إنسانيات عدد 55-56 | 2012 | الشباب بين الحياة اليومية و البحث عن الهوية | ص11-14 | النص الكامل
يتعدى اهتمام هذا العدد من مجلة إنسانيات، الذي كان يهدف في البداية للتطرق إلى تيمة الشباب فقط، إلى موضوع المراهقة و الشباب البالغ بحكم الحدود الرفيعة الموجودة بين هاتين الفئتين اللتين تجاوزتا بشكل كبير التصنيفات ذات النزعة الوضعية التي كان يشكل فيها العمر البيولوجي و لفترة طويلة القاعدة. يبدو أن هذه الأخيرة لا تتوافق مع دينامية الشباب التي لم يكن بوسعها أن تعرف تطورا خطيا، أو حتي حسابيا يمكن السيطرة عليه أو التحكم فيه، و هو تصنيف يدلّ على أهمية التغيرات التي تعرفها فئة الشباب في أشكالها التعبيرية، و المجالات التي تشغلها، عمومية كانت أو خاصة، والسجلات التي تستدعيها في علاقتها مع المحلي و العالمي، و كذلك الوسائل التي تحشدها، معروفة كانت أو جديدة.
إن هذه الدينامية التي يصعب التنبؤ بها أساسا تطرح عدة مشاكل استدلالية في موضع التصنيف المستخدم، حيث تحددالإنزياحاتالمستمرة من حقل ميداني لآخر الأدوات المنهجية التي يمكن تعبئتها، و كذلكالحقول السيميائيةالمرتبطة بها.إنهذه التساؤلات التي تعبُر المجالات الجغرافية و الثقافية لا تجد لها أجوبة إلا انطلاقا من إعادة النظر في آراء العلوم الاجتماعية.
يتمخض هذا النهج عن دراية ومعرفة مفصلة عن هذه الأوساط الثقافية مهما كانت أبعادها، لذا فإن هذا العدد من مجلة إنسانيات يعرض بعض المعارف عن فئة الشباب، سواء من حيث المقاربات أو الصعوبات المعرفية، أو من حيث الجوانب التي تتطرق إليها، أو من حيث الجوانب المختلفة التي تقوم بمعالجتها في الجزائر أو في المنطقة المتوسطية.
أمام الاهتمام البالغ بهذه الفئة من الشباب، في الوقت الذي عرفت فيه المنطقة رجوعا قويا إلى الساحة الاجتماعية و الإعلامية،رأى منسقا العدد أنه من المهم أن يتعرف القارئ على أعمال لم يسبق نشرها من قبل لباحثين قاموا بتحقيقات حول شباب تمت تنشئتهم اجتماعيا في ظل ظروف اقتصادية جِّد صعبة و في فترة احتدم فيها العنف و بلغ ذروته، إنها فترة التسعينيات. تشغلتأثيرات العمر، الجيل و/أو السياق فيسلوكيات و تصرفات و ممارسات الشباب اهتمام العديد من المساهمين في هذا العدد، دون أن تكون النتائج المتوصل إليها، بالضرورة، نتائج نهائية.
لقد شكلت فئة الشباب موضوع استثمار هام على مستوى التعليم، ذلك أن هذه الفئة كانت تمثل مستقبل الأمة في الستينيات و السبعينيات. وبالمقابل،فإنها في التسعينيات اضطرت إلى مواجهة الهشاشة الاجتماعية و البطالة،و كانت النتيجة تغيير توجه السياسات العمومية فيما يخص التعليم و التكوين باتجاه الإدماج الاجتماعي و السياسي.في الألفية الثانية، و أمام تحديات السوق، فإن الشباب مدعو لخلق مناصب عمل خاصة به و التحلي "بروح المبادرة".
من خلال التطرق إلى مفهوم المراهقة عند المجتمعات المتوسطية، يعطي مارك بريفيلييري معنى للمخاطر المنهجية التي قد تشوه البحث،وأما عندما يتعلق الأمر بالمراهقة و الشباب - لأن الأولى "تمتحن" الثانية - فإنه يؤكد على المغالطات و يحذر من تجاوزات الانتقال من حيز ثقافي لآخر، و من ميدان لآخر في الوقت نفسه، وكذلك من المبالغة في النزعة الوضعية، الأمر الذي يقتضي حتمية وضع "أركيولوجيا لمفهوم المراهقة" المقترح. كما يعالج كل من ليندة يحيى باي و سليمان جار الله الأنماط المعرفية من خلال التأكيد على منظور سوسيوثقافي للتنمية المعرفية، انطلاقا من دراسة مقارنة بين الشباب الجزائري و الشباب الفرنسي من ذوي الأصول الجزائرية.
يبين المؤلفان، من خلال الاهتمام بالتفاعل/الانتماء الثقافي أن الاختلافات الموجودة بين هاتين الفئتين من الشباب ليست كبيرة جدّا.
في السياقنفسه، يتطرق كريم صالحي إلى نماذج ملموسة من شباب قبائل الجرجرة و يطلعنا على معرفة جوارية تقوم على البحث عن الاستقلال الذاتي/ المسؤولية، مع المسؤوليات و الحدود التي يفترض وجودها هذا النوع من المقاربات.
إنه يحدد من خلال تحليل مخططات مشاريع الحياة و السير الذاتية للأفراد، الأسر و القرى التي ينشؤونضمنهاجملة من التناقضات: أوقات حلقية و خطيةتضع الشاب في موقف إحباط و شك، بين الرغبة في تحقيق الاستقلال الذاتي و العجز عن تحقيق هذه الرغبة.
ومن خلال بعض النماذج من قرى قبائل الصومام، يقارب عزّالدّين كنزيعلاقة الخضوع و الإقدام على الفعل عند الشباب في "التَّجْمَعْتْ"و لعجزهم عن تحقيق ذواتهم، فإن هؤلاء الشباب اختاروا، كحل أقصى، ما يعرف عند العامة بـ"الحرْقة"، و هي ظاهرة طغت عليها الصبغة الدولية لأنها تخص العديد من البلدان التي يعاينها كل من مصطفىمجاهدي و حفيظة قباطي في إسهامهما.
يبين عمور زعفوريفي دراستهللاستراتيجيات الشبابية في الوسط الريفي بتونس، أن الخطاب الرسمي و السياسات الاجتماعية للدولة لا تتكفل بالاحتياجات الخاصة لهذه الفئة: و هكذا، فإن الشباب يضيعون بين الحشود.كمايشير الكاتب أيضا أن السياسات الزراعية للدولة لا تبالي بالخاصية المستقرة و المقاومة للبنيات الأسرية الريفية، و تضع هذا الشاب في وضعية عجزو خمول. إن سيرورة التحديث الزراعي في المركز الغربي لتونس هي السبب الرئيسي في التدهور المستمر للعلاقات السوسيواقتصادية، وهكذا فإن الشاب، رغبة منه في محاولة تحقيق هويته الخاصة به، يتحول من مقاول صغير إلى مشارك، ثم مزارع لينتهي بطالا.
يصور لنا محمد صايبميزات بانوراما سوق العمل في الجزائر، و الذي بالرغم من تقلباته التي يحددها السياق الاجتماعي بشكل كبير، يخضع إلى المنطق الخاص بكل مجال. ويرى المؤلف أن هناك في السنوات الأخيرة ارتباطابين ارتفاع نسبة العمل غير الرسمي و انخفاض نسبة البطالة في الجزائر.
إن إشكالية الشباب و واقعهم المعيشي في ظل الأزمة هي في قلب إسهام نورية بنغبريط-رمعون و عبد الكريم العايدي. و يتضح من خلال تحقيقاتهما المنجزة في التسعينيات أن الشباب يعاني من عجزه عن فرض أحد مطالبه الأساسية: و هي الاعتراف به. فالشباب كونه ضحية أساسية للبطالة، فإنه غالبا ما يجمع بين وضعية "الحيطيست" و حلم الحرقة الذي يرتقبه.
أما بخصوص مسألة المعتقد و علاقتةبالجندر، يشير مصطفى راجعي و من منطلق المقارنة بين بلدان مغاربية، أن توجه الشباب نحو التدين كان ضعيفا نسبيا حتى الثمانينيات، و لكنهعرف ارتفاعا مهما ابتداء من التسعينيات، وهو ما يظهر من خلال رفضهم للاختلاط و ميلهم لتعدد الزوجات.
أما عن التّدين و البحث عن الهوية، فإن محمد مرزوق يعرض نتائج تحقيق أنجز من طرف فريق بحث من المركز الوطني للبحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية و الثقافية، حول طلبة جامعيين من ولاية وهران بين سنوات 2007 و 2009. حيث يقوم الكاتب بتحليل العوامل المتسببة في الانخراطفي الممارسة الدينية، مبرزا ما يرتبطبالسياسي، والتوجه المدرسي و الهابتوسHabitus. إنه يبّين كيف أن البعد الديني مرتبط بالبناء الهوياتي لدى الشاب.
وفي تحليله لظاهرة الألعاب "أون لاين"، يكشف نيكولا أوري عن الكيفية التي ينشئ من خلالها الشباب "جماعات" تبنى عبرهاالهويات المجزأة، وحيث يتم تجنب الرقابة الاجتماعية و وضع نظام ثقافي حقيقي. و لأن الأنترنت يسمح بالاحتفاظ بـسرية الهويةفإنه يمكن اعتبارها أداة لتعبئة الشباب.
يعاين مصطفى مجاهدي حدود تعبئة هذه الفئة و يلحق الضعف و عدم التشجيع على استخدام الأنترنت إلى السياسات العمومية التي تعمل على تفادي أية فوضى محتملة.
في حينيعالج الإسهام الأخير في هذا الملف بقلم خديجة قدّار، الحق في المشاركة للمراهقين. ويطلعنا النص على نتائج تحقيق تمّ في المركز الوطني للبحث فيالأنثربولوجيا الاجتماعية و الثقافية سنة 2009 و هو تحقيق يعاين رؤىو سلوكيات و قيم المراهقين الجزائريين حيال مشاركتهم في مختلف فضاءات حياتهم اليومية.
هذا، بالإضافة إلى إسهامات أخرى تثري هذا العدد المزدوج من مجلة إنسانيات. فنص أحمد أمين دلاّي يسلط الضوء على العلاقات الموجودة بين الثقافة الدينية العالمة و الأدب الشعبي، في حين أن نص ريشبوثلجة يحاول تحليل الخطاب الثقافي الذي ساد خلال السنوات الأولى لاستقلال أمريكا.
نورية بنغبريط-رمعون و محند آكلي حديبي
ترجمة:صورية مولوجي- ﭬ روجي