Télécharger le PDF

في كتابه تأملات في كوفيد19في أفريقيا:من الأزمة الصحية إلى أخلاقيات الأزمة، يقدم ناثانائيل نويل أونو زامبوب تحليلًا فلسفيًا لجائحة كوفيد 19 وتأثيرها على الحضارة الإنسانية. ويناقش كيف تمثل هذه الجائحة فرصة تاريخية لإعادة النظر في غايات التقدم، أي الهدف النهائي من مسيرة الحضارة البشرية. تفرض الجائحة إعادة التفكير في شروط وجودنا في ظل الترابط والتواصل اللذين يميزان القرن الحادي والعشرين. كما تكشف عن التفاوتات في الحوكمة العالمية والثغرات في التصدي لانتشار الفيروس، ما يستوجب تغييرًا في النموذج المجتمعي يتجاوز مجرد اتخاذ تدابير وقائية وتنظيم التطعيم لمعالجة هذه التحديات.

بالنسبة للأفارقة، تمثل الجائحة نقطة تحول تاريخية في الوعي الجماعي والفوري بمصيرهم، يجب أن ينعكس في قطيعة حاسمة مع طريقة التفكير والتصرف التي يغديها الوعي الاستعماري المتجمد. يعتبر ممارسة الحق الفعلي في الوجود، بشكل مختلف، من خلال الذات ولنفسها ومع الآخرين، والحق في اختيار مستقبل مختلف وكريم، دون الانطواء على الذات، جوهر أخلاقيات الأزمة التي ينادي بها هذا الكتابالذي هو محاولة فلسفية، يتكون من ستة فصول و118 صفحة، يهدف إلى تحليل دقيق للأسس البنيوية والوظيفية للمجتمع المعاصر، مع الأخذ بعين الاعتبار ظهور جائحة كوفيد 19 وعلى عكس الرؤية المتشائمة التي قد ترى في الجائحة علامة على "نهاية العالم"، يستكشف المؤلف تأثيرات الأزمة الصحية على المجتمع دون اعتبارها نهاية مطلقة، حيث يقترح مراجعة الثوابت والأنماط الراسخة، ردًا على ما يمكن تسميته "التفاؤل التقني العلمي". وهذا الموقف المتفائل، الذي يفترض أن التكنولوجيا والعلم قادران على حل جميع مشاكل البشرية، يُصبح موضع تساؤل في ضوء التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد 19 يُبرز الكاتب أيضا التناقضات التي ينطوي عليها ما يسميه "الروح العلمية ما بعد الحداثة"، التي تعترف بحدود العلم ولكنها تستمر في الإيمان بقوته.

يرتكز المؤلّف في هذه المحاولة على نظرية الفيلسوف الألماني من القرن السابع عشر، لايبنتز، حول "الانسجام الأزلي" إذ تفترض هذه النظرية وجود تناغم داخلي في الكون، محدد مسبقًا من قبل الله، يسمح لجميع المكونات بالتصرف بشكل متسق دون الحاجة إلى تفاعلات سببية مباشرة. أما "مبدأ الشهوانية" فيشير إلى أن كل مكون لديه ميل فطري للتصرف بطريقة تحقق أكبر قدر ممكن من الخير. ويعتبر هذه المفاهيم عناصر أساسية للتنمية البشرية، لأنها تقدم إطارًا فكريًا لفهم التحديات الحالية التي تواجهها المجتمعات واقتراح حلول تهدف إلى خلق مستقبل أفضل.

وهذا يعني أنّ تطور المجتمع مرتبط جوهريًا بالسعي إلى التوافق بين الأفراد والمكونات المختلفة للمجتمع، وكذلك بالسعي إلى رفاهية الإنسان وتطوره، من خلال التركيز على التوافق والارتقاء البشري، الذي يمكّن من التغلب على الصعوبات والتقدم نحو حالة من الرفاهية والازدهار للجميع. وبناءً على ما تمّ ذكره، ننتقل الآن إلى عرض شامل وملخّص لمحتوى الكتاب، وتحليل أفكار المؤلف، وتقييم إسهامه في فهمنا لجائحة كوفيد 19 وتأثيراتها":

الفصل الأول الموسوم، "الوهم الإنساني والحدود الوجودية" يناقش فكرة أن الإنسان هو مركز الكون وأن كل شيء موجود لخدمته. حيث يجادل المؤلف بأن هذه النظرة خاطئة وأنها تؤدي إلى نتائج سلبية على البيئة. من الواضح أن الإنسان ليس مركز الكون وأن هناك العديد من الكائنات الأخرى التي لها نفس الحق في الوجود. أمّا الفصل الثاني الذي عنونه الكاتب "مفارقات الروح العلمية الجديدة"، فيتطرّق إلى التناقضات في الروح العلمية ما بعد الحداثة، التي تعترف بحدود العلم ولكنها تستمر في الإيمان بقوته.فمن الواضح أن العلم له حدوده وأن هناك بعض الأشياء التي لا يمكن تفسيرها علميًا.

في الفصل الثالث الذي أطلق عليه عنوان "ضرورة حوكمة عالمية جديدة" يشير فيه الكاتب إلى ضرورة إصلاح نظام الحوكمة العالمية لمعالجة التحديات العالمية مثل جائحة كوفيد 19. ويرى بأن النظام الحالي غير فعال وأن هناك حاجة إلى نظام جديد يركز على التعاون والعدالة. كما يُسلط الكتاب الضوء على أوجه القصور والظلم في الردود الدولية على الوباء. فمن الواضح أن هذا النظام لم يكن فعالًا في معالجة العديد من التحديات العالمية، بما في ذلك جائحة كوفيد19 وعلى عدم المساواة في الوصول إلى اللقاحات والموارد الطبية.

يوضّح الفصل الرابع المسمّى "الاستفادة من الأزمة" كيف يمكن الاستفادة من جائحة كوفيد 19 لبناء مستقبل أفضل، ذلك لأنّ هذه الأزمة يمكن أن تكون فرصة لإعادة النظر في قيمنا وأولوياتنا وبناء مجتمعات أكثر عدالة واستدامة وفرصة للتغيير الإيجابي.

الفصل الخامس، الموسوم "الهوية والتحرير: وأين أفريقيا في كل هذا؟" يطرح مسألة تأثير جائحة كوفيد 19 على الهوية والتحرير في أفريقيا، حيث يقدّم تحليلًا متعدد الأبعاد للأزمة الصحية في إفريقيا، مع الأخذ بعين الاعتبار جوانبها الطبية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية. كما يفحص المؤلف العوامل التي تجعل السكان الأفارقة عرضة بشكل خاص للوباء، مثل ضعف أنظمة الرعاية الصحية والفقر وعدم المساواة الاجتماعية.

يتناول الفصل السادس الموسوم "أي إنسانية للعالم اليوم وغدًا؟" نوع الإنسانية التي نحتاجها لبناء مستقبل أفضل، إذ يتصوّر المؤلف بأننا نحتاج إلى إنسانية تُقدر التعدد والتعاون والتضامن، حيث أن هذه القيم ضرورية لمواجهة التحديات العالمية مثل جائحة كوفيد 19 وتغير المناخ.

نستنتج من هذا العرض لمجمل الفصول التي وردت في الكتاب المؤلّف، يقدم تحليلاً فلسفيًا فريدًا لجائحة كوفيد 19 وتأثيرها على البشرية، مع التركيز بشكل خاص على أفريقيا من خلال تحليل مفاهيم مثل الوهم المركزي للإنسان وحدود المعرفة والتنمية البشرية ويدعو المؤلف إلى إعادة التفكير في نهجنا الحالي تجاه العالم ويدعو إلى أخلاقيات المسؤولية المشتركة. من النقاط الرئيسية التي يجب الاحتفاظ بها عند قراءة الكتاب هو أنّ الجائحة:

أولاً : كشفت الجائحة عن نقاط ضعف في البنى الحالية، سواء على المستوى العالمي أو في أفريقيا، وتدعو إلى إعادة النظر في النموذج المجتمعي والتقدم البشري. في هذا الصدد، يقدم المؤلف تأملًا أخلاقيًا حول إدارة الأزمة الصحية في إفريقيا، التركيز على السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الفريدة للمنطقة، مع التأكيد على ضرورة التضامن الدولي وأخذ احتياجات القارة الخاصة بالاعتبار.

ثانياً : بروز أخلاقيات جديدة للأزمة، بحيث يجب أن نتحول من موقف تسلط واستغلال الطبيعة إلى علاقة قائمة على الاحترام والتوازن. وأنّ أفريقيا بحاجة إلى استغلال هذه الفرصة لتحديد مستقبلها بنفسها. إذ يؤكّد المؤلّف على أهمية البحث والابتكار الأفريقيين، في مكافحة الوباء وتطوير حلول مستدامة.

ثالثاً : التفكير في إنسانية جديدة للمستقبل تستوجب بناء مجتمعات قائمة على التعاون والعدالة والرفاهية للجميع بغض النظر عن الموقع الجغرافي.

وعليه يُعدّ كتاب ناثانائيل نويل أوونو زامبو إسهاما مهما في التفكير حول جائحة كوفيد 19 في إفريقيا، فمن خلال تقديم تحليل نقدي ملتزم، يدعو المؤلف إلى إعادة النظر في الاستجابات للأزمة وبناء مستقبل أكثر عدلًا وتضامنًا للقارة. ويقدم الكتاب منظورًا جديدًا ومثيرًا للتفكير حول جائحة كوفيد 19 وتأثيراتها. قد لا يتفق القراء جميعًا مع تفسيرات المؤلف أو حلوله المقترحة، لكن لا شك أنه يثير قضايا مهمة حول مستقبل البشرية. يعالج الكتاب كل من الأزمة الصحية وأخلاقياتها، ويحلل التحديات المحددة التي تواجهها القارة الأفريقية في مواجهة الوباء، إذ يقدم الكاتب نقدًا للردود الدولية على الأزمة، مقدّمًا رؤية أفريقية للوباء، بعيدًا عن الخطابات المهيمنة، مع تقدير المعرفة والخبرات في القارة. اعتمد الكتاب بشكل أساسي على التحليلات النظرية والتأملات الفلسفية، ما قد يحد من نطاقه العملي، ويقدم أحيانًا حلولًا عامة وخيالية لا تأخذ دائمًا بالاعتبار الواقع الاجتماعي الأفريقي. ومع ذلك، يبقى الكتاب إضافة قيمة في فهم جائحة كوفيد 19 وتأثيراتها على إفريقيا، ويفتح المجال لمزيد من البحث والدراسة حول الموضوع، ويدعو إلى حوار شامل حول مستقبل القارة.

خديجة مقدم

Notes ​  ​