"موقف بحث : نظام تناسب المسموعات وفاعليتها على المتلقي عند حازم القرطاجني في "منهاج البلغاء و سراج الأدباء

إنسانيات عدد 49 | 2010  | معرفة وديناميات اجتماعية  | ص 45-54| النص الكامل 


Leila KOUAKI Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


 

نظام تناسب المسموعات وفاعليتها على المتلقي عند حازم القرطاجني في "منهاج البلغاء و سراج الأدباء"*

نسعى في هذه الدراسة للتعرف أكثر على الاتجاه النقدي عند "حازم القرطاجني"[1] في مؤلفه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"[2] وهو كتاب في النقد والبلاغة تناول فيه حازم القول وأجزاءه، والأداء وطرقه، وأثر الكلام في السامعين، وتعمق في بحث المعاني والمباني والأسلوب، وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة موزع على أربعة أبواب يسمى كل واحد منها باسم "منهج"، وكل باب أو منهج يتألف من فصول يطلق حازم عليها اسم "مَعْلم" أو "مَعْرف"، وكل فصل تتناثر فيه كلمتا إضاءة وتنوير، ويقصد بالإضاءة بسطًا لفكرة فرعية، والتنوير بسطا لفكرة جزئية.[3]

وقد مزج حازم في كتابه بين قواعد النقد الأدبي والبلاغة عند العرب، وقواعدهما عند اليونان، فقد عقد فصلاً طويلاً عن نظرية أرسطو في الشعر والبلاغة، معتمدًا على تلخيص ابن سينا لكتاب أرسطو في الشعر، الذي ضمنه الفن التاسع من كتابه "الشفاء". نحاول في هذا الدراسة إظهار أوجه التأثر والتأثير والأسس المنطقية التي انطلق منها الناقد في دراسته للإيقاع الشعري.

أولا:إشكالية البحث    

عنت الدراسات النقدية  القديمة عناية كبيرة بموسيقى الشعر من حيث المظهر الخارجي في تناسبه الصوتي حيث ما كان يميز الشاعر عن سواه هو استعماله أداة الموسيقى بوصفها حلية خارجية تزينها القافية وتتنوع بأشكالها بالزحافات والعلل، والأسباب والأوتاد على نسق منتظم من حيث مخارج نطق الحركات والسكنات عبر مسافات زمنية متساوية، أما ما كان منها من صورة إيحائية فلم تتفطّن لها الدراسات إلاّ في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث مع ترجمة  كتب أرسطو. فكان للثقافة العربية البلاغية حظها من محاورة الثقافات المجاورة لها، ونخص بالذكر الثقافة اليونانية. وهذا ما انطبعت به بعض الكتب التراثية في النقد والبلاغة عند عدد من النقاد العرب ويأتي في مقدمتهم من المغاربة حازم القرطاجني.

ولما كان موضوع بحثنا هو "نظام تناسب المسموعات وفاعليتها في الملتقي عند حازم القرطاجني في "منهاج البلغاء وسراج الأدباء"، فإن الدارس بمنهاجه، لا يعدم من أن يقف على منهج تنتظمه خلفية فلسفية تقوم على أسلوب التقابل "التضاد = التّوازي" الذي مكّنه من الكشف عن العناصر وفعالية العلاقات داخلها. ولعلّ هذا الأسلوب هو ما حفّزنا على محاولة البحث فيه خاصة وأنّ حازما يعدّ :

- أولا: ناقدا قد تفرّد بطروحات نقدية ما فتئ من تناولها النقاد المحدثين يولونها من العناية العلمية ما يمكّن من تفتيق مغالقها لا سيما وأنّ  "منهاجه" يحمل في أعطافه نزوع صاحبه إلى الجمع بين الرؤيتين: التراثية العربية الإسلامية من ناحية، والأرسطية من ناحية أخرى، وقد مكّنه من ذلك المرجعية التي خلّفها كل من الفارابي وابن سينا  وابن رشد.

  - ثانيا :من الذين وسموا النقد بميسم المنطق، غير أنّ مواقف النّقاد من طروحه ظلت مبتسرة ما تكاد تفتقر من عصارة فكره حتى تنأى عنه، وقد بدا لنا أنّ مرد ذلك إلى المناهج المتبعة في دراسته و التي شاء لها أصحابها الاعتماد على التجزيء بدل الشمولية.

ويكفي أن نشير إلى أنّ مصطفى الجوزو[4] يزعم ـ في معرض حديثه عن ظاهرة المسموعات- أنّ حازما لم يضف إلى التراث الإيقاعي شيئا ذا أهمية، وراح من خلال هذا الطرح يجرد إنتاجه من كل قيمة علمية على الرّغم من أنّ حازما  جاء برؤية إيقاعية جديدة، والذي أوقع الجوزو في مثل هذا الحكم هو:الفصل بين الرؤية الشمولية لفلسفة حازم والقضايا الجزئية التي تنتظمها.

وكان من الطّبيعي ـ والحالة هذه ـ أن نعتمد على مجموعة من الدّراسات التي تناولت حازما وقضايا نقده بصورة مباشرة من مثل: "قضايا النّقد الأدبي عند حازم القرطاجني" لمحمد أديوان[5]، و"نظرية حازم القرطاجني النّقدية والجمالية في ظل التّأثيرات اليونانية" لصفوت عبد الله الخطيب[6]، و نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم لعصام قصبجي[7]، و كتاب "حازم القرطاجني ونظرية المحاكاة والتخييل في الشعر"[8]، أو تلك التي تعيننا على فهم طروحه النقدية مثل كتاب "نظرية الشعر عند الفلاسفة الإسلاميين" للأخضر جمعي[9]، و"الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى القرن الثامن الهجري" لعباس أرحيلة[10]. بالإضافة إلى بعض الكتب التي تناولت بالدرس إيقاع الشعر العربي وقضاياه الفنية والمعنوية.

التساؤلات

- أين يظهر التواصل بين التيار اليوناني والتيار العربي في النقد الأدبي عند حازم القرطاجني؟

 - ماذا قدمت نظرية التناسب للدرس العروضي؟ ما هي البدائل عن نظرية الخليل بن أحمد الفراهيدي؟

- هل استقى حازم درس التلقي من أصول عربية أم يونانية؟

المنهجية الدراسة  

حسب طبيعة الموضوع المعالج والغرض من الدراسة التزمنا بالمنهجين التاريخي والوصفي. ونعلل اعتمادنا على المنهج التاريخي لإماطة اللثام عن جوهر الخلاف القائم بين الدارسين والذي مؤداه أن الإرهاصات الأولى للعروض العربي كانت البيئة العربية قد عرفتها قبل الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأنّ الخليل قننها لتصبح علما قائما بذاته، ثم تعرضنا إلى اجتهادات العروضيين قبل حازم فأثبتنا بعضها ووقفنا من أخرى موقفا مناقضا أملته طبيعة المادة العروضية.

أما الوصفي : فقد اقتضت منا الدراسة الوقوف عند بعض قضايا الإيقاع الشعري التي أثارها حازم، وجمع النصوص النقدية المتعلقة بها، إذ لا يتأتى وصف هذه القضية أو تلك من هذه القضايا في "المنهاج" في غياب لم شتات النصوص المرتبطة بها.

ولمّا كان التحليل أساسا ضروريا في أي دراسة تهدف إلى تقريب القارئ من مجال من المجالات المعرفية، عمدنا إليه باعتباره مكملا ضروريا للمنهج الوصفي الذي بدأنا به وقد حاولنا فيه التركيز من جهة، والارتباط بالنصوص الموجودة في "المنهاج" وتحليل مضامينها من حيث هي المادة الخام لإزالة ما يكتنفها من غموض أو التباس، نظرا للإيجاز البليغ الذي كلف به حازم في جل كتابه، من جهة أخرى. وقد حاولنا في دراستنا هذه أن نقارن بين آراء حازم وآراء غيره من النقاد القدماء، كون حازم استوعب كثيرا منها، فيما أثاره في "منهاجه" ممّا يفضي بنا إلى تحديد أصالة فكر حازم النقدي. كما اتسم فكره أيضا بالنزوع نحو الإبداع والابتكار حيث نجده  كثيرا ما يلتقي مع الطروح النقدية المعاصرة. فالنتاج النقدي العربي لا يمكن أن يبقى في لحظات تطوره وبناء أنساقه معزولا عن السياق الحضاري العام.

اقتضت طبيعة البحث أن يشتمل هذا الأخير على مدخل وثلاثة فصول وخاتمة، حيث خُصِص المدخل لبيان الروافد الثقافية للنقد عند حازم العربية منها واليونانية.

أما الفصل الأول: تناول واقع الدراسات النقدية قبل حازم للوقوف على تأسيس الدرس العروضي للخليل[11] مع إثبات أصالته. لأن أصول علم العروض مستمدة من المحيط العربي و البيئة الصحراوية التي أملت إيقاعها على الشعر العربي. 

كما أشير إلى البدائل العروضية عن نظرية الخليل منها نظرية أبي بكر إسماعيل بن حماد الجوهري التي عدها ابن رشيق[12] تأسيسا جديدا في الحقل العروضي بإدخاله نوعا من التعديل على العروض في تفعيلتي "مستفع لن" و "مستفعلن" تفعيلة واحدة،وكذلك" فاع لاتن" و "فاعلاتن" وهنا تكمن مخالفته لنظرية الخليل.  ومن الكتب الأخرى التي يرصدها لنا تاريخ العروض،والتي تتناول بعض الإسهامات في هذا المجال نذكر من بينها كتابي:"الكافي في العروض والقوافي"للخطيب التبريزي"[13]  والقسطاس المستقيم " للزمخشري[14].  كما وقف ابن عبد ربه في أبواب متفرقة من كتابه "العقد الفريد"[15] على دوائر الخليل وتعددت صورها و لخّصها في "صفة الدوائر" و بسّط الحلي طريقة حفظ هذه البحور وأوزانها بأن ضمّن الشطر الأول من نظمه، اسم البحر والشطر الثاني يتضمن التفعيلات التي تؤلف وزن هذا البحر وأهم جوازاته، واستخدم في الشطر أكثر الصور استعمالا لتفعيلاته. يضاف إليها محاولة برزخ بن محمد العروضي الذي أبطل الدوائر الخليلية وما يتصل بها من علل وألقاب كما ذكر ياقوت في معجمه

وخص الفصل الثاني دراسة مظاهر المسموعات عند حازم لإبانة موقفه من المقاطع الإيقاعية من ناحية، ثم الأجزاء التي وقف منها موقفا بدا منه أنه لم يكن ينظر إليها على أنها قمينة بترجمة الأزمنة الفعلية التي يقوم عليها الشعر العربي من ناحية أخرى. وقد تبين لنا أنه كان سابقا في طرحه، هذا لما توصلت إليه بعض الدراسات اللغوية الحديثة التي تبنّت المقطع أساسا لدراسة موسيقى الشعر على أن نتبع ذلك بعنصر التناسب الصوتي وحقيقته التنغيمية في الخطاب الشعري، ودور فعالية التخييل في ذلك مشيرين إلى البنية التخييلية وعلاقتها بالمسموعات.

و من الضروري حتى يستقيم النظر أن نعرض لمفهوم الشعر عند أرسطو[16] ومدى تأثير مفاهيمه على تطور الفكر النقدي والبلاغي عند العرب وخاصة عند الفلاسفة الإسلاميين.

وبالتالي تمكن حازم من الجمع في "منهاجه" بين المفاهيم الموسيقية والبلاغية لدراسة الإيقاع، وذلك يعد مدعاة لبيان أوجه التناسب وعناصره فيهما معتمدين على ما تحقق من خصائصهما في التراث النقدي.

ولعل موضوع التناسب بين الأغراض و الأوزان، لا ينفك ربطه بالحقائق التي خلص إليها حازم ذلك أنه من أساسيات الدرس الإيقاعي عنده إلى درجة أنّ من يحرص على هذه العلاقة من الدارسين المحدثين، لا موئل له لتأكيدها سوى حازم.

فتصور حازم للوزن في الشعر تركب من أفكار الفلاسفة، ومن مناقشة العروضيين الذين انتقدهم، وأظهر وجوه المخالفة لهم في ضبطه الأوزان التي ثبت وضعها عن العرب كونه أحصى أربعة عشر وزنا وشكّ في الخبب وأنكر انتساب المضارع لأوزان الشعر عند العرب.

إن تصور حازم للأوزان الشعرية، وعلى توزعه بين شعرية الوزن التي تشكل القول، وشاعرية المبدع الذي يتولى هذا الفعل باسترفاد آراء الفلاسفة، وبتأمل عناصرها تأملا شخصيا، يعد إسهاما قيما في تاريخ النقد العربي، وهذا ما أقره جابر عصفور[17] في محاولة لتقييم التصور الذي قدمه حازم عن الوزن "هو أنضج تصور نقدي يمكن أن نجده في التراث ولعل الأقرب إلى الدقة أن نقول إنّ ما يطرحه حازم - هنا- هو المحاولة المنهجية الوحيدة في التراث لإقامة تصور نقدي للوزن الشعري كون حازم اهتم بدراسة الشعر مفهوما وغاية، حيث تتفاعل البنية والوظيفة. أما الفصل الثالث يدرس فاعلية تناسب المسموعات في المتلقي، لأن الإبداع محكوم بالتلقي، حيث يتفاعل المتلقي بالشعر فيتحسس مواطن الجمال فيه، وبالتالي ارتأينا تحديد مصطلح التلقي عند الناقد،ثم العلاقة بين المبدع والنص والمتلقي من خلال تبيين المؤهلات الذاتية لمنتج الخطاب الشعري، مشيرين إلى العلاقة الوزنية بالوضع الخطابي من منظور حازم.

وإذا كانت ألفاظ التلقي و مصطلحاته غزيرة في منهاج البلغاء، فإنها مع ذلك تتميز بعدة خصائص، مثل التنوع والتفاوت والكثرة والقلة فبعض تلك الألفاظ والمصطلحات هيمن على المصنف وتكرر وروده بشكل لافت للنظر، ينم عن إصرار الناقد على الإكثار منه لصلاته الوثيقة بالتلقي، وبعضها الآخر، وإن قل وروده أو تراوح بين الكثرة والقلة، فإن مجيئه على تلك الصيغة لم يخل من دلالات التلقي، لا سيما عند اقترانه بسياقات خاصة، أكسبته قوة الانتساب إلى موضوع البحث[18].

و في مناسبات أخرى يجنح الناقد إلى استعمال ألفاظ ومصطلحات هي مظاهر للتلقي أو نتيجة من نتائجه. وعموما، يكتشف قارئ نقد حازم في المنهاج، أنه ركز على أثر الكلام أو القول في المتلقي، وجعل النفس هي المستقبل الأول لهذا الأثر، والمعبرة عن هذا الانفعال والحركة. لقد اعتبر حازم القرطاجني الكلام الجيد صادرا من نفس المبدع مرسلا لنفس المتلقي، من أجل خدمة غرض أساسي، ألا وهو إحداث الأثر في تلك النفس، ودفعها للتفاعل مع مضمون ذلك الكلام/القول والانقياد لمقتضاه.

قام النقد العربي القديم بدوره في مرحلة معينة من هذا التاريخ المعرفي العام بإثارته لمشكلات حول النص الأدبي وفعالية المبدع وطرق القراءة والشرح والتفسير والتحليل، ووظف في ذلك ما ابتدعه النقاد في ظل نظرياتهم العقلية والذوقية من الأدوات البسيطة أو المعقدة، فأنتج أسسا ومبادئ لنظرية النص الأدبي.

يمكن تلخيص قضايا العروض والإيقاع التي عرضها بعد التحليل والمقارنة إلى مجموعة من النتائج: 

1- إن قضية التناسب الصوتي في الوزن الشعري أهم أسس شعرية لهذا الخطاب على مستوى التركيب الوزني والهيئة النظمية للخطاب.

2- ميز حازم بين أنواع كثيرة من الأوزان في الشعر العربي محتكما إلى معيار التناسب المشار إليه

3- ندد حازم بالعروضيين الذين يدرسون الشعر من زاوية القياسات العروضية وحدها، مهملين الاحتكام إلى عنصر التناسب في المسموعات والمفهومات الذي يبنى عليه الشعر في نظره. وقد رمى حازم هؤلاء بالعجز عن تقديم وصف دقيق وتحليل كامل لموسيقى الشعر العربي. وقد شرح عجزهم بجهلهم أصول علم البلاغة الذي هو علم اللسان الكلي الذي من دونه ستظل نظراتهم لموسيقى الشعر العربي جزئية وقاصرة عن استيعاب شمولية هذا الجانب الموسيقي في الشعر.

4- ثار حازم على مبدأ الدوائر العروضية، و حذر الشعراء من مغبة الوثوق فيها، ووجههم إلى الاحتكام إلى أذواقهم وحسهم الموسيقي في تفضيل الأوزان. فكلما كان الوزن محترما لمبدأ التناسب، كان أصلح للنظم، سواء أكان منفكا من دائرة أو غير منفك منها في رأي حازم.

5- اصطنع حازم لنفسه مجموعة من التقنيات لتحليل مستويات إيقاع الشعر العربي، فهو لم يكتف بأدوات العروض التقليدية المعهودة، بل عمل على استغلال طاقتي التحديد والتفريع المنطقيتين، اللتين اصطبغ بهما أسلوبه أثناء تحليله لمستويات الإيقاع الشعري في الجزء أو التفعيلة، ثمّ في المصراع ثمّ المصراعين معا، ثمّ القصيدة برمّتها، على النحو الذي سقنا فيه تفاصيل شتى في الدراسة.

6- لعل التحليل الإيقاعي الذي سار عليه حازم في دراسته هذه لا يمكن أن يقارن بالتقريرات العروضية المعروفة في مؤلفات العروض القديمة، المكتفية غالبا بوصف الظواهر العروضية وصفا ظاهريا، لا يتعمق في جوهر الأفق الإيقاعي الذي يشكل موسيقى الشعر في القصيدة العربية .

فإن حازما يتجاوز هذا الصنيع، إذ نلفيه يصف الظواهر العروضية في مستوى أول، يسترسل في البحث عن الروابط الماثلة أو الخفيّة بين عناصر البناء العروضي.

وفي ثنايا بحثه يقدم ناقدنا تحليلا وظيفيا دقيقا لمسويات الإيقاع الشعري، يصل فيه إلى أبعد حدود العروض المدعوم بالذائقة النقدية والحس الموسيقي المرهف.

7- ينحو حازم منحى نفسيا واضحا في حديثه عن الفصول التي تتركب منها القصيدة، إذ أقر ما مفاده أن على الشاعر أن يستهل قصيدته بالفصل الألصق بغرض القصيدة. ولا يخفي ما لهذا الكلام من دلالة على تركيز حازم على العنصر النّفسي في التّحليل. فاستمالة المتلقي والتّأثير فيه لا يتم بصورة أقوى وأبلغ إلا إذا سلك الشاعر هذا المسلك، فبدأ قصيدته بما هو مرتبط بالغرض.

ولعل هذا التوجه النّفسي في تحليل حازم يظهر بكيفية أوضح، عندما أهاب بالشعراء أن يوردوا الفصول في القصيدة وفق نظام خاص يقضي بأن يوضع بين كل فصل وآخر بيت إقناعي يكون المعبر من فصل إلى تاليه على طول القصيدة.

ويظهر البعد النّفسي في مثل هذا التّحليل في كون المتلقي يصير أكثر قابلية للاستماع إلى القصيدة وقراءتها على هذه الحال، لأن نفسه تنتقل من حال إلى حال من فصل إلى آخر، ولا يكاد يصيبها الملل ويعتريها السأم من فصل حتى يمهدها البيت للدخول في جو نفسي في فصل تال، وهكذا إلى أن تنتهي فصول القصيدة دون أن يعتري الملتقي سأم أو ضجر من السماع أو التلقي.

8- كانت قضية التناسب الصوتي إحدى القضايا الأساسية التي ركّزنا عليها في زاوية المقارنات. فبينا بعض آثار هذا المبدأ في صيانة وجهات نظر متضاربة في الدراسات الصوتية الحديثة؛ كما وقفنا على بعض الآثار التي أقامت تعريفها للشعر وموسيقاه على أساس هذا المبدأ التناسبي.

9- أثناء الحديث عن علاقة الوزن والمعنى من زاوية إيقاعية، اتّضح أنّ لهذه القضية تاريخا طويلا سواء عند العرب أو عند غيرهم.


الهوامش

*  ماجستير في الأدب العربي، تخصص الحركة النقدية في المغرب العربي القديم، تحت إشراف الأستاذ الشيخ بوقربة، جامعة وهران، أفريل 2008.

[1] القرطاجني، أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن بن محمد بن حازم الأنصاري ولد "حازم القرطاجني" بقرطاجنة سنة (608هـ = 1211م) وإليها نسب، نشأ في أسرة ذات علم ودين، توجه إلى طلب العلم مبكرًا، على أيدي العلماء في بلده، ومرسية وغرناطة، وإشبيلية، ولزم "أبا علي الشلوبين" شيخ علماء العربية في عصره، وكانت فيه نزعة إلى الفلسفة، فأوصاه بقراءة كتب ابن رشد بعد أن توسم فيه النبوغ والذكاء. هاجر إلى المغرب، استقر به المقام في "مراكش"ثم انتقل إلى تونس، واتصل بسلطانها "أبي زكريا الحفصي"، فعرف بفضله وعلمه، فقربه منه، وعينه كاتبًا في ديوانه.

[2] القرطاجني، أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن بن محمد بن حازم الأنصاري منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق  محمد الحبيب بن الخوجة ، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، ط1، 1966، تونس.

[3] بن الخوجة، محمد الحبيب،  مدخل كتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم القرطاجني،، تونس، ص. 118 

[4] الجوزو،  مصطفى، نظريات الشعر عند العرب الجاهلية والعصور الإسلامية، ج 1، دار الطليعة للطباعة والنشر،ط1، 1981، مصر، ص. 92.

[5] أديوان، محمد، قضايا النقد الأدبي عند حازم القرطاجني، الرباط، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ط1، 2004، الدار البيضاء، المغرب.

[6] الخطيب، صفوت عبد الله، نظرية حازم القرطاجني النّقدية والجمالية في ظل التّأثيرات اليونانية، مكتبة نهضة الشرق، 1986، ص.50.

[7] عصام، قصبجي، نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم، ط1، حلب، دار التقدم و دار القلم العربي، ط1، 1980، مصر، ص.66.

[8] مصلوح، سعد، حازم القرطاجني و نظرية المحاكاة والتخييل في الشعر، ط1، القاهرة عالم الكتب، 1980.

[9] جمعي، الأخضر،  نظرية الشعر عند الفلاسفة الإسلاميين، ديوان المطبوعات الجامعية، ط1، 1984، ص.41.

[10] أرحيلة، عباس، الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري، الرباط-المغرب، منشورات كلية الآداب، 1999، ص.410

[11] الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد، معجم الخليل، تحقيق:مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال،لبنان،بيروت، ص.10.

[12] ابن رشيق، أبو علي الحسن القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط.3،1663، ج1، ص.135.

[13] التبريزي، الخطيب، الكافي في العروض والقوافي، تحقيق عمر يحي وفخر الدين قباوة، دار الفكر،دمشق، 1979، ص.195.

[14] الزمخشري، جار الله،  القسطاس المستقيم في علم العروض، العراق، مطبعة النعمان، دط، 1970، ص.ص. 08-10-32-33.

[15] ابن عبد ربه، العقد الفريد، شرح: أحمد أمين، إبراهيم الأنبا ري، لجنة التأليف والترجمة، ج4، القاهرة، 1968، ص.63.

[16] أبو الوليد، ابن رشد، تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر، ضمن أرسطو، فن الشعر، ترجمة عبد الرحمن بدوي، بيروت،دار الثقافة، ط2، 1973، ص.203.

[17] عصفور، جابر، مفهوم الشعر، مفهوم الشعر دراسة في التراث النقدي، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، ط2، 1982، ص.29.

[18] ع.الله الوهيبي، فاطمة، نظرية المعنى عند حازم القرطاجني، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط1، 2003، ص.259.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche