أزمة الواحات التقليدية في الصحراء الجزائرية: واحة طولقة نموذجا

إنسانيات عدد 51-52 | 2011 |  الصحراء و هوامشها | ص19-26 | النص الكامل


Crises in traditional Saharan oasis: the example of Tolga (Algeria)

َAbstract: Tolga is a western Ziban municipality, its palmgrove dating from the roman period, is famous for the quality of its dates,”Deglet nour” (sunshine fruit variety), and for its Zaouia El-Athmania regional role in Koranic teaching. Today this oasis finds itself in a critical situation caused by urban extension and tertiary activities which absorb its agricultural workers besides the lack of water for irrigation resulting from a sinking of multiple wells in the new agricultural development areas. As a result, there is a considerable decrease in agricultural output, the old ksour are almost all abandoned and the zaouia’s role is less and less preponderant.

Keywords: oasis crisis, Tolga, palm grove, urban extension, agricultural development, ksar.


 َAbdellah KHIARI : Professeur chercheur, Ecole Nationale Supérieure, 25 000, Constantine, Algérie.


تعيش الواحات القديمة في إقليم الزيبان أزمة حادة، تعكسها عدة مؤشرات: صغر حجم المستثمرات، شيخوخة أشجار النخيل، المردودية الضعيفة للتمور، التراجع الكبير للمحاصيل المغروسة بين وعند أقدام الأشجار، الهجرة الشبه التامة لسكان القصر القديم، هذه المؤشرات شاهدة على الوضعية الصعبة التي تمر بها الواحات التقليدية في منطقة الزيبان.

واحة طولقة القديمة، المعروفة بجودة تمورها (دقلة نور)، تعكس اليوم مظاهر الأزمة التي تمر بها الأنظمة الواحية التقليدية، والتي سنتعرف عليها من خلال هذه الدراسة.

تقع واحة طولقة القديمة في الزيبان الغربي، علي بعد 35كم غرب مدينة بسكرة (شكل 1)، وقد اشتهرت منذ القديم، بمساحات نخيلها الواسعة، وجودة تمورها، إلا أنها تمر اليوم بمرحلة صعبة تبعث علي القلق: فالتوسع العمراني لمدينة طولقة ( 05000 نسمة) تزحف على حساب أراضيها من الشمال، والمحيطات الفلاحية الحديثة في منطقة ذراع البطيخ تحاصرها من الجنوب (شكل 2)، مما انجر عنه التدهور المتواصل لواحة طولقة القديمة.

 

1. التراجع الكبير في الإنتاج الفلاحي

إن التدهور الذي تعرفه الواحة اليوم تعود بدايته إلى السبعينات من القرن الماضي، عندما أخذ التوسع العمراني السريع يغزو المحيط المباشر للواحة، ويقتص مساحات معتبرة من أراضيها. وكان هذا التوسع العمراني مرفقا بأنشطة خدماتية جلبت قسما كبيرا من اليد العاملة الفلاحية الكفأة التي كانت تعمل في الواحة، وأصبح استغلال المستثمرات يقوم على يد عاملة تعرف بالخماسة، التي تمثل اليوم 70 % من اليد العاملة في الواحة (الخماسة تعود بقوة في إقليم الزيبان بعد أن اختفت في 1972 عند تطبيق الثورة الزراعية). فالمستثمرات التي تشتغل بيد عاملة عائلية، لا تمثل اليوم إلا 30 % من مجموع مستثمرات الواحة، التي تلجأ من حين لآخر إلى اليد العاملة الموسمية، خاصة في أوقات الجني.

و قد تسارع تدهور الواحة القديمة خلال الثمانينات من القرن الماضي، بعد صدور قانون حيازة الملكية العقارية الفلاحية سنة 1983 (APFA)، الأمر الذي أثر كثيرا على الواحة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي و الهيدروغرافي.

- فالمستثمرات الحديثة ذات الأشكال الهندسية (شكل 3) التي أنشئت في إطار قانون حيازة الملكية في محيطات ذراع البطيخ والمكتوفة، تحقق أرباحا تفوق أضعاف المرات أرباح المستثمرات التقليدية. فتنوع المحاصيل الزراعية في المستثمرات الحديثة (نخيل، زراعات محمية)، والمردود العالي للنخيل الجديد (80 إلى 100كغ/للنخلة الواحدة)، دحرج منتوج التمور في الواحة القديمة، التي تعاني من شيخوخة نخيلها، وقلة مياه السقي فيها، وإهمال صيانة السواقي والنخيل، والتخلي عن استعمال الغبار لتخصيب الأرض منذ أكثر من عقدين، لارتفاع أسعاره، مما أدى إلى التقهقر الكبير في الإنتاج وفي نوعية المنتوج (25 إلى 35كغ/للنخلة الواحدة). كما أن المحاصيل الخضرية التي كانت تشكل الطابق الأول للغلال التي تغرس تحت الأشجار، قد تخلي الفلاحون عنها منذ مدة، بعد أن غزت منتوجات البيوت البلاستيكية أسواق الزيبان، وباتت مداخيل المستثمرات التقليدية تقتصر على النخيل، وهي مداخيل جد متواضعة.

المقارنة التالية بين مستثمرتين، واحدة تقليدية وأخرى حديثة تظهر الفارق الكبير في العائدات بين النظامين القديم والحديث:

نموذج من مستثمرة تقليدية

- مستثمرة تقليدية تقع في الواحة القديمة، مساحتها 30 آرا، يعمل بها صاحبها وعائلته، وهي تتوفر على 40 نخلة، منها 10 يقل سنها عن 40 سنة، أما باقي النخيل فيزيد عمره عن 80 سنة. وكان منتوج هذه المستثمرة خلال سنة 2009، لا يتجاوز 12 قنطارا، (أي بمعدل 30كغ/للنخلة). هذا المنتوج بيع في عين المكان بمبلغ 120 000 دج. وبعد طرح تكاليف المستثمرة، المقدرة بـ 34000 دج، والموزعة بين استهلاك الكهرباء للبئر الجماعي 30000دج، و اليد العاملة الموسمية 4000 دج، لم يبق من صافي المدخول لصاحب المستثمرة إلا 86000 دج.

نموذج من مستثمرة حديثة:

- مستثمرة حديثة تقع في محيط مكتوفة شمال مدينة طولقة، مساحتها 4 هكتارات، تتوفر على 300 نخلة جديدة، منها 38 بلغت مرحلة الإنتاج منذ 5 سنوات، وأنتجت 35 قنطارا سنة 2009 (أي بمعدل 92كغ/للنخلة الواحدة)، قدر ثمن بيعها بـ 380 000 دج، كما تتوفرالمستثمرة على 4 بيوت أبلاستيكية لإنتاج الخضروات، أنتجت ما قيمته 800 000 دج، بيعت في سوق الخضر لقرية الغروس. وقد قدرت العائدات الإجمالية لهذه المستثمرة الحديثة ب 1 180 000 دج. وكان صافي المداخيل 900 000 دج، بعد طرح تكاليف هذه المستثمرة الحديثة التي بلغت 280 000 دج، والموزعة بين اليد العاملة الدائمة (شخصان) والموسمية، والغبار، وكهرباء المنقب الفردي، وأعمال أخرى.

فالمقارنة بين هاتين المستثمرتين تظهر تردي نظام الإنتاج التقليدي، الذي يمتاز بصغر حجم مستثمراته وعدم تناسقها، وهو ما يشكل عائقا رئيسيا لتطورها.

  1. صغر حجم المستثمرات وعدم تناسقها

يبرز تحليل البنيات العقارية الفلاحية لبلدية طولقة (جدول 1)، هيمنة فئة المستثمرات الصغيرة (أقل من 2هكتارا) على باقي الفئات الأخرى، حيث تمثل 76,8 % من إجمالي مستثمرات بلدية طولقة، إلا أنها لا تغطي إلا نسبة 32,8% من الأراضي الصالحة للزراعة في البلدية. هذه المستثمرات الصغيرة تتمركز في أغلبها في واحة طولقة القديمة.

جدول رقم 1: البنية العقارية لمستثمرات بلدية طولقة الوحدة : هكتار

من 10 إلى 20

من 5 إلى 10

من 2 إلى 5 هكتار

أقل من 2 هكتار

 

المساحة

العدد

المساحة

العدد

المساحة

العدد

المساحة

العدد

البلدية

1251,7

55

385,0

62

594,7

222

1092,3

1128

طولقة

المصدر: الإحصاء العام للفلاحة سنة 2000

أما المستثمرات التي تزيد مساحتها عن 2 هكتارا، والتي أنشئت في معظمها في إطار قانون حيازة الملكية عن طريق الاستصلاح، فهي تنتشر شمال وجنوب البلدية في منطقتي مكتوفة في الشمال، و اذراع البطيخ في الجنوب على أراضي عمومية (أراضي بلديات، وأراضي أملاك الدولة) التي تغطي القسم الأكبر من مساحة بلدية طولقة.

و يتوقع أن تضاعف وفرة الأراضي العمومية، ووفرة المياه الجوفية المتوسطة العمق، من انتشار المستثمرات الحديثة، مما يزيد من حدة أزمة الواحة القديمة، التي يتم التخلي عنها من طرف ملاكيها الصغار، المقبلين أكثر فأكثر على الترشح للاستفادة من قانون حيازة الملكية، أو البحث عن نشاط يضمن لهم مدخولا أفضل.

لم تعد اليوم مستثمرات الواحة القديمة، تسقى بينابيع سفح جبل الزاب، التي جفت منذ أكثر من عقدين، كما أن الحصول على ماء البئر التقليدي أصبح نادرا، لكون السماط المائي القريب من سطح الأرض قد نفد، ولم يبق أمام الفلاحين إلا اللجوء إلى السماط المائي المتوسط العمق بواسطة تقنية المنقب لإنقاذ الواحة.

و لمواجهة هذه الوضعية، وأمام التكلفة الباهظة لحفر منقب فردي، وعدم اقتصاديته لصغر حجم المستثمرات، بادر الفلاحون بإنشاء جمعيات تضم أصحاب المستثمرات المتجاورة، للإسهام في حفر منقب جماعي. يتراوح عدد أفراد كل جمعية بين 10 و 30 عضوا. هذه الجمعيات تغطي اليوم 90 % من مستثمرات الواحة القديمة.

يبدأ هذا التضامن حول المنقب باتفاق أصحاب المستثمرات على احترام مختلف بنود اتفاق إنشاء الجمعية، من بينها، إلزامية كل عضو من أعضاء الجمعية قبول زيارة خبير من مصالح المياه لدراسة أراضي مستثمرته، قصد اختيار المكان المناسب لحفر المنقب، وتستفيد المستثمرة التي وقع عليها اختيار احتضان المنقب بحصة ونصف من المياه بدلا من حصة واحدة في كل دورة، وهذا تعويضا للجزء من مساحة المستثمرة التي أقيم فيها المنقب، ويتم توزيع الماء بين أعضاء الجمعية بصفة دورية وبحجم ساعي يكون وفق مساحه كل مستثمرة.

وهذا نموذج من جمعية أنشئت سنة 1982، تقع قرب الزاوية العثمانية في قصر طولقة القديمة، تضم 14 مستثمرة.

و لحفر المنقب، استقدم أعضاء الجمعية خبيرا اختار لهم مكان المنقب، هذا المنقب كلفهم 8 400 000 دج، حيث ساهم كل فرد بـ600 000 دج، ليحصل على حصة من المياه تتناسب مع مساحة مستثمرته، مرة واحدة كل 14 يوما.

يجتمع أعضاء الجمعية مرة واحدة في السنة لمناقشة مشاكل الجمعية وتسديد مستحقات الفاتورة السنوية للكهرباء المستهلك في ضخ ماء المنقب، والمقدر مبلغها بـ 420 000دج، حيث يدفع كل عضو ما قيمته 30 000دج في السنة للمكلف المالي في الجمعية. كما تدفع الجمعية 6000 دج شهريا للشخص الذي يقوم بتوزيع الماء على المستثمرات.

  1. اندثار القصر القديم، وهجرة سكانه

إن قصر طولقة القديمة، المعروف محليا بالدشرة، هو بدون شك أقدم قصور الصحراء الجزائرية. فالآثار الرومانية المنتشرة هنا وهناك عبر القصر، شاهدة على قدم هذه المنشأة، من بينها الكنيسة القديمة، التي تحولت فيما بعد إلى مسجد يطلق عليه اليوم مسجد العتيق أو مسجد الجمعة. إن هذا القصر، الذي كان يأوي ما يزيد عن 2000 نسمة خلال الستينات من القرن الماضي، لم يبق فيه اليوم إلا عشرات من السكان. فالفيضانات العنيفة التي اجتاحت المنطقة في 1969 قد أتت على معظم سكنات القصر المكونة من الطوب، وأن القليل من السكان المقيمين فيه اليوم قد بنوا على أنقاض السكنات القديمة، منازل جديدة من المادة الصلبة، إلا أنها هشة.

و يلاحظ أن غالبية الأسر التي غادرت القصر قد استقرت في حي رأس سوطة، الواقع جنوب غرب مدينة طولقة الحالية، أي في المنطقة المحاذية للواحة القديمة من الشمال.

أما العائلات التي لا زالت تقيم في القصر لحد الساعة هي من العائلات الفقيرة، قدمت في معظمها من إقليم الحضنة، وخاصة من مدينة بوسعادة وبلدية بن سرور. و يعمل أفراد هذه العائلات في الفلاحة بوصفهم خماسة لدى أصحاب مستثمرات الواحة القديمة، أو عمالاً عند أصحاب محلات التمور لشحن وتفريغ المادة من المركبات.

هناك رمز آخر من أشهر رموز الواحة القديمة يعرف اليوم تراجعا كبيرا في وظائفه، ويتعلق الأمر هنا بالزاوية العثمانية ذات الشهرة الكبيرة، التي كان إشعاعها يغطي كل الشرق الجزائري منذ القرن 17. هذه الزاوية، التابعة للطريقة الرحمانية (وهي إحدى الطرق الرئيسية الثلاث في الجزائر: التيجانية، القادرية والرحمانية) كانت وظيفتها الأساسية تعليم القرآن، وهي الوظيفة الرئسية للطريقة الرحمانية. كان مجال تأثير هذه الزاوية يشمل كل شمال شرق الجزائر، و يتعداه أحيانا إلى مناطق أخرى من الوطن. وعند ترميمها وتوسيعها وتحديث مرافقها في الثمانينات من القرن الماضي (إنشاء مرافق رياضية)، كانت الزاوية تستقبل أعدادا من الطلبة يفوق 300 طالبا قبل سنة 2000، إلا أن هذا العدد تراجع اليوم كثيرا ليقتصر سنة 2009 على أقل من 20 طالبا. هذا التدهور يفسر في جزء منه بعدم الاعتراف بالشهادة التي تمنحها الزاوية للطلبة عند تخرجهم من طرف الوظيف العمومي، وهذا منذ أن ظهرت الجامعات والمعاهد الإسلامية. لقد أصبحت المراقد وقاعات التدريس في الزاوية شبه شاغرة، هل هي النهاية؟

البيبليوغرافيا

Cote, M., Les oasis au Maghreb, Tunisie, CERES, 1995.

Khiari, A., Une région pionnière dans le Sahara algérien : El Ghrouss, Méditerranée, N° 3 et 4, 2002.

Mazouz, S., Mémoires et traces : le patrimoine ksourien, in Côte, Marc (dir.), La ville et le désert, le Bas-Sahara algérien, Paris, IREMAM-KARTHALA, 2005.

Nacib, Y., Cultures oasiennes, Bou-Saada essai d’histoire sociale, Alger, ENAL, 1986.

Les systèmes agricoles oasiens, Options méditerranéenne, série A : séminaires méditerranéens n°11, CIHEM /CCE-DG 8, 1990.


الهوامش

* التحقيقات الميدانية، والحوار المباشر مع المزارعين، كانا ركيزة هذا العمل، وذلك سنة 2008.

الأشكال الواردة في النص تم إنجازها بتقنية الرسم (Paint).

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche