التعليم بالكتاتيب القرآنية في الجزائر في منظور الدراسات النفسية و التربوية المعاصرة

إنسانيات عدد 14-15 | 2001 |  عدد خاص أبحاث أولى | ص 57-66 | النص الكامل


Mokhtaria TRARI : Chargée de cours, Université d'Oran - Es Sénia, Département de psychologie et des sciences de l'éducation, 31 000, Oran, Algérie


 

ارتبطت حركية التعليم بالجزائر منذ عهد قديم بتعليمية اللغة العربية و حفظ القرآن الكريم في مؤسسات خاصة تشرف عليها السلطة الحاكمة أحيانا و يتولى تسييرها و تموينها في أحيان كثيرة خواص من أهل الخير و الصلاح، و تنسب أحيانا أخرى إلى الزوايا و رجال الدين.

و قد مثلت هذه المؤسسات بنظمات و برامجها البيداغوجية و المعرفية تراثا علميا ما يزال جزء كبير منه في طي النسيان.

و تشكل هذه الظاهرة التعليمية – في منظورنا- حقلا خصبا لدراسة تعليمية اللغة العربية و طرق التدريس في الجزائر العميقة في التاريخ، القائمة أصلا على التلقين و الحفظ مسلكا و منهجيا بيداغوجيا، نتناوله من زاوية بحثية معاصرة، معتمدين في ذلك على بعض المقولات التربوية و النفسية المستمدة من الدراسات النظرية و التطبيقية، و التي تفسر فعل التدريس الكلاسيكي و أهميته في تكوين ملكة الحفظ لدى الطفل، و الحفاظ على نقل و تواتر النص القرآني من التـــلف و التحوير.

و نعتقد أن دراسة من هذا القبيل يمكن أن تقارب البحث في المجال "التعليمية" من جهة، كما يمكن أن تستفيد من نتائج الدراسات في حقول معرفية متعددة، كعلم النفس التربوي، و علوم التربية، و علم الاجتماع، وكلها حقول علمية مترابطة يمكن أن يشكل كل حقل منها رافد مهما في الدراسة البحثية المعاصرة.

لقد تم دخول القرآن الكريم إلى القطر الجزائري مع الفاتحين الأولين، و تلقاه الناس بالقول و الحفظ، و أخده الخلف عن السلف كاملا غير منقوص بسورة و آيته، و حروفه، بل بخطه العثماني الخاص به، فتعلمه الصبيان حسب الطريقة التي تلقوه بها.

و للقرآن الكريم خط خاص به يجب أن يكتب حسبما صرح به العلماء فن الرسم و رجال التوحيد و القراء، إذ وضعوا لذلك قواعد مضبوطة كقواعد اللغة و أحكام ثابتة كأحكام الفقه،فلا يتخاطاها أحد، و لا يسمح بتغييرها قط.

فما هي إذن الأمكنة التي استخدمت لتعليم هذه القواعد و الأحكام، و عملت على نقله من جيل إلى آخر؟ ما هي المؤسسات التي حافظت على وجوده و استمراريته؟

المؤسسات التربوية القديمة للمدرسة القرآنية

شملت المؤسسات التربوية القديمة كلا من الكتاتيب و المساجد و الرابطات و المكتبات العمومية و الخاصة، و قصور الأمراء، و دور العلماء، و حتى الدكاكين... الخ[1].

و ظهر هذا التعليم في أواخر القرن الأول الهجري في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز حيث قام هذا الأخير ببعث عشرة فقهاء أهل علم و فضل، فقاموا بنشر تعاليم الإسلام أحسن قيام[2].

و يقول ابن خلدون في هذا الموضوع: و كان هؤلاء الصحابة و التابعون هم أول المعلمين في القيروان الذين نشروا القرآن و السنة.

و مبادئ اللغة العربية بين أبناء البربر، و بذلك تم إسلام البربر، و أصبحت لغتهم العربية[3].

  1. المساجد

المسجد هو مكان للعبادة و مدرسة لتعليم الناس القرآن و الكتابة و تحفيظهم كتاب الله، و هو جامعة مفتوحة تعقد فيها حلقات المستويات، فهي مركز إعلامي للإسلام، و ملجأ لمن لا ملجأ له[4].

  1. الزوايا

لقد ظهرت المؤسسة نتيجة التخلف و الجهل، و انتشار ظاهرة الزهد عن الدنيا، و الإنشغال بالآخرة، و ظهرت الزوايا على نطاق واسع في المدن و القرى و خاصة في العهد التركي، و الزاوية بيت أو مجموعة من بيوت بناها بعض الفضلاء لإيواء الضيوف، و قراءة القرآن، و ذكر الله.

و أهم أعمال الزوايا التربية و التعليم، زيادة عن أعمالها الثقافية فإنها كانت مركزا للغرباء و الفقراء، و ملاجئ للمجاهدين و الفدائيين أيام الثورة التحريرية الكبرى ضد فرنسا[5].

  1. الرباط

الرباط اسم من رابطة مرابطة إذا لازم ثغر العدو و أطلق هذا اللفظ أيضا على بعض الثكنات العسكرية التي تقام في الثغور، يحرس المجاهدون فيها الحدود الإسلامية، و الرابطات هي مراكز تشبه إلى حد بعيد الزوايا في وظائفها الاجتماعية و الثقافية إلى أن مكان تواجدها يكون قريبا من مواقع الأعداء (الحدود)، و لا تقتصر الرابطات على مهمة الدفاع عن المواطن و الحفاظ على تراثه الإسلامي بل تقوم أيضا بوظيفة التعليم...[6]


  1. الكتاتيب القرآنية

الكتاب بضم الكاف و تشديد التاء: موضع تعليم الكتاب، و الجمع الكتاتيب[7]، و استعمل أحيانا ابن سحنون كلمة "مكتب" عوض لفظة "كتاب"،  و يظهر أن كلمة كتاب يقابلها في مناطق أخرى كلمات "كالمسيد" في الجزائر العاصمة...الخ، الكتاتيب مراكز صغيرة نسبيا، غالبا ما تتضمن حجرة أو حجرتين مهمتهما الأساسية تتمثل في تحفيظ و تعليم القرآن الكريم للصبيان، و قد تكون ملحقة بمسجد كبير.

وقال ابن باديس في هذا الشأن: "إن التعليم المسجدي في قسنطينة كان قاصرا على الكبار و لم يكن للصغار إلى الكتاتيب القرآنية، فلما يسر لي الله الإنتساب للتعليم سنة 1913 جعلت من حملة دروسي تعليم صغار الكتاتيب القرآنية بعد خروجهم فكان ذلك أول عهد للناس بتعليم الصغار"[8].

مساحة الكتاتيب القرآنية

تختلف هذه المساحة من كتاب إلى آخر و غالبا ما يشتمل الكتاب على أربعة حجرات، واحدة لتعليم الصبيان و الثانية سكن للطلبة الأفاقين، و الثالثة للصلاة و الرابعة للمؤونة و الأدوات الضرورية، زد على ذلك أن هناك مرافق للوضوء، و الوقود و الطبخ و غيرها و مثل هذه الكتاتيب توجد بكثرة بنواحي ندرومة منها كتاب أولاد العباس، الحوانات، مسيردة،... و التي لا زالت قائمة لحد الآن، يمكن للزائر ان يشاهدها عن كثب[9].

و يوجد الكتاب على العموم ضمن أحد المنازل بالحي، أو ملحقا بأحد المساجد، و كان يبني الكتاب شخص احتسابا لمرضاة الله، أو قد يكتريه معلم عن صاحبه ليعلم فيه بأجرة يتقاضاها من أولياء التلاميذ، و فيما يخص تجهيز الكتاب، فعادة ما يجلس التلميذ على حصائر مصنوعة من الديس، أو على مقاعد خشبية هي عبارة عن لوحات من الخشب المتصل و المستطيلة الشكل و التي لا تكاد ترتفع إلى بسنتمترات على سطح الأرض.

إلى أن متطلبات التطور المستمر أدى إلى تغيير طرأ على الكتاب يتعلق الأمر باستخدام مواد البناء الحديثة و التي بدأت تشق طريقها للتأثير بشكل أو بآخر على تخطيط و بناء الكتاب.

وظيفة الكتاب

الكتاب مؤسسة من المؤسسات القديمة في المجتمع الجزائري حيث كانت تقوم بدور هام في خدمة النسق العام خلال فترة زمنية طويلة.

و يمكن تلخيص أهم أدوار الكتاب في القيام بالوظائف التالية:

  • تحفيظ القرآن و تعليم مبادئ و أسس الدين الإسلامي.
  • المحافظة على الإطار العام للشخصية الوطنية، و ذلك بالحفاظ على أهم مقومات البقاء و الإستمرارية للثقافة و الشخصية الوطنية الجزائرية.
  • ضمان اكتساب المجتمع الحد الأدنى من الثقافة العامة و الموحدة و التي لها تأثير مباشر على بقاء و استمرارية مختلف النظم الاجتماعية الأصلية.
  • تعليم اللغة العربية التي تعتبر إحدى ثوابت الأزمة الجزائرية.
  • كما عملت هذه المؤسسة على تحصين المجتمع من الإستيلاب إبان فترة 130 سنة من الإستعمار الفرنسي[10].

خصائص التعليم الكتابي

يتميز التعليم الكتابي بعدة خصائص تميزه عن بقية المؤسسات التعليمية الحديثة، و يمكن إيجاز أهمها فيما يلي:

  • إمكانية التعليم الكتابي لجميع أفراد الفئات الاجتماعية بما فيها الغنية و الفقيرة.
  • شعبية التعليم الكتابي، معناه أن هذا التعليم مرتبط بمناطق ظهور التجمعات السكانية مهما كان مستواها الاقتصادي.
  • التعليم الكتابي لا يتطلب نفقات تسيير هامة، فهو بذلك اقتصادي من ناحية التكاليف المادية و من حيث التجهيز و التخطيط.
  • إن التعليم الكتابي عاش برفقة الجماعات الرعوية، و هذه ميزة فريدة من نوعها.
  • ارتكاز هذا النوع من التعليم على اتجاهات نفسية دينية لدى المعلم و هذه الاتجاهات توفر جوا خالصا للعمل و الفعالية.
  • إن التعليم الكتابي نابغ من حاجات المجتمع المحلي، فهو بذلك نتاج مبادرات شعبية.
  • ارتباط التعليم الكتابي في نشأته و تطوره بالمجتمعات العربية الإسلامية، حيث كان الكتاب وسيلة حيوية من أهم وسائل تحفيظ القرآن الكريم.
  • إن الوسائل التربوية المستخدمة كاللوحة، و الحبر المحلي و أدوات المحو... الخ، هي أدوات زهيدة التكاليف، يمكن العثور عليها في البيئة المحلية.
  • إن الكتاب مؤسسة متواضعة من حيث المظهر الخارجي، إلا لأن الطريقة التربوية التعليمية بها عرفت نجاحا كبيرا، و خير دليل على ذلك ظهور العلماء الإجلاء و حماة و حفظة القرآن الكريم، قد تلقوا تعليما بهذه المؤسسة الدينية.

الطريقة التربوية بالكتاتيب القرآنية

يشير الدكتور تركي رابح إلى الطرق المستعملة قائلا: "...تسود في الزوايا، و المساجد طريقة الحفظ و التلقين... فالمعلم هو الذي يشرح، و هو الذي يحلل ما يحتاج إلى تحليل، و المتعلمون عليهم أن يتقبلوا ما يقوله المعلم في معظم الأوقات[11]".

و في هذا الصدد يشير ابن خلدون قائلا: فأما أهل المغرب فمذهبهم في الوالدان الاختصار على تعليم القرآن فقط، و أخذهم أثناء المدرسة بالرسم و مسائله...[12]

و كان مظهر التربية الإسلامية التدريسية سواء في المساجد أو الكتاتيب هو حلقة الدرس، حيث يجلس المعلم و يتجمع حوله مجموعة من التلاميذ، و لم يكن المعلم يستند إلى نص مكتوب، بل يعتمد هو الآخر على ذاكرته في إلقاء دروسه، و سرعان ما بدأ في استخدام المذكرات حاليا، و من هذا المنطلق صار الإملاء و الإستملاء أسلوبا له قواعده المحددة من طرف المعلمين[13].

و كانت مدة الدراسة في الكتاب تستمر إلى خمس سنوات تقريبا إلا أن نظام التعليم الإسلامي لا يضمن للتلميذ مرحلة متوسطة أو مرحلة سابقا لمرحلة لمرحلة التعليم بالمسجد، و على التلميذ الراغب بعد تخرجه من الكتاب الاستمرار في التعليم أن يبحث لنفسه حلقة بالمسجد أو مقعدا بالمدارس تعده للدراسات المتقدمة غير أن أغلب التلاميذ يقع اختيارهم على حرفة أو صنعة.

أسلوب المعلم في تعليم أبجدية اللغة العربية

إن معلم الكتاب يستخدم عدة طرق تتكامل فيما بينها في تعليم ابجدية اللغة العربية، فهو يبدأ بتقديم الحروف للتلميذ، و ذلك على النحو التالي[14].

 

الحرف

النطق

تحفيظ للترسيخ

مجموعة الحرف

أوصاف الحروف

مجموعة الحرف

أ

ألف

لا شان علي – لا ينقط

 

مطيرق – تصغير مطرق

01

ب

باء

نقطة من تحت أسفل

 

أثينة

03

ث

ثاء

ثلاثة من وفق

 

ثنينة

02

ت

تاء

اثنين من فوق

 

ثنينة

02

ج

جيم

نقطة من تحت

 

مخيطف

03

ح

حاء

لا شان عليه

 

مخيطف

01

خ

خاء

نقطة من فوق

 

مخيطف

02

د

دال

لا شان عليه

 

بوجناحين

01

ذ

ذال

نقطة من فوق

 

بوجناحين

02

ر

راء

لا شان عليه

 

معرق...

01

ز

زاي

نقطة من فوق

 

معرق...

02

ط

طاء

لا شان عليه

 

بوقرن- بوقارون

01

ظ

ظاء

نقطة من فوق

 

بوقرن- بوقارون

02

ك

كاف

لا شان عليه

 

بوجناح واحد

01

ل

لام

لا شان عليه

 

معرق

01

م

ميم

لا شان عليه

 

دوويرة

01

ن

نون

نقطة من فوق

 

معرفة

02

ص

صاد

لا شان عليه

 

مزود

01

ض

ضاد

نقطة من فوق

 

مزود

02

ع

عين

لا شان عليه

 

فم الديب

02

غ

غين

نقطة من فوق

 

فم الديب

01

ف

فاء

نقطة من فوق

 

أم رقيبة

02

ق

قاف

اثنين من فوق

 

بورقيبة

02

س

سين

لا شان عليه

 

ثلاث سنينات

02

ش

شين

ثلاثة من فوق

 

ثلاث سنينات

01

و

واو

لا شان عليه

 

أم كرشتين

01

هـ

هاء

لا شان عليه

 

معرق-بوطيطة

01

لا

لام

لا شان عليه

 

بوقحيحة

01

ي

ياء

نقطتين من تحت

 

مكورة معرقة

03

ء

همزة

لا شان عليه

 

مردودة

01

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نلاحظ من الطريقة الموضحة في الجدول رقم 1، أن المعلم يعتمد في تحفيظ الحروف للتلميذ على قاعدة يقسمها في أذهان التلاميذ على مجموعات ثلاثة، تشترك كل مجموعة في صفة عامة، و المجموعات هي:

المجموعة الأولى: يبلغ عدد حروفها 15 حرفا – 01 – و نسبتها المئوية لمجموع الحروف الأبجدية العربية هي 50% لا يلحق بهذه الحروف شيء من نقاط لا من أسفل و لا من أعلى.

المجموعة الثانية: يبلغ عدد حروفها 12 حرفا – 02 – و هي ملحقة بنقاط من أعلاها قد تكون واحدة أو أكثر و نسبتها المئوية لمجموع الحروف الابجدية العربية 40%.

المجموعة الثالثة: و يبلغ عدد حروفها 03 – 03 – بها نقاط من أسفل قد تكون واحد أو أكثر أيضا و نسبتها المئوية لمجموعة الحروف 10%.

و بمجرد الانتهاء من هذه الطريقة السابقة الذكر تكون الحروف قد رسخت في أذهان التلاميذ طبقا لشخصية كل مجموعة من المجموعات، يشرع المعلم في تدريسها مرتبطة بموضوعات و صور محسوسة من بيئة التلميذ، و هذا يمكنه من ايجاد علاقة بين الصور الحسية التي يعرفها خلال اللعب و الحياة اليومية العادية و صور الحرف المطلوب منه تعلمه.

عرض الطريقة العلمية في التعليم بالكتاب

عندما يحضر التلميذ لأول مرة إلى الكتاب يقدم له الفقيه[15] لوحة و يسجل فيها حروف الهجاء العربية في جهة واحدة، أما الجهة الثانية فيسجل عليها سورة الفاتحة، ثم يبدأ المعلم في تلقين التلميذ هذه السورة جملة ليحفظها سماعا بدون تهجين و بدون فهم، فإذا ما حفظها في أسبوع مثلا يمحوها بماء طاهر ثم يدهنها بمادة الصلصال و يتركها في الشمس أو قرب النار لتنشف، ثم تسطر بقلم الرصاص، و يكتب المعلم سورة الناس للحفظ بالتلقين و بالسماع و هكذا صعدا مع المصحف.

أما حروف الهجاء فتبقى مسجلة في تلك الجهة من اللوحة لمدة أشهر حتى يحفظها التلميذ عن ظهر قلب، يحفظها أولا بأسمائها: ألف، باء، تاء... ياء، همزة. ثم ينتقل التلميذ إلى نطقها هكذا باللغة العامية: "ألف ما ينطقش"، الباء وحدة من تحت... الخ.

ثم ينتقل التلميذ إلى معرفة صور الحروف و أشكالها، و معرفة وجه الشبه بينها و بين بعض الأدوات المحسوسة التي يشاهدها التلميذ كل يوم و ينطق بها هكذا: الألف كالعصا، الجيم كالمخطاف، و هكذا حتى آخر حرف.

و بعد هذا كله ينتقل التلميذ إلى معرفة كيفية النطق بالحروف و للطفل سورا من القرآن الكريم في جهة من اللوح، ثم تأتي مرحلة ثانية تتمثل في كتابة المعلم سطورا من القرآن في جهة من اللوح و على التلميذ أن يمر بقلمه الغليظ على ما كتبه المعلم[16].

ثم تأتي المرحلة الثالثة: يكتب المعلم سطرا و يترك سطرا فارغا فيأتي التلميذ لينقل ما كتبه معلمه في السطر الأعلى محاكيا إياه و القصد من هذه من هذه المرحلة الأولية يتمثل في تدريب التلميذ على حسن إمساك القلم و التحكم فيه صعودا و نزولا و مشيا به إلى الأمام و إلى الخلف و رفعه للتنقيط و هكذا.

أما المرحلة الرابعة فيأتي دور التهجي يهجي التلميذ الكلمة التي يمليها عليه المعلم فيعدد حروفها، و يرجع عند كل حرف يريد كتابته إلى الحروف الهجاء المرسومة في اللوحة، و يسجل الحرف المعني بصورته و حركته و ينقطه إن كان يحمل نقطة و هكذا.

و كخلاصة نقول إن الطريقة التربوية التعليمية التي كانت متبعة في الكتاتيب هي قديمة وجدت مع وجود هذه المؤسسات، و بالرغم من أن هذه الطريقة لها ما يعاب عليها إلا أننا لا يجب أن ننكر مدى فعاليتها في شتى المجالات: الخلقية، الاجتماعية، التحفيظية و محو الأمية... الخ.

و النقد القاتل بأن الطريقة المتبعة في هذه المؤسسات الدينية قد أهملت بصفة كاملة نفسية الطفل من حيث قدراته العقلية و استعداداته و ميولاته لا يجد له الآن مبررا قاطعا في ذلك لأن معظم الكتاتيب الحالية و خاصة بعد ظهور علم النفس و استقلاله عن الفلسفة، أصبحت تنظر إلى الطفل على أنه ينفرد بشخصيته التي تميزه عن الآخر، و إن أهملت الحقبة الزمنية القديمة التي عاشتها الكتاتيب نفسية الطفل فذلك عيب العصر كله.


الهوامش

[1] العبيدي التوزري، إبراهيم: تاريخ التربية بتونس.– تونس، الشركة الوطنية للنشر – ب، ت -. -  ص. 97.

[2] بن أحمد التيجاني، عبد الرحمن: الكتاتيب القرآنية بندرومة من سنة 1900 إلى 1977.- الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1983. -ص.13.

[3] ابن خلدون : العبر - الجزء الرابع، الطبعة الثانية.- ص. 188

[4]  زغلول، راغب محمد النجار: أزمة التعليم المعاصر – نظرة إسلامية، مكتية الفلاح، الطبعة الأولى 1980، الكويت. – ص. 176.

[5]  بن أحمد التيجاني، عبد الرحمن: المرجع السابق الذكر.- ص. 80.

[6]  بوفلجة، غياب: التربية و متطلباتها.- الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية 1984.- ص. 27.

[7] بن سحنون، محمد: آداب المعلمين.- الجزائر، مطبعة ش. و. ن. ت، 1972.- ص.64.

[8] رابح، تركي: الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح و التربية في الجزائر.- الجزائر، الطبعة الثالثة، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع 1981.- ص.79.

[9]  بن أحمد التيجاني، عبد الرحمن: المرجع السابق.- ص.ص 19-20.

[10] زايد، مصطفى : المؤسسات التربوية القديمة في الجلفة.- الجزائر، مجلة الثقافية، العدد 93، وزارة الثقافة و السياحة بالجزائر 1986.- ص.129.

[11]  تركي، رابح: التعليم القومي و الشخصية الوطنية.- الجزائر، الطبعة الأولى، مطبعة الشركة الوطنية و التوزيع.- ص.236.

[12] ابن خلدون: المقدمة.- مصر، مطبعة محمد عاطف، بدون تاريخ.- ص.416.

[13] السمعاني : كتاب الاملاء و الاستملاء.- حرره ماركس فايز، 1952

[14] زائد، مصطفى: المؤسسات التربوية القديمة بالجلفة.- الجزائر، مجلة ثقافية العدد 93، شعبان- رمضان 1406، ماي-جوان 1986.- ص.ص. 125-129.

[15] الفقيه لغة من كان شديد الفهم، عالما ذكيا و العالم بالفقه.

[16] بن أحمد التيجاني، عبد الرحمن: المرجع السابق.- ص.ص.37-38.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche