البيئة السكنية في المدينة الصحراوية، بين الممارسات الاجتماعية والتشريعات العمرانية حي المخادمة -مدينة ورڨلة-


وحيد ساعد سعود : Université de Batna 01 Hadj Lakhder, Institut d'architecture et d'urbanisme, Laboratoire de l’enfant, ville et environnement (LEVE), Route de:  Biskra, Batna 05 000, Algérie  

بلقاسم الذيب : Université de Batna 01 Hadj Lakhder, Institut d'architecture et d'urbanisme, Laboratoire de l’enfant, ville et environnement (LEVE), Route de Biskra, Batna 05 000, Algérie.

حمزة بشيري: Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.


Télécharger le PDF


حاولت التشريعات المنظمة لتخطيط المدن وتطورها مواكبة الحاجات المتنامية والتغيرات التي عرفها المجتمع، وسعت مع كل نظام تشريعي إلى الحفاظ على نمط عمراني يتماشى مع هذه التغيرات بهدف ضبطها والتحكم فيها. غير أنّ ذلك لم يكن كافيا، ولم يحقّق انسجاما مع النمط المعماري السائد في مراحل معينة، ولم تستطع الجهود المبذولة تحقيق الهدف، إذ لم تزل المدينة تعاني من تشوهات واختلالات أظهرت بوضوح مخالفتها للقوانين المعمول بها، ممّا استدعى التفكير في وضع تنظيمات أخرى تحد من هذه التشوهات داخل النسيج العمراني بشكل عام، والبنى السكنية على وجه الخصوصـ باعتبارها أساس تشكّل المدن.

أصبحت الجزائر اليوم تشكل مزيجا من الأنسجة الحضرية المتباينة، وخليطا من الثقافات المحلية، لعلّ أهمها الاحتلال الفرنسي الذي عمل على تفكيك العشائر وإقصاء النخب التقليدية (كوت، 2015، ص. 34)، إذ عانت مدن الجزائر بعد الاستقلال، وإلى اليوم، من تشوّهات عمرانية، وغياب التناسق، حيث تطبع واجهاتها حالة من اللاتجانس الحضري والوظيفي. وقد عمّق ذلك المدّ الحضري المتسارع الذي عرفته جلّ المدن، حيث شكلت مظاهر ترييف المدن، انتشار البناء الفوضوي على أطراف المدن، وكذا البنايات غير المكتملة، صورة نمطية تتكرّر في مختلف المدن، يضاف إلى ذلك نزوح السكان نحو تلك الحواضر، حيث ارتفع تعداد الساكنة، في الفترة الممتدة بين 1996 و2020، من 30% إلى 70 %، كلّ هذا يمثّل نتيجة لتظافر عدة عوامل: السياسات العامّة، العمران العشوائي، ساهمت مجتمعة في خلق هذه الوضعية (Belguidoum, 2021, p. 7).

تهتمّ هذه الدّراسة بحي المخادمة التي شهدت وتيرة نموّ حضري متسارع، تخلّلتها تحوّلات عديدة طرأت على نسيجها العمراني بمدينة ورقلة على مدى فترات تاريخية متعاقبة، بداية بقصرها العتيق، تليه المدينة الأوروبية التي شيدها الاحتلال الفرنسي، ثم عمليات توطين السكان الرُحّل التي استمرت إلى مرحلة الاستقلال، وكذا عمليات النزوح من الأرياف نحو المدن المجاورة وغيرها من مدن الشمال بحثا عن فرص للعمل والاستقرار. وقد ساهمت إلى حد كبير في ذلك السياسات العمومية التي اهتمّت بالمدينة الصحراوية القريبة من آبار النفط، ما هيأها لتكون محطة وصول للسكان في إطار الهجرة الداخلية، إضافة إلى استمرار عمليات توطين السكّان الرحّل من القبائل المعروفة، على غرار سعيد عتبة، بني ثور، الشعانبة، والمخادمة، وقد أثر ذلك بشكل كبير على البنية الاجتماعية للساكنة، وأحدث تحولاً في ممارسات المجتمع وتعامله مع الوسط العمراني، إذ انتشرت الكثير من المظاهر التي تبرز تمايزا في سلوكيات مختلف أطياف المجتمع داخل الوسط العمراني، حيث تعبّر في المجمل عن عادات وتقاليد متشابهة، ولكنها تحمل في تفاصيلها كثيرا من الاختلافات المرتبطة بتسيير المجال وتملكه، والتي تعكس سيادة منطق القرابة والانتماء.

يُلاحظ في الحالة المدروسة، حي المخادمة بمدينة ورڨلة، أن المجتمع المحلي سيَّر مجاله بطريقته استنادا إلى العادات، أو ما يعرف بالعرف السائد (عمارة وديدان، 2014، ص. 163)، ووفقا لنمط معيشته واحتياجات سكانه وإمكاناتهم، مما أدّى إلى عدم التأقلم مع النظم العمرانية والتشريع المعمول به، وقد أسهم في ذلك أيضا غياب الوعي بضرورة حماية الحي حاضرا ومستقبلا، ليس فقط من خلال الاهتمام بالمظاهر الجمالية المعمارية والعمرانية، ولكن حماية الحي من الاستغلال غير العقلاني للمجال السكني والمجال العام.

تُعدُّ القوانين والتشريعات أداة مؤثرة في ضبط البناء السكني والتحكم في تسييره، لما تفرضه من ضوابط ومعايير تنظم الفضاء المعماري والحضري، وتسعى للارتقاء بالمدينة ومساحاتها المتنوعة، كما أن للمجتمع دورا مفصليا في إنتاج السكن وتطويره، وفقا لنمط معيشته الذي ينتظر منه تحقيق حاجاته المختلفة والمتنامية، اعتمادا على الإمكانيات والموارد المتاحة، غير أن المشهد العام للسكن في مدينة ورقلة يعكس الهوّة الكبيرة بين التشريع الهادف لتنظيم المجال الذي يكفل حقوق الفرد والمجتمع، وبين النظم العمرانية التي فرضها المجتمع المحلي، ومارسها فعليا على مدار فترة طويلة من الزمن داخل النسيج القديم للمدينة.

إن واقع هذه الممارسات يؤكّد عدم تمكن التشريعات العمرانية الراهنة المنظّمة والمسيرَة لمدن الجزائر، على غرار مدينة ورڨلة، من ضبط النمو العمراني المتسارع في أحياء المدينة (حالة الدراسة)، وأنّها لم توفّق في خلق تفاعل إيجابي بين المستعمل والفضاء، داخل المسكن و خارجه، سواء ما يرتبط بجمالية المظهر العام للسّكن، أو ما يتعلق بتوجيه الفعل الاجتماعي.

وبُغية تناول هذه العناصر تركز دراستنا على التساؤل التّالي: هل عجز التشريع العمراني المعمول به، راهنا، عن مواكبة التسارع المتزايد في النمو الحضري للمجتمع المحلي، أم أن المجتمع تجاوزه وأسّس لفضائه السكني وفق نظم تتناسب وممارساته الاجتماعية والثقافية؟

تستثمر هذه المساهمة نتائج دراسة استطلاعية أجريت شهر أكتوبر سنة 2021، وتعمّقت من خلال دراسة ميدانية أجريت شهر ديسمبر سنة 2021، وشملت حي المخادمة وساكنته، والجوانب الهندسية والعمرانية، بهدف الوقوف على مدى توافق التشريعات والممارسات الاجتماعية. يستند البحث على فرضيتين، تنبني الفرضية الأولى على كون الوضع الرّاهن للتشوّه السكني بصورته الحالية هو نتاج ضعف المنظومة التشريعة وعجزها، فيما تنبني الفرضية الثانية على أنّ الوضعية السكنية الحالية في الحي إنّما هي نتيجة لممارسة اجتماعية أنتجتها ظروف اجتماعية ونمط معيشي عاجز عن الانضباط وفق التشريعات الموضوعة.

وقد اعتمدت الدراسة في مرحلتها الأولى على جانب نظري وصفي، ينطلق من تحديد المفاهيم الإجرائية والمصطلحات المعتمدة، وبناء مسرد يتتبع التطور التاريخي للتشريعات العمرانية، إضافة إلى إضاءة بنية المجتمع المحلي في حي المخادمة: نشأته، تاريخه، نمط معيشته وتطوّره.

أمّا المرحلة الثانية فتتناول مقاربة تحليلية تطبيقية، اعتمادا على تحليل نتائج المقابلات والاستبيان، وتركّز على التعريف بمدينة ورقلة، ودراسة حالة الحي وطبيعة المجتمع المحلي، إضافة إلى أنواع السكن المتواجد فيه: تقليدي وحديث، فردي وجماعي. بالإضافة إلى الوقوف على مدى تطبيق التشريعات المنظمة للعمران.

واستنادا إلى المنهجية المتبعة في هذا البحث تم تبني الأدوات المنهجية المتمثّلة فيما يلي:

  • الملاحظة، تمثلت في الزيارات المتعددة إلى الحي والمنطقة موضوع الدراسة، ما سمح لنا ببناء علاقات مع سكان الحي، والتحضير للمقابلات الموجهة أو نصف الموجهة التي تخصّ الفاعلين في الحي أفرادا وممثلي المؤسسات.
  • المحادثة أو المقابلة، وقد اعتمدنا هاتين الأداتين لجمع المعطيات والمعلومات من المبحوثين الذين تمّ تقسيمهم إلى فئتين: مجموعة من سكان الحي ( يقدر عددهم بــــ 12 رب أسرة)، وتمّ مراعاة جملة من المؤشّرات: السن، الجنس، المستوى الدراسي والحالة العائلية. والفئة الثّانية تتمثّل في مجموعة من الفاعلين في قطاع السكن على المستوى المحلّي من ممثلي الإدارات المحلية (يقدر عددهم بـ 06 إداريين محليين)، موزّعين بين مديرية السكن والمصالح التقنية لبلدية ورڨلة (APC, DUAC). تعتمد المقابلة في بنائها على أسئلة نصف موجهة تمسّ موضوع البحث، وتحاول بناء جملة المعطيات، ترتبط بالوضعية الاجتماعية الاقتصادية للعائلات، ومحاولة فهم وضعية السكن باعتباره رأسمال اجتماعي ثقافي، إضافة إلى محاولة فهم حالة السكن في ظل التشريعات المعمول بها. إذ يمكن لهذه المعطيات إظهار جملة من المتغيرّات المهمة في فهم الظاهرة المدروسة وتحليلها.
  • الاستبيان: تم توزيع استمارة الاستبيان خلال الفترة الممتدة من 01 إلى 27 ديسمبر 2021، وتمّ اختيار عيّنة حصصية موجّهة، مبلغ عدد الاستمارات الموزّعة 100 استمارة، وهي نسبة مقبولة تتناسب مع حجم الحيّ المدروس وعدد سكّانه البالغ ما يقارب 10.000 نسمة، كما يُبرّر العدد صعوبة الحصول على أراء الساكنة، كما أنّ البحث تركّز على استكمال الدراسة الكيفية المعتمدة عن طريق المقابلة، وقد تمكّنّا من جمع بيانات كمية حول السكان، وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مواقفهم وآرائهم حول بيئتهم السكنية المادية والوضعية القانونية لهذه السكنات، مما ساعدنا في تحليل علاقة المجتمع بالمجال الحضري. باعتبار النسب المحدّدة في الأشكال: 01، 02 و03 موزّعة وفق نظام حصص تمثيلية تتناسب مع توزيع السكان على كلّ قطاع، ونمط السكن الموجود داخل الحي (تقليدي، فردي، جماعي).

يمكن بداية ملاحظة قلّة البحوث التي تناولت مدينة ورڨلة التي تمثّل إرثا اجتماعيا ومجاليا عريقا، خاصّةً "حي المخادمة" الذي يحتلّ رقعة جغرافية لا يمكن تجاهلها ضمن إطار جغرافيا المدن الصحراوية، التي لا تزال تعاني من هشاشة وضع السكن فيها، ومخالفتها للتشريعات المنظمة للعمران المعمول بها، ومع ذلك لم تنل هذه المدينة نصيبها من البحث، وهو ما يحاول هذا المقال تحقيقه من خلال التركيز على وضعية السكن بين مقتضيات النظم التشريعية المنظمة للعمران، والممارسات الاجتماعية في مدينة ورڨلة. محاولين بذلك استدراك هذا النقص، وإعطاء صورة عن واقع السكن في واحدة من الفضاءات الصحراوية الشّاسعة التي شهدت تغيرّات سريعة.

مدينة ورڨلة: تحولات اجتماعية وإسقاطات على المجال

تُعدُّ مدينة ورڨلة، الواقعة جنوب شرق الجزائر، حاضرة من حواضر الصحراء الكبرى، تحدّث عنها ابن خلدون في "مقدّمته"، ووصفها الإدريسي (1166) بأنها "مدينة فيها قبائل مياسير وتجار أغنياء يتجولون من بلاد السودان إلى بلاد غانة" (طلحة، 2021، ص. 119)، وتحدّث عنها باساجي (ص. 119) (Passager, 1957, p 119). ودوبياف (Dubief, 1955) ودققا في وصف مناخها وتضاريسها ووضعها الاجتماعي والصحي. ويبقى قصرها العتيق شاهدا على إرث الثقافات التي تعاقبت على المدينة، وقدرتها على إقامة سكن يتأقلم مع وسط طبيعي قاس وبيئة قاحلة شديدة الحر. كما كان شاهدا على الثراء الثقافي والتنوع الفكري لسكان المدينة بمختلف مشاربهم. جميع هذه العوامل ساهمت بشكل فعّال في بلورة المعالم الحضارية والحضرية للمدينة التي شكلت تجمّعًا كبيرًا في الصحراء الجزائرية. ويظهر نسيجها الحضري اليوم كيف أنّها تشكّلت تاريخيا من القصر العتيق وأحياء رئيسية قديمة: حي بني ثور، حي الرويسات، حي سعيد عتبة وحي المخادمة (موضوع الدراسة)، إضافة إلى المدينة الأوروبية التي أنشأها كاربييه عند قدومه إلى ورڨلة بين سنتي 1926-1927 (Carbillet, Humbert, 1997, p. 38-57)، ومن ثمّة توسّعت إلى تفرعات عديدة: حيّ بوعامر، حيّ غربوز، حيّ غربوز وحيّ سكرة، وفي فترة حديثة نسبيا حي النصر.

عرفت ورڨلة من خلال تطورها التاريخي مراحل متباينة: مرحلة ما قبل الاستعمار ، مرحلة الاستعمار، ثم تلتها مرحلة الاستقلال. وقد شهدت هذه الأخيرة تباينا كبيرا في تطور المدينة في شقيها الحضري والاجتماعي، فبين سنوات 1960 إلى 1998 تضاعف عدد السكان 15 مرة، كما بلغ معدل النمو بها 3.8% بين سنوات 1987 و1998 (Belguidoum, 2002, p. 54)، ومردّ ذلك الهجرة الداخلية العكسية اتجاه مدن الجنوب عمومًا، وزيادة النشاط التجاري خلال هذه الفترة، وقد صاحب ذلك ارتفاع في نسبة توطين البدو (انخفاض نسبة البدو الرحل من سكان المدينة من 40% إلى 10% ما بين سنوات 1966 و1977) (Belguidoum, 2002, p. 58). وقُدّرت الزيادة السكانية في المدينة بين سنتي 1987 و1992 بـــ 20.7%، (Pillet, 1995, p. 214). ونُشيرُ هنا إلى تحوّل المجتمعات الريفية في هذا الفضاء من خلال انتشار العمران المتعدّد الأشكال، والذي يمكن أن يسمى تمدن جزئي. فالصحراء التي غالبًا ما يُعتقد أنها ثابتة صارت مكانا للتغيّر السريع. (Côte, 1998, p. 4).

يقع حيّ المخادمة في الناحية الغربية لقصر مدينة ورڨلة، على طول المدينة الجديدة، أو ما يعرف بالمدينة الأوروبية التي بنيت إبان فترة الاستعمار الفرنسي، إلى غاية نهاية حدود مدينة ورڨلة الغربية. يقطن به حوالي 18000 نسمة، حسب إحصائيات الديوان الوطني للإحصاء لسنة 2008، به حوالي 3997 مسكنا حسب ذات المصدر، رغم التضارب في الإحصائيات، التي غالبا ما تُلحقه بأحياء أخرى على غرار حي بوعامر وحي غربوز، إلّا أنّ الاحصائيات المعتمدة في هذا البحث ارتكزت على نظام المقاطعات المعمول به في إحصائيات الديوان الوطني للإحصاء.

تشكّل حي "المخادمة" إبّان مرحلة الاحتلال من مجموعة من الدور، وقد تضاعف عدد السكان فيه 3.3 مرة بعد أن كان سنة 1877 يتكون من 350 خيمة. واستقر السكان الرُحّل على الأراضي التي يسيطرون عليها غرب قصر ورڨلة (من الأغواط إلى المنيعة، وقُدّر عددهم بـ 1591 نسمة (Delanney, 1900, p. 214) وارتفعت نسبة استقرار السكّان به إلى 62% سنة 1960، ثمّ قدر عدد سكان الحي سنة 1966 بـ 4350 نسمة (Pillet, 1995, pp. 17-67-97-117)، واليوم بعد جيلين أو ثلاثة يلاحظ أنّ بعض البنايات هي امتداد للمسكن الأم، أو تقع في حدوده المجالية، وفي أحيان كثيرة لا نكاد نجد أثرا للمسكن الأصلي (Chaba , 2002, p. 4).

تطور التشريعات العمرانية وتأثيرها على وضعية السكن بورڨلة

في سياق متّصل، يبدو من المهم إلقاء نظرة على التشريع المنظم للسكن، والذي عرف مراحل متباينة في مجال التهيئة والتّعمير منذ الاستقلال، فقد حاولت كلّ مرحلة مسايرة التغيرات ِالاجتماعية والاقتصادية التي مسّت المجتمع الورقلي عمومًا، وأثّرت بشكل مباشر أو غير مباشر في آليات إنشاء السكن وتسييره، كما حاولت التأثير في الممارسات الاجتماعية لساكنة المدينة.

وقد كانت هذه التشريعات نتاج مراحل سابقة تمّ بناؤها على أنقاض مخلفات تشريعات فترة الاحتلال (عمارة وديدان، 2014، ص. 168). ويناء عليه سنحاول استعراض حالة النسيج العمراني "لحي المخادمة" مقارنة مع حالة مدينة ورڨلة (انظر إلى الخرائط من 01 إلى 04)، للوقوف على التطورات التي لحقته تزامنا مع ظهور تلك التشريعات التي كان لها دور في تحول بناء السكن وطرق تسييره.

في دراستنا لواقع الحي، نلاحظ أن ثمة تشريعات وقوانين لتسيير المدينة عمومًا، تمّ تطبيقها تماشيا مع السياسات العمومية المنظمة للسكن التي تبنتها الدولة الجزائرية غداة الاستقلال، وقد نتج عنها تأثير في اضح على نمو الحي، ولفهم حالة حي "المخادمة" خلال فترة الاستقلال لا بد من الإشارة إلى المراحل التاريخية السابقة لما لها من أثر في تشكّل النواة الأولى للحي، وكذا تحول البنية المجتمعية بفعل العديد من الإجراءات التي أقرتها السلطات الاستعمارية في مواجهتها للقبائل البدوية، ومحاولات السيطرة عليها وإجبارها على الاستقرار. إضافة إلى ذلك، فإن استخدام الآليات في نقل السّلع أضعف من الدور الاقتصادي المعاشي الذي كانت تلعبه قبائل المنطقة والمتمثل في تأمين البضائع ونقلها بين الشمال والجنوب. كل ذلك نتج عنه توطين القبائل وتحويل نمط عيشها من البدو الرُحّل إلى أنصاف مختلفة من البدو (Silis, 1960, p. 54).

ومع اكتشاف البترول وبداية استغلاله سنة 1956، وتوطن بدو "المخادمة" بالقرب من واحات ورڨلة، وانجذابهم لرواتب القطاع البترولي أو العمل في الفلاحة كملاّك للأراضي (Rouvillois-Brigol, 1975, p. 31)، بدأ الانتقال من نظام الملكية العشائرية (المشاعية) واقتصاد التبادل والمقايضة إلى اقتصاد السوق وسوق العمالة بالأجرة، كما أن ذلك قضى على التقاليد القديمة بفعل البؤس و ظهور استعدادات ثقافية لتقبّل نمط جديد من الممارسات الاجتماعية (بوخريسة ، 2017، ص. 76-77).

مرحلة 1962-1974

تميزت هذه الفترة في بداياتها بالإبقاء على التشريع الساري العمل به إبان الفترة الاستعمارية، وذلك فيما يخص أدوات التعمير. وأدى تطبيقها إلى خلق تنمية ساهمت إلى حد بعيد في تطوّر المدينة (خلف الله، 2015، ص. 68).

مرحلة 1974-1989

موازاة مع استكمال بناء المنطقة الصناعية المعروفة حاليا بمنطقة النشاطات، تزايد الطلب على العمالة من خارج المنطقة، ما فرض حاجة ملحة إلى توفير المزيد من السكنات لتلبية الاحتياجات المتزايدة، و بذلك بدأ التدخل المباشر للدولة في بناء السكن، من خلال إنشاء مناطق حضرية سكنية جديدة (ZHUN) (خلف الله، 2015، ص. 70) تم إنجازها خلال هذه الفترة على غرار أحياء السكن الجماعي: 750 مسكن، 460 مسكن، 324 مسكن، 80 مسكن، وحي الأمير عبد القادر.

تماشيا مع تنفيذ المخططات التنموية السالفة الذكر، والتي أولت اهتماما كبيرا بالسكن، تمّ تصنيف حي المخادمة إلى منطقة سكنية تابعة للقطاع (HD). وبمقتضى المخطط التوجيهي للتعمير (PLU)، تمّ وضع شروط ومعايير معمارية معينة، على غرار تحديد الكثافة السكنية (120 إلى 150 سكن في الهكتار)، وكذا معدل شغل للأراضي (لا يجب أن يتجاوز 75% من مساحة الأرضية)، كما يُلزم التقيّد بمساحة داخلية معيّنة (توجيه داخلي للمسكن)، إضافة إلى معايير معمارية أخرى كتحديد الارتفاع، وقد جاء ذلك في سياق الالتزام بأدوات التخطيط والتسيير الحضري (مخططات التجديد الحضري المستحدثة آنذاك) واعتمادها كوسائل مُنَظِّمة (Saïdouni, 2010, p. 99).

مرحلة 1990-1998

تميزت هذه المرحلة بأحداث كثيرة على مستويات مختلفة، منها الانتقال إلى العمل بالقانون 90-29 والمراسيم التنفيذية المرافقة له، لكن لم يكن لهذا القانون أثر بالغ في تسيير الحي والمدينة ككل في ظل تباين اهتمامات الدولة خلال تلك الفترة، لاسيما الأولوية الأمنيّة (معالجة الوضع الأمني المتدهور)، ورغم إدماج الحي ضمن عدّة مخططات تنظّم شغل الأراضي (POS) والمخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير (PDAU) مع ما يعنيه ذلك من استفادة الحي من مختلف برامج التنمية والتخطيط، ولكن ذلك كله لم ينتج سوى قرى داخل المدينة (Bendjelid, 1997, p. 13). إضافة إلى ما سبق اهتمت المخطّطات بالتأكيد على عمليات التجديد الحضري وإعادة الاعتبار للبنايات الهشة أو تلك الآيلة للسقوط، كما تمّ تقنين آليات منح الرخص (رخصة البناء، رخصة التجزئة، رخصة الهدم) كما ورد في القانون 25-90 المتضمن قانون التوجيه العقاري. والقانون 30-90 المتضمن قانون الأملاك الوطنية.

انطلاقا من 1999

عرفت هذه المرحلة استراتيجية جديدة في مجال السكن، تمثّلت في إطلاق المشاريع السكنية الكبرى وفق صيغ جديدة من حيث التمويل والاستفادة، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص، وتماشيا مع ذلك صدرت تعديلات لبعض القوانين، نذكر منها: تعديل القانون 29-90 في إطار القانون 05-04. والقانون 30-90 في إطار القانون 14-08. كما استحدث القانون 01-20 المتضمن القانون المتعلّق بتهيئة الإقليم وتنميته المستدامة، بغرض العمل على الاستغلال الأمثل للمجال الوطني من خلال التوزيع المحكم والملائم للسكان، وللأنشطة الاقتصادية والهياكل الأساسية في إطار التنمية المستدامة. وفي سنة 2006 صدر القانون 06-06، أو ما يعرف اصطلاحا بقانون المدينة، والذي كان من أهدافه تنظيم كل المنشآت العمرانية وتوجيهها في إطار خطّة عقلانية شاملة تضعها الدولة بالتعاون مع الشركاء والفاعلين المتنوعين (خلف الله، 2022، ص. 101).

بالإضافة إلى ذلك، صدر في هذه الفترة أيضا القانون 08-15 المتعلق بتسوية وضعية البنايات، والذي يهدف إلى تسوية وضعية البنايات غير المتحصلة على شهادة المطابقة 2008، ووضع حد لمشكل البناء الفوضوي غير المرخص، والحد من عدم احترام مخطّطات التعمير التي نسعى إلى وضع حدّ لورش البناء المفتوحة أوالبنايات غير المكتمل إنجازها، مع تحديد شروط شغل الأراضي واستغلالها، كما سعى القانون أيضًا إلى ترقية السكنات بغية إنجاز بنايات ذات مظهر جمالي، منسجم مع النسيج العمراني، ولذلك ثمّ اتخاذ تدابير ردعية للحدّ من عدم احترام آجال البناء وقواعد التعمير. غير أن نتائج هذا القانون لم تكن بالمستوى المرجو، مما استدعى تمديد آجاله إلى غاية 2023.

الخرائط: 1-4 التطور العمراني لحي المخادمة

خريطة 1: التطور العمراني لحي المخادمة مقارنة بالنمو العمراني لمدينة ورڨلة 1 حي المخادمة سنة 1889

المصدر: الباحث، 2022، اعتمادا على:

(Photo aérienne DMC, (2017), (PDAU Ouargla, 2013) (INCT, 1975), openstreemap.org (2021), (IGN (levé établi en 1889), 1945) (Ortho photo, (1996) 2017).


خريطة
2: التطور العمراني لحي المخادمة مقارنة بالنمو العمراني لمدينة ورڨلة حي المخادمة سنة 1975

المصدر: الباحث، 2022، اعتمادا على:

(Photo aérienne DMC, (2017), (PDAU Ouargla, 2013) (INCT, 1975), openstreemap.org (2021), (IGN (levé établi en 1889), 1945) (Ortho photo, (1996) 2017).

خريطة 3: التطور العمراني لحي المخادمة مقارنة بالنمو العمراني لمدينة ورڨلة 3 حي المخادمة سنة 1996

المصدر: الباحث، 2022، اعتمادا على:

(Photo aérienne DMC, (2017), (PDAU Ouargla, 2013) (INCT, 1975), openstreemap.org (2021), (IGN (levé établi en 1889), 1945) (Ortho photo, (1996) 2017).

خريطة 4: التطور العمراني لحي المخادمة مقارنة بالنمو العمراني لمدينة ورڨلة حي المخادمة سنة 2021

المصدر: الباحث، 2022، اعتمادا على:

(Photo aérienne DMC, (2017), (PDAU Ouargla, 2013) (INCT, 1975), openstreemap.org (2021), (IGN (levé établi en 1889), 1945) (Ortho photo, (1996) 2017).

"المخادمة"، مجتمع في طريق التحضّر

يمكن وصف الوضع العام لِحي "المخادمة"، حيث تواصل توسّع الحي مجاليا وتسارع نموه ديمغرافيا، لاسيما مع استمرار عمليات توطين البدو الرُحّل، وارتفاع نسب النمو السكاني، إضافة إلى تزايد نسب الهجرة الداخلية نحو أطراف الحي والمدينة بفعل استقطاب سوق العمل في المنطقة منذ تأميم البترول سنة 1971 وما نتج عنه من مؤشرات تنموية: ازدهار الصناعات البترولية، إنشاء المنطقة الصناعية جنوب الحي، الإدارات المستحدثة غداة ترقية ورڨلة إلى ولاية سنة 1974، كلّ هذا أدى إلى تنامي الحاجة إلى المزيد من العقار، ونتج عنه توسُّع الحي و تلاحمه مع أحياء فرعية أخرى على غرار بوعامر و بني حسن وغربوز. مع حفاظ النظام القائم في تلك الفترة على تقسيم الأحياء ونمط استغلال الحيز المجالي وفق علاقات القرابة وتجمّع العائلات. ويعزى ذلك إلى طريقة تقسيم الأراضي غداة عمليات توطين البدو الرُحّل ( على غرار عائلات : خمقاني، هتهات، سعيدات، زعباط).

وبالموازاة مع ذلك، برزت تحولات عديدة في البني الاجتماعية والاقتصادية لحي "المخادمة"، الذي انتقل إلى ما قد يعرف بمجموعات متعايشة، أو مجتمع حضري في طور التكوين (خليفة، 2015، ص. 6)، فقد شهد هذا الحي عديد التغيرات في بنيته الاجتماعية والمجالية، وتأثّر بفعل النزوح الكبير لسكان المدن الشمالية وغيرها من المدن المجاورة التي شهدت تدهورا أمنيا في تلك الفترة مقارنة مع الهدوء النسبي الذي شهدته مدينة ورڨلة في نهاية التسعينات، إضافة إلى الهجرة من المدن والقرى التي كانت تابعة إداريا لولاية ورڨلة على غرار (الحجيرة وتقرت). ومنه يمكن ملاحظة التغيرات المجالية خاصّة على مستوى الأحياء الفرعية، حيث نشأت وتوسعت بشكل أخطبوطي مشكَلة مظاهر متباينة لتوسعات غير مراقبة بسبب النمو الكبير للتجمّعات السكنية، وقد حدث كل ذلك في ظل تضاؤل دور الإدارة المركزية وعجزها عن أداء واجبها الرقابي في تنظيم المجال، وتغير أولوياتها التي انصبّت في معالجة الوضع الأمني الذي تفاقم في تلك الفترة.

كما أن الطلب على العمالة ساهم على الصعيد الاجتماعي في تغيّر بنية المجتمع من مجتمع محلي منسجم في ممارساته الاجتماعية، إلى مجتمع مختلط ضعيف التجانس في تقاليده وبأنماط وممارسات متباينة، وذلك لارتباط القاطنين الجدد بالحي، نتيجة موجات الهجرة الداخلية، بتقاليدهم المختلفة التي دأبوا عليها قبل الاستقرار بالحي. تبرز معالم هذه الظاهرة بالخصوص على مستوى أحياء السكن الجماعي المشار إليها آنفا، (Bourdieu, 1961, p. 145).

ساهم تحسّن الوضع الأمني والاقتصادي للبلاد إيجابا في تطور الوضع المعيشي لساكنة الحي، ممّا انعكس على الإطار المجالي، وتملّك المجال بغض النظر عن وضعيته القانونية، إضافة إلى تزايد عدد السكان في الحي، وهو ما يبرّر تكثيف بناء السكنات داخل إطار الحي، وزيادة التوسع على أطرافه بصفة بارزة في هذه الفترة على حساب العقار الفلاحي والأملاك الخاصة وأملاك الدولة. وعليه، يمكن إبراز أهمّ مظاهر التعدّي على المجال الحضري والتوسع غير المراقب (وهو ما توضحه الأمثلة المرفقة بالصورتين رقم 01 و06) في النقاط التالية:

  • البناء بدون رخص بناء وبعيدا عن مراعاة شروط البناء الصحيحة والصحية.
  • الاعتداء على العقار الفلاحي (الغابي).
  • عدم احترام قوانين البناء والتعمير (ارتفاع المباني، عدم تكملة البنايات، عرض الشوارع).
  • استغلال العقار بصفة غير قانونية وغير رشيدة.

الصور 1-6: تبرز أمثلة عن تعدي الأبنية على التشريع


وتجاوز الرصيف والاعتداء على خط التصفيف

الاعتداء على ارتفقات الطريق مع اهتراء المباني

في محاولاتنا لتفسير كل ما سبق، وانطلاقا من العمل الميداني، واعتمادا على نتائج الاستبيان، إضافة إلى الملاحظة والمحادثات مع سكان الحي، يمكننا الوقوف على عدة مؤشرات، سنجملها في ثلاث نقاط:

الوضعية الاجتماعية الاقتصادية للعائلات

ويمكن إبراز قيمة هذا المؤشر من خلال تحليل جملة من المعطيات:

في قراءة أولية لنتائج الاستبيان، تبين من خلال إجابات المستجوبين المعبر عنها أنّ نسبة معتبرة من العائلات التي تقطن الحي يساهم عدد من أفرادها في المداخيل، ممّا أدّى إلى تحسين حالتها الاقتصادية، كما تبين أن أغلب المستجوبين ينتمون إلى أسر متوسطة أو ميسورة الحال، بينما تبقى نسبة منهم ذات مستوى اجتماعي متواضع، وهي نسبة معتبرة نسبيا. إلى جانب طريقة استغلال المساكن بنسب متقاربة لعدد الأسر المستجوبين، إذ أن عدد العائلات الشاغلة لنفس المسكن تتراوح بين أسرتين أو عدة أسر، بينما العدد المتبقي من المساكن تشغلها أسرة واحدة. في حين يعتبر استغلال الطابق الأرضي في مساكن الحي نقطة مهمة في دراسة علاقة الساكن بالمجال المسكون، وذلك من حيث إبراز القيمة الاقتصادية للمسكن، إذ بيّنت نتائج التحليل أن نسبة من المساكن يُستغل طابقها الأرضي في التجارة، أو كمرآب في حين أنّ النسبة المتبقية تستغله للسكن. (الشكل البياني 1)

استنادا لهذه المعطيات، نورد فيما يلي آراء بعض البحوثين. أشارت فئة منهم إلى: "أن ما يهمهم هو تهيئة المجال داخل المسكن، أما تهيئة الواجهات فسيتم إذا تحسنت الظروف الاقتصادية"، فيما ذهب آخرون إلى أن "تهيئة الواجهات لا تعد حاجة ملحة حاليا"، بينما ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك، حين أجابوا بأن "تهيئة الواجهات لابد أن يكون بسيطا"، وذلك تقليد متوارث، وهو حسب قولهم "خوف من العين أو الحسد". في المقابل، يُولي قلة منهم اهتماما بـتهيئة الواجهات، خاصة أولئك الذين يملكون بنايات موجهة للتجارة الرسمية جزئيا أو كليا، والملزمون بتهيئة الواجهات للحصول على السجل التجاري. ومنه يمكن القول إن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للعائلات القاطنة بالحي مكنتها من التعامل مع المجال المسكون بنوع من الأريحية نسبيا. وعليه، فإن وضعية السكنات غير المكتملة، أو تلك التي بنيت بأشكال شوهت المنظر العام للحي في تعارض مع التشريع الذي يشترط تكملة المسكن بجميع واجهاته (قانون 08 /15) لا تعبر عن الحالة المادية لساكنيها، كما أنها لا تعتبر سببا مباشرا مسؤولا عن تدهور الوضع العام للحي.

كما يمكن الإشارة أيضا إلى نقطة هامة برزت من خلال التحليل، تتعلّق بالدور التقليدي للمسكن في كونه مأوى يضمن لساكنيه حماية من الظروف الطبيعية المحيطة به، كما يضمن لهم نوعا من الخصوصية، فبناء المسكن ظاهرة ثقافية يتأثر شكله وتصميمه بالبيئة الثقافية التي ينتمي إليها (Rapoport, 1972, p. 66)، إذ يُعبّر عن حاجة إنسانية، إلا أنه بات اليوم يعبر عن قيمة اقتصادية هامة في تصور السكان، ويمكن استغلاله كليا أو جزئيا في الأعمال الحرة أو الأعمال التجارية أو الكراء لتوفير مداخيل إضافية لمالكه.

شكل بياني : الوضعية الاجتماعية الاقتصادية للعائلات

المصدر: الباحث، 2022.

المسكن باعتباره رأسمال اجتماعي ثقافي

وذلك نظرا لتأثيره المباشر والكبير في عمليات الممارسة الاجتماعية من تملك للمجال من حيث هو إرث مكتسب، من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية في بيئته الأصلية وانتمائه للمجال الذي نشأ فيه، بالإضافة إلى الموروث الثقافي والثقل الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع على الفرد. ويظهر هذا المؤشر من خلال تحليل الحوارات والمقابلات التي أجريت مع السكان، إضافة إلى ما تم استنتاجه من إجابات المبحوثين والتي يمكن إدراجها في النقاط الآتية:

  • مثلت ملكية المسكن نسبة عالية من الإجابات، إذ أن نسبة معتبرة من المستجوبين يقطنون مساكن يملكونها ملكية مباشرة أو غير مباشرة (وراثة)، بينما نسبة أقل من المستجوبين يقطنون مساكن مستأجرة، وأغلبها مساكن تقع في الأحياء السكنية الجديدة (سكن جماعي) وفي بنايات خاصة مجهزة كشقق للكراء (مجهزة أو غير مجهزة)، كما لاحظنا أنّ نسبة من المستجوبين كانوا يقيمون في المدينة قبل قدومهم إلى الحي، بينما تمثّل البقية القادمين من القرى والبوادي، وهو ما يعكس نمطا معينا من التعامل مع المجال المسكون، في حين أظهرت النتائج أنّ أهم أسباب اختيار المسكن هو أنه ملك لساكنه أو لقربه من الأهل، وهذان السببان يمثلان نسبة معتبرة. فيما تبين من باقي الإجابات أنهم اختاروا السكن القريب من مكان عملهم، أو أنهم استفادوا من هذا المسكن عن طريق إعانة من الدولة. كما تبين من خلال الاستمارة أن أسباب اللقاء بين الجيران كانت عائلية، حيث أنهم يلتقون في المناسبات ويلتقون في زيارات عائلية متبادلة بدون مناسبات، أو عند اقتضاء الحاجة، كما تكون اللقاءات لحل الإشكالات القائمة. تبيّن أيضًا من خلال الاستبيان أنّ أغلب الُمجيبين ذوو مستوى علمي متفاوت. ويمكن الاستدلال بهذه النسب على أن المستوى العلمي كان له أثر في نوعية تشكيل المجال أو استغلاله، إلا أنه لم يكن له أثر كبير (الشكل البياني 2).

شكل بياني : المسكن رأسمال اجتماعي ثقافي

المصدر: الباحث، 2022.

نستنتج من خلال ما سبق أهمية الرأسمال الاجتماعي والثقافي، باعتباره نقطة رئيسية في دراسة الممارسات الاجتماعية. ذلك أنّ العلاقات القرابية لها بالغ الأثر على ممارسات سكان الحي وعلاقاتهم مع مجالاتهم، وبالتالي على مسار تطور الحي ونموه. وعليه يظهر أن سيادة منطق القبيلة والقرابة ما تزال تمارس دورها التوجيهي للممارسات الاجتماعية، كما أنّها لم تتوان عن دورها الرقابي في إطار عمليات الضبط الاجتماعي(حمادة، 2017، ص. 345) ومن تمثلات ذلك، طرق تملك المجال واستغلاله بين أفراد العائلة أو الأقارب، فالمجال هو الأرضية التي كتب فوقها تاريخ المجتمع (كوت، 2010، ص. 3)، وذلك ما تبيّن من خلال قوة علاقات الجوار. إضافة إلى أنّ قابلية تملك المجال المسكون بما فيها العقار الذي تبنى عليه البنايات السكنية معتبرة، بل خاصة إذا كانت بالقرب من الأهل أو الأقارب، مما يجعل الطلب على عقار البناء حاجة ملحة ويعجل بنفاذ هذه الأوعية العقارية، وهو ما يفسر الكثافة الكبيرة للسكان داخل الحي، وتضاعف عدد السكنات من 1687 مسكن سنة 1997 إلى 4018 مسكن سنة 2009. وبالنظر إلى مؤشر نمو السكان والذي وصل إلى 60000 في سنة 2022. فإن الحي يعاني من ضغط سكاني وكثافة عالية، ويُنذر بتوسع على حساب أوعية عقارية فلاحية وغابية، كما تؤشر إلى تراجع نسبي في توفر الخدمات الأساسية، مما استدعى حلولا تمثّلت في منح السكان سكنات ضمن برامج أحياء السكن الجماعي في حي (النصر) على سبيل المثال لا الحصر.

ومع أن غالبية سكان الحي يعتبرون مدنيين حسب تصريح المستجوبين منهم، إلا أن الاختلاف في طابع السكنات حسب مراحل تطور الحي (كما تمّ ذكرها سابقا) واضح، وهو مرتبط بتصور السكان للمسكن ومستوياتهم العلمية أو المادية وأيضا بفترة قدومهم للحي. و يمكن تفسير ذلك من زاوية الانتقال من مجال المدينة إلى ذات المجال
(انتقال داخل الحي)، أو بمعنى الانتقال من السكن العائلي إلى السكن الفردي في إطار عمليات انشطار الأسر الممتدة إلى الأسر النووية.

إضافة إلى ما سبق ذكره، فإن المستوى العلمي لأرباب العائلات والذي يظهر على أنهم ذوو مستوى علمي مقبول (أغلب المستجوبين يقرؤون ويكتبون) يمكّنهم من تعزيز عمليات التنشئة الاجتماعية داخل العائلة، ويسهل عليهم نقل خبراتهم وممارساتهم إلى الأبناء بطريقة سلسة، ويشجعهم على متابعة التعليم في المدارس، (بدوي، 2009، ص. 12). كل ذلك ساهم في تبلور شكل جديد من الممارسات الاجتماعية لفئة كبيرة من الشباب اتجاه المجال المسكون، الذي بات يسير بطريقة حديثة نسبيا بالاعتماد على تصاميم هندسية ومواد بناء جديدة، خاصة في ظل طغيان التكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصال التي باتت مصدر إلهام للكثير. كما ساهمت على الصعيد الاجتماعي في التقليل من الإحساس بروح الجماعة. (حمادة، 2017، ص. 284).

السكن في ظل التشريع

تبين من تحليل نتائج الاستبيان أن نسبة معتبرة من المستجوبين لم يتقدموا بطلب الحصول على رخصة بناء (62%)، في حين أنّ البقية منهم (38%). قاموا بذلك. كما تبيّن أيضًا أنّ ما يفوق نصف المستجوبين لم يقوموا بتجديد طلب رخصة البناء عند انتهاء آجالها، بينما قامت البقية بعملية التجديد. ومن خلال ما تمّ تحليله من نتائج، تبيَّن أيضا أنّ نسبة معتبرة من المستجوبين يعتمدون على أفراد العائلة في تصميم المسكن، بينما يشارك الأقرباء والحرفيون بأفكار تصميمية، في حين يبقى الاعتماد على المهندس المعماري ضئيلا جدا. كما أنّ هناك نسبة قليلة من السكان مكثوا في سكنهم التقليدي وظلّت نسبة أخرى تقطن المساكن الجماعية، أمّا النسبة الأكبر فتقطن السكن الفردي (الشكل البياني 3).

شكل بياني : السكن في ظل التشريع

المصدر: الباحث، 2022.

من خلال هذه المعطيات نستنتج ما يلي:

أنجز أغلب سكان الحي بناياتهم دون اللجوء إلى الطرق القانونية، أي طلب رخصة البناء. ونسبة كبيرة منهم لم يجدّدوا طلب الرخصة عند انقضاء آجالها وفقا للقانون، على اعتبار أن البناء لم يتمّ. وفي هذه الحالة يظهر أولا عدم احترام الطريقة القانونية المتمثلة في طلب رخصة بناء التي يُفترض أن تعطى بعد إنجاز مهندس معماري معتمد التصاميم. وثانيا أن طلب تجديد رخصة البناء يكون بالنسبة لملاّك المساكن أو من ينوب عنهم قانونيًّا، وهو ما يؤكّد أن النسبة التي قامت بالتجديد لم تنه الأشغال بعد، وهو ما يخالف القانون. ويظهر ذلك بشكل واضح من خلال المنظر العام للحي، حيث تنتشر البنايات غير المكتملة أو البنايات المنجزة بطرق عشوائية، وتلك المبنية وفق معايير تقنية مخالفة لما هو منصوص عليه في دفاتر الشروط المحددة لمختلف المعايير التقنية والقانونية للبناء في المنطقة (بنسبة تقارب 85%). كما سبق ذكره في سياق الحديث عن صور التعدي على القانون. فيما كانت نسبة البنايات المكتملة الإنجاز ضئيلة بنسبة تفوق (7%)، وهو الحال أيضا بالنسبة للسكن المخطط( جماعي أو فردي) (بنسبة تفوق 8%).

كما تشير الاستنتاجات المتوصّل إليها إلى قلّة الاعتماد على المهندس المعماري المخوّل قانونا بتصميم المساكن، والاعتماد على بدائل تمثّل في تصور المبحوثين كفاءة ميدانية. أهمّها الأهل والأقارب، وبصفة أقل الحرفيون.

يرجع هذا العزوف عن اعتماد الطرق القانونية في البناء واختيار الأشخاص المخولين قانونا حسب آراء السكان الذين تحاورنا معهم إلى "غياب الثقة في هذه الأطر القانونية"، بفعل الشروط القانونية والتقنية المفروضة على عمليات البناء، والتي نكّلف "مصاريف إضافية" مرتفعة، لا تكون في الغالب في متناول جميع المقبلين على البناء. إضافة إلى طول فترة الإجراءات القانونية لاستخراج رخصة البناء، وبيروقراطية بعض الإدارات التي تتسبب في حالة من الاحتقان ونفور المقبلين على البناء من سكان الحي من هذه الإجراءات.

عند مقابلتنا مسؤولي مديرية التعمير (فيفري 2022)، كانت إجابتهم حول أسباب راهن الوضع السكني الذي تعاني منه المدينة والحي المدروس بالخصوص متمثلة فيما يلي:

السّبب الأوّل: يكمن في السياسة السكنية التي كانت تنتهجها المؤسسات الحكومية بمختلف مستوياتها، والتي تعتمد أساسا على إسكان أكثر عدد ممكن من المواطنين بغض النظر عن نوعية السكن (العدد لا النوعية)، ويظهر هذا في الاعتماد على السكن الجماعي الاجتماعي ذي النوعية الرديئة، والتشطيب الناقص بنسبة كبيرة، مع العلم أن طبقة كبيرة من المجتمع تعتمد على هذه الصيغة السكنية ( السكن الاجتماعي ) مما يعني أنّ نسبة كبيرة من النسيج العمراني تتكون من عمارات.

السبب الثاني: يتمثل في وجود خلل في تطبيق النصوص التنظيمية وترسيخها على أرض الواقع (رخص البناء تليها شهادة المطابقة.) ممّا سهّل على المواطن الحريّة في البناء، وهو ما انجرّ عنه تفاقم ظاهرة السكنات غير المكتملة، والأحياء غير المتناسقة. وبالتالي وجود نسيج عمراني سيء.

السبب الثالث: يخصّ الحالة الاجتماعية لطبقة كبيرة من المجتمع (المحدودة الدخل)، حيث يشيّد المواطن سكنه ويبنيه على حسب إمكانياته.

أما عن ردود موظفي المصالح التقنية لبلدية ورڨلة (فيفري 2022)، فكانت قريبة من إجابات موظفي مديرية السكن والمصالح التقنية، حيث أن "الحالة الاجتماعية لفئة من سكان الحي المدروس من محدودي الدخل، ما جعل كثيرا منهم يستغرقون وقتا كبيرا في إنجاز مساكنهم وتقسيم عمليات البناء على مراحل قد تكون متباعدة، كما أنّ فئة الشباب في الحي المدروس تعاني من مشاكل البطالة ممّا يجعل بناء المسكن صعبا، وبالتالي البحث عن حلول أخرى على غرار دعم الدولة في السكن، وهذا الأمر كذلك مسألة انتقالية إلى حين تحسن الظروف. كما أكّد الموظفون على ضعف الإقبال على تسوية وضعية المساكن ضمن القانون 08/15. إضافة إلى صعوبة تطبيق النصوص القانونية بسبب طول فترة الإجراءات، وكذا ضعف المنظومة القانونية نفسها، إضافة إلى عدم أخذ خصوصيات المنطقة مجاليا واجتماعيا بعين الاعتبار".

بالإضافة إلى ذلك غياب الاعتماد على المهندس المعماري، الذي كان يمكن أن يؤدي بالضرورة إلى احترام الأطر القانونية السالفة الذكر، ولكن ذلك يُمثّل في تصور السكان عمليات معقدة وإجراءات طويلة وينتج تصورات بعيدة عن مبتغاهم، ويمكن تجنبها بالاعتماد على الأهل والأقارب أو الحرفيين، باعتبار أن المهندس يعتمد شروطاً قانونية وتقنية خاصة بكل منطقة، وهي لا تلبي بالضرورة متطلبات السكان ولا تلبّي طموحات المقبلين على البناء.

زيادةً على الأسباب السّابقة الذّكر، هناك سبب تاريخي يعود إلى طبيعة تشكيل المجتمع القبلي التقليدي، الذي يَعتبر كغيره من المجتمعات التقليدية أنّ "العشيرة في تلك المجتمعات هي الشخص القانوني الوحيد ...، وأنّ القانون هيكل القواعد التي تفرضها السلطة مستقلة عن العلاقات الشخصية التي تتمثل في القرابة والصداقة... لا تنطبق على تنظيمهم الاجتماعي، أي أنّها لا تتفق مع طبيعة بنائها الاجتماعي"
(حمادة، 2017، ص 59-63)، وهو ما يفسر ميل الساكنة إلى السكن الفردي الذي يمثل بالنسبة لهم عامل استقرار، أما السكن الجماعي أو غيره من أنواع السكن فلا يمثل إلا مرحلة انتقالية في انتظار الحصول على سكن ملائم. وهي الاستراتيجية المعتمدة في الكثير من المدن الجزائرية، أين يسعى النازحون الجدد إلى استعمالها قصد الحصول على سكن اجتماعي تسعى الدولة إلى توزيعه على فئات معينة من المواطنين (بشيري، 2021، ص. 69)، والملاحظ أنّ هذه الظاهرة تنتشر في عدة أماكن وحالات مختلفة، يغذيها ما يعرف بالاحتماء وراء القبيلة أو العرش. ولكن في حال حي المخادمة لا يمكن الاعتماد على السكن الجماعي بالنظر إلى كثافة الحي السكنية الكبيرة، وقلة المواقع التي يمكن أن تتوفر فيها الشروط لإنجاز هذا النوع من المساكن من حيث ملكية الأراضي التابعة للدولة والمساحة المناسبة. وبالتالي يتم تحويل المستفيدين من السكن بإحدى الصيغ الممكنة إلى مواقع أخرى (كحي النصر أو بامنديل أو بلدية الرويسات).

خـــــاتمـــة

تناول البحث دراسة المجال الحضري والمجال المسكون لحي "المخادمة"، الذي مثّلّ نتاج تفاعل المجتمع المحلي مع بيئته، وقد عرف جملة من التحولات المجالية، بفعل تغيرات اجتماعية سريعة، غيّرت منحى تطور الحي بشكل مخالف لما كان عليه في السابق. وذلك بفعل الظروف التي أجبرت سكانه على التوطّن بجوار واحة ورڨلة، والتّحول من حياة بدوية قائمة على الترحال إلى حياة حضرية مبنية على الاستقرار. كل ذلك جاء نتيجة مكتسبات جديدة وخبرات قديمة بالمجال الصحراوي، كما عجّلت التحوّلات الديناميكية الحضرية بتحول المجتمع من حياة الرحل التي تعتمد على الرعي، إلى حياة تقوم على البحث عن الوظائف واكتساب الشهادات، ما أفرز تراتبية جديدة للتمركز في المجالات الحضرية وطبيعة تلك المجالات. وهنا يمكننا الحديث عن جانبين مؤثّرين في تكوين المجال الحضري: اجتماعي وقانوني.

في الجانب الاجتماعي، تستمرّ هيمنة منطق العلاقات القرابية والتكافل الاجتماعي على توجيه الممارسات الاجتماعية لساكنة الحي اتجاه المجال الحضري على حساب تطبيق القانون. يعود ذلك إلى التقاء المصالح بين الجماعة التي تسعى للحفاظ على نسق اجتماعي محدد، والأفراد الذين يطمحون إلى تقاسم الوظائف والأدوار وفق أطر من القيم والمعايير والرموز المشتركة. مع السعي إلى ضمان الحماية والتكافل الجماعي ضد الذين ينازعونهم ملكية المجال، أي الآخر.

لقد جسّدت الأسر النووية إحدى صور التحوّل الاجتماعي لمجتمع تميّز إلى حد قريب بتركيبة مكونة من الأسر الممتدة، ما جعل الحاجة ملحة إلى توفير المزيد من السكنات لاحتواء هذه الأسر النووية. وبمقارنة ذلك بالمنطق الثقافي السائد في المنطقة محل الدراسة من علاقات قرابية، فإنّ زيادة الكثافة السكنية والسكانية في حيز ضيق فرض التعامل بحذر شديد مع المجال، ممّا قد يعارض في كثير من الأحيان التشريعات الحضرية المنظِّمة له. ولكن في المقابل تفضّل معظم هذه الأسر السكن الفردي على حساب السكن الاجتماعي، الذي يمثّل حلا مؤقتا لفترة انتقالية، كما أن هاته الأسر تعتبر السكن التقليدي (يتموقع قرب العائلة) قيمة ثقافية تبرز الهوية، في حين أن السكن الاجتماعي يبرز قيمة اقتصادية باستغلاله في الكراء، أو اعتباره حق مشروع في الاستفادة من ريع الدولة، لا سيما في ظل الاحساس بالتهميش الاجتماعي حسب تعبير بعض المبحوثين.

يبدو أن تأثير النمط المعيشي الأصيل أو المعتاد كان واضحا منذ التأسيس الأول للحي إلى حالته اليوم، إذ رسمت حدوده تلك البنية التقليدية في أول الأمر، وحافظت عليها لأمد ليس بالقصير. ولعل حيازة الأراضي وطريقة تملّك الفضاء وتسييره في شكل تقسيمات متلائمة مع حجم العائلات الممتدّة، ودائرة نفوذها يدلّ على ذلك، كما كرسته السياسة الكولونيالية في المنطقة، حين بدأت بتوطين الرحل وتثبيتهم، ثم إنشاء المدينة الأوروبية على حدود الحي وترسيخ منطق تقسيم المجال بين القبائل المتوطّنة.

في الجانب القانوني، يظهر أنّ ضعف المنظومة الإدارية، و بطء تنفيذ الإجراءات القانونية قد ساهما في تأخّر تطبيق القانون على أرض الواقع، إذ أنّ التشريعات الحضرية فقدت الكثير من قيمتها الفعلية بسبب غياب الإجراءات التطبيقية، لتصبح مجرد ردّة فعل على واقع مفروض من طرف السكان، كما أنّ البيئة القانونية في الجزائر التي تبنت التعميم ومركزية القرار، تسببت في اختلالات جوهرية في تطبيقها من منطقة لأخرى، مع عدم التمكّن من التعامل بمرونة مع خصوصيات المناطق المختلفة.

شرّعت العديد من القوانين التي كان الهدف منها تأطير حياة اجتماعية سويّة، تُحفظ فيها الحقوق وتُؤدى فيها الواجبات، ضمن إطار المدنية التي تسمو فوق منطق القبيلة أو العشيرة، و تنظيم المجال بما يكفل حقوق الفرد والمجتمع، وترسيخ المعايير العمرانية والمعمارية، والمحافظة على ممارسات المجتمع بجميع أطيافه داخل نسيج حضري، ولكن الواقع يظهر أنّ السكان قاموا بتأسيس مجالهم وتطويره حسب حاجاتهم و إمكاناتهم في طلّ غياب سلطة القانون .

إن دراسة توافق الممارسات الاجتماعية مع التشريعات المنظمة للعمران المعمول بها، ودراسة أثر كل منهما في المجال الحضري هو أمر معقّد، فالممارسات الاجتماعية، التي استمدت قوتها من التفاعل بين البيئة الاجتماعية والبيئة السكنية في حاضرة ورڨلة، ووسط ظروف مناخية وطبيعة صعبة، أصّلت لنوع من الممارسات الاجتماعية دون غيرها. وعليه فإن هذه التشريعات لم تواكب النمو الاجتماعي والحضري المتسارع، وإنّما كانت بمثابة رد فعل قانوني على فعل اجتماعي.

مراجع باللغة العربية

بشير طلحة، (2021). المدينة الصحراوية وإشكالات التحضر. قسنطينة، الجزائر: ألفا للوثائق للنشر والتوزيع.

بوبكر بوخريسة، (2017). سوسيولوجيا بيير بورديو.تحليل في النظرية والمنهج. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية.

بوجمعة خلف الله، (2015). السكن في الجزائر و الأزمة مستمرة. جيجل: دار ابن الشاطئ.

بوجمعة خلف الله، (2022). مدخل إلى سياسة المدينة. جيجل. الجزائر: دار ابن الشاطئ للنشر والتوزيع.

حمزة بشيري، (2021). نظرة مغايرة إلى السكن الفوضوي في مدينة وهران: القبو والسطح والفضاء المحول. مجلة عمران، 9(35).

خالد محمد مصطفى عزب، (1997). تخطيط وعمارة المدن الاسلامية. الدوحة: وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية.

عبد الرحمان بوزيدة، (2002). المعاصرة والفعل الاجتماعي الاستراتيجي في الجزائر. علم الاجتماع والمجتمع في الجزائر (56-63). الجزائر: دار القصبة للنشر.

خليفة عبد القادر، (2015). المجموعات الاجتماعية في المدينة الصحراوية بين التمايز والذوبان. مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، 7(22)، 1-6.

علي أحمد صالح، (2016). المدخل لدراسة العلوم القانونية. نظرية القانون. الدار البيضاء، الجزائر: دار بلقيس.

علي فيلالي، (2017). مقدمة في القانون. الجزائر: موفم للنشر.

مارك كوت،(2010). الجزائر. المجال المقلوب. (بوجمعة خلف الله ، المترجمون) عين مليلة، الجزائر: دار الهدى للطباعة والنشر.

محمد الأمين كمال، (2017). دروس في قانون التهيئة والتعمير. الجزائر: دار بلقيس للنشر.

محمد عبده محجوب، (2015). دراسات انثروبولوجية في المجتمعات العربية. الاسكندرية، مصر: دار المعرفة الجامعية.

عمارة، مريم و مولود ديدان. (2014). المدخل إلى تاريخ القانون. الجزائر: دار بلقيس.

مصطفى عمر حمادة، (2017). الانثروبولوجيا والضبط الاجتماعي. القانون- المجتمع- الثقافة. الاسكندرية، مصر: دار المعرفة الجامعية.

موسى أحمد بدوي، (2009). ما بين الفعل والبناء الاجتماعي: بحث في نظرية الممارسة عند بيير بورديو. إضافات، (12).

الجريدة الرسمية،(01 12, 1990). قانون رقم 90-29 معدل بالقانون 04-05. الجريدة الرسمية، 1652-1660.

الجريدةالرسمية، (01 12, 1990). قانون 30-90. الجريدة الرسمية، 1661-1683.

الجريدةالرسمية،(18 11, 1990). قانون 25-90. الجريدة الرسمية، 1560-1569.

الجريدةالرسمية، (12 12, 2001). قانون 20-01. الجريدة الرسمية، 18-30.

الجريدةالرسمية، (12 03, 2006). قانون المدينة. الجريدة الرسمية، 32.

الجريدةالرسمية، (20 07, 2008). قانون 08-15 . الجريدة الرسمية، 19.

قائمة المراجع باللّغة الأجنبية

Blecher, J. (2018). Said the Prophet of God. Hadith Commentary across a Millennium. Oakland, California : USA: university of California press.

Loscher, G.; Splitter, V. & Seidl, D. (2019). Theodore Schatzki’s practice theory and its implications for organization studies (115–134). In G. Loscher, V. Splitter, & D. Seidl, Management, Organizations and contemporary Theory, Routledge.

Belguidoum, S. (2002). Urbanisation et urbanité au Sahara. Méditerranée revue géographique des pays méditerranéens, (99), 53-64.

Belguidoum, S. (2021). Vivre et (re) penser la ville : nouvelle perspective. Insaniyat, (7), 7-11.

Bendjelid, A. (1997). Anthropologie d'un nouvel espace habité : enjeux fonciers et spatialités des classes moyennes à Oran et sa banlieue (Algérie). Insaniyat, (228), Oran : (Éd.), CRASC.

Bourdieu, P. (1961). Sociologie de l'Algérie. Paris : Presse universitaire de France.

Chaba, M. (2002, 04 03). Une vieille cité devenue métropole : Ouargla. Méditerranée revue géographique des pays méditerranéens, (99), 103-106.

Cote, M. Dynamique urbaine au Sahara. Insaniyat ; Oran : (Éd.), CRASC, (5), 1-8.

Dubuisson-Quellier, S. ; & Plessz, M. (2013). La théorie des pratiques Quels apports pour l’étude sociologique de la consommation ? Récupéré sur Dubuisson-Quellier, S. & Plessz, M. (2013). La théorie des pratiques. Quels apports pour l'étude sociologique de la consommation ? Sociologie (4), 451-469.

Humbert, J.-C. (1997). L'œuvre du colonel Carbillet 1927-1940. Nice, France : Jacques GANDINI.

Delanney, M. (1900). Répertoire alphabétique des tribus et douars-commune de l'Algérie. Service des cartes et plans, gouvernement général de l'Algérie. Alger-Mustapha : Girarlt, imprimeur du GG.

Merlin, P. & Choay, F. (2005). Dictionnaire de l'urbanisme et de L'aménagement. Paris : PUF.

Pillet, D. (1995). Repères pour l'histoire de Ouargla 1872-1992. (A. Idder, Trad.)

Rapoport, A. (1972). Pour une anthropologie de la maison. Paris : Dunod.

Reckwitz, A. (2012). Affective spaces: a praxeological outlook, Rethinking History.The journal of theory and practice.

Rouvillois-Brigol, M. (1975). Le pays de Ouargla (Sahara algérien). Paris : Département de Géographie de l'université de Paris -Sorbonne.

Saidouni, M. (2010). Introduction à l'urbanisme. Alger : Casbah.

Savarit-Bourgeois, I. (2014). L'essentiel du droit de l'urbanisme. Cahors. France: Gualino Editor.

Schatzki, T. (2002). The site of the social. Pennsylvania, United States of America: The Pennsylvania State University Press.

Silis, S. D. (1960). Étude générale d'aménagement de Ouargla. Commune des régions sahariennes.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche