ملعب كرة القدم: مكان للتعايش الاجتماعي، للتعبير ولإدماج شباب ضاحية مدينة وهران (الجزائر)*

إنسانيات عدد 34 | 2006 |الرياضة. ظاهرة وممارسات | ص15-27 | النص الكامل


The football stadium, a place of sociability and integration among youth in Oran outer suburbs (Algeria)

 Abstract: Large African towns attract attention by the recent intense extension of their outskirts, characterized by under-equipment of basic infrastructure together with an apparent deficiency in collective cultural, sports and leisure equipment.
An agglomeration of 832000 inhabitants in 1998, the Oran regional metropolis has to meet a greater demand for leisure equipment for teenage and youth from 15 to 24, whose number has been evaluated at 178000 individuals (21.4%) of the population. Formed by new urban extension zones, this periphery remains largely lacking in sporting equipment, excluding hastily set out game areas, used by some teenagers.
As in the 3 Algerian metropolises, we notice a spatial bipolarization in Oran  marked by two large football clubs (the Mouloudia Oran Club and the Oran Moslem Sporting Association) which shape urban territorial space. Football, a popular inexpensive pastime, is the sport the best adapted to youth sociability, desperately looking for leisure elsewhere than in their periphery, that is to say, downtown. This youthful desire for the town can be seen through the places frequented linked to big clubs and the identification sought after to the town itself. Being a supporter socializes young people who take part in the atmosphere of the town at weekends. Inside the stadiums these young people let off steam and use the same slogans, the same verbal violence, the same words contesting power, like « real «  fans, and the same songs denouncing their being fed up with daily life, (misery, unemploment, bullylike tyranny « hogra », corruption, desire to emigrate, unscrupulous nouveau –riche….).
By taking a close look at this youths’ research for freedom of contestable expression it can perhaps be compared, all things being considered to the role played by football stadiums in forming political militanism conjured up by the National Movement during the 20th century.

Keywords : football stadiums - sociability - Oran - youth - town centre - contestable slogans.


َAbed BENDJELID : Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


تتميز المدن الكبرى بإفريقيا بالتوسع الكبير و الحديث لضواحيها التي تتحدّد بخاصيتي التجهيز الجزئي لمنشآتها القاعدية و النقص الجلي في التجهيزات الثقافية و أماكن الترفيه. و تعتبر مدينة وهران، الحاضرة الجهوية للغرب الجزائري الحالة النموذجية، حيث تصعب الحياة في ذات المكان على الشباب المقيم بالمجالات التي تم تعميرها حديثا، مما يجعل هؤلاء يضطرون للتوجه نحو الأماكن ذات المركزية الحضرية التي تكون غالبا مزوّدة بشكل جيد بالتجهيزات الجماعية. و يمرّ عموما البحث عن وسائل الترفيه عن النفس دون نفقة كبيرة و في أكبر جزء من الوقت، بالنسبة للشباب المنحدر من عائلات فقيرة و حتى من طبقات متوسطة، عبر الجاذبية التي تمارسها عليه الأماكن الموجودة في محيط رياضة كرة القدم.

و هكذا يبرهن الشباب الوهراني، بخروجه من العزلة التي يعيشها في مقام سكناه الواقع بهوامش المدينة و بتردده على الأماكن العمومية المركزية، بحثا عن شباب آخرين، على استعداداته لنسج العلاقات الاجتماعية التي تمكنه من الاندماج في المدينة و بالتالي في المجتمع. و تتجلى الرغبة القوية في التمدّن التي يمتلكها شباب الضاحية و هي كذلك طريقة معينة في إنتاج المدينة، و إن اقتصر الأمر في البداية على مخيال هؤلاء الشباب، و من ثم على ممارساتهم الفعلية لمناطق المركزية الحضرية، و بطرقهم لفرض أماكن مدنية عن طريق كثافة التدفّقات المولّدة، و بالاحتياجات المعبّر عنها بشأن التجهيزات و أخيرا بالكتلة الديموغرافية. و في هذا الصدد، ستدفع، مجمل العقبات التي واجهها هؤلاء الشباب و الاختلالات المؤكدة في نهاية المطاف بالهيئات المكلفة بالتهيئة للتدخل، إن قليلا أو كثيرا، من أجل تحسين الحياة اليومية في المدينة.

المدينة و الشباب : بين نقص التجهيز الثقافي و الطلب القوي لأماكن الترفيه

أ. الفقر الحضري في تجهيزات التسلية

يجد شباب المدن الأفريقية أكثر من غيره في البلدان المتطورة، صعوبات كبيرة في الترفيه عن نفسه، و ذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها العائلات و بسبب الخلفيات الاجتماعية الثابتة التي لا يمكن الكشف إلا من قبل علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية.

إن المدن الجزائرية التي تنتمي إلى هذا النموذج المذكور أعلاه تتميز بطبيعة الحال، بالفقر الثقافي للحياة الحضرية، التي هي في الأصل تعاني، إن قليلا أو كثيرا، من الإهمال الاختياري للسلطات. و هذا ما يفسر العدد المنخفض للتجهيزات الثقافية الموجهة للسكان عموما و للشباب خصوصا، بل بالتقهقر الكمي لها في مدينة وهران مثلا، بالمقارنة مع المدينة الكولونيالية سابقا.

و لا بد من الإشارة حقا للجهود التي بذلتها مؤخرا وزارة الشباب و الرياضة من أجل تمويل المشاريع الخاصة بالشباب، لكن التجهيزات الجماعية التي أُنجزت تظّل مرتبطة منطقيا بتسيير منهك و يُعقده بشكل كبير التنازع في الصلاحيات القائم بين الهيئات العمومية.

ب. الإمكانيات الديموغرافية لشباب الضاحية الوهرانية

و مع ذلك، يبقى الطلب على التجهيزات الجماعية قويا في الحواضر الكبرى في الجزائر، إذ تعرف هذه التجمعات الحضرية الضخمة تشّكلا كبيرا لعملية تعمير هامشي مخطط لها أو غير ذلك، متشظية إن قليلا أو كثيرا. و ينفرد هذا الفك الحضري الهامشي، الملاحظ منذ عقود خلت، بالمدن الكبرى للمعمورة، بنمو ديموغرافي قوي و بتوسع جغرافي هائل للمبني. و هكذا "شهدت خلال الربع الأخير من القرن الماضي، كتلة مباني مدينة وهران و ضواحيها (بلديات وهران، السانيا، بئر الجير و سيدي الشحمي) التي كان يقطنها 832.000 ساكن سنة 1998، تكاثرا و نمّوا سريعا للنوى الصغيرة و الكثيفة المسكونة، و هذا على محيط الإثنتا عشرة كيلومترا القائمة حول المدينة. و يطبع المجال المحيط بالمدينة، الذي هو عبارة عن ورشة مفتوحة بشكل دائم، تشكل اختلافي من حيث القطع المبنية التي تتعاقب في المجال مع فراغات الأراضي الزراعية...، و قد كانت نسبة النمّو الكلي لهذه المنطقة خلال فترة (1966-1998) تمثل 11,36 % بينما نسبة المدينة لم تكن تتجاوز 3,08 %. و تبيّن حصيلة كل تجمع سكاني أن بعض الضواحي قد عرفت سابقا نسب نمو قوية خلال الفترة المتعلقة بدفع الضرائب المشتركة (1977-1987)، و ينطبق ذلك على بئر الجير و عين البيضاء و سيدي معروف. و قد سجلت خلال الفترة المتعلقة بدفع الضرائب المشتركة (1987-1998) أعلى نسب النمو السنوي المتوسط، كل من بئر الجير بنسبة (24,40 %) و النجمة بنسبة (20,32 %). و تضاعف تعداد سكان هذا التجمع السكاني الأخير ثماني مرات تقريبا، إذ انتقل من 4316 ساكن سنة 1987 إلى 33044 ساكن سنة 1998" (بن جليد ع.، حدايد م.، مساهل ع.، طراش س.م.، 2004).

و من المؤكد أن تكثر طلبات التجهيز بالوسائل، التي تستعمل في التسلية و الترفيه من قبل الشباب التي تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و 24 سنة، من الناحية النظرية بحكم العدد المتزايد لهؤلاء الشباب سواء بالمدينة أو بمحيطها المباشر، إذ بلغ سنة 1998، مجموع هذه الشريحة التي حددت أعمارها فيما بين 15 سنة و 24 سنة، إلى 178000 فرد بالنسبة للجنسين معا، أي بنسبة 21,4 % من كافة سكان الحاضرة.

و لنفرض أن الشباب الذكوري هو الذي يهتم أكثر من غيره برياضة كرة القدم، باعتبارها اللعبة الأكثر تفضيلا لديه على غيرها من الألعاب الأخرى، نجد من المحتمل أن ينشغل أكثر من 66000 شخص بهذه الرياضة – الفرجة في بلدية وهران لوحدها و أكثر من 89000 شخص في التجمعات السكنية، كما تم تحديدها سابقا، أي بنسبة (10,7 %) و لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار، ضمن هذه المعطيات، أن مختلف النوى السكنية غير المخطط لها و بالمحصلة غير شرعية، قد ضمّت سنة 2000 حسب تقديراتنا و تقاطع معلوماتنا، أكثر من 120.000 ساكن، أي حوالي 15 % من مجموع سكان الحاضرة. مما يعني بالضبط أن هناك مقدار معتبر من الشباب - يمكن أن نستنبط أن عدده يفوق 12000 شخص – و هو رقم يجب أن نضيف إليه الكمية الكبيرة من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و 14 سنة. و هم كذلك سكان "غير شرعيين" لهذه القطع المبنية، لكنهم حاضرون في الميدان، يبحثون بمختلف الممارسات الاجتماعية علي الاندماج في المدينة بواسطة الرياضية عموما و كرة القدم منها على وجه الخصوص. و هذا يمثل، في حقيقة الأمر و في الجزء الأكبر منه، موضوع هذا البحث.

ج. البحث اليائس عن وسائل التسلية في الهناك : شباب الضاحية

يقتضي كل عرض للتسلية و الترفيه عن النفس في المدينة، إمكانيات مالية و بشرية معتبرة لتسيير الهياكل القاعدية الموجودة. ويملأ الشباب أوقات فراغه، في حالة القصور و العجز في هذه الهياكل، حسب الإمكانيات المتوفرة لديه و لدى أسره، و يتدبر أموره وفق الاستطاعة. و يتوجه الشباب عموما، حسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها (غنية، متوسطة و فقيرة) إلى أماكن معينة و إلى ألعاب رياضية محددة لأجل الممارسة أو الفرجة؛ و تكون هذه المشاركة، بطبيعة الحال، وفق النفقات المالية المحسوبة. أما بالنسبة للشباب المنحدر من عائلات فقيرة التي لا تملك إلا المداخيل الضعيفة، فتقتصر تسلياته الرياضية على الذهاب إلى ملعب كرة القدم مرة كل أسبوع لتشجيع "فريقه". و إذا كان أغلب ممارسي هذه الرياضة يستعملون لأجل ذلك مجالات بسيطة للألعاب[1] لممارسة كرة القدم، فإن أقلية قليلة من الشباب و المراهقين تمارس هذه الرياضة بشكل منتظم ضمن الفرق المتعددة لأحياء التجمع السكاني الوهراني.

و ينهك المراهقون أنفسهم في لعب كرة القدم فيما يشبه مجالات الألعاب، في أحياء السكن العفوي بالضاحية الوهرانية، إذ أن هذه الفضاءات المبنية محرومة من التجهيزات الرياضية الجديرة بذلك بحكم مكانتها اللاقانونية. وبدءا من سّن معينة يتوجه أغلب هؤلاء الشباب (من 15 إلى 24 سنة) للبحث في الهناك عما لا يجدونه هنا، أي في داخل المدينة، يبحثون عن الأحاسيس التي تجعلهم يشعرون أنهم مثل الآخرين من أقرانهم ؛ و هكذا يدفعون ثمن مقعد في ملعب كرة القدم كل خميس، لأجل التسلية باعتبار أن ذلك هو الأقل تكلفة و الأكثر بعثا على النشوة.

د. في الجزائر: مجالات الحواضر موزعة إقليميا من قبل نوادي كرة القدم

تتميز الحواضر الثلاث الكبرى بالجزائر بنوع من الاستقطاب الثنائي "الكروي" المرسوم من قبل فريقين كبيرين لكرة القدم اللذين يوزعان إقليميا المجال الحضري و ضواحيه، و لكن هذا لا يستثنى بطبيعة الحال، وجود نوادي أخرى أقل شأنا.

ينطبق هذا على العاصمة حيث نجد التنافس الحاد بين نادي مولودية الجزائر (MCA) و الاتحاد الرياضي المسلم للجزائر (USMA) و في مدينة وهران بين نادي مولودية وهران (MCO) و الجمعية الرياضية المسلمة لوهران (ASMO) و في مدينة قسنطينة بين نادي مولودية قسنطينة (MOC) و النادي الرياضي لقسنطينة (CSC). إذ نجد بمدينة قسنطينة أن "إحدى أشكال التعايش الاجتماعي، و تكوين الانتماءات و صياغة المخيال الحضري تمر عبر الانشطار بين الفريقين CSC /MOC، و هما الجمعيتان الرياضيتان البارزتان للمدينة" (بولبير د.، 1999). و يعتبر كل من حي بلكور و حي سوستارة بالعاصمة، معلمين بسبب تمركز المقرين الأولين للفريقين بهما و الممثلين في نادي مولودية الجزائر و الاتحاد الرياضي المسلم للجزائر. و الأمر نفسه نجده بمدينة وهران بين حي الحمري و ح_ي مدينة الجديدة المتعلقين بالجمعيتين الرياضيتين لنادي مولودية وهران و الجمعية الرياضية المسلمة لوهران.

و هكذا يملك كل من الفريقين المذكورين تاريخه، و مقره الذي تم نقله منذ مدة إلى وسط مدينة وهران، و مقهاه، و جمعية مناصريه...؛ مما يعطي للمدينة طابعا خاصا و غير مألوف خلال نهاية الأسبوع حيث نجد الأنصار يرفعون بحماس منقطع النظير الألوان الزاهية الممثلة للفريق و يجعل شوارع المدينة مليئة بالإثارة و البشاشة، و خاصة لمّا يكون الرهان حاسما بالنسبة للفريق أثناء المنافسات الشديدة مع فرق المدن المجاورة.

و تقوم البلدية بتسيير هذه الأملاك التي تنازلت عنها الدولة لصالحها، كما تدير مجموع الهياكل القاعدية للرياضة بواسطة القسم البلدي للألعاب الرياضية، و هكذا فقد خصصت ثلاثة عشر (13) ملعبا لكرة القدم للنوادي المحلية بمدينة وهران. كما تم، في هذا الشأن، منح الملعب الكبير أحمد زبانة (فوك دوبارك Fouques Duparc سابقا) الذي يتسع لخمسة و أربعين ألف (45000) مقعد، للديوان العمومي للألعاب الرياضية للولاية في إطار تسيير تعاقدي، بينما يستفيد كل من الفريقين الكبيرين لمدينة وهران من تنازل عن ملعب كاسطور (Castors) المسمى بوامبلي (Wembley) لصالح المولودية (MCO) و عن ملعب ميلود هادفي بمرافال لصالح الجمعية (ASMO).

نوادي كرة القدم : بين انجذاب الشباب و تعايشهم الاجتماعي عن طريق المناصرة

أ. الشباب و مناصرة كرة القدم في الحاضرة

ينجذب شباب كل الأحياء نحو هذه الرياضة الممتعة و المثيرة في ذات الوقت، و إن كان الأمر يتطلب التمييز بين الشباب الذي يسكن داخل المدينة و الذي تعوّد التردد على فضاءات النادي (نادي المناصرين، مقهى النادي، مقر النادي) و أولئك الذين يأتون من بعيد. و يمتد التمييز بينهما كذلك عن طريق نوعية الانخراط بين "المناصرين الناشطين الذين يقدمون دعما ماليا، اقتصاديا و معنويا للجمعية... و القِوام الهامشي (للمناصرين)، و هو جمهور "حامل" لمكوّنات متنوعة تدعى بـِ "المتفرجين المحتملين"... إذ يضم المناصرون ضمن صفوفهم جماهير متعددة تلعب دورا حاسما"، كما يكشف عن ذلك أحد الباحثين في معرض دراسته لمسار نادي كبير لكرة القدم بوهران (غربي س.، 1985). يبحث شباب البناءات الحضرية الجديدة التي تحيط بالمدينة، باعتبارهم ينتمون للفرقة الثانية من المناصرين، عن شكل من أشكال الاعتراف بالجميل بواسطة التعايش الاجتماعي الذي يتم بفضل التردد المحتشم حقيقة على النادي و على الملعب. يظل هذا الانخراط قصّيا على الرغم من كونه، لا يكلف أصحابه شيئا، و إن بدا مُكتسبا و مُواظبا.

ب. نوى السكن غير المخطط له و المتخلفة التجهيزات لعدم شرعيتها

يأتي هؤلاء الشباب الذين يبحثون عن التعايش الاجتماعي بواسطة الانخراط الطوعي في النادي، من نوى السكن غير المخطط له و المبنى فوق أراضي غير مزروعة. و قد ظهرت هذه القطع السكنية اللاقانونية التي نشأت أساسا خلال العقدين الممتدين بين سنوات 1980 إلى 1990، على هامش الأنسجة الحضرية لكل المدن الجزائرية الكبرى. إنها تتميز بمبني ذي نوعية رديئة حيث استعمال حجر الربط (parpaing) و الصفائح التوتياء المتموجة (tôle ondulée)، حتى و إن لزم الأمر لا بدّ من تسجيل أن هذا السكن قد تحسن فيما بعد و أُقيمت في مجالاته بناءات ذات نوعية جيدة. "تتحدد أولا هذه الضاحية ذات النوع الثالث بوهران باكتساح لأراضي واسعة بشكل كبير أو قليل، وهي مساحات ملكية عامة للدولة، إذ تشتمل على تسجيل في التربة لبنيات مخطط غير واضحة المعالم أصلا...، كما تتحدد ثانيا مواقع هذه الضاحية بميزة الضرر بالصحة، و إن كانت البلديات تقبل و تتحمل هذا الشكل من التجمعات السكنية، فإنها لا تعترف بشرعية قانونية محتليها" (بن جليد ع.، 2006).

و في المقابل، لا بد أن يقرأ هذا الاستيلاء المحظور قانونا، حسب أقوال القائمين به، على أنه نوع من "الاسترجاع الشرعي للعقار" من قبل العائلات التي لم تستفد سواء من قطعة أرض تابعة للبلدية أم من سكن اجتماعي حكومي. و قد تم اكتساح هذه الأراضي في ظل تزامن ظروف سياسية صعبة للغاية، انسحبت خلالها الدولة من الضواحي الحضرية و على وجه الخصوص مع بداية الحرب الأهلية. و لم تسمح أجواء اختلال الأمن و الإقامة اللاشرعية على هوامش المدينة التي طبعت هذه المرحلة، للجماعات المحلية من تسيير هذه المجالات، والسعي للتسوية القانونية لأوضاع هؤلاء المقيمين الذين خالفوا القانون و بالتالي إنجاز التجهيزات و البنيات القاعدية الضرورية. و هكذا ظلت لسنوات طويلة هذه القطع السكنية التي لم تخضع للتخطيط العمراني، بدون تجهيزات جماعية وحتى بدون مدارس. و هذا يعني أن الشباب القاطن بها لم تكن لديه أية إمكانية للتسلية في عين المكان، مما اضطره للتوجه نحو وسط مدينة وهران وأحياءها القريبة من الوسط، و فضلا عن ذلك استمر العديد من الشباب والمراهقين بالتردد، كما تعودوا من قبل، على أحياءهم السكنية السابقة لمخالطة أصدقائهم و ارتياد الأماكن المألوفة لديهم. و الجدير بالإشارة في هذا الشأن، أن تحرير النقل العمومي في بداية التسعينيات يمثل نقطة إيجابية، إذ سهل، من خلال ربط هذه النوى الهامشية بالمدينة عن طريق المواصلات بأثمان غير مكلفة، حركية المراهقين و الشباب و ممارسي النشاطات المختلفة (عمال، تلاميذ، ثانويين، متسوقين...) في اتجاه وسط المدينة و بعض الأحياء للحاضرة الوهرانية.

الرغبة في المدينة : الاستعمالات المختلفة للمجال الحضري المركزي  و الممارسات الإدماجية بواسطة كرة القدم.

أ. رغبة قوية في المدينة لدى شباب الضاحية الوهرانية

تمثل الرغبة في المدينة فكرة جد معقولة بالنسبة لأي مخلوق بشري يطمح في حياة مليئة بالنشاطات و الاستراحة، و هو الأمر ذاته بالنسبة للشباب الذي تم نقله خلال الربع الأخير من القرن الماضي إلى سكن فوضوي في ضاحية مدينة وهران لقطع مبنية في أحياء : بوعمامة و بن داود، و عين البيضاء و النجمة و الشهيد محمود...).

يبدو أن الرغبة في المدينة، تمرّ بالضرورة، بالنسبة لشباب الضاحية، عبر الممارسة الفعلية للأنسجة الحضرية التي تشكل المدينة، و بخاصة منها وسط المدينة الأمير، حيث يعتبر التجوال بهذه المجالات الحضرية المركزية، بالنسبة لكل واحد منهم، حقا و شكلا من أشكال الامتلاك الذهني لهذه الأقاليم المدينية التي يرغب في الانتماء إليها. و يتعلق الأمر، من الناحية الفعلية، بالتنزّه عبر الشوارع الرئيسية لوسط المدينة – الذي كان كولونياليا في السابق و تم استرجاعه – أي في الشوارع و الساحات التالية (بن مهيدي، و خميستي و الأمير عبد القادر و الصومام و محمد الخامس و التبسي و جبهة البحر و ساحتي أول نوفمبر و الانتصار...) و هي مجالات تنفرد بحيويتها و بكثافة تجوابها من قبل الرجال و النساء القادمين إليها من مختلف المناطق الحضرية الرحبة و من الجهات البعيدة.

و يلعب هنا، المخيال دورا هائلا في التكوين الاجتماعي و الثقافي للكائن، و يتعلق الأمر بالنسبة للشاب في ذات الوقت، بالتحديد الفردي للمعالم الخاصة به ضمن المجال الحضري و ببناء محيط اجتماعي يتكون أساسا من شباب آخرين، تائهين إلى حد ما، يسعون فعليا لإقامة اتصالات و علاقات اجتماعية.  و لهذا نجد بمدينة وهران، أن الآلاف من الشباب القاطنين في الضواحي يتجهون نحو وسط المدينة و الأحياء القريبة منه، بسبب الغياب الحاد في نواهم السكنية الجديدة و اللاشرعية، للتجهيزات الجماعية و وسائل الترفيه، باستثناء بعض الأراضي المهملة التي يقوم المراهقون بتهيئتها و استعمالها بوصفها مجالات للعب... و ذلك لممارسة كرة القدم، و هو الأمر الذي لا بد من التذكير به كلما أقتضى الحال ذلك. يدفع بهم هذا الوضع، بطبيعة الحال، إلى ارتياد مجالات مجهزة بعيدة عن مقر سكناهم، بغرض التجوال و التسلية أو العمل و إقامة العلاقات الاجتماعية، و بكلمة واحدة، استهداف ترسيخ مجموعة من المعالم التي تحدد ممارساتهم ضمن الحاضرة.

و قد قام هؤلاء الشباب ذوي الحيوية الفائقة و الباحثين عن المؤانسة و العلاقات الاجتماعية الحميمية، بالتحديد الإقليمي لبعض المجالات من المساحة الحضرية المركزية. و هكذا أصبح المقهى، بالنسبة إليهم، معلما دالا و مرادفا للراحة و الالتقاء بالآخرين، و كثيرا ما تتم متاءمة المقهى مع مكان خارجي، قد يمثله غالبا الرصيف الذي يسمح لهم بالتوقف به بشكل مريح، و بالتحدث بين الأصدقاء و بـ "النظر" في المارة (نساء و رجال) و هم يعبرون الطريق... و يمكن أن نضيف لهذين المعلمين، أماكن أخرى يتردد هؤلاء عليها حسب الإمكانيات و القدرات، و بخاصة أيام الراحة و نهاية الأسبوع، مثل قاعات الألعاب الالكترونية و مقاهي الانترنيت و المراكز الثقافية للشباب، و قاعات التمرين العضلي (التعضيل)... يقوم الشاب خلال نهاية الأسبوع بارتداء الملابس اللائقة لكي يندمج في الغُفلية التي تسمح بها المدينة فقط، و في ذات الوقت بالتمتع بجو البهجة الذي يغمر فضاءاتها و باللقاء مع الأصدقاء في المعالم المحددة، و لعل ما يبحث عنه هذا الأخير يتمثل في أصداء المدينة، و بخاصة منها تلك المتعلقة بأخبار كرة القدم، و بصفة أدق الإشاعات و النقاشات التي ترتبط بمباراة الأسبوع. و إلى جانب مقهاه المفضل الكائن بوسط المدينة، يقصد باحتشام شاب الضاحية نادي فريق مدينته الكبير - نادي مولودية وهران مثلا – لأنه ملزم بشراء تذكرة الدخول إلى الملعب و بالتالي اختيار مكان في مقاعد المدرج أو في المنعطفات بناءا على المحادثات التي تمت بينه و بين أصدقائه، و من ثم يتوجه للملعب مع المجموعة بركوب وسائل النقل العمومي غالبا.

ب. مواقف و سلوك الشباب داخل أسوار الملعب

يلتزم شباب أحياء الضاحية الفقيرة بعدم الاقتراب من عناصر جمعية المناصرين بسبب عدم إمكانية الحصول على عنوان سكني رسمي، هذا من جهة، و من جهة أخرى بسبب الوسم السلبي (Stigmatisation) الذي يتعرض له من قبل "المناصرين الحقيقيين" الذي "يطلقون عليه اسم "السويد" وذلك استنادا لرفوف العصافير التي تأتي من الهناك" (بن جليد ع.، 1998).

و يمكن عموما التعرف بسهولة على هؤلاء الشباب بالمدرجات حتى و لو يسلكون السلوك نفسه مثل المناصرين الآخرين و يرددون الأناشيد نفسها، و الشعارات نفسها، و العنف الكلامي نفسه تجاه الآخر و تجاه حكام المقابلة، و كلمات التنديد بالسلطات نفسها، لأنهم بهذه الوسيلة سيتمكنون من الاندماج ضمن الآلاف من الأشخاص الذين يشكلون جمهور مناصري النادي... و بهذا يتمكنون من الانتماء إلى المدينة أيضا...

يتراءى ملعب كرة القدم لكل هؤلاء المتفرجين الشباب و حتى المراهقين الذين تمكنوا من الدخول إليه سواء بدفع ثمن التذكرة أو بالتحايل، بوصفه مكانا لتصريف الانفعالات المكبوتة حيث يسمح بكل شيء داخل هذا الهيكل المهيب و هو بالأمر المختلف خارجه : إذ تنطلق بداخله من لدن المتفرجين و بأعلى الأصوات كل الأناشيد المتعلقة بموضوعات مختلفة مثل: التنديد بالنظام السياسي، و بالشخصيات المستهدفة، و بانحرافات المجتمع الجزائري و بالاعتداءات على الشعوب المسلمة... و هي ظاهرة اجتماعية، وشكل من أشكال التعبير السياسي قد نجده، طبعا، متطورا بشكل ملفت للانتباه لدى مناصري النوادي الكبرى لمدينة الجزائر العاصمة (USMA, MCA) أكثر من غيرهم ؛ و تستوحي قيادات المتفرجين شعاراتها من الأحداث الراهنة (البؤس الاجتماعي، البطالة، الإرهاب، الرشوة و الفساد، الرغبة في الهجرة، الحقرة، "وصولية" الأغنياء الجدد...) لنشر أناشيدهم القادحة بفضل الجوقة الموسيقية المرافقة لهم.

و يبدو لنا، على مقاعد المدرجات، أن كل شاب مناصر للنادي قد وجد فعلا و في ذات الوقت شخصيته المتميزة و أكتشف جمهور الشباب أولا، كما عثر ثانيا على تعبير كلامي و على هويته من خلال انضمامه لـ "فريقه الكبير" لكرة القدم. يرخص ملعب كرة القدم بأجوائه الهائجة إمكانية نسج العلاقات الاجتماعية الجديدة بواسطة الأداء الممكن لعملية الشبكات القائمة، التي قد تستغل دائما عن دراية للبحث عن عمل، أو طلب مساعدة أو بالبحث عن مكان للتخييم (Camping) خلال عطلة الصيف...

الخلاصة

تختلف في أحياء السكن الفوضوي، الإستراتيجيات الموضوعة من قبل الراشدين عن تلك التي يضعها الشباب اختلافا تاما، حيث يملك الأولون انشغالات ترتبط بالحياة اليومية (العمل، المداخيل، التسوية العقارية، تمدرس الأطفال، إقامة التجهيزات الجماعية، إنشاء المرافق العامة للموقع السكني...) بينما يبحث الشباب، الذي تم نقله إلى هذه النوى السكنية اللاشرعية والفوضوية و غير المندمجة بشكل صحيح في الحياة الحضرية، عن السبل المريحة للاندراج في المجتمع و في مجال المدينة.

و هكذا نجد هؤلاء الشباب يسعون للاندماج ضمن عامة الناس، و لابتكار معالم في وسط المدينة (مقهى، نادي الفريق الرياضي، أماكن للتسلية...) أو ضمن التجمع السكاني (مكان العمل أو مكان التسوق...).

و يمكن أن تقرأ، هذه الممارسة المجالية و من بينها التردد على نادي فريق كرة القدم، و المكانة التي تمنح للاستراحة الأسبوعية التي تتمثل في التردد على الملعب التي تشهد على تعلق هؤلاء "بفريقهم" الرياضي الكبير للمدينة، على أنه بحث عن التعايش الاجتماعي و عن رغبة في الانتماء للمدينة. كما تعتبر أسوار الملعب الآن، مكانا مفضلا للتعبير بصوت عال عن سوء المعيشة، و الهشاشة و الطلب الاجتماعي و التنديد بانحرافات المجتمع و بالاحتقار الذي تمارسه تجاههم السلطات السياسية... هذه الحرية المحروسة المسموح بها داخل ملعب كرة القدم، لا يمكن أن تكون كذلك في الفضاءات العامة و ذلك منذ إقامة حالة الطوارئ منذ سنة 1991، مما يضع حدودا للممارسات الديمقراطية (تظاهرات، مسيرات، الاستعراضات، المهرجانات...) الأمر الذي يجعل مجموع المواطنين يشعرون بالملل و عدم الصبر، و من بينهم جزء كبير من الشباب الحضري الذي لا بد من أخذه في الحسبان. و في هذا المضمار، لا بد من الإشارة أخيرا إلى أن هذا التعايش الاجتماعي الذي تم صقله بالممارسة الرياضية بالإضافة إلى ممارسات أخرى، يشكل جزءا من تاريخ البلد. لقد كان المعلب على امتداد القرن العشرين و منذ تأسيسه في المدى البعيد و بمناسبة منافسات كرة القدم التي تجمع بين الفرق الأوروبية و الفرق المسلمة، في ذات الوقت، أحد الأمكنة للتعبير النضالي الجماهيري المتمثل في توجهه الأكثر بروزا من الحركة الوطنية، ذلك التوجه الذي كان يطالب بالحرية السياسية في مواجهة السلطة الكولونيالية، و للتدرّب السياسي الموجه لصالح الأجيال الشبانية. و ضمن الفكرة نفسها يمكن أن نتصور هذا الهيكل المبجل لكرة القدم بوصفه مقاما وجيها لرفع المطالب السياسية و الاجتماعية من قبل شباب نفذ صبره، في البحث عن عدالة اجتماعية و عن ممارسات ديمقراطية داخل المجتمع الجزائري.

ترجمة محمد داود

بيبليوغرافيا:

- ساعد، نعيمة؛ بن موسى، فاطمة، المنشآت القاعدية و الممارسات الرياضية بولاية وهران، وهران، مذكرة مهندس في الجغرافيا، جامعة وهران،2006، ص 146. 

- Benaamar, M., Tahir, L.: Le football et ses supporters: étude sociologique des supporters de la Jeunesse sportive de Tiaret. (Texte en langue arabe). Oran, Mémoire de licence, sociologie, Université d’Oran, 1989.

- Bendjelid, Abed, « Modalités d’intégration sociale dans le processus de régulation urbaine au Maghreb: le cas d’Oran (Algérie)», in Boumaza N. et al., «Villes maghrébines en fabrication, villes réelle et ville projetée». Paris, Maisonneuve & Larose, 2005.

- Bendjelid, A., Hadeid, M., Messahel A., Trache S.M., «Différenciations socio spatiales dans les nouveaux espaces urbanisés d’Oran», in Insaniyat, vol. VIII 1-2, n°23-24, janv.-juin. 2004, p.7-44.

- Bendjelid, Abed. ‘‘La fragmentation spatiale de l’espace urbain d’Oran’’, in Insaniyat, vol. II 2, n° 5, mai-août, 1998, p. 61-84.

- Boulebier, Djamel, Constantine: de la ville au sport. Constantine, Université, Habilitation universitaire, sociologie, 2006, 58 p.

- Boulebier, Djamel, «Le football, l’urbain et la démocratie», in Insaniyat, vol. III 2, n° 8, mai-août, 1999, p. 43-62.

- Bromberger, Christian, Football, la bagatelle la plus sérieuse de Monde. Paris, Coll. Agora, Pocket, Paris, 2001, 130 p.

- Carlier, Omar, «Espace politique et socialité juvénile», in URASC Oran (ed.), ‘Lettrés, intellectuels et militants en Algérie (1880-1950). Alger, OPU, 1988, p. 107-174.

- Gharbi, Smaïne, Approche sociologique d’une association sportive: le MCO-MPO (1916-1984). Oran, Mémoire de licence, sociologie, Université d’Oran, 1985, 77 p.


الهوامش

[1] تخصص بلدية وهران 17 مجالا لممارسة كرة القدم ضمن مجموع مساحتها الحضرية، و قد صادقت مصالح البلدية على هذه المجالات سنة 2005.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche