تقديـم

إنسانيات عدد 62 | 2013 | عدد متنوع | ص7-9 | النص الكامل


 يجمع هذا العدد من إنسانيات عدة مساهمات من مختلف الاهتمامات وحقول البحث: التاريخ والسياسة، التغيرات الحضرية والريفية، الهجرة وبعض الممارسات الاجتماعية المحلية (المتعلقة بالزواج والوفاة).

في الحقل التاريخي، يضيء دحا شريف با فترة من تاريخ الاستعمار الفرنسي للفيتنام خلال القرن التاسع عشر عبر دراسة القرصنة. هذه الممارسة، التي كانت جارية في مناطق تونكين وأنام قبل الاحتلال، أصبحت عائقا جديا للحملة الاستعمارية، خاصة لما ارتبطت بالحس الوطني، وكانت إستراتيجية "بسط السلم" متنوعة بين الحملات العسكرية الصرفة وسياسات "الإقناع" إمّا بعروض العمل للقراصنة والمتمردين أو باقتراح إدماجهم في الجيش. لقد باءت هذه المحاولات بالفشل معطية بذلك صورة لما ستكون عليه نضالات الثورة الفيتنامية في القرن العشرين.

عاد حسن رمعون من جانبه إلى ثورة معاصرة أخرى، الثورة التونسية. لقد أعاد مساءلة مفهوم التوافق التاريخي، على أساس مساهمات ملتقى دولي نظم بتونس في ماي 2013، وذلك بعرض تجارب ثورية أخرى (إنجليزية، فرنسية، تركية و جزائرية). كانت الإشكالية المدروسة هي كيف يمكن، سياسيا، الخروج بإجماع يضمن الحريات الفردية والجماعية من جهة، والأخذ بعين الاعتبار مطلبا هوياتيا، دينيا بالخصوص، من جهة أخرى. تكمن الإجابة حسب الكاتب في تجنب استنساخ التجارب التاريخية الأخرى و التفرغ للبحث عن حلول أصيلة.

تناولت المساهمات الثلاث الموالية موضوعا مشتركا يتمثل في تغير الوسط المسكون، حضريا كان أو ريفيا، وآثاره على السكان. فيما يخص الوسط الحضري، قام كل من الطاهر بعوني، محمد باكور ورفيقة برشاش بتحقيق مع مستعملي وسائل النقل الجديدة من سكان العاصمة، الوسائل التي دخلت الخدمة خلال السنوات الأخيرة (الميترو، الترامواي وقطار الضواحي الحديث). لقد كان الهدف، في مواجهة مشاكل التنقل الناتجة عن النمو الحضري، هو التعرف على ممارسات هؤلاء المستعملين لوسائل النقل، مكانة الوسائل الجديدة في هذه الممارسات، الاختيار من بين هذه الوسائل وكلفة التنقل.

دائما في الوسط الحضري، درس سعيد حساين وعبد الله فرحي ظاهرة العزل المكاني والوظيفي في المدينة متخذين كحالة للدراسة مدينة أولاد جلال (الجنوب الشرقي الجزائري). لقد بَيَّنَا، بتحليل متعدد المعايير، كيف تعاني المدينة من هذا العزل، خاصة مركزها التاريخي، وعرضا بوضوح التوزيع المتمايز للتجهيزات والمحال التجارية في النسيج الحضري. في الأخير اقترح الكاتبان توصيات عملية من أجل معالجة هذه الوضعية غير المتوازنة.

في الوسط الريفي، عرض شريف بن قرقورة تطور الممارسات والتمثلات المتعلقة بالسكن في منطقة المتيجة (وسط الجزائر) وذلك من خلال تحليل تاريخي للسكن الريفي ("الحوش") منذ العهد العثماني. كان هذا التطور بالأحرى خطيا، من شكل جماعي إلى شكل أكثر فردية، ويمس مورفولوجية السكن والحياة الأسرية على السواء.

في حقل آخر، هو حقل الهجرة، ذكّر عبد الله بلعباس بتطور مماثل، من الجماعي إلى الفردي، تم تحليله من طرف عبد المالك صياد، وهو تطور الأعمار الثلاث للهجرة الجزائرية بفرنسا. لكن بغض النظر عن هذه "الهجرة النموذجية"، تساءل الكاتب عما إذا كانت تحليلات ع. صياد نموذجية أيضا من أجل دراسة تجارب أخرى للهجرة، أي إمكانية اعتبارها ليس فقط خاصة بحالة معينة، بل نموذجا سوسيولوجيا قابلا للتعميم. لقد كانت إجابة الكاتب إيجابية مع الإشارة إلى وجود ظواهر جديدة للهجرة تستلزم أبحاثا ومقاربات جديدة.

دائما في حقل الهجرة، اهتمت روزة تيتوش-حدادي بأثر التحويلات المالية للمهاجرين على تنمية بلدانهم الأصلية. تناولت الكاتبة هذه المسألة من مداخل متعددة: أثر هذه التحويلات على المستوى الوطني والجهوي، على قطاعات الإنتاج، على خفض مستوى خط الفقر، وأخيرا على تمدرس وصحة السكان المحليين. لقد أنهت مقالها بأمثلة ملموسة لدول جعلت من هذه التحويلات المالية إحدى وسائل سياساتها التنموية.

في الأخير، تم اقتراح ثلاث مساهمات حول ممارسات اجتماعية دُرِست بمنطقة وهران:

في بحث كيفي مع مجتمع بحث شاب، تساءلت كلثومة أقيس عن اختيار الشريك حسب "الجندر": ما هي خصائص الشريك المثالي؟ وهل يمكن لهذا الشريك المثالي أن يصبح شريكا واقعيا، أي شريكا زوجيا؟ بينت النتائج المحصل عليها تمثلات متعارضة بين الرجال والنساء وأن الجنسانية لا زالت رهانا اجتماعيا جوهريا.

يتّضح هذا الرهان الذي تمثله الجنسانية في مشروع الزواج أكثر في مساهمة يمينة رحو. فبدراسة التمثلات المتعلقة بالعذرية وممارسة جراحة ترميم غشاء البكارة لدى فتيات شابات وأمهات عازبات، تؤكد الكاتبة نتائج دراسات أخرى حول ثقل المعيار الاجتماعي في مؤسسة الزواج. إنها تبين بجلاء كيفية "مراوغة" هذا المعيار باستعمال الطب وكيف يتم بذلك، دائما حسب الكاتبة، تكريس الطابع المخيالي للعذرية.

تنتمي المساهمة الأخيرة لـمحمد حيرش بغداد إلى مجال البحث حول الموت بدراسة الشواهد في مقبرة محلية، ولكن ليس هذا كل شيء. يعرض الكاتب أيضا ممارسات جنائزية أخرى (مثل تغسيل الميت وإعلانات النعي في الصحافة المكتوبة) ويعقد عدة مقارنات مع الغرب فيما يخص "تسيير الموت". تدعم هذه المقارنات أطروحة لويس-فانسان توماس، المذكور من طرف الكاتب، بأن «لكل مجتمع طقوسه الجنائزية من أجل مداراة قلق الموت».

نختم هذا التقديم بالقول إنه فيما وراء تنوع مواضيع هذا العدد، كان الهدف المتوخى هو إما عرض معطيات أصيلة حول مواضيع دُرست سابقا، أو مقاربات جديدة لمعطيات معروفة. في كلتا الحالتين، ستكون المساهمات المجموعة هنا نقطة بداية لأبحاث أخرى كل في حقل تخصصه.

بقلم عبد الوهاب بلغراس و سيدي محمد محمدي

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche