موسيقى "الدِيوَانْ" في الجزائر، من الحاجة إلى الفّن

Saliha SENOUCI (Author)
119 – 121
التُراث المُوسيقي و فنون الأداء في الجزائر
ع. 106 — م. 28 — 31/12/2024

تُعتبر الموسيقى واحدة من الممارسات الثقافية التي تعكس قضايا اجتماعية، تاريخية وسياسية، وتعبر عن رؤى متنوعة تعود إلى حقب مختلفة من التاريخ الاجتماعي والثقافي، هذا إلى جانب ما يرتبط بها من عادات وتقاليد مجسّدة في إيقاعات وحركات إيحائية. فهي بالتالي وثيقة تاريخية واجتماعية حافظة على ممارسات ومعتقدات المجتمع، كما تكشف عن خلفياته وتصوراته وهذا ما أشار إليه الباحث ملياني الحاج في دراساته حول الموسيقى مؤكدا" أنّ هناك ثباتا معيّنا في الفهم المشترك للموسيقى والأغاني باعتبارها "تراثًا"، يُنظر إليه في الوقت نفسه كسلع ناتجة عن التاريخ الثقافي الماضي وكجذور، أي أشكال وسيطة تمثل التعددية الثقافية للهوية الثابتة" (Miliani, 2000, p. 54).

يركز الباحثون في الدراسات الأنثروبولوجية التي اهتمت بالموسيقى الشعبية على غرار أعمال لفي ستروس (Ledent, 2012, p. 107) على أنّ الموسيقي الشعبية حاجة ووسيلة قبل أن تصبح فنًا يطرب له السامع ويستمتع به المتفرج، وقد أسندت لها أدوار ووظائف عديدة كمعالجتها للأمراض المستعصية وفكّها لبعض الألغاز والرموز التي كان يصعب على الإنسان قديما تفسيرها. إلا أنّ وظيفة الموسيقي الشعبية يمكن أن تتغير ومعتقداتها يمكن أن تتعدل وتتحور طقوسها تبعا لتغير بيئاتها وزمانها وهو ما لاحظناه في موسيقى "الدِيوَانْ" بالجزائر محور هذه الدراسة، حيث تحورت مكوناتها وعناصرها واختفى بعضا من طقوسها ومعتقداتها بمرور الزمن، وانتقلت من الفضاء الخاص إلى فضاء آخر مختلف.  

تنطلق هذه الدراسة في موسيقى "الديوان" من المعطيات والعناصر الثقافية التي لاحظناها في الميدان، والتي استثمرناها في البحث الأنثروبولوجي، حيث حاولنا تتبع المسارات التاريخية والاجتماعية والثقافية لموسيقى "الديوان" قدر الإمكان، بالاعتماد على المصادر والمراجع المتاحة والمعلومات التي حصلنا عليها من خلال بحثنا الميداني للكشف عن مدى الاستمرار/ أو التغيرّ في طقوس "الديوان" وموسيقاه وكلمات الأغاني وحتى وظائفه وعن تيار الحداثة الذى ظهر في موسيقي "الديوان" الذى استطاع نقلها من العرض التقليدي "الرَحْبَة"[1]
إلى العرض الحداثي "الخشبة"، ومن "المهرجان المحلي" إلى "الموسيقى العالمية" وهذا بعرضها على الخشبات العالمية وبأسطوانات حديثة ومتطورة.  

ومن خلال مقاربة أنثروبولوجية ثقافية، عملنا على إبراز أهّم العناصر والمكونات التي تحملها بعض الممارسات الجسدية والروحية ضمن هذا الطابع الموسيقي الأدائي، وما يمكن رصده والوقوف عليه من ترسبات تاريخية واجتماعية يحفظها ويتضمنها أداء هذا الفن مع التطرق إلى أهّم التغيرات والتحولات التي طرأت عليه بمرور الزمن سواء في طبيعة الأداء الموسيقي أو الفضاء الذي تُقدَّم فيه.

وللإحاطة بموضوع الدراسة طرحت جملة من الأسئلة، نحاول من خلال عملنا الميداني مناقشتها أهمّها: ما مدى حضور موسيقى "الديوان" في الجزائر؟ وماهي أهّم العناصر والمكونات التي يحملها هذا الشكل الموسيقي؟ ماهي التجديدات التي حدثت في موسيقي "الديوان". من ناحية الألحان، الكلمات، الأداء أو الآلات المصاحبة لها والتي ساهمت في نقل هذا الفن من كونه حاجة ووسيلة يستعملها الإنسان لأجل تحقيق أغراض معينة إلى فن يستأنس به، ومن فضاء محلي مغلق إلى فضاء عالمي منفتح؟.

تسميات وتعريفات متعددة

تتعدد التعريفات والتسميات عندما يتعلق الأمر" بالديوان". ففي الجزائر يطلق على الممارسة وموسيقاها اسم "الدِيوَانْ" وتعرف في المغرب "بالڤْنَاوِي"، أمّا في تونس وليبيا فتسمى "الاسّطنبالي"، كما يحضر هذا النوع من الموسيقي أيضًا في مصر والسودان واثيوبيا ويدعى "بالزار". (التيجاني، 2008، ص. 17). ونشير هنا لعدم وجود تعريفات محدّدة لهذه التسميات حيث تتضارب التعريفات من باحث إلى آخر رغم اجتهادات الباحثين. فعلى سبيل المثال، يطلق مصطلح "الزار" على حالة حضور الجني أو الجنية، فيقال لمن أصابته روح شريرة فيه "زار"، وهو لفظ يرجح أنه يعود لبعض اللغات القديمة التي كانت مستخدمة بين قبائل الحبشة، ويشير إلى حالة تظهر على المتلبسين فيرقصون ويتمايلون." كما تشير بعض التعريفات أن كلمة "زار": كلمة عربية مشتقة من الزيارة (أي زيارة الجن) بمعنى أنّ الجن يزور الآدميين في مواعيد معينة من السنة."(محسب، 2011، ص. 164) ويعد الزار" في مصر ممارسة تتضمن أداء راقصا مصحوبا بنوع معين من الموسيقي وايقاعات الطبل والدفوف، ومن مميزاته أنه تجمّع نسوي يهدف في الأساس إلى العلاج النفسي أو الروحاني. وهو في السودان يحمل نفس المواصفات مع اختلافات طفيفة في سياق الأداء والآلات المصاحبة للآداء لكنه يتفق مع الزار في مصر من ناحية كونه ممارسة نسوية تهدف إلى العلاج النفسي للمرضى الروحانيين،(التيجاني، 2008، ص. 17).

أمّا في تونس يطلق علي "الديوان" اسم "اسّطمبالي"[2] وينسبها بعضهم إلى الباشا آغا الاسطنبولي، الذي تعود أصوله إلى مدينة اسطنبول التركيّة، ويُقال أنّه كان شخصيّة مُهمّة في بلاط باي تونس، منح الحماية للأقليات السود، خلال فترة الاحتلال العثماني في القرن الثامن عشر، وعزّز ممارساتهم من خلال دمجها ضمن التقاليد الصوفيّة الشعبيّة".ويشير الباحث الزواري أنّ هناك من يصل الكلمة بالمصطلح الفرنسي (ballet (ston الذي يطلق على الفريق الراقص" (الزواري، 2019،ص. 106). ويؤكد بعض الباحثين في أصول الموسيقى والعلوم المتّصلة بها فى تونس، بالحُجج التاريخيّة أنّ السطمبالي هو نوع من الموسيقى الإثنيّة المتّسمة بالطابع العقائدي، والتي اختصّت بها الأقليّة الزنجيّة التي استقرّت في تونس" (الزواري، 2019، ص. 106).

وتطلق على ممارسة "الديوان" وموسيقاها في المغرب بـ"الڤناوي" أو تڤناويت، ومن بين الذين بحثوا في تحديد معنى كلمة"ڤناوا" هو المغربي حسن الوزاني صاحب كتاب (وصف إفريقيا) الذي ذكر بأنّ هذه الكلمة ربما تعود إلى اسم مملكة بإفريقيا ويسميها الأهالي "جيني" والتي كانت مزدهرة في غينيا بغرب إفريقيا (Dermenghem, 1953, p. 347)، في حين يُرجع آخرون أصل الكلمة إلى الأمازيغية، ومنهم الباحثة في الأنثروبولوجية Viviana Pâques التي كرست أعمالها في البحث حول "الڤناوي" في المغرب. حيث تقول بأنّ "أڤناو" بالأمازيغية هي اختصار لكلمة « ignawen-igri »المشتقة من agre اللاتينية، بمعنى النجم أو الكوكب. بينما يرى محمد شفيق أنّ الكلمة تكييف عربي للفظة "أڤناو" أو أڤناوان" باللغة الأمازيغية، والأمازيغ يطلقون هذا المصطلح على المتلعثم في الكلام أو الذي يتحدث بكلام غير مفهوم.(صبري، 2015، ص. 95). ونلاحظ على ضوء ما تقدم، أنّه على الرغم من اختلاف التسميات، إلا أنّ الأصل والممارسة يبقيان هما العامل المشترك بين كل هذه التسميات. 

مفهوم مصطلح "الدِيوَان"

إذا بحثنا عن مصطلح "الديوان" في المعاجم العربية فإننا نجد تعريفات متعددة، فيذكر معجم الفقهاء "أنها كلمة ذات أصل فارسي عُربت إلى ديوان: وأصلها: دوَّن، بمعنى كتَب، سجَّل، جمَع. وتُجمع على دواوين؛ فمن جهة نعني بها مجموعة من القصائد الشعرية حيث تجمع في كتاب واحد يعرف بديوان الشاعر، ومن جهة أخرى بالسجل أو الدفتر الذي يكتُبُ فيه القاضي ما يحتاج إلى ضبطه-الدفاتر التي تُدوَّن فيها الحجج ونحوها" (قلعجي، 1996، ص. 189). ويشير معجم المغرب في ترتيب المعرب" إلى أنّ "الديوان" يعنى الجريدة، وأصل الكلمة من (دَوَّنَ) الكتب إذا جمعها، لأنها قطع من القراطيس المجموعة.
ويُقال: فلان من أهل "الديوان"، أي ممَّن أُثبت اسمُه في الجريدة
(المطرزي، 1979، ص. 299).

والملاحظ هنا أنّ مصطلح "ديوان" أخذ منذ بداية العهد الأموي معنى أوسع في العديد من الدول الإسلامية للإشارة إلى الإدارات والمجالس المتخصصة حيث ظهرت الدواوين في الدولة الإسلامية في ذلك الوقت نتيجة حاجة العرب إلى التنظيم العسكري والإداري والمالي، وكانت في البداية عبارة عن إدارات تقوم بحسابات الدخل والمنصرف وجمع الضرائب ثم توسعت أعمالها وتخصصت فيما بعد (عبد الحفيظ محمد، 2021، ص. 28). وفي تعريف كلمة "الديوان" يورد ابن خلدون أنّ الكلمة كانت تطلق على السجل الذي يدون فيه دخل الدولة ومنصرفه وتطلق أيضا على المكان الذى كان يجلس فيه العمال الذين يتولون تسجيل هذه المعلومات المالية ويورد أيضا في أصل هذه الكلمة أن كسرى نظر يوما فرأى كتاب الحساب يحسبون مع أنفسهم كأنهم يتحدثون فقال: (دِيوّانه) أي مجانين بلغة الفرس، فسمي موضعهم بذلك وحذفت الهاء لكثرة الاستعمال فقيل ديوان، وكذلك أطلق اللفظ علي مكان جلوس العمال المباشرين لها وقيل أيضا أنه اسم للشياطين بالفارسية وقد أطلق على الكُتّاب لسرعة نفوذهم في فهم الأمور ووقوفهم على الجلي منها والخفي وجمعهم لما شذ وتفرق منها، ثم نقل الاسم بعد ذلك لمكان جلوسهم لمباشرة تلك الأعمال. (ابن خلدون، 2004،
ص. 426)، وقد تفسر هذه التعريفات العلاقة بين مصطلح "الديوان" وتسمية هذا النوع من الموسيقى الأدائية، فمن الممكن أن يكون "ديوانهم" هو ذلك المكان الذي يجتمعون فيه أو "الرحبة" التي يمارسون فيها طقوسهم ويؤدون أغانيهم المصحوبة برقصات مختلفة في اجتماع أو تجمع متخصص ومكان معين، كما يشير إلى ذلك أيضا المستشرق (Dermenghem, 1953, p. 320).

أصول "الديوان" وحضوره المغاربي

عرف الفضاء المغاربي ثراء ثقافيا وتنوعا لسانيا واسعا؛ وقد أسهم في هذا  التنوّع، خاصة في مجال الموسيقى، موجات الهجرة التي توالت على شمال إفريقيا نهاية القرن السادس عشر ميلادي من جهة، وازدهار تجارة الرقيق من جهة أخرى حيث وصل الكثير من المهاجرين إلى المناطق المغاربية حاملين معهم تراثهم من اللغات واللهجات والموسيقي ومختلف أشكال التعابير الشفاهية. وشهدت العلاقات التجارية بين تلك البلدان وبلاد السودان الغربي
(مالي، غينيا، السنغال، غانا، النيجر) تناميا مطردًا حيث كان الرقيق الأسود من ضمن ما تجلبه قوافل الصحراء من هذه البلدان، وذلك حتى مطلع القرن التاسع عشر حين حظرت تجارة الرقيق سنة 1807 وهو الحدث الذي كان له صدى واسعا وتأثيرا مباشرا على تلك التجارة التي دامت قرونا بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء (بوبريك، 2021، ص. 39). وعلى الرغم من حظرها رسميًا فقد استمرت تجارة الرقيق بشكل أو بآخر في بعض البلدان إلى غاية بداية القرن العشرين أي بعد صدور هذا القانون بسنوات طويلة[3]. وقد وصلت نتيجة لذلك موجات متواترة من الأفارقة إلى المناطق المغاربية فاختلطوا بالسكان المحليين وامتزجت ثقافاتهم بثقافات المجتمعات المحلية ممّا أدى إلى ظهور أشكال تعبيرية جديدة مزجت بين الأفريقي والعربي والأمازيغي وهذا ما نتلمسه في الكثير من أشكال الموسيقى الشعبية الجزائرية وبشكل خاص في موسيقى "الدِيوَانْ". 

والمتعارف عليه أنّ السود عندما رُحّلوا إلى شمال إفريقيا، تاركين أوطانهم، حملوا معهم أشكالا تعبيرية مختلفة كالرقص، الأغاني، القصص والحكايات وغيرها، وكانت هذه الأشكال التعبيرية تعكس معاناتهم وآهاتهم الرافضة للظلم والمنكرة للتهميش والعنصرية، وقد ثمّن الكثير من الباحثين في العلوم الانسانية التقاليد الشفهية لدى شعوب إفريقيا وأنها كانت مستودعا لتقاليدهم وحكمتهم ومشاعرهم، ووسيلتهم التي عبروا بها عن الاحتجاج الاجتماعي من بينهم المؤرخ البلجيكي"Jan Vansina"[4] في كتابه التقاليد الشفهية
« Oral Tradition » ، والكاتب « Alex Haley » في روايته الشهيرة
"الجذور Roots"[5]. لقد كان من البديهي أن تحافظ تلك الجماعات العرقية أثناء ممارستها "للديوان" على تقاليدها الاجتماعية والثقافية المتوارثة بعد تعديل أشكالها لتلائم ثقافتهم الجديدة ودينهم الإسلامي، وعلى هذا الأساس، تنوع أداؤهم الموسيقي واختلفت مواضيع أغانيهم أو كما يسميها أصحاب "الديوان"  "الأبْرَاجْ"[6] التي تجمع ما بين حب الخالق والتقرب إليه وذكر الأولياء، وبين التضرع بالخدام وملوك الجان ممّا يعكس وجهتي اعتقاد متضاربتين: وجه مقدّس من خلال الأذكار الدينية التي تُغنى في بداية "الديوان" وآخر دنيوي مع نهاية "الديوان"، تلك الثنائية الملازمة لبعض الطبوع الموسيقية الشعبية الجزائرية، مثل موسيقى "أهلّيل" بمنطقة قورارا وهو ما أشار إليه الباحث مولود معمري (Mammeri, 1984) وتلميذه رشيد بليل (Belil, 2000)
في كتاباتهم حول "الأهليل والأولياء".

إذن يشير معنى "الديوان" في الجزائر إلى احتفال موسيقي طقسي ثري بالرموز والدلالات يجمع بين الإيقاع والحركة واللحن والأغنية،تداخلت في تكوينه مجموعة من الثقافات خاصة العربية والإفريقية، وهو يؤدى فى ظروف ومناسبات خاصة به. وقد تضاربت الآراء حول أصول "الديوان" والظروف التي ظهر فيها، ويرى بعض المؤدين له أنه يعود إلى زمن محاولات التحرّر من قيود العبودية وينسبه البعض إلى السودان الغربي أو مالي حاليا، والبعض الآخر إلى غينيا الاستوائية. يختلف أهل "الديوان"حسب القبيلة التي ينتمون إليها أو كما يطلق عليها "العْرَاشْ"[7]، كما أشار إلى ذلك بعض من استطلعتهم أمثال
"المعلم" هشام دردابي من أسفي، وعبد السلام عليكان من الصويرة[8] وهذه القبائل هي أربعة: أولاد بامبار، أولاد هاوسا، أولاد مقزاوا، أولاد جراي[9] وتحمل كل قبيلة لهجة خاصة بها. وهذا يوافق ما أشار إليه الباحث المستشرق
(Bruyn J Andrews)؛ حين فصّل في انتماء جماعة "الديوان" بالجزائر المنحدرة من سبع قبائل إفريقية، تفرعت عنها سبع ديار، وكل "دَار" يمثلها"  قائد الفرقة أو كما يطلق عليه لقب "المْقَدَمْ"[10]، وقسّمها إلى قسمين: ديار الغرب وديار الشرق، ديار الغرب تتكون من: "بمبارا" وهي قبيلة من السنغال والنيجر، وهي أكثر هذه القبائل تعدادا، وقبيلة "سنغاي" من تمبوكتو، وقبيلة "تمبو" و"ڤورما" من النيجر وهم أقل عددًا. أمّا ديار الشرق: فانحدرت منها قبيلة "كاتشانا" من الهاوسا[11]، وأكثرهم من المسلمين وقبيلتي "زوزو" و"بورنو" (Bruyn, 1903, p. 16). والجدير بالذكر أن هذه المسارات ساهمت في تشكيل هوية موسيقى "الديوان" بالجزائر، من حيث تنوع أغانيها وألحانها وطقوسها ممّا يؤكد على أصولها الإفريقية. وبالتالي، يمكن اعتبار هذه الموسيقى جسرا يربط بين فترات تاريخية وأماكن مختلفة.

وفى العموم، يجمع "أهل الديوان" في الجزائر على هويتهم الإفريقية التي يعتقدون أنها تعود إلى زمن الرق، إذ مازال أداؤهم الموسيقي وكلمات أغانيهم شاهدة على الممارسات العنصرية والتهميش الذي تعرضت له هذه الفئة من المجتمع في الماضي. وبالتّالي يظلّ هذا الطابع الموسيقي الجامع بين المناطق المغاربية بمثابة سجلّ محمّل بالمسارات التاريخية لتلك الطبقة، مشحون بالألم أحياناً، والأمل أحيانا أخرى، ومشبعًا بممارسات طقوسية في مجلس احتفالي راقص، ولذلك قد يكون الاحتفال "بالديوان" هدفا لترسيخ عادات وإشباع حاجات نفسية لهذه الفئة من المجتمع. والاحتفال كما يشير عبد الرحمان موساوي في دراساته حول الفضاء والمقدس "هو انتهاك للقواعد التي يفرضها المقدس على الحياة اليومية، وهو المكان الذي تذوب فيه الحدود الطبقية". (Moussaoui, 2002, p. 183). ولهذا تجتمع هذه الطائفة المعروفة "بڤناوا"
في احتفال "الديوان" من أجل استحضار ذكريات الأجداد وإعادة إنتاج تاريخهم، في مجلس يمتزج فيه الواقعي بالأسطوري، ومحمّل بعادات قديمة، اندثر بعضها، والبعض الآخر لا يزال يُمارس حتى أيامنا هذه لا سيما في احتفالات "وعدة سيدي بلال" التي ارتبط اسمها بسيدنا بلال بن رباح الذي كان أول عبد محرر على يد الرسول عليه السلام، وأول مؤذن في الإسلام، فأصبح البطل المرجعي، والأب الروحي لجماعة "الديوان" بعد اعتناقهم الإسلام، يستنبطون منه شرعية الحضور والبقاء، ولهذا يمكن قراءة استعراض "الديوان" كما يشير خياط سليم "كوسيلة تجديد للارتباط بهذا الوليّ - وتستخدم الطقوس فيه لتحيين ذاكرة التاريخ المشترك الذي يتقاسمونه معه وبالتالي، كأداة للانتقال من التاريخ الرسمي القصير إلى الجذور العميقة والأزمنة الكبرى" (خياط، 2008، ص. 146).

سياقات البحث في موسيقي "الديوان"

تزخر الجزائر بتراث عريق في الموسيقى الشعبية، سواء الفردية أو الجماعية، وقد اهتم الكثير من الباحثين الجزائريين في التراث الشعبي بالموسيقي الشعبية في الجزائر منهم الباحث ملياني الحاج وهو من الباحثين المميزين الذين أولو أهمية كبيرة للبحث في الموسيقى الجزائرية ذات الصلة بالتراث الشعبي والتي كان من أهمها طابع "الراي" في كتابه "مغامرة "الراي": موسيقى ومجتمع، (1996)، ومنهم أيضا الباحث مولود معمري، وهو من أوائل الباحثين الذين كرسوا أبحاثهم الميدانية لدراسة موسيقى "الأهليل"[12] بمنطقة قورارا بتيميمون ما بين 1971 و1978، والتي جمع من خلالها مجموعة من النصوص الغنائية ضمن هذا الطابع الغنائي.(معمري،1983 ).

أمّا فيما يخص موسيقي "الديوان"، فعلى الرغم من الحمولة الثقافية والتاريخية التي يزخر بها هذا النوع من الموسيقى في الجزائر، إلا أنّه لم يلق الكثير من الاهتمام والعناية، فيما عدا بعض الدراسات التي اضطلع بها القليل من الباحثين الذين أولو الموضوع اهتمامهم أمثال الباحث سليم خياط الذي اشتغل على جوانب مختلفة من طقوس وشعائر أهل "الديوان" لا سيما طريقة قدماء ديوان مدينة الجزائر "بابا مرزوق"[13] (خياط، 2006، ص.113 )، إلى جانب بعض المنشورات والكتب منها[14]: "السود في الجزائر: مالنا وما لهم"، "السكان الأصليون السود والمهاجرون القادمون من جنوب الصحراء الكبرى"، "طبول الجلالة وأوتار الأصول في موسيقى فئة السود"، وغيرها، كما اهتمت الباحثة الأمريكية تامارا ترنر (Tamara Turner) بدراسة موسيقى "الديوان"، وناقشت أطروحتها حول "ديوان سيدي بلال بالجزائر: الموسيقى، الجذبة" بجامعة لندن سنة2017 ، كما كتبت العديد من المنشورات باللغة الإنجليزية حول الموضوع. (Turner, 2017).

أمّا دراسات المستشرقين لموسيقى "الديوان" في الجزائر، فقد حظيت بأهمية كبرى بحيث أشار المستشرق (Dermenghem) في هذا الصدد إلى حضوره لحلقات "الديوان" وممارساته خلال الخمسينات من القرن الماضي، محدّدًا أهّم المناطق والأماكن الجزائرية التي وُجد بها هذا النوع الموسيقي، منها: البليدة (زيارة سيدي أحمد الكبير)، الجزائر (سيدي يحي)، قسنطينة (سيدي غراب)، إلى جانب مناطق الغرب الجزائري التي تشترك فيما بينها في الاحتفال بديوان سيدي بلال إذ تقام له كل سنة "موسم" أو "وعدة "، ومن أهّم المناطق التي ذكرها (Dermenghem): معسكر، مستغانم، غليزان، باريڤو أو المحمدية، وهران، عين تموشنت، تلمسان، سيدي بلعباس، سيڤ، تيارت، وعين الصفراء. مضيفًا مناطق أخرى من أقصى الجنوب الجزائري مثل: عين صالح، تمنراست، ورقلة، قورارا، وغيرها. (Dermenghem, 1953, p. 337).

ومن بين الدراسات القليلة أيضا حول موسيقى "الديوان" في الجزائر والطقوس المصاحبة لها دراسة بعنوان "منابع الجن: (سبع عيون) معتقدات سودانية" التي قدمها "روني باسي"، (Bruyn, 1903, p. 16)، وقد ركّزت هذه الدراسة على بعض المعتقدات والممارسات الطقسية الخاصة بأهل "الديوان" في مدينة الجزائر ومنها شعيرة الأضحية وتقديم القرابين لملوك الجان السبعة  كما يذكرهم الباحث (بابا موسى، بابا كوري، سيدي حمو، ولاد سرقو، لالا عايشة، سيدي علي وبشريف) وتمارس هذه المعتقدات ضمن احتفالات "الديوان" من أجل التقرب إلى ملوك الجان حسب الاعتقاد لاسترضائهم وقضاء حوائج المرضي أو علاجهم.

ومن بين أهّم الدراسات العالمية أيضًا في هذا المجال دراسة الباحثة
فيفيانا باك (Viviana Pâques) التي عالجت في أطروحتها في الأنثروبولوجيا في العام 1964 مجموعة من القضايا المتشابكة والمتداخلة حول الموسيقى "الڤناوية" وعلاقتها بالجانب الروحي، معتمدة على شعوب منطقة شمال غرب إفريقيا كنموذج للدراسة، فتطرقت إلى الموضوع من الجانب الأنثروبولوجي والإثنوجرافي مدعمة بحثها بعمل توثيقي وفوتوغرافي شامل في كل من: إفران، تدكلت، مالي (باماكو، تمبوكتو)، ثم واصلت بحثها مع فئة سود شمال إفريقيا لتستنتج في الأخير جملة من التحاليل لأهّم الممارسات التي انتقلت معهم إلى شمال إفريقيا (Pâques, 1964).   

صورة 1: استقبال مجموعات"الدِيوَانْ" في وعدة سيدي بلال بشار 2012

المصدر: صليحة سنوسي.

العمل الميداني

امتدّ العمل الميداني الذي قمت به حول موسيقى "الديوان" في الفترة ما بين 2012 و2015، وذلك من خلال تحقيق ميداني أُجري على فترات متباينة، استخدمت فيه تقنيتي المقابلة والملاحظة المباشرة.

تمكنت من خلال الجولات الميدانية من حضور العديد من حلقات "الدِيوَانْ" التي تجمع بين الموسيقى والرقص والغناء، وأجريت العديد من اللقاءات والمقابلات كما شاركت فى العديد من الفعاليات كانت بدايتها حضوري للمهرجان الوطني للديوان ببشار الطبعة السادسة والتاسعة خلال شهر ماي 2012 و2015؛ المهرجان الدولي بالصويرة المغرب الطبعة التاسعة عشر 2015. وقد أفسح لي حضور هذه الفعاليات المجال للتعرف عن قرب على أصحاب هذا الطابع الموسيقي وخلق علاقات ساعدتني على معرفة مواعيد وتواريخ انعقاد مناسبات "الديوان" مثل "الوَعْدة" منها وعدة "سيدي بلال" بعين تموشنت التي أقامها "المقدم" سيد أحمد بنابري واستمرت لمدة ثلاث أيام من الرابع إلى السادس من شهر جوان 2015، وعدة ولد معلم بوعلام بسيدي بلعباس والتي أقيمت يومي السابع والثامن من شهر ماي 2015، وعدة سيدي موسي في كريشتل وهران والتي أقيمت خلال شهر جوان 2015، إلى جانب حضوري لبعض ليالي "الديوان" أو ما يسمى "بالمعْرُوفْ"[15] أهمها: معروف السيدة هوارية بالكرمة (وهران) والتي أقيمت يوم 28 من شهر ماي 2015.

كما أجريت لقاءات وحوارات مختلفة مع مجموعة من ممارسي موسيقى "الديوان" في الجزائر أو كما يطلق عليهم "المْعَلْمينْ"[16] منهم: المعَلَمْ حمزة، المعَلَمْ المجذوب سرحي من منطقة سعيدة، المعَلَمْ إبراهيم برزوق من منطقة بشار، المعَلَمْ بيكاري ولد الحاج، محمد قانقا من منطقة معسكر- محمد بحاز من منطقة البليدة، المعَلَمْ بلعامرية محمد من منطقة غيليزان. إلى جانب المْعَلْمينْ من المغرب أمثال المعَلَمْ نجيب سوداني، من منطقة صويرة وهو مؤدي وصانع للآلات الموسيقية الخاصة بالديوان منها آلة "الڤنبري". المعَلَمْ محمد غينيا، مختار فول محمود، عبد الله أحزاز المعَلَمْ مرشان، سعيد بوركي، عبد السلام عليكان، زايدا غان بزاوية سيدي بلال بصويرة، وهشام دردابي من أسفي. وقد ساعدتني هذه اللقاءات على توسيع دائرة معارفي بين مؤديي موسيقى "الديوان" والتنسيق معهم لحضور مناسباتهم الاحتفالية. بالطبع وكما هو متوقع فقد واجهتني بعض الصعوبات خلال هذه الأعمال الميدانية وقد كان السبب المباشر لهذه الصعوبات هو ما انطوت عليه المقابلات من تحفظات من قبل أصحاب "الديوان"، وعلى وجه الخصوص في مرحلة المقابلات الأولى. وفي هذا السياق تبرز أهمية فهم الباحث الميداني للثقافة المحلية واحترام العادات والتقاليد. حيث يتطلب العمل الميداني بناء علاقات تقوم على الثقة والاحترام المتبادل مع أفراد مجتمع الدراسة للتغلب على هذه العقبات.

صورة 2: التحضيرات قبل ذبح الثورالأسود. عين تموشنت 2015

المصدر: الصورة: صليحة سنوسي.

وصف الطقوس والممارسة

اعتمدت في وصف ممارسة احتفالية موسيقى "الديوان" والطقوس المرتبطة بها على الملاحظات التي رصدتها من الميدان خلال فترات متباينة معتمدة في الأساس على "وعدة سيدي بلال" بعين تموشنت في الرابع والخامس والسادس من شهر جوان. ومن أهّم الملاحظات المبدئية أنّ ممارسة "الديوَان" ترتبط بتواريخ معينة تقام فيها الاحتفالات بشكل منظم ومواقيت محددة خلال العام، حيث يجتمع أهل "الديوان" عادة في شهر شعبان إلى اليوم السابع والعشرين من رمضان في شكل موسم أو "وَعْدة"[17] يعيدون فيها أحيانا تمثيل بعض الممارسات والطقوس. والوعدة كما هو متعارف عليها في الجزائر هي ظاهرة من أهّم الظواهر الاحتفالية والطقوس الجماعية الموسمية التي تمارسه العديد من الجماعات والقبائل المغاربية سنويا حول أضرحة أوليائها، "يعيدون من خلالها عملية إعادة التجديد وشحن الذاكرة بمآثر الأجداد، من خلال توظيف كل العناصر المكونة لهويتهم، لإثبات وضع ما تتعدد أبعاده بين هيمنة مجالية وتراثية وعلاقاتية، وبين تحرر إنساني من أزمات الحياة، في مقابل تميز وتفاخر بهوية محلية تؤرخ لهؤلاء الفاعلين حضورا وجينيالوجيا وثقافة" (بوشمة، 2013، ص. 108).

أتاح لي وجودي في وضع المشارك غير النشط الفرصة لمشاهدة تلك الطقوس والاحتفالات وتسجيل الملاحظات مع استدراك ما فاتني من خلال المقابلات مع أصحاب "الديوان" فيما بعد. يقام الاحتفال في العادة كما جرى بمنزل المقْدَمْ"[18] محمد بنباري" برفقة ابنه سيد أحمد بعين تموشنت ضمن خيمة كبيرة تُنصب أمام المنزل حيث شارك في هذا الاحتفال فرق أخرى من جهات مختلفة من الوطن (الصورة 1) حاملين رايات على أكتافهم أو كما يطلق عليها "مْحَلَاتْ"[19]، وهي ترمز إلى مملكات فرعية لسلاطين وإثنيات بالمفهوم الرمزي (خياط، 2008، ص. 147).

وتمرّ احتفالية "الديوان" بثلاثة مراحل وهي:

مرحلة فتح "الديوان" وهي المرحلة التي يستهلونها بحرق بخور'الجاوي" من أجل تهيئة المكان وتطهيره، ثم يبدؤون العزف والغناء على"بُرْجْ الفْتُوحْ"
"العْفُو يَا مُولاَنَا"،تؤديه "محلّة الشرفى" التي تردد جميع أغانيها بكلمات عربية  وهي تناجي وتنادي الأولياء أو مايطلق عليهم "رجال الله" مثل: مولاي عبد الله "مولاي عبد القادر"...، تستمر "المحلات" بقيادة "المعلم" عازف "الڤنبري" ترديد أغاني "الأبْرَاجْ" المختلفة فيتنوع الأداء والألحان وتتنوع معه حركات الأجساد.  تتميز كل "محلّة" بلونها الخاص وطقوسها المتميزة وأدواتها المختلفة. كأنواع البخور، والأدوات الحادة كالسكاكين، والخناجير التي تستعمل أثناء الرقص إلى جانب بعض المواد الأخرى كالماء، العسل أو أطباق معينة من الأكل[20]، في "مْحَّلاتْ." أخرى. تستمر هذه المرحلة من وقت المغرب وتنتهي بطلوع الفجر مع "محلَّة لبنات" التي يردد فيها أبراج أو أغاني بأسماء نسوية مثل برج"لالا عايشة"؛ "لالا مريم"؛ "لالا مليكة؛" لالا مبيريكة؛ "لالا ميمونة"؛ لالا فاطمة" ...الخ.  

صورة 3: طقوس استعدادات ذبح الثور. عين تموشنت 2015

المصدر: صليحة سنوسي.

بعد منتصف الليل يُحضر "المقدَمْ" "ثورا أسودا" إلى المكان الذي ينظم فيه "الديوان" أو مايسمى بينهم ب "الرَحْبَة"[21] أو الميدان وهو الحلقة التي يجتمع فيها أصحاب "الديوان"، ويقوم بطلاء الثور بالحناء وتبخيره وربط رأسه بوشاح أحمر تحضيرا لعملية الذبح في اليوم التالي في طقس يُسمى "التبْيات"[22]
(الصورة 2).

المرحلة الثانية هي مرحلة ذبح "الثور الأسود" في مكان زاوية "سيدي بلال" وعادة يكون ذلك في يوم الأربعاء، بعد تحضير المكان المخصص للذبح، ورشه بالبخور والحناء، والبيض، والشمع (الصورة 3)، تتقدم المجموعات بالثور الأسود الذي يتكفل "المقدم" بذبحه إلى المكان المخصص للذبح تحت وقع ضربات الطبول وإيقاعات "قَرْقَابُو"[23]، مع حرق البخور -المصنوع غالبا من "الفَاسوخ" و"الجَاوي"[24]- الذي تعّم رائحته المكان استعدادا "لفْتُوحْ الديوان" وبداية المراسيم، واستعمال البخور حسب أصحاب "الديوان" يختلف نوعها من غرض إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى، وهي تلازمهم في جميع مراحل "الديوان". تمر هذه المرحلة ببعض الممارسات التي اندثر بعضها كطلاء الجبين بدم الثور للتبرك أو العلاج، وهو ما أشار إليه درمنغهايم E. Dermenghem
في دراسته (Dermenghem, 1953, p. 321) ، ففي إعتقادهم أنّ دم الثور هو "إشارة بالمعنى السيميائي الدال عن عودة الأسطورة التي تضمن خارج الزمن تلاحم وتوحيد الجماعات السوداء، التي تلتف حوله على إختلاف "راياتها".(خياط، 2008، ص. 155). وعند الانتهاء من الذبح يقسم اللحم بالتساوي بين الحاضرين مع تقديم صحن الكسكس"ليلة العشاء".

أمّا آخر مرحلة وهي الأهّم في "الديوان" وتسمى بمرحلة "المْلُوكْ"[25] وتتضمن هذه المرحلة الرقص "العنيف" والألحان السريعة على أنغام "الڤنبري" و"قَرْقَابُو"  إلى أن يصل الراقص أو الشخص المستهدف بالعلاج ضمن هذه الطقوس إلى حالة إغماء )الصورة 4( أو مايسمى بالحال أو" الجَذْبْ"[26]. يقولون "طَاحْ بعضَامَهْ" أي وصل إلى قمة النشوة الروحية. تختلف كلمات أبراج هذه المرحلة عن باقي الأبراج الافتتاحية حيث تمتزج فيها الألفاظ العربية بالإفريقية، ويستعرض فيها الراقص آداءه بالسكاكين والخناجر، تنتهي هذه المرحلة
في الفجر بعد ختام جميع الأغاني أو الأبراج، حيث تشعل الشموع وتنتهي طقوس "الديوان".  

ومن بين أهّم المناسبات في طقوس "الديوان" ما يسمى "بالمَعْرُوفْ" وهو طقس يتم في سياق مغلق كالمنازل والغرض منه العلاج والتبرك. ويؤدى هذا الطقس في اليوم الخامس عشر من شعبان. وقد حضرت ضمن الأعمال الميدانية التي قمت بها "المَعْرُوفْ"الذى أقامته السيدة هوارية (وهران) يوم
28 ماي 2015، وهي سيدة مغتربة[27] في العقد السابع من عمرها، مازالت تحافظ على إرث أجدادها في إقامة المعروف كل سنة، بعد أن طلبت منها والدتها قبل وفاتها ألا تقطع "عادة العْبيدْ" على حد تعبيرها. وقد نظمت هذه السيدة  "المعْروفْ" في منزلها من أجل العلاج من مرضها، كما أفادت لنا. تفتتح جلسة المعروف بقيادة "المْقَدَمْ"، الذي يعلن عن بداية "الديوان" بالبخور والدعاء لصاحبة "المعروف"، قائلاً: "دَعْوَة رَاهي مَبْرُوكَة، بالنيَّة كُلْ حَاجَة مقْضيَة، الله يرْحَمْ المْقَدْمينْ لكَانُو في هَاذْ الطْريقْ". بعد ذلك تتقدم صاحبة المعروف
إلى "الحضْرة"[28]، وهي تؤدي حركات راقصة على أنغام الڤنبري وأغاني "الأبْرَاجْ"، بمساعدة "المقدَمْ" الذي كان يغطي وجهها بأوشحة متعددة الألوان في كل مرحلة، وتتعالى أصوات "الڤنبري" و"القَرْقَابُو"، ويعمّ البخور المكان، وكان الرقص يتم بحركات متجانسة في نظام متعارف عليه واحترام شامل بين الأعضاء وبين "المقدم"، الذي كان يقوم من حين إلى آخر بتبخير المكان خاصة آلة "الڤنبري" وأحيانا أخرى تبخير الإناء المملوء بماء الزهر الذي كان يرش به صاحبة "المعروف" من أجل تعطير المكان وتطهيره. إضافة إلى رقصه المتواصل بجلد الخروف أوما يسمى "بالهيْدُورة"[29].

وتواصل السيدة صاحبة المعروف رقصها على الإيقاعات إلى أن تصل إلى مرحلة الإغماء أو "الجذبة"،(الصورة 4) وهي المرحلة الأخيرة والحاسمة من التشافي في طقوس "الديوان"، والتي تهدف إلى إزالة أثر المسّ من طرف"الجن". ويكون كلّ ذلك مُمْكنا بشرط توفّر مجموعة من العوامل منها الذبح والبخور والرقصات والأغاني المُتواصلة على الإيقاعات والنغمات المرغوبة والمُكثَّفة (سامعي، 2017، ص. 28). والجدير بالذكر، أنّ العلاج بالرقص والممارسات المصاحبة له كانت دائما ممارسة شائعة في الكثير من المناطق بالعالم[30].  ويتمثل المبدأ في أن يتعرض الشخص الممسوس لسماع أغاني وإيقاعات تسمح "للمعلم" رئيس الفرقة بتشخيص مرض الفرد أو تمثيله. فكل أغنية مخصصة لروح معينة من المحتمل أنها تقمصت الراقص في وقت سابق. وسوف تساعد هذه الأغاني والإيقاعات الشخص المتلبس في التواصل مع القوى التي ستخفف عنه (Peillon, 2005, p. 121). وعليه، فقد استنبطت تقنيات علاجية نفسية من بعض الطقوس الشعبية التقليدية المبنية أساسا على الغيبية أو"الجذبة" أو كما يسميها الطبيب النفسي "جاك دونارس" بــــ "تقنية الانشراح". (سامعي،2017 ، ص. 15).

عناصر ومكونات الأداء

الصوت العالي و"البُرْجْ" الشافي

من أهّم مميزات موسيقى "الديوان" أنّها تدعو إلى الانسجام والوحدة بين أفراد الفرقة التي يقودها "المْعَّلَمْ" محرك الفرقة والتي تلتزم بدورها بتقاليد وعادات خاصة يلتزم بها المعلّم وتتبعها الجماعة أو"الڤْنَادِيز" وهو لقب يطلق على أفراد الفرقة، فيحققون من خلال ذواتهم التماسك الروحي، وهذا ما نلاحظه في تناغم حركات الفرقة وانسجامها وتلاحمها، ومضامين الأغاني المتوارثة شفويًا،  وتسمى ب"الأبْرَاجْ" في الجزائر و"الطَرْحْ" أو "الطبع" في المغرب وفي بعض المناطق مثل السودان" بالخيط"، وتمزج كلماتها بين العربية الدارجة وأربع لهجات إفريقية منها: الهاوسية،البمبرية،الفولانية، وتماشيخت الأمازيغية وهذا ما أدلى به لنا المعلم عبد السلام عليكان من صويرة حيث قدم لنا مجموعة من الكلمات التي تتضمنها أغاني "الديوان" والتي تثبت أصلها الإفريقي، مثل: كُورِي، حَاوَا، أننوا، سَرْكُو، كُويُو، بَانْيَا وغيرها. كما قام بجرد 360 كلمة "تڤناويت" -حسبه- وترجمها بمساعدة "معلم فاركاتوري" من مالي منها على سبيل المثال كلمة: "كينقوبا " ويعنى بها "زين العمامة" وكلمة "يوبادي" ويعني بها السوق وفي "تڤناويت" الرحبة أومجمع "الديوان". كما تشير تامارا تارنر"بأنّ "أبراج" مجموعة"الهاوسا" من بين الأبْرَاجْ الأكثر تداولا بين أصحاب "الديوان" وهذا لما تحمله من كلمات عربية عكس مجموعة"ميڤزاوين" التي تميزها أغاني أقل شهرة بين جميع المجموعات، مقارنة مع مجموعة الهاوساويين، كونها المجموعة الختامية في ليلة "الديوان"، وهي أقصر من أغاني الهاوسا، ويجري ختامها بشكل أسرع وأسلس وهي ليست شائعة. (Tamara, 2021, p. 15).  

كما يجمع أهل "الديوان" على أنّ عدد الأبْرَاجْ أو الأغاني في تناقص دائم، فبعد أن كانت تفوق مئتي بُرْجْ أصبحت لا تتعدى المئة حسب المعلم بلعامرية محمد من غليزان. وترتبط الأبْرَاجْ بالقبيلة التي ينتمي إليها المعلم أو أفراد الفرقة، وبالتالي تعكس طقوسهم التي توظف في كل بُرْجْ من الأبْرَاجْ، مثل بُرْجْ "ڤُورْمَا " الذي يستعملون فيه الماء ما لاحظناه في "معروف" السيدة هوارية عندما كان "المقدم" يرش صاحبة المعروف وهي ترقص بالقليل من الماء. اعتقادا منهم بالطاقة المذابة فيه وبروحانيته السحرية، وهي نظرة تعكس إلى حد كبير معتقدا غامضا لدى الناس بالاستشفاء بالماء أو استجلاب القوة والمنفعة والخير بالطاقة الشافية التي يملكها الماء المبارك" (السحيري، 2008، ص. 304). كما يُحاكي  برج"سَرْقُو" أثناء الرقص عملية الصيد في الغابة مع استعمال أدوات خاصة بالصيد (الصورة 5(، إلى جانب أبراج أخرى على سبيل المثال: "بُرْجْ"بُويَا المدَاني؛"بُرْجْ"كويو"؛ بُرْجْ"ريما"؛ بُرْجْ"حموداياالكاويني"؛ بُرْجْ"لاالاه الا الله"، وقد قامت الباحثة تامرا ترنر بجرد مجموعة هامة من "الأبْرَاجْ" المستعملة في موسيقى "الديوان" مع تصنيفها حسب أصل البرج ووظيفته واللون المستعمل فيه. (p. 292 Tamara, 2017,).

إلى جانب الطقوس والممارسات التي تصاحب أداء الأغاني فهي تحمل أيضًا مضامين ومواضيع تعكس تاريخهم الاجتماعي وتسجل تجاربهم الاجتماعية وقصصهم التاريخية،كمواضيع ترحيلهم من أوطانهم وما عانوه جراء ذلك، ومثال ذلك جزء من "بُرْجْ" يحتوي على كلمات عربية: 

جَابُونَا جَابُونَا منْ السُودَانْ

اللهْ اللهْ مُولانَا...يَاسِيدي لِفِيكْ رْجَانَا

سِيدِي يِشْرُبْ لَتَايْ و"بَارَا" يَاكُلْ "أًقَامَا"[31]

سِيدِي يَاسيدي، هَذَا وَعْدُو مِسْكِينْ

جَابُونَا وبَاعُونَا وفَرْقُونَا عْلَى لحْبَابْ[32]

إلى جانب مواضيع ذات سمات روحيّة وصبغة صوفية كمدح الرسول عليه السلام وذكر مناقب الأولياء، مثل: "بُرْجْ لعْفُو يَا مُولانَا" الذي يفتح به "الديوان" أو ما يسمى ب"فْتُوحْ الرَحْبَة":

أربي مُولاَي أسِيدِي رَبِي لِعْفُو يَابَابا

أرَبِ مُوجودْ ياَ سِيدِي رَبِ لعفُو يَاسِيدِي

أَرَبِ حنَان يَا سِيدي رَبِ مُوجودْ يَا بَابَا

باسم الله بَاشْ بْدِينَا أرَبي لِعْفُو يَا سِيِدي

يَابَابَا بِلاَلِي[33] صلى النبي يَابَا بلالي رْجَال الله

تعد الأغاني عنصرًا مهما في موسيقى "الديوان" فهي التي توصل المبتهج أو الراقص إلى "الحال" أو مرحلة الانجذاب الروحي، وهي تحمل مخزونا لغويا كما أشرت سابقا، تجمع بين اللهجات الإفريقية والعربية، يصعب أحيانا فهم كلماتها حتى من قبل مؤدييها، وحرصا على توثيقها أكدّ لنا "المعلم" محمد رحماني من منطقة عين الصفراء خلال مقابلة معه في مهرجان بشار سنة 2015 على اهتمامه بتدوين وترجمة نصوصها وتوضيح ما غمض من معانيها. كما قامت جمعية "يرما ڤناوا" بالصويرة سنة 2014 بجمع مجموعة من الأغاني في كتاب "أنطولوجية موسيقى ڤناوا".

صورة 4: حالة "الجذب" على إيقاع " الڤنبري " وسط ميدان "الديوان". عين تموشنت 2015

المصدر: صليحة سنوسي.

الرقص التعبيري والجسد الانفعالي

يشير بورديو إلى أنّ "الرقص حالة خاصة ومدهشة للغاية تتسم بالتجانس والتكامل بين الجماعة قصد توحيدها عبر التكامل" (Bourdieu, 1980, p. 99)، وهو ما تعكسه رقصات "الديوان" التي تختلف حسب اختلاف "الأبْرَاجْ" والألحان إذ تتنوع بين رقصات جماعية وأخرى فردية، تتخللّها حركات متنوعة بالرأس والأطراف، منها على سبيل المثال رقصة "كُويُو" ويؤديها غالبًا "أولاد بامبارا" وهي رقصة انفرادية تعتمد على حركات الأرجل في شكل دائري على إيقاعات الطبول وأصوات "قَرْقَابُو"، تختم هذه الرقصة بتوجيه التحيّة إلى "المعلم" عازف "الڤنبري".

وأيضا رقصة "مڤْزَاوا"التي تعيد تمثيل واقع اجتماعي كالصيد أوالحرب (الصورة 5(،تستعمل في هذه الرقصة أدوات ومستلزمات الصياد. يؤديها راقصون يرتدون أزياء ملونة ومزينة بريش الطيور مايعكس حياة الإفريقي ومستلزمات الصيد في الغابة.((Dermenghem, 1953, 343. وهناك رقصات أخرى تمثل أشكالا تعبيرية أخرى مثل:رقصة "النَقشة" وهي رقصة جماعية في شكل حلقة بين المعلم وأصحاب القراقب أو الصفائح الحديدية،أمّا رقصة "سُويُو" هي رقصة فردية يربط فيها الراقص قدميه بلباسه ثمّ يقوم بالقفز وفك قدميه، إشارة فيها إلى التحرر من القيود التي كبّل بها الزنوج. جميعها رقصات إيحائيّة ذات مضامين وتجارب مختلفة، يتّم التعبير من خلالها عن آراء مؤدييها الفكرية وطقوسهم الإثنية والدينية، ونشاطهم الحياتي والاجتماعي. "إنّ معظم الرقصات والتعابير الجسدية المصاحبة لأداء الأغاني ماهي إلا انعكاس لحياتهم الاجتماعية وارتباطهم بالأرض والطبيعة، وبتفاصيل الحياة اليوميّة المواكبة لها كمظاهر الصيد." (الحيدري، 1981، ص. 64). ولذلك نلاحظ، أنّ الرقص المصاحب لموسيقى"الدِيوانْ" ماهو إلا حركات جسدية انفعالية وصرخات عالية تجمع بين حالتين: حالة "عنف" كضرب أجسادهم بالسكاكين والبولالات"[34] أو السُوط وحالة "سلام" في رقصات أخرى. وإذا دّلت هذه العناصر المكونّة لموسيقى "الديوان" على شيء فإنما تدل "على تعبير رمزي لأهّم مظاهر الحياة ومواقفها، إذ يعبر ممارسوها عن احتياجاتهم الروحيّة بلغة رمزية، وهي لغة الموسيقى والرقص" .(Pâque, 1999, p. 63)

وبناء على ذلك، نعتبر أنّ الرقص في موسيقى "الديوان" بمكوناته المتعددة يعد شكلا من أشكال النشاط الفكري والإنساني الذي وظّفه الإنسان كوسيلة مهمة في التعبير عن انفعالاته. ويشير أحمد عيدون، الباحث في التراث الموسيقي "الڤناوي" إلى أنّ الموسيقى تعدّ محورا أساسيًا في التقاليد "الڤناوية"، وتجمع بين ثلاثة مظاهر متداخلة وهي: الإيقاع، الرقص والغناء.
(Aydoun, 2014, p. 21). كما يتضح أنّ علاقة أهل "الديوان" بالرقص هي علاقة ترابط وتخاطب، فزيادة على ما تحمله من رموز ودلالات تعكس انفعالاتهم وتنقل همومهم هي أيضًا تعبير عن استرضاء الأولياء وأداة للعلاج من خلال الطقوس والشعائر المصاحبة لإيقاع "الڤنبري" والغناء المتزامن معه، والذي يُدخل أصحابها في حالة رقص عنيف يصل به إلى حالة من الإنجذاب الروحي أو ما يسمى "بالجذبة "(الصورة 4) والتي "‏يبدو أنّ إثارتها ليست وليدة تأثير الصوت الغنائي وحده ولا تحدث نتيجة لأصداء الآلات فقط، بل يشترك كلاهما في الوصول بالشخص الراقص إليها ". (Chlyeh, 1998, p. 81).

وفي أثناء الأداء، يساعد "المعلم" الشخص المتلبس أو صاحب المعروف أثناء أدائه للرقصات لتغطية رأسه بأوشحة ملونة تباعا وهذه الأوشحة تحمل واحدا من سبع ألوان هي: (الأخضر، الأحمر، الأصفر، الأبيض، الأسود، الأزرق، البنفسجي).

تكتسي الألوان أهمية بالغة في جميع الثقافات والحضارات الإنسانية المختلفة، لذلك اهتّم بها الإنسان وارتبطت بسلوكاته ومعتقداته ورافقته في جميع مراحل حياته ومختلف مناسباته الدينية والدنيوية، إلا أنّ رموزها ودلالتها تبقى مرتبطة بالخصوصيات المحليّة لكل منطقة أو جماعة ما،
"فعند السّود الأفارقة، عرفت الألوان رموزا دينيّة وأسطورية، وحملت دلالات عديدة مثل الخصب والقوّة والموت والأرض والغضب والهدوء... والأمر نفسه نجده في الثقافة الإسلاميّة، إذ ارتبطت الألوان برموز من معانيها: الفداء والخير والقوّة والعلاج." (الزواري، 2019، ص. 175).

ويمثل اللون عند جماعة أهل "الديوان" محورا مركزيا تجتمع فيه جميع الطقوس والممارسات، ومن بين الألوان الأساسية المتعارف عليها بينهم الأبيض المستعمل في "محلة البُويض، اللون الأسود في "محلة الكُوحلْ، اللون الأحمر في"محلة الحُومرْ". ويشير محمد تحريشي إلى بعض وظائف ودلالات اللون منها الأبيض الذي يفتتح به "الديوان" ويوظف فيه برج"العْفُو" يرمز إلى السلام والفوز، وهو معادل موضوعي للأسود، وفي اللباس يوظف في برج "سِيدِي علي" كرمز "للعفو"، أمّا اللون الأحمر فيوظف في برج "بَابَا حَمُو" وهو يرمز إلى الدم والنار ، ويعبر عن الغضب والجرأة والإثارة، وهو مرتبط بتجارب الإنسان المريرة. أمّا اللون الأسود فيرمز إلى الكتمان، السرية والتفوق، ويوظف في
"برج سَرْقُو" وفي اللباس يرمز إلى الاستعداد للحرب أو الخروج للصيد. إضافة إلى اللون الأخضر يوظف في أبراج "لعْفُو "البحري موسى"، ويرمز إلى الخضوع والاعتراف بالسلطة الروحية والغيبية، وله علاقة بالأولياء".
(تحريشي، 2009،ص. 89). كما ركزّت الباحثة فيفيانا باك على رمزية استخدام الألوان في موسيقى "الديوان" وعلاقتها باستحضار الأرواح التي تمتلكهم أثناء طقوسهم،حيث يُعتقد أنّ ألوان الأوشحة التي توضع فوق رؤوسهم تساعد في استحضار" الملوك السبع"، والذين يمثل كل واحد منهم لونا مختلفا. في إشارة منها إلى أنّ تشكّل الألوان السبع الأساسية في "الديوان" ماهو إلا نظام كامل لتصنيف الكون ورحلة الحياة". (Pâques, 1999, p. 53).

صورة 5: نموذج من أزياء مجموعة "مڤْزَاوا".مهرجان موسيقى الديوان بشار 2012

المصدر: صليحة سنوسي.

الآلات المصاحبة لموسيقي "الديوان"

تشكل العناصر المصاحبة للرقص في موسيقى "الديوان" من آلات، وبخور، وأطعمة وغيرها تجسيدًا عميقًا للتفكير الشعبي في استحضار الأرواح لتحقيق الحاجات الدنيوية ومعالجة الأمراض المستعصية. ويعتمد الرقص على الايقاعات والألحان التي تبعثها آلات موسيقية معينة مرتبطة بموسيقي "الديوان"، وعلى الرغم من محدودية هذه الآلات في سياق الممارسة إلا أنّها  تؤدي المهمة المنوطة بها وهي إثارة الراقصين والوصول إلى "الحَالْ" أو الانجذاب الروحي. من أهّم الآلات المصاحبة لموسيقي "الديوان" هي آلة "الڤَمْبرِي"[35] أو الهجهوج كما يطلق عليها في بعض المناطق من المغرب تعتبر آلة رئيسية في موسيقى "الديوان" مصنوعة من جلد الماعز مزينة بالأصداف أو"الوَدَعْ"[36] ومتكونة من ثلاثة أوتار. (الصورة 2). أمّا الآلة الثانية المهمة هي آلة "قَرْقَابُو". إلى جانب آلات أخرى مثل: آلة "الطبل أوڤَانْڤَا"[37]، طَمْطَمْ، دَفْ، وغيرها.

وقد قمت ضمن الأعمال الميدانية[38] بعمل مقابلة مع "المعلم" نجيب سوداني[39] وهو معلم في موسيقي "الديوان" وصانع محترف لآلة الڤمبري داخل محله في الصويرة. وقد أفاد بأنّ الآلة تختلف باختلاف استعمالها، فهناك "الڤمبري"مخصص فقط في "ليالي الديوان" الكبيرة والمهمة وتكون في هذه الحالة مصنوعة من جلد الجمل، ومزينة بالودع والألوان والنقوش الفضية وبعض الأشرطة الملونة. هناك أيضا آلات الڤنبري الصغيرة وتسمى"ڤَنْبُوري" وتصنع من جلد الماعز على شكل مستطيل وتسمى في هذه الحالة "أفراس" أو تصنع في شكل مثلث وتسمى"بَلَادَايْمَا" نسبة إلى البرج الذي تستخدم في أدائه.

جميع هذه العناصر والمكونات التي رصدناها في موسيقى "الديوان"، سواء كانت مادية أو لفظية، ما هي إلا شكل من أشكال التعبير عن معاناة تلك الطائفة التي تعرضت للاضطهاد، ولم تجد وسيلة للتشبث بطقوسها وإثبات جذورها سوى الموسيقى. وعلى هذا الأساس، أصبح هذا النوع من الموسيقى فنا تمثيليا لبعض الممارسات والعادات القديمة التي أعيد إنتاجها عبر طقوس وشعائر احتفالية تحظى بإقبال واهتمام كبيرين من قبل مؤدّييها، ما أسهم في استمرارها وصمودها عبر الأجيال .

 ودائما ما يشير الموسيقيون أو "المعلمين" إلى أنّ "الديوان" قد "تم تطهيره" من جذوره الوثنية التي تعود لمعتقدات سابقة للإسلام؛ حيث تحدثوا عن الأغاني أو بعض "الأبراج" التي وصفوها بالمحرمة والتي لم تعد تُؤدى في حلقاتهم بحيث تمّ استبعادها أي"حذفت" من طرف المجموعات" المعاصرة التي يؤدونها. (Tamara, 2021, p. 8).

صورة 6: فرقة أهل "الديوان" وهران. مهرجان موسيقى الديوان بشار 2015

المصدر: صليحة سنوسي.

التحوّل والتجديد: من" الرَحْبَة" إلى "الخَشَبَة"

واكبت موسيقى "الديوان" أو "الڤناوي" حركة تحرير الرقيق منذ قرون مضت، وأصبحت بعد ذلك شكلاً من أشكال التعبير الفني الموسيقي، يتفّنن أصحابها بقدراتهم الفنيّة في تنميتها، من أجل تلبية أذواق الناس. ونظرا لأهمية هذا الشكل الموسيقي عند القائمين بها أحيطت بنوع من الحماية فعملوا على استمرارها وحماية كيانها الروحي، وذلك بإضافة لمسات جديدة عليها لضمان التفاعل الحقيقي بينها وبين جميع شرائح المجتمع. وقد ضمن هذا المزيج بين"القديم والجديد" نوعا من التجديد والعصرنة في طرق وأساليب أداء موسيقى "الديوان" منها الإيقاع ، الكلمات، والآلات الجديدة التي أدخلت عليها مثل: آلة الڤيتارة الإلكترونية، والبانجو، والماندولين وغيرها المصاحبة للآلة الرئيسية وهي "الڤمبري". من جهة أخرى زالت بطبيعة الحال؛ في خضم هذا التطور والتجديد بعض الطقوس المحمّلة بثقل الأساطير والمعتقدات، وعدّلت كلمات الأغاني التي لم يبق لها معنى واضحا اليوم، فبعد أن كانت كلمات الأغاني مثقلة بحمولة لغوية كبيرة من لهجات إفريقية متنوعة مثل اللهجة الهاوسية والبامبرية الإفريقية أصبحت هذه المفردات اليوم غير موجودة أو تمّ حذفها ماعدا بعض المفردات المتداولة في ثنايا الأغنية، وقد أشار في هذ الصدد "كمال زكري"مغني موسيقى "الديوان" وحفيد المقدم حمو موسى من منطقة بسكرة حين ذكر:"أنّ والدي قبل وفاته كان حريصا على طقوس"الديوان"ولغتها منها"الهجمي"[40]، إلا أنها اليوم فقدت معناها ولم نعد نغنيها إلا كأصوات مشابهة، ولهذا قررت تسجيل كلا الطقسين بالكامل أحدهما نهاري والآخر ليلي" Bensignor, 2010, p. 190)). وبهذا الشكل غاب دور موسيقى"الديوان" الحقيقي وانتهت الحاجة إليه وصارت الموسيقى "غير مفهومة" بالنسبة للأجيال المتعاقبة، وحتى لبعض مؤدّيها الذين لم يعايشوا دورها الوظيفي والاجتماعي الأصلي.

واعتمادا على ما سبق ومن خلال العمل الميدانى، نلحظ بوضوح هذا التطور في مسارات وخطوات موسيقى "الديوان" التاريخية حيث تتجلىّ بوضوح بعض التجديدات والتغييرات في شكلها ومضمونها وذلك من خلال اهتمام مؤدّييها ببعث روح جديدة فيها وإدراج ألحان وأنغام صوتية متجددة. وقد مرّ هذا الإنتقال والتحول في موسيقى "الديوان" بثلاثة مراحل هي: أولا مرحلة "الليلة"، وثانيا مرحلة"الخشبة" وثالثا مرحلة "العالمية".

فبعد خروجه من أجواء الفضاء المغلق حيث كانت تقام ليالي "الديوان" أو حسب تعبيرهم المحلي ب''الليلة"- بغرض العلاج من الأمراض واستحضار الأرواح -انتقل إلى "الخشبة" حيث اختفت في هذه المرحلة تلك الطقوس والممارسات وأصبحت موسيقى "الديوان" تعرض على خشبات المسرح. وهو ما أشارت إليه الباحثة ماجدولي زينب" في دراستها حول الطقوس، المسرح والجمهور (Majdouli, 2013)..

ومن بين القائمين على هذا التراث الشعبي الموسيقي الذين حاولوا إبراز هذا النوع من الموسيقى أمام الجمهور هم مجموعة من "المعلمين" و"المقدمين " من مختلف مناطق الجزائر، منهم على سبيل المثال لا الحصر ديوان مقدم إبراهيم برزوق من منطقة بشار؛ والمعلم محمد بحاز من البليدة مؤسّس فرقة ڤناوا
سنة 1997؛ ومعلم محمد الهادي " قائد فرقة"دار البحري" بقسنطينة؛ ديوان ولاد سيدي بلال بوهران، إلى جانب معلم حاكم ومجبر من بشار، معلم فيصل السوداني وبن عيسى بحاز، وغيرهم.

ساهمت مرحلة الخروج من الإطار المغلق كالبيوت ودور "الديوان" إلى واجهة خشبات المسرح، في التمهيد لمرحلة أخري وهي "مرحلة العالمية" حيث ظهرت إرهاصات هذه المرحلة على أيدي مجموعة أخرى من الفنانين الجزائريين الذين تألقّوا في سماء أغنية "الديوان" وأخرجوها من قالبها التقليدي إلى قالب تجديدي حداثي. فكانت بدايات التحوّل والتجديد في هذا الطابع الموسيقي مع فرقة "ناس الغيوان" المغربية بداية السبعينيات بعد التحاق "المعلمْ" عبد الرحمان باكو بالفرقة. وفي الجزائر مع فرقة "رَايْنا رَاي" في سنوات الثمانينات، التي تعّد من الفرق الأولى التي أدخلت طابع "الديوان" على موسيقاها، ثم تطورت في التسعينيات مع فرقة "ڤناوا ديفيزيون" التي تأسّست سنة 1992 على يد أمازيغ كاتب، نجل كاتب ياسين الذي زاوج بين الآلات التقليدية والجديدة في أداء موسيقي "الديوان"، وساهم في دمج آلة الڤيتارة الإلكترونية، والبانجو، والماندولين وغيرها من الآلات الحديثة في تقديم موسيقي "الديوان"، هذا إلى جانب المزج بين لغات متعددّة (العربية، الأمازيغية، الإفريقية، والفرنسية) في كلمات الأغاني والمزج بين أنواع مختلفة من الموسيقى المغاربية والموسيقى العالمية مثل (الراب، الروك، الريڤي، الجاز) مع موسيقي "الديوان". وبهذا العمل فرضت فرقة أمازيغ كاتب وجودها وذاع صيتها في العالم، خاصّة في الدول المغاربية، وسار على نهجها مجموعة من الفرق الغنائية التي أسستها مجموعات شبابية مثل: فرقة "جمعاوي أفريكا" التي تأسّست سنة 2004، و"إفريقيا سبيريت" سنة 2009 بقيادة شكيب بوزيدي، ممّا جعل هذه الفرق قريبة من الشباب الجزائري لكونها تعبر عن مشاكلهم الاجتماعية والسياسية على غرار البطالة والتهميش، إلى جانب فرق أخرى كفرقة" الفردة"، و"القعدة"، و"السّد" وغيرها. ولم يقف تأثير موسيقى "الديوان" عند هذا الحد بل امتد إلى بعض الموسيقيين الغربيين الذين تأثروا بهذا الطابع الفني، على سبيل المثال لا الحصر نذكر عازف البيانو الشهير راندي وستون Randy Weston[41] الذي استوحى الكثير من مقطوعاته من موسيقي "الديوان" الممزوجة بطابع الجاز بعد تأثره بهذا الفن. حيث قام فيما بعد بتنظيم حفلات قدم فيها أعمال تزاوج بين فن الجاز وبين موسيقي "الديوان"[42]. في خضم هذا التطور من مجرد طقس محلى يؤدى لأغراض معينة إلى عرض عالمي يقدم على خشبة العرض، استطاعت موسيقى "الديوان" في الجزائر أن تكسر حواجز العزلة وتحضر في  الفضاءات العامة وتشارك في المناسبات والتظاهرات الثقافية والفضاءات الترفيهية والسياحية، فضلا عن مساهمتها في المهرجانات والفعاليات الفنيّة منها - المهرجان الدولي  لموسيقى "الديوان" في الجزائر والذي تحتضنه منطقة بشار بعد تحويله من العاصمة ، وتحويل المهرجان الوطني من بشار إلى عين الصفراء سنة 2021 في طبعته الثالثة عشر - والتي ساهمت في نقل تجربة "الديوان" من البيوت إلى الخشبة. وارتقت ب"المعلمْ" الذى كان يمارس طقوسا شعبية متوارثة  إلى مرتبة فنان له دراية بالموسيقى، كما شكلت هذه الفعاليات فرصة لتواصل المعلمين فيما بينهم عبر أنحاء الوطن (الصورة 6).

وقد تعززت هذه المرحلة بظهور العديد من الجمعيات المهتمة بطابع موسيقى "الديوان"، وهذا بعد توجيه جهود السياسة الثقافية في الجزائر نحو  تحقيق الاهتمام بالتراث الثقافي والذاكرة الشعبية. نذكر من ذلك على سبيل المثال: تأسيس "دار الديوان" سنة 2016 من طرف مجموعة من الناشطين والمهتمين بموسيقى "الديوان" على رأسهم السيد ناضور محمد وعبد الحليم أرو من منطقة بشار. كما كان لبعض النشطاء والمهتمين دور كبير في عرض تجربتهم في كيفية الحفاظ على تراث أجدادهم وإخراجه إلى العالمية نذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر" كمال زكري ابن المعلم حمى موسى من بسكرة الذي قام في تجربة رائدة بتسجيل ألبوم "موسيقى الديوان" عام 1993 والذي نُشر على (أوكورا، راديو فرنسا) في عام 1996. وتبعا لذلك دعي ديوان بسكرة في نفس السنة، لتقديم عرضه على خشبة مسرح معهد العالم العربي في باريس.
(191 Bensignor, 2010, p.).

صورة 7: فرقة Global Gnawa (باريس 2018)

المصدر: صليحة سنوسي.

والملاحظ هنا أنّ هذا التطور والتحوّل في ممارسة "الديوان" جاء بعد مسارات وعمليات معقدة تراوحت بين التقليد والتجديد، وبين الانتقال من المحلي إلى العالمي، هذا إلى جانب قدرات هؤلاء الموسيقيين وتجاربهم في ممارسة العرض، الأمر الذي أكسبهم خصوصية وتميّزا في الأداء. وهو ما ركزّت عليه الباحثة "زينب ماجدولي (Majdouli, 2007) في بحثها عن مسارات موسيقى "الڤناوي وما أعترى هذا النوع من تحولات، بدءا بكونه طقس مقدسا وانتهاء إلى العرض على الخشبة. وإذا حاولنا أن نبحث عن الأسباب الرئيسية التي قادت "الديوان" إلى الوصول إلى هذه المرحلة من التغيير نشير إلى بعض الأسباب المتداخلة التي يعود بعضها إلى بواعث دينية أحيانا واجتماعية أحيانا أخرى، ومن أهمها حسب ما استطعنا رصده: الخوف من نظرة المجتمع إلى هذه الفئة، خاصة وأنّ بعض الممارسات والطقوس حسب تصريحات القائمين على"الديوان" أصبحت لا تنسجم مع التعاليم الإسلامية، منها: طقوس استعمالات دم الذبيحة لأغراض العلاج؛ إلى جانب تراجع دور"الديوان" في معالجة المرضى. حيث كان "الديوان" يوظف في الأساس سواء عند المشرفين عليه أو عند الأوساط الشعبيّة، في مُعالجة المرضى المُصابين باضطرابات نفسيّة وروحانية، من خلال عمليّة تحريض المريض لتحقيق حالة الغيْبَة المنشودة، باستعمال عدّة وسائل بما فيها الإيقاعات الموسيقيّة" (سامعي،2017، ص. 22(. وقد أنتج هذا التراجع تقليص العديد من الديار التي استخدمت في أوقات سابقة لغرض العلاج ومن بينها "دار بحري"،"دار الهاوسا"، دار برنو" بقسنطينة ، دار بامبارا بحي القصبة الشعبي بالعاصمة، دار الديوان بسطيف، وبسكرة وغيرها. كما شاركت أيضا مرحلة العشرية السوداء
في الجزائر وما عاناه المجتمع الجزائري من صراعات داخلية، في تقليص احتفالات "الديوان" والطقوس المصاحبة له.

وكما هو الحال مع أية عملية من عمليات التجديد والحداثة، يكون هناك معارضون من أهل "الديوان" لهذا "الإنفلات" و"الانفتاح" الذي طرأ على موسيقى "الديوان" وما أصابها من "تحريف وتشويه" من وجهة نظرهم بالطبع، بحجة التحديث والتجديد، حيث رأو أنّ هذا الوضع يهدد حسب رأي بعض "المعلمين" خصوصيّة موسيقى "الديوان" الثقافية ويفقدها روحها، عكس الفئة الثانية التي ترى أنّ هذا الانفتاح والتجديد ماهو إلا كفاح من أجل البقاء، وفتح المجال للتعريف بأنفسهم كأفارقة، "وجعل "لون بشرتهم الأسود" مصدرا للكرامة والاحترام الذاتي والقوة بدلاً من الشعور بالتهميش أو
الخضوع له". (Becker, 2020, p. 24)، فلم تعد الأولوية حسبهم أن تحتفظ هذه الموسيقى بطقوسها وتقاليدها المتوارثة، بقدر ما يكون هدفها الانفتاح والتجديد من أجل البقاء". وهذا يتحقق من وجهة نظرهم بمنحها طابعا فنيًا يتسم بالجمال والابداع ويمتلك القدرة على جذب الانتباه نحو الرسالة الفنيّة نفسها، وليس نحو أي شيء خارجها."(الحميد، 2001، ص. 23).

نشير في الأخير، إلى أنه على الرغم من التغيرات والتجديدات التي طرأت على مسار موسيقى "الديوان"، إلا أنها لا تزال مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتقاليد التي أوجدتها وحافظت عليها عبر التاريخ والأجيال. ما منحها مكانة شرعية في عالم الفن الموسيقى العالمي.

الخاتمة

في الختام نصل إلى أنّه وبعد أن كانت موسيقى "الديوان" أداة احتجاج وعلاج أصبحت اليوم مجرد تمثيل احتفالي للحياة الاجتماعية والسياسية والتاريخية بأدائها المميز ونغماتها المتزنة. وبالرغم من ذلك تبقى موسيقى "الديوان" رمزاً تعبيرياً لممارسة الحياة، والارتباط بالأرض والإنسان والحيوان والطبيعة على حد سواء، ولهذا أيضاً ظلت موسيقى "الدِيوَانْ" تصاحب فئة كبيرة من المجتمع الجزائري منذ قرون مضت إلى حد الآن، ولاتزال مجالا خصبًا للدراسة والتحليل بكافة اتجاهاتها الفنيّة والموسيقية والاجتماعية والتاريخية، ممّا يحفز على ضرورة البحث في هذا النوع من الموسيقى وتدوينه، ومحاولة فهم أشكاله وأساليبه، بتضافر جهود المهتمين والباحثين، فضلا عن المؤسسات ذات العلاقة، خاصة بعد فقدان العديد من حاملي هذا التراث الموسيقي[43].

ما تزال العديد من الأسئلة تُطرح حول هذا النوع من الأداء الموسيقي. ومن بين أبرز الأسئلة التي تستحق مزيدًا من البحث والدراسة، بالإضافة إلى استكشاف سياقاته الثقافية والتاريخية، هو دور المرأة المعروفة باسم "المْقَدْمَة"ووظيفتها الأساسيّة في تنظيم وتحضير "رَحْبِة الديوان" حيث بات يُطلق عليها "خَدَامَة لِجْوَادْ" لما توليه من أهميّة في النهوض بأمور أصحاب"الديوان". فهي المحور الرئيسي الذي يعود له الفضل في نجاح الاحتفال وممارسة الطقوس. إلى جانب ذلك، هناك العديد من الممارسات والوظائف الأخرى المرتبطة بهذا السياق، والتي لا تزال بحاجة إلى المزيد من التعمق والدراسة.

صليحة سنوسي(1)

 المراجع

أبي الفتح ناصر الدين المطرزي، (1979). المغرب في ترتيب المعرب. سوريا: أسامة بن زيد.

أمين الزواري، (2019). الرواسب الافريقية في الثقافة الشعبية التونسية. تونس: مكتبة علاء الدين .

بلاند الحيدري، (1981). زمن لكل الأزمنة، نظرات وآراء في الفن (الطبعة الأولى). بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

بوشمة الهادي، (2013). القبيلة والمقدس الشعبي بالجزائر: مقاربة أنثروبولوجية لطقس الوعدة بمنطقة أولاد نهار تلمسان. دراسات اجتماعية، (12). الجزائر: مركز البصيرة للبحوث والاستشارات.

توفيق سامعي، (2017). عن طقوس الغيْبَة : وعي تجاوزي،أم تملّص وجداني أو مُعالجة نفسيّة ؟ إنسانيات، (75-76). وهران(الجزائر): منشورات المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.

حسام محسب، (2011). الآداء الحركي في طقس الزار. مجلة الثقافة الشعبية،(13). البحرين: الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر.

رحال بوبريك، (2021). سوق العبيد: تجارة الرق في مغرب القرن التاسع عشر. مجلة أسطور للدراسات التاريخية، (14). الدوحة: منشورات المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات.

سليم خياط، (2008). طبول الجلالة وأوتار الأصول في موسيقى فئة السود. كتاب جماعي أنثروبولوجيا وموسيقى. الجزائر: منشورات المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان.

شاكر عبد الحميد، (2001). التفضيل الجمالي، دراسة في سيكولوجية التذوق الفني. عالم المعرفة، (267). الكويت: منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

صوفية السحيري بن حتيرة،(2008). الجسد والمجتمع دراسة أنثروبولوجية لبعض الإعتقادات والتصورات حول الجسد. تونس:دار محمد علي للنشر.

عفاف عبد الحفيظ محمد، (2021). الكُتّاب في العصر العباسي الأول: دراسة في النظم والثقافة والمجتمع، الخرطوم: دار اريثيريا

ماحي التيجاني، (2008). الزار والطمبرة في السودان: دراسة اجتماعية، تاريخية، نفسية، وطبية،الخرطوم: المؤسسة السودانية للتراث الطبي

محمد تحريشي، (2009). قراءة انثروبولوجية سيميائية لطبوع موسيقية من بشار. تراث، (17). وهران: منشورات المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.

محمد رواس قلعجي، (1996). معجم لغة الفقهاء. بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع.

محمد صبري، (2015). مظاهر الفرجة في الطقوس الكناوية بالمغرب. التراث المغربي (03). المغرب: منشورات الجمعية الوطنية لجمعيات الملحون والفنون التراثية والصوفية.

ولى الدين عبد الرحمن، (2004). مقدمة ابن خلدون، تحقيق عبد الله محمد الدرويش. دمشق: دار يعرب.

يوسف السيسي، (1981). دعوة إلى الموسيقى. عالم المعرفة، (46). الكويت: منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

Aydoun, A. (2014). La Musique des Gnaoua : les gammes et les rythmes. Anthologie musicale des Gnaoua. Maroc :Yerma.

Becker, C.-J. (2020). Blackness in morocco: gnawa identity through music and visual culture. Minneapolis: University of Minnesota Press.

Belil, R. (2000). Les Zénètes du Gourara, leurs saints et l’ahellil. Oran : CRASC, Insaniyat, (11), 99-108.

Bensignor, F. (2010). Camel Zekri et le diwân de Biskra. Hommes et migrations 1285. Paris : Musée national de l’histoire de l’immigration, 188-194.

Bourdieu, P. (1980). Le sens pratiques. Paris : Editions de Minuit.

Bruyn, A.- j. (1903). Les fontaines des genies :(seba Aioun) croyances soudanaises a Alger. Alger: Typographie A. Jourdan.

Chlyeh, A. (1998). Les Gnawa au Maroc : itinéraires initiatiques, transe et possession. Maroc : Editions La Pensée sauvage.

Dermenghem, E. (1953). Les confréries noires en Algérie
(Diwan de Sidi Belal). Revue Africaine, (97). Société historique algérienne, p. 337-347.

Dubouloz, L. M. (1946). Le Bou-Mergoud, Folklore tunisien. Croyances et coutumes populaires de Sfax et de sa région. Paris : Maisonneuve.

Khayat, S. (2006). La confrérie noire de baba merzoug : la sainteté présumé et la fête de l'équilibre. Insaniyat, (31). Oran : CRASC, 113-134.

Ledent, D. (2012). Claude levis-strauss et les formes symboliques de la musique. L'Homme, (20), 107-120.

Majdouli, Z. (2007). Trajectoires des musiciens Gnawa : approche ethnographique des cérémonies domestiques et des festivals de Musique du monde. Paris : L'Harmattan.

 Majdouli, Z. (2013).Changements de rythme chez les Gnawa du Maroc Le rituel et la scène. Cahiers de Littérature Orale, (73-74), Paris : Inalco.

Mammeri, M. (1984). L'Ahellil Du Gourara. Paris : Maison des Sciences de l’Homme.

Miliani, H. (2000). Fabrication patrimoniale et imaginaires identitaires. Autour des chants et musiques en Algérie. Insaniyat, (12), Oran : CRASC, 53-63.

Moussaoui, A. (2002). Espace et sacré au sahara, Ksour et Oasis du sud-ouest algériens. Paris : CNRS.

Pâques, V. )1964). L’arbre cosmique dans la pensé populaire
et dans la vie quotidienne du Nord-Ouest africain
. Paris : Institut d’Ethnologie.

Pâques, V. (1986). Transe, chamanisme et possession. Paris : Serre.

Pâques, V. (1999). Couleurs et génies au Maghreb. L'univers des Gnaoua. Casablanca : Le Fennec. 

Peillon, C. (2005). Brûler dans les déserts. La pensées de midi, (15), 119-122,

Tremearne, A. J. N. (1914). The Ban of the Bori: Demons and Demon-Dancing in West and North Africa. London : Heath, Cranton & Ouseley.

urne, T .(2022). Hausa Songs in Algeria: sounds of trans-Saharan continuity and rupture, The Journal of North African Studies,27(5),
998-1026.

Turner, T. )2017(. Algerian dīwān of Sīdī Bilāl music, trance, and affect in popular Islam. [PhD Thesis, King's College London].

Yerma Association. (2014). Anthologie musicale des Gnaoua. Maroc: Association Yerma Gnaoua.

(1) Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.

[1] الرَحْبَة "المكان الذي يعقد فيه الديوان، يقال:" نخْلُو الرَحْبة"، أي نفرغ المكان.

[2] من بين الباحثين الذين عالجوا موضوع "السّطمبالي" في تونس؛ المستشرقين
(1914A.J.N.Tremearne, ) و(1946Duboulouz-laffin, ) حيث استعرضا في كتابهما مجموعة من التقاليد والمعتقدات الشعبية في تونس، منها الرقصات والطقوس التي كانت تستخدم في الاستشفاء والعلاج من الأمراض الروحية، وعلاقتها بممارسة "البُوري" بنيجيريا وهي نوع من الطقوس التي تمارس بقصد طلب العلاج والشفاء.

[3] مرسوم إلغاء العبودية في تونس بتاريخ 23 يناير 1846 والجزائر بتاريخ 27 أفريل 1848. والمغرب سنة 1923 أنظر: المجلة الإفريقية سنة 1953 رقم 97، ص. 317. ودراسات
"رحال بوبريك" حول تاريخ العبودية.

[4] تَعَلَمَ  Jan Vansinaاللغات الإفريقية وعاش في عدة قبائل إفريقية، يعتمد في كتابه
 « Oral Tradition »على مجموعة من النصوص الشفهية كالحكايات، الأغاني، والأمثال وأهميتها في إعادة بناء تاريخ إفريقيا.

[5] قام  Alex Haleyبتدوّين قصة جده الأول "كونتاكينتي" التي لاقت رواجًا عالميا وانتشرت انتشارا واسعا. تروي القصة مراحل البحث عن قبيلته الإفريقية، وكيف أنّ التعابير الشعبية الشفهية التي لقّنها لهم جدهم "كونتا كينتي" كانت عاملا من العوامل التي ساعدته في الوصول إلى موطنه الأول ومعرفة أصل قبيلته الإفريقية التي هُجِّروا منها.

 [6]"الأبراجْ" مفرد "البُرْجْ" كلمة يتداولها أهل الديوان ويقصد بها الأغاني التي تصاحب موسيقى الديوان. وهي التي توصل الراقص إلى الجذب، والمتعارف عليه بين أهل الديوان أنه يجب ختم  جميع الأبْرَاجْ أو الأغاني للإنتهاء من طقوس "الديوان". 

[7] "العْرَاشْ": مفرد العَرْشْ والمقصود به عدّة قبائل وفرق أو مداشر. يطلقه أصحاب "الديوان" على القبيلة الإفريقية التي ينتمون إليها.

[8] مقابلات مع مجموعة من "المعلمين" بمنطقة الصويرة بالمغرب شهر أكتوبر 2015.

[9] بَامْبَاَرا، هَاوْسَا، مقزاوَا، الفولاّن، بُوزُو... أسماء قبائل افريقية.

[10] "المقدمْ": نعني به كبير الجماعة وحكيمها، له دراية كبيرة "بالديوان" ومضامينه.

[11] "الهاوسة" « Hausa » : قبيلة متواجدة بجنوب النيجر وشمال نيجيريا، وهي أول قبيلة إفريقية اعتنقت الإسلام. أنظر:َ Hausa ou Haoussa,www.Universalis.fr

 [12]"الأهَليلْ": طابع موسيقي تتميز به منطقة قورارا بتيميمون يجمع بين الأهازيج والرقص والتصفيق يؤدى ليلا، مواضيعه تجمع بين الديني والدنيوي. وقد أدرج الأهليل" بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم إلى قائمة روائع الفن الشفهي غير المادي، سنة 2008 وطابع "الراي" سنة 2022.

[13] يشير الباحث سليم خياط إلى أنّ "سيدي مرزوق" هو أحد عبيد سيدي علي الحاكم الروحي لمدينة نفطة التونسية.

 [14]نشير إلى بعض الندوات والأيام الدراسية التي تطرقت للموضوع منها اليوم الدراسي الذي نظم بمركز الدراسات المغاربي بوهران سنة 2012 والذي شارك فيه مجموعة من الباحثين المهتمين بالموسيقى منهم: سليم خياط والحاج ملياني، وبلخادم سيدي محمد وتمارا ترنر.

[15] "المَعْرُوفْ": ونعني به تقديم الطعام أو صدقة والدعاء ممّن يتوسمون فيه الصلاح لتلبية حاجة ما، وإن زاد عن ذلك يصبح "وعدة" يدعى إليها مجموعة كبيرة من الناس.وعند أهل الديوان يقام المعروف في شكل صدقة بحضور "الديوان" من أجل الشفاء.

[16] "المعلمين" مفرد المْعَّلَمْ" هو رئيس الفرقة ويرافقه بالرقص والغناء جماعةُ "قَرْقَابُو" أو مايسمى باللهجة الهاوسية ب "كُويُو بُونْغُو"، و"الڤْنَادِيزْ" مفردها قندوز وفي الأصل كانت تطلق على التلاميذ الذين يزاولون دراستهم القرآنية في الكتاب وهي كلمة شائعة في المناطق المغاربية ثمّ تطورت لتصبح كلمة تعمّم على تلاميذ شيوخ الغناء.  

[17] "الوعدة": من كلمة وَعَدَ، أخذ على عاتقه شيء ما، وقد تعبر عن مناسبة احتفالية (فلاحية، أو دينيّة، أو اجتماعية) في موعد محدد .

[18] "المْقَدَمْ": يقصد به قائد أو رئيس، ويكون عادة من كبارأهل "الديوان" له دراية كبيرة بممارسة الديوان، مُلِّم بجميع الأغاني الخاصة "بالديوان". يقوم بالتنسيق بين أعضاء الفرقة.

[19] "مْحَلَاتْ": تعني بها المعاجم العربية: منازل القبيلة، مفرد "مْحَلَّة": منزل القبيلة. المكان الذي يحل فيه. وأهل "الديوان" ينقسمون إلى مجموعات أو ما يعرف ب"المحلَّة" وكل مجموعة لها قائدها أو مايسمى بـــــ "المقدَمْ".

[20] مثل طبق "دَغْنُو" المميز في ديوان سيدي بلال المتكون من الأرز + السكر +ماء الزهر".

 [21]"الرَحْبَة": المكان أو الميدان الذي يعقد فيه الديوان، يقال: "نخْلُو الرَحْبة"، أي نفرغ المكان.

[22] "التبْيَاتْ": ويقصد بها التحضيرات اللازمة للثور ليلة قبل ذبحه.

[23]"قَرْقَابُو" أو "القراقب" صفائح حديدية مزدوجة تصدر أصواتا قوية متناسقة.

 [24]"الفَاسُوخْ": هو نبات بري متواجد في المنطقة المغاربية يستعمل للتبخير من أجل فك أو فسخ السحر ولهذا سمي بالفاسوخ أمّا "الجَاوِي": هو حجر عطري وصمغي يتميز برائحة قوية  يستعمل أيضا للتبخير، وسمي بالجاوي نسبة إلى جزيرة جاوة الأندونيسية.

[25] "مْلُوكْ" مفرد "ملك" تشير الكلمة عند أهل "الديوان" إلى الأرواح والكائنات الخارقة التي تصل بالراقصين إلى مرحلة الحال،الجذبة أو .Transe أنظر .Viviana Pâques, (1986) :

[26] "الحال" أو"الجَذْبْ":transe »   «حالة من الإغماء تصيب الراقص.

 [27]تمت دعوتنا إلى معروف السيدة هوارية بالكرمة (وهران) يوم 28 ماي 2015 من طرف "جمعية أهل "الديوان" بوهران".

[28] "الحضرة": هي السماع الصوفي والذكر في شكل حلقة يؤدون فيها حركات متناسقة برؤوسهم وأجسادهم، وتقام في مناسبات دينية، تختلف من طريقة إلى الأخرى. وعند أهل "الديوان" هي الحلقة التي يجتمعون فيها ويقومون بطقوسهم من رقص وجذب وغناء. أنظر: عبد الرحمن بدوي، (2008). تاريخ التصوف الإسلامي، وأيضا محمد همام، (2019) الحضرة الصوفية في الإسلام، دراسة أنثروبولوجية.

[29] "الهيْدُورة": هي فروة الخروف، تغسل وتجفف ثم يوضع عليها الملح والشب وتترك لتجف جيدا ثم تحك وتصبح سجاد يستعمل للجلوس فوقه.

[30] توجد ممارسات علاجية مماثلة في أمريكا الجنوبية والشمالية وبعض دول العالم تسمى
بــ" الشامانية": انظر   . Audrey Butt (1962)

 [31]أًقَامَا: نعني بها بقايا الشاي.  

 [32]مقابلة مع "معلم هشام دردابي" جوان 2017 بمنطقة آسفي بالمغرب عازف على آلة "الڤنبري".

 [33]بَابَا بلالي": يقصد به بلال بن رباح الأب الروحي لأهل "الديوان".

[34] البُولاَلات: أو السُوط وهو شريط يصنع من الجلد، يستعمل كأداة للضرب أثناء الرقص.

[35] "الڤمبري":Guembri  الآلة الرئيسية في موسيقى" الديوان".

[36] "الوَدَع": وهي أصداف تستعمل لتزيين الملابس والقبعات أو "الطرابيش" التي يستعملها أهل "ڤناوا"

[37] "ڤانڤا"Ganga  طبل كبير.

[38] بعض الروايات الشفهيّة ممّن التقيناهم خلال جولاتنا الميدانية تذكر أنّ شكل الڤنبري المغربي يختلف عن الجزائري، فالأول شكله بيضوي يشبه القارب، أمّا الجزائري مستطيل، مبررين ذلك بأنّ ڤناوا المغرب دخلوا عبر البحر أمّا ڤناوا الجزائر دخلو عبر البر. كما يذكر بعضهم أنّ آلة "القارقابو"شكلها مستوحى من الأصفاد أو الأغلال Menottes التي كبّل بها العبيد أثناء الترحيل القصري من أوطانهم.

[39]مقابلة مع نجيب السوداني ابن المعلم محجوب السوداني من الصويرة أكتوبر 2015.

 [40]لهجات افريقية قديمة تُستخدم في أجزاء من موسيقى "الديوان" مثل بامبارا، زيرما، هاوسا، فُول، وغيرها. أنظر تامارا تارنر) 2022):

Hausa Songs in Algeria: sounds of trans-Saharan continuity and rupture.

 Randy Weston [41]عازف بيانو وملحن،أصدر أكثر من أربعين ألبوما،حاصل على العديد من الجوائز بما في ذلك وسام الفنون والآداب الفرنسي.

 [42]مقابلة مع "عبد السلام عليكان"، المدير الفني للطبعة التاسعة عشر، وأحد مؤسسي مهرجان الصويرة، أكتوبر 2015.

[43] توفي في مرحلة إنجازنا لهذا المقال الكثير من أعمدة "الديوان"، والذين كانت لنا معهم  لقاءات عديدة أمثال: مقدم إبراهيم برزوق من منطقة بشار، )توفي سنة2022 عن عمر ناهز 89 سنة(، محمد بحاز من منطقة البليدة )توفي سنة 2023 عن عمر 81 سنة(، أحمد لخضر حشاني المدعو محمد الهادي من قسنطينة )توفي سنة 2022 عن عمر 67 سنة(. أمّا حسنى البشارية فتوفيت في ماي 2024 عن عمر ناهز 74 عاما.

Cite this article

SENOUCI, S. (2024). موسيقى "الدِيوَانْ" في الجزائر، من الحاجة إلى الفّن. Insaniyat - Algerian Journal of Anthropology and Social Sciences, 28(106), 119–121. https://insaniyat.crasc.dz/en/article/mwsyqa-aldywan-fy-aljzayr-mn-alhaja-ila-alfn