تقديم


إنسانيات عدد 97،جويلية–سبتمبر 2022، ص. 7-12

 

تندرج الطوبونيميا التي تخصُّ الجزائر، وتلك المرتبطة بالأفراد وتاريخ تمركزهم بالنّظر إلى الحالة المدنية والأنثروبونيميا والإثنونيميا، في إطار إدراك أفعال اللغة وثقافة المجتمع، وهذا من أجل معرفة الفضاء من خلال تحديد الموقع الجغرافي، وضبط البيانات المتعلقة بالأقاليم وتسميتها.

تمت إضافة مجالات أخرى إلى أبرز مجالات علم الأسماء، مثل دراسة أسماء العلم المنسوبة إلى المنتجات الصناعية والتجارية متمثّلة في أسماء العلامات التجارية، اللافتات الحضرية، المواقع الالكترونية الوطنية والدولية، مثل عناوين الإنترنت كما هو الحال بالنسبة إلى التسمية الإلكترونية أو الرقمية. ونظرا للاستخدام الكبير لوسائل الاتصال الحديثة، أصبحت الأنظمة التسموية تتبنى بكثرة الإبداعات التسموية المستوحاة من المخيال السياسي والموسيقي والرياضي والأدبي والفني.

إن إسناد اسم مناسب هو بالتأكيد فعل ناجم عن الحرية الفردية و/أو الجماعية التي تعتمد على مستويات مختلفة جدا منها: الرمزية الدينية والصوفية، المستوى السياسي والجمعوي وكذلك التراث الثقافي بنوعيه المادي واللامادي وحتى الافتراضي منه. ويتطلب اعتماد الاسم سواء بطريقة رسمية أو غير رسمية، خطوات مؤسسية وطنية متكاملة، تكمُن في مجال الاتصال الاجتماعي (الحقيقي أو الافتراضي)، وتسجيله رسميا، فضلا عن إحصائه أو تغييره، وتدوينه القانوني، وخطّه كتابيا. ولهذا الغرض، يتعلق إسناد الاسم بتحديد هوية الشخص بطريقة سريعة ومضمونة، بالإضافة إلى التعرّف بسرعة على الأماكن والمؤسسات والمباني أو المنتوجات والعقارات من أسمائها.

قد لا نبالغ في قولنا بأنّ النظام التسموي الجزائري لا يزال متأثّرا بالعلاقات الوثيقة مع سرديات التاريخ الوطني، سواء تعلّق ذلك بتسمية فضاء مادي أو رمزي أو شعوب أو أشخاص أو إبداعات أدبية أو فضاءات افتراضية. وفي هذا الصّدد، يظلّ الأنوماستيك من أكثر الشواهد أصالة فيما يتعلق بإعادة التموضع الاجتماعي والثقافي والسياسي. ويجب الاعتراف بشكل عام بأن أحد البديهيات الواردة في نتائج بحث الفرق العلمية المختصّة في الأنوماستيك، هي أنّ اسم العلم يتميز بثباته البنيوي والدلالي، على الرغم من أنه يخضع لكلّ التغييرات الصوتية والفونولوجية والمعجمية وغيرها وهذا على غرار اللغة والخطاب.

وأبعد ما يكون عن تنوع اللهجات الوطنية والاختلافات الإقليمية والمجالات الدلالية والفئات الأساسية، هناك مخيال أنوماستيكي محلي جزائري من صنيع الفرد والجماعة، والتاريخ وممارساته، وهو قادر على تفسير مختلف الاجراءات الآنية والمستقبلية للتوثيق الهوياتي والتعريفي.

يؤكّد في هذا السّياق فوضيل شريڤان أن نمطا من التساؤلات العرضية حول "الدوافع العميقة الكامنة للعلماء المعاصرين الجزائريين وحتى المغاربيين" يلخصه السؤال: "من أنا في علاقة التلقيب/ تسمية هذا الإقليم أو ذاك و / أو الإقليم الفرعي الذي يحدده هذا الاسم أو ذاك؟"( شريڤان، 2005، ص. 8).

يرتكز هذا الترتيب التعاقبي بشكل متزايد على المجالات الجديدة للأنوماستيك الجزائري والتي تتعلّق بالمقاربات التاريخيّة (اللسانيات الاجتماعية، البراغماتية، السيميولوجية، المعرفية...)، فمنذ سنوات تمّ تبنّي أشكال تعبيرية أنوماستيكية جديدة نتيجة استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال المنبثقة من الإنتاجات العلمية من جهة، أو بسبب الاختلافات الشعبية التي تدخل ضمن التواصل الاجتماعي الحالي أو المتخصص من جهة أخرى. تُشرك هذه الاستخدامات ديناميات متغيرة  تحاكي أجيالا مختلفة ذات صلة باللغات في أنماط كتابتها وتعبيرها الأيقوني، واستراتيجياتها الشفهية، وكذا في عمليات رسم الحروف.

"تقلب" التعابير اللغوية والفنية للشباب، من خلال منشوراتهم وإبداعاتهم الفنية المعاصرة، معايير الكتابة وأساليب النقل الخطي من لغة إلى أخرى في السياق اللغوي نفسه، بالإضافة إلى تعدد اللغات والاتصال الدائم بينها، مُغيّرةً التعابير اللغويّة الشبابية والشكل الأنوماستيكي الخاصّ بالإبداع المعجمي والخطابي، والممارسات الكتابية و/ أو اللفظية في مواقف الاتصال الرسمية وغير الرسمية.

تُضفي التفاعلات اللفظية حول تسمية مختلف الرسائل -المتعلّقة بالأجهزة والأدوات والمكونات والبرامج اللازمة للتعامل مع التقنيات الجديدة في مختلف المجالات الأنوماستيكية (التجارية والسياسية والرقمية ...)- بُعدًا تجريبيا في طرق التعامل من أجل فهم أنظمة التسمية وإعادة / التسمية الحالية.

تسمح أساليب البناء/الإبداع بتحديد الدوافع الثقافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والسردية والفنية والجمالية، وهذا من الناحية الدلالية والرسمية لهذا المخزون من أسماء العلم (أسماء الأشخاص والأماكن، عناوين الأغاني والروايات والأحداث...)، وفي الشعارات والتظاهرات السياسية والأحداث الاجتماعية والكتابات الروائية والنكت والحكايات وغيرها ممّا يحدث على المستوى الوطني أو الجالية.

ومن المؤكد أن الأنوماستيك يشدّ اهتمام المؤرخين واللغويين والجغرافيين، غير أنّ تأثيره يكون في المقام الأول عند خضوعه لضرورات التسيير العمومي. ولهذا أَوْلَت مجلّة إنسانيات في هذا العدد أهميّة إلى مواضيع ومستويات تحليلية متعدّدة وقضايا مختلفة، نظرا لديمومة ظواهر التسمية (إسناد اسم العلم عبر التاريخ)، وشساعة الوطن وتنوع الإنتاج الثقافي النابع من المخيال المحلي وإعادة التموقع الجيوسياسي والسوسيو- تاريخي والثقافي.  

يُسهم هذا العدد من مجلّة إنسانيات في الكشف عن النظام الوطني للتسميّة وفق السياق الكلامي والتعدّديّة اللسانية، كما يُثري النقاشات حول المؤشّرات النظرية التي تخدم على وجه الخصوص تطور علوم اللغة وعلوم الإعلام الآلي وعلوم المعرفة وعلوم الإقليم. وتُناقش مقالات هذا العدد الفعل الأنوماستيكي في عمومياته، وجزئياته، وتاريخه من حيث إسناد اسم العلم، وتركيبه الصوتي والدلالي والسوسيو- لغوي. إضافة إلى ذلك، تحلّل الإسهامات الأخرى ديناميات التغيير (الإبداع)، وإعادة تداوله اللهجي. ويكمن الهدف من وراء هذا في الوقوف على منظومات التسمية والتعبير عنها في الجزائر ماضيا وحاضرا.

يعْكسُ التساؤل عن أسماء العلم أيضا، باعتبارها منتوجا تاريخيا، المورفولوجيا الثقافية واللغوية والخطابية للممارسات المعيشة على مدى قرن من الزمن. كما يفتح المجال لعرض الثوابت التي تُشكّلها، وتحديد أهم متغيراتها، ومقاربة تمثّلاتها الأنوماستيكيّة العقلية ذات الصّلة بالاستمرارية والانقطاعات الزمكانية. 

 تُخصّص مواضيع الجزء الأوّل للقضايا المتعلقة بالأرض وتملّكها الذاتي والفردي والجماعي من خلال تسمية الفضاءات والأماكن: "الطوبونيميا".

بداية، يعالج كريم ولد النبية المعنى الذي يحمله اسم تسالة ، الذي يمثّل اسم جبل أسطوري يقع بمنطقة سيدي بلعباس، والذي حافظ على تسميته منذ العهد الروماني ولربما قبل ذلك بوقت طويل، وفق إشكالية طوبونيمية مرتبطة بإعادة كتابة التاريخ من خلال اسم العلم لهذا المكان والإقليم. وفي سياق مماثل، تقدّم هدى جباس قراءة إثنوغرافية لطوبونيمات مدينة قسنطينة، التي أرفقتها بأسماء الأماكن ذات الشُّحْنات والدّلالات الرمزيّة (المغارات، الجسور، الدّروب...). وهي تُمثّل ما يمكن اعتباره شواهد موثّقة للأحداث التي ميّزت تاريخ المدينة.

وفي هذا الصّدد نفسه، تصف كلّ من ليندة زغبة وريمة ابن خليل، طوبونيميا مدينة المسيلة القديمة من منظور تاريخي ولغوي، وتستعرضان عناصرها السياقية في الإنتاج/إعادة الانتاج الأنوماستيكي المحلي، سواء من ناحية الشكل اللغوي المستخدم أو البناء النموذجي للهوية الجماعية.

وعلى نقيض المقاربة التعاقبية، تقترح هاجر مربوح دراسة لسانية تزامنية، في الوسط الحضري لمدينتي سيدي بلعباس وعين تموشنت. وتستهدف من خلالها تحليل الممارسة الطوبونيمية المعاصرة للتسميات غير الرسمية المتعارضة مع المحاضر الرسمية، التي تمّ فرض تداولها من طرف السّاكنة.

يقدّم مقال نصيرة ساحير ووردية يرمش حصيلة المعارف في المصادر الأنوماستيكية الليبية-البربرية، والأدبية المدوّنة في العصور القديمة والوسيطة، والأثرية المنقوشة (النقوش الليبية -البربرية والهيروغليفية والبونيقية والبونيقية الجديدة واللاتينية)، التي شملت العصور القديمة والوسطى، كما تسلّط الضّوء على الأبحاث الحديثة المدوّنة في القواميس والمعاجم المتخصّصة في اسم العلم.

يستحضر فوضيل شريڤان، في المقابلة التي أُجريت معه، إحدى الخصائص الهامّة لدراسة الأنوماستيك المحلي، عارضا بذلك أغراض اللسانيات التاريخية، واللهجيّة، ومكانة مفردات أسماء الأماكن التي بإمكانها تعويض نقص أو انعدام الوثائق المكتوبة.

وغالبا ما تستند نتائج الأبحاث المتعلقة بالدراسات اللغوية، التي وردت في العددين الذين تمّ تخصيصهما لهذا الموضوع، على مقاربات ميدانية، مع اتباع مناهج المقارنة بين اللغات المعنيّة، على المستوى التاريخي والتزامني بالإضافة إلى مقاربات أخرى تتوافق واستراتيجيات الفاعلين وتطور المحتويات والأساليب التقنية والتكنولوجية التي تدعمها. 

وفي الأخير، يُمكن القول بأنّ إشكالات توحيد المصطلح الطوبونيمي على الصّعيد العالمي أو المحلي تفتح المجال لمزيد من الأبحاث، بهدف التعرُّف على نظام التسمية الجزائري الذي يتمّ توارثه كما هو أو يُمكن تطويره في المستقبل والذي يُدرس منعزلا عن بيئته الجغرافية و/أو يتفاعل معها، حتّى لو تعدّدت أصوله اللغوية وفئاته الأنوماستيكيّة.

وردية يرمش وفريد بن رمضان

ترجمة فاطمة الزهراء هبري

بيبليوغرافيا

Akin, S. (1999). Noms et re-noms. La dénomination des personnes, des langues et des territoires. Rouen : Publications de l’Université de Rouen.

Benramdane, F. (dir.), (2005). Des noms et des…noms : état civil et anthroponymie en Algérie. Oran : CRASC.

Benramdane, F., Atoui, B. (2005). Toponymie et anthroponymie de l’Algérie. Recueil bibliographique général. Oran : CRASC.

Benramdane, F., Yermeche, O. (2013). Symbolisme, nom propre et oralité. Le cas de l'Algérie. Dans Le nom propre a-t-il un sens ? Actes du Colloque d’onomastique d’Aix-en-Provence (juin 2010). Actes des colloques de la Société française d'onomastique15. Langues et Langage.

Bourdache, A. (2019). Identité pseudonyme. Discours, Langue et Société. https://bit.ly/3FbRzgg

Cheriguen, F. (2005). Préface. Dans F. Benramdane., B. Atoui (dir.), Toponymie et anthroponymie de l’Algérie. Recueil bibliographique général, Oran : CRASC.

Cheriguen, F. (2012). Dictionnaire d'hydronymie générale de l'Afrique du Nord (Algérie, Maroc, Tunisie). Editions Achab.

Cheriguen, F. (2020). Dictionnaire de toponymie algérienne des lieux habités. Editions HCA/ANEP.

Haddadou, M.-A. (2004). Recueil des prénoms berbères. Alger : HCA. 

Haddadou, M.-A. (2006-2007). Dictionnaire des racines berbères communes. Alger : HCA.

Haddadou, M.-A. (2012). Dictionnaire toponymique et historique de l'Algérie. Tizi Ouzou : Achab.

Sadat-Yermeche, O. (2008). Les anthroponymes algériens : étude morphologique, lexico-sémantique et sociolinguistique. [Thèse de doctorat, Université de Mostaganem].

Yermeche, O. (2005). Etat civil et anthroponymie en Algérie : Typologie des patronymes à base toponymique. Nomination et dénomination en Algérie. Des noms de lieux, de tribus et de personnes en Algérie. Oran : CRASC. 

Yermeche, O. (2005). La patronymie algérienne : essai de catégorisation sémantique. Nomination et dénomination. Des noms de lieux, de tribus et de personnes en Algérie. Oran : CRASC.

Yermeche, O. (2009). L’état civil algérien. Dans Dictionnaire l’Algérie et la France.

Yermeche, O. (2010). L’onomastique et la poétique de l’errance dans la poésie mohandienne. Dans B. Djefel., B. Saïm. Écrire en temps de détresse : le roman maghrébin francophone. Recherches et travaux, 76.Université Stendhal.

Yermeche, O. (2013). L’anthroponymie algérienne entre ruptures et continuité. Dans O. Yermeche., F. Benramdane. Le nom propre maghrébin de l’homme, de l’habitat, du relief et de l’eau. Oran : CRASC.

Yermeche, O. (2018). Les dénominations de lieux en Algérie : entre toponymie coloniale, toponymie(s) officielle(s) et toponymie(s) spontanée(s). Etudes et documents berbères, (1-2), 39-40.

Yermeche, O. (2002). Le sobriquet algérien : une pratique langagière et sociale, Insaniyat,  17-18. Oran : CRASC.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran

95 06 62 41 213+
03 07 62 41 213+
05 07 62 41 213+
11 07 62 41 213+

98 06 62 41 213+
04 07 62 41 213+

Recherche