قراءات : محمد داود، فوزية بن جليد، كريستين ديتريز، الكتابة النسوية : التلقي، الخطاب والتمثلاث، منشورات المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وهران، 2010، 544 ص

هذا الكتاب ثمرة أشغال الملتقى الدولي (الكتابة النسوية :التلقي ،الخطاب والتمثلات) وذلك يومي 18-19 نوفمبر 2006 بمساهمة كل من فريق البحث : أنثروبولوجية المخيال والممارسات الدلالية التابع للمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية وهران-الجزائر وفريق البحث "فرنسا –المغرب العربي "التابع للمدرسة العليا للآداب والعلوم الإنسانية –ليون، فرنسا. جاءت هندسة الكتاب موزعة على أربعة محاور: الكتابة النسوية:الإشكالات و التعاريف، هيمنة ذكورية/مقاومة جسدية، السيرة الذاتية، الذاكرة و البحث عن الهوية، العالم الروائي "لأحلام مستغانمي".

بني الكتاب على ثماني وثلاثين مداخلة، عشرون باللغة الفرنسية وسبع عشرة باللغة العربية وواحدة باللغة الإنجليزية.

جاء هذا الكتاب ليطرح مسألة الكتابة النسوية باعتبارها ظاهرة أدبية تستحق المساءلة و النقد المتواصلين، وتعميق النظر في طبيعة هذه الكتابة ومراجعة وتجديد أدواتها المنهجية من أجل تأصيل النقد النسوي وتحفيزه على بلورة خطاب خاص به .

يقدم هذا العمل إشكالية مركزية مفادها :

- ما هو المعنى الذي يمكن أن يعطى للكتابة النسوية في المغرب العربي؟

- وما هي  رهانات وراهن هذه الكتابة ؟

تعتبر الكتابة النسوية رهان من رهانات الحداثة وأفق مفتوح للاشتغال و التنوع والغيرية ناجم عن عمق التجربة ودقة الفهم. تتوخي هذه الكتابة الحذر المنهجي و المعرفي عند تقسيم الأدب إلى "رجولي" و"نسائي"لأنها كانت مؤمنة بأن شرعيته تتحدد من الداخل –النص-بعيدا عن جنس المنتج، كما أن التقابل الجنساني (ذكر –مؤنث) استهلك كل الأدوار داخل المنظومة الثقافية، إذ أن التجربة تجاوزت فكرة الفصل إلى السعي لبيان الاختلاف بينهما داخل وحدة إبداعية مشتركة لمساءلة الوجود.

مساهمة طبيعة هذه الكتابة وفضاءها الرحب في إعادة ظهور أسئلة جديدة تتميز بالجرأة في الطرح والكشف عن الواقع الأنثوي الذي يسكن الكتابة النسوية عبر ممارسة المرأة الشغب داخل النص والحفر عميقا في مكبوتاتها.

فالكلمة النسائية إضافة حقيقية للإبداع بشكل عام، حيث استطاعت أن تنقل البطولة من التذكير إلى التأنيث عبر مسار"أنا" الكاتب و "أنا" البطل إلى "أنا" الكاتبة و البطلة في نفس الوقت، لتعزز بذلك مكانة الكتابة النسائية في المجتمعات المغاربية عبر زحزحة سلطة المخيال وثنائية (رجل–امرأة) ومركزية الكتابة الرجالية مقابل هامشية الكتابة النسوية لتستعيد خصوصياتها.

إن هذا الفن الإبداعي الجديد جاء كشكل من أشكال الممانعة، المقاومة والنضال المبني على سلطة الكلمة النسوية باعتبارها واجب وضرورة سوسيولوجية لفك الاعتراف والتقدير عبر التحرر والخروج من الصمت عبر النص لمواجهة التساؤلات الكبرى. كما أن الخطاب الرجولي يتكلم عن المرأة كما يشتهيها، كفتاة يانعة جميلة مغرية، المرأة في الحس الرجولي إحدى حالتين، أنوثة وشباب مثيران أو سيدة فاضلة.

فتحت المقاربات المتعددة و النقاشات ورشات متعددة على إشكالية الكتابة النسوية وإمكانية الحديث على "سميائية الأنثوي" للخروج من السياج الإيديولوجي و الرهان على العمل الإبداعي للإجابة على السؤال المعنى. فالنص النسوي هو قراءة و إعادة قراءة للمشهد الأدبي المغاربي لمواجهة الإنتاج الإيديولوجي الذكوري الذي سعى إلى تزوير الذاكرة، و المقاومة الثقافية كفعل تهوية أرشيف الذاكرة الجماعية و الفردية والارتقاء بالرمزي قصد إنعاش المخيال الثقافي و الاجتماعي وتحرير الكلمة الأنثوية.

يعد الاشتغال على الهوية في الأعمال الأدبية النسوية من صلب العملية الإبداعية لأنه يطرح الكثير من التناقضات التي تعيشها الشخصيات في هذه الأعمال التي كانت بدايتها رواية تكشف عن أزمة الهوية و تبحث عن هوية جديدة، وهي التي تعيش بين عالمين وثقافتين و فضائين ولغتين وزمنين مما يفضي إلى هوية مشوشة .

تحمل رواية آسيا جبار "تلك الأصوات التي تحاصرني" دلالات متعددة تعكس الصوت الإبداعي الأنثوي و بالمقاومة الرمزية و اللغوية وذلك بالتواصل عن طريق اللغة الفرنسية لأنها ترى فيها مساحة للتحرر من القرب والمراقبة كما أنها لغة العبور، الاختراق و التخفي، عكس اللغة العربية التي هي اللغة الأم ولغة المراقبة التي تفرض "الحجاب"، حجاب الاسم المستعار لأن الكتابة بالاسم الحقيقي يعرض صاحبها إلى التساؤل، رغم أن الاسم المستعار هو اسم مختلف عن حالة المدنية إلا أنه لا يغير شيئا في الهوية.

لا تقدم نفسها آسيا جبار ككاتبة بلغة معينة فهي لا تكتب باسم القومية  الهشة و لا باسم الحداثة الرثة، فهويتها "اللاهوية" لأنها اختارت نموذج الاحتجاب الذي يمكنها من الانفلات من الرقابة.

الكتابة عند آسيا جبار ليس للتواصل فقط بل أداة للتحول، الهوية ليست ورق و مجرد عرق و لا حتى مجرد دم و إنما الهوية هي قبل كل شيء الكتابة .

السير الذاتية كذلك أخذت حقها في هذا العمل وفي الأدب المغاربي مع مجموعة من الكاتبات وعلى رأسهن "فاطمة المرنيسي" أو على الأصح "سيمون دي بوفوار" الراهن التي فوضتها سلطة الكلمة عبر السرد الذي لا يصنعه الحدث بقدرما يصنعه الوعي به ليرجع صداها إلى "المؤنث" لكن عبر التخييل، أو بعبارة أخرى : لعبة المحو التي ندرك من خلالها الإطار دون إدراك الجزئيات والتفاصيل أي التصوير من الخلف أو من الجانب.

أما أحلام مستغانمي كشكل من أشكال الكتابة النسائية الجديدة وكرهان جسدت لنا هذا التحول العميق للانتقال من الشعر كمدونة للفكر العربي إلى الرواية كمدونة جديدة تعبر بصدق لاسترداد حق الكلمة  على حد قول "أوديل أزناف" وخلخلة المؤسسة الثقافية باستخدام أدوات معرفية نوعية سمحت بإمكانية إعادة تشكيل المرجعيات الواقعية و الثقافية و إدراجها في السياقات النصية ومن حيث إمكاناتها في خلق عوالم متخيلة توهم المتلقي بأنها نظيرة العوالم الحقيقية ولكنها تقوم بتمزيقها و إعادة تركيبها بما يوافق حاجاتها الفنية.

الكتابة النسوية في نهاية المطاف هي "نظرة" إلى العالم، تحاول من خلالها التسلل إلى الذاكرة الجماعية لتساهم بمكانيزمات متعددة في إعادة إنتاج وتأثيث المخيال بالأنوثة من أجل الحصول على الحق في الوجود والمعرفة و الكينونة في وسط عادة ما تتضافر فيه الجهود لإسكاتها.

أصبح النص النسوي أكثر فاعلية ليتوج هذا الأدب مبدعات من أمثال : أحلام مستغانمي، فاطمة المرنيسي، آسيا جبار، مليكة مقدم، زهية رحموني، آمال موسى وغيرهن كثير.

 

رضوان لحسن

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche