين العربية والإيطالية، وقدّم مدنا مختلفة في كتاباته فكانت روما مسرحا لروايته "كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك" 2003، وكتب روايته الأخيرة "طير الليل" 2019 عن مدينة وهران، حيث تأثّث السرد بشكل ملفت بذاكرة وأسماء الأحياء المختلفة في وهران. عمارة لخوص فتح النقاش حول حدود المدينة والريف، وزحف الريف إلى عوالم المدينة وفضاءاتها وسلوكات أفرادها ليخلق فضاءً ملتبسا لا ينتمي لا إلى المدينة ولا إلى الريف، وطرح سؤالا مركزيا عن صورة المدينة مستقبلا، وكيف ستتشكّل في سياق التباسها حضاريا وثقافيا واجتماعيا بالحيز الريفي والضواحي.

أمّا الروائي والصحفي أكرم الكبير فقدّم في مداخلته: "وهران: مجرد ديكور أم شخص مكتمل "، سردا عن شخوص نصوصه الروائية وكيف شكلت المدينة شخصية رئيسة في أعماله، كما عرض لمجموع العلاقات الاجتماعية التي رصدها ضمن فضاءات مختلفة من أحياء مدينة وهران لا سيما منها الأحياء الجديدة، وأشار إلى تنويعه في أساليب الكتابة وتوسّله للكتابة السّاخرة في بعض نصوصه مثل رواية "Au secours Morphée !" 2018. أكرم الكبير تناول أيضا موضوع "الحرقة" والارتحال بين المدن، حيث شكلت مدينة عين الترك في رواية "les fleuves impassibles" 2019 فضاء انطلاق "الحراقة" نحو الضفة الأخرى حيث الحلم بالأفضل.

الروائي بوزيان بن عاشور قدّم مساره من خلال مداخلته باللغة الفرنسية: الرواية والمسرح، أماكن التلاقي واللغة المستعملة في النوعين الأدبيين في أعمال بوزيان بن عاشور،حيث تحدّث عن تجربته في الكتابة الروائية والمسرحية وتنوّع اللغة التي كتب بها نصوصه، إذ اختار اللّغة الفرنسية لنصوصه الروائية، واختار العربية العاميّة لنصوصه المسرحية، وأيضا لبعض عناوين رواياته:
 ,« Hogra » 2005 « Sabrinel » 2018، إضافة إلى غِنى مساره الذي تعكسه ممارسته للصحافة كتابة وإدارة على مدار ثلاثين سنة. رصد بوزيان بن عاشور حضور مدينة وهران في نصوصه الروائية والمسرحية وركّز على ذاكرته المتعالقة مع الفضاء الحضاري لوهران المدينة المتخيّلة في ذاكرة بوزيان الطفل، ولحظات اكتشافه لمدينة وهران من خلال السينما، الحدائق، وسط المدينة، كونه نشأ في "كوشة الجير" التي كانت حينها ضمن الضواحي. وقد عكس هذا السياق صورة وهران التي تمدّدت عمرانيا لتشمل فضاءات كثيرة، وقد تقاطعت مداخلة بوزيان بن عاشور بما أشار إليه عمارة لخوص قبلا: التباس حدود الفضاءين المديني والريفي، وفي هذا السياق حملت مداخلته زخما من الذاكرة الطوبونيمية لمدينة وهران، وخارطة أسماء الأماكن: الغزوات، كوشة الجير، راس العين، المدينة الجديدة، سينما مرجاجو...إلخ.

وفي المداخلة الأخيرة حكت الشّاعرة والأكاديمية خيرة حمر العين في عرضها الموسوم بـــ:"تجليات مدينة وهران في تجربتي الشعرية" عن تجربة انتقالها من مدينة تيارت مسقط رأسها إلى مدينة وهران حيث درست وتكوّنت. الشاعرة وانطلاقا من تخصّصها الأكاديمي في النقد الأدبي المعاصر عرضت قراءة نقدية تحليلية لتجربتها الشعرية، حيث أعادت رسم تجربة ارتحالها من مدينة طفولتها إلى مدينة أخرى، حيث مثّل البحر فضاءً واقعيا يميّز مدينة الإقامة/وهران عن مدينة النشأة/تيارت، وفضاء رمزيا للانفعالات التي عبّرت عنها الشاعرة بـ"الصّدمة"، التي شكلّت أيقونة في نصوصها الشعرية، كما رصدت خيرة حمر العين محطّات تطوّر وعيها بحدود المدينة، وانعكاس ذلك على تطوّر تجربتها الشعرية والوجدانية. وقدّمت قراءة في رمزية مقاطع مختلفة من دواوينها الشعرية: "أكوام الجمر" 1996- "لم نشتهي قمرا" 2001.

واختم اللقاء بنقاش معمّق تركّزت فيه الأسئلة حول علاقة الرواية بالسينما ومساهمة هذه الأخيرة في الترويج السياحي للمدن، كما أثارت تجربة الكاتبين أكرم الكبير وعمارة لخوص الذي مثّل شاهدا على الثقافة والمجتمع الإيطالي العديد من الأسئلة حول قضية ارتباط الأدب بالتأريخ ونقل الواقع، وهو ما جرّ الحديث نحو طرح إشكالية الحدود بين الواقعي والمتخيل في الأدب عموما وفي الرواية بشكل خاص. النقاش أثرى الحديث عن وهران القديمة وذاكرة الوهرانيين عن مدينتهم، والتباس صورتها اليوم بين كونها مدينة متوسطية تترشح لتمثل عاصمة ثقافية للجزائر، وبين التوسع العمراني العشوائي والتباس الحركية والوعي الثقافي في المدينة وضواحيها.

فوزية بوغنجور

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche