لباس الطالبة في الوسط الجامعي : مقاربة انثروبولوجية، جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم

إنسانيات عدد 51-52 | 2011 | الصحراء و هوامشها | ص51-56 | النص الكامل  


َAbdelkader BELARBI 


يعتبر اللباس من الحاجات الأساسية لحياة الإنسان، و ذلك ما دفع به إلى التفكير في كيفية الحصول عليه، ابتداء من أوراق التين أو التوت التي استعملها في بداية حياته و الملفوفة حول وسط الجسم و التي اتخذها الإنسان لستر عورته حين أحس بالتعري و حاجته إلى وقاية جسده.

وما زاد في تطور اللباس ظهور الخياطة و توفر المواد الأساسية و تنوع التفصيلات و القطع و أصبح يستعمل للزينة و التبرج، و مع انتشار صناعة الملابس و ظهور المصانع الخاصة بذلك، ظهر نوع من الأزياء الجديدة و تغيرت الموضة و كان ذلك مع ظهور الثورة الصناعية في أوروبا حيث انتشرت موضة الملابس الضيقة و ظهور آلات خياطة جديدة اخترعت من طرف العالمين الأمريكيين الياس هاو و إسحاق سنجر. و ظل تطور و انتشار الملابس و تغيرها إلى العصر الحالي[1].

أما اللباس الإسلامي فكان يضع جملة من الشروط و الآداب التي تلتزم بها المرأة المسلمة، و ذلك لستر عورتها التي تشمل كل جسمها إلا الوجه و الكفين، فلجأت المرأة و تطبيقا لذلك و خوفها على "شرفها"، إلى الاستعانة بألبسة فضفاضة تغطي كامل الجسم و تكون فوق الألبسة المنزلية العادية، و اتخذت عدة أسماء : الجلباب – الحجاب – الخمار – الحايك – الملاية - ملحفة...الخ  و كانت المرأة تعرف نوعا من الرقابة الذكورية على هذا اللباس خاصة ممن هو أجنبي عن العائلة و عن المرأة نفسها، و يرجع ذلك حسب مقال حول "النساء و الحجاب في حضارة المتوسط" لجارمان تيون Germain Tillion  Les femmes et le voile dans la civilisation méditerranéenne)). إلى الغيرة الذكورية،    أو التشدد الديني[2].

و باعتبار المجتمع الجزائري مجتمعا أبوياpatriarcal ، يمتاز بسلطة الرجل على المرأة و الأسرة، حيث "يسعى إلى المحافظة على تماسك العائلة و حسن العلاقات بين أفرادها و الفصل في المنازعات بالإضافة إلى الدور الأساسي في التوجيه و المراقبة و السهر على حفظ قيم الأسرة و مبادئها"[3]، فإنه يضع قيودا و رقابة على اللباس الأنثوي و إن كانت المرأة لا ترضى بذلك في غالب الأحيان، إلا أن حركة التغير الاجتماعي التي عرفها المجتمع و دخول الثقافة الغربية    و المشرقية عن طريق الإعلام و الاتصال و الاحتكاك بالمجتمعات الأخرى جعلت اللباس يعرف عدة تغيرات. كما تعتبر الأنظمة اللباسية إحدى النتائج الأكثر وضوحا للمثاقفة[4]، خاصة مع ظهور الموضة و انتشار الأزياء و الإعراض عن اللباس التقليدي و إدخال قطع تركيبية جديدة على اللباس، مما أدى إلى نوع من التخلي عن اللباس التقليدي : الملاءة (الملايا) - الحايك – الحجاب...

أما إذا توجهنا إلى الجامعة و تجولنا في مختلف أرجائها وجدناها تزخر بكافة أنواع الألبسة، وفضاء لالتقاء مختلف الثقافات، حيث تجد الطالبة المقبلة على متابعة دراستها العليا أمام رياح الموضة و تنوع الأزياء و الرغبة في التقليد    و التمتع بنوع من الحرية و الاستقلالية بعيدا عن عيون ورقابة العائلة، و بين صراع الالتزام و ثقافة البيئة المحلية و ما يميزها من مظاهر لباسية معينة خاضعة لشروط و قوانين خاصة بتلك البيئة. و مع التحاق الطالبة الجامعية بالحي الجامعي لأول مرة، غالبا ما تصطدم بما يجري فيه (خاصة إذا لم تكن على دراية بذلك)، فهي غالبا ما تأتي من مناطق ريفية أو شبه حضرية، تضم مدونة من العادات و التقاليد المضبوطة و المفروضة في بعض الأحيان و التي نشأت عليها، لذلك قد تنبهر بنمط الحياة في وسطها الجديد الواقع في مدينة كبيرة مثل مدينة مستغانم[5]. و أمام غرابة الوضع فهي إما تسعى إلى التماثل بهن و التكيف معهن و إما لا تعجب بذلك فلا تهتم به.

من هذه المقدمة يتبادر إلى أذهاننا مجموعة من التساؤلات حول نوع الألبسة التي نجدها في الفضاء الجامعي، ونطمح إلى التعرف على كافة أغراض الألبسة  و الممارسات اللباسية للطالبات و مختلف التصورات الخاصة باللباس في هذا الفضاء السوسيوثقافي الجديد بالنسبة لأغلبية الطالبات.

كانت الدراسة في البداية تنصب على ملاحظة مجتمع البحث ككل، و لأجل معرفة الصفات المشتركة و الأنواع السائدة من الملابس والمطلوبة من طرف الطالبات. و للوقوف على الأنواع المختلفة للألبسة تم اللجوء إلى تقنية ملاحظة لباس الطالبات عند مدخل الجامعة و بمساعدة الإخباري. و قد تم إعداد جدول إحصائي يسجل فيه عدد الطالبات اللواتي يرتدين الشكل نفسه (القطع اللباسية نفسها) و في فترة زمنية محددة اختيرت عشوائيا و هي: من الساعة العاشرة إلى الساعة الحادية عشرة صباحا يوم 02/06/2008 حيث كان عدد الطالبات اللواتي دخلن و خرجن 700 طالبة مع مراعاة إمكانية دخول و خروج الطالبة نفسها.    و هو الأمر الذي سمح لنا بتقسيم اللباس إلى خمسة أشكال وفقا للقطع اللباسية المكونة للباس ككل، و الجدول الآتي يوضح ذلك :

كيف تمّ هذا التصنيف للأشكال؟

 

الشكل 1

الشكل 2

الشكل 3

الشكل 4

الشكل 5

المجموع

الدخول

172

104

66

41

15

398

الخروج

132

91

49

25

05

302

المجموع

304

195

115

66

20

700

النسبة

% 43.42

% 27.85

% 16.42

% 9.42

% 2.85

%100

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أما أثناء إجراء المقابلات فكان التركيز على العينة القصدية الممثلة للنوع الواحد من الملابس، إما فرادى أو جماعات. و يتوقف حجم العينة على نسبة التقارب الموجودة بين العينة و المجتمع الأصلي[6]، حيث تم أخذ عدد محدود    و معبّر عن الواقع من الطالبات و كعينة قصدية اخترنا من خلالها 4 حالات لكل شكل من أشكال اللباس و بمجموع 20 حالة، أما إذا كان هناك تباين كبير بين أشكال و أنواع ألبسة الطالبات فتم اخذ عينة كبيرة (أكثر من 10 طالبات)،    و هذا ما حصل عندما التقينا بمجموعات من الطالبات في قاعات الدراسة و في نهاية حصص الأعمال التطبيقية (T.D).

لم يتم الاكتفاء بالطالبات فقط بل وسعنا العينة لتشـمل مجمـوعة من الطـلبة (10 طلبة)، و مجموعة من أصحاب المحلات المتخصصين في الألبسة النسائية (03).

قسمنا البحث إلى أربعة فصول حيث تناولنا في الفصل الأول تاريخ اللباس  و الموضة من العصور القديمة إلى عصرنا الحالي و ركزنا على ما هو جزائري من ألبسة تقليدية محلية أو مستوردة، بينما ركزنا في الفصل الثاني على لباس الطالبة الجامعية و أشكاله حيث قسم إلى خمسة أشكال طبقا لعدد القطع المكونة للباس و نوع كل قطعة، أما في الفصل الثالث وضحنا العلاقة الموجودة بين الجسد و اللباس و الممارسات اللباسية الموافقة لنوعية الجسد، إضافة إلى معرفة دور المثاقفة و الاتصال الثقافي بين الطالبات و الأوساط الاجتماعية المختلفة في تغير اللباس و الموضة و هو ما ادر جناه في الفصل الرابع.

و عموما فقد توصلنا إلى النتائج التالية :

يتوفر الفضاء الجامعي على مجموعة من الأشكال اللباسية المتنوعة و تنوعها يرتكز على القطع المكونة للباس ككل، و الذي قسمناه إلى خمسة أشكال، كل شكل له صفاته و قطعه التي تكونه. و تم تحديد هذه الأشكال انطلاقا من الدراسة الميدانية التي سمحت بتمييز خمسة أشكال تتفاوت فيما بينها، ليترك المجال لانتشار واسع للشكل الأول المتكون من الخمار (الفولار) ابتداء من العريض الفضفاض إلى الأخير، الذي يسمح بظهور الأذنين و الشعر الأمامي مع السروال الضيق و الليكات بأنواعها و اختلاف ألوانها. و الشكل الثاني الذي يتكون من التنورات بأنواعها و القمصان و البودي القصير...، أما الشكل الخامس المتكون من الجلابة و الخمار الفضفاض فهو قليل جدا و يقتصر على بعض الطالبات ذات التوجهات الدينية أو العادات الأسرية المتشددة.

  • ووجدنا بأن ما يسمى بالحجاب العصري هو الذي يطغى على بقية الألبسة الأخرى، و يتكون من السراويل بأنواعها و الليكات ذات الألوان الزاهية، أو التنورات بأنواعها. و الصفات المشتركة في هذا اللباس هو الخمار الذي يسميه البعض بالفولار، و اللباس الضيق الناتج عن طبيعة النسيج المستعمل و القابل للاستطالة فيؤدي إلى الالتصاق بجسد الطالبة ليبرز الجسد بكل علاماته و خصوصياته، و هو ما تصفه الطالبات بالموضة و العصرنة.
  • تساعد هذه القطع الجديدة الطالبة على التحرك بكل خفة و رشاقة مشيا أو جريا أو جلوسا على الأرض أو على المدرجـات أو في أي مكان آخر، دون الخـوف من التعـثر و الانكشاف المفاجئ نتيجة القفز أو بفعل عوامل أخرى، ما يجعل الطالبة في مراقبة مستمرة للباسها إن كانت بلباس آخر.
  • أي شيء تلبسه الطالبة إلا و له أغراضا معينة، لكن هذه الأغراض تتغير من فتاة إلى أخرى و من شكل لآخر، و عموما فقد وجدنا أن من أغراض اللباس التستر الذي لا يخفي الجانب الأنثوي و الذي يزيد من جمال الطالبة و أناقتها و يحافظ على مكانتها، فتتجنب بذلك التعليقات السلبية، و هو ما تحرص عليه الطالبات.
  • تتمسك بعض الطالبات بما يسمى بالحجاب أو الجلباب و يدافعن عنه بأنه هو الأنسب بحكم أنه لا يكشف جسد الطالبة الذي يثير شهوة الذكور، بينما تقر أخريات أنه لا سبيل إلى إتباع الموضة، إلا هذا اللباس الذي لا يكلف غاليا و يستر ما وجد من قبح و عيوب.
  • لا يظهر الفرق بين الحجاب العصري و اللباس الذي تضعه غير المحجبات أو ما يسمى بالمتبرجات و لا يكمن الفرق إلا في قطعة القماش الموضوعة على الرأس "الخمار" أو إظهار المتبرجات للذراعين أو أسفل الركبتين أو أعلى الصدر.
  • يتجه الحجاب العصري في كل مرة إلى مزيد من التقليد للنموذج العصري  أو الغربي لكن مع الحفاظ على الستر الذي تنادي به الضوابط الاجتماعية  و الثقافية، فمن السروال العريض جدا الذي يشبه التنورة الطويلة و الذي ظهر في الثمانينات إلى السـروال العادي (التسعينات) إلى الضيق "السليم" إلى السروال القصير pental-court، ثم التنورة القصيرة التي أصبحت مسموحة للمحجبات لكن ليس لوحدها فحتى يكون الستر كاملا توضع الجوارب الرقيقة (les bas).
  • و للباس علاقة وثيقة بالبناء الأسري و الاجتماعي و التنشئة الاجتماعية لأغلبية الطالبات، فلهن إحساس بالمراقبة من طرف الأهل، و يقيد حريتهن بمجموعة من الضوابط التي تفرض عليهن عددا من التصورات تمثل النموذج اللباسي المطلوب من طرف العائلة، و الذي من الواجب المحافظة عليه خارج البيت من طرف الطالبة. و يتحكم على الطالبة في هذا الفضاء الجديد التكيف مع الأنظمة اللباسية المتواجدة فيه، مع إصرار الفئة الباقية على التستر وفق ما يسمى الحشمة و العفة و حفظ الشرف و هي مصطلحات رمزية تسعى الطالبات المحافظة و الدفاع عنها لأنها تمثل الهوية المحلية و عادات الأصل. إذ لا يجوز كشف الجسد للأخر إلا من وراء حجاب يجنب الفتنة و الغواية حسب نظرهن.

    الهوامش

* ماجستير في الأنثروبولوجيا، تحت إشراف الحاج سماحة الجيلالي، جامعة مستغانم، 2010.

[1] الموسوعة العربية العالمية، نسخة الكترونية، قرص مضغوط cd rom، 2004 .

[2] Charles-André, Julien, Études maghrébines : mélanges Charles-André Julien, Presse universitaires de France, Paris, 1964, p. 31.

[3] محمد شريف، فاتن، الأسرة و القرابة : دراسات في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، الإسكندرية، دار الوفاء، الطبعة الأولى، 2006، ص.418.

[4] المثاقفة : مصطلح انثروبولوجي يعني تأثر و احتكاك الثقافات ببعضها البعض لإنتاج نموذج ثقافي جديد.

[5] بن عبد الله، زهية، الجمال و الجسد الأنثوي، مذكرة ماجستير، جامعة وهران، 2004، ص.41.

[6] بوحوش، عمار و الذنيبات، محمد محمود، مناهج البحث العلمي، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، 1999، ص.64.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche