تجاوز جائحة كوفيد19: تجنيد الإصلاحات الهيكلية، مجمع البنك العالمي، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:الجزائر، تقرير اقتصادي، خريف2020، عدد الصفحات140.
يُعَّد التقرير ثمرة عمل لفريق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، و(Pôle Mondial d’expertise en Macroéconomie, commerce et investissement) (MTI)، الكائن مقره بواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية. أنجزته كل من سيريل ديسبون (Cyrile Despond)، مختصة في الاقتصاد وشهرزاد مبشر فارد، مستشارة بالبنك العالمي، تحت إشراف: إيريك لوبورن (Eric Le Borgne)، مدير المركب. سعى التقرير، في 40 صفحة موزعة على فصلين وينتهي باستنتاج عام، تشريح الوضعية الاقتصادية الجزائرية في سياق جائحة كوفيد 19، كما سعى في الاستشراف آفاق الوضع الاقتصادي لما بعد الجائحة، مع رصد السياق العام للتطورات السياسية والاقتصادية، وهو موجّه للجمهور العريض والفاعلين السياسيين خاصة منهم أصحاب القرار، إلى جانب رؤساء المؤسّسات والفاعلين في السوق الاقتصادي وكذا الأكاديميين المهتمين بالشأن الاقتصادي، وقد عُرض التقرير على وزارة التجارة الجزائرية قبل نشره.
عالج الفصل الأول حالة النمو الاقتصادي وسوق العمل لسنة 2019، والذي شهد تراجعاً للمرة الخامسة على التوالي متأثراً بــــ "سياق التغيّر الاجتماعي والانتقال السياسي الذي طال أمده" في الجزائر، مع تراجع نسبة الإنتاج الخام الحقيقي (PIB) الذي انتقل من 1,2% سنة 2018 إلى 0,8% سنة 2019. فبالرغم من مساهمة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي سنة 2019، إلا أن القطاع العمومي ساهم في خلق مناصب شغل بشكل قلص نسبة البطالة في الفترة الممتدة من سبتمبر 2018 لغاية شهر ماي 2019، حيث تم خلق حوالي 28.000 منصب شغل، مثلت نسبة زيادة عادلت,1 9% من الذكور و %20,4 بالنسبة للإناث. كما شهد قطاعي الفلاحة والبناء ارتفاعاً طفيفاً مقارنة مع سنة 2018، علاوة على تسجيل تنامي الاستثمار الخاص أمام الاستثمار العمومي جراء تجميد المناقصات العمومية.
يبدو أن قطاع المحروقات ظلّ صامدا مقابل تسجيل ارتفاع طفيف في نسبة نمو الصناعة المحلية حين وصلت إلى 25% من الاقتصاد الوطني خارج المحروقات، فيما بلغت نسبة الإنتاج خارج المحروقات %2,8، في ظل انعدام الاستثمار الخاص في الصناعة البترولية، وفي هدا الصدد، سعت الجزائر إلى تشجيع المستثمرين الأجانب، خاصة وأن قانون المحروقات لسنة 2019 يشجع المؤسسات البترولية الدولية على الاستثمار في الصناعة البترولية.
في المقابل سُجلت خسائر في الميزانية العامة نتيجة انخفاض سعر المحروقات، مع تسجيل ارتفاع في نسبة الاستثمار العمومي الذي انتقل من 6,8% سنة 2018 إلى 9,6% سنة 2019، حسب التقرير نفسه، كما ارتفعت نسبة الديون العمومية من %38,9 من الناتج المحلي سنة 2018 إلى 44,9% سنة 2019. وتمت تغطية العجز المالي من خلال اقتطاعات من مؤسسة سوناطراك ومن تمويل غير خاضع للاتفاقيات من البنك الجزائري.
وفي مجال التطور المالي والبنكي، بيّن التقرير تدهور الخدمات المصرفية سنة 2019 بانتهاء التمويل النقدي من البنك الجزائري، فيما لوحظ تنامي تدريجي في نسبة الاحتياط الإجباري للبنك، لتشهد القروض البنكية الممنوحة للمؤسّسات العمومية ارتفاعا قُدِّر بنسبة 14,4% سنة 2019 مقابل 4,2% للقطاع الخاص، لكن في المقابل سٌجل تراجعٌ في مؤشر أسعار الاستهلاك الوطني الذي وصل إلى 2,3%، أما بخصوص الحسابات الخارجية، فلقد سٌجل استقرار في نسبة عجز الحساب الجاري في مجال توازن الخدمات المتمثلة في تصدير المحروقات سنة 2019، مع انخفاض نسبة الواردات من السلع.
عالج الفصل الثاني موضوع: الجزائر في مواجهة جائحة كوفيد 19، حيث عمد إلى تشريح واقع الاقتصاد الجزائري في ظل الجائحة، وبيَّن التقرير أن الجزائر فرضت حجرا صحيا لمنع انتشار الجائحة، ما أثَّر على الاقتصاد الوطني الجزائري سلبا في القطاعين العام والخاص، ومن أجل إنعاش الاقتصاد الوطني، نظمت السلطات الجزائرية مؤتمرا وطنيا برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون شهر أوت سنة 2020؛ أين تقررّ تخصيص 3.7 مليار دولار لقطاع الصحة لتوفير الوسائل والمعدات الطبية كصناعة الكمامات، المعقمات ووسائل الوقاية، منها أجهزة التنفس الاصطناعي، إلى جانب تخصيص حوالي 16.5 مليار دينار كمنح للعاملين في القطاع الصحي، بالإضافة إلى توزيع مساعدات لفائدة العائلات المتضررة، وفي هذه الفترة تضامنت الصين مع الجزائر من خلال تقديم جملة من المساعدات (كمامات، أجهزة الكشف ومعدات طبية أخرى...)
مع التراجع الكبير في أسعار البترول شهر فيفري من سنة 2020، انخفض الإنتاج الصناعي في مجال المحروقات والحديد والصلب والكهرباء والإلكترونيك التابع للقطاع العمومي بنسبة 14,1% متأثراً بالحجر الصحي الإجباري المفروض على الموظفين مع مواصلة صب رواتبهم كما سُجِّل أيضا تدهورٌ لافتٌ في مجال النقل والطاقة جراء الجائحة. وقد بيّن تحقيق أنجزته وزارة العمل مدى التأثير السلبي للجائحة على سوق العمل، جراء انخفاض ساعات العمل لحوالي 334.000 عاملا، فيما بات حوالي 53.000 عامل في حالة توقف عن العمل سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم، بالإضافة إلى تأخّر صب رواتب حوالي 180.000 من العمال في مجالات: النقل، السياحة، الفندقة، الصناعة، الحرف، الطاقة وتجارة التجزئة والجملة. وبيّن تحقيق آخر أجري من طرف (Cercle d’action et de réflexion pour l’entreprise (CARE))، العجز الاقتصادي في القطاع الخاص في الجزائر، حيث عانت حوالي 17% من المؤسسات الخاصة عجز قدرت نسبته بــــ 100% في رقم أعمالها.
من جانب آخر أظهر تحقيق حديث أن عدّة مؤسسات اقتصادية مصغرة فقدت عُمّالها، كما أغلقت حوالي 60% منها منتصف شهر مارس من سنة 2020، وقد سعت السلطات الجزائرية لمساعدة المتضررين بمنحهم إعانات مالية استفاد منها شهر ماي من سنة 2020 حوالي 322.000 عامل، حسب وزارة الداخلية، كما أجّلت الدولة عملية دفع الضرائب للمؤسسات المتضررة مستثنية في ذلك المؤسسات الكبيرة.
أما بالنسبة للحسابات الخارجية فقد سعت السلطات الجزائرية في الحد من الخسائر في الحسابات الجارية من خلال تقليص فاتورة الاستيراد الخارجي بما لا يقل عن 10 مليار دولار، مع استرجاع تسيير بعض المرافق كمؤسسة ميترو الجزائر الذي تحول إلى تسيير جزائري بعدما كان مُسيرا من طرف مؤسسة فرنسية، وبخصوص التمويل العمومي سجلت الجزائر تقلصاً اقتصادياً سنة 2020 نتيجة تراجع النمو الاقتصادي بسبب انخفاض أسعار البترول.
وقد انتهى التقرير، في جزئه الأخير، إلى تقديم رؤية استشرافية لمستقبل الاقتصاد الجزائري لمرحلة ما بعد الجائحة حيث اقترح تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص من أجل خلق مناصب شغل نوعية مع التنويه إلى ضرورة وضع استراتيجية تحقيق الانتعاش الاقتصادي وذلك بتوسيع فرص الحصول على القروض والأراضي، واستشارة الخبراء لمواكبة منافسة المؤسسات الاقتصادية الدولية.
نجاة لحضيري
1 Groupe de la Banque Mondiale, Région Moyen Orient et Afrique du Nord : Algérie note de conjoncture: Traverser la pandémie de COVID-2019, engager les réformes structurelles , automne 2020, 40 pages.
