قراءات : د. بدرة معتصم ميموني و د. مصطفى ميموني، سيكولوجية النمو في الطفولة  و المراهقة، ديــوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،182 ص

لم يحض الطفل بالاهتمام حسب الأدبيات الغربية إلاّ في منتصف القرن التاسع عشر. وكان الاهتمام قبل ذلك ينصبّ على ذوي الإعاقات العقلية، البصرية والسمعية. يعتبر جون جاك روسو السّباق في إعطاء أهمية لمرحلة الطفولة  وأكّد على إعطاء حرية للطفل ليتعلم من تجاربه الخاصة في محيطه، وهذا الأخير هو الذي يحوّل براءة الطفولة إلى راشد يعكس قمع وتعسف المجتمع بفرض معاييره وتقييده لحرية الطفل. أمّا في بداية القرن العشرين فقد أخذت الدراسات تهتم بنمو الطفل وتحديد مختلف المراحل في كل المجالات: الجسمية، النفسية والاجتماعية. وكانت كلها تهدف إلى تحسين الظروف التربوية و العلاجية، وتوفير المناخ الوجداني المناسب لنموّ صحيح ومتكامل.

في هذا الكتاب يحاول الكاتبان تقديم معلومات دقيقة حول نمو الطفل والمراهق من خلال النظريات الأساسية في هذا المجال.

إشتمل الكتاب على خمسة فصول، في الفصل الأول  بدأ المؤلفان بتعريف النموّ على أنّه عدد من التغيرات التي تطرأ على الفرد في مجالات متعددة من حياته : تطور عضوي، فكري، نفسي، اجتماعي وثقافي. ويمكن اعتباره عملية تمايز تدريجي، وإضافة معلومات وإعادة تنظيم أي تعقيد أكثر فأكثر في المعارف والمهارات والإمكانات.

وهذه التغيرات هي نتيجة عوامل وراثية، بيولوجية غير وراثية (سوء التّغذية و الأمراض...)، بيئية، اجتماعية وثقافية، إضافة إلى دور الأسرة والعوامل النفسية. وكل هذه العوامل كانت نتيجة دراسات أثبتت دورها في عملية النّمو.

ويستنتج المؤلفان وجود ثلاثية تسير النمو وهي تتكون من الوراثة، المحيط ووعي الفرد بوجوده، فهو كل بيوـ سيكوـ اجتماعي. وهذا التشابك بين العوامل يزيد في تعقيد موضوع علم نفس النمو، وفي دراسة ألإنسان.

كما أنّ عملية النمو تخضع لمعايير منها: أنّها تنتقل من العام إلى الخاص ومن الكل إلى الجزء، أي تتمايز فيها السلوك والقدرات الحركية والفكرية والاجتماعية بعدما كانت شاملة وبدائية. كما أنّ هناك قدرات، معارف وسلوكيات تُكتسب وأخرى تزول وأخرى تتطوّر وترقى إلى مستويات أعلى من الدقة والتعقيد والفعالية، وكل مرحلة تأتي بجديد ولكن لا تستغني عن سابقاتها. والمرحلة هي مفهوم له معنى منهجي هدفه توضيح مكتسبات الطفل و تنظيمها وتصنيفها في الوظائف الجديدة، وسبب تقسيم عملية النمو إلى مراحل هو أنّها كانت نتيجة دراسات بيّنت أنّ هناك نظام ثابت نسبيا لبروز مهارات وتطورات في فترة زمنية معينة.

بعد ذلك تعرض الكتاب إلى التطور البيولوجي انطلاقا من لحظة الميلاد حتّى مرحلة المراهقة  مع ذكر مختلف الصفات و الخصائص لكل مرحلة، وذلك من جانب معايير النمو، المنعكسات الفطرية، التطور الحسي – حركي – نفسي والتطور الحركي.

تعرّض الفصل الثاني إلى نـمـو مـعـرفـة الـذات و التـنـشـئة الاجتـمـاعـية (La sociabilité) وتحقيقا لهذا تطرّق الكاتبان إلى دراسة تكوين وحدة الجسم ووحدة الذات، وكيف يتوصّل الطفل إلى هذه الوحدة حتى يتمكن من التعرف على ذاته كوحدة مستقلة وتفريقها عمّا وعمّن يحيطون به.

ضمّ هذا الفصل عدّة مفاهيم منها: تخطيط الجسم، صورة الجسم، الذات، الهوية الفردية، الموضوع، وكل هذه المفاهيم تختلف في مدلولها حسب المدارس النظرية الرئيسية.

أمّا مفهوم التنشئة الاجتماعية يعبر عن مدرّج بطيء متواصل يتعلّم الفرد من خلاله الأنماط الفكرية، المعايير والسلوك الخاصة بمحيطه، وكل مجتمع له خصائص وطرقه التربوية، الثقافية وأنماط التفكير وسبل تلقينها للفرد دون أن ننسى دور كل المؤسسات الموجودة في المجتمع ذات أثر قصدي أو عفوي.

الفصل الثالث خُصّص لنظرية بياجي في علم النفس التكويني (النمائي) الذي يدرس نمو وتطور الوظائف الكبرى منها الذكاء وإبستمولوجية المعرفة. وينطلق من مفهومين أساسيين لتفسير النمو: التكيّف الحاصل من التفاعل بين الفرد والمحيط ومفهوم البنيات المنظّمة للمعرفة.    

إنّ سيرورة تكوين الوظائف الكبرى كالذكاء مثلا يكون حسب مبدأين "البنائية والتفاعلية"، ويحدث التفاعل على أساس عمليتي الاستيعاب والتوافق.

والنمو عند "بياجي" يحدث وفق عوامل منها:النضج البيولوجي، المحيط، التمرين، الموازنة. أمّا مفهوم المرحلة فهي طور يناسب مستوى تطوري متميّز بالبنية العامة المشتركة للسلوك والمواقف الخاصة بمستوى التطور الفكري. وهي تسير وفق أربعة معايير: التصاعد- الإدماج – التّوطيد – البنيوية.

هناك ثلاثة أطوار للنمو عند "بياجي" وهي: طور حسي حركي – طور العمليات الواقعية – طور العمليات المجردة. وكل طور ينقسم إلى مراحل فرعية وكل له خصائص معينة.

وقد كان لنظرية "بياجي" أثر كبير على التربية حيث وُظِّفت مبادئ "البنائية التفاعلية" في التّكفّل وتربية الطفل قبل مرحلة التمدرس،.كما ساهمت النظرية في تطوير عدة علوم منها:بيولوجيا،الفيزيولوجيا العصبية والعلوم المعرفية.

ولم تنج النظرية من عدّة انتقادات منها، إنها نظرية معقّدة لاعتمادها على الرياضيات والبيولوجيا والمنطق، كما فصلت  الذكاء عن الجانب الوجداني والانفعالي. كما أهمل "بياجي" دور الوسيط (المربي) الذي بدونه لا يوجد معنى ودلالة للمثيرات الموجودة في المحيط. فالنظريات الحديثة تركّز على تداخل استراتيجيات التعلم عكس المنظور الخطي عند "بياجي".

أمّا الفصل الرابع فقد جاء بعنوان نظرية "هنري فالون" لدراسة الشخصية، وأهمّ ما ركّز عليه "فالون" هو احترام الطفل ورفضه الضغط والتعسّف النابع من التعميم المفرط، أي اعتبار الأطفال كلهم يمتلكون نفس الإمكانات، وحاول البحث عن كيفية تكييف وضعيات التعلّم مع الخصائص الفردية المتنوّعة جدا لدى الأطفال.

ومن الأسس لنظريته هو أنّ العوامل البيولوجية والبيئية تتدعّم وتتضارب (نوع من الجدلية) بين الفرد والمحيط، وأنّ كل نشاط إنساني يتمركز بين قطب الحاجيات البيولوجية وقطب المتطلبات الاجتماعية، فهذا التفاعل المتبادل بين الفرد والمجتمع ينتج صراعا كقوّة محرِّكة للنموِّ، والذي يعتبر متقطّع تتخلّله صراعات عكس ما يراه بياجي، كما أنّ المراحل تتداخل فيما بينها ، وكل واحدة تبرز فيها وظيفة معينة.

أمّا الفصل الخامس والأخير فقد خُصِّص لنظرية "فرويد" وأتباعه (نظرية التحليل النفسي)، وتبرز هذه النظرية أنّ هناك دوافع لا شعورية تجعل الفرد يتّخذ مواقف وسلوكا في حياته الشعورية دون أن يدرك معانيها.

وهناك نظريتان في دراسة الجهاز النّفسي، فالنظرية الأولى تشير إلى أنّ وراء السلوك توجد أنساق تسيِّر أفعال الإنسان وهي: اللاشعور، الشعور وقرب الشعور.

أمّا النظرية الثانية فتركِّز على الصراع بين الهيآت النّفسية الثلاثة : الأنا، الهو و الأنا الأعلى.

إضافة إلى هذا، اهتمّت نظرية التحليل النفسي بمفهوم الجنس حيث يرى "فرويد" (Freud) أنّ اللبيدو كطاقة ناجمة من نزوات الجنس تهدف إلى الحصول على اللذة لا في المعنى الضيّق للجنس لكن أوسع من ذلك لأنّها يمكن أن تغيِّر النزوة موضوعها مثلا بواسطة الإعلاء، الذي يعتبر أساس الأفعال للإنسان: النّشاط الثقافي- العلمي- الاجتماعي و الفنِّي. وهذه النزوة ليست نفسي كليا ولا جسمي كليا، وكل نشاطات الفرد تسعى في البحث عن اللذة.

يعتبر التحليل النفسي كعلم تكويني لأنّه يدرس تطوّر وتكوين الوجدان ونضجه خلال مراحل، كما ساعد في فهم الطفل وإعطاء أهميّة كبيرة للعب في تنظيم الوجدان ومنه تنظيم الجهاز النفسي.

جاء هذا الكتاب ليقدّم جوانب متكاملة لمختلف أوجه النّمو والنّشاط منذ الطفولة المبكرة حتى ختام مرحلة المراهقة، وبالتالي يقدّم أرضية لمختلف الاتجاهات النظرية حول تكوين جوانب الشخصية: المعرفية والنفسية والاجتماعية وكذلك التطبيقات في مجالات التربية والتعليم والصحة النفسية. فهذا الكتاب موّجه لطلبة علم النفس وعلوم التربية ولكل من له صلة بالتربية والتعليم.

محمد بغداد إبراهيم

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche