New consumation pratices in Maghreb society during colonisation "Tea and Takrouri" in a Tunisian town Abstract: This histo-anthropological study is interested in an aspect of daily life in Maghrebin societies during the colonial period, and it concerns consummation. We chose two products for our study (in two parts) Tea and Takrouri, in order to analyse cultural and social changes in colonial Tunisian society. Studying the consummation of these two products allows a look at a consummation mode determined by material, environment and human productivity, it really reflects social cultural and intellectual evolution of all social categories. It expresses social culture in one way or another. Key words : Daily life history – Consummation culture – Anthropological Historicity – Social structure – Mentalities and collective memory history. |
Abdelwahed EL MOKNI : Département d'histoire, Faculté des Lettres et des Sciences Humaines de Sfax, Tunise.
مقـدمة
إن الاهتمام بتاريخ المستهلكات الحديثة في المجتمعات المغاربية عامة (و في المجتمع التونسي تخصيصا) في الفترة الاستعمارية ليس أمرا جديدا، فقد اهتم بالظاهرة في أبانها أهل الاختصاص من اتنوغرافيين و إحصائيين و أطباء وصحيين فسلطوا عليها نظرتهم الخاصة و أدلوا باستنتاجاتهم في إطار المنظومة الاستعمارية ووجدوا أحيانا من يناقضهم الرأي و يخالفهم الاستنتاجات من بعض المثقفين والمختصين الوطنيين.
و الزاوية التي نطرح وفقها هذا الموضوع هي الزاوية التاريخية الانتروبولوجية فننطلق من مسلمة مفادها إن السلوك الاستهلاكي يتحدد وفق المحيط المادي والإنتاجي للبشر لكنه في الآن نفسه يمثل انعكاسا حقيقيا لحالات التطور الاجتماعي و الثقافي و الفكري لدى الشرائح الاجتماعية فثقافة الاستهلاك هي تعبير مصغر لثقافة المجتمع.
إن دراستنا لهذين الأنموذجين تهدف إلى البحث عن الدلالات الاجتماعية والثقافية للظواهر الاستهلاكية الجديدة فالمعروف أن البلدان المستعمرة والمتخلفة تقنيا عرفت خلال النصف الثاني من القرن 19 و النصف الأول من القرن 20 أنماطا استهلاكية "جديدة" و "سلبية" في إطار التقسيم العالمي للعمل والمبادلات الذي فرضته المنظومة الإمبريالية و احتكاراتها العالمية آنذاك.
و قد كانت البلاد التونسية زمن الاستعمار الفرنسي (1881-1956) وحتى قبيله من ضمن الأقطار التي "انفتحت" على ظواهر استهلاكية جديدة في مستوى الملبس (اللباس الإفرنجي) و المركوب (السيارة، الدراجة...) المأكل والترفيه [1] فمنذ مطلع القرن العشرين ظهرت مستهلكات "وافدة" و جديدة كالشاي والشكلاطة ومعلبات المصبرات الغذائية و المشروبات الغازية و بالموازاة مع ذلك اتسع انتشار مستهلكات [2] كانت موجودة قبل هذا التاريخ لكن انتشارها كان محدودا ومقصورا على بعض الفئات و الفضاءات من ذلك التكروري (نوع من المخدرات الخفيفة) والدخان و الخمر [3] و القهوة و لعب الورق وألعاب الحظ…
إن المتأمل في تاريخ تطور المستهلكات بالبلاد التونسية المعاصرة يمكنه الوقوف على مدى الإقبال الواسع و الشعبي منذ أول القرن و خاصة في فترة ما بين الحربين على هذه المواد الاستهلاكية الغذائية و " الروحية الترفيهية "و قد لفت انتباهنا الانتشار الواسع و الشعبي لمادة الشاي و كذلك و بدرجة أقل" التكروري" و هما الأنموذجان اللذان نخص بهما هذه الدراسة، فالأول (الشاي) كان من صنف المستهلكات المنتشرة جدا في صفوف الجنسين (ذكورا و إناثا) و عند أغلب الفئات كما لم يواجه جدل التحريم أو التحليل، أما الثاني (التكروري) فهو استهلاك ذكوري بحت وانجذب إلى استهلاكه الشبان و الكهول وكان تحت طائلة جدل التجريم و قد شكّل بدوره مثل الشاي ظاهرة استهلاكية أثارت جدلا و فضولا و انتشارا.
ويطرحٌ التساؤل حول مدى مشروعية الجمع بين هاتين المادتين (أي الشاي والتكروري) فحسب، ما مسوغ ذلك ؟؟ و لماذا لم تشمل الدراسة مواد استهلاكية أخرى كالسكر و الخمر و المصبرات و المعلبات و الشكلاطة و القهوة [4]، إن المبرر لهذا الاختيار هو ذلك التزامن بين المادتين في الانتشار خصوصا بين الحربين فقد شكّل الشاي كما التكروري ظاهرة استهلاكية و اجتماعية في أقطار المغرب و لقد اتسعت القاعدة العددية لمستهلكي المادتين مقارنة ببقية المواد الأخرى. و لا يمكن أن ننكر أن بعض المستهلكات و خاصة الروحية منها كانت موجودة قبل العهد الاستعماري بنسق محدود و محتشم و تزايد استهلاكها في الفترة الاستعمارية لكنها حظيت بالاهتمام و هو ما جعلنا ننتخب في هذا العمل نموذج الشاي والتكروري، فالمادتان متزامنتان في الظهور و الانتشار.
و المزمع في هذا البحث هو التساؤل عن جذور هذه المستهلكات و كيفية دخولها في ثقافة التونسي وما مدى تأثيرها في السكان وما هو تقديرها الكمي ثم كيف نقيمها نوعيا هل هي ظواهر انفتاح أم انحلال و تعصير أم تبعية هل ساهمت في تغيير الأذواق و تحديث الذهنيات وانفتاح الداخل على الخارج والريف على المدينة،هل هي مجرد مواد ترفيه أم وسائل تخدير ثم كيف تفاعلت معها الإدارة الاستعمارية وطابورها الإعلامي و الطبي وكيف كان رد فعل النخب الوطنية التونسية تجاهها ؟؟؟
I. استهلاك الشــاي بالبلاد التونسية: الدلالات الاجتماعية والثقافية
1. في جذور الشاي بالبلاد التونسية
الشاي هو مشروب وافد على البلاد التونسية في الفترة الحديثة وهو في تعريفه المبسط نبات موجود بالنطاقات المدارية و شبه المدارية منذ القدم و انتشر استهلاكه في العالم في العصر الماركنتيلي بفضل التجار الإنجليز أمّا تعريفه المدقق فهو شراب استعماري مثله مثل القهوة أو الشكلاطة [5] أما تعريفه العلمي فهو مشروب مستخرج من نبتة الشاي المعروفة باللاتينية بـ « Thea sinensis » فهو "شراب مستخرج من أشجار الشاي يحضّر بصب ماء ساخن على أوراق شاي مجففة… و هو من أكثر المشروبات المنعشة أهمية وقد كان يستهلك عند الصينيين القدامى منذ القرن الرابع ميلاديا و حتى قبل، ثم انتشر في اليابان منذ القرن السادس م، و قد دخل أوروبا لأول مرة سنة 1610 و قد جلبه التجار الهولنديون. و بداية من النصف الثاني من القرن 17م انتشر في إنجلترا و أصبح يباع في المقاهي و يستهلك في المنازل إلى درجة أنه اصبح مشروبا وطنيا وقد ساهم الإنجليز في نشر استهلاكه في باقي أصقاع العالم و الشاي نوعان أخضر واسود…" [6] و لمادة الشاي في الاستعمال التونسي عدة تسميات فهو "الشاي" في لغة الكتابة الرسمية سواء الإدارية أم الصحفية و هي التسمية الرسمية الرائجة في البلاد العربية آنذاك و خاصة في بلاد مصر و المشرق التي عرفت استهلاكه قبل تونس، أمّا في الاستعمال العامّي الرائج عند التونسيين فيسمّى "التّاي" وقد يكون ذلك تعريبا مباشرا لنطقه الإفرنجي عند مورديه و المتاجرين به في العالم وفي تونس سواء من الفرنسيين « thé » أم الإنجليز « tea »، كما ينطق عند العامة التونسية في بعض الجهات الداخلية بـ "التاهي" و أيضا "الشاهي" تأثرا بالاستعمال الرائج عند أهل طرابلس و عند المهاجرين الليبيين المنتشرين بأنحاء البلاد التونسية.
إن تعدد الاستعمالات و التسميات تدل على حداثة انتشار تلك المادة بالبلاد وهو ما يقودنا إلى التساؤل عن زمن دخول الشاي وجذوره كمادة استهلاكية بالبلاد ؟؟
لقد طرح هذا السؤال عندما عمّ انتشار استهلاك الشاي في البلاد التونسية في مطلع العشرينات و قد أجمعت الإجابات و اتفقت على أن نشر شربه عند عامة الفئات الشعبية كان بواسطة المهاجرين الليبيين أو أهل طرابلس كما كانوا يسمونهم في تونس وكان ذلك بداية من سنة 1911 أي إبان الغزو الإيطالي لليبيا ووفود فلول الهجرات الجماعية التي توزعت على مختلف جهات البلاد، يؤكد كل من عبد الرحمان قيقة و جون مانيان(MAGNIN- J) في بحث حول انعكاسات آفة الشاي بتونس من منظور شعبي " إن تاريخه حديث جدا : عندما جلبه المهاجرون الطرابلسيون بسبب الحرب الإيطالية التركية لسنة 1911-1912 وقد وجدوا هذه البلاد غريبة عن هذه العادة المتجذرة عندهم …" [7] وقد قامت السلط الإدارية "التونسية" أو الدوائر الصحية و من ورائهما الإدارة الاستعمارية الفرنسية بمحاولات استبيان و بحث عن جذور استهلاك الشاي بالبلاد فكان الإجماع في مختلف التقارير على دور المهاجرين الطرابلسيين في نشره و تعميم استعماله عند التونسيين فهذا محمد الصالح دبيش عامل أولاد عون يؤكد مثل
أغلب زملائه من قياد الجهات الداخلية على أن انتشار شرب الشاي " كان بعد عام 1911 اثر قدوم الكثير من أهالي طرابلس للايالة" [8] وقد أدلى الأطباء ورجال الصحة بدلاهم في الموضوع إذ اعتبر ادموند سرجان (SERGENT- E) "أن أهل طرابلس هم الذين عمموا استهلاك الشاي الأسود بتونس" [9] و نعت طريقة إعداده بالطرابلسية à la tripolitaine » .«
و تدعم الأغاني و الأمثال الشعبية هذا الرأي فالشاي حسب ما أورده قيقة ومانيان من خلال المتواتر الشعبي " خلى طرابلس و كمّل تونس" ونجد في إحدى الأهزوجات ما يلي :
" أصل التاي حشيشة مرة و الحكمة في ماه ** تقلدنا وسلّم في برّه وين تمشي تلقاه
أصل الشاي ما كــانش عـادة تقلدنا ** وسلّم في بلاده وين تمشي تلقاه" [10]
لا مراء إذا في أجنبية هذه المادة عن البلاد و الإجماع على أن الليبيين هم الذين نشروها بتونس بعد 1911 لا يريحنا من عناء الإجابة عن ملابسات ظهورها بتونس لأول مرة ؟؟
لا تجيبنا المصادر (المصنفات أو الرحالة أو الأرشيفات الإدارية و الجبائية التونسية) عن هذا السؤال بدقة فالواضح أن استهلاك الدخان و التكروري والقهوة راج في البلاد منذ القرن 17 و خاصة عند الفئات التركية الحاكمة أما الشاي كمشروب منعش و ترفيهي فقد وجد في أواسط العهد الحسيني أي مع مطلع القرن 19 لكن انتشاره كان محدودا و لم يصل ما وصلته القهوة من إشعاع وتأثير عند العامة أو الخاصة إذ أصبحت بمثابة الشراب الوطني " القهوة التركية أو الشاذلية نسبة للولي ابي الحسن الشاذلي " كان استهلاك الشاي في البلاط الحسيني أو عند بعض الخاصة نادرا و في غمار و إطار الهدايا و البضائع والزيارات الأوروبية و بالتالي لم يصبح إلى حدود تاريخ استعمار البلاد بل حتى مطلع القرن العشرين ظاهرة استهلاكية ذات اعتبار.
و لنا أن نضيف أن رعايا الجاليات الأوروبية بتونس منذ أواسط القرن التاسع عشر و خاصة الأنجليز كانوا يستهلكون هذه المادة لكن وفق الطريقة الإنجليزية المتمثلة في مزجه بالحليب و استعماله في شكل أكياس صغيرة و هذه الطريقة لا علاقة لها بتلك التي انتشرت في صفوف التونسيين بعد 1911 و القائمة على استهلاك الشاي الأسود ( و يسمى الأحمر أيضا) بعد طهيه بالماء و إضافة كمية من السكر و يكون ذلك في إناء يعرف ب"البراد" و يوزع في كِؤوس بلورية صغيرة تعرف عند التونسيين بالكؤوس " الطرابلسية".
إن إمكانية نشر هذه العادة من قبل الرعايا الأنجليز و خاصة المالطيين تبقى مستبعدة بل شبه مستحيلة و الواضح أن المهاجرين الليبيين هم الذين كانوا الأصل في جلب هذه المادة إلى تونس و ساهموا في نشر تقاليد استهلاكه فالظاهرة في علاقة متينة مع موجات الهجرة الليبية [11] للبلاد فقد شكل العنصر الطرابلسي الوافد إلى تونس إحدى مكونات المجتمع الهامة و كانت ابرز موجات هذه الهجرة ذات الجذور القديمة سنتي 1911-1912 اثر الاحتلال الإيطالي ثم في العشرينات (1922-1928) بعد تزايد فضاعات الاستعمار الإيطالي بقيادة غراسياني و أخيرا بعد جفاف 1947، لقد قدر عدد المهاجرين الليبيين إلى تونس سنة 1936 بأكثر من 25000 نسمة[12]، ثم تزايد بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد 1947 ليقارب 35000 نسمة. ان الجالية الطرابلسية في تونس في العشرينات و الثلاثينات كان لها تأثير حاسم في ترويج استهلاك الشاي وفق التقاليد الطرابلسية خصوصا أن المهاجرين الليبيين اختلطوا بالفئات الشعبية التونسية من مزارعين و عملة و منجميين … بمختلف أنحاء البلاد و خاصة في ربوعها الريفية و القروية و كان لليبيين ولع كبير باستهلاك الشاي إذ به يفتتحون يومهم و به ينهونه و يرونه منشطا ضروريا للعمل فكان" البراد والكانون و الكيسان[13]" من جملة أدوات العمل و لا نعرف الكثير عن جذور انتشار استهلاك الشاي بطرابلس الغرب هل يكون بفعل الأتراك (و هو الأرجح لأن الشاي كان معروفا عند الأتراك منذ القرن التاسع عشر ) أو الإنجليز الذين كان لهم نفوذ وعلاقات مع السنوسية في إقليم فزان و برقة –و ان كان أغلب المهاجرين إلى تونس من إقليمي طرابلس و فزّان -والثابت ان الليبيين كانت لهم تقاليد خاصة ومميزة في إحضار الشاي واستهلاكه و اصبح الشاي عندهم في مطلع القرن العشرين-وربما قبيل ذلك بقليل- مشروبا عاما وأساسيا للترفيه والتنشيط.[14]
و يمكن للمؤرخ أن يخمن في إمكانية مساهمة المجندين التونسيين العائدين من جبهات الحرب بعد 1918 في نشر استهلاك الشاي خصوصا أن عددهم كان مهمّا (حوالي 80 آلف) و أغلبهم من أوساط ريفية و عادوا محمّلين بعوائد جديدة كاستهلاك الدخان و التكروري و الخمر، غير أن هذه الإمكانية تبقى ضعيفة لأن أغلب هؤلاء الجنود كانوا في الجبهات الأوروبية و استهلاك الشاي بتلك الربوع كان محدودا و يختلف عن الطريقة التي انتشر بها في تونس. و يبقى دور الشركات الرأسمالية التجارية في تعميم رواج هذه المادة و توفيرها في السوق أساسيا فالتجار الأنجليز هم الذين ساهموا في توفير مادة الشاي و بالتالي نشرها في طرفي بلاد المغرب العربي أي ليبيا و المغرب الأقصى غير انه لا خلاف في أن تعميم الاستهلاك و نشره كان من الليبيين في العقد الثاني من القرن العشرين.
ترشدنا هذه النبذة عن تاريخ مشروب وافد من خارج البلاد أصبح تدريجيا وفي ظرف سنوات قليلة بمثابة الظاهرة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، فكيف انتشرت مادة الشاي عند التونسيين و ما هي العادات التي رافقت استهلاكه وكيف وصل الأمر في فترة ما بين الحربين إلى الإدمان حتى أن هناك من تحدث عن "آفة اجتماعية "جديدة اسمها الشاي ؟
2. انتشار استهلاك الشاي و ترسخه ضمن العادات إلى درجة الإدمان
ظهر الشاي كمادة استهلاكية بتونس –كما أسلفنا- في مطلع العشرية الثانية من القرن 20، كانت فترة العشرينات هي فترة تعميم انتشاره إذ ظهرت سنة1919 أول التشريعات التجارية و الجمركية كما بدأت تظهر ولو بشيء من الاحتشام الأصوات المتصدية للظاهرة و خطورتها فاصدع الشاعر الشعبي عبد الرحمان الكافي بملزومته الشهيرة حول أخطار الشاي و مضاره سنة 1926 وبعده بسنة (1927) كتب البشير الدنقزلي –وهو أول طبيب عصري تونسي - مقالا حول الشاي و نعته بالآفة الاجتماعية الجديدة [15] وفي نفس السنة أثيرت المسألة في المجلس الكبير، فالواضح ان ظاهرة انتشار الاستهلاك و تعميمه لم تأخذ أكثر من 15 أو 20 سنة. و كانت في ما بعد فترة الثلاثينات فترة تجذر الظاهرة وانغراسها و هو ما جعل السلطات الفرنسية تدعي في ربيع 1933 - وبعد ضغط الحركة الوطنية – إنها بصدد القيام بحملة للقضاء على ما أسمته بــ "أفيون الشاي" [16] و ظهرت في نفس السياق بعض البحوث الطبية و العلمية [17] التي خاضت في الموضوع و بينت مخاطر الشاي خاصة الصحية منها. أما في الأربعينات فقد أصبحت الظاهرة عادية و نهائية و زال ذاك الحماس و التشنج اللذان رافقاها في البداية و اقبل على دراستها المختصون ببرودة دم لأنها أصبحت عادة تـونسية من صميم واقع المجتمع و تقاليده الاستهلاكية و انغرست بلا رجعة و لم يعد هناك أي أمل في زوالها فكتب سرجان و قيقة ومانيان وبوكي و قوبار [18] حول هذا الموضوع.
تلك زمنية انتشار الشاي بتونس، ففي فترة ما بين الحربين أصبح بمثابة العدوى "في بلادنا تنشر مثل الكوليرا في سنين الشر" [19] فشبهه الكافي بالوباء في سنة المسغبة و اعتبره محنة "محنة البراد و الكيسان" و اعتبره آخرون " آفة" وبالمقابل ساد الاقتناع لدى مستهلكيه انه منشط و بدونه يصاب المرء بالمرض والخمول "إذا فارقتوا نمرض و نذبال " فهو بالنسبة لهم يوفر مزايا عديدة أولها انه وسيلة تنشيط و تحفيز على العمل فالمدمنون حسب محمود سليم عامل سليمان بالوطن القبلي "يعتقدون خياليا انه منشط للعمل …وصار المتعاطون في خدمة الفلاحة يشترطونه كاشتراط المؤونة اليومية في عقد الخدمة" [20] و يجب الإقرار انه عبر مختلف أنحاء العالم بما في ذلك أوروبا صٌنف الشاي على أساس انه مادة محثّة و منشطة منعشة (boissons stimulantes). و يعتبر مستهلكو الشاي انه يتوفر على فوائد غذائية فيذكر محمد الحبيب الجلولي عامل نابل إن "سكان البوادي.. صاروا يعتبرونه كمادة غذائية بل يفضلون شربه على تناول الطعام" [21] و أحيانا يعطونه للأطفال في شكل لمجة تتكون من خبز مغموس في الشاي.
أما فائدته الثالثة حسب المدمنين عليه فهو انه وسيلة ترفيه و تسلية فهو"يعمّر الرأس" و يدخل على متعاطيه نوعا من الأريحية خصوصا انه يرفق دائما بحلقة الأحاديث و الحكايا و تبادل الأخبار كما يكون مرفوقا بلعب الورق أو الحجر أو"الخربقة" [22] و التدخين و يذكر بول صباغ ان الشاي في حي السيدة المنوبية – وهو من الضواحي الشعبية بالعاصمة و التي آوت مجموعات النازحين و المفقرين- كان في الخمسينات أحد وسائل الترفيه الأساسية[23].
تلك"خصال الشاي ومزاياه" حسب متعاطيه ومدمنيه- وهو ما تقر به كل الدراسات المختصة إذ صنف كمشروب منعش و روحي في أكبر الموسوعات الطبية و العلمية- وكان المستهلكون يرفقون استهلاكه بنوع من العادات و التقاليد التي كادت أن تتحول إلى طقوس خصوصا عند استهلاكه في الدكاكين أو "الحوانيت" المتناثرة في القرى و المداشر وقد عثر عبد الرحمان قيقة على إحدى الحكايا الشعبية وهى عبارة عن مسرحية نقدية بعنوان " الحشيشة الملعونة" تنقد آفة الإدمان على الشاي بعد ان تجيد تصوير العادات التي ترافق جلسات شربه [24] فجلسات الشاي تنطلق من الصباح الباكر في الدكاكين "يا فتاح يا رزاق من صباحه عوق الدخان ..و تحط عليه البراد المشوم …ويثني ركبته على التاي من صباحه لمساه من عرق اللي ماخذها ..."[25] .
يرتاد هذه الجلسات البطالة و المزارعون الكسلاء الذين أصبحوا عالة على زوجاتهم و يساهم كل راغب في الشرب بال"فرضية" أي نصيبه من الشاي والسكر و يبلغ مقدار الفرضية في الأربعينات "12 صوردي"(الصوردي وحدة مصغرة للفرنك و 100 صوردي تساوي فرنك) وهناك من يساهم فقط بنصف فرضية أو حتى ربع فلا ينال إلا النصف أو الربع من الكمية المخصصة للفرضية الواحدة و تتواصل جلسات الشاي طوال اليوم و يسمّيه المدمنون بالسلطان فهو الذي يحكمهم و يكيف جلستهم …وقد تحدث قوبار عن الموضوع وخاصة عن كيفية انتشار تقنيات الشرب و مستلزماته فكل عائلة "كانت لها أدوات أساسية تتمثل في برادين (عادة من طين أو من نحاس) و سخان وكانون وقلاية و كيسان صغرى.. أما الطريقة فتتمثل في تغلية الماء في السخان ثم وضع الحشيشة في البراد مع إضافة الماء الساخن والسكر.. و عادة يستعمل وقية من الشاي أي 30 غرام ونصف رطل من السكر لشرب ثمانية أشخاص" [26] و التفاصيل المرافقة لطقوس شربه كثيرة لكنها متشابهة في اغلب جهات البلاد.و غالبية الشاي المستهلك هو من النوع الأحمر – تسميته العلمية أسود- وهو أكثر ضررا من الشاي الأخضر.
إن السؤال الذي نخلص إلى طرحه بعدما تقدم يتعلق بأسباب هذه السرعة التي ساعدت على انتشار الشاي و تجذره مادة استهلاكية في المجتمع التونسي هل لأن وسائل الترفيه و التسلية كانت محدودة أم لأنه في متناول المقدرة الشرائية لأغلب الشرائح وخاصة الريفية المفقرة منها ؟؟
ما من شك في أن الشاي ظاهرة استهلاكية جديدة ووافدة على المجتمع في إطار موجة المستهلكات الاستعمارية التي أصبحت متوفرة في السواق التونسية بحكم توفر وتطور مسالك التوزيع التجارية التي يسيطر عليها كبار الموردين الأوروبيين والتجار اليهود.
لقد تزامن استهلاك الشاي مع انتشار مستهلكات أخرى كالتكروري و التبغ ولعب الورق و كان الجامع بينها هو اعتبارها وسائل ترفيه و يمكن اعتبار فترة ما بين الحربين فترة انتشار و تزامن هذه "المرفهات الاستعمارية" التي جاءت لتنافس بل لتسيطر على وسائل ترفيه عتيقة ارتبطت بالمشهد الثقافي و الاجتماعي التقليدي لما قبل الحقبة الاستعمارية و نقصد بذلك ألعاب "الكراش" و"البوسعدية" و "الكاراكوز أو القارقوز".
إن تجذر الشاي كمستهلك غذائي و كمرفه تنشيطي يتنزل في إطار التحولات التي عرفها المجتمع التونسي [27] فالذهنيات العامة أصبحت متقبلة للجديد و لكل ما هو عصري لقد كانت الأطر القديمة بصدد الأفول أو على الأقل التراجع فكان من الطبيعي أن يتراجع و يتغير معها نمط الاستهلاك و الترفيه و الثقافة لقد كان المجتمع التونسي بين الحربين يتغير بسرعة لذلك تغيرت معه العادات الاستهلاكية و ربما بنسق أسرع و مادة الشاي ليست إلا نموذجا معبرا عن كل ذلك.
3. استهلاك الشاي بتونس في الفترة الاستعمارية: الخصائص النوعية والكمية و التجارية
تجمع أغلب المصادر و الدراسات التي اهتمت بانتشار استهلاك الشاي بالبلاد التونسية خصوصا في فترة ما بين الحربين على عمومية انتشاره و على استهلاكه من قبل أغلب الطبقات الاجتماعية و من جل الفئات العمرية فالشاعر عبد الرحمان الكافي يبين في ملزومته أن الاستهلاك عم "الرجال و النسوان والعجائز و الصبيان، الفلاح و الخمّاس، العروش والدشر، البدو و الحضر، الأبيض والأسمر.. بل جل الأمة" [28] إن هذا التعميم- الذي قد يكون مبالغا فيه أو فرضته الضرورة الشعرية –يصور خصائص استهلاك الشاي بالبلاد و لو أردنا التدقيق الجهوي و الجنسي و الفئوي و الطبقي يمكننا أن نصل إلى الاستنتاجات الآتية :
-هناك تقارير صادرة عن المراقبين المدنيين و العمال تؤكد على عمومية انتشار الشاي أغلب الفئات العمرية و الاجتماعية على غرار قائد سليمان الذي يؤكد على انتشاره عند "الرجال و النساء و الأطفال" أو قائد الجريد الذي يؤكد بصفة عامة على "انتشار الشاي بين أهالي العمل".
-هناك تقارير أكثر دقة يؤكد البعض منها على انتشار الاستهلاك عند الريفيين وهى حالة تقرير قائد نابل الذي يؤكد على أن الشاي انتشر عند الجميع "خصوصا سكان البوادي"، ويؤكد قسم آخر على انتشاره الهام في صفوف طبقة العملة عموما و عند عمال الزراعة بالتخصيص "عم كافة الطبقات رجالا ونساء و أطفالا خصوصا طبقة العملة… و المتعاطون لخدمة الفلاحة" [29].
-إجماع في أغلب التقارير على انتشاره في القيادات ذات الغالبية الريفية والفلاحية وهو ما يؤكد عليه عمال قفصة و سبيطلة و أولاد عون و الأعراض وسليمان و نابل والجريد..و يدعم هذه التقارير ما أصدعت به إحدى اللجان الدراسية الحكومية سنة 1932 التي توصلت إلى أن " الشاي منتشر إلى حد الإدمان عند الأهالي المسلمين و خصوصا الريفيين منهم" [30].
ولو أردنا أن نحوصل ابرز الآراء و نرفقها بتصوراتنا للواقع البشري والجغرافي الاجتماعي للاستهلاك فإننا نقر بان انتشار الشاي في تونس ظهر عند الطرابلسيين أو الليبيين الوافدين قبل و أكثر مما هو عند التونسيين و انه انتشر في جنوب البلاد قبل و أكثر من شمالها، و في الدواخل قبل و اكثر من سواحل البلاد و عند الفئات غير المتعلمة و العامية قبل و أكثر من الفئات المتعلمة، و عند الرجال قبل وأكثر من النساء و عند الشيوخ و الكهول قبل و أكثر من الشبان والأطفال و عند الفقراء و البطالة و المهمشين قبل وأكثر من الأثرياء و المرفهين وعند الريفيين قبل و أكثر من أهل المدن.
و نتساءل بعد هذا عن تقديرات الكميات المستهلكة فرديا و عائليا و جماعيا ؟
لا نجد في المصادر المستعملة إجابات مقنعة إذ تكتفي التقارير بإشارات عامة على غرار "منتشر بكثرة" أو "استهلاكه وفير"وأحيانا تقدم بعض الأرقام الجزئية و غير الدقيقة فقد بلغ الاستهلاك في المحيط البلدي لسليمان طيلة سداسية من سنة 1933 ما قيمته 100 ألف فرنك و هو ما اعتبره العامل "كمية مهولة"بالنسبة لتجمع سكاني لا يتعدى 3940 ساكن [31] (أي معدل استهلاك ب30 فرنك للساكن طيلة 6 أشهر)، و الواقع ان مثل هذه المعلومة يصعب استغلالها و تأويلها لعدم دقتها.
أما الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الدوائر الاقتصادية أو الجمركية أو المصلحة العامة للإحصاء فهي تفتقد أيضا للدقة و حتى للمصداقية ذلك أن تتجير الشاي بالبلاد التونسية لم يأخذ فقط المسلك الرسمي القانوني بل كان من ابرز المواد المنشطة للسوق السوداء و كانت كميات الشاي المتأتية عبر التهريب و "الكنترا Kuntra" على غاية من الأهمية مما يجعل كل الأرقام الرسمية منقوصة.
رغم كل هذا فالأرقام – وحتى الرسمية منها- تظهر بوضوح ذلك التزايد الكبير لاستهلاك الشاي الأسود – و غالبا ما يسمى أحمر عند السكان-فسنة 1917 بلغت الكميات المستهلكة 100 طن و قفزت سنة 1926 إلى 1100 طن أي أن الاستهلاك تضاعف 11مرة في اقل من عشر سنوات وبلغ سنة 1937 ما قدره 1900 طن أي انه تضاعف 19 مرة في ظرف عشرين سنة و هو دليل على تزايد الاستهلاك و انتشاره عبر الأفراد و الفئات خصوصا إذا ما عرفنا أن الشاي من المواد غير الوازنة إذ يكفي طهي 5 غرامات في كمية 80 صم مكعب لشرب مجموعة متكونة من أربع أشخاص ثلاث مرات أو أكثر [32]، و أكدت بعض البحوث[33] أن الفرد يستهلك ما معدله 2,1 كغ في السنة فيتراءى لنا أهمية الكميات المستهلكة في بلد لم يتجاوز سكانه المليونين والربع قبل الحرب الثانية.
و قد كان استهلاك الشاي في تونس أكثر من الجزائر التي تفوقها سكانا ومساحة ففي سنة 1937 بلغ الاستهلاك بتونس 1895 طن أمّا في الجزائر 1494 فقط و بالنسبة للمغرب فهي تتفوق على تونس 8320 طن و كان استهلاك الشاي فيها منتشرا بكثرة مثل ليبيا [34] غير انه يقتصر على الشاي الأخضر و هو أقل ضرر حسب المختصين.
كانت عملية الاستهلاك الهامة في ترابط وثيق مع أهمية تتجير الشاي و كذلك السكر فهذه المتوجات المدارية كانت بيد الشركات الاستعمارية الاحتكارية التي جنت من ورائها أرباحا طائلة كانت كل كميات الشاي الموجودة في السواق مستوردة من الخارج عبر الخواص و يسيطر على تتجير المادة تجار سوق الغرانة من اليهود و الجرابة غير أن الدولة قامت بداية من سنة 1945 بإلحاق الشاي بجملة المحتكرات MONOPOLES الخاصة بالدولة مثل التكروري و الملح وعلب الوقود و البارود و لعب الورق و تواصل هذا الاحتكار إلى حدود سنة 1954 وهي السنة التي تخلت فيها الدولة عن احتكار توريد الشاي بعد ضغط متزايد من تجار الجملة و لكن أيضا بفعل ارتفاع أثمان الشاي في السوق العالمية.
لقد ارتبطت إستراتيجيات السلط الاستعمارية في تتجير الشاي بعاملين أساسيين يتمثل الأول في الارتفاع المتزايد في الطلب و بالتالي تنامي أطماع كبار الشركات و التجار في كسب أرباح وفيرة أما الثاني فيتمثل في انتشار بيع الشاي في السوق السوداء و عن طريق قنوات التهريب (كنترباند) [35] البرية (الحدود الجزائرية) و البحرية خصوصا من ليبيا و مالطا،لقد أدت هذه المعطيات إلى اتباع السلط الفرنسية و الاقتصادية و الجمركية بالذات إستراتيجيات مختلفة في عملية تتجير الشاي الذي وان لم يصبح اختصاصا حكوميا إلا في 1945 فقد كان يخضع لوضعية خاصة جدا تتمثل في خضوعه لضريبة استهلاك باهضة ففي سنة 1919 سنّت السلطات أول التشريعات [36] التجارية الخاصة بالشاي استنادا لمجلة العقود و الالتزامات و قد نص قانون 20–12-1919 على إخضاع الشاي إلى ضريبة استهلاك تتمثل في طوابع جبائية vignette ملصقة على كل العلب و الصناديق وذلك بحجة محاربة التهريب، ووفق قانون 30 مارس من سنة 1927 [37] وباقتراح من المجلس الكبير تم إخضاع الشاي إلى ضريبة استهلاك إضافية مقدارها 2000فرنك على القنطار أي 20 فرنك بحساب الكغ وكانت التعلة في ذلك محاربة الآفة و لنفس التعلة استندت الزيادة الجديدة في 11 جويلية 1932 ثم ومن جديد في 1-5-1934 ثم في 2-7-1947 وكانت هذه الزيادات في كل مرة تثير احتجاجات التجار الذين يؤكدون في عرائضهم المتشابهة على تضرر السكان من هذه الزيادات وقد وصلت الزيادة الأخيرة إلى 45 في المائة من قيمة سعر الشاي الأسود و 30 في المائة بالنسبة للأخضر [38].
و يسيطر على مسالك التوزيع بالجملة و نصف الجملة تجار سوق الغرانة من اليهود فتبيننا في العرائض بعض أسماء التجار الموردين من أمثال جوزاف لمبروزو و جوزاف دي باز و جاكوب دي موسى و كسكاز و كرياف و مردخاي وحداد.. أمّا التجار التونسيين فاغلبهم جرابة من سوق الغرانة أمثال عياد روبانة و الحاج حمدة و على و محمد بسرور و الحاج يونس بن يوسف ومحمد بن عاشور ... علاوة على التجار الصفاقسيين [39].
كانت تجارة الشاي و النزر الوفير من عائدات أرباحها بيد كبار الشركات الأوروبية أو المهربين و انتعش منها الوسطاء القرانة أو بعض تجار البلاد التقليديين كالجرابة و الصفاقسية وكانت الزيادات المتكررة في الأسعار تستند إلى حجة تقليص انتشار و هو موضوع آخر أثار النقاش و الجدل.
4. الشاي في تونس محاولات التشهير و المقاومة
ساد نوع من الإجماع بداية من النصف الثاني للعشرينات وخاصة سنة 1927 على أن الشاي أصبح آفة اجتماعية مضرة بالبدن و العقل و الجيب على أن درجة الالتزام بمقاومة الآفة كانت مختلفة إذ لا مجال للمقارنة بين النخب الإصلاحية الوطنية التي كانت متحفزة لمقاومة الانتشار و الإدمان وبين سلط الحماية الرسمية التي كانت تتحرك وفق ضغط الانتقادات الصحفية و النخبية والتقارير الصحية لكنها تخشى من ناحية أخرى إغضاب كبار التجار و الموردين الذين غنموا من تجارة الشاي أرباحا طائلة كما أن سلط الحماية لم يكن بمقدورها حرمان التجارة الاستعمارية الفرنسية مع الهند الصينية من سوق مربحة كالتي في البلاد التونسية بين هذين الموقفين ظهر الموقف الطبي الذي كان ينظر للموضوع في غالب الأحيان من وجهة نظر أكاديمية بل أن البعض درسوا آفة الشاي ضمن تجارب و بحوث للترقيات المهنية.
وعلى أية حال فان صيحات الفزع أطلقت منذ البداية من الأطراف الوطنية والإصلاحية شعبية كانت أو نخبية إذ نبهت إلى أخطار الشاي ومضاره فالشاعر عبد الرحمان الكافي -و هو مثقف وشاعر مثّل أداة ترابط بين ما هو نخبي وشعبي في العشرينات [40]- لم يترك معيوبة إلا و نسبها إلى الشاي في ملزومة [41] التي كتبها سنة 1926 و قد كان يروجها في المجالس و الأسواق وعلى أعمدة الصحف بل و تم توزيعها على طلبة الجامع الزيتوني و ألصقت على الجدران وحسب هذا الشاعر فالشاي فهو من الناحية الصحية "مهلك ومضر، يحد من الذكاء والفطنة يطيل السهر و ينقص من النظر و يسبب قلة الشجاعة و البرود الجنسي و قد شبهه بالسل و بالسم فيه علل وأسقام" أما من الناحية المادية فهو أيضا حسب الكافي " يفرغ الأجياب، و يجعلها خاوية ويِؤدي إلى الفقر و بيع المنازل و تبديد الأموال..).
وقد كانت تقارير القياد -ممثلي السلطة التونسية -تركز كثيرا على الأخطار المالية إذ اعتبرت شرب الشاي عبئا على كاهل الفلاح و هو ما دعمته الدراسات المختصة فيؤكد اتيان برينبي أن الشاي يمثل ثالث أكبر الأبواب سنة 1939 في الميزانية العائلية التونسية [42] و كان البعض يبجله على القوت إذ أن "بعض النسوة يبعن حتى أدباشهن لشراء الشاي " [43].
وقد ركز الأطباء على دراسة الأخطار الصحية و الجسمانية و قد كان الطبيب التونسي البشير الدنقزلي أول من أثار القضية سنة 1927 إذ عدّد المضار الجسدية و العقلية لهذه الآفة الجديدة وقد برزت بحوث طبية عديدة أغلبها في فضاء معهد باستور و أكدت على مخاطر الشاي إذ انه يتسبب حسب الأطباء في اضطرابات عصبية و في تصلّب الشرايين و ترهّلها و كذلك يسبب صعوبة الهضم و قلة الخصوبة و قلة النوم و نقص النظر [44] بل أن الشاي الأسود الذي يبالغ التونسيون في شربه يتسبب في أمراض الكبد و القرحة خصوصا انهم يشربونه منذ الصباح الباكر عندما تكون البطون خاوية. وقد وصل الأمر ببعض المدرسين إلى الإشارة إلى نوم بعض التلاميذ داخل الفصل من كثرة شرب الشاي أثناء الليل [45].
و كانت سلط الحماية أمام ضغط النابهين التونسيين و إشارات رجال الصحة تقوم ببعض الإجراءات التحسيسية التي لا تصل حتى الردع أو المنع فسنة 1927 وأثير الموضوع في المجلس الكبير و قامت سلط الحماية ببرمجة موضوع الشاي وطرق مقاومته في مؤتمر شمال إفريقيا الاستعماري لسنة 1927 و أثير الموضوع من جديد سنة 1933 بعد الحملة الصحفية الوطنية التي تزعمها محمود الماطري وقد اقترح البعض إقامة خطب بالمساجد و محاضرات للتشهير بالآفة و قد اقترح قايد أولاد عون استقدام أطباء لا لقاء محاضرات تحسيسية باللسان الدارج لتوعية السكان.
لقد كانت المحاولات التي قامت بها الإقامة العامة مجرد عمليات تسكينية لامتصاص غضب الغاضبين و المحتجين بل ان الحلول المتبعة كانت في صالح كبار المضاربين و التجار الأوروبيين أكثر منها للوقاية من الآفة و في المقابل حاولت بعض النخب التونسية مقاومة هذا الخطر بكل الوسائل لكنها لم تنجح لقد حاول البعض القول بتحريمه شرعا " التاي شربوا صار حرام" [46] غير إننا لم نعثر على فتاوى أو مساجلات دينية حول تحريمه و لم يستطع المنادون بمقاومته إلى وضعه تحت طائلة التحريم بل حتى الجدل الذي حف باستهلاك الشكلاطة أو الخل أو الدخان لم يشمل الشاي لذلك كانت "معركة" مقاومة الشاي خاسرة، لقد تغيرت الأذواق و تمكن هذا المشروب الاستعماري من نحت مكانته في المنظومة الاستهلاكية كشرب منعش و مغذ و كان ذلك مع تحولات المجتمع أو مظهر من تلك التحولات .
لقد أجمعت كل البحوث الطبية و التقارير العلمية على تشبيه الإدمان على الشاي بالإدمان على المخدرات و الحشيش وكانت المطالبة بمنعه تتكرر غير أن سلط الحماية لم تكن قادرة على ذلك بل كيف تمنع الشاي المشبه بالحشيش والمخدرات و هي التي كانت تزرع و تبيح بيع تلك المخدرات بالبلاد.
II. استهلاك " التكروري" بالبلاد التونسية زمن الاستعمار
طرح موضوع استهلاك المنبهات و المخدرات الخفيفة " الكيف و المكيفات" في إطار دراسة التحولات الثقافية و أنماط الاستهلاك بتونس في العصر الحديث، فهناك من ربط بين تكاثر الإقبال على القهوة و الدخان و المسكرات و الكيف وبين التحولات الاجتماعية و الثقافية الجديدة المتمثلة بالخصوص في الانفتاح على الوافد من المشرق و أوروبا سواء كان فكرة أو سلعة [47] و هناك من عرّج على الموضوع في إطار معرفة تاريخ ظهور الدخان و من قبله المسكرات الخمرية ومحاولة ربطها بالمحيط الثقافي و التبادلي للبلاد [48] أما في البلاد المشرقية فقد تم تناول موضوع الكيف و المخدرات بكثير من التفصيل و التعمق نظرا لأهمية الظاهرة تاريخيا و راهنية انتشارها خصوصا ببلاد مصر [49] و قد اهتم القلم التاريخي بموضوع المخدرات عامة [50]و ذلك بعد أن أصبحت من آفات النصف الثاني من القرن العشرين فتمّ تناولها من وجهة نظر تاريخية و انتروبولوجية في محاولة للكشف عن جذورها و تقاليد استهلاكه قديما و حديثا.
و تشكل هذه القراءة لتاريخ استهلاك المخدرات الخفيفة بتونس محاولة للإلمام لافقط بتطورات نمط الاستهلاك بل أيضا لفهم الثقافة الشعبية فبين الإدمان على التكروري و الهامشية الاجتماعية و بين الحديث عن ظاهرة مرضية أخرى عرضية عرفها المجتمع التونسي لبرهة بفعل المستعمر بون شاسع ،و هو ما نسعى إلى الاقتراب من توضيحه.
1. حول تاريخ دخول حشيش "التكروري" للبلاد التونسية و جذور انتشاره
التكروري في تعريف مبسط و أوّلي هو حشيش مخدر من الصنف الخفيف ويسمى في البلاد التونسية الحديثة التكروري و الدخان الأخضر كذلك الكيف وهو الاستعمال الرائج في الجارة الجزائر [51] و هي نفس التسميات المستعملة باللغة الفرنسية في التشريعات أو الكتابات الاستعلامية و الادارية و تضاف إليها تسمية القنّب الهندي Le chanvre Indien و قد أخذ تسميات ثلاث (تكروري، كيف،حشيش) في أمر 3-10-1884 المنظم لعملية بيعه و زراعته ومستهلكه ينعت في الاستعمال العامي التونسي "بالتكارري و التكارلي و الحشايشي". و يقودنا هذا التعريف الموجز إلى تعريف أكثر دقة و علمية ، فتصنف هذه المادة طبيا كمخدر مدخّن بواسطة الفم و الانف [52] و هي مستخرجة من أزهار القنّب الهندي و هي نبتة مزهرة سنوية الإثمار معدل طولها مترين لها استعمال أول باتجاه استخراج المخدرات و ثان باتجاه استخراج ألياف نسيجية شبيهة بالكتان و اسمها اللاتيني العلمي [53] هو Sativa Indica و يصنف هذا الحشيش من ضمن المخدر "الهلاسي" أو " المهلّسي الباعث على الهذيان" فهو من عائلة المخدرات غير الحاثة (les Hallucinogènes) [54] التي تدخل على متعاطيها نوعا من الغفوة وتبحره في عالم استيهامي خيالي مدة استهلاكه و يستغرق مدمنه في نوم عميق يستفيق منه بانتهاء مفعول المخدر.
و عن جذور تواجده بالبلاد التونسية ترشدنا المصادر إلى ظهوره منذ مطلع القرن السابع عشر على الأقل [55] و قد تم استهلاكه مثل القهوة و الدخان في إطار عمومي و تصوفي أيضا بل ربما ساهم المتصوفة في مزيد انتشاره و ربما أدّى توسع الانتشار إلى ظهور الجدل حول التحريم و التحليل في مطلع القرن الثامن عشر [56]و الثابت انه في مطلع القرن التاسع عشر كان مخدر التكروري محل تجارة مربحة و موسعة لبعض أعيان التجار و المخزن و هو ما أدّى بعثمان باي سنة 1814 إلى حرق و إتلاف كميات كبيرة في عملية هي أشبه بالمسرحية إذ تم اتهام هذا الباي باستهلاك حشيش التكروري "بلغه أن أناسا اتهموه باستعمال الدخان الأخضر وهو المعروف في بلادنا بالتكروري ، فأمر بإحراق جميع ما في الحاضرة منه بشاطئ البحيرة.. وضاعت به أموال على أربابها " [57] فالواضح ان الاستهلاك والمتاجرة في هذا الصنف كانت رائجة في صفوف جميع الشرائح بما فيها الفئة التركية الحاكمة كما ان هذا الحشيش كان يزرع بالبلاد و كان ضمن المكروهات أكثر منه ضمن المحرمات فيذكرا لوزير يوسف صاحب الطابع الذي لام الباي على صنيعه ان " حرق التكروري ليس كإبطال الخمر الذي فعله والدك في آخر أمره لأنها أم الخبائث باتفاق المسلمين… و كان الأولى أن تنهى الناس عن زرع هذه الحشيشة بأرض المملكة من زرعها بعد النهي فقد تعدّى فاحرق بضاعته حينئذ…. و ابعث من تثق به إلى الحاضرة تجد مخازن مملوءة منه" [58] لم تكن مسرحية حرق كميات التكروري من قبل عثمان باي سنة 1814 قادرة عن إنهاء عادة استهلاكية منتشرة و تجارة مربحة و زراعة معلومة و قد تواصلت الظاهرة خصوصا بعد استعمار الجزائر من قبل فرنسا فكانت مادة الكيف إحدى أبرز المواد المهربة من الحدود الغربية الجزائرية [59] طيلة القرن التاسع عشر. و نتساءل عن مجريات تجارة و استهلاك و زراعة التكروري في البلاد التونسية في ظل الواقع الجديد أي زمن الهيمنة الرأسمالية الاستعمارية الفرنسية و كذلك زمن تغير و تحول المجتمع التونسي في ثقافاته و ذهنياته.
2. انتشار الاستهلاك زمن الحماية الفرنسية
يعود استهلاك التكروري في تزايد بالبلاد التونسية للقرن السابع عشر و يمكن القول انه خلال القرن التاسع عشر اصبح هذا المخدّر يشكل ظاهرة ملفتة للانتباه أدت إلى بروز تشريعات تمنع بيعه (1814) و ثانية تقاوم تهريبه خاصة من الجزائر بين 1830 و 1881 و ثالثة تمنع زراعته (أمر 31-1-1875).
كان حدث استعمار الجزائر عاملا مباشرا في تزايد استهلاك مخدر التكروري خصوصا ان المعمرين الفرنسيين أقبلوا على زراعته و تذكر تقارير القياد ان الرعايا الجزائريين خصوصا من وادي صوف هم الذين ساهموا في مزيد نشره بالبلاد التونسية و تدعمت الظاهرة بعد انتصاب الحماية الفرنسية بالبلاد و تراجع أهمية الحاجز الحدودي الغربي فانتشر استهلاك التكروري في أواخر القرن التاسع عشر و في بدايات القرن العشرين و خاصة في فترة ما بين الحربين أين أصبح ظاهرة محيّرة و مثيرة للجدل.
ان انتشار زراعة القنّب الهندي الذي يستخرج منه حشيش التكروري كانت في علاقة مع تطور التجارة الماركنتيلية الكبرى و تزايدت هذه الظاهرة باقتراب البلاد التونسية من دائرة العلاقات التجارية الرأسمالية و ليس من باب الصدفة أن يظهر أول تشريع لمنع زراعة القنّب عشية الحماية (1875) في فترة بدأت فيها حركة الاستعمار الفلاحي الخاص في الشمال تتوسع كما تزايدت المبادلات مع الجزائر خصوصا بعد إنشاء الخط الحديدي تونس عنابة قالمة.
لقد أشارت أغلب تقارير القياد في الثلاثينات إلى " ان استهلاك ..مادة التكروري ليست حديثة بل من قديم..و كان أكثر شيوعا قبل انتشار استهلاك الشاي" و هناك من يدقق على غرار قايد سليمان "هذا الدور يرجع إلى عشرين حولا قبل الاحتلال حيث كانت الحالات قليلة جدا " لكنها تكاثرت بعد استعمار البلاد و خضوعها لواقع جديد.
لقد جاء أول تشريع يخص حشيش التكروري زمن الحماية في 3-10-1884وهو تشريع [60]يقاوم تجارة تهريبه التي تكاثرت عبر الحدود الغربية كدلالة على تزايد الاستهلاك في صفوف التونسيين ثم تتالت التشريعات التي تهم الجوانب الجبائية و التنظيمية لبيع زراعة التكروري و عرفت أوجها في فترة الحربين لهذا يمكن القول بشيء من الاختزال ان الانتشار الواسع لاستهلاك التكروري كان بعد احتلال البلاد التونسية سنة 1881 حيث لم يكن يوجد أي نص قانوني لمنع الاستهلاك كما ان هذه المادة كانت مستهلكة من قبل التونسيين فقط و ان كانت مادة الشاي انتشرت بمساهمة فعّالة من الوافدين من الجارة طرابلس فان مادة التكروري – التي لم تكن مجهولة عند أهالي تونس- انتشرت بمساهمة فعالة من المعمرين والتجار و المهربين من الجارة الغربية الجزائر و كانت بالنسبة للسلط الاستعمارية زراعة و تجارة و اختصاصا مربحا لم يقع منعه نهائيا إلا في شهر أكتوبر 1955 عندما غربت أيام الاستعمار الفرنسي بتونس. [61]
ان التكروري مثله مثل الشاي كان ‘محصلةً استعمارية و لم تمنع سلط الحماية ظاهرة استهلاكه عكس " الشيرة" أو "الخشخاش" التي كانت أيضا من صنف المخدرات الخفيفة لكنها لا تدر على المعمرين و التجار الفرنسيين أرباحا لذلك منع استهلاكها و بيعها بتونس. كان التكروري ينشط موارد الميزانية ومحاصيل المعمرين و علاوة على ذلك فهو يأسر التونسيين في عالم من الوهمية والعجز و السكون و الكسل و يغمض أعينهم عن الجوع و الفقر.
و قد انتشر الاستهلاك اجتماعيا و مجاليا خصوصا في فترة ما بين الحربين وبالذات في الثلاثينات التي تعتبر مرحلة هامة و مفصليّة في تاريخ المجتمع التونسي، فالقياد [62] الذين كاتبوا الوزارة الكبرى في هذا الشأن و الذين قسّموا المجتمع التونسي إلى ثلاث طبقات أجمعوا على كثرة انتشاره في صفوف السفلى والتي يعنون بها طبقة الفقراء و العمال و الفلاحين و المهمشين و محدودي الدخل فالفريسة الأولى حسب مختلف التقارير لأفيون التكروري هي العملة الفلاحيين ثم المنجميين فيؤكد المراقب المدني بتوزر ان الخمسة عشر ألف عامل بشركة فسفاط قفصة اغلبهم يتعاطون التكروري إلى درجة الادمان [63] و قد صورت بعض الأعمال الأدبية للبشير خريف و محمد صالح الجابري و غيرهم أهمية هذه الظاهرة في المجتمع العمالي المنجمي بالجنوب الغربي. و كانت بعض التقارير أشارت إلى إدمان فئة سواق العربات أو المعبر عنهم ب"الكرارطية "و هي شريحة هامة عدديا في المدن و الأرياف إلى حد الحرب العالمية الثانية بحكم قلة عدد الشاحنات و السيارات و كذلك التجار المتجولين بين الأسواق و البلدان و نفس الملاحظة تسري على "أهل الحرب" أي المجنّدين و المتطوعين التونسيين في الجيش الفرنسي و هي شريحة تستحق مزيد الاهتمام و الدرس ذلك ان غالبية العناصر الريفية و القبلية التي تحولت إلى جبهات الحرب بأوروبا سنوات 14-18 أو سوريا أو المغرب سنوات 25-26 أو التي انتقلت فقط إلى الثكنات العسكرية بالمدن الكبرى اضطرها واقعها الجديد إلى الإقبال على مظاهر جديدة كالكحولية [64]و تناول مخدّر التكروري و شرب الشاي و تعلّم لهجات و مصطلحات جديدة كانت مزيجا بين العربية الدارجة و الفرنسية المهجّنة، لقد كانت شريحة العساكر قناة من قنوات الاتصال بين عالم الأرياف الداخلية المغلقة و بين عالم المدن و التمدّن أين المستهلكات و المتغيرات و الثقافات " الجديدة" و الذي يعنينا أكثر في هذا التحليل ان هذه الشريحة انتشر في صلبها استهلاك التكروري بل وساهمت بصفة فعّالة في نشره عبر المداشر و الأرياف. وأضافت بعض التقارير ان الجزائريين أصيلي منطقة وادي صوف أو" الصوافة" ساهموا في نشر عادة استهلاك التكروري بين التونسيين فيذكر عامل الأعراض ان الحاج قاسم الصوفي من الجزائر هو " الذي أتى به لهاته الجهة و مات أخيرا بمرض الصدر"[65] علاوة على انهم كانوا من أكبر الفئات المدمنة و ساهموا أيضا في نشر استهلاك مادة "النفة" أو "النفة الصوفي" و التي انتشرت حتى في صفوف العنصر النسائي (المسنّات و العجائز في الأرياف) و كانت أحيانا تخلط بمسحوق من شجـر العرعار [66] لتعويض التكروري ان قلّ في الأسواق أو ارتفعت أثمانه.
و يؤكد بعض القياد على ان الاستهلاك منتشر في الطبقة الوسطى في جهات الوطن القبلي و الساحل و قد ذكر أحد المدرسين التونسيين أصيلي بلدة اكودة من الساحل في مذكراته[67] ان جيله من المثقفين و متوسطي الحال كان يستهلك التكروري و هو ما أكدته المقالات الصحفية المتعددة في النصف الأول من الثلاثينات و هي سنوات اتساع انتشار استهلاك التكروري مجاليا و اجتماعيا وكمّيا، بل ان بعض الشرائح من الطبقات العليا-دائما حسب تقسيم القياد- انقادت إلى هذا الأفيون.
أما الجهات التي كانت عرضة أكثر من غيرها إلى استهلاك التكروري فهي جهات الوطن القبلي حيث انتشر الاستهلاك بالقرى و المداشر الفلاحية مثل بلّي و نيانو و تاكلسة و سليمان و تازركة و بني خلاد و منزل بوزلفة كما انتشر الاستهلاك بالساحل المكتظ بالقرى و المداشر الفلاحية و الذي عرف أزمة اقتصادية واجتماعية كبرى في الثلاثينات ربما كان التكروري َمهربًا و ملجأ لنسيان اثارها [68] و انتشر أيضا في الجريد" حيث عم كل الأوساط من الملاك إلى الخماس" [69] و بالمثل في التجمعات المنجمية كالمتلوي و الرديف و أم العرايس وانتشر بقرى جهة قابس كالمطوية و الحامة و شنني ووذرف..و كان منتشرا بأرياف القيروان و ربوع أولاد عون و أولاد عيار و غيرها من المناطق الريفية بوسط البلاد.
و كانت الشرائح العمرية المختلفة تقبل على الاستهلاك الذي يتزايد في أشهر رجب و شعبان و رمضان و هي فترة يقل ثم ينعدم فيها استهلاك الخمر عند الأهالي فيعوضونه بالتكروري لاعتقادهم انهم غير محرم و اقل إثم "و يكثر استهلاكه.. في أحوال و ظروف منها شهر رمضان و الشهرين قبله فان شاربيه يتناولونه عوض الكحول" [70] وتشير تقارير العمال إلى ان التكروري كان ينافس الخمر عند الأهالي على الأقل في الأشهر الحرم لكن بالمقابل فانتشار الشاي قلّل نسبيا من استهلاك التكروري وهو رأي قايد نابل "و السبب في هذا النقص انتشار الشاي "في حين ان هناك من يرى ان استهلاك التكروري كان مقترنا باستهلاك الشاي و يتم في نفس الحلقات وهو رأي قايد أولاد عون "تناول حشيشة التكروري.. مع شرب الشاي أيضا لأن متناولي شرب الحشيشة لا يروق لهم شربه إلا بتناول الشاي" و يبدو حسب بعض المسنين الذين سألناهم عن الأمر ان المسألة تتعلق بشرب الشاي الأخضر الذي كان محبذا عند حشّاشي التكروري أكثر من الأحمر. و يتكاثر تعاطي التكروري في المناسبات " كالأعراس و الختان" كما لاحظنا تكاثر الاستهلاك زمن الحرب العالمية الثانية و خاصة سـنـتي 1942 و1943 أي عندما كانت البلاد مسرحا للعمليات الحربية و في زمن انتشر فيه الهلع و الخوف عند الأهالي فكان التكروري مسكّنا و ملهيا عن الهواجس والمخاوف.
و تلتئم حلقات الحشاشين في الدكاكين و المقاهي أو في زوايا المقابر و الخرائب المنزوية حيث يقضي الحشاشون كامل النهار و أكثر من ثلثي الليل مجتمعين حول مبسم واحد" سبسي" يسبحون في عالمهم الهلامي و الخيالي مكثرين من الضحك و القهقهة معرضين عن الطعام غير مكترثين بما حولهم و قد أجاد عثمان الحشايشي وصف الحشاشين البلاد التونسية و عاداتهم و العالم الخيالي الذي يسبحون فيه "و في الحقيقة إنها مضرة بالأخلاق لانشغال الناس فيها بما لا يعني… ان رجلا دخل قهوة فوجد بركن منها جماعة من الحشاشة يشربون ويبكون بصراخ… (لأن موت البقر في تزايد و الكرة الأرضية محمولة على قرن ثور فيخشون على البشر من الهلاك و الفناء) فتسقط الأرض بنا إلى اسفل السافلين ونصير ترابا في الحين فبكاؤنا لهذا الأمر العظيم فتعجب الرجل من سخافة هاته العقول.." [71].
كانت مظاهر الانتشار و الإدمان في تزايد خصوصا في العشرينات لذلك سارعت سلط الحماية باستصدار أول تشريع في 11-4-1927 في" تحجير بيع وشراء و تحضير حشيشة التكـروري بـتـراب الايـالة الا على طريق إدارة القمرق"[72].
و كان من نتائج تزايد الاستهلاك في فترة الحربين أن تفتحت أعين سلط الحماية على ما يدره هذا القطاع من أرباح مالية و لهذا أصبح احتكارا خاصا بـ"الدولة" و هو ما يحيلنا إلى التعريج على الأبعاد الاقتصادية و المصالح الاستعمارية الكامنة و راء تتجير و إباحة استهلاك التكروري في البلاد التونسية طيلة العهد الاستعماري.
3. أرباح التكروري ووزنه الاقتصادي
كان حشيش التكروري في تونس يدر على الاقتصاد الاستعماري أرباحا طائلة فهو زراعة غنم منها المعمرون و احتكارا من اختصاصات " الدولة" و هو أيضا تجارة مربحة فشبه هذا القطاع بالحنفية التي تدر أموالا.
أ. التكروري : زراعة استعمارية
عرفت زراعة القنّب الهندي انتشارها العالمي بفضل التجارة الاستعمارية الكبرى في القرن التاسع عشر و قد قامت فرنسا –على غرار إنجلترا- بالتشجيع على إقامة هذه الزراعات في بلدان ما وراء البحار و كانت مستعمرة الجزائر من بين الأقطار التي انتشرت بها هذه الزراعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و لم تكن الأغراض الصحية – الصيدلية و لا الأغراض الصناعية – النسيجية هي الهدف من وراء رعاية هذه الزراعة بل كانت أرباح " الأفيون" هي الغاية.
و في تونس سلكت الإدارة الاستعمارية نفس المنهج الذي سلكته في الجزائر إذ تم تشجيع المعمرين على زراعة القنب الهندي رغم أن الباي محمد الصادق أصدر مرسوما سنة 1875 يمنع زراعته بتراب الايالة. ففي البداية غضت سلط الحماية الطرف على أصحاب مزارع التكروري من المعمرين ثم و انطلاقا من العشرينات أسندتهم رخص زراعة تحت إشراف وكالة التبغ و كانت هذه الرخص تحدد المساحة و تراقبها [73] و فق مرسوم5-4-1922 وقد أصبحت العملية بعد هذا التاريخ منظمة إذ تقوم الحكومة سنويا –خاصة في شهر أوت أو سبتمبر أي قبل الموسم الزراعي-بتحديد المساحة المزروعة و تضبط قائمة في أصحاب رخص الزراعة وكلهم بدون استثناء كانوا من المعمرين الفرنسيين بجهة طبرقة و عين دراهم ونفزة و ماطر و الوطن القبلي و هي مناطق مطيرة وذات تربة خصبة تساعد على زراعة القنّب الهندي فمن سنة 1922 إلى 1931 كانت التراخيص تشمل عددا من المعمرين بقيادات عين دراهم و ماطر و نابل و انطلاقا من سنة 1932 حذفت قيادة نابل و انحصرت الزراعة بجهة عين دراهم و ماطر ثم و انطلاقا من سنة 1946 تم إضافة قيادة باجة [74] إلى جانب عين دراهم و ماطر و هي مناطق ملائمة مناخيا لزراعة القنّب.
و قد كان المعمرون الفرنسيون كما سبق الذكر يختصون بهذا الامتياز الذي يدر أرباحا طائلة فكم من مرة وجه معمرو جهة طبرقة شكايا تطالب بتمكينهم من مساحات إضافية لزراعة التكروري فسنة 1928 وجهت جمعية المعمرين بطبرقة شكاية [75] تطالب فيها الحكومة بالترخيص لهم في زرع مساحات أكبر إذ كانوا يطالبون بمساحة 80 هكتار عوضا عن الــ 45 التي ضبطها لهم المرسوم.
كما قدم أحد لهم طالب الدكتور بولار (Boulaire)[76] و هو "طبيب" و معمر بطبرقة احتجاجا لانه لم يتحصل إلا على ترخيص بـ 6 هكتارات في حين ان حاجياته أكبر من ذلك. ان هذا التكالب على المطالبة بالزيادة في المساحات المزروعة لا يبرره إلا الربح الوفير و المضمون لزراعة أصبحت بداية من سنة 1927 ترعاها و تشرف عليها الحكومة بوصفها من الاحتكارات و كانت سياسة الأسعار مشجعة للمعمرين الذين يتم تمكينهم في غالب الأحيان من ملاحق مالية نظرا لوفرة أرباح هذا القطاع كما ان هذه الزراعة كانت ذات رواج خارجي فسنة 1946 و 1947 تم تصدير كميات من القنّب المزروع بتونس إلى المغرب [77].
لقد كانت زراعة التكروري في البلاد التونسية في تزايد مستمر منذ مطلع العشرينات و عرفت تطورا استثنائيا بين 1928و 1932 لكن و منذ هذا التاريخ و تزامنا مع الأزمة الاقتصادية من ناحية و ضغط الحركة الوطنية من ناحية أخرى تراجعت المساحات المزروعة بين 1932و 1938 وخاصة بين 36 و 38 زمن صعود الجبهة الشعبية للحكم .
السنة |
1928 |
1929 |
1930 |
1931 |
1932 |
1933 |
1934 |
1936 |
1937 |
1938 |
المساحة بالهكتار |
120 |
85 |
70 |
70 |
65 |
55 |
55 |
23 |
48 |
90 |
جدول : مساحات التكروري المزروعة بالبلاد التونسية في فترة بين الحربين [78] و عادت المساحات المزروعة للارتفاع من جديد منذ سنة 1938 وبلغت ذروتها في سنوات الحرب العالمية الثانية ربما بفعل تزايد الاستهلاك زمن الحرب و كذلك لتراجع المراقبة خصوصا ان السلطات الاستعمارية الفرنسية بتونس عرفت نوعا من الضعف و التشتت بفعل الأزمة السياسية و العسكرية بالمتروبول.
السنة |
1940 |
1941 |
1942 |
1943 |
1944 |
1945 |
1947 |
1951 |
1951 |
1952 |
المساحة بالهكتار |
55 |
70 |
120 |
180 |
200 |
100 |
140 |
60 |
60 |
60 |
و قد عرف الإنتاج فائضا عن الحاجة أدى إلى تصديره سنوات 46 و47 ثم وانطلاقا من سنة 1948 تراجعت المساحات المزروعة إلى ان تم اتخاذ إجراء إبطال الزراعة سنة 1953 بعد ضغط شديد من الحركة الوطنية و في إطار ظرفية جديدة تغيرت فيها موازين القوى .
ب. التكروري " اختصاص حكومي":
كان ذلك في علاقة مع تزايد الطلب الداخلي على استهلاكه انطلاقا من العشرينات و كذلك في علاقة مع ازدهار "تجارة تهريبه" عبر الحدود الجزائرية فقامت الحكومة بإصدار أمر 11-4-1927 بموجبه [79] أصبحت الدولة تحتكر –Monopole- عملية الشراء و البيع و إسناد رخص الزراعة و الإشراف على عملية النقل من المزارع إلى وكالة التبغ بتونس أين يتم تحويله و بيعه وقد تم اتخاّذ هذا الإجراء لأسباب مالية و جمركية فمنذ سنة 1884 كانت عملية التوريد "القانوني" للتكروري موجودة (تشريع جمركي بتاريخ 3-10-1884) و مع تطور الزراعة والتجارة داخل الايالة عملت سلط الحماية على إزاحة الخواص من تتجير مادة التكروري و هو ما لم تنجح فيه في تجارة الشاي، كان قرار تحويل التكروري إلى اختصاص حكومي مثله مثل الملح و البارود و لعب الورق و الو قيد يطبخ على نار هادئة منذ سنة 1925 فالاستهلاك في تزايد و مطالب المجلس الكبير كانت ترتفع للمناداة بمقاومة آفة التكروري عبر "تضعيف أو تثليث الأسعار" و قد انقضت سلط الحماية على الفرصة لتحول التكروري إلى اختصاص بحجة مقاومة التهريب و الحد من الاستهلاك و كان التبرير الرسمي للحكومة ان منع التكروري غير ممكن و الحل يكمن فقط في ترفيع الأثمان و مقاومة التهريب من الجزائر مثلما صرح بذلك المقيم العام مانصرون [80] سنة 1932.
ج. أرباح التكروري:
كانت فرنسا من الدول المصادقة على بروتوكول جينيف (11-2-1925) الذي يقاوم المخدرات و يحضر بيع أي نوع من أنواع الأفيون المركب و هذه التشريعات لم تكن صالحة للتصدير في المستعمرات ففي أقطار شمال إفريقيا الثلاث كانت تجارة اغلب أنواع المخدرات مباحة بل "قانونية" فلا بأس أن تذهب الأرباح للمعمرين و المضار للأهالي.
كانت تجارة التكروري بتونس تدر أرباحا طائلة على الحكومة الاستعمارية فالأثمان كانت في ارتفاع متزايد بحكم وفرة الطلب والتذرع بمقاومة الآفة فسنة 1925 و قبل ان يصبح التكروري من محتكرات الدولة كان ثمن " الحقة"-و هي علبة حديدية تحتوي على 5غرامات- 1.45 فرنك ثم ارتفع بداية من أفريل 1925 ليصبح 2.20 فرنك أي بزيادة حوالي 70 في المائة [81] و في سنة 1932 كان ثمن تكلفة الحقة الواحدة لا يتعدى 0.38 فرنك في حين ان ثمن بيعها كان بـ2.35 فكانت الأرباح تقدر بــ 8 أضعاف التكلفة. [82]
كان الطلب في تزايد و كذلك الأسعار و الأرباح و كانت الدوائر المالية والجمركية تكرر بصوت عال ان في منع البيع "خسارة كبرى للميزانية"، لقد قدرت الكميات المستهلكة [83] في الحقبة 1923-1932 كالآتي :
السنة |
معدل البيع الشهري |
1923 |
71000 حقة |
1930 |
153000 حقة |
1931 |
152000 حقة |
1932 |
125000 حقة |
وتحاول سلط الحماية عبر هذه الأرقام مداراة الحقائق بمهارة فائقة فهي تقدم حجم الاستهلاك الشهري فقط و كان من الأنسب مضاعفة الأرقام اثني عشر مرة فاستهلاك سنة 1923 هو 852000 حقة كذلك تحاول سلط الحماية إخفاء أرقام السنوات الممتدة من 1924 حتى 1929 و هي سنوات تزايدت فيها المبيعات وتبرز فقط الانخفاض الطفيف و الوقتي لما بعد سنة 1931 ذلك ان الحملة الوطنية التونسية ضد استهلاك و تتجير التكروري كانت في اوجها و كانت السلطات الاستعمارية تبحث عن ردود و أرقام مناسبة لردها على تلك الحملة.
لقد قدرت السلطات الاستعمارية الكميات المستهلكة من التكروري سنويا في النصف الأول من الثلاثينات بما يناهز 6000 كلغ و كانت تدر على " المنوبول" أرباحا تقدر سنويا بمليونين ونصف من الفرنكات. ففي قيادة سليمان بلغ معدل العلب المستهلكة شهريا سنة 1932 حوالي 5000 حقة كان عدد الدكاكين والأكشاك المختصة في البيع 35، أما في قيادة الأعراض فقد بلغ معدل المبيعات شهريا سنة 1932 حوالي 1700حقة و في قيادة نابل بلغ المعدل الشهري في نفس الفترة حوالي 4500 حقة و في جهة الجريد أقر القايد بأن 8 في المائة من السكان الذكور يستهلكون التكروري بانتظام كانت إذا تجارة التكروري مربحة و في تزايد مستمر.
وكانت علب التكروري تباع في الأكشاك و الدكاكين و تحمل علامة مميزة –بايليك-و هذه العلامة كانت محل تندّر فالكلمة لها وجهان سلبيان الأول مفاده ان جهاز دولة الباي هو الذي يتاجر بالتكروري و بالتالي يساعد على نشر استهلاكه و الإدمان عليه و الثاني مفاده ان استهلاك التكروري خسارة لاطائل من وراءها و الأموال المخصصة لشرائه هي بايليك أي عبارة عن أموال ضائعة –وهذا دائما حسب الاستعمال الشعبي التونسي لكلمة بايليك.
ظلت إذن زراعة و تجارة و أرباح التكروري في تزايد مستمر إلى حد سنة 1953 ففي هذه السنة قدرت الكميات المخزونة من التكروري بوكالة التبغ بــ95880000 فرنك [84] و الرقم وحده يغني عن التعليق.
صدر تشريع 23-4-1953 الذي أقر بمنع الزراعة و الاستهلاك و المتاجرة ووفر إسعافا بسنتين للتخلص من كميات التكروري الباقية و عندما اتخذ قرار المنع النهائي في أكتوبر 1955 كانت البلاد حققت استقلالها الداخلي و تتهيأ للاستقلال الكامل و لم يعد ممكنا مواصلة المتاجرة و الزراعة في مادة اعتبرها المثقفون الوطنيون "أفيونا للشعب".
4. آفة التكروري بتونس: المخاطر و المقاومة
اعترفت سلط الحماية عديد المرات بمخاطر حشيشة التكروري كان هناك إجماع في تقارير المراقبين المدنيين و أعوان الداخلية و مكاتبات العمال على وجود أخطار مالية و صحية و اجتماعية لتعاطي هذا المخدر فهو "خبيث المفعول" و"مفسد للأخلاق و العمل"و يِؤدى إلى "كثرة الهذيان" و "اصفرار الوجوه وانتهاك القوى مع الكسل عن تعاطي وسائل التكسب".
و لا نجد أحسن من التشخيص الذي قدمه الدكتور محمود الماطري و هو الطبيب الذي مارس المر في عمله بالمستشفيات و هو كذلك ابن البلد الذي عايش وعاين الضرار عن قرب و هو كذلك رمز من رموز الحركة الوطنية إذ كان أحد أقطاب الحركة الدستورية في مطلع الثلاثينات. يقسم الماطري أخطار التكروري ومضاره إلى ثلاثة أنواع فالنوع الأول نوع صحي-بدني إذ أن متعاطي التكروري عرضة للأمراض الصدرية المعدية كالسل و السعال خصوصا أن أماكن الاستهلاك غير نظيفة و الجميع يدخن من مبسم واحد كذلك يؤدى التكروري إلى قلة الشهية و العزوف عن الأكل و شحوب الوجه و اصفراره و إلى النحول و ينقص الحيوية والفحولة و يخلق البرود الجنسي كما يسبب أمراض الصداع في الرأس و الأذنين و قد ظهرت بالبلاد حالات وفاة ناتجة عن الإدمان في تعاطي التكروري.
النوع الثاني من المضار هو نفسي – معنوي فالمدمن على هذا الحشيش يفقد الهيبة و الكرامة إذ تتكاثر ساعات غيابه عن الوعي و يكثر من الضحك و يكون شديد التخوف من كل شيء فهو يخلق نفسية ضعيفة و مستكينة يقتل روح المبادرة و يشجع على الكسل لكن الأخطر من هذا أنه يؤدي إلى حالات هوس واختبال فقد أشار الماطري [85] إلى وجود ثلاث حالات اختبال بالمنستير أصبح أصحابها يجوبون الشوارع. أمّا النوع الثالث من الأخطار فهو مادي –اجتماعي إذ أن المدمن يتخلى عن الاعتناء بعائلته و تربية الأبناء كما انه أحيانا يؤدي إلى الشذوذ و الصعلكة و الإفلاس، فالضحايا ليسوا دوما فقط من الفقراء و محدودي الدخل الذين يساهم الحشيش في مزيد تداينهم و إقعادهم عن العمل بل هم أحيانا من أوساط اجتماعية وسطى أو عليا فقد أشار قايد أولاد عون إلى ما حل بإحدى العائلات الثرية بالمنطقة بعد إدمان أبنائها بآفة التكروري" أبناء المرحوم (…فلان) بن عطية الذين كانوا من اشهر العائلات المثرية بالعمل و يملكون من الأراضي ما ينيف عن 2000هكتار ..فخلدوا للراحة و عدم التفكير في مصالحهم مع الإدمان في حشيشة التكروري .. و صاروا على وشك الإفلاس".
أدى انتشار الاستهلاك في الثلاثينات إلى خلق ظاهرة اجتماعية و أدت هذه الظاهرة التي تزامنت مع حدة الأزمة الاقتصادية و اشتداد عود الحركة الوطنية إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بمقاومة الآفة و منع بيع و زرع التكروري فانطلقت الحملة في مطلع سنة 1932 عندما قام فرع تونس للرابطة العالمية للنساء العاملات من أجل السلام بإثارة الموضوع ثم تبناه الماطري و تشكيلة لاكسيون من شباب الحزب الدستوري الذين درسوا بفرنسا و عادوا للبلاد و قد ارتكزت الحملة طيلة سنوات 1933 و 1934 على المطالبة بمنع الزراعة والتجارة و ركز الماطري على المفارقات الآتية : ففرنسا تمنع التكروري بالمتروبول و تبيحه بالمستعمرات كذلك فالفرنسيين لا يستهلكونه بل يزرعونه و يتاجرون فيه فقط وبالتالي فان أهالي البلاد هم ضحيته الوحيدة و تكمن المفارقة الثالثة في أن الدولة هي التي تروج هذا الأفيون الذي تحمل علبته شعار دولة الباي –بايليك-.
كانت الحملة التي شنتها الأقلام الوطنية و تزعمها الدكتور الماطري تشهر بخلفيات ترويج و تتجير التكروري و تعتبر ذلك سعيا استعماريا لتخدير الشعب و الهاء التونسيين عن مشاكلهم الحقيقية و محاولة زرع الوهن و قتل روح الإرادة و الفعل عندهم و هذا يتناقض مع الشعارات الرسمية لفرنسا التي تعتبر وجودها بتونس و غيرها من المستعمرات مجرد رسالة حضارية للتمدين و التطوير.
لقد اضطرت سلط الحماية بعد هذه الحملة إلى بعض الإجراءات الوقائية كالتقليص في المساحات المزروعة بصفة استثنائية وهناك من اقترح من العمال الغرامات المالية و الخطية بالسجن غير ان سلط الحماية وجدت الحل السحري و المتمثل في إقامة محاضرات توعية كانت عديمة الجدوى و هي شبيهة بمحاضرات الوقاية من الكحولية التي لا يحضرها إلا شاربو الماء إذ لا نتصور ان المدمنين و المتعاطين للتكروري بإمكانهم الإنصات للمحاضرات التي تقع في الصالونات الراقية كانت عبارة عن حلول تسكينية و مبتورة.
و قد تجرأ البعض من الاستعماريين على غرار مدير المالية سنة 1933 و أنكر وجود الأضرار الناجمة عن استهلاك التكروري إلا في حالات استثنائية جدا [86] وأشار غيره على المقيم العام بإقحام قضية الشاي إلى جانب التكروري للرد على اتهامات الماطري و لتبيان ان العلّة ليست في الإدارة الاستعمارية التي لا يمكنها ان تحرم شعبا يريد" ان يرفه على نفسه".
كان التكروري في حالات عديدة مسلكا نحو دروب التهميش الاجتماعي و قد أدى إلى وجود حالات اختبال وكانت "تكية و منوبة (أي مأوى العجز ومستشفى الأمراض العقلية) ملأى بضحاياه" على حد تعبير الماطري و بالتالي يعتبر أغلب "التكاررية" من ضمن المهمشين و الضحايا بالبلاد التونسية في الفترة الاستعمارية و من هذا المنطلق هبت الحركة الوطنية للضغط من جديد في الخمسينات لمنع تداول التكروري فتزامن تقريبا زوال هذا المنتوج الاستعماري مع زوال الاستعمار المباشر نفسه.
الخاتمـــــة :
كان لانتشار مادتي الشاي و التكروري بالبلاد التونسية خصوصا في فترة ما بين الحربين دلالات اقتصادية و اجتماعية و ثقافية كثيرة، فارتبطت الدلالة الأولى بقدرة النسق الرأسمالي الاستعماري على تنميط الأذواق و فرض انفتاحا وتعصيرا مهجّنا على المجتمع أدى إلى الاستهلاك السلبي و تغير العادات والأذواق و غنم الاستعمار من هذه المواد الجديدة بطريقة مضاعفة فالمضار تذهب للأهالي و المنافع المالية (التكروري احتكار حكومي من 1927 إلى 1953 و الشاي من 1945 إلى 1954) تذهب للخزينة و المستوطنين الفرنسيين من معمرين وتجار.
أمّا الدلالة الثانية فتكمن في مدى قدرة المجتمعات المحلية و أنساقها الاستهلاكية على الصمود و المنافسة وهي ظاهرة صعبة التقويم و برز فقط تعبيرها النخبي و الوطني الذي قاوم بشدة و خاصة في حالة التكروري ولم يتعامل مع هذه الظواهر كسلع و بضائع بل اعتبرها آفة و أفيونا و سموما مخدرة تعوق المجتمع في تطوره الثقافي و الاجتماعي و تأسره في الهامشية و التخلف.
و تبقى نظرة المؤرخ للمسألة فهو مطالب بتجاوز المنظار الأخلاقي أو الاقتصادي للظاهرة و معالجتها معالجة تاريخية انتروبولوجية لمزيد اكتشاف خبايا الحياة اليومية و هى وجهة من أوجه دراسة التاريخ الاجتماعي لبلداننا العربية، فالثابت ان هذه المستهلكات كانت ستنتشر بفعل الاستعمار المباشر أو بدونه غير ان وقعها كان يمكن أن يكون مغايرا و يبدو حسب المعطيات الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد التونسية و حجمها السكاني و موقعها الجغرافي أنها لم تكن قادرة على الوقوف في وجه انفتاح مفروض و تبعية و تنميط متزايد حتى في ميدان الأذواق و المستهلكات.
ملحق : مقتطفات من "ملزومة "الشاي للشاعر عبد الرحمان الكافي
يا سامعني كون معتبر* باريك لا تغتر * التاي شربو مهلك و مضر
التاي شربو مضر يا صاغين * و حق النبي الأمين * مدمنو ما هو ذكي وفطين
قلبو كاسح ما يزوزو لين * جلمود من صخر * التاي داه مثل طعمو مر
التاي ظهرت فيه كم من نبّه * داه ما يتخبّه بضرورتوا حكموا جميع الطبّه
سم قاتل في الحشا يتربّا * يكثر السهر * يخلى بنادم في قلق و ضجر
شريب التاي دايما عليل * و لا ينام طول الليل * يصبح مرخى بالعمل هزيل
التاي بالتجريب و التحليل * ينقص النظر * يقطع الصحة يرخف الوتر
يقطع الجهد يرخف الأعصاب * و يفرغ الأجياب * يهلك النسل صحيح بالتجراب
لا يليق بالشبان لا النسيان * ما فيه شي يسر * يرد الفحل في الناس خنثى ذكر
التاي ما يوافقش حتى حد * لا عبد و لا حر * التاي حشيشة مخربة للبر
كم من مثري للفلس اداه * خلاه فقري تر * لا صوردي لا فرنك لا ما يصر
التاي فعلو كيف فعل السل * في بلادنا تنشر * مثل الكوليرة في سنين الشر
تبلاوا بيه الناس و النسوان * عجايز و صبيان * اموال كثير مشات في الطغيان
في محنة البراد و الكيسان * الموت و الفقر * التاي شربو على النفوس خطر
التاي شربةو يعمل اوسواس * و يفسد الاحساس * لا يليق بالفلاح لا الخماس
جل المة بمحنتو فلاس * عروشها و دشر * الحالة رثة و الوجوه صفر
التاي راه لليبدن اذية * بلاه بان ظهر * و الله كان خرب برشه دشر
يا قوم عيفوا التاي أحسن ليكم * ربن يهديكم * أنا راني لله ننصح فيكم
بجاه النبي من محنتو يزيكم * التاي أذاه كثر * ما ينكرو كان جاهل و مغتر
نظم الشاعر عبد الرحمان الكافي –تونس 1926.
عبد الواحد المكني *
[1] - أثار المؤرخون و الأنتروبولوجيون موضوع المستهلكات ودلالتها الاجتماعية و النفسية بداية من الستينات و قد خاض فرنان برودال و تلامذته في الموضوع كثيرا بل طهر مختصون في الموضوع انظر :
- Flandrin, J. L. et Montanari, M. : Histoire de L'alimentation.- Paris, Fayard, 1996.
- Hemardinguer, J. : Histoire de la consommation.- Annales, ESC, Mars-juin1975.- p.p. 402-243.
[2] –خاض الباحثون المؤرخون التونسيون في موضوع المستهلكات وأثرها الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي وذلك أم في إطار بحوث عامة أو متخصصة أنظر على سبيل الذكر :
-عبد السلام، أحمد : المؤرخون التونسيون العصور الحديثة.- تونس، بيت الحكمة، 1994، كتاب معرب.
-بن طاهر، جمال :خبز الأغنياء و خبز الفقراء بالبلاد التونسية خلال العصر الحديث، في المغيبون في تاريخ تونس الاجتماعي.- قرطاج، منشورات بيت الحكمة، 1999.- ص.ص. 183-223.
[3] – وقع الاهتمام بتاريخ المادتين المذكورتين في تاريخ تونس الحديث انظر:
- بوجرة، حسين : في تاريخ دخول الدخان للبلاد التونسية و مصدره، في كراسات تونس، عدد 161، نوفمبر 1992.- ص.ص.17-36.
- بوجرة، حسين : الظاهرة الخمرية بالـبــلاد التونسية في العهد التركي، في كراسات تونس، عدد41- 42، ص.ص. 26-117.
[4] – هناك بحوث اهتمت- كما أسلفن- بالبحث في الظاهرة الخمرية و التبغ لذلك تجنبنا التكرار و ظهرت مؤخرا دراسة حول استهلاك القهوة للباحثة دلندة لرقش (Le commerce du café avant l’ère des plantations coloniales) تجارة القهوة قبل عهد الزراعات الاستعمارية مقال بالفرنسية تحت الطبع"
[5] - Heutz, A. : Boissons coloniales et essor du sucre.- Histoire de l'alimentation.- Op. cité.- p.p. 629-641.
[6] – الموسوعة العربية العالمية، جزء 14، طبعة الرياض، 1996.- ص.ص. 28-30.
[7] - Guiga, A et Magnin, J : Le THE la plante maudite.- In IBLA, n°33, 1er T, 1946.- p. 91.
[8] – الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة E، صندوق 67، ملف 8، وثيقة عدد 58 بتاريخ 6 جوان 1933.
[9] - Sergent, E. : Nocivité de la décoction de thé noir et innocuité de l'infusion de thé vert et usage dans l’Afrique du nord.- In Archives de l'institut Pasteur d'Algérie, XIX, n°4, déc 1941.- p. 406.
[10] – أهزوجة بالعامية التونسية منتشرة في أرياف البلاد مفادها أن الشاي عبارة عن نبات و حشيش مر المذاق بل أن نكهته في مرارته و في تعديل كميات الماء المطهات بها تلك الحشائش وان هذه المادة انتقلت من بلدها و انتشرت ببر تونس و أصبحت موجودة في كل الأنحاء.
[11] - أبو القاسم، إبراهيم أحمد : المهاجرون الليبيون بالبلاد التونسية (1911-1957)، تونس، 1992
[12] – أبو القاسم، إبراهيم : المهاجرون….- نفس المرجع.- ص.ص. 41-45.
[13] - المرجع نفسه.- ص.148.
[14] - و يقول آنذاك في شأنه الأديب الليبي الطاهر عبد الرزاق "لم يدر ما لذة الدنيا و بهجتها من لم يكن من كؤوس الشاي قد شربا" مذكو في المرجع السابق ص.148 و كذلك في كتاب الطاهر الزاوي أعلام ليبيا.
[15] - لنا عودة تفصيلية لـ عبد الرحمان الكافي و ملزومته أما البشير الدنقزلي فهو أخ للوزير مصطفى الدنقزلي و هو علاوة على انه أول طبيب تونسي فقد كان من الأوائل الذين تزوجوا بفرنسيات و أثار ذلك جدلا كبيرا في أوساط مدينة تونس و بالنسبة لمقاله المذكور أنظر :
- Dinguizli, B. : Le théisme, un nouveau fléau social en tunisie.- In Bulletin de l'Académie de Médecine, 97 mars 1927.
[16] – الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة E، صندوق 67، م8، وثيقة عدد 66 بتاريخ مارس 1933 صادرة عن دائرة الشؤون الأهلية كذلك وثيقة عدد 75 بتاريخ ماي 1933 صادرة عن شارل سوماني من الإقامة العامة وفي كلا الوثيقتين هناك محاولات لأخذ رأي العمال حول ظاهرة استهلاك الشاي و السبل الكفيلة للحد منها.
[17] - Uzan, M : théisme.- In Sciences, Avril 1938.
[18] – ذكر الثلاثة الأوائل في إحالات سابقة بالنسبة للبقية انظر:
- Gobert, E : Comment les Tunisiens prennent le thé.- Arch. Ins. Pasteur, Tunis xxix, 1940.
- Bouquet, J : le théisme.- Conférences aux journées Pharmaceutiques, 1948
[19] - بيت من ملزومة الشاعر الشعبي عبد الرحمان الكافي حول الشاي سنة 1926.
[20] - الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة E ، صندوق 67، م8، و عدد47 بتاريخ 10 ماي 1933.
[21] – الأرشيف الوطني …، السلسلة E ، صندوق 67، م8، و 51 بتاريخ 1 جوان 1933.
[22] - لعبة فكرية تقليدية تأخذ شكل صراع بين طرفين على المربعات التي تسمى ديار و عددها 32 أحد الطرفين يلعب بالأحجار.
[24] - Guiga, A et Magnin, J : Le THE la plante maudite… .- Op. cité.
[25] – نفس المصدر (قيقة و مانيان).- ص.ص.95-97.
[26] - Gobert, E : Comment les Tunisiens prennent le thé.- Tunis, Arch. Ins. Pasteur, xxix, 1940.
[27] – التيمومي، الهادي : تاريخ تونس الاجتماعي 1881-1956، دار محمد على الحامي ،1997. انظر كل ما يخص الذهنيات و المرجعيات الثقافية لمختلف الشرائح الاجتماعية.
[28] – لنا عودة لهذه الملزومة الموجودة بملحق البحث حول مصدرها انظر:
المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة ،بكرة R304 ،الورقة697 بتاريخ 1926.
[29] - الأرشيف الوطني…، السلسلة E ، صندوق 67، م8، و41 بتاريخ 14 ماي 1933.
- الأرشيف الوطني ، السلسلة E ، ص 67، م8، و عدد51 بالنسبة لنابل و 47 بالنسبة لسليمان.
[30] - الأرشيف الوطني…، السلسلة E ، صندوق 16، ملف 22، وثيقة عدد18 بتاريخ 1-6-1933.
[31] - الأرشيف الوطني…، س E، ص67، م8 ،و47.
[32] - Sergent, E : Nocivité de la décoction de thé noir … .- Op. cité.- p. 406.
[33] - Sebag, P : Un faubourg de Tunis.- Op. cité… - p. 98.
[34] - Heutz, A : Boissons coloniales et essor du sucre.- Histoire de l'alimentation, op. cité.-p. 639.
[35] - هي ظاهرة تعود للفترة الحديثة لمزيد التفاصيل انظر:
- Larguech, D. : Territoire Sans Frontières, La Contrebande et ses Réseaux dans la Régence de Tunis au XIX °s, CPU, 2001.
[36] - الأرشيف الوطني …، السلسلة E ، صندوق 16، ملف22.
[37] – المصدر نفسه، ملف 22 وثيقة عدد4.
[38] - الأرشيف الوطني …، السلسلة E ، صندوق 16، ملف22. و27
[39] - الأرشيف الوطني …، السلسلةE ، صندوق 16، ملف22. و 14 عريضة من تجار سوق الغرانة بتاريخ جوان 1932 كذلك و 16عريضة بــ 133 إمضاء من تجار الشاي بصفاقس بتاريخ 4-7-1933.
[40] - عبد الرحمان الكافي العبيدي هو شاعر و أديب مثقف أصيل بوسالم ( الشمال الغربي التونسي) كان زيتوني التعليم يحسن القراءة و الكتابة والده كان قاضيا تطوع في الجندية الفرنسية في مطلع القرن و عمل نساجا تنعته التقارير الأمنية الفرنسية بالوطني الثوري إذ تعاطف مع الحزب الدستوري ثم مع الفرع الشيوعي بتونس وانتهى به الأمر إلى نوع من خيبة الأمل تجاه السياسة و السياسيين فدخل طورا من التهميش أو اليأس وقد اشتهر بقول الملزومة و هي جنس من الشعر الشعبي وقد كان لاذع النقد ضامر المعنى و أوقف وسجن عدة مرات بسبب أشعاره السياسية و الوطنية.
[41] - انظر تفاصيلها بملحق البحث.
[42] - Burnet, E. : Enquête sur l'alimentation en Tunisie.- In. Arch Inst Pasteur de Tunis, 28-12-1939.- p. 493.
[43] - Gobert, E : Comment les Tunisiens prennent le thé.- Op. cité.- p. 323.
[44] – انظر: -Sergent, E : Nocivité de la décoction de thé noir … .- Op. cité.- p.p. 406-407
-Uzan, M : Théisme et pathologie digestive en Tunisie.- Alger, 4° cong Ass Med, Mars 1937.
[45] - Burnet, E. : Enquête sur l'alimentation en Tunisie.- Op. cité.- p. 407.
[46] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة، بكرة R304، لورقة 697 بتاريخ 1926.
[47] – عبد السلام، أحمد : المؤرخون … نفس المرجع .
[48] -بوجرة، حسين : في تاريخ دخول الدخان للبلاد التونسية و مصدره.- في كراسات تونس، عدد 161، 1992.- ص.ص.17-36.
- بوجرة، حسين : الظاهرة الخمرية بالبلاد التونسية في العهد التركي.- في كراسات تونس، عـدد41-42.- ص.ص. 26-117.
[49] - Sami, A. : Le Haschich en Egypte.- Paris, Payot, 1971.- p.313.
[50] - Nahas, G : La Peste Blanche Du XX° siecle, La guerre de cocaine.- Paris, Ed Buchet / chastel, 1992
[51] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة ،بكرة R303 ،ورقة 789.
[52] -Nahas, G : Hachich, Cannabis et marjuan : Le Chanvre Trompeur.- Paris, Puf, 1976.
[53] - Le Grand Larousse Universal.- Paris, Ed, 1982, T3.- p. 2017.
[54] - Encyclopedia Universalis,Vol 6.- p.406.
[55] – خوجة، حسين : ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان.- تونس، 1986.
[56] – المكتبة الوطنية محطوطة عدد3280 رسالة الشيخ على النوري في تحريم الدخان.
[57] –ابن أبي الضياف، أحمد :الإتحاف.- الجزء3، ط 1979.- ص.121.
[58] – ابن ابي الضياف : الاتحاف…نفس المصدر، ج3.- ص.122
[59] - Larguech, D : La Contrebande et ses Réseaux … Op. cité.- p.p. 95-101.
[60] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة، بكرة R303، ورقة 789.
[61] – صدر أمر على في أفريل 1953 يمنع استهلاك و زراعة القنب الهندي ثم أردف بأمر على في أكتوبر 1955 لنفس الغرض و تم تطبيقه في نوفمبر بدون أي مراعاة للأحكام الانتقالية التي رافقت أمر 1953 والتي تركت باب الاستثناءات و تفيد المشافهات انه إبان الاستقلال زالت الظاهرة و لو ان بعض التونسيين واصلوا زراعته خلسة و في مطامير و اجباب تحت مستوى الأرض لكن مع سنة 1958 زال استعمال التكروري نهائيا بالبلاد.
[62] – هي تقريبا نفس مراسلات قياد نابل و الأعراض و سليمان و أولاد عون و الجريد و قفصة الخاصة باستهلاك الشاي حول هذا الموضوع انظر : الأرشيف الوطني، السلسلةE ، ص 67، م8 الخاص باحتكار بيع التكروري 1927-1955 وبه 188 وثيقة .
[63] - الأرشيف الوطني، السلسلة E، ص 67، م8، و94 بتاريخ 20-2-1934 مراسلة من المراقب المدني توزر إلى بيروطون.
[64] - Dr Guegan, F. : Alcoolisme Arabe.- in LA REVUE TUNISIENNE, n°113, 1906.- p.p.104-108.
[65] - الأرشيف الوطني، السلسلة E، ص 67، م8، و63 بتاريخ 22-6-1933 مراسلة عامل الأعراض محمد العزيز الجلولي.
[66] – نفس المصدر، و38 بتاريخ 14-4-1934 .
[67] – العريف، نور الدين : حصاد ذكريات.- دار سراس للنشر،200.-ص.ص. 157-158.
[68] – أثار الدكتور محمود الماطري قضية التكروري على أعمدة صحيفة لاكسيون في شهر فيفري 1933 ثم نشرت نفس الصحيفة في 29-3-1933 مقالا بعنوان 3 التكروري في الساحل 3 كان له وقعا كبيرا على الرأي العام الوطني و الاستعماري في آن واحد
[69] - الأرشيف الوطني، السلسلة E، ص 67، م8، و94 بتاريخ 20-2-1934 مراسلة من المراقب المدني توزر إلى بيروطون.
[70] -الأرشيف الوطني، السلسلة E ، ص 67، م8، و47 و هو تقرير من قايد سليمان.
[71] –الحشايشي، محمد بن عثمان : العادات و التقاليد التونسية.- تونس، دار سراس، 1994.- ص.163.
[72] – صدر هذا الأمر بالرائد الرسمي التونسي بتاريخ 18-5-1927.
[73] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة، بكرة R303، ورقة 792.
[74] – يصدر بداية من سنة 1927 إلى 1953 مرسوم إجرائي في أواخر فصل الصيف لتحديد مساحات الزراعة و القيادات المعنية .
[75] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية : أرشيف الإقامة العامة، بكرة R303، ورقة 792 و ما بعدها.
[76] – نفس المصدر و هو يحتوي على تقرير شامل حول زراعة التكروري بتونس.
[77] - الأرشيف الوطني، السلسلة E ، ص.67، م8، و164.
[78] – المصدر نفسه، تم أخذ الأرقام من المراسيم السنوية المنظمة لعلية زراعة القنب الهندي الذي يستخرج منه التكروري.
[79] - الأرشيف الوطني، السلسلةE ، ص.67، م8، الوثيقة عدد1 "أمر على في تحجير بيع و شراء وتحضير حشيشة التكروري بتراب الايالةالا على طريق إدارة القمرق".
[80] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة، بكرة R303، ورقة 797.
[81] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة،بكرة R303، ورقة 789.
[82] - نفس المصدر، ورقة 801.
[83] – المصدر نفسه.
[84] - الأرشيف الوطني، السلسلة E ، ص. 67، م8، و170.
[85] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية : أرشيف الإقامة العامة، بكرة R303، ورقة797 و قد انطلقت حملة الماطري على أعمدة صحيفة لاكسيون سنوات 1932و 1933.
[86] - المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: أرشيف الإقامة العامة، بكرة R303، ورقة789.