لغة الطفل بين المحيط و المدرسة - دراسة إفرادية

إنسانيات عدد 14-15 | 2001 |  عدد خاص أبحاث أولى | ص 67-99 | النص الكامل


Haféda TAZOUTI : Maître-assistant à l'École supérieure des arts et des sciences humaines, 16 000, Bouzareah, Alger, Algérie


 

 تعد دراسة السلوك اللغوي للطفل في فترة قبيل دخوله المدرسة ضرورة لا يمكن للساني أو التربوي تجاوزها، فهي: (من أهم فترات التطور الحياتية كلها على الإطلاق، حيث إنه يتم خلالها غرس أسس الشخصية المستقبلية للفرد[1]...و هي من أخطر مراحل عمر انسان لأنها مرحلة بنائه، ففيها توضح الدعائم الأساسية لشخصيته و ترتسم سمات سـلوكـه، و تـتـعدد أبـعاد نـمـوه الأساسية من عقيلة و لغوية و انفعالية.

و نتيجة لهذا يمكن القول إن مرحلة ما قبل التمدرس مرحلة ذهبية من عمر الطفل و مجال خصب لعملية التعلم. تتحدد فيه مساراته التعلمية، و تتوقف عليها مختلف مظاهر و مراحل الإكتساب التالية لها، فهي إذن تمثل واقعا له تأثيره على التحصيل اللغوي في المراحل الأولى من التعليم حيث يكتسب الطفل أهم المهارات و الملكات العقلية و المعرفية، و لهذا فإن مـعرفة نـفـسـيـة الطـفـل و كيفية اكتسابه اللغة، ثم طبيعة اللغة التي يستخدمها في محيطه قبيل دخوله المدرسة، قاعدة لا يمكن بدونها تأسيس أي بحث لساني أو تربوي أو حتى اجتماعي يريد الإسهام في إنارة جانب من الطريق العلمي و التخطيط التربوي.

إن التعرف على المكتسبات القبلية الطفل، و الربط بين لغة المحيط و لغة المدرسة خطوة ضرورية لا سيما إن اختلفت لغة هذا المحيط عن لغة المدرسة، سواء أكان الاختلاف يسيرا أم كبيرا، و هو وضع اللغة عندنا بالجزائر، فالطفل يكتسب من محيطه ما يسمى بالعامية، و قد يكتسب الأمازيغية أو حتى لغة أجنبية، أو مزيجا من هاته و تلك قبل سن السادسة، السن الرسيمة المحددة لدخول المدرسة، و على الرغم من نشأته و ترعرعه في هذا الوسط المعقد لغويا، فإنه يمتاز بإبداع و فضولية لا نظير لهما، فهو يبني من خلال فرضياته الخاصة عددا لا متناهيا من الأفكار فيعبر، فيسأل، يصف، يتخيل، ولكن سرعان ما يصطدم بواقع آخر لمجرد جلوسه على مقعد الدراسة، إذ يفرض عليه التخلي عن بعض مفرداته و استبدالها بأخرى على الرغم من فصاحتها، فتوصف لغته بالمحرفة و الناقصة، و تتجاهل قدراته، فيقدم له رصيد لغوي بسيط يتسم بالتكرار قد لا يسد حاجاته التبليغية و لا يغذي مستوى تخيلاته، بل قد يكون سببا في الحد منها، و في قتل الإبداع الذي كان يميزه قبل دخوله المدرسة، فلو طلبت منه أنه يحدثك عما استوعبه من درس أو من موضوع من الموضوعات، فإنه يعيده بطريقة آلية، بعيدة عن أي إبداع أو اختراع، و إن خانته ذاكرته، صمت مشككا في لغته، ظانا بأن النموذج الذي تقدمه المدرسة، هو وحده الأمثل و لا يجوز استعمال غيره، الأمر الذي قد يكون سببا في الفقر اللغوي الذي يعاني منه تلانيذنا.

لقد كانت ملاحظتنا هذه لسلوكات الأطفال اللغوية من حولنا، بمثابة المنبه الذي جعلنا نهتم بموضوع اكتساب الطفل الجزائري للغة العـربـيـة و تـعـلمها، و كان ذلك في إطار أطروحة موسومة بـ : "لغة الطفل بين المحيط و المدرسة - دراسة إفرادية -» نلنا بها شهادة الماجستير في جويلية من سنة 1999، فما ذكرناه أعلاه حقائق لغوية اجتماعية لا يمكن إغفالها لما لها من تأثير على العمل التربوي، خاصة بعدما صارت لغة الطفل اليوم، محل جدل بين المربين، إذ كثيرا ما تثار تساؤلات حول طبيعتها و علاقتها بلغة المدرسة، و الموقف الواجب اتخاذه منها، كما تثار تساؤلات أخرى حول أسباب الفقر اللغوي الذي يعاني منه تلاميذنا، و دور البرامج التعليمية مجسدة في الكتب المدرسية بشكل خاص في كل ذلك.

 لهذا حاولنا من خلال بحثنا الإجابة عن تساؤلاتهم و تساؤلات أخرى نوجزها في:

  1. ما هي طبيعة اللغة التي يأتي بها الطفل الجزائري إلى المدرسة؟
  2. ما هو الدور الذي تلعبه مؤسسات التعليم التحضيري في إنماء هذه اللغة؟
  3. ما مدى التوافق أو التعارض الموجود بين لغة الطفل التي يفد بها إلى المدرسة، و اللغة المراد تعليمه إياها؟
  4. ما هو الدور الذي تلعبه لغة الطفل في عملية التعلم؟
  5. ما هي طبيعة المادة اللغوية المقدمة لتلميذ السنة الأولى من التعليم الأساسي، و ما هي المقاييس المتحكمة في انتقائها؟

و لقد اعتمدنا في سبيل ذلك على مدونة مكونة من:

- لغة مجموعتين من الأطفال (أ) و (ب) في سن الخامسة، يقطنون العاصمة و ضواحيها[2]، لم يسبق لأطفال المجموعة (أ) دخول الروضة أو أية مدرسة قرآنية، بينما يزاول أطفال المجموعة (ب) التعليم التحضيري بإحدى رياض العاصمة.

- لغة مجموعتي الأطفال أنفسهم بعد سنة من دخولهم المدرسة.

- محتوي كتاب القراءة العربية للسنة الأولى من التعليم الأساسي. بالإضافة إلى مصادر أخرى استعنا بها للمقارنة، تمثلت في كتاب القراءة العربية المغربي الخاص بالسنة الأولى الابتدائية، و كتاب القراءة الفرنسي الخاص بالسنة التحضيرية[3] الذين جردنا محتواهما، و كذا الرصيد اللغوي العربي المقرر على تلاميذ السنة الأولى من التعليم الإبتدائي.

و قد تمكنا من الحصول على مدونة هذا البحث برمتها، بعد تحريات تمت خلال مرحلتين من عمر الأطفال[4]، و باستعمال أدوات تمثلت في أربعة اختبارات، ضم الأول منها مجموعة من الصور انتخبناها من كتاب القراءة الخاص بالسنة الأولى[5]، واختص الثاني ببعض الصور المستعملة في دروس المحادثة المقررة على تلاميذ السنة نفسها. و كان الهدف من هذين الإختبارين، تحديد المفاهيم المقدمة و في المدرسة التي يمكن للطفل أن يعرفها في مرحلة تسبق دخوله إليها (مكتسبات قبلية)، و كذا بيان كيفية تعبيره عنها في هذه المرحلة، ثم التطور الذي قد يطرأ على لغته بعد سنة من الدراسة. و تعلق الاختبار الثالث بالقصص، حيث طلبنا من الأطفال أن يرووا لنا قصصا اختاروها بأنفسهم، و قد كانت في أغلبها مما سمعوه من أوليائهم أو ما شاهدوه في رسوم متحركة. و كان الغرض من ذلك التعرف على نوعية المفاهيم التي تستهوي أطفال هذه السن. و قد كان الاختبار الرابع أهم هذه الاختبارات جميعا، و سميناه اختبار التقييم لأننا قيمنا بواسطته التحصيل اللغوي لدى أطفال العينة بعد سنة من الدراسة، و تمثل في مجموعة من الصور و الأسئلة و التمارين المتعلقة بالمفاهيم الورادة في كتاب القراءة الخاص بالنسبة الأولى من التعليم، حيث جردنا هذا الكتاب لنحصل على قائمة من المفردات تمثل مختلف الوحدات اللغوية من أسماء ذوات، و أسماء أعلام، و صفات، و أفعال، و أدوات. و بعد توزبعها على المحاور و الموضوعات الرسمية الورادة في برنامج اللغة العربية للسنة الأولى من التعليم[6]، و ذلك بغرض تقديم الأسئلة أو الصور المتعلقة بالمفرادات مدرجة في مجالاتها المفهومية للحصول على النتائج مثبتة و مصنفة في المجالات نفسها حتى تسهل عملية التقييم و المقارنة، و بعد إقصائنا الأدوات لارتباطها بالبنى التركيبية التي لا علاقة لها بموضوع بحثنا، و كذا أسماء الأعلام[7] بعض الكلمات المجردة التي لا يمكن تجسيدها بالصورة و لا إبرازها عن طريق طرح الأسئلة، جسدنا المفردات المعينة بالاختبار في صور انتخبنا بعضها من كتاب القراءة نفسه، و بعضها الآخر من كتب و مجلات مختلفة، كما لجأنا إلى رسم بعض المشاهد المعبرة عن الأفعال (verbes) خصوصا. بالإضافة إلى استخدامنا بشأن بعض المفردات ما يعرف بتماربن ملء الفراغات.

و تجدر الإشارة إلى أن الاختبارات الثلاثة الأولى قد طبقت على الأطفال المجموعتين في مرحلة ما قبل التمدرس، و ذلك للتعرف على مكتسباتهم القبلية - كما ذكرنا - و تحديد دور الروضة في إنماء الرصيد اللغوي للطفل.

و قد أعيد تطبيقها من جديد على أطفال المجموعتين أنفسهم في مرحلة التمدرس للتعرف على التطور الذي طرأ على لغة الأطفال بعد مزاولتهم الدراسة، و كذا أثر الروضة على التحصيل اللغوي لدى الأطفال بعد التحاقهم بالمدرسة. أما اختبار التقييم، فقد أقتصر تطبيقه على مرحلة التمدرس، و كان الهدف منه التحصيل اللغوي لدى تلاميذ السنة الأولى من التعليم من جهة - كما ألـمحنا - و تحديد أثر الروضة على هذا التحصيل من جهة ثانية.

هذا، و لم تتمثل أدوات جمع المعطيات اللغوية في هذه الاختبارات فقط، بل استعملنا في المرحلة الأولى إستبيانين و جهنا أحدهما إلى أولياء الأطفال[8]، بينما و جهنا الثاني إلى مربيات الروضة[9]، كما استخدمنا في المرحلة الثانية استبيانا واحد و جهناه إلى معلمي التلاميذ[10]. و بهذا حصلنا على مدونة بحثنا التي حللناه معتمدين على المقانة بين رصيدي المجموعتين في كل مرحلة من المرحلتين، ثم مقابلة رصيد كل مجموعة في مرحلة ما قبل التمدرس برصيدها بعده.

1. وصف و مقارنة الرصيد اللغوي لأطفال المجموعتين قبل التمدرس:

تم وصف الرصيد اللغوي لأطفال المجموعتين عن طريق تحديد عدد المفــاهيم و المفردات لدى أطفال كل منهما، و المجالات المفهومية التي تغطيها، و كذا المستويات اللغوية التي تنتمي إليها المفردات، حـيـث قدرنا نـسـبـة الفصـيـح[11] و الفصيح المتغير[12]، و العامي[13]، و الدخيل[14] و الأجنبي[15]، ثم حللنا طبيعتها محددين مصادرها، و قارنا بعد ذلك بين رصيدي المجموعتين في مرحلة ما قبل التمدرس، و قج تعلقت المقارنة بكل ما شملته عملية الوصف من عدد المفردات و مجالاتها المفهومية، و كذا مستوياتها اللغوية، و نبرز هذه الأخيرة في الجدول الآتي:

 

 

عدد المفاهيم

عدد التأديات

نسبة الفصيح

نسبة الفصيح المتغير

نسبة العامي

نسبة الدخيل

نسبة الأجنبي

المجموعة (أ)

595

802

45.03%

%40.54

%3.93

%9.85

%0.33

المجموعة (ب)

464

668

22.77%

45.62%

3.81%

9.68%

17.94%

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم (1)

إن أبرز ما يشد الانتباه في هذه النتائج:

- ارتفاع نسبة المفردات الفصيحة لدى أطفال المجموعة (أ)، فهي تشكل تقريبا ضعف النسبة المسجلة لدى أطفال المجموعة (ب) 45.03 % في مقابل 22.77 %،  وقد أرجعنا مصدر هذه المفردات في جزء كبير منها إلى التلفزة، إذا لا حظنا جنوح الأطفال إلى رواية ما شاهدوه على الشاشة من رسوم متحركة بلغة فصيحة، خصوصا عندما يتقمصون شخصية البطل

- و يدل انخفاض نسبة المفردات الفصيحة لدى أطفال المجموعة (ب) مقارنة بنسبتها لدى أطفال المجموعة (أ) على أنه لا أثر لدور الروضة في إعداد الطفل للدخول إلى المدرسة عن طريق تهذيب لغته و تصحيحها و بالتالي تقريبها من لغة الدرسة مثلما جاء في النصوص الرسمية[16]، و انعدام هذا الدور نفسه هو الذي جعل نسبة المفردات الفصيحة المتغيرة تفوق نظيرتها المسجلة لدى الأطفال الذين لم يدخلوا الروضة، لأن مهمة الروضة تتمثل في التقليل من مفردات هذه عن طريق إلحاقها بغيرها في فئة المفردات الفصيحة.

وجود مفردات فرنسية لدى أطفال الروضة، قد نسبتها 17.94 % في مقابل نسبة ضعيفة لدى الأطفال الذين لم يزاولوا التعليم التحضيري قدرت بـ 0.33 %، وهو ما يرد إلى طبيعة اللغة التي تستعملها المربيات مع الأطفال فأغلبهن يخاطبنهم باللغة الفرنسية، و إذا نقول هذا فإننا لا نحمل المربيات و حدهن مسؤولية تعبير الأطفال عن بعض المفاهيم بمفردات فرنسية بدل العربية، بل إن للأسرة قسطا من المسؤولية في ذلك، فأطفال الرياض عموما، أطفال ينتمون إلى طبقة اجتماعية و ثقافية راقية، و أولياؤهم أنفسهم يحبذون تعليمهم اللغة الفرنسية، و هو ما أكدته لنا الإستبيانات الموجهة إليهم، إذ أشار بعضهم إلى أستعمال اللغة الفرنسية إضافة إلى لغة المنشأ في تعاملهم اليومي مع أطفالهم

2. وصف و مقارنة الرصيد اللغوي لأطفال المجموعتين بعد التمدرس:

تم وصف الرصيد اللغوي المجوعتين في مرحلة التمدرس بالطريقة نفسها المتعمدة في المرحلة الأولى، كما تمت المقارنة بينهم في مختلف الجوانب المذكورة في المرحلة الأولى، فكانت نتائج المقارنة بينهما فيما يتعلق بالمستويات اللغوية

على النحو الموضح في الجدول:

 

عدد المفاهيم

عدد التأديات

نسبة الفصيح

نسبة الفصيح المتغير

نسبة العامي

نسبة الدخيل

نسبة الأجنبي

المجموعة (أ)

693

1017

80.35%

12.44%

2.54%

4.38%

0.25%

 

المجموعة (ب)

645

912

80.99%

11.21%

1.91%

3.28%

2.56%

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم (2)

إن اللافت للانتباه في هذا الجدول، هو التقارب الكبير في نسب المفردات الفصيحة و الفصيحة المتغيرة فيما بين المجموعتين (80.99% مقابل 80.35%)،(2.44 % مقابل 11.81(%، و كذا الفارق الضئيل بين نسب المفردات المندرجة في باقي المستويات اللغوية فيما بين المجموعتين، الأمر الذي يعود تقليصه إلى المدرسة، لأن المدرسة بتقديمها تربية واحدة لجميع الأطفال، تعمل على إزالة الفوارق بينهم و تقريب لغاتهم رغم اختلاف بيئاتهم و العوامل المؤثرة فيها و يؤكد التقارب بين نتائج المجموعتين أيضا أنه لا أثر للروضة في التحصيل اللغوي عند دخول الأطفال إلى المدرسة.

قارنا بعد هذا رصيد كل مجموعة في مرحلة ما قبل التمدرس برصيدها بعد التمدرس، و قد تبين لنا إجمالا أن معظم المفاهيم التي قدمتها المدرسة كانت موجودة لدى الأطفال، أي أنها من مكتسباتهم القبلية، و أن تلك التي أضافتها إلى رصيدهم، مفاهيم بسيطة لا تخرج عما يعيشونه في محيطهم القريب و حياتهم اليومية، أما فيما يخص المستويات اللغوية، فإن عمل المدرسة فيها قد تجلى في رفع نسبة المفردات الفصيحة و خفض نسب المفردات المنتمية إلى المستويات اللغوية الأخرى، لكن مع ذلك فإن المدرسة لم تقم بتصحيح كلي لمفردات الأطفال، فقد قدرت نسبة المفردات غير المصححة لدى أطفال المجموعتين (أ) و (ب) بـ 19.61 %  و 18.96 %  على الترتيب.

3. نتائج اختيار التقييم

تم تقييم التحصيل اللغوي لدى أطفال المجموعتين بتعريضهم لاختبار التقييم الذي أنجزناه انطلاقا من كتاب القراءة الخاص بالنسبة الأولى من التعليم، فكانت نتائجه على النحو المجسد في الشكلين (1) و (2).

 

تؤكد النتائج الموضحة في الشكلين (1) و (2) ما كنا قد توصلنا إليه سابقا من أنه لا أثر للالتحاق برياض الأطفال على التحصيل اللغوي لتلاميذ السنة الأولى من التعليم الأساسي[17]، إذ أن معدلي التعلم، معدلان متقاربان جدا قدرا بـ : 68.24 عند المجموعة (أ) و 68.71 عند المجموعة (ب).

إن معدل التعلم المقدر بـ 68 % هو معدل جد متوسط إن نحن نظرنا إلى فقر المضمون المقدم مثلما سنوضح.

و يرد ضعف هذا المعدل إلى عاملين أساسين، عامل لغوي يتعلق بطبيعة المفردات المقدمة في الكتاب، و عامل بيدا بيداغوجي يتمثل في الطريقة التي قدمت بها، و لتوضيح ذلك قسمنا النتائج المحصل عليها إلى ثلاث مجموعات :

- المجموعة الأولى : هي مجموعة المفردات التي نجحت المدرسة في تلقينها للتلاميذ و تتراوح نسب النجاح فيها بين : 77.77 % و 100 %.

- المجموعة الثانية : و تضم نسب الفشل المتراوحة بين 0 % و 33.33 %.

- المجموعة الثالثة : و تحوي نسب النجاح أو الفشل المتوسطة و التي تتراوح بين 44.44% و 66.66 %

1.3. المجموعة الأولى : يلاحظ على أغلب المفردات التي نجح التلاميذ في تعلمها، أنها مما يشيع استعماله في وسطهم باللغة نفسها كـ : دم، صابون...، أو بلغة قريبة من لغة المدرسة: طبيب(tbib) ، مفتاح (m’Ftah) و بهذا يمكن القول إنه كلما كثر استعمال المفردة في بيئة الطفل بشكل قريب من لغة المدرسة، سهل تصحيحها. و هذا النوع من المفردات ينبغي أن يحظي بمنهجية خاصة في التعليم، فلما كانت من مكتسبات الطفل و جب أن لا يكون تقديمها على حساب مفردات يكون التلميذ أكثر حاجة إليها، فالمادة اللغوية المقدمة للتلميذ يجب أن تساعده على أن : (يلتقي بكل من الخبرات العادية و الخبرات الجديدة القوية، كذلك يجب أن تساعده الكتب في التوسع في خبراته و الربط بينهما و بين خبرات الآخرين[18]...

و من هنا يجب أن يقتصر تعليم المفردات الشائعة في وسط الطفل على مرحلة تمهيدية، بحيث تشكل مدخلا إلى تعلميه ما يجهله حتى لا يشعر بأن اللغة التي تقدمها له المدرسة، لغة غربية عنه، فنرغبه في التعلم. إلا أن ما لا حظناه أن هذا النوع من المفردات قد احتل قسطا وافرا مما يقدم كمادة إفرادية للتلميذ كما أن المفردة الواحدة منه قد استعملت استعمالا مكثفا في الكتاب، و كان الأولى أن توجه هذه العناية و هذا التكثيف إلى مفردات يجلها التلميذ حتى ترسخ في ذهنه.

إن لتواتر الكلمة في الكتاب دورا كبيرا في تعلمها، فقد لا حظنا نجاح التلاميذ في تعلم بعض المفردات على الرغم من عدم شيوعها في وسطهم و السبب في ذلك استخدام الواحدة منها في مواضع عدة من الكتاب الأمر الذي جعل التلاميذ يراجعونها فسهل رسوخها في أذهانهم و زادت بذلك فرص نجاح تعلمها.

و يسهل مقياس التواتر هذا، تعلم الأفعال كالأسماء، فقد لا حظنا أن الأفعال التي استخدمت بشكل مكثف في الكتاب، هي الأخرى نجح التلاميذ في تعلمها على الرغم من أنها ليست مألوفة لديهم

هذا و يضاف إلى دور عامل التواتر في تعلم الأفعال، عامل الصيغة، فالملاحظ أن أغلب الأفعال المتعلمة و إن لم تتكرر بكثرة أحيانا هي أفعال ثلاثية، و ذلك لبساطة هذه الصيغة، مقارنة ببقية الصيغ الأخرى.

بالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن التلميذ قد ينجح في تعلم بعض المفردات إذا كانت تلبي حاجاته النفسية، فقد يرغب في تعلمها نظرا لميله إلى المفاهيم التي تدل عليها أو لكونها وظيفية بالنسبة إليه، كالذي نلاحظه في المفردات الدالة على اللعب : دمية، درجة، كرة...

و هذا السبب نفسه هو الذي يفسر تعلم المفردات: فيل، فراشة، أرنب... على الرغم من تواترها الضعيف في الكتاب، فهي مفردات تستهوي الطفل بأشكالها و ألوانها و حركاتها، فتنمي لديه الدافع و الرغبة في تعلما، هذا الدافع الذي هو أساس كل تعلم.

كما أن المفردات قد جسدت بالصور في مواضع مختلفة من الكتاب مما قد يكون له تأثير على أنطباعها في أذهان التلاميذ

2.3. المجموعة الثانية: تتراوح نسب الفشل في تعلم مفردات هذه المجموعة بين 0 % و 33.33 %، ويرد سبب الفشل إلى عاملين هما : طبيعة المفردات نفسها أو طريقة المقدمة بها أو إلى كليهما معا، فمن حيث الطبيعة، يلاحظ أن المفردات التي لم تتعلم إطلاقا (0 %) هي تلك الدالة على مدلولات قديمة لم يعد لها أثر في بيئة الطفل و لا خبرة له به : قربة، كانون، جير، حصيرة...

و إلى جانب أن هذه المفردات ليست وظيفية بالنسبة إلى الطفل، و أنه يجهل المفاهيم التي تد عليها، فإنها لم تظهر في الكتاب إلا مرة واحدة، كما أنها لم ترد في جمل أو في نصوص من شأنها أن توضح معانيها للتلاميذ، مسهلة بذلك تعلمها، لأن السياق (ذو معنى هو أفضل ما يمكن أن نعلم الطفل من خلاله جوانب القراءة[19].

إن إعادة النظر في هذه المفردات و ما شاكلها أمر ضروري، لأن مفاهيمها قديمة محكوم عليها بالاندثار، و قد أصبح من الأولى تعويضها بما تقتضيه مظاهر الحياة الحضارية، فما يقدم للطفل يجب أن (ينطوي على المعارف مستقبلا، كما ينبغي أن يتلاءم و يتناسب مع الحاضر القائم[20].

و مما يجب إعادة النظر فيه أيضا، مفردات من مثل ربيب، و أسير، و بار...، فهذه المفردات لا تتماشى و النمو الزمني و الفكري لتلاميذ هذا المستوى، إذ كيف يمكن لتلميذ السنة الأولى أن يدرك المقصود من ربيب أو بار؟ و ما جدوى تلقينها له إن لم يعرف معناها حتى يتمكن من توظيفها في استعمالاته اليومية؟

و الملاحظ أن هذه المفردات بالإظافة إلى صعوبة معانيها و ضعف تواترها في الكتاب، أنها وردت بمعزل عن أي سياق بل إنها اقحمت لسبب واحد و هو المناسبة الموجودة بين أحد حروفها و الحرف المرد تعلميه في الدرس الذي وردت فيه.

3.3. المجموعة المتوسطة : و هي مجوعة المفردات التي تم تعلمها بشكل جزئي، و التي تحوي نسب النجاح أو الفشل المتراوحة بين (44.44 % و 66.66 %)، و مفردات هذه المجموعة تحتاج إلى تدعيم حتى تتمكن من الالتحاق بمفردات المجموعة الناجحة، و هذا التدعيم يجب أن يستهدف أساسا الطريقة المستخدمة في تقديم هذه المفردات، فقد لوحظ أن هذه الأخيرة ليست مألوفة الاستعمال في محيط الأطفال، و من ثم كان ينبغي أن تتواتر في سياقات متعددة حتى تتيح للتلميذ فرصة مراجعتها من نص لآخر، و أن تجسد - ما أمكن - بالصورة حتى تنطبع في ذاكرته بالمعنى الذي تدل عليه فتصير خبرة من خبراته. إلا أن الميزة المشتركة بين مفردات هذه المجموعة أنها ضعيفة التواتر، و أنها لم تمثل في أغلب الأحيان، و من أمثلتها : مكنسة، بقال، حكاية، جاهز، قرية، مظلة، رتب، صاح، نعجة...، و قد يقال إن النجاح أو الفشل الجزئي قي تعلم هذه المفردات لا يمكن أن يرد إلى سبب بيداغوجي بدليل نجاح الطريقة مع بعض التلاميذ، و أن مرد ذلك إلى القدرات الخاصة و إلى الظروف الاجتماعية و الاقتصادية، فمما لاشك فيه أن لقدرات التلاميذ و لظروف المحيطة بهم دورا في عملية التعلم عامة، و في تعلم هذه المفردات خاصة، فالتلاميذ الذين يمتازون بالذكاء وقوة الإدراك يتعلمون أكثر من غيرهم، كما أن الذين تعودوا الخروج للتنزه في الأرياف يتمكنون من التقاط مفردات من مثل نعجة، وغراب و تعلمها، و إن لم تكرر على مسامعهم مرات عدة في القسم، كما أن أبناء المعلمين و المعلمات و الأطفال الذين نشأوا في أسرة مثقفة قد يستعلمون هذه المفردات بسهولة نظرا لسماعها من أوليائهم، إلا أن هذا لا ينفي مسؤولية الطريقة واشتراكها في عدم تعلم كل التلاميذ هذه المفردات، إذ عليها أن تأخذ في الاعتبار مسألة تفرد الأطفال، لأن التعليم الجيد كما تقول كونولي (Conoly) هو (التعليم الذي يصلح للجميع[21]، فهناك من التلاميذ من يحتاج إلى التكرار و الشرح و استعمال وسائل الإيضاح، و منهم من لا يحتاج إلى كل ذلك لا متيازه بقوة الإدراك كما ذكرنا، و الطريقة المثلى هي الطريقة التي توفر كل ذلك حتى تضمن نجاح عملية التعلم.

هذا و قد تفسر هذه النسب المتوسطة أيضا، باختلاف معلمي المادة فقد يكون منهم من ركن على المفردات و شرحها، و منهم من لم يقم بذلك، كما أن بعضهم لم يتمكن من تنفيذ كل البرنامج، و انجر عن ذلك أن بعض التلاميذ لم يقرأوا النصوص التي وردت فيها المفردات، فلم يتمكنوا بالتالي من الإجابة عن أسئلة الاختبار المتعلقة بها و هذا ما لا حظناه في المفردات : حلقة، حلاقة، عصير، تغيب، بنى، صنع...، فالنصوص التي أوردت هذه المفردات تنجز في آخر مرحلة من مراحل إنجاز البرنامج.

يتبين ما مجمل ما ذكرنا أن المادة الإفرادية التي تقدمها المدرسة، مادة فقيرة يعرف الطفل أغلبها و أن تلك الجديدة بالنسبة إليه لم تحظ بطريقة عرض علمية تضمن نجاح تعلمها، و هو ما ستوضحه عملية تقييم الكتاب الذي تضمن هذه المادة.

4.تقييم كتاب القراءة الخاص بالنسبة الأولى من التعليم الأساسي:

تم تقييم كتاب القراءة عن طريق وصفه و تحليل محتواه، ثم مقارنته بالكتابين المغربي و الفرنسي الخاصين بالمستوى نفسه، و ذلك بعد و صفهما أيضا، كما قارنا المادة الإفرادية المقدمة في الكتاب بتلك التي أقرها الرصيد اللغوي العربي على تلاميذ السنة الأولى من التعليم، و ذلك بغية التعرف على مدى توفيق مؤلف الكتاب الجزائري في انتقائه هذه لمادة و مدى مناسبتها لتلاميذ هذا المستوى.

1.4. وصف و تحليل الكتب

لقد شمل وصف الكتب الثلاثة مختلف مختلف الجوانب الشكلية: الحجم، طبيعة الغلاف، نوعية الورق، المقروئية...، و كذا المضمون الذي أوضحنا فيه طبيعة النصوص المعروضة و المادة الإفرادية المقدمة و طريقة تقديمها.

و قد أولينا الكتاب الجزائري في هذا الوصف مثلما سنوليه هنا أيضا - عناية خاصة - حيث حللنا موضوعاته التي و جدنا أنها تندرج في ستة محاور هي، المنزل و الأسرة، المدرسة، و الشارع، وجسم الإنسان، و الرحالات و الأسفار، و الريف، و هي موضوعات مألوفة في الكتب القديمة تتحدث أغلبها عن اللعب و العلاقات الاجتماعية و مواقيت الغداء و زيارة الطبيب و المزرعة...

و هذه الموضوعات و إن كانت و ثيقة الصلة بمحيط الطفل، فإنها تفتقر لعنصر التنوع و التشويق من جهة و للحداثة و مواكبة العصر من جهة أخرى، كما أن الميزة العامة لها، تصويرها حياة مثالية بعيدة عن الواقع الذي يعيشه الأطفال و المشاكل التي يتعرضون لها هم و من يحيط بهم، فهي : (حياة متمناة يقتضي فيها مثل أوليائهم و قتهم دون أن يفكروا أبدا في سلوك سلوك جاد، بعبارة أخرى فإن اللعب و اللهو من طبيعة الطفل الفطرية و لكن لايمكن اعتبارهما أهم ما في حياتهم[22] .

مما لا شك فيه أنه ينبغي استقاء الموضوعات الموجهة للتلاميذ المبتدئين من عالم الأطفال، و أنه ينبغي عليها أن (تعالج الجانب الباسم للطفولة، و لكن دون أن تقصي تماما الجانب المؤلم و المتنازع : الصراع و الأحزان و مخاوف الطفولة[23]. صحيح أنه لا ينبغي صدم الأطفال بمشاكل الحياة و عراقيلها و لكن فئة كبيرة منهم تعيش هذه المشاكل و بالتالي قد تشعر بخيالية الحياة و عراقيلها و لكن فئة كبيرة منهم تعيش هذه المشاكل و بالتالي قد تشعر بخيالية الحياة التي يعرضها الكتاب و بعدها عن الواقع الصعب الذي يعيشونه، هذا الواقع المقصى تماما من الكتاب فلو استعرضنا ما ورد فيه لوجدنا أن معظم الموضوعات المقدمة، و منذ الصفحات الأولى، هي تلك المتعلقة باللعب و التي غالبا ما يركب فيها الولد الدراجة[24] و تجلس البنت لتلعب بالدمية و ترقدها[25].

إن المؤكد أن الأطفال بشكل عام، و طفل هذه السن بشكل خاص، ميالون بطبعهم إلى اللعب و أنه على كتب القراءة، الاهتمام بإبراز ذلك كي لا ينفر الطفل من الوسط المدرسي، و لكن الإكثار من ذلك مثلما هو الشأن في الكتاب، قد يكون سببا في تعاسة الطفل و قرفه من هذا الوسط لأن ذلك قد يجعله يفكر كثيرا في اللعب و في الأطفال الذين يقضون معظم ساعات يومهم و هم يلعبون خارج المدرسة، في حين عليه هو أن يقضي معظم ساعات يومه جالسا يستمع إلى المعلم، و عليه ينبغي المزاوجة بين الموضوعات التي تستهوي الأطفال و هم صغار و بين تلك التي تعدهم للحياة مستقبلا خاصة و أن الدراسات الحديثة المتعلقة بإعداد الكتب المدرسية، تؤكد على ضرورة التنويع عند إنتقاء الموضوعات عن طريق جعل تلك الدالة على اللعب و النكت و القصص تتناوب مع أنواع أدبية أخرى تمكن الأطفال من مواجهة الصعوبات و العراقيل التي قد تصادفهم مستقبلا[26].

و فيما يخص العلاقات الاجتماعية فإن الكتاب يغص بموضوعات تهيئ الذكر ضمنيا و منذ صغره للتسلط على الأنثى و القسوة عليها، ففي نص من النصوص تخرج ليلى للعب فينهرها أخوها قائلا : اذهبي إلى الدار[27] و عندما يحين وقت الغداء يصورها لنا النص باكية لأن خالدا أخذ مكانها[28]، كما يحدثنا نص آخر عن بكائها لأن أخاها فك دميتها[29] و نصادفها في نص آخر باكية أيضا بسبب أخيها الذي ضربها و هرب تاركا إياها باكية[30]، فأية قدوة هاته التي يضعها الكتاب أمام الأطفال و أي نموذج من الرجال هذا الذي تسعى المدرسة الجزائرية إلى تكونيه؟.

و في الوقت الذي غرت فيه المرأة مختلف ميادين العمل، تعمل نصوص الكتاب على حصر وظيفتها في القيام بالواجبات المنزلية، فلا نصادف المرأة العاملة في الكتاب إلا في ثلاثة مواضع، تمتهن في الأول و الثاني منها مهنة المعلمة و الممرضة و هو ما يمكن استخلاصه من الصورة، لا من النص.

و تقوم في الثالث بعمل الحلاقة، و في باقي النصوص كلها يصر المؤلف على حصر وظيفة الأنثى في القيام بالواجبات المنزلية، فإن كانت بنتا فإن دورها يتمثل قي مساعدة أمها في خياطة الملابس[31] أو حلب البقرة[32] أو حراسة أخيها الصغير[33] و في ذلك إعداد لها لتحل محل أمها مستقبلا، و إن كانت أما فإن دورها ينحصر في تربية الأبناء و تحضير الطعام لهم، هنا نتساءل عن المقصود من كل هذا، أهو إعطاء صورة نريد للمرأة أن تكون عليها في مجتمعنا، أم هو إبراز لوضع قديم كانت عليه، و في هذه الحالة الأخيرة نقول إن الكتاب لم يعد صالحا لمسايرة الواقع لأنه يجسد للطفل واقع آخر غير الذي يحيا في ظله.

هذا عن طبيعة الموضوعات المقدمة، أما طريقتها فقد تمثلت في أسلوب واحد هو الحوار، و إذا كان الحوار دور في تنمية الملكة الحجاجية أو التقريرية باعتباره قبل كل شيء تبادل حجج[34]  فإن اللغة ليست استدلالا فحسب، و إنما هي وصف و سرد و تفسير، و الاكتفاء بتقديم النصوص في شكل حواري من شأنه أن يحرم التلميذ من باقي الأساليب اللغوية الأخرى، و بالتالي من جميع العمليات الذهنية و المعرفية التي تتيحها، كما أن هذا الحوار قد وسم النصوص المقدمة بالبساطة و الفقر و الملل لتكرارها  المفاهيم نفسها.

عند تحليلنا لمحتوي الكتاب، حددنا أيضا كمية المفردات المقدمة فيه، إذ و جدنا أنه يتضمن خمسا و عشرين و ثمانمائة مفردة (825) ، موزعة بين الأسماء و الأفعال و الصفات و الظروف و الأدوات، فقسمنا الأسماء إلى محسوسة و مجردة و صنفنا الأفعال حسب صيغها مقدرين نسبة كل منها، و نسبة كل زمن من الأزمنة التي وردت بها، موضحين مدى توفيق المؤلف في استعمالها.

و كان أشد ما لفت انتباهنا في تحليل صنف الأسماء، غياب كل ما يدل على المفاهيم الحضارية في مقابل حضور أسماء دالة على مفاهيم قديمة لم يعد التلميذ بحاجة إلى التعبير عنها، بالإضافة إلى أن نسبة معتبرة من الأسماء تمثلها الأعلام، و ذلك لاعتماد المؤلف على أسلوب الحوار في نصوصه.

بحثنا أيضا في كيفية استثمار الكتاب لمقياس التواتر (fréquence) و التوزع (répartition) فلاحظنا بالنسبة للأول منهما أن الكلمات الواقعة على راس القائمة التواترية كلمات معروفة لدى الطفل، لا تحتاج إلى مثل درجة التواتر العالية حظيت بها، و في المقابل فإن نسبة 76.96% من الكلمات التي لم تظهر إلا مرة واحدة في الكتاب، هي جديدة لا عهد للطفل بها.

أما بالنسبة للثاني، فإنه لم يخضع، شأنه التواتر، إلى تخطيط علمي هذا التخطيط الذي يقتضي أن توزع الكلمات على ملفات الكتاب بشكل يسمح للتلميذ بان يلتقي بها في مواضع مختلفة، و بالتالي يتذكرها و يراجعها فترسخ في ذهنه.

تعرضنا بالتحليل أيضا لوسائل الإيضاح التي تضمنها الكتاب فلاحظنا أن معظمها، إن لم نقل كلها، مبهمة لا تعبر عما وضعت من أجله كما أن الأشياء المكونة لها غير منسجمة، وألوانها غريبة لا علاقة لها بألوانها في الواقع، و هي تشكل بذلك عاملا من عوامل تكوين مفاهيم خاطئة و تنمية ثروة لغوية غير دقيقة.

شمل وصف الكتابين المغربي و الفرنسي و تحليليهما كما المحنا، مختلف الجوانب التي شملنا عملية وصف الكتاب الجزائري و تحليله، و كان أبرز ما شد انتباهنا فيهما وجود ما يعبر عن مستحدثات العصر و التطور التكنولوجي، كالموضوع الخاص بطريقة استعمال الحاسبة و الحاسوب في لكتاب مغربي[35] و طريقة استعمال آلة التصوير في الكتاب الفرنسي[36]، بالإضافة إلى الموضوعات التي تدعو لى القيم الأخلاقية بغية تنشئة الأطفال عليها.

و فيما يخص المادة اللإفرادية المقدمة، فإنها في كليهما ثربة تعبر عن مفاهيم متنوعة، أما وسائل الإيضاح فإنها معبّرة تعكس الحضارتين المغربية و الفرنسية بصورة صادقة.

5. المقارنة بين الكتاب الجزائري و الكتابين المغربي و الفرنس

يكون تقييم الكتاب و الحكم على مضمونه أكثر موضوعية عند مقابلته بغيره من الكتب، فقيمته تتحدد بالنسبة إلى درجة معينة و هذه الدرجة هي المحتوى المقدم عند الأمم الراقية، و من هذا المنطلق جاءت مقارنتنا لكتاب القراءة الجزائري الخاص بالسنة الأولى بالكتابين المغربي و الفرنسي الموجهين إلى تلاميذ المستوى نفسه، ولم نقارنه بهما دفعة واحدة، إذ أثارنا مقابلته أولا بالكتاب المغربي بمفرده ثم بالكتاب الفرنسي في مرحلة ثانية، و ذلك لأن مقاييس المقارنة بين الكتابين الجزائري و المغربي مقاييس واحدة، فهما كتابان موجهان لأطفال سن واحدة، مؤلفان بلغة واحدة، و يعكسان ثقافة و عقيدة واحدة، كما أن مرحلة التعليم التحضيري في كلا البلدين مرحلة غير إلزامية.

شملت هذه المقارنة طبيعة الموضوعات المعالجة، فكان الملاحظ أن الكتب الثلاثة تشترك في تقديم تلك التي لها علاقة بالحياة اليومية للطفل و بما يعيشه في محيطه القريب، و لكن الكتابين الفرنسي و المغربي عكس الجزائري يتجاوزان ذلك بعرضهما لموضوعات علمية هادفة، كموضوع تكاثر الطيور و نمو النباتات في الكتاب الفرنسي[37]، و موضوعا نقل الذباب للأمراض[38] و كيفية صنع النحلة للعسل[39] في الكتاب المغربي، كما أنهما يمتازان عن الكتاب الجزائري بتقديم موضوعات تعليمية تثقيفية، كتلك المتعلقة بإشارات المرور و بطريقة تشغيل الراديو و كتابة الرسائل، و يعرضان بالإضافة إلى ذلك موضوعات أخلاقية كمواصفات الولد المهذب في الكتاب المغربي[40] ووصف الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الطفل داخل الأسرة و المدرسة و الأماكن العمومية في الكتاب الفرنسي[41]، و ينفرد هذا الأخير بتقديم موضوعات متعلقة بالأوساط البعيدة، كميزة المناطق الجغرافية على سطح الكرة الأرضية.

و بهذا يتضح أن الكتاب الجزائري لا يقدم للطفل سوى ثقافة محدودة و معلومات لا تمكنه من التعامل إلا داخل الوسط الضيق الذي يعيش فيه، بخلاف الكتابين الفرنسي و المغربي اللذين يعملان بالإضافة إلى ذلك على إعداد الطفل للتعامل في مختلف الأوساط و على توسيع ثقافته عن طريق اطلاعه على حياة الكائنات من حوله و المناطق الجغرافية البعيدة عنه.

و إذا بحثنا في الأشكال التي تقدم بها هذه الموضوعات، لوجدنا أنها متنوعة في الكتابين الفرنسي و المغربي إذ نعثر في كل منهما على نصوص شعرية تنمي الحس الفني لدى الطفل، و على أخرى نثرية تتوزع بين القصص الحوارية و القصص السردية، بينما يكتفي الكتاب الجزائري بتقديم الموضوعات في شكل قصص حوارية.

يظهر الفرق بين الكتاب الجزائري و الكتابين المغربي و الفرنسي أيضا، عند مقارنة كمية المفردات الواردة فيهان إذ بلغ عددها تسعا و أربعين و ثلاثمائة و ألف مفردة في الكتاب المغربي (1349)، و قدر في الكتاب الفرنسي بسبع عشرة ومائتين و الف مفردة (825)، و هو ما نوضحه بجلاء في الأشكال الآتية :


انطلاقا من الأرقام المجسدة في هذه الأشكال، و بعملية حسابية بسيطة نتوصل إلى أن الطفل الجزائري لا يتعلم من الناحية الكمية سوى 61.15 % مما يتعلمه الطفل المغربي و 67.78 % مما يتعلمه الطفل الفرنسي، و الحقيقة أن نسبة تخلف الطفل الجزائري عن الطفلين المغربي و الفرنسي أخطر بكثير مما تعبّر عنه هاتان النسبتان، لأن عددا كبيرا من مفردات الكتاب الجزائري تمثله أسماء الأعلام كما ذكرنا[42] ، و لأن الكثير منها مفردات الكتاب غير مشتركة بينه و بين الكتابين المغربي و الف فرنسي و غير صالحة لتلاميذ هذه السن بدليل عدم ورودها في الرصيد اللغوي مثلما سنوضح.

و لنتبين القيمة الفعلية للمادة الإفرادية المقدمة من الناحيتين الكمية و النوعية، قمنا بتوزيع مفردات الكتب الثلاثة على المحاور و الموضوعات نفسها مبرزين الفرق بينها، فتوضح لنا ثراء المادة الإفرادية التي يقدمها الكتابان المغربي و الفرنسي و تفوقهما على تلك التي يعرضها الكتاب الجزائري في أغلب الموضوعات، هذا التفوق الذي يصل أحيانا إلى خمسة أضعاف، و هو الشأن في موضوع "الحرف والوظائف" من محور "الإنسان" إذ بلغ عدد مفرداته في الكتاب المغربي تسعا و خمسين (59) مفردة، في حين قدر في الكتاب الجزائري بإحدى عشرة مفردة (11).

هذا و قد لفت انتباهنا في الكتابين المغربي و الفرنسي أيضا، وجود مفردات تعبر عن موضوعات معاصرة، كالآلات الإلكترونية و الوسائل الفلكية و المصطلحات العلمية و الثقافية و الفنون و الإعلام... و عدم تضمن الكتاب الجزائري أية مفردة تعبر عن هذه الموضوعات.

و حتى تكتمل مقارنة المادة الإفرادية وتتضح، أردفناها بمقارنة النصوص، لما بين الموضوعين من تداخل، فقلة المفردات لها أثرها في النصوص و أساليب التعبير و قيمة الأفكار المصاغة، ولذلك اخترنا نصوصا من الكتاب الجزائري يعالج كل واحد منها مع ما يقابله في الكتاب المغربي أو الفرنسي موضوعا واحدا أو موضوعين متشابهين، و سنقدم كعينة للمقارنة بين نصوص الكتابين الجزائري و المغربي نصين، يتحدثان عن موضوع المدرسة، فتحت عنوان:

المعلم الصغير (1) و (2)، يقدم الكتاب الجزائري نصين متسلسلين جاء فيهما:

عمر : ماذا تعلمنا ؟

سمير : ستعرف بعد قليل.

وزع عليهم أوراقا و أقلاما و قال: اكتبوا:

واحد، إثنان، ثلاثة، أربعة.

نورة : هذا درس سهل.

سمير : اكتبي واسكتي[43]

(أمسك سمير مسطرة، و بدأ يمشي أمام الأطفال كأنه معلم كبير.

نورة : أتممت درسي.

سمير : قلت لك اسكتي، أنت ثرثارة

أراد سمير أن يضربها فسقط على الأرض

ضحك الأطفال، فغضب سمير و بدأ يقول : السكوت السكوت)[44]

يقدم الكتاب المغربي في مقابل هذا نصا عنوانه "بيت الدرس:"

(أردت أن أتسلي رسمت على الصفحة الأولى من دفتري، صورة برتقالة كتبت تحتها "برتقالة"، كلمة برتقال تبدأ بحرف الباء، أسمي أيضا يبدأ بحرف الباء : بديعة.

رسمت على الصفحة الثانية أزهار بنفسج، قلت لنفسي: يبدو أن أسماء الأشياء الجميلة تبدأ بحرف الباء.

أعجبتني اللعبة فرسمت صورة بلبل و باخرة ورسمت صورة بنين و بنات... ثم قلت لنفسي : إلى اين يتجه هؤلاء؟ فرسمت على صفحة الأخيرة صورة المدرسة.

كانت صورة المدرسة أجمل الصور جميعا لكن كلمة مدرسة لا تبدأ بحرف الباء، فكرت)[45].

يتضح مما تضمنه هذان النصان، الثراء المميزة لمفردات النص المغربي كما و كيفا مقارنة بالجزائري، فما يقدمه الكتاب المغربي في هذا النص يفوق ما يقدمه الكتاب الجزائري في نصين متتاليين 41 (مفردة في مقابل 34 مفردة)[46]، كما أن النصين و إن كانا في كلا الكتابين لا يقدمان مفردات جديدة كثيرة، لأن معظم ما تضمناه قد ذكر في نصوص سابقة، فإن انتقاء المفردات في النص المغربي أمر واضح، كما أنه قد كرس لتحقيق أهداف مختلفة، فهو ينطلق من موضوع اللعب و التسلية ليربطه المؤلف بغرض تعليمي عندما يجعل موضوع هذه التسلية، رسم الأشياء التي تبدأ مسمياتها بحرف الباء ثم يصل بالطفل في آخر النص إلى المدرسة التي تمثل صورتها أجمل الصور جميعا، و تسميها البنت "بيت الدرس" حرصا منها على إدراجها ضمن الأشياء الجميلة التي تبدأ بحرف الباء، و في ذلك غرس لحب المدرسة في نفس الطفل.

إن هذا الذي ذكرنا من حسن اختيار المفردات الخادمة للموضوع، و التنويع فيه عن طريق المزج بين الجد و اللعب، غائب في نص الكتاب الجزائري الذي يكتفي بتجسيد فكرة تقمص أحد الأطفال أثناء اللعب شخصية معلمه ثم عقابه بواسطة الضرب، و هو ما يعطي للأطفال فكرة سيئة عن المعلم و عن المدرسة بشكل عام خلافا للنص المغربي.

هذا عن المقارنة بين نصوص الكتابين الجزائري و المغربي، أما المقارنة بين نصوص الكتابين الجزائري و الفرنسي، فقد اخترنا كنموذج لها نصين يتحدثان عن طبيعة في فصل الشتاء والخريف على الترتيب.

النص الجزائري :

(لا تخرج بلا معطف يا عمر)

البريد شديد و المطر ما زال يسقط[47].

النص الفرنسي :

C’est l’automne. Une forte pluie d’un ciel nuageux. Les feuilles d’un chêne tourbillonnent. Au loin on aperçoit quelques maisons du village. Une fillette vêtue d’un long manteau et chaussée de bottes se presse sur chemin. Sous un buisson un petit chat noir se blottit.)[48].

يظهر من هذين النصين أيضا، أن النص الجزائري لا يقدم سوى مفردات قليلة مقارنة بالنص الفرنسي ؛ إذ بلغ عددها في الأول منهما سبعا [7] في حين قدر في الثاني بست و عشرين مفردة[49]  [26].

كما أن النص الفرنسي موحي بالأفكار، سردي و وصفي في الوقت نفسه ؛ بينما يتسم النص الجزائري ببساطة الفكرة و سذاجتها.

يتبين من كل ذكرنا أن الكتاب الجزائري يتصف بفراغ علمي و فقر فكري، و أن المعلومات و الأفكار المقدمة فيه ناقصة نقصا فضيعا بالنسبة إلى تلك التي احتواها الكتابان المغربي و الفرنسي.

خصت المقارنة بين الكتاب الجزائري و الكتابين المغربي و الفرنسي وسائل الإيضاح ايضا، و ظل التفوق في ذلك لهذين الأخيرين، و لكي نوضح الفارق بينها، اخترنا بعض المشاهد التي تمثل الموضوعات نفسها، أو موضوعات متشابهة، فعندما يصور الكتاب المغربي الأطفال و هم يشاهدون رسوما متحركة على شاشة التلفاز، يعتني اعتناءًا كبيرا بتصوير القاعة التي يجري فيها الحدث مكتفيا في ذلك بالأثاث الأساسي الواجب توفره فيها، فيمثل الأطفال بملابسهم المزركشة، وهم جالسون على الأرائك يشاهدون التلفاز ذا الشكل الواضح حجما ولونا و الموضوع على الطاولة خاصة، كما يبرز صورة القط الذي يجري وراء الفأر، و هو موضوع برنامج الرسوم المتحركة الذي يتحدث عنه النص ؛ و في مقابل هذا نجد التلفاز موضوعا على مائدة الطعام في صورة من صورة الكتاب الجزائري، كما أن أثاث القاعة يجمع بين التقليدي و الحديث المتمثل في أريكة واحدة يقف فوقها القط، بينما يتمدد أحد الأطفال على البلاط أما جدار القاعة فهو مغطى بزربية داكنة اللون مما يوحي بأنه جدار خيمة.

 

و بهذا يتضح أن الكتاب المغربي يحرص على تقديم صورة حضارية للمنزل نلمس فيها انسجاما تاما بين الأشياء المكونة له، كما أن معالمها واضحة و ألوانها تتناسب مع ما هو موجود في الواقع، في حين يمثل الكتاب الجزائري صورة بدوية للبيت تفتقر إلى التنظيم بين عناصرها، و تقدم بالإضافة إلى ذلك تربية غير سوية، و ما تمدد الطفل على البلاط لمشاهدة التلفاز و وقوف القط على الأريكة إلا أوضح دليل على ذلك.

و تعمل صورة الكتاب المغربي على غرس القيم في نفوس الأطفال من خلال توجيهاتها الأخلاقية المختلفة خصوصا المتعلقة منها بالنظافة، و لذلك نعثر فيه على صور، يحفر بعضها على تنظيف الأسنان، و تنظيف النوافذ و الاستحمام...، بينما لانعثر في الكتاب الجزائري إلا على صورة وحيدة يعبر فيها الطفل و هو يغسل وجهه عن برودة الماء.

و في ما قبل نذرة الصور المعبرة عن النظافة في الكتاب الجزائري، نصادف صورا تسير في اتجاه معاكس، و إلا فما الذي يمكن أن يعينه نزع الأطفال لأحذيتهم، و وضعها أمامهم، وهم جالسون على طاولة الطعام؟

تفوق صور الكتاب الفرنسي على صور الكتاب الجزائري ايضا، مثلما ألمحنا، فما يقدمه الكتاب الفرنسي في صورة واحدة، يقدمه الكتاب الجزائري في ثلاث صور، و هو الشأن عند تمثيل الفصول، فحينما يجسد الكتاب الجزائري فصل الشتاء يقدم صورة لسحب سوداء و طيور ذات لون أزرق بنفسجي و أخرى لمعطف، و ثالثة لبنت تحمل مطرية، و في ذلك فصل بين الأشياء التي كان ينبغي إدراجها في صورة واحدة حتى يكتسب الطفل معرفة كاملة عن فصل الشتاء و هو الأمر الذي يثبته الكتاب الفرنسي بتقديمه صورة واحدة للطبيعة في فصل الخريف، تمثل تساقط الأمطار و تناثر أوراق الشجار المصفرة، و بنت تسير مرتدية ملابس الفصل..

6. مقارنة محتوى كتاب القراءة بالرصيد اللغوي العربي المقرر على تلاميذ السنة الأولى من التعليم الأساسي :

  تهدف هذه المقارنة إلى التعرف على واقع المادة الإفرادية المقدمة في الكتاب من حيث قدرتها على سد الحاجات التبليغية للطفل، و ذلك بتحديد المجالات التي تعاني نقصا في عدد المفاهيم أو تلك تتسم بكثرتها كما لا كيفا. و قد تمت هذه المقارنة بعد توزيع مفردات الكتاب على محاور الرصيد اللغوي التي بلغ عددها تسعة [9] و التي تتضمن سبعة و ثلاثين مجالا، شملتها المقارنة مجالا مجالا، موضحين في كل منها مدى استفادة الكتاب من الرصيد ومدى تقصيره في ذلك.

و لكننا سنكتفي بتقديم جدول واحد حوصلنا فيه نتائج المقارنة، و هو يوضح المادة الإفرادية المقدمة و المقررة في المحاور إجمالا دون تفصيل في مجالاتها..

 

المحور

عدد مفرداته في الكتاب

عدد مفرداته في الرصيد

المفردات المشتركة

المفردات الواردة في الرصيد دون الكتاب

المفردات الواردة في الكتاب دون الرصيد

عددها

نسبتها

عددها

نسبتها

عددها

نسبتها

جسم الإنسان

255

427

166

38.87%

261

60.88%

89

34.40 %

الحياة الإجتماعية

84

155

59

37.91%

96

61.93%

25

29.76%

الحياة الاقتصادية

35

90

27

30%

63

70%

08

22.85%

الحيوانات

51

54

33

61.11%

21

38.88%

18

25.29%

الكون و الطبيعة و النبات

74

131

50

38.16%

81

61.38%

24

30.76%

الدولة و مؤسساتها

07

35

04

11.42%

31

88.57%

03

42.85%

العد و التقدير

20

41

10

24.39%

31

75.60%

10

50%

أدوات المعاني

93

81

58

71.60%

23

28.39%

35

37.63%

المشترك في الأسماء و الأفعال

131

204

63

30.88%

141

69.11%

68

51.90%

المجموع

750

1218

470

38.58%

748

61.41%

280

37.33%

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم (3)

يبين هذا الجدول أن نسبة الإستفادة الكلية من الرصيد اللغوي، نسبة ضعيفة قدرت بـ : 38.58 % أي أن كتاب القراءة للسنة الأولى من التعليم الأساس، لا يقدم تقريبا سوى ثلث المادة الإفرادية الواجب تلقينها لتلاميذ هذا المستوى و هو ما يبرز الفراغ المرعب الذي تتسم به المادة اللغوية المقدمة.

كما أن أكبر نسب الإستفادة منه لا تتعدى 70 % إلا بقليل، و هي تلك المسجلة في محور "أدوات المعاني"، ثم تليها بنسبة أقل تلك المسجلة في محور "الحيوانات"، و يعود الإهتمام بهذين المحورين إلى طبيعتهما، فالأول عبارة عن قائمة محدودة لا يمكن بناء لغة دون اللجوء إلى استعمال بعضها، لأن المؤلف مجبر في تأليفه لأي نص على استخدام حد أدنى منها، و الثاني يمثل عالما يستثير انشغال الأطفال و يحظى باهتمامهم الكبير.

أما أضعف المحاور استفادة، فهو محور "الدولة و مؤسساتها" بنسبة 11.42 % مجموع ما أقراه الرصيد في هذا المحور، و تؤكد هذه النسبة تقصير الكتاب في إمداد الطفل بالمفاهيم المنظمة لحياته و حياة المحيطين به داخل المجتمع الذي يعيش في كنفه.

و إذا كان المحتوى الإفرادي لكتاب القراءة فقيرا لا يسد الحاجات التبليغية للطفل، فإنه يهدر جهده في تعلم مفردات لا يحتاجها قدرت نسبتها 37.33 % من مجموع ما تضمنه الكتاب، و هي من قبيل الحشو الذي لا طائل منه، خاص إن نحن علما أن المؤلف قد همش 61.41 % من المفردات الضرورية للطفل و أحل محلها المفردات المذكورة، و هذه الحقيقة لوحدها كفيلة للإقناع بضرورة إعادة النظر في محتوى كتاب القراءة.

لقد أظهرت المقارنة بين الكتاب الجزائري و الكتابين المغربي و الفرنسي من جهة، ثم المقارنة بينه و بين الرصيد اللغوي من جهة ثانية، أن ما يقدم للطفل الجزائري هزيل لا يسد حاجاته التبليغية و لا يثري رصيده اللغوي، و ذلك لضعف مادته اللغوية و عدم ملاءمة مضمونة للتطور الحضاري و لميول الأطفال و خصائصهم مادته اللغوية و عدم ملاءمة مضمونة للتطور الحضاري و ليمول الأطفال و خصائصهم النفسية و اللغوية، و أن الكتاب الجزائري بشكله و محتواه الحاليين لا يرقى إلى مستوى الكتابين المغربي و الفرنسي، و بهذا فإنه يظل عاجزا عن تأدية كل الوظائف التعليمية المرجوة، و بالتالي تحقيق الأغراض التربوية المقصودة.

انطلاقا من كل هذا الذي ذكرنا، يمكننا أن نلخص نتائج بحثنا في :

- إن لغة الطفل الجزائري في مرحلة ما قبل التمدرس، ليست لغة محرفة أو ناقصة كما يصفها البيداغوجيون الجزائريون، و إنما هي لغة يعبر بواسطتها عن مختلف أغراضه، معظم مفرداتها فصيحة، أو مثبة في الفصحى، تتميز بالاختلاس و سوقط الحركات و هما ميزتان ليستا حكرا على لغة الطفل بل هما من خصائص اللغة العربية الشفهية التي تفطن لها النحاة العرب قديما.

- إن التعليم التحضيري لا يتبع سياسة تربوية موحدة، مخططا لها تخطيطا علميا سواء من حيث البرامج المطبقة أم من حيث تكوين المربيات.

- إن الروضة الجزائرية لا تحقق الأهداف المرجودة منها فيما يخص إنماء رصيد لغوي عربي لدى الطفل و إعداده لدخول المدرسة، بل تمده برصيد فرنسي، و ما بلوغ المفردات الفرنسية في لغة أطفال الروضة نسبة 17.94 % مقابل 0.33 % عند الأطفال الذين لم يدخلوها، إلا أكبر دليل على ذلك.

- ليس للروضة أثر على التحصيل اللغوي لتلاميذ السنة الأولى من التعليم الأساسي بدليل التقارب الشديد بين معدلي تعلم المفردات لدى المجموعتين (68.24 % عند أطفال المجموعة و 68.71 % عند أطفال المجموعة (ب).

- إن المادة الإفرادية التي تقدمها المدرسة لتلميذ السنة الأولى من التعليم لا تمكنه من التعبير سوى عن بعض المفاهيم الموجودة في محيطه الضيق، و معظمها مفردات مألوفة لديه.

- إن البرنامج المقدم لتلميذ السنة الأولى من التعليم لا يحقق هدفا من أهدافه الأساسية، المتمثل في تصحيح لغة الأطفال إلا بشكل جزئي و ما نسبة المفردات غير المصححة المقدرة بـ 19.61 % و 18.96 % عند أطفال المجموعتين (أ) و (ب) على الترتيب، إلا أوضح دليل على ذلك.

- إن المفردات التي نجح التلاميذ في تعلمها بسهولة، هي المفردات الشائعة في وسطهم و التي تؤدي بلغة المدرسة نفسها أو بلغة قيبة منها.

- تعود أسباب إخفاق التلاميذ في تعلم بعض المفردات إلى طبيعة هذه المفردات نفسها أو إلى طريقة تقديمها، فبعضها مفردات تدل على مفاهيم قديمة ليست وظيفية بالنسبة إلى الطفل، و بعضها لم تتواتر بكيفية تسمح بترسيخها في الذهن، كما أن بعضها ورد بمعزل عن السياق الذي يسهم في توضيح معانيها، بالإضافة إلى عدم تجسيد بعضها بالصور تحقيقا للغرض نفسه.

- يتسم كتاب القراءة من الناحية الشكلية بـ :

عدم احترامه من حيث الحجم المقاسات المناسبة لكتب أطفال سن السادسة.

♦ عدم جاذبية غلافه و استخدامه ألوانا غير منسجمة.

♦ اكتظاظ صفحاته بالكتابة و الصور و عدم تنظيمها

♦ استعماله ورقا شفافا نسبيا

♦ استخدامه الألوان المنكسرة دون الساخنة.

إلا أنه يسمح باستعمال دائم، لكون غلافه من الورق المقوى، و لأنه مخيط و ملصق في الوقت نفسه.

- إن صور الكتاب، لا تسهم في إمداد الطفل بثروة لغوية دقيقة نظرا لعدم تجسيدها المفاهيم و الأحداث بوضوح، و لا ستعمالها ألوانا و مضامين غريبة لا تمت للواقع أحيانا بصلة.

- تعتمد نصوص الكتاب كلها أسلوبا حواريا مما يحرم التلميذ من باقي الأساليب اللغوية، ومن العمليات الذهنية التي تتيحها.

- إن موضوعات الكتاب مألوفة لا جديد فيها فهي لا تختلف عن تلك المعهودة في الكتب القديمة، و هي لا تعكس انشغالات و نشاطات الطفل إلا بصورة ضئيلة، و لا تلبي بذلك حاجاته النفسية و الإجتماعية.

- إن المادة الإفرادية المقدمة في الكتاب لا تساير و تيرة النمو اللغوي المتسارع لدى الطفل و لا تسد حاجياته التبليغية، كما أنها لا تعبر عن متطلبات الحياة العصرية.

إن ما يقدم للتلميذ الجزائري، مقارنة بالتلميذين المغربي و الفرنسي فقير جدا، سواء من حيث الكم أم الكيف.

- قصر الكتاب في تقديم 61.41  % من المفردات الضرورية لتلميذ السنة الأولى و التي تأكدت صلاحيتها له بورودها في الرصيد اللغوي العربي، في مقابل احتوائه على 37.33 % من المفردات التي لا فائدة منها.

- إن طريقة تقديم المفردات في الكتاب لم تقم على أسس عملية، فالجديدة منها تعرض معزولة عن السياق و لا تتواتر بكمية مناسبة تسمح برسوخها في الذهن، كما أنها لا توزع على موضوعات الكتاب بطريقة منتظمة تمكن التلميذ من مراجعتها.

- إن طريقة الآلية المعتمدة في تعليم اللغة العربية لتلميذ السنة الأولى من التعليم جعلته يحفظ بعض المفردات دون أن يستوعب معانيها، فصار سجين السيلق الذي وردت فيه، لا يمكنه أن يوظفها خارجه.

و بناء على كل ما ذكرناه اقترحنا :

  1. اعتبار التعليم التحضيري جزءا لا يتجزأ من المنظومة التربوية و الاهتمام بـ:

- إعداد مناهج تمس أنشطتها مختلف جوانب النمو : الحسي الحركي، والوجداني، و المعرفي، على أن تولى العناية الخاصة لنشاط اللغة.

- إيكال عملية التأطير التربوي لمريات متخصصات في علم النفس و علوم التربية و الأرطوفونيا، و تكوينهم تكوينا تطبيقيا.

- الحرص على أن تكون لغة التعليم التحضيري الفعلية، اللغة العربية.

  1. قبول لغة الطفل التي يأتي بها إلى المدرسة كل خصائصها ولو لفترة تمهيدية تضمن الانتقال التدريجي من البيت إلى المدرسة، و تضمن استعداده لتعلم لغة المدرسة انطلاقا من مكتسباته القبلية.
  2. الإعتناء بالكتاب المدرسي من حيث نوعية ورقه و غلافه و طباعته وصوره التوضيحية.
  3. أن تستمد موضوعات الكتاب من خبرات الأطفال و تجاربهم و ما يشبع رغابتهم و يثير شوقهم، وأن تنوع حتى تغدي طبائهم وحب استطلاعهم.
  4. إن تنوع النصوص المقدمة : سردية، حوارية، وصفية...
  5. أن تنتقى المادة الإفرادية و فق المقاييس العلمية، حتى تناسب الحاجيات النفسية و الاجتماعية للطفل.
  6. أن تعبر هذه المادة عن مفاهيم تساير التطورات الحضارية المعاصرة و التحولات العلمية و التكنولوجية.
  7. أن يستثمر الكتاب حصيلة المفردات التي أقرها الرصيد اللغوي العربي.
  8. أن تكرر المفردات تكررا يكفي لتثبيتها في أذهان التلاميذ، و أن توزع بطريقة تسمح بمراجعتها تحقيقا للغرض نفسه.
  9. أن تعتمد طريقة تهدف إلى تعليم المفردات تعليما توظيفا واعيا، بدل الحفظ و التلقين.

الهوامش

* مذكرة ماجستير، جويلية 1999، جامعة تيزوزو.

[1] - كالفي، جبريل : سيكولوجيا طفل الروضة.- ترجمة طارق الأشرف، القاهرة، دار الفكر العربي، 1995.- ص.9.

[2] - اخترنا منطقة العاصمة و ضواحيها لقربها من مقر سكنانا، مما سهل لنا عملية التنقل بين منازل الأطفال لإجراء التحريات، و لأنها تمثل منطقة نزوح لكثير من الأسرة الوافدة من مختلف أرجاء الوطن، مما يعطي لعينتا صبغة التمثيل.

[3] - مدلول السنة التحضيرية في النظام التربوي الفرنسي، يختلف عن مدلولها عندنا، فإذا كانت تعني في نظامهم السنة التي يقضيها الطفل في الروضة، فإنها تقابل السنة الأولى من التعليم الأساسي عندنا.

[4] - هما : مرحلة ما قبل التمدرس (سن الخامسة). و مرحلة التمدرس (سن السادسة).

[5] - اعتمدنا في إنجاز هذا الاختبار على كتاب القراءة الخاص بالسنة الأولى ، لأنه يمثل حصيلة ما يقدم لتلميذ السنة الأولى من التعليم، فهو يترجم مختلف الأنشطة التي ستقدم للطفل بعد التحاقه بالمدرسة.

[6] - أنظر مديرية التعليم الأساسي، مناهج التعليم الأساسي للطور الأول، ديوان المطبوعات المدرسية الجزائر، 1996.- ص.ص. 35-36.

[7]- لم نجرد الأدوات و أسماء الأعلام اعتباطا، فهي - و إن لم توظف في الاختبار - فإنها ستستغل عند مقارنة محتوى كتاب القراءة بمحتوى الكتابين المغربي و الفرنسي و بالرصيد اللغوي المقرر على تلاميذ السنة الأولى من التعليم.

[8]- استغل هذا الاستبيان في التعرف على المستوى الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي لأسر الأطفال.

[9]- استثمر هذا الاستبيان في تحديد المستوى العلمي و الثقافي و المهني لمربيات الأطفال، و في التعرف على طبيعة اللغة المستعملة في الروضة

[10] - أستغل هذا الاستبيان في التعرف على المستوى الثقافي و العلمي للمعلمين، و كذا طبيعة اللغة التي يتفاعلون بواسطتها مع التلاميذ، و تلك التي يستعملها التلاميذ في تواصلهم مع بعضهم بعض.

[11] - نعني بالفصيح، ما استعمل في اللغة العربية المعاصرة، و لهذا فقد اعتبرنا الكلمات التي اقرها مجمع اللغة العربية، و دخلت القاموس، كلمات فصيحة مهما كان أصلها.

[12] - مفرداته مثبتة في اللغة الفصحى، و لكن لحقها تغيير صوتي أو صرفي أو دلالي.

[13] - مفرداته لا أصل لها في اللغة العربية الفصحى، و لا بد في أية لغة من اللغات التي احتكت بها، بل هي من ابتداع العامة.

[14]- ترجع مفرداته أصوله إلى لغات مختلفة كالأمازيغية و الفرنسية و الإسبانية و التركية و الإيطالية التي وقع الاحتكاك بينها و بين لغة المنشأ عندنا نتيجة ظروف سياسية، فدخلت الاستعمال بعدما غيرت من أصواتها و صيغها لتتلاءم مع النظام الجديد الذي أصبحت جزءا منه (اقترض لغوي).

[15]- يضم المفردات الفرنسية.

[16]- أنظر مديرية التعليم الأساسي، و ثيقة تربوية مرجعية للتعليم التحضيري، المعهد التربوي الوطني، الجزائر، أوت 1990، ص : 30.

 -[17] أنظر ص.6 من هذا المقال.

[18] -  بروس، تينا : أسس التعليم في الطفولة المبكرة.- ترجمة ممدوحة محمد سلامة، القاهرة، دار الشروق، ط1، 1992.- ص.99.

[19] - المرجع نفسه.- ص.102.

[20] - المرجع نفسه.- ص.161.

[21]- Conoly, Y : Organisation mondiale pour l’éducation préscolaire.

نقلا عن : بروس، تينا : أسس التعليم في الطفولة المبكرة.- ص.145.

[22] - Aissani, Saliha : Analyse des manuels de langue arabe de deuxième et troisième années en usage au premier cycle de l’école Fondamentale.- thèse de magister, Institut de linguistique et de phonétique, Alger, 1985.- p.44.

[23] - Chatry - Komarek, Marie : Des manuels scolaires sur mesure. Guide pratique à l’intention des auteurs de manuels scolaires pour le primaire dans les pays en développement.- Paris, L’Harmattan, 1994.- p.149.

[24] - فضيل، عبد القادر : كتاب القراءة "أقرأ" للسنة الأولى من التعليم الأساس.- الجزائر، ديوان المطبوعات المدرسة 1994-1995.- ص.ص.17-18.

[25]- أنظر المرجع نفسه.- ص.26.

[26]- Chatry - Komarek, Marie : Des manuels scolaires sur mesure.- p.149.

[27]- فضيل، عبد القادر : كتاب القراءة "اقرأ".- ص.16.

[28] - المرجع نفسه.- ص.58.

[29] - أنظر المرجع نفسه.- ص.68.

 [30]- أنظر المرجع نفسه.- ص.71.

[31] - أنظر المرجع نفسه.- ص.63.

[32] - أنظر المرجع نفسه.- ص.6.

[33] - أنظر المرجع نفسه.- ص.64.

[34]  - Weinrich, H : Ver la constitution d’une compétence interrogative.- In didactique des langues étrangères, Presses universitaires de Lyon, 1981.- p.20.

[35] - أنظر، المجموعة التربوية للتدريس اللغة العربية، كتاب القراءة للتلميذ، السنة الأولى الابتدائية، دار البيضاء - المغرب، دار الثقافة للنشر و التوزيع، ط3، 1989.- ص.92.

[36] - Charles, Alain et Al : L’année du CP.- Paris, Bordas, 1996.- p.131.

[37] - أنظر المرجع نفسه.- ص.127.

[38] -أنظر المجموعة التربوية لتدريس اللغة العربية، كتاب القراءة للتلميذ، ص.88.

[39] - المرجع نفسه، ص.89.

[40] - المرجع نفسه، ص.50.

[41] - Charles Alain et al : L’année du CP.- p.140.

[42] - أنظر ص.13 من هذا المقال.

[43] - فضيل، عبد القادر : كتاب القراءة "أقرأ".- ص.128.

[44]- المرجع نفسه.- ص.129.

[45]- المجموعة التربوية لتدريس اللغة العربية، كتاب القراءة للتلميذ.- ص.200

[46]- هو عدد الأسماء و الأفعال و الصفات و الظروف دون تكرار، و لم يشمل هذا العدد أسماء الإعلام و أسماء الاستفهام و الإشارة....

[47] - فضيل، عبد القادر : كتاب القراءة "أقرأ".- ص.74.

[48] - Charles, Alain et Al : L’année du CP.- p.48.

[49]- نعني بالمفردات هنا (Lexèmes).

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche