ظاهرة الهجرة عند عبد المالك صياد: من السياق التاريخي إلى النموذج السوسيولوجي

 إنسانيات عدد 62 | 2013 | عدد متنوع | ص25-38 | النص الكامل  


The phenomenon of migration in Abdelmalek Sayad, the historical context in sociological model

Abstract: This article discusses the work of Abdelmalek Sayad on emigration and immigration, both phenomena are considered as inseparable and thus making a break with previous sociological analyzes. These studies and analyzes of Abdelmalek Sayad of the emigration of Algerians in France were linked to the historical context of Algeria and its relationship with the colonial situation, which makes it an exemplary emigration in its path. Several researchers in this field then rely on his studies as a model to analyze other migration while keeping the historical and cultural specificities of each migration.

Keywords: Abdelmalek Sayad - emigration - immigration - journey - historical context.


Abdellah BELABBES : Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.


مقدمة

أحدثت دراسة ظاهرة الهجرة من طرف عالم الاجتماع الجزائري عبد المالك صياد تغييرا كبيرا في أدوات و وسائل التحليل السائدة التي كانت محكومة بنظرة أحادية، أي تحليل ظاهرة الهجرة من وجهة نظر مجتمع الاستقبال وحده، بحيث اعتبر أن هذه الظاهرة تخص مجتمعين اثنين هما المجتمع الأصلي، أي المجتمع الجزائري، و مجتمع الاستقبال، أي المجتمع الفرنسي.

مقابل مصطلح الهجرة، استعمل عبد المالك صياد مصطلحين هما: émigration و immigration فالمصطلح الأول يمكن ترجمته إلى الهجرة، هو انتقال من البلد الأصلي نحو بلد آخر. أما المصطلح الثاني، و الذي يمكن ترجمته إلى مصطلح الغٌرْبة، يعني التواجد والعيش في البلد الُمستقبِل. إذن فالهجرة حسب صياد تكون دائما من البلد الأصلي نحو بلد الاستقبال، و تكون غُرْبَةً في بلد مُسْتَقْبِل، فيكون المُنتَقِلُ مهاجرا من بلده الأصلي ليصبح مٌغْتَرِبا في بلد مُسْتَقْبٍلٍ له.

لقد عرف العصر الحديث تفاقما لهذه الظاهرة من خلال تزايد أعداد المهاجرين مثلما يشير إلى ذلك أنطوني غدنز: "ليست الهجرة ظاهرة جديدة، غير أنها أخذت بالتسارع المتزايد في العقود الأخيرة لتصبح جزءا لا يتجزأ من عملية التكامل العالمي. و أصبحت أنماط الهجرة تعبّر عن التغيرات التي طرأت على العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين دول العالم. و تشير بعض التقديرات إلى أن المهاجرين في مختلف أنحاء المعمورة عام 1990 بلغوا نحو ثمانين مليون شخص يشملون نحو عشرين مليونا من اللاجئين. و يُعتقد أن هذه الأعداد ستتزايد في أوائل القرن الحادي و العشرين، بل إن بعض علماء الاجتماع يُطلقون على أيامنا هذه "عصر الهجرة".[1]

نحن نرى أن دراسة ظاهرة الهجرة، في العالم عامة و في الجزائر خاصة، تستند في كثير من الحالات إلى أعمال عبد المالك صياد الذي أعطى لها معان و مصطلحات جديدة. "لقد كان يهتم بكل المصادر التي تمكّن من الفهم الجيد لواقع الهجرة، ولكل الإشكاليات التي كانت تظهر تدريجيا في حقل دراسات الهجرة منذ بداية الستينيات" [2] و أحدث قطيعة مع الدراسات السابقة التي كانت تتناول الظاهرة تناولا أحاديا قائما على تمركز إثني لا يؤدي إلا إلى دراسة سطحية جزئية لها: "كل دراسة للهجرة تتجاهل الظروف الأصلية للمهاجرين ستحكم على نفسها بأنها لا تعطي في الوقت نفسه لظاهرة الهجرة إلا رؤية جزئية وقائمة على تمركز عرقي" [3]. استبدل ع. صياد هذه الدراسة الأحادية المتحيزة بدراسة ثنائية تتناول مسار المهاجرين مِنْ بلدهم الأصلي إلى بلد الاستقبال و داخله أيضا، انطلاقا مما يحملونه من إرث ثقافي وما يجدونه أمامهم من ثقافة مختلفة و مغايرة: «تعتبر الغربة موضوعا مُشَوَّهًا. يجب أن نعرف الهجرة، يجب أن يكون لدينا اهتمام بالهجرة وبدراستها، حتى نتذكّر أن كل مغترب هنا هو مهاجر من مكان ما من هناك، حتى نتمكن من إعادة تركيب طرفي أو وجهي الظاهرة نفسها، حتى نحاول إعادة بناء الموضوع في كليته» [4].

ارتبطت الدراسات التي قام بها ع. صياد والتحليلات التي أعطاها لظاهرة هجرة الجزائريين إلى فرنسا بالسياق التاريخي للجزائر في علاقته بالوضع الاستعماري ليجعل منها هجرة مثالية في مساراتها، و من هنا يمكننا طرح التساؤلات التالية : هل بالإمكان أن تتحول هذه الدراسات و التحليلات إلى نموذج لدراسة أية هجرة أخرى؟ أي هل يمكن الانتقال بها من السياق التاريخي إلى النموذج السوسيولوجي؟ هذا ما نعتقده و ما سنحاول تبيانه في هذا المقال.

السياق التاريخي للهجرة الجزائرية

في سنة 1977 ظهر لعبد المالك صياد مقال مهم تحت عنوان: "الأعمار الثلاثة للهجرة الجزائرية إلى فرنسا" في المجلة التي أنشأها بيار بورديو [5] ، كما تم إعادة نشره في الكتاب الذي طبع بعد وفاته:الغياب المزدوج: من أوهام المهاجر إلى معاناة المغترب[6] . يبين المخطط التالي هذه الأعمار و ما يتميز به كل عُمُرٍ كما حدده صياد في هذا المقال:

جدول 01 : مراحل الهجرة الجزائرية إلى فرنسا

العمر الثـالـث

العمـر الثانـي

العمــر الأول

نسبيا من 1962 فما بعد

نسبيا من 1945 إلى سنة 1962

نسبيا من 1871 إلى غاية الحرب العالمية الثانية

مستعمرة جزائرية في فرنسا

ضياع مراقبة الجماعة للفرد المهاجر

هجرة لمهمة: إعادة إنتاج الجماعة أي أن الجماعة تعيد نفسها من خلال الدخل الذي تدره الهجرة

هجرة العائلات

مرحلة تحرر الأفراد

هجرة الأفراد

 

يتضح من الجدول أن عبد المالك صياد يقسّم زمن الهجرة الجزائرية إلى فرنسا إلى ثلاث مراحل أو أعمار، كما هو ملاحظ من العنوان؛ و ليس هناك تحديد دقيق لبداية هذه الهجرة، ولكن هناك إشارة إلى بداياتها بصورة تقريبية حيث يرجح الدارسون أن العمر الأول أو المرحلة الأولى منها كانت نسبيا منذ أواخر القرن التاسع عشر. "يتفق أغلب الذين كتبوا عن الهجرة الجزائرية إلى فرنسا بأنها قد تمت في مرحلتها الأولى دون إثارة الانتباه إليها، لذلك يصعب على الباحث تحديد سنة بعينها كبداية للهجرة نحو فرنسا. لكن من المؤكد أنها بدأت قبل سنة 1874، وهي السنة التي صدر فيها مرسوم يقيد الهجرة إلى فرنسا بالحصول على (إذن بالسفر)" [7]. و يسمي هذه المرحلة في مقاله بأنها هجرة لمُهِمّة أو هجرة بأمر، أي إنها بأمر الجماعة ("ثاجماعت") التي يذوب فيها الفرد كليا و يعمل من أجلها ومن أجل تأبيدها على حد تعبيره أو إعادة إنتاجها. و على حد تعبير بيار بورديو: "إن عمل الفلاح كان حالة، طريقة في العيش أكثر مما كان مهنة تقنية: كان مهمة اجتماعية كلية، خارجة عن كل اعتبارات الربح و الفائدة. إن المقابلة تعتبر جذرية بينها وبين العمل المأجور المعاش في فرنسا الذي يخترق من جانب لآخر عقلية الحساب" [8].

أما العمر الثاني فيبدأ نسبيا بعد الحرب العالمية الثانية 1945 إلى غاية استقلال الجزائر سنة 1962. تتميز هذه المرحلة أنها تمهيد لبداية مرحلة جديدة قائمة على فردانية تسعى إلى تحقيق الذات، إنها مغامرة فردية يوجهها الأبيتُوس (habitus)الاقتصادي، أي أن الفرد ينطلق في مشروعه للهجرة بعقلية جديدة مُستبْطَنة من أجل العمل لحسابه الخاص و ليس لحساب الجماعة، لهذا بدأ يظهر في هذه المرحلة ما يسمى بعقلية الحساب: "زيادة على ذلك، فلأن الهجرة كانت المنبع الرئيسي – إن لم تكن حصرا – للعائدات المالية التي كانت تنتقل في الوسط الريفي، فقد شاركت على نطاق واسع في نشر عقلية الحساب في استعمال النقود، و بكل عواقبها الاقتصادية و الاجتماعية في تغيير الحياة الزراعية التي حورت فيها كل الأسلوب بتعديل الترتيبات تجاه الاقتصاد" [9] .

يبدأ العمر الثالث نسبيا بعد سنة 1962، أي بعد الاستقلال، ويُعَنْوِن صياد هذه المرحلة بما يسمّيه "مستعمرة جزائرية في فرنسا". تتميز هذه المرحلة بهجرة أسرية التحقت فيها أسر المغتربين بفرنسا، ليُسمح للمُغْتَرِبين بضمّ أسرهم، و هنا تبدأ ما يُسمى بـ "هجرة الإسكان" التي تتلو بالضرورة، حسب صياد، هجرة العمل. "إن الفهم بأن الغربة هنا، و الهجرة هناك هما وجهان غير قابلين للانفصال، لواقع واحد و لا يمكن تفسير أحدهما دون الآخر، هو الذي مكّن صياد أن يرفض نظريا وعمليا، هذا التعارض المقدّس بين "هجرة العمل" و "هجرة الإسكان". إن الأولى تحتوي في بذورها الثانية والتي تكون بدورها غاية الأولى" [10] .

تحليل المسارات حسب الأعمار

يمكننا تحليل مسارات الهجرة حسب أعمارها الثلاث انطلاقا من الجدول التالي:

جدول 02 : تحليل المسارات حسب الأعمار

العمر الثالث

العمر الثاني

العمر الأول

أصبح الأمر يتعلق بما يمكن أن نسميه "هجرة إسكان"، و بالتالي إيجاد مجتمع صغير مستقل نسبيا سواء بالنسبة للمجتمع الفرنسي أو بالنسبة للمجتمع الجزائري الذي ينحدر منه، لكن ينفصل عنه أكثر فأكثر.

أن المهاجر ينتقل إراديا إلى بلد الهجرة بحثا عن العمل الذي لم يجده في البلد الأصلي.

أن المهاجر لا ينتقل إراديا وإنما مُجبرا وبتكليف من الجماعة، أو ما يسمى بـ "ثاجماعت".

يمكن أن يتغير الفضاء الاجتماعي و لكن قد يبقى الحقل نفسه (إمكانية العمل في بلد الغربة بشهادة حصل عليها من بلد الهجرة، شهادة إعلام آلي مثلا).

أن المهاجرين أصبحوا موجّهين بأبيتوس اقتصادي للمغامرة.

أن المهاجر يحمل خاصيات تؤهله للقيام بهذه المهمة ("بونية").

ظهور حقل جديد للهجرة يتمثل في إنشاء الجمعيات والقوانين والهياكل لتوطيد مكانة المهاجرين/المغتربين كمجتمع صغير.

الهدف هو تحقيق الذات وهو منطق آخر مخالف للمنطق السابق، قطع روابط التبعية التي كانت تربطه بالوضعية السابقة.

الهدف هو إعادة إنتاج الجماعة (بورديو) أو إدامة الجماعة (صياد).

الانتماء لهذه الهياكل و القوانين و الجمعيات أكثر فأكثر.

الجماعة ليس لها حساب لدى المهاجر، هناك نقل أقل للأموال (إستراتيجية فردية). (بداية زوال النزعة الجماعاتية و ظهور الفردانية).

الانتماء المطلق للجماعة التي تسيّر وتراقب وتمنع أي سلوك يخل بتماسك الجماعة.

لم يعد الأمر يتعلق بالانتقال من فضاء إلى فضاء ولكن انتقال بين هذا و ذاك (فهو هنا و هناك). لم يعد الأمر يتعلق بغياب مزدوج وإنما بإمكانية حضور مزدوج.

استمرارية في الانتقال من الفضاء الزراعي إلى الفضاء الصناعي دون انتقال الأبيتوس الزراعي إلى الأبيتوس الصناعي.

انتقال المزارع إلى الفضاء الصناعي و يعيش فيه.

أن القوانين و الجمعيات و الهياكل هي التي تربط بين الفضاء الأول (بلد الهجرة) و الفضاء الثاني (بلد الغربة).

لا وجود لوساطة في هذا العمر من الهجرة.

الوساطة هنا هي الجماعة.

 

عندما نحاول قراءة هذا الجدول الذي يُميّز الأعمار التي قدّمها صياد، أعمارا تمثل مجتمعا في حالة تغيّر، في حالة تحَوُّلٍ عن طريق دخول الاستعمار ومن ورائه الرأسمالية كما هو معلوم تاريخيا، فإننا نجد أن أول أشكال المجتمع الذي تمّ تفقيره أرسل مزارعين إلى فرنسا يتمثل هدفهم الأول في ضمان عيش وبقاء واستمرار الجماعة الزراعية. إن المزارع المهاجر ما هو سوى مندوب لمجموعته الأصلية من أجل إتمام مهمّة محددة، دقيقة في مدتها وفي مهامها، تتمثل في الحفاظ على الإرث العائلي. إذن ففي هذه الحقبة كانت الهجرة خاضعة لقيم المجتمع الزراعي إذ أن المهاجر كان مُنْتَقًى بعناية فائقة وفق شروط محددة، حيث يجب أن يكون متزوجا، أن يكون محل ثقة الجماعة الزراعية، ذا نوايا طيبة أو على حد التعبير الجاري "بونيّة"، يجوع بل و يقاسي من أجل جماعته من أجل الرجوع بالمال الذي هاجر من أجل جلبه. لكن رغم كل ذلك، فهو خاضع و لا يفلت من مراقبة الجماعة له، ولذا فإنها توصيه بكل صرامة ألاّ يقلّد المدني الموجود في البلد الذي سيهاجر إليه: «لا تأكل، لا تلبس، لا تصرف المال مثله، لا تعمل مثله هو الذي يحب نفسه كثيرا، لا يعمل إلا لحساب نفسه، لأنه بمحاكاة المدني فلا يمكن إلا أن نأخذ بشراهة، بنهم، هذا التعطش الشديد للمال عندما نبدأ في الحصول عليه، ولهذا الادعاء الزائد الذي يوجد لدى أولئك الذين يريدون امتلاك العالم بيد واحدة في يوم واحد» [11] .

في المرحلة الثانية نجد أن المجتمع الزراعي أخذ في التغيّر شيئا فشيئا، لم يعد المزارعون هم الذين يذهبون ،كمزارعين، من أجل التحرّر و الانعتاق من الجماعة، و هم بذلك يُسرّعون من سيرورة تحوّل المجتمع الزراعي و ينقلون معهم أو يجلبون أبيتُوسَ الأجير، أي يجلبون معهم أشكالا ونماذج من حياة الأجير إلى مجتمع غير قائم على الأجرة.

في المرحلة الثالثة نجد أن التحول في المجتمع الزراعي يتواصل، بل يشتد ويتزايد، فقد أصبحنا في مجتمع لم يعد أبدا مجتمعا زراعيا و لدينا إذن الآن شكل آخر من الهجرة هي نفسها ستُنشئ آثارا و انعكاسات أخرى على المجتمع الأصلي.

هكذا نرى أن إشكالية صياد هي عبارة عن تحليل مشترك للظروف التفاضلية التي أنتجت أجيالا مختلفة من المهاجرين وطبقات متنوعة من المسارات التي أنجزت في الغربة فئات مختلفة من المغتربين. يقودنا الحسّ المشترك إلى الاصطدام دائما بجملة من العوائق حيث تكون لدينا تمثّلات متكتّلة في الصّورة نفسها، وعمل السوسيولوجيّ يتمثّل في تفكيك هذه الصّورة الموحّدَة ليستنتج أن هناك ظاهرة مركّبة، و هذا ما قام به عبد المالك صيّاد بتحليله للأعمار الثلاث للهجرة الجزائرية بفرنسا.

النموذج السوسيولوجي لظاهرة الهجرة عند صياد

إن اعتبار عبد المالك صياد لظاهرة هجرة الجزائريين إلى فرنسا مثالا من خلال دراساته و تحليلاته لها، هو الذي يجعل الانتقال بها إلى السياق السوسيولوجي ممكنا لتكون نموذجا لدراسة هجرات أخرى تختلف زمانا و مكانا و ثقافة مع احتفاظ كل هجرة بخصوصياتها. يكتب عالم الاجتماع الفرنسي كريستيان دي مونتليبار: "إذا بقيت تحاليل صياد صحيحة، فإنه يعتبر بلا شك، من بين كل السوسيولوجيين الذي اشتغلوا حول الهجرة، الذي عرف كيف يدفع، إلى أبعد حد، التحاليل حول حالة خاصة وهي هجرة الجزائريين، ليبرهن بفهم واضح كل الأشكال، مبيّنا كذلك أن تعميق حالة واحدة يُمكّن من بلوغ الشكل العالمي. بالفعل لا أحد فكّر أحسن من صياد في المظاهر المتعددة لفعل الهجرة، وبيّن أن الهجرة والغربة هما وجهان لوضعية واحدة حيث تنتج كل الخاصيات الاجتماعية للمهاجرين/المغتربين" [12].

عند تطرقنا للناحية المنهجية في دراساته التي قدّمها حول ظاهرة الهجرة/الغربة، نجد أن صياد قد أحدث تغييرا جذريا في طريقة التفكير حولها، و هذا ما سنبينه من خلال النقاط التالية:

أ. قطيعة إبستيمولوجية مع الأدبيات السائدة [13]

أعطى صياد نظرة نقدية للأدبيات الموجودة حول الهجرة، و التي كانت محكومة بنظرة أحادية هي نظرة المجتمع المُسْتَقْبِل، إذ ميّز نوعين من الأدبيات: تلك التي لا تركّز إلا على البعد الاقتصادي للهجرة و التي تهتم فقط بالمغتربين و كيف يكونون قوّة عمل و بتكاليف و مزايا هذه الغُرْبةِ من طرف مجتمع الاستقبال، فهي تهتم بالجانب الاقتصادي عندهم؛ و الأدبيات التي تركّز على الجانب الاجتماعي و التي تهتم من جهتها بمسائل "إدماج" المهاجرين، بالعمل أولا، و بعد ذلك بالنشاطات الاجتماعية، النقابية، السياسية .الخ [14]. .

كما انتقد صياد، على مستوى المفاهيم، الاستعمال "غير البريء" لمفهوم الهجرة الذي يشير أحيانا إلى الغربة وأحيانا إلى الهجرة. فمن الضروري بالنسبة له أن يكون هناك تغيير جذري في حقل الدراسات حول الهجرة، هذا التغيير يجب أن يتضمن الأخذ بعين الاعتبار العوامل المُتجاهلة من طرف الأدبيات المهيمنة في ميدان البحث حول الهجرة. لذا نجد أن صياد يأخذ كمثال من أجل تطبيق وجهة نظره هذه الهجرة الجزائرية نحو فرنسا. فمن أجل فهم هذه الظاهرة عبر كل مراحلها، يجب فهم المجتمع الأصلي في جميع حالاته الاجتماعية، الاقتصادية، و خاصة الثقافية؛ يعني المجتمع الريفي الجزائري وتاريخه. و تاريخ هذا المجتمع مبني على ميكانيزمات اجتماعية مشابهة لتلك التي تميّز المجتمع الرأسمالي، و لكن لم تكن نتيجة تطور داخلي لهذا المجتمع بل تم إقحامها بصورة عنيفة من الخارج من طرف الاستعمار [15]. لقد تطرق صياد لهذه الصيرورة بدقّة في كتاب "الاجتثاث" الذي ألّفه مع بورديو [16].

إن إقحام النظام السوسيو-اقتصادي الجديد أدى إلى انهيار النظام الاجتماعي و الثقافي القديم للمجتمع الريفي الجزائري، وبهذا أصبحت الهجرة حلاّ ضروريا كما يرى صياد، ولم تكن مقبولة لولا هذا الانهيار الذي حصل. هكذا تولّد الميكانيزم الذي أقيم عليه هذا البناء. لكن هذه الهجرة لم تكن متجانسة، إنها تعكس بطريقتها تحول المجتمع الأصلي إذ أن كل نمط من المجتمع يعطينا نمطا معينا من الهجرة. نحن إذن أمام أنماط للهجرة حسب المراحل التاريخية أو حسب تحوّل المجتمع الأصلي. إن النمط الأول من الهجرة كان يهيمن إلى غاية سنة 1950 وربما حتى فيما بعد بقليل، و هي هجرة من أجل استمرار الجماعة الزراعية و بقائها. إن المزارع ليس سوى مندوب للجماعة من أجل أداء مهمة محددة تتمثل في الحفاظ على تراث العائلة و إذا أمكن يتم توسيعه. أما إذا تمكّن، بالإضافة لأدائه لهذه المهمة مع الحفاظ على القيم الزراعية، دون أن يترك العنان لحاجياته الخاصة، فسينال شكر الجماعة وثناءها، و إلا سيُحكَم عليه بالنبذ ويلحق به العار [17].

إلا أن الجماعة لم تعد كما كانت عليه جراء عدة عوامل من التغيرات التي لحقت بها. لقد أحصى عبد المالك صياد هذه العوامل المتعددة منها: العمل المأجور بالخصوص في فرنسا، المبادلات النقدية أي التعاملات النقدية، الاستهلاكات الحضرية الجديدة، التمدرس، الخ. لقد ظهر نمط آخر من الهجرة، هجرة ليس هدفها المحافظة على الجماعة وإدامتها، هجرة ليست من أجل استمرار العمل الزراعي وتضامن العائلة و لكن من أجل تحقيق الذّات. باختصار هناك نقلة من هجرة لأجل استمرار الجماعة إلى هجرة لتحقيق الذّات، وعن طريق هذا الصنف الجديد من الهجرة انقلبت العلاقة بينها وبين المجتمع الأصلي: كان هذا المجتمع يُخضع الهجرة لسلطته وقيَمه، لكنه أصبح بعد ذلك هو الذي يَخضَع لسلطتها بسبب أنها أصبحت المنبع الكبير إن لم نقل الوحيد لموارده. وكمثال ملموس لهذا الانقلاب، يصف صياد العلاقة بين المشاع العائلي للمجتمع الأصلي والهجرة. في الماضي كان هذا المشاع سابقا للهجرة ويوجهها حتى يضمن استمراريته، لكن فيما بعد، هذه الهجرة نفسها وعن طريق العمل المأجور وعقلية الحساب، نخرت الأسس لواحد من أقدم أشكال التضامن العائلي وبدأت في تطوير الفردانية داخل المجتمع الأصلي. أكثر من ذلك، لقد طورت مشاعا بديلا أي تجمعا عائليا اصطناعيا تحت سلطة فرد يضمن تسيير الأموال المُرسلة من المغتربين. هكذا انقلبت علاقة القوة بين المجتمع الأصلي والهجرة، فبعد أن كان المُغْتربُ تابعا وخاضعا لمجتمعه الأصلي، أصبح هذا الأخير تابعا وخاضعا للمُغْترِبِ [18].

إن ما نسميه بتغيير جذري في تناول عبد المالك صياد لظاهرة الهجرة بالدراسة والتحليل، هو تركيزه على المجتمع الأصلي، وليس على المجتمع المُستقبِل فقط كما كانت تفعل الدراسات قبله. «إن الانطلاق من البلد الأصلي، لا يعني فقط الحديث عن المهاجر قبل الخطاب حول المُغْتَرِبِ. يعني هذا الاهتمام بالفرد في كلّيته، التشبث بتحديد المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها هذا الفرد في الأصل، بممارساته، بسلوكاته اليومية و بقناعاته التي ستضطره الغربة حتما لإعادة النظر فيها» [19]. هذا الطرح الجديد الذي طبّقه صياد على حالة الهجرة الجزائرية نحو فرنسا بالارتباط بمجتمعه الأصلي و انعكاس ذلك على هذا المجتمع هو الذي مكّنه من إحداث تغيير في النظرة السوسيولوجية لظاهرة الهجرة بإعادة الاعتبار للمجتمع الأصلي. و هكذا نلمس على مستوى المنهجية كيف يتحقق فعل القطيعة الإبستيمولوجية بين مشروع سابق و مشروع لاحق جديد.

ب. تدقيق المفاهيم و المصطلحات

عندما يتناول صياد ظاهرة الهجرة بالدراسة السوسيولوجية فهو يزن الكلمات والمفاهيم التي يستعملها و يستخدم مصطلحات معروفة و لكن يعطيها معاني محددة جدا.

مثلا، رأى ضرورة تناول إعادة تكوين مسارات المهاجرين بصورة جذرية. إنه يستعمل لذلك مفهوم "المسار" من أجل دراسة الحركة الاجتماعية للأجيال المختلفة من المهاجرين في ذهابهم و إيابهم، عندما يكونون شبابا و عندما يُحالون على التقاعد. هكذا يحاول الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي تجمع المجتمع بالأفراد والتحولات التي تحدث داخل الفرد نفسه. إنه يشير لدى استعماله لمصطلح مسار إلى انتقال لا يكون ضمن فضاء ثابت لكنه انتقال يكون ضمن فضاء هو متغير في حد ذاته. إذن من وجهة نظر صياد يجب الوصول إلى معرفة و فهم كيفية حصول هذا التغيّر الذي يحدث لوضعية فاعل ضمن فضاء هو نفسه في حالة تغير.

كمثال آخر ميز صياد بين "المتغيرات الأصلية" والتي هي مجموعة الخصائص الاجتماعية المتمثلة في الاستعدادات المحددة اجتماعيا والتي يحملها المهاجرون قبل هجرتهم من بلدهم الأصلي، وبين "المتغيرات النهائية" وهي مجموعة المتغيرات التي ستحدد مآل المهاجرين في بلد الاستقبال [20].

كما يتحدث صياد عن المجتمع الريفي و عن التقاليد الزراعية و عن الجماعة، هذا المصطلح الذي يعود إليه دائما. هذه المصطلحات ليست بسيطة، أو من نتاج الحس المشترك، بل هناك تقاليد سوسيولوجية وراءها و كل المعارف مجنّدة عبر المصطلح الموظف. إنه يستدعي المصطلح ليكون عربة، إذا جاز التعبير، تحمل معارف كثيرة و متعددة. لقد كان يرى فيه بورديو السوسيولوجي المجدّد: «لقد ترك عبد المالك صياد، بعد رحيله عنا ، واحدة من المساهمات الأكثر إنتاجا وأصالة في أنثروبولوجيا الهجرة خلال القرن الماضي» [21].

جـ. أهمية البعد السياسي في دراسة ظاهرة الهجرة/الغربة

قام عبد المالك صياد في دراساته بإجراء مجموعة كبيرة من المقابلات لمدة تقارب الثلاثين سنة مع المهاجرين/المغتربين من مختلف الأجيال و حتى مع الجيل الذي ولد في فرنسا لمعرفة تطور سياقات الهجرة الجزائرية و مآل و وضعيات و ظروف المغتربين الصعبة التي كانت معلقة دائما بالمؤقت سواء في العمل أو السكن. و في هذا الصدد يعتقد صياد أن "الصور الملتصقة بسكن المُغْتَرِبينَ تتداخل دائما مع السكن غير الصّحي. إذا كان حقيقة أثناء كل موجة مغتربين، أن الواصلين الأوائل وجدوا أنفسهم دائما في أحياء قديمة متدهورة أو بنوا ملاجئ مؤقتة على ضواحي المدينة، فقد أمكننا بعد ذلك ملاحظة تحسّن ظروف سكنهم و تقارب مع مساكن المواطنين (الفرنسيين) الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية نفسها" [22].

أدت هذه الصورة النمّطية عن المُغْتَرِبِ في أرض الغُرْبَةِ إلى تجديد دراسة ظاهرة الهجرة فهو يترك الحديث للمغترب دون أن يتحدث هو، الأمر الذي مكّنه من ربط التاريخ الفردي بالتاريخ الجماعي، تاريخ الفرد المهاجر بتاريخ المجموعة المهاجرة، و هو ما يؤدي حتما إلى تناول البعد السياسي في هذا التاريخ لأنه، وإن لم تكن الهجرة في أصلها سياسية، فهي توقظ الوعي السياسي و الاجتماعي (الحركات الجمعوية، النقابات، تطوير الأفكار). لقد عالج صياد هذا الجانب من وضعية المغتربين الذين عانوا هم و أبناؤهم من التهميش السياسي إذ يكتب مثلا: «كيف يتم التواجد في نظام سوسيو-سياسي يسمى الوطن – حتى بالنسبة لهذا التواجد القاصر، التصادفي، غير الهام، السقيم كليا، الضيق، المبتور الذي يُمنح للمغتربين– دون أن يوجدوا بصورة سياسية دون أن يمتلكوا هوية مدنية، حسب القانون؟» [23].

نموذج صياد و الهجرات الجديدة

إن ما قدمه صياد من دراسات للهجرة الجزائرية بيّن الطابع النموذجي لها و أهّلها في نظره إلى أن تكون مثالية. لقد أصبحت نموذجا اتخذه الدارسون في هذا المجال أداة لدراسة و تحليل هجرات شعوب أخرى. مثلا، قدّمت الباحثة "داريا فرات"، التركية الأصل، دراسة عن هجرة الأتراك إلى فرنسا في مدة لا تتجاوز 40 سنة درست فيها أعمار الهجرة التركية نحو فرنسا والتي قسّمتها إلى ثلاثة أعمار، و لذلك فهي ترى أن «النموذج المُقترح من طرف عبد المالك صياد يمتلك فائدة منهجية هامة لأنه يقترح علينا أداة تحليل لدراسة تطور المعنى المُعطى عبر الزمن للهجرة من طرف المغتربين في الوقت نفسه و أيضا المعنى المُعطى للهجرة في البلد الأصلي» [24].

و مع ذلك فمن المهم أن نلاحظ أنّ هناك من الباحثين من لا يتفق كثيرا مع ما ذهبنا إليه، أي اعتبار أن الدراسة التي قدّمها عبد المالك صياد كانت نموذجا في الدراسات السوسيولوجية لظاهرة الهجرة. مثلا، يرى الأستاذ عبد اللاوي حسين، من جامعة الجزائر، أن هناك غيابا للنموذج التفسيري لظاهرة الهجرة/الغربة، وأن الهجرة الجزائرية دخلت في عهد جديد تغيّرت معه مساراتها، مشاريعها وأشكالها إذ يكتب: "إن تفكيرنا يصطدم بثلاثة حواجز: أولا حاجز نظري خلقه غياب نموذج تفسيري للهجرة بمفهوم "الهجرة-الغربة"؛ بعد ذلك، حاجز منهجي يحيلنا إلى صعوبات قياس حجم إقامة الجزائريين في الخارج؛ و في النهاية حاجز متعلق بتأخر إقامة تقاليد في البحث في الجزائر حول مسألة الهجرة" [25].

لقد عرفت هذه الهجرة تغيرا ذا وتيرة سريعة حيث أصبحت تجري ضمن سياقات جديدة إذ لم تعد تقتصر توجهاتها نحو فرنسا فقط، و إنما اتسعت دائرتها نحو بلدان أخرى و إلى قارات أخرى و إلى الدول المشرقية، بالتحديد دول الخليج، أو إلى الولايات المتحدة الأمريكية و كندا. لقد بدأ التغير يأخذ مجراه في حركة تجديد للهجرة لم تُعهد من قبلُ ولم تكن بهذا الحجم من التنوع و التعدد على عهد صياد. فالتغيّر الذي حصل في مسارات الحركة الجديدة لهجرة الجزائريين صاحبه تغيّر في اهتماماتهم أيضا إذ ظهرت أشكال جديدة منها الهجرة النسوية، الهجرة الأسرية، الهجرة غير الشرعية، هجرة الكفاءات، هجرة الدراسة... إذن يتطلب الأمر دراسات جديدة لما يحدث من تغير وتطور في الهجرة من أجل فهم هذه الوتيرة السريعة. لكن تبقى، من وجهة نظرنا، أعمال عبد المالك صياد مرجعية أصيلة في فهم جوانب عديدة من أوجه الهجرة/الغربة.

خاتمة

لقد ترك عبد المالك صياد مؤلفات عديدة و عشرات المقالات، منها ما هو مطبوع في المجلات المتخصصة و منها ما لم يطبع و مازال مخطوطا، و التي تتناول كلها ظاهرة الهجرة/الغربة، دراسة وتحليلا و نقدا، بالاستناد أساسا على المقابلات التي كان يجريها مع المهاجرين/المغتربين من جميع الأجيال. هذه المقابلات مكّنته من الربط بين التاريخ الشخصي للمهاجر/المغترب و التاريخ العام للهجرة الجزائرية، و كان هذا من أولويات التزامه كسوسيولوجي و كمثقف. لقد عاش مع المغتربين و عانى مما عانوه، ما جعله يوصف من طرف بيار بورديو بـ "الإثنولوجي العضوي للهجرة الجزائرية"[26]. هذا الالتزام يضعنا في حيرة أحيانا حيث أننا لا نُميّز، عند قراءة أعماله، هل يتكلم عن نفسه أم عن المغتربين، هل يتحدث هو أم المغتربون هم الذين يتحدثون. هذا الالتزام كلّفه العيش في التّهميش لولا مؤازرة بعض الأصدقاء كما يحكي في سيرته، غير أنه أصبح بعد وفاته مرجعا عالميا في علم اجتماع الهجرة.

المراجع

غدنز، أنطوني، (2005)، علم الاجتماع، ترجمة الدكتور فايز الصباغ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الأولى.

زوزو، عبد الحميد، (1989)، الهجرة ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربين 1919-1939، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب.

Bibliographie

Bourdieu. P, (2001), « L’ethnologue organique de la migration algérienne », in AGONE, Philosophie, Histoire & Politique, Marseille, n° 25.

Bourdieu, P., Sayad A. (1964), Le déracinement, la crise de l’agriculture traditionnelle en Algérie , Paris, Les éd. de Minuit.

De Montlibert, C. (2010), « Actualité de la pensée de Abdelmalek Sayad », in Actes du colloque international, 15 et 16 juin 2006, Casablanca, éd. le Fennec.

Ferat, D. (2010), « Actualité de la pensée de Abdelmalek Sayad », in Actes du colloque international, 15 et 16 juin 2006, Casablanca, éd. Le Fennec.

Gillette, A., Sayad, A. (1976), L’immigration Algérienne en France , Paris, éd. Entente.

Laacher, S. (2012), Dictionnaire de l’immigration en France à présent, Larousse.

Labdelaoui, H. (2012), « L’Algérie face à l’évolution de son émigration en France et dans le monde », in Hommes & Migrations, Paris, n° 1298.

Poinsot, M. (2009), « L’héritage de Sayad », in Hommes & Migration, Paris, n° 1278.

Sayad, A. (1973), « Une nouvelle perspective à prendre sur le phénomène migratoire: "L'immigration dans…" peut être pensée comme étant, initialement et essentiellement, "une émigration vers…" », in Options Méditerranéennes, n° 22.

Sayad.A (1999), La double absence, Paris, Editions du Seuil.

Sayad, A. (2002), Histoire et recherche identitaire, suivie d’un entretien avec Hassan Arfaoui , Paris, ed. Bouchène.

Sayad. A, (2006), L’immigration ou les paradoxes de l’altérité, t. 2. Les enfants illégitimes, Paris, éd. Raison d’agir.

Temime, E. (1999), « Comprendre l’immigration. Quelques notes en mémoire d’Abdelmalek Sayad : un sociologue hors du commun », in Revue du monde musulman et de la méditerranée, no 85-86.


الهوامش

[1] غدنز، أنطوني. (2005)، علم الاجتماع، ترجمة الدكتور فايز الصباغ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، ص. 331.

[2] Poinsot, M. (2009), « L’héritage de Sayad », in Hommes & Migration, n° 1278, p. 1.

[3] Sayad, A. (1999), La double absence, Paris, du Seuil, p. 56.

[4] Sayad, A. (2002), Histoire et recherche identitaire, suivie d’un entretien avec Hassan Arfaoui , Paris, ed. Bouchène, p. 88.

[5] Sayad, A. (1977), « Les trois "âges" de l'immigration algérienne en France », in revue Actes de recherche en sciences sociales , n° 15, p. 59-79.

[6] Sayad, A. (1999), La double absence, op.cit.

[7] زوزو، عبد الحميد، (1989)، الهجرة ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربين 1919-1939، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، ص. 12.

[8] Gillette, A., Sayad, A. (1976), L’immigration Algérienne en France, Paris, éditions Entente, p. 76.

[9] Sayad, A. (1999), La double absence, op.cit., p. 65.

[10] Bourdieu, P. (2001), « L’ethnologue organique de la migration algérienne », in AGONE, Philosophie, Histoire & Politique, n° 25, p. 69.

[11] Sayad, A. (1999), La double absence, op.cit, p. 56.

[12] De Montlibert, C. (2001), Actualité de la pensée de Sayad, Casablanca, éd. le Fennec, p. 18.

[13] اعتمدنا في هذا الجزء على المقال المهم لعبد المالك صياد: Sayad, A. (1973), « Une nouvelle perspective à prendre sur le phénomène migratoire : "L'immigration dans…" peut être pensée comme étant, initialement et essentiellement, "une émigration vers…"», in Options Méditerranéennes, n° 22, p. 52-55.

[14] Ibid. , p. 52.

[15] Ibid. , p. 53.

[16] Bourdieu, P., Sayad, A. (1964), Le déracinement, la crise de l’agriculture traditionnelle en Algérie , Paris, Les éditions de Minuit.

[17] Sayad, A, (1973), op.cit., p. 53.

[18] Ibid. , p. 54-55.

[19] Temime, E. (1999), « Comprendre l’immigration. Quelques notes en mémoire d’Abdelmalek Sayad, un sociologue hors du commun », inRevue du monde musulman et de la méditerranée, n os 85-86, p. 269.

[20] Sayad, A. (1977), op.cit., p. 60.

[21] Bourdieu, P. (2001), « L’ethnologue organique de la migration algérienne » in AGONE, Philosophie, Histoire & Politique, Marseille, n° 25, p. 69.

[22] Laacher, S. (2012), Dictionnaire de l’immigration en France, Paris, Larousse, p. 285.

[23] Sayad, A. (2006), L’immigration ou les paradoxes de l’altérité, t. 2. Les enfants illégitimes , Paris, édition Raison d’agir, p. 13.

[24] Ferat, D. (2010), « Actualité de la pensée d’Abdelmalek Sayad », Actes du colloque international 15 et 16 juin 2006, Casablanca, éd. Le Fennec, p. 199.

[25] Labdelaoui, H. (2012), « L’Algérie face à l’évolution de son émigration en France et dans le monde », in Hommes & migrations, Paris, n° 1298, p. 23.

[26] Bourdieu. P, (2001), op.cit.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche