إنسانيات عدد مزدوج 69-70 |2015| الهجرات رُؤى من الجنوب | ص 105-107| النص الكامل
يتمحور موضوع الكتاب حول ظاهرة الهجرة غير الشرعية وسبل مواجهتها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وقد ساهم فيه العديد من الباحثين في مجال علم الاجتماع، القانون، الديمغرافيا والشريعة الإسلامية. هذه المساهمات المتنوعة توزعت على المحاور التالية:
- مفاهيم نظرية حول الهجرة غير الشرعية.
- الآثار والتحديات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية.
- الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدولية للحد من هذه الظاهرة.
- السياسات والبرامج التي اتخذتها الدولة لمواجهتها.
فمن الناحية النظرية، عُرفت الهجرة على أنها حركة انتقال فردي أو جماعي من موقع لآخر على مستويين: داخلي، أي هجرة داخلية لا تتجاوز حدود الدولة، وخارجي ويعنى بها الانتقال إلى موطن آخر بتجاوز الحدود وهذا بالخضوع لقوانين دولية معروفة. أما إذا تمّ اختراق القانون فتصنّف ضمن الهجرات غير الشرعية.
لقد أصبحت الهجرة غير الشرعية موضوع اهتمام كبير للمجتمع الدولي باعتبارها من القضايا الشائكة سواء بالنسبة للدول التي تعتبر مصدّرا للمهاجرين، أو الدول التي تعتبر محطة انتقالية، أو الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين. ولعل منطقة البحر المتوسط منطقة نموذجية لملاحظة هذه الظاهرة إذ تعد نقطة عبور من شمال إفريقيا ودول الساحل نحو أوروبا. ففي البلدان المغاربية تعود جذورالهجرة إلى الحرب العالمية الأولى حيث أدّى توافد المغاربة نحو أوروبا إلى إعادة تشغيل المصانع المشلولة وكذا الانضمام للجيش. وتطورت عبر فترات تاريخية لتتأزم الأوضاع بأوروبا اليوم وتشكل بذلك أزمة المهاجرين غير الشرعيين، إذ لا بدّ من مواجهتها والحد من هذا التدفق، وبالمقابل ستظل الهجرة غير الشرعية من البلدان الشرقية نحو أوروبا بسيطة مقارنة بنظيرتها المغاربية على الرغم من وجود الدوافع نفسها .
فمن وجهة نظر الدول الأوربية المستقبلة، تعد هذه الهجرة خطرا على القيم الثقافية والهوية الغربية ممّا صعّد من مظاهر العنصرية، خاصة ما يتعلق بالجاليات المسلمة بعد 11 سبتمبر 2001.
أرجع المساهمون في هذا الكتاب أسباب الهجرة غير الشرعية إلى عدة عوامل: منها العامل السياسي كانعدام الاستقرار الناجم عن الحروب الأهلية والنزاعات وانتهاكات حقوق الانسان بسبب الانتماء العرقي، الديني والسياسي. أما العامل الاجتماعي، فيتمثل في مجالين مختلفين، ديمغرافيا أحدهما يعرف زيادة سكانية تصل إلى حد العجز عن تلبية الطلب الوطني كالشغل، السكن، الخدمات الاجتماعية، ومشاكل أخرى كالبطالة. ومن جهة أخرى الصورة الحسنة (التي يشكلها الأوائل الذين هاجروا إلى أوروبا واستقروا بها ثم عادوا بصورة أخرى للمجتمع الأصلي) والتي أوهمت فئة كبيرة من الشباب في التفكير في الهجرة بأية وسيلة. أما العامل الاقتصادي، خاصة لدول الساحل الإفريقي مثلا، فيرجع إلى تدهور اقتصاداتها، بالرغم من امتلاك بعضها لثروات طبيعية هائلة، وركود إنتاجها الصناعي مما أدّى إلى انتشار الفقر والبطالة إضافة لزيادة النمو الديمغرافي وتدهور المستوى الصحّي والتعليمي.
كما أن عدة سياسات انتهجت للتصدي لهذه الظاهرة نظرا لما تحمله من آثار سلبية على البلد الأصلي والبلد المهاجر إليه معا. فعلى الصعيد الأوروبي تم عقد ندوات ومؤتمرات من طرف الاتحاد الأوروبي وتم اتخاذ إجراءات وقائية كتقديم مساعدات مالية على مدى خمس سنوات لفائدة الدول التي تلتزم بالتعاون والتفاوض حول اتفاقيات لاستقبال مهاجرين سرّيين، وهي توجهات تدل على المسارات التي أخذها موضوع السياسة الأوروبية لمكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة تهريب البشر. أما الإجراءات العقابية فتتمثل في مجموعة من السياسات والقوانين التي تهدف إلى تعقيد إجراءات اندماج الأجانب والإقامة لفترات أطول في مراكز الترحيل للمهاجرين غير القانونيين، كرفع تكاليف تصريح الاقامة والجنسية، ضف إلى ذلك معاقبة كل من يساهم في نقل وإيواء أو تشغيل أي مهاجر غير شرعي، وأيضا تجريم الهجرة غير الشرعية، رغم معارضة منظمات حقوق الانسان لهذا الإجراء، مع تشديد المراقبة على الحدود البرية والشواطئ والموانئ.
من خلال هذه المساهمات نكتشف كيف أن السياسة الأوربية لمواجهة الهجرة غير الشرعية تراوحت بين اتجاه وقائي واتجاه ردعي، ولكن الهدف المشترك هو حماية "الأمن" و"الهوية" الأوربيين، مما يجعلنا نتساءل عن هدف "السياسة الإفريقية" في هذا المجال وعن الوسائل المستعملة، وقد يكون هذا موضوعا لكتاب آخر يحلل الظاهرة من وجهة نظر بلدان جنوب البحر المتوسط.
مريم لمـام