تكنولوجيا الاتصال وثقافة الشباب: الأنترنت نموذجا

إنسانيات عدد 54| 2011 |  تيزي وزو و منطقة القبائل: تحولات اجتماعية و ثقافية | ص 43-61 | النص الكامل  


Meriem LIMAM: Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31000, Oran, Algérie.



انطلقنا في هذه الدراسة بإعطاء لمحة عن تطورات مجال الإتصال و وسائله، وركزنا على الأنترنت باعتبارها وسيلة إلكترونية يتعامل معها الشباب بكثرة، فالإتصال عبر الأنترنت أداة الربط الفكرية، الذهنية و المعنوية بين المستخدمين على شبكة الشبكات بمختلف تقنياتها، و هو الوسيلة الأكثر استعمالا لتحقيق الأهداف المتعددة في شتى المجالات، فبدون الإتصال لا يمكن للمستخدمين الاستفادة من خدمات الأنترنت بمختلف أبعادها على المستويين العلمي  و الاجتماعي معا. فالثقافة الشبكية إنما تتأطر من خلال الاستخدامات الإتصالية بأنواعها فيحدث التخاطب و التحاور عبر النصوص، الصوت، الرمز و الصورة، لقد برزت أهميته باعتبار أن الانسان لا يستطيع العيش في الفراغ أو العدم دون التفاعل مع الآخرين، و لذا هي نتاج تفاعل بين الفرد و الفرد، بين الفرد و المجتمع الذي ينتمي إليه، فنحن في قرن جديد، هو القرن الذي ستكون فيه المعلومات و تكنولوجياتها هي عصب الحياة[1].

فينبغي لنا التعرف على هذه الشبكة و كيفية وصولها إلى تعظيم المعارف فالاهتمام بها يتزايد على نطاق واسع من طرف الأفراد باختلاف مستوياتهم الثقافية و التعليمية، الأهمية التي تحظى بها ترجع إلى خصائص ميّزتها عن باقي وسائل الإتصال الأخرى، و انتشرت الأنترنت بظهور المقاهي التي تعرف بـ « cyber » استمالت طائفة من الناس غالبيتهم الكبرى شباب، و بدا تعاملهم معها كظاهرة جديدة لمجتمع جديد، فهو موضوع يستحق البحث، الدراسة والتحليل بدخول هذه التقنية إلى المجتمع، و كذا ثقافتهم حول التعامل معها.

تكمن دوافع هذا البحث في محاولة التعرف على تقنية الأنترنت كوسيلة اتصال إلكترونية رقمية، التعرف على مستخدميها و هم الشباب المتفاوتون في السن و المهن، و المستويات الدراسية و العلمية، محاولين إبراز الدور الذي تلعبه في ثقافة الشباب و المجتمع، كونها تحمل عدة أبعاد كالفضاء الافتراضي، التعرف على المجالات و المواضيع المستخدمة عبر الأنترنت، ومن هنا تبين لنا مجموعة من التساؤلات:

ما هي التصورات و الممارسات التي يسقطها الشباب على وسائل التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الأنترنت ؟ كيف يتعامل الشباب مع هذه التقنية الجديدة ؟ ونتساءل كذلك عن الدور الذي تلعبه الأنترنت في البيئة الاجتماعية و الثقافية لدى الشباب؟

و من خلال هذه التساؤلات حاولنا بناء الموضوع باقتراح ثلاث فرضيات وهي:

  • يمارس الشباب حق المعرفة عن طريق الحرية الديمقراطية الالكترونية المتمثلة في الأنترنت.
  • الشباب أكثر ميلا و استعمالا للأنترنت بهدف الثقافة و اكتساب معرفة.
  • الأنترنت وسيلة اتصال حديثة و ضرورة عصرية في تصور الشباب.

إنه من الممكن الاعتماد على المقاربات لتكنولوجيا الإتصال لتناول مسألة وسائل الإتصال الحديثة و التي منها شبكة الأنترنت كالمقارنة التاريخية التكنولوجية التي يتعرض لها التطور الزمني و مجالات استعماله، أي انتقال الإتصال من مراحله الأولى كالمرحلة التقليدية الشفهية فالمرحلة المكتوبة والمقروءة، و بعدها و مع ظهور التكنولوجيا عرف الإتصال قفزة نوعية خاصة مع اختراع المذياع، التلفزة فالهاتف، و تطور أكثر بظهور مولود جديد مع شبكة الشبكات المتمثل في الأنترنت، كالمقاربة الاجتماعية الثقافية بالمعنى الحضاري التي تحاول معرفة تعامل هذه التكنولوجيا لحاجة الإنسان العصري و صورة تفاعله معها، فهذه التكنولوجيا الجديدة سهّلت عليه الإتصال و قرّبت كل ما هو بعيد، و مدى حاجته للتغيير خاصة في مجال وسائل الإتصال، ثم مقاربة متعددة لمعرفة الدور الذي تلعبه الأنترنت من خلال مجالات اهتمام الشباب في مدى التعامل معها.

منهج الدراسة

إن تكنولوجيات الإتصال المتمثلة في الأنترنت موضوع هام في الوسط الاجتماعي بالخصوص الفئة الشبابية، و لأنه كذلك اعتمدنا في الدراسة على الاستمارة لمعرفة اهتمام الشباب و ميولاتهم المتمثلة في الاتجاهات و التصورات نحوها. و أهم محاورها أسئلة تعريفية للتعرف على هوية الشباب و مستواه التعليمي و الثقافي وثانيها في قطاع المعلوماتية لمعرفة علاقته بجهاز الكمبيوتر و مدى تعامله للأنترنت  و عدد الساعات التي يقضيها في المقهى « cyber » و أهم المواقع التي يزورها باستمرار، و ثالثها حول النظرة الثقافية للأنترنت و تتمثل في التقييم العام، أما الطريقة الكيفية سهّلت لنا فتح المجال للتحدث أكثر عن علاقة الشباب بالأنترنت و ثقافته في التعامل معها، و عن الأسباب التي تجعل الشاب يتعامل مع هذا العالم الافتراضي، كما ساعدت هذه الطريقة للتعبير أكثر حول ظروف وعوامل جعلت الأغلبية يستعملون مواقع المحادثة« chat » التعارف، الصداقة ومواقع أخرى يميلون إليها.

نتائج الدراسة

وضعت الأنترنت بخدماتها و تمثلاتها المعلوماتية المتنوعة الانسان على حافة التساؤل فيما يخص دخوله اجتماعية جديدة لم يمر بها في سالف عصره، إنما تضعه في محك التساؤل و الإجابة عبر آليات التطور و الاندماج التكنواجتماعي مع منجزاته التكنولوجية و أنه اليوم عليه أن يعيد تعريف ما يناسب خصائص حضارته الجديدة التي شرع في بناءها جنبا إلى جنب مع شريكه الحاسوب، لقد أصبح بإمكانه التمظهر رقميا كإنسان/آلة ،فهي مطلب اجتماعي (المعرفة الاجتماعية) و يكمن النظر إليها كما يشير "فورجاس « Forgas »على أنها منتج اجتماعي، على حد قول "ماجواير" « Mc Guire » من خلال تفاعل الفرد مع الآخرين[2]. فاندفاع الشباب نحو تلك المقاهي لأسباب مختلفة يأتي على رأسها الفراغ المعتاد في يوميات الشباب و الفرار من الواقع خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة فيبحث الشباب عن مكان يقطع فيه فراغه ثم من بعدها أسباب أخرى، البحث عن الخصوصية، وهم يبحثون عن مواقع الصداقة و التعارف. الاستئناس بالأصدقاء و الابتعاد عن جو المنزل و ذلك من خلال الخدمات الجانبية التي يقدمها المقهى و إبحارا عبر النات في الوقت نفسه.

يعلم الكثير من المستخدمين لشبكة الأنترنت، و خاصة الذين يستعملون مواقع الحوار الإلكتروني أنهم بمقدورهم تمثيل أنفسهم و شخصياتهم بطريقة افتراضية أي تصوير شخصيات غير حقيقية ما دامت الأنترنت تحمل في طياتها بعدا تكنولوجيا ووسيلة عصرية حديثة سمحت للشباب في التعامل معها على أنها ضرورة عصرية و مهمة في حياتهم كشباب و هناك أسباب أخرى تختلف باختلاف الأشخاص.

إن الشباب هم أكثر استعمالا للأنترنت و تبادر لأول وهلة في ذهننا عند دخولنا إلى مقهى الأنترنت ماذا يفعلون ؟ كان السؤال الذي يطرح نفسه لبيان وضع تلك المقاهي و مدى منفعتها أو ضررها هو معرفة ماهية المواقع التي يتصفحها مرتادوها، فالمواقع التي يدخلها الشباب 60% يقضون أوقاتهم في المحادثة « chat » و مواقع التعارف و الصداقة، 20% من المستخدمين للمواقع الثقافية، و أخيرا 20% مواقع طبية، حاسوبية، تجارية، و سياسية.

و قد أجمع أصحاب تلك المقاهي أن أكثر ما يبحث عنه الشباب خصوصا هو المحادثة، و يقول أصحاب تلك المقاهي: إن الشباب يقبل بشكل أساسي على مواقع المحادثة المختلفة، و يشكل الأفراد حياة جديدة في الفضاء السيبيري في ظل الحرية و يمارس الفرد عمله ليعبر عن نفسه بحرية مطلقة بلا قيود و لا التزامات محاطة بالأعراف و القيم، بأخذ ما يسمى الحرية الديمقراطية والإلكترونية، هذه الديمقراطية ليست حتما حالة "سياسية" بل هي في الأساس حالة اجتماعية تتجاذبها مستويات أخرى محددة ثقافية، نفسية تاريخية وغيرها....إلخ.

الواضح أن التحولات التي تخلقها هذه التكنولوجيات ليست فقط علمية وتقنية و مادية بل هي اجتماعية نفسية و حتى أنثروبولوجية، مست هذه التحولات كل مجالات الحياة و كل الشرائح الاجتماعية، و قد صنّف بعض خبراء الإتصال التأثير الناجم عن وسائل الإتصال ضمن خانة التأثير القصير المدى الذي تزول آثاره بعد مدة زمنية وجيزة، بمقابل هذا الطرح هناك من يرى أن وسائل الإتصال لم تعد مجرد وسائل لنقل الأخبار، بل تجاوزت ذلك لتستحوذ على مجال التكوين بفضل دخولها الفعلي الدائم في الحياة اليومية للأفراد، وضمن التأثير الذي يصاحب الفرد الأنترنتي كتعامله مع الشاشة فهو يستعمل حواسه وجسده، و بصفة عامة يمثل نفسه آلة إلكترونية، ثقافة الشاشة هنا ليست مرادفة للثقافة الشعبية بالمعنى الأنثروبولوجي و التقليدي للمفهوم، لكن على أنها تعم الممارسات المرجعية و المعارف و الرمزيات التي توظف في استعمال الشاشة ولا ننسى علاقة تأثر أو تأثير نفوذ اجتماعي (influence sociale) يدل على التبدل الذي يحصل على أحكام و مواقف و آراء و مواقف أخرى ، فالتأثير الاجتماعي المعتبر أولا من قبل البعض كنتيجة لعملية فردية عن إمكانية الايحاء فاعتبر بذلك حالة للتفاعل الاجتماعي[3]. هذا ما جعل البعض من الشباب يقول :(من خلال ممارستي اليومية للأنترنت فأنا أرتاح كثيرا عند استخدامي موقع الإباحة، أحب مشاهدة الجنس اللطيف عوض تتبع السياسة التي تشغل الكثيرين).

قد يكون هذا السلوك شاذ أي أن الانحراف عن نماذج السلوك المتوقعة أو التي يتعارف عليها مع قيمة مقررة و لا يهدف لتحقيق غاية بعينها، و لذا يختلف السلوك الشاذ اجتماعيا أو نفسيا باختلاف الثقافات أو المراحل التاريخية فيها و الاجتماعية، و يَستخدم علماء الاجتماع مصطلح الانحراف (déviation) في مقابل الامتثال (conformité) لوصف نمطين من السلوك متعارضين اجتماعيا[4].

و لكن لا يستطيع أحد أن يجحد الفوائد التي يمكن أن يجنيها البعض من خلال تلك المقاهي كالبحث العلمي و إرسال رسائل بريد إلكترونية سريعة، الاطلاع على الكتب و تحميلها، و كذا تصفح مكتبات عالمية و البحوث العلمية الضخمة.

إن منظومة الأنترنت بصورتها التكنولوجية تمثل الوجه الحضاري للإنسان في جوهره و مظهره التكنواجتماعي، فهي واحدة من وسائل الاتصال الحديثة، باعتبارها أداة ووسيلة في كافة نواحي النشاط الإنساني.


الهوامش

ماجستير في علم الاجتماع، اشراف: د العايدي عبد الكريم، جامعة وهران 2008.

[1] Mattelard, Armand, L’invention de la communication, Paris, Ed. La Découverte, 1994, p. 17.

[2] طريف شوقي محمد فرج، المهارات الاجتماعية والاتصالية (دراسات وبحوث نفسية)، القاهرة، دار غريب، 2003، ص. 26.

[3]رولان دورون، فرانسوا بارو، موسوعة علم النفس المجلد II، تعريب فؤاد شاهين، بيروت- لبنان، عويدات للنشر، 1997، ص. 583.

[4] بدوي، أحمد زكي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، 1993، ص. 2.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche