التعابير الشفوية الخاصة بالبحارة الصيادين : صيادو غزوات نموذجا

إنسانيات عدد 16 | 2002 | وقائع، ممثلون وتمثلات للمحلي بالجزائر | ص49-54 | النص الكامل


Ahmed TAHIR : Assistant-chercheur dans le projet de recherche CRASC : la vie quotidienne de la zone des marins pêcheurs dans la région Ghazaouet, sous la direction du Professeur Moulay - Hadj Mourad


 مقدمة عامة

لقد اخترنا البحث في أشكال التعبير الشعبي انطلاقا من العلاقة الإجتماعية الثقافية الموجودة بين هذه الأشكال وفئات المجتمع، و على هذا الأساس حددنا التعابير الشفوية عند البحارة الصيادين كمنطلق معرف و منهجي من أجل البحث في رؤية و فلسفة التفكير الشعبي إزاء الصيد البحري.

إن اهتمامنا بهذا الموضوع تبرره أسباب ذاتية وأخرى موضوعية، فالأسباب الذاتية تكمن في تجربتنا البيواغرفية التي سمحت لنا بالعيش في وسط جغرافي تعدّ فيه مهنة الصيد البحري المورد الأساسي لأغلب أفراد المنطقة وأكثر من ذلك هو انتماؤنا إلى عائلة من البحارة الصيادين. أما الموضوعية فترتبط بأهمية ميناء الغزوات في نشاط الصيد البحري من حيث إنشاء مناصب العمل وإنتاج السمك. فهذه المعطيات أفرزت مجتمعا محليا عرف بالنشاط البحري، كما أنّ هناك تعابير شفوية خاصة بالبحارة الصيادين أثناء الممارسة الخاصة.

جعلت الخاصة الاجتماعية لفئة السكان بمدينة الغزوات خلال سنوات الاستعمار، من قطاع الصيد البحري مركز لقاء عدة ثقافات حيث نجد الفرنسيين و الإسبانيين و الإيطاليين و المسلمين و اليهود، كلّهم يعملون في قطاع الصيد أو لهم اتصال بهذا القطاع الذي كان أهم نشاط اقتصادي حتى سنوات الاستقلال. فالإحصاءات المستقاة من مصلحة الصيد البحري لميناء الغزوات تدلنا على أنّه في سنة 1954 بلغ عدد البحارة الصيادين 600 بحار ووصل العدد عام 2000 ما يساوي 1571 بحارا يشتغلون في 107 سفينة من حيث الاختصاص في نوعية الأسماك المصطادة. تمّ اكتساب حرفة الصيد البحري في منطقة الغزوات عن طريق التعلّم بالممارسة مع المعمرين الإسبانيين و الإيطاليين الذين ملكوا قوارب الصيد.

إن الإرث الثقافي الذي ورثته هذه الفئة المهنية يعد موضوع دراسة هام جدا، فرض نفسه علينا باعتبارنا باحثين في الأدب الشعبي و الأنثروبولوجيا، مما دفعنا إلى الاقتراب من الواقع الثقافي و اللغوي لهؤلاء البحارة الصيادين الذين يعدون فئة اجتماعية جدّ مهمشة نظرا لخصوصية عملها البحري.

فما هي المميزات الثقافية لهذه الفئة المهنية من البحارة الصيادين؟ و ما هي الدّلالات الإجتماعية و الثقافية للتعابير الشفوية عند البحارة الصيادين؟ و ما هي المجالات التي تنحصر فيها التعابير؟

المقاربة المنهجية

إن طبيعة الموضوع فرضت علينا التقيد بالمنهج التاريخي، و هذا لمعالجة المسار التاريخي لنشاط الصيد البحري بالمنطقة و الوقوف على أهم آثار الذين مارسوا هذه المهنة بالمنطقة. كما استعنّا بالمنهج الإحصائي و هذا لمعالجة المعطيات الإحصائية الرسمية المتواجدة لدى مصلحة الصيد البحري بالغزوات.

أمّا منهج تحليل المضمون فكان رفيقنا المفضل عند تحليل لغة الاتصال  و التعابير الشفوية لدى البحارة الصيادين. وأخيرا المنهج الألسني البنيوي لدراسة لغة وأسلوب التعابير الشفوية، و للتعمّق في موضوع دراستنا و الحصول على أكبر قدر من المعطيات قمنا بمشاركة هؤلاء البحارة الصيادين في أعمالهم، حيث سمحت لنا هذه المشاركة ملاحظتهم أثناء ممارستهم للصيد البحري.

وللإلمام بالموضوع قمنا باستنطاق عينة من البحارة الصيادين، و هذا استعانة بتقنية المقابلة التي سمحت لنا بجمع معطيات حول مشاعر و رغبات و طموحات هذه الفئة المهنية.

أمّا التقنية الثانية التي رأينا أنهّا جد مهمة فهي البيوغرافيا، و هذا حتى نستطيع الوقوف على المسار المهني و الاجتماعي للبحارة الصيادين. إن استجواب هذه الفئة المهنية سمح لنا بالخروج بمدونة من مائة نص من التعابير الشفوية.

أمّا عينة البحث فتكونت من أربعين مبحوثا. و هي عينة عشوائية أخذت بنسبة 3,8 % من العدد الإجمالي، آخذين بعين الاعتبار الخبرة المهنية على أساس الذين مارسوا الحرفة لمدة تفوق ثلاثين سنة، لديهم رصيد ثقافي و مهني موروث عن الأجيال التي عملت مع المعمرين.

لقد واجهتنا عدة صعوبات في هذه الدراسة. أمّا الصعوبات النظرية فتمثلت في قلة الدراسات و الأبحاث و المراجع الخاصة بقطاع الصيد البحري و البحارة الصيادين، فركزنا بالدرجة الأولى على الدراسات الأجنبية. و الصعوبات الميدانية انحصرت في عدم وجود مساعدة من طرف الهيئات المشرفة على هذا القطاع،  و هذا لغياب تقاليد البحث الميداني بهذا القطاع، كما واجهتنا صعوبات تقنية فيما يخصّ فرز التسجيلات الصوتية و تدوينها.

وقد اشتملت دراستنا على بابين، يحتوي كل باب على ثلاثة فصول. فالباب الأول (الغزوات فضاء للصيد البحري) يتصدره مدخل قصير حاولنا أن نحدد فيه مفهوم فضاء الصيد البحري، و الفصل الأول اختص بتحدبد الإطار التاريخي و الاجتماعي لمنطقة الغزوات، واهتم الفصل الثاني بدراسة الخصائص السوسيو – ثقافية للبحارة الصيادين و الفصل الثالث يبحث واقع الصيد البحري ماديا و بشريا.

أمّا الباب الثاني (التعابير الشفوية عند البحارة الصيادين ) فتضمن مدخلا لتحديد الأسس المعرفية و المنهجية واختص الفصل الأول منه بدراسة الإطار المعرفي و اللّغوي لحرفة الصيد البحري بميناء الغزوات و بذلنا الجهد في الفصل الثاني للوقوف على الأبعاد الدلالية للتعابير الشفوية بعد تصنيفها موضوعاتيا إلى محاور دلالية، و درسنا في الفصل الثالث لغة و أسلوب التعابير الشفوية،  و أنهينا بحثنا بخاتمة استخلصنا فيها نتائج البحث.

نتائج البحث

يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال بحثنا هذا في ما يلي:

أولاّ : تكمن الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي الذي تميزّت به منطقة الغزوات في كونها منفذا بحريا استغلته جميع الأجناس البشرية التي توالت عليها عبر المراحل التاريخية، بدءا من العهد الروماني، مرورا بالعهد الإسلامي وانتهاءً ا بالفترة الاستعمارية، حيث أصبحت الغزوات مدينة المعمرين الأوروبيين الذين مارسوا فيها نشاطات مهنية مختلفة، بل جعلت المدينة مركزا لانتشار حرفة الصيد البحري التي كانت من ضمن العوامل الأساسية التي خلقت للسكان فرص الاحتكاك مع غيرهم من الشعوب كالإسبان و الإيطاليين و البرتغاليين، لكن يبقى الإسبان أكبر فئة اجتماعية مارست حرفة الصيد البحري . إن التأثير الإسباني في هذا النشاط لم يتوقف على الجانب الإقتصادي بل تعداه ليشمل الجانب الثقافي، إذ تم إدخال مفاهيم لغوية إسبانية في المنطوق المحلي لازالت سارية إلى يومنا هذا في أوسط البحارة الصيادين، زيادة على ألفاظ أخرى عززت الرصيد اللغوي المحلي لا علاقة لها بنشاط الصيد البحري. وأضحت هذه الألفاظ تشكل مرجعية و عنصرا من عناصر الثقافية الشعبية في منطقة الغزوات. ورغم التصنيع الذي شهدته المنطقة غداة الاستقلال متمثلا في المشاريع الصناعية الكبرى، بقي قطاع الصيد البحري يلعب دورا هاما في خلق مناصب العمل، بل يمثل المورد الأساسي لأغلبية السكان.

ثانيا: يتم اكتساب حرفة الصيد البحري بمنطقة الغزوات عن طريق الوراثة لأنها ذات طبيعة مهنية بسيطة و تنظيم عمل تقليدي و بالتالي تأثيرها على سلوكات و مواقف البحارة يكون محدودا مقارنة مع المنظمات الأخرى. وأن فضاء ممارستها يستوجب نوعا من اكتساب قيم ثقافية واستمرايتها تعطي الطابع المميز فكانت خصوصية الغزوات أنها صُنفَتْ منطقة صيد البحري. وربط الخاصية للإطار المعرفي و اللغوي لحرفة الصيد البحري متمثلا في تسمية المناطق الساحلية و السفن ووسائل العمل البحري وأوامر تنفيذ العمل و كذا الأسماك.

ثالثا: لقد تم تشخيص خصوصية القطاع من خلال ترجمة حقيقة واقع العمل البحري في قوارب الصيد المتمثل في تنظيم العمل و ارتباط المهام و أمكننا الإطلاع على خصوصيات و نوعية هذا النشاط و التي يمكن أن تشكل عوامل أساسية بمقدورنا استغلالها في تحسين ظروف عمل البحارة وزيادة إنتاجيتهم، و الرضى عن عملهم من خلال تصور نوع القوارب التي تراعي المعايير و التي باستطاعتها تحسين وضعية البحارة الصيادين في قوارب الصيد البحري المستقبلية.

إنّ ما يمكن تسميته شخصية بحرية هو في الحقيقة سيرورة اجتماعية و ثقافية لمن يمارس مهنة الصيد في البحر و في مدينة الغزوات بالضبط، فإقبال معظم الشبان في هذه المنطقة على النشاط و المهنة يعكس لنا الارتباط البيوغرافي لهم بالمهنة و بالبحر و بالفئة العاملة فيه.

رابعا : إن البحث في الدلالات الإجتماعية للتعابير الشفوية من أقوال وألغاز عند البحارة الصيادين يتعدى ما هو ظاهر على مستوى البنية اللغوية السطحية إلى البنية العميقة ذات دلالات اجتماعية رمزية لما يجب أن يكون ذلك تعبيرا عن طموحات الوعي الجماهيري للبحارة الصيادين.

لقد كشفت لنا الذاكرة الشعبية لدى البحارة الصيادين من خلال التعابير الشفوية صورة البحر الذي ارتبط بحياة البحار الصياد، بعقيدته، ثقافته حتى أصبح البحار الصياد لا يستطيع العيش خارجه، فالبحر هو حياته كلها.

خامسا : لقد عمدت الذاكرة الشعبية على تقديس البحر و تنظيم الصيد البحري وفق قوانين اجتماعية ثقافية محلية تضمن للبحار الصياد حياة سليمة و شريفة حيث لا يسيء لذاته و لا للآخرين.

إن الحديث عن الصيد البحري كفضاء اجتماعي ثقافي اقتصادي يتعدى الطرح المادي و الرسمي، فالصيد البحري هو قبل كلّ شيء حرفة لها خصوصياتها، و البحارة الصيادون حرفيون يختلفون عن الفئات المهنية الأخرى لهم خصائص سوسيو – مهنية ثقافية معنية يشاركون في اقتصاديات البلد من خلال أهمية الصيد البحري الاقتصادية.

سادسا: لقد جمعت لغّة التعابير الشفوية عند البحارة الصيادين بين الفصحى و العامية، بل هناك صنف من الألفاظ وضع وضعا رمزيا من أجل إبراز الدلالة الصوتية أيضا، أمّا أسلوبية هذه التعابير فتجلت في البنية الداخلية بحيث تأكد بروز ظواهر أسلوبية كالتكرار و التقابل و التماثل اللّفظي التام كان لها وجود واضح قوي في هذه التعابير الشفوية عند البحارة الصيادين في منطقة الغزوات.

لعل استنفدناه من طاقة لإنجاز هذا البحث المتواضع، لا يعد سوى خطوة أولى في دراسة موضوع الصيد البحري في إطار الدراسات الأنثروبولوجية في المجمع الجزائري.


الهوامش

* رسالة ماجستير في الثقافة الشعبية، فرع الأدب الشعبي، جامعة تلمسان، جوان 2001.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche