كريمة هرندي، (2021). الهندسة الاجتماعية للطلاق وتدخل الأهل، قسنطينة: ألفا للوثائق للنشر والتوزيع، 150 صفحة.


إنسانيات عدد 102، أكتوبر–ديسمبر 2023، ص44-41


Télécharger le PDF


يعالج هذا الكتاب ظاهرة الطلاق التي تعد من الظواهر الاجتماعية التي يعرفها المجتمع الجزائري، حيث تتجلى في إنهاء الرابطة الزوجية والتي ينجر عنها توتر في الروابط الاجتماعية والعائلية وتفكك البنية الأسرية وانعدام الاستقرار النفسي والاجتماعي داخل الأسرة.

عرف المجتمع الجزائري ارتفاعا في معدل الطلاق وهذا نتيجة للتحولات السوسيو ثقافية والاقتصادية، ويظهر ذلك من خلال ارتفاع القضايا المتنازع فيها بين الزوجين في المحاكم. لقد مست هذه الظاهرة مختلف الشرائح الاجتماعية والمستويات التعليمية والمهنية للزوجين، إلى جانب انتشارها هذه لدى الأزواج الشباب بعد فترة محددة من الزواج وهذا ما يتم نشره يوميا في مختلف وسائل الإعلام لاسيما على صفحات الجرائد اليومية وعدد من القضايا التي يتم معالجتها من طرف المحامين المشتغلين على مسائل قانون الأسرة.

هذا ما دفع الباحثة كريمة هرندي إلى معالجة هذا الموضوع من خلال التساؤل الرئيسي: فيما يتمثل رأس مال السببي1 لتدخل الأهل بين الزوجين؟ وهذا ما تفرعت عنه أسئلة ثانوية من بينها: إلى أي مدى يؤثر الاختيار الزواجي في حدوث الطلاق؟ وكيف تؤثر طبيعة العلاقة بين الأهل والزوجين في الطلاق؟ وما علاقة تدخل الأهل بالطلاق؟

يتأثر حدوث الطلاق بجملة من الأسباب مرتبطة بمجموعة من التغيرات العامة التي لها الأثر الواسع، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في التفاعل الاجتماعي الأسري. وفي هذا السياق انطلقت المؤلفة من ثلاث فرضيات:

  • نمط الاختيار الزواجي يؤثر في تدخل الأهل بين الزوجين.
  • تؤثر طبيعة العلاقة بين الأهل والزوجين تأثيرا عكسيّا في حدوث الطلاق.
  • هناك علاقة طردية بين تدخل الأهل وحدوث الطلاق

اعتمدت المؤلفة في دراسة الموضوع على تحقيق ميداني كيفي لفهم هذه الظاهرة ودراسة الواقع الاجتماعي في المجتمع الجزائري، وطبيعة الدراسة تتطلب من المؤلفة طريقة في اختيار المبحوثين وهم مجموعة من النساء المطلقات وفق عينة غير احتمالية واعتماد على عينة كرة الثلج، حيث تكون مجتمع الدراسة من 29 مبحوثة (امرأة مطلقة) يتراوح سنهن بين 20-77 سنة بمتوسط عمري يقدر ب 42 سنة، وينحصر سنهن عند الزواج بين 17-38 سنة. كما اعتمدت الباحثة على مستوى تعليمي متباين حيث نجد 07 نساء من دون أي مستوى تعليمي و04 في مستوى ابتدائي و05 في مستوى متوسط، و07 في مستوى ثانوي و06 في مستوى جامعي. كما تنوع الأصل الاجتماعي للمبحوثات بين الوسط الريفي والحضري.

وقد اشتمل هذا الاختيار على عدد من المؤشرات من بينها تعرض النساء للضرر النفسي والاجتماعي أكثر من الرجال، معرفة وجهة نظر المطلقات حول أسباب تدخل الأهل، معرفة المشاكل التي تعاني منها النساء المطلقات، الرفض النسبي للرجال الإدلاء بأية معلومات حول حياتهم الشخصية، عدم التحكم في الظروف المكانية للرجال المطلقين على عكس النساء المطلقات.

قامت الباحثة بتقسيم دراستها إلى 6 فصول، حيث عالجت في الفصل الأول مدخلا عاما للطلاق تعرضت فيه لمفهوم الطلاق وتقديم قراءة كرونولوجية لتطوره ، أما في الفصل الثاني فقد اهتمت بالطلاق بالمجتمع الجزائري وفق منظور تاريخي قبل وبعد الاستقلال.

بينما عالجت في الفصل الثالث عوامل الطلاق، حيث قامت بعرض الخصائص البيليوغرافية للمطلقات بالاعتماد على مجموعة من المؤشرات من بينها الفارق العمري، المستوى التعليمي، الأصل الجغرافي، السن عند الزّواج، فترة الخطوبة. ومن بين عوامل الطلاق التي قامت المؤلفة بدراستها عمل، المطلقات، وضعية المرأة المطلقة، الطلاق وعلاقته بالاختيار الزواجي (الموافقة على الزواج، نمط الاختيار الزواجي) إلى جانب نمط العلاقة بين الزوجين والأهل ومدى تأثيره في حدوث الطلاق.

وفي الفصل الرابع درست الباحثة أسباب الطلاق التي قامت بحصرها في ستة أسباب هي:

  1. الطلاق بسبب كذب الزوج،
  2. الطلاق بسبب عدم نفقة الزوج،
  3. الطلاق لغياب الوازع الديني عند الزوج،
  4. الطلاق بسبب وجود امرأة أخرى في حياة الزوج،
  5. الطلاق بسبب ضرب الزوجة المبرح،
  6. الطلاق بسبب رغبة الزوج في التملك المادي والمعنوي لزوجته،

في الفصل الخامس عالجت المؤلفة آثار الطلاق من خلال ثلاثة جوانب من بينها: الضرر النفسي والاجتماعي للنساء المطلقات، الطلاق وعلاقته بكراهية المطلقات للزواج والرجل معا، والطلاق وعلاقته بشعور المطلقات بالندم أو عدمه. وفي الفصل الأخير قامت الباحثة بتقديم أهم النتائج الميدانية المتوصل إليها.

ومن بين أهم النتائج الميدانية المتوصل إليها أن مسألة الفارق العمري الكبير بين بعض المطلقين كان له تأثير ولو بصورة نسبية في انتشار الطلاق بين الزوجين، حيث لا تظهر ملامحه في المراحل الأولى للحياة الزوجية وإنما تبرز في فتراته اللاحقة والتي تؤدي إلى آثار سلبية على النسق الأسري.

بالإضافة إلى تأثير المستوى التعليمي للمطلقات، يظهر أن النساء اللواتي لهن مستوى تعليمي عالي هن أكثر إدراكا لقيمة الحياة الزوجية وأكثر مقدرة على تحقيق التوافق الزواجي والاستعانة بالأساليب التوافقية في سير الحياة الزوجية. كما أبرزت الدراسة علاقة الطلاق بنمط الاختيار الزواجي وذلك بالاعتماد على الطريقة التقليدية أي وفقا لأسلوب الوالدين بدل الأسلوب الشخصي وهذا من خلال جملة من الاعتبارات من بينها المعرفة المسبقة والجيدة للزوج التي يترتب عنها تحقيق مبدأ التوافق والتفاهم النسبي بين الزوجين. وهذا يحقق الفرضية الأولى للدراسة، حيث أن الأسلوب الأبوي له تأثير في مدة الزواج التي تكون أكثر طولا من الاعتماد على الأسلوب الشخصي للشريكين.

أظهرت هذه الدراسة مدى ارتباط الطلاق بعمل المرأة، وهذا ليس بدافع إثبات وجودها الاجتماعي ولكن نتيجة للظروف الاجتماعية والمعيشية التي تعيشها المطلقة. ويرجع توقف المطلقات عن العمل بعد زواجهن لعدة أسباب منها ما يتعلق بأهل الزوج ثم تأتي عوامل أخرى منها تأخر إنجاب الزوجة، أو إنجاب الزوجة للبنات دون الأولاد، التحكم في سلطة القرارات داخل الأسرة... وهناك أسباب متعلقة بأهل الزوجة، وتتجلى في محاولة الاهتمام بالوضع الصحي للزوجة، التدخل في حلّ النزاعات العائلية بين الزوجين، المطالبة بالمسكن المنفرد للزوجة... إلخ.

وبشكل عام، يمثل هذا الكتاب اثراء معرفيا في حقل الدراسات المهتمة بالطلاق والنزاعات العائلية، حيث يعد هذا الحقل المعرفي من المواضيع المطروحة في الوقت الراهن. ومن شأن هذا الكتاب أن يفتح أمام الباحثين مسالك جديدة للبحث ودراسة الظواهر الاجتماعية التي يشهدها المجتمع الجزائري.

نورالدين خيراني

الهوامش

 1 تعرف الباحثة الرأسمال السببي باعتباره مفهوم "إجرائي" يدل على "مجموعة من الأسباب الخاصة منها والعامة، المباشرة وغير المباشرة التي يحملها تدخل الأهل بين الزوجين والتي من شأنها العمل على إحداث خلخلة تتجسد في العلاقة الزوجية وتغييرا في الهندسة العلائقية". أنظر: كريمة هرندي، ص. .19

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche