طه طنطاوي، تقديم ابراهيم نصرالدين، فرانز فانون والثورة الجزائرية


إنسانيات عدد 55-56| 2012 |  الشباب بين الحياة اليومية و البحث عن الهوية | ص 105-108


تعرض الكاتب في الباب الأول من كتابه إلى ظروف نشأة المفكر "فرانز فانون"، خصها بالتدقيق في المبحث الأول منه، تعرض فيه للظروف العائلية والتكوينية التي نشأ فيها، حصر لنا العائلية في نشأته داخل أحضان أسرته، أما التكوينية، فهي في مجال الطب النفسي، الذي اعتُبر توجهه العلمي الأساسي، الذي مكًنه من نسج علاقات شخصية مع بعض المفكرين، مثل "جان بول سارتر" و "فرنسوا توسكيل"، أحدثت لديه هذه العلاقات تأثيرات فكرية، أكسبته تجارب وخبرات واقعية. 

ينتقل صاحب الكتاب، إلى الحديث عن التجربة الحقة في شخص المفكر "فرانز فانون"، بدءا من التحاقه بجيش فرنسا الحرة، وانضمامه بعدها إلى الثورة الجزائرية، خاصة قناعته وبشخصية خالصة للثورة، نتيجة معايشته للأوضاع المزرية للشعب الجزائري، الأمر الذي أكسبه حياة فكرية وعملية خاصة، شهد لها معظم من كتبوا عنه أمثال "محمد الميلي". نستشف أيضا إعجاب الكاتب للمفكر فرانز فانون

 نتيجة وعيه المبكر، بالرغم من صغر سنه، لمبادئ الثورة التحريرية، مستدلا بمجموعة من كتبه التي نعرف من خلالها حسب الكاتب شخصيته البطولية.

أما في المبحث الثاني، فيتطرق الكاتب إلى وصف الحالة التي عاشها فرانز فانون، كون طبيعة الاستعمار الموجود آنذاك، هي مرحلة عبر عنها بمرحلة الاستعمار القديم والجديد، وما ميز كلا منهما على معظم المستعمرات، خاصة افريقيا التي عرفت أشكالا مختلفة من الاستغلال الاستعماري، رغم إيمانها بمبدأ التحرير الوطني الذي كان من أهدافه، تحرير الشعوب المستعمرة، والتخلص من الاستعمار برمته. التحرير الوطني، الذي حرًكته حروبا عالمية كبرى خلال النصف الأول من القرن العشرين، وتغيرت فيها موازين القوى العالمية، إضافة إلى الممارسات العنيفة للدول الاستعمارية.

مرحلة ثالثة يصفها الكاتب، بعد وصفه لمرحلتي الاستعمار والعنصرية والتحرر الوطني، هي مرحلة طُرحت فيها مسألة التفاوت الاقتصادي بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث؛ تفاوت في الغنى والفقر، تخلف وتقدم، واستغلال للرأس المال البشري، ومن ثمة ظهور الانشطار للعالم، أحدهما رأسمالي، وآخر اشتراكي؛ ظروف تجمًعت ليتواجد فيها المفكر "فرانز فانون"، إضافة إلى  ظرف آخر يتعلق بالسياق الحضاري، وبالتحديد فترة ما بين الحربين العالميتين، الذي يمكن تقسيمه حسب الكاتب إلى ثلاثة أقسام:

يتعلق الأول بالتيارات والظواهر الفكرية والثقافية، الناتجة عن استغلال الدول الاستعمارية لمعظم دول أرجاء العالم في القارات الأربع، وما أحدثته على سكان هذه البلدان على جميع المستويات الثقافية والفكرية المدعـومة بالتيارات الفلسفية؛ كالوجودية والفكر الاشتراكي. أما الثاني فيتعلق بالتيارات السياسية الدولية التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، التي كان من أهمها الحروب الباردة، وسياسة التعايش السلمي وحركة عدم الانحياز. أما الثالث فيتعلق بالتيارات السياسية الاقليمية الممتدة منذ أوائل القرن العشرين، وحتى ما بعد منتصفه، والمتمثلة في حركة الجامعة الافريقية، ونشوء "الزنوجة" التي كانت بمثابة رد على عملية الاحتواء الثقافي والحضاري و"الوعي الأسود" الذي لعب دورا كفاحيا، خاصة في جنوب افريقيا. 

أما في الباب الثاني من هذا الكتاب، فيتطرق الكاتب إلى وصف علاقات فرانز فانون بالقضايا المعاصرة، من خلال كتاباته التي عرض فيها القهر الاستعماري المُسلط، خص هذا الجانب بمزيد من التحليل، في المبحث الأول منه، برؤية وتفسير للظاهرة الاستعمارية، والتأثيرات السلبية التي يُحدثها، مقترحا في نفس الوقت، بعضا من استراتيجيات المواجهة، مستعينا بتجربته الخاصة، المستقاة من المرحلة الاستعمارية التي عاشها، إلى جانب تخصصه لمجال الطب النفسي.

أما في المبحث الثاني من هذا الباب، فقد عاد الكاتب إلى الحديث عن أهمية التحرير الوطني في نظر "فرانز فانون"، يعود هذا الاهتمام حسب الكاتب بالأساس، إلى الارتباط العضوي الوثيق بمبدأ التخلص من الاستعمار، مبرزا في نفس الوقت السياقات التي تتحقق بها قضية التحرير الوطني؛ يُجملها في الدور الكفاحي والنضالي، الذي يجب أن تلعبه الدول المستعمَرة، وبالأخص القوى الاجتماعية بمختلف طبقاتها (الفلاحون، البروليتارية الرثة، الـبروليتاريا المدنية، البرجوازية المحلية...)، بالإضافة إلى الدور الثقافي للشعوب المستعمَرة والمثقفة، وتحليها بمجموعة من الميزات كالمسؤولية والوعي السياسي.

أما في المبحث الثالث فيتطرق الكاتب، دائما إلى موضوع الاستعمار، وبالأخص إلى الآثار التي تركها على الدول الافريقية غداة الاستقلال، يصف فيها رؤية "فرانز فانون" لهذا الواقع الذي يمكن أن نطلق عليه بـ "البداية"، نتيجة تجرده من الأمور التي تُمكنه من الوقوف لأجل مواصلة ركب الدول الأخرى، المليء بالمخاطر والتحديات، نظرا لانهيار الأوضاع بمختلف مستوياتها؛ يقترح " فرانز فانون" هنا الجانب الانساني المتمثل، في أحقية دول العالم الثالث المستعمرة في تقديم المعونة والتعويضات من الدول الاستعمـارية السابقة، وأن طريق التقدم والتنمية حسبه، لا يتـم عن طريق التنمية الرأسمـالية، وإنما للخـيار الاشتـراكي، دون إشارته للنموذج المثالي.

أما الباث الثالث من الكتاب، فقد خصه الكاتب بالحديث عن الثورة الجزائرية، وفي المبحث الأول منه، تحدث عن ثلاثة جوانب هامة، يتعلق الأول بعلاقة "فرانز فانون" بالثورة الجزائرية بداية بظروف ومجالات التأثير، التي أهلته لاختيار الجزائر كمستقر مهني ونضالي من جهة، وسياسي ودبلوماسي من جهة أخرى، أما الثاني فيتعلق بالآثار التي تركتها الثورة على شخصية "فرانز فانون" خاصة موقفه المستمد من الماضي والثقافة الوطنية، أما في الجـانب الثالث، ومن خلال العودة إلى كتاباته فقد وصف مراحل التطور في إطار الثورة الجزائرية.

أما في المبحـث الثـاني من هذا الباب، فـقد وصـف لنا الـكاتب ما وُصـف مـن قبـل "فرانز فانون" لأوضاع المجـتمع الجـزائـري؛ مـرحلتي مـا قبـل الثـورة و إثناءها، خص فيها الحديث عن دور كل طرف على حدة؛ المرأة، ثم لأسرة تجاه الثورة، يصف لنا بأن همهم الوحيد هو الكفاح لأجل الاستقلال.

يصف لنا الكاتب كذلك، ومن خلال "فرانز فانون" الأثر البالغ الذي أحدثه الاستعمار على المجتمع، الذي وصل به الحد إلى نفي كل ما له علاقة بالمستعمر، حتى ولو كان نفعيا؛ كنفيهم للطب الحديث، الأمر الذي يبرز الأثر البالغ والجرح العميق جراء بشاعة المستعمر الفرنسي، كل هذا، وجد صمود أبناء الثورة الجزائرية؛ الثورة التي مثُل لها رجال عظماء مثل "فرانز فانون" حيث تبقى مسيرته الفكرية، تحتاج دائما لمزيد من البحث والتحري في مجال الفكر السياسي.   

منور ماريف

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche