إنسانيات عدد 11 | 2000 | المقدس والسياسي | ص 23-34| النص الكامل
Mohammed Arkoun and Nasr Hamid Abouzeid’s ways of reading sacred text Abstract: Our reading distances it self from dogmatic and superficial polemics of whatever ideology nor is it the reproduction of things brought up by M. Arkoun and N.H. Abouzeid’s readings, as questions on religious texts, but an attempt to put the particularities of reading mecanisms in evidence, with what they enclose as operative efficacity ending in objective applications in a profound understanding of the depths of sacred text. |
Abdelkader BOUDOUMA : Université d'Oran, Département de philosophie, 31 000, Oran, Algérie
"إن الذي أنشأ الحضارة، وأقام الثقافة جدل الإنسان مع الواقع من جهة، وحواره مع النص المقدس من جهة أخرى."
نصر حامد أبوزيد مفهوم النص، ص 09
"الأمر محصور بين رب وعبد، فللرب طريق وللعيد طريق، فالعبد طريق الرب فإليه غايته والرب طريق العبد فإليه غايته."
محي الدين ابن عربي، فتوحات مكة 3/193
مفهوم النص[1]:
لا ينكر أحدنا عودة الدين من جديد ليشكل وبصورة مكثفة محورا للسجالات الفكرية داخل مجتمعاتنا المعاصرة، فالإسلام كدين وكتراث فكري يسترد اليوم حيويته المطابقة لتسارع التاريخ في كل المجتمعات الإسلامية إنه يلعب دورا من الطراز الأول في عملية إنجاز الإيديولوجيات الرسمية والحفاظ على هذه العودة من قراء ممتازين داخل منظومة العقل الإسلامي أمثال محمد أركون ونصر حامد ابوزيد وحسن حنفي وطه عبد الرحمن وعلي حرب... حيث استطاعوا أن يحركوا من جديد إشكاليات النص الديني الكلاسيكية برؤية أكـثـر حداثية بتوظيفهم آليات فعالة في إنتاج المعرفة حول النص وكشف وتعرية ذلك الذي لا يعبر عنه ولا يقوله أو يمتنع عن قوله ولم يجدوا أي حرج في إشتغالهم بالمناهج الغربية وتطبيقها لأجل فهم طبقات النص الديني على الرغم من وجود حملة شرسة ضدهم مثلها ولا يزال يمثلها جماعات التكفير في زمن التفكير.
إن القرآن نص لغوي يمكن أن نصفه بأنه يمثل في تاريخ الثقافة الإسلامية نصا محوريا وليس من قبيل التبسيط كما يشير نصر حامد أبو زيد أن نَصِفَ الحضارة العربية الإسلامية بأنها "حضارة النص" [2] لكن هذا لا يضعنا أمام تسليم مطلق بأنه يمثل مركز الحضارة. بصورة شمولية. بل نرى فيه موضوع مساعد وهام على فتح المجال أمام الجدل بين الإنسان والواقع من جهة، و حواره مع النص من جهة أخرى وإذا كان الأمر كذلك أي إذا كانت الحضارة تتركز حول "النص" فلا شك أن التأويل يمثل آلية من أهم آليات القراءة في إنتاج المعرفة. ويدعونا اليوم التأويل المطبقHerméneutique Appliquée ، ليس فقط إلى تطبيق subtilitas applicandi ورغانون منهجي وإبستيمولوجي في قراءة التراث الإنساني، وإنما أيضا إلى تشكيل وعي تأويلي conscience herméneutique. قوامه الحس التاريخي والنقدي في تناول موضوعات التراث. وعقلانية متميزة subtilitas intelligendi في فحص أصوله و اكتناه تركيبته[3]. و من هذا المنطلق، حاولنا أن نحيل قراءة النص إلى آليات أكثر حداثية، هدفها ملاءمة البعد الموضوعي لفهمه. وإخراجه من تلك القراءات الإسقاطية، السطحية، مع مراعاتنا بطبيعة الحال مسألة رفض بعض الأطراف من داخل السياج الدوغمائي للخطاب الديني الكلاسيكي وحقنا في ممارسة القراءة للنص بآليات غربية أروبية. ولإيماننا بضرورة مواكبة التسارع التاريخي للمجتمعات البشرية، وحقنا في المساهمة، والمشاركة لأجل بناء عالمية فكرية، إضطررنا إلى شحد مثل هذه المناهج لفهم واقعنا في علاقته بالنص القرآني على وجه الخصوص، والبحث عن مفهوم "النص" ليس في حقيقته إلا بحثا عن ماهية "القرآن" وطبيعته بوصفه نصا لغويا، وهو بحث يتناول القرآن من حيث هو "كتاب العربـية الأكبر، وأثره الأدبي الخالد" فالـقرآن كتاب الفن العربي الأقدس ويضعنا هذا البحـث أمام إشكاليات جوهرية يبرزها فعل القراءة. كيف نتعامل مع النص؟ وهل في توظيفنا لآليات الفكر الغربي في فهم النص خرقا لحقيقة التراث ؟ ألا يوجد تناقض في مثل هذه الحالات بين المنهج والحقيقة. بين ما يحمله النص التراثي من حقيقة، و ما تكتنيه المنهجيات الأروبية من تأويل وحفر وتنقيب؟
إن الممارسة التأويلية للنص تجعلنا ننفلت من دوغمائية القراءات التحريفية والسطحية للنص القرآني، كما تجنبنا إضافة إلى ذلك مأزق الثنائيات التي سيجت الفكر الآسلامي بمغالق أصبح صعبا فتحها. كـ "ثنائية العقل والنقل" إذ يمكن أن نصحح من هذا المنظور التأويلي الكثير من الأفكار المستفزة كما يشير نصر حامد أبو زيد عن تراثنا الفكري و الديني و الفلسفي. إذ بفضل القراءة وآلياتها نصبح أمام نص منفتح على الدوام إلى اللا-نهاية non-fini، و يحتضن العديد من الإحتمالات. فهي تزيل ذلك التصدع القائم بين جوانب التراث في أذهاننا، و في مناهجنا، فلا نقيس الفكر الإسلامي على الفكر اليوناني، أو غيره، ويعتبر التأويل و التفكيك بمثابة آليات للقراءة، لا يمكن تناولها عند حدوث التراث، بل نجدهما امتدادا إن اقترنا بالواقع الراهن الذي نعيش فيه جميعا". "فالنص بكل ما يحمله من تراث تفسيري واقع متعين في حياتنا اليومية، وفي ثقافتنا المعاصرة يشكل حركة هذا الواقع[4]". و ما نلزم به أنفسنا أننا مجتمعات "النص"، النص القرآني ولا نرى أي حركة لمجتمعنا بدونه. و لا يمكن أن نقيم أي حضارة أو ثقافة متماسكة بمعزل عن العلاقة الذي وضحها النص و المتمثلة في كلمة الإسلام. حيث الله في علاقة وطيدة بالإنسان. ونكون قد جازفنا بمسقبلنا لو حاولنا أن نحدث تمفصل بينهما وهذا ما حاولت تكريسه القراءة الإيديولوجية النفعية المغرضة، حيث حاولت تجزيء هذه العلاقة. أين نظروا إلى التقدم والحضارة بمعزل عن الله. أعتقد أن هذا يمثل بالنسبة لنا سر قيام أية حضارة تستمد وجودها من النص.
فالذي أسس الحضارة هو ذلك الحوار بين الإنسان والنص. "فالأمر محصور بين رب وعبد يقول محي الدين بن عربي، فللرب طريق و للعبد طريق، فالعبد طريق الرب فإليه غايته، و الـربّ طريق العبد فإليه غايته.[5]" الأصل مرتبط بـ "فعل" القراءة. –اقرأ قال الله لنبيه محمد - الـقراءة واجب- والأخذ بها أكثر من ضرورة. وإننا هنا نتجاوز معناها السطحي ذلك المرتبط بالقول أنها مجرد سياق إضافي خارجي يضاف إلى النص. إن الأمر غير ذلك. فـالقراءة فعل سحري بسيط يلغي المادة المكتوبة ليتمكن من روح النص، و تسمع صوته، إنها بمثابة عملية تقوم بفك الشفرات Les codes، وكشف الأسرار، وتعرية الرموز. ولا يمكن لأي نص أن يكون نصا إلا بفعل القراءة، ولا أبتغي في مقامي هذا التركيز على القراءة ومستوياتها لأن الموضوع لا يتطلب ذلك وحديثي عن القراءة كما يتجلى في عنوان المقال مرتبط بالآلية والنص فالأولى تمارس القراءة على النص. و الآلية كما يعرفها الأستاذ طه عبد الرحمن في مشروعه "فقه الفـلسفة" تحمل معنيين أولهما عام و الثاني أخص، فأما العام، فهي بالنسبة عٍـلٍـيـّه فهي آلية خاصية إضافية تلحق كل علم يشترك في تحصيل غيره، فيكون كل علم داخل علم آخر بـمنزلة آلة من آلاته. فإذا كان دخول الحساب في الفقه يجعل منه آلة لـه وإذا دخل النص في القراءة جعل منها آلته. فالآلة صفة عرض للعلوم من جهة استخدامها في غيرها بحيث لو صرف عـنها هذا الإستخدام صارت علوما مقصودة لذاتها فيكون لذلك كل علم مقصودا من جهة لذاته ومن جهة أخرى آلة لغيره وأما المعنى الأخص للألية: فهو أن يكون صفة ذاتية لبعض العلوم أي صفة تحقق دون غيرها[6]. وآلية القراءة ستعرف تطبيقاتها الصارمة مباشرة على النص. ما الـذي نعنيه بالنص؟ إنه وإذا كان كلمة "النص" في اللغات الأروبية تعني نسيجا =Tissu من العلاقات اللغوية المركبة التي تتجاوز حدود الجملة بالمعنى النحـوي للإفادة. الأمر الذي يؤكد أصل اشتقاقها من اللغة اللاتينية فلم يكن الأمر كذلك في اللغة العربية، و من استقراء الدلالات المتعددة الواردة في لسان العرب لابن منظور، يمكن أن نشير إلى دلالتين: الدلالة الحسية لمعنى النص ولو أن "دال نص" بالمعنى الإجمالي هي الظهور و الانكشاف، أما الدلالة الحسية كقولنا: نصـت الظبية جيدها، أي رفعته أو نص الدابة رفع جيدها بالمقود لكي يحثها على السرعة في السير النص والتنصيص السير الشديد. أما الإنتقال الثاني من الحسي إلى المعنوي فالدلالة المعنية للنص هي: نص الرجل سأله عن شيء حتى يستقصي ما عنده وبلغ النساء نص الحقائق أي سن البلوغ[7].
أركون وقراءة النص الإسلامي:
يغدو النص الديني عند أركون ممارسة خطابية Pratique Discursive، خاضعة لآليات التأويل القائمة على التفكيك Déconstruction، ممارسة إستلهمها أركون من فلاسفة الحداثة و ما بعد الحداثة الأروبية ولم يجد أي حرج في التعامل مع هذه الآلية[8]. بل يصر على إعمالها ويدعونا لأجل فهم النص الديني من خلالها لأنها الضامن الوحيد للفهم الموضوعي المنفلت من قبضة الإسلاميات الكلاسيكية الإستشراقية Orientalisme التي تحاول حرمان العقل الإسلامي من قراءة النص القرآني وهو يشحد مناهجه من العلوم الإنسانية الغربية المنبع ويمثل محمد أركون أحد أهم أقطاب العقل الإسلامي والقارئ الممتاز للنص برؤية حداثية / و تحمل تجربته خصوصياتها ونمط وجودها وقانونها الداخلي وإحالاتها الممكنة، يؤكد أركون على ضرورة النظر إلى النص على أنه مجموعة متراكمة ومتلاحقة من العصور والحقبات الزمنية، إن هذه القرون المتراتبة بعضها فوق بعضها الآخر طبقات الأرض الجيولوجية[9]. ولا يمكن أن نتوصل إلى فهم حقيقة عمق هذه الطبقات إلى القرون التأسيسية الأولى مثلا إلا باختراق الطبقات السطحية والوسطى رجوعا في الزمن إلى الوراء. والتفكيك يمثل آلية مهمة لاختراق وتعرية Dévoiler طبقات النص التي حاولت أن تختفي من وراء النظريات المختلفة، والتشكيلات الإيديولوجية المتنوعة، لأجل نزع البداهة ورداء القداسة عن النص... إني في قراءتي للفكر الإسلامي يشير أركون أحرص على الإلتزام بمبادئ المعرفة العلمية و احترام حقوقها مهما يكن الثمن الإيديولوجي و السيكولوجي و الإجتماعي غير أنه ثمة صعوبات تواجه أركون في قراءاته التطبيقية على النص. والتي مثلت بالنسبة إليه سياجا دوغمائيــا Dogmatique يعيق فهم أعماق النص وأسراره وفي قمة هذه الصعوبات، نجد تركيز الفكر الإسلامي على ثيولوجيا تفوقية المؤمن – غير المؤمن، المسلم – غير المسلم... كما حاول البعض إضفاء طابع القداسة والتبجيلية على المعنى الواسع المرسل من قبل الله ووحدانيته بالإضافة إلى تكريس دوغمائية القيم الأخلاقية والدينية[10].
نجد اليوم وعينا أمام القراءات أكثر حيوية، مبدعة ومنتجة تبتعد عن التقليد و الإتباع و الإبتداع، الذي ارتبط ولمدة طويلة بالقراءات الكلاسيكية وبعض القراءات الإستشراقية إننا أمام محاولات لا تنغلق على ذاتها بادعاء امتلاك حقيقة النص تتبنى آليات أكثر عملية آليات الهدم و الإختراق والحفر والتفكيك، آليات أقل ما يقال عنها أنها تمتلك القدرة على فهم إخفاءات بواطن تراثنا المعرفي، تضعنا أمام التعبئة اللامنقطعة للاكتشاف والبحث عن أسرار الفكر الإسلامي. وتمتلك قراءات أركون جرأة المواجهة، تواجه وبشدة الخطابات المضخمة Les Discours Hyperboliques الـتي تؤسطر التراث Mythologisation و تصنمه Idôlatrie على الرغم من المحاولات المناهضة للحد من زحق مثل هذه القراءات واكتساحها الساحة الفكرية من قبل سلكة العقلية الدوغمائية، أو الروح المنغلقة، إن علاقتنا بماضينا علاقة جدلية يقف عندها المفكر محمد أركون في قراءته العلمية الموضوعية للنص القرآني، إنه لا مفر من إعمال الممارسة التفكيكية لأصول العقل الإسلامي بهدف إعادة تجديد شروطه النظرية المستحكمة بكل قراءة للقرآن، ونقصد بالقراءة هنا بالمعنى الألسني الحديث وليس بالمعنى القراءات الشارحة والروايات المختلفة قراءة يحركها البحث والكشف، إهتمامها الوحيد الإبداع من داخل النص من أجل خلق خطوط محايثة اللامثولية واللا-متماثلة، نسج شبكة النص بصورة عنكبوتية من حيث ما تحمله من اختلاف وتعدد ومحاولة نفض الغبار على خراب المعنى الملتصق ولعدة قرون طويلة بالعقلية الأرثوذكسية – الدينية وبالنص التراتي بصورة عامة لقد تجاوز أركون التفاسير والشروحات إلى نقد الوحي نفسه، وذلك بالتعامل معه كمعطى يخضع للمعرفة النقدية. لأجل تحريك اللا-مفكر فيه L’impensable وتعريته من خطاب حاول أن يؤسطره Mythologiser وفي تفكيكه هذا استعمل آليات مـثل الإخـتراق Transgression يخترق المحظورات الممنوع والممتنع الخضوع فيه وخاصة الطابوهات وكذا جدار الصمت ثم يوظف الإزاحة Déplacer فالتفكيك عند أركون ينطلق من التشكيك بما يزعمه الخطاب الديني من قول للحقيقة ويحتكر بهذا الأداء المعنى ويمتلك أخلاقياته مسيجا كل محاولات العقل نحو تجاوز دوغمائيته المرتبطة بشدة وبصرامة بمجموعة من المبادئ العقائدية وترفض بنفس الصرامة والشدة مجموعة أخرى تعبرها لاغية لا معنى لها كما يوظف أيضا التجاوز Dépassement مجاوزة كل ما بإمكانه أن يعيق فهم النص هذا ما يقصده أركون بالروح الدوغمائية وبفضل الإكتشافات الجديدة لعلوم الإنسان والمجتمع تم إعادة النظر بصورة حتمية فيما يحمله المعاش الضمني للمؤمنين من مقدس Sacré أو غرائبي مدهش Merveilleux أو ساحر وأسطورة وعامل شفهي أو كتابي أو مخيال أو عقلاني أو لا-عقلاني هي في طور الانتقال إلى حالة المعروف الصريح[11] إن هذه التناقضات تمثل سمة حيوية لتراثنا.
لقد أثار محمد أركون وبجدية قضايا مجتمعات الإسلام والديانات التوحيدية الأخرى، ضمن قراءاته التفكيكية[12] وتعتبر مسألة حقوق الإنسان في الإسلام أكثرها تناولا وأهمية بالنسبة إليه حيث عمل على تخليصها من بعدها الصدامي الذي نلمسه بمجرد قراءتنا أو تناولنا لها أين نجد البعض يربطها بصورة مباشرة بالخطاب الإسلامي المؤدلج والشائع. إن أركون في هذا المقام لا ينكر أن قضية حقوق الإنسان طرح غربي أروبي حيث توافق والإعلان عنها بالثورة الفرنسية 1789 ونجد في مقابل هذا الإعلان وبشكل أكثر متقدم إعلان يحاول أن يدعي لنفسه العصمة ذلك الذي حرره مجموعة من علماء الإنسان وأساتذة القانون وأعلن عنه بتاريخ 01 سبتمبر 1981 في إحدى جلسات اليونيسكو: باسم الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان. ويؤكد أركون وبعد قراءته المتأملة العقلانية لهذا الإعلان أن جل مواده الثلاث وعشرين ترتكز على الآيات القرآنية والحديث النبوي. ومن أهم المبادئ التمهيدية لهذا الإعلان، جاء فيه "نظرا للأصل الإلهي لهذا القانون، فلا يمكن لأي زعيم سياسي أو أي حاكم أو أي مجلس نيابي أن يلغي أو أن ينتهك حقوق الإنسان التي وهبها الله له[13]". ينطلق أركون في قراءته للمسألة من السؤال عن البعد التاريخي للمجتمع، إنه يخص العلاقة بين الدين الإسلامي و المفهوم الحديث لحقوق الإنسان كما صاغته الثورة الفرنسية، لكن هذا يجرنا إلـى الحديث عن سوابق المشكلة إذ ثمة بذور تناولها في النصوص الكبرى للأديان التوحيدية و منطلق أركون في بداية تأصيل المشكلة هو النص القرآني فهل ثمة حديث خاص بمسألة حقوق الإنسان في القرآن ؟ يشير أركون إلى أن القرآن يتموضع داخل خط الديانات التوحيدية مثله في ذلك مثل التوراة والإنجيل إنه لا يتموضع داخل منظور الوحي وبديهي أن نجد في النص القرآني مثل ما هو الشأن بالنسبة للخطاب المسيحي مستويات متعددة للخطاب فثمة خطاب تشريعي، وخطاب ديني وخطاب معرفي، رمزي ومجازي. توجد كل هذه المستويات وكلها مـتضمنة في النص نفسه تشتغل بصفتها محور تشكيل علاقتها بمستويات متفرقة. لماذا؟ ذلك أن النص القرآني هو كلام يرافق فعل وليس كلام من أجل الفعل أو متعلق بالفعل أي هو الكلمة التي تقول ما تفعل وفي نفس الوقت تنجز فيه فعلا ما. وهنا تكمن حسب أركون قوة اللغة الدينية[14]، لذا يجب فهم آياته باعتباره (النص القرآني) يسير وفق أحداث تاريخية تتزامن و مستجدات دولة المدينة التي أسسها محمد النبي. وبعيدا عن القراءات السطحية الهامشية للنص يدعونا أركون إلى قراءته بصورة زمنية Diachronique لفظة "مسلم" التي تعني عنده الخضوع و الإستسلام بقدر ما تعبر عن علاقة وطيدة بين الإنسان والله فثمة تحالف أو ميثاق يجمعهما، فالإنسان حسب هذا الميثاق موعود بالحياة الخالدة إذا ما نفذ الشروط بدقة أثناء الحياة الدنيا[15]. إن حقوق الإنسان وفق هذا الميثاق المنصوص عليه في القرآن أكثر تقدما بالقياس إلى جو محيط و تاريخ سابق (منطقة شبه الجزيرة العربية) وحقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة الفرنسية بعد عصر الأنوار سوف تكون شيئا مختلفا تماما لأن التاريخ إختلف، والمجتمع إختلف ولأن الفكر البشري قد حقق إنجازات لم تكن ممكنة في القرن السابع الميلادي[16].
معضلة تأويل النص، نصر حامد أبوزيد:
و ستعرف معضلة النص فهما آخر مع قراءات نصر حامد أبوزيد، والشيء الذي أدهشنا في قراءاته، جرأته أولا، وكثافة معارفه لما تحمله من منابع متعددة ومختلفة، فحمولته المعرفية الكثيفة جعلت من تأويله تأويلا حيويا و غنيا، يفتح المجال أمام حوار مفتوح على الدوام ويرى أبوزيد أن قدرنا اليوم هو الإنفتاح على جميع مصادر المعرفة حتى مع تلك الوافدة من الغرب و التي باستمرار تضعنا أمام موقف الصدمة، ومن الضروري استثمار هذه الصدمة، خلافا لما حدث مع مفكري عصر النهضة، الذين غفلوا عن كيفية التعامل مع الراهن، فراحوا يضعون ثـنائيات تصادمية، جعلت من الفكر أكثر رجعية على الرغم من شعارات التقدم و الطليعة… بحيث أنتج هذا الفكر صراعا كنا في غنى عنه، صراع ما هو قديم مع الحديث، و الأصيل مع المعاصر، والسلف مع الخلف… لم نتعامل جيدا ولم نفهم واقعنا الذي كان نتاج الصدمة، لم نحاول فهمها فهما موضوعيا علميا "أو حتى فنيا": مثل هذا الصراع ثبط عزائم العقل الإسلامي و مبادراته من أن يباشر في وضع مساهماته ومشاركته في بناء العالمية، وأجد تشخيص أبوزيد لمحاولات قراءته للتراث جد هامة فموقعنا في العالم، بالنسبة إليه هو موقع في حالة حوار جدلي مع الغرب، فسواء اخترنا من التراث أم اخترنا من الغرب فإن اختيارنا قائم أصلا على الحوار الذي يدعم موقعنا وإدراكنا مثل هذه الجدلية تخلصنا من حالة الفوضى التي يعاني منها النص التنويري في قراءاته الفكرية المعرفية، فالمتمحص في حالتنا الثقافية لا ينكر مثل هذه الفوضى[17].
يقف نصر حامد أبوزيد وهو ليس بعيدا عن محاولات أركون في ممارساته التأويلية، يقف موقفا أكثر إجرائية، يبادر بمساعدته التراث ليس في شروحاته وتفاسيره، إنه لا يقف عند مرحلة التدوين بما حملته من بداية للإبداع والخلق، ولا يحاول نَعْيَ مرحلة الإتباع والتقليد لواقع العقل الإسلامي، بل يسعى إلى تشخيص كليهما إنطلاقا من التجربة المعاشة، إنه يقرأ النص القرآني مباشرة يطرح معضلة النص بالشكل التالي: كيف يمكن الوصول إلى المعنى الموضوعي للنص القرآني؟ وهل في طاقة البشر بمحدوديتهم ونقصهم الوصول إلى القصد الإلهي في كماله وإطلاقه؟ إن مثل هذه الأطروحات لا يمكن لأي معرفة معالجتها سوى القراءة النقدية و بآليات تأويلية وحدها بإمكاننا معالجة المعضلة، باعتبارها تقف بصورة جدية عند عناصر البنية المشكل منها فعل القراءة التي تطرح صعوبات حول (المؤلف / النص / الناقد) أو (القصد/ النقد/ التفسير)[18]، ونلمح عبر هذه المعضلة الهاجس المؤرق لمفكرنا، كيفية الإسهام في بلورة و تأسيس معرفة عقلية بالنص القرآني (المقدس) إذ الملاحظ كما يقول أبوزيد: "أن ما يجمعنا نحن المسلمون موجود في النص، وينبغي التسليم بذلك، لكن الوصول إليه وبلوغه لن يكون إلا من خلال القراءة التأويلية، باعتبار التأويل العملية الأمثل للتعبير عن عمليات ذهنية على درجة عالية من العمق في مواجهة النصوص والظواهر.[19]
بالإضافة إلى معاداته للقراءات المؤدلجة المكرسة لخطابات العنف الفكري تلك القراءات الـتي حولت النص إلى بوق لا يسمع منه سوى أصوات الموجهين، وليس صوت النص، فلحقه غياب كلي لكينونته، لأنه تم تناوله من منظور مؤدلج، همه الوحيد التكلم باسم النص، و ليس الـتكلم لأجل النص. و تبرز على خلاف ذلك وظيفة التأويل التي تسعى إلى فهم الواقع فلا فكر خـارج الواقع المتضمن لجميع أشكال التعارض والتباين، إذ لا ينبغي حصر دراسة الـتراث على الماضي، واجترار أفكار أمجاده، فالعلاقة بين الماضي والحاضر علاقة تواصل وجدل تستوجب قراءة الماضي لفهمه وتجاوزه لا لتقديسه[20] فلا شك إذن كما يرى –حامد أبو بزيد- أن التأويل وهو الوجه الآخر للنص يمثل آلية هامة من آليات الثقافة و الحضارة في إنتاج المعرفة وتقودنا قضية التأويل إلى دراسة مفاهيم و مقولات القدامى عن اللغة بجوانبها المختلفة خاصة من الزاوية الفلسفية، والكشف عن الأسس الأنطولوجية بالمعنى الوجودي، والمعرفية التي شكلت هذا المفهوم كما يمكنه بلورة و إنتاج الكثير من المفاهيم النقدية والبلاغية في التراث، وخاصة فيما يرتبط بالتصوف[21]، إننا مطالبون أكثر من وقت مضى باستثمار هذا الفضاء الكثيف، والذي يريد أن يعبر عن نفسه أنه نص، عالم يريد أن ينفجر، ولا يمكن تفجيره ونَسْفِهِ إلا بحضور المثقف اللا-متردد أي المبادر و اللامنهزم، صاحب الموقف، ونشوة المخاطرة تغمره باعتبارها أصل وجوده، وهنا وفي هذه اللحظة بالذات تكمن قيمة و إجرائـية التأويل. إن التحدي حسب أبوزيد ليس العمل على حماية التراث من التشتت و الضياع، فالأولوية في المـرحلة التي نعيشها في الزمن الحاضر هو حماية وجودنا نفسه. بعد أن أصبح التحالف بين العدو والقوى الرجعية المسيطرة في الداخل حقيقة بارزة [22]: مثل هذا الوضع خلق نوعا من التحدي المضاعف من قبل مشاريع التنوير، لكن هل نجح العقل الإسلامي في زعزعة أنساق الروح الدوغمائية؟ وهل استطاع إزاحة منطق الإنغلاق و الهوية القائم على استعلائية الخطاب الرجعي، والثقافة السائدة بتعبير –أدونيس- هل استطعنا مـحاكمة العقل والتشكيك في إمكاناته المعرفية؟ أن المسلّم به هو نجاح العقل الإسلامي حاليا في إنتاج قراء و نقاد ممتازين، يتأرجحون بين محنة السؤال، ومهنة المساءلة، من أمثال، حسن حنفي، أركون وأبوزيد (حامد) وعلي حرب… حاولوا على الدوام إيجاد آليات قراءة تجد الحلول قبل انفجار الوضع علينا بقيادة الأنظمة الكـليانية Les régimes totalitaires التي تحسن توزيع أساليب الردع والإقناعdissuasion ، وإلقاء الخطابات المفخمة Discours emphatiques حول ما يقال على التقدم و الحرية، و الوعي، و الحداثة. وطبيعة ا لنظم و الإيديولوجيات معها تحول النـص إلى عالـم واحــد موحـد Monde unique يوحد كل الذهنيات ويتخذ لنفسه طابع الأقنوم Hypotase و إلى نموذج أصلي archétype و يتم اعتباره حقيقة مطلقة، مسيجة بالنظرة/الروح الدوغمائية تضفي عليها هالة القداسة، و التبجيلية، وعليه فإنه لا يخفى علينا بأنه ثمة مقدسات جديدة وأديان حديثة هي الإيديولوجيات، إذ الفكر الإيديولوجي تغلب بصورة جلية على الفكر العلمي[23]، وخاصة علوم الإنـسان، و مع الإيديولوجيا تم تكريس غطرسة العقل ممثلا في النزعة العقلانية وجبروته Rationalisme منذ بداية عصر الأنوار بالغرب Lumières، وعصر النهضة عندنا و أبوزيد يؤكد على القراءة الموضوعية للنص القرآني، فإنه ينفلت من كل قراءة نمطية نسقية مغلقة وهذا ما لم يدركه بعض من تعاملوا مع نقد النقد من أمثال جابر عصفور وعلي حرب.
فالأول يتخوف مما سيؤول إليه مشروع أبوزيد، إذ يرى أنه لا يمكن لأي مفهوم موضوعي للإسلام أن يتجاوز الأطروحات الإيديولوجية[24]، لكننا نرى بأنه وعلى الرغم من كوننا كائنات تعيش واقعنا في مختلف تجلياته الســوسـيولوجية و التاريخية و الإقتصادية، إلا أن تأويلنا يحاول أن يخترق ويتجاوز ويزحزح عبر آليات القراءة تعتيم الخطاب المضلل، بدون أن نقع في فخ اللعبة، علينا أن نمارسها من داخلها على أرضها مع أخذ الحذر عدم الـــوقــوع في مـــفــارقـــة و استعلائية مفرطة، فلا أجد، على هذا الأساس، أي مانع من قراءة النص وأنا متجرد من أسماء العَلَمْ. لكن أسئلة وتخوف جابر عصفور على الرغم من ذلك تبقى مشروعة، إذ نبقي على السؤال حول إمكانية تحديد مفهوم موضوعي للإسلام بعيدا عن علاقات التناص المعقدة و شبكة لا يفارق فيها النص تأويلاته؟ إن إنجاز أبوزيد في دراسته للنص القرآني، وأن تناسي البعد الإيديولوجي فبإمكاننا أن نجعله يتجلى، لحظة تحليله لآليات اشتغال النص، وفي بحثه عن شروط إمكان الوحي، ألم نقل أن كل قراءة للنص إنما هي قراءة بروكستية، حيث يـقطع عبرها القارئ أجزاء النص ويجذب إليه أجزاء أخرى حنى تنسجم مع التأويل الذي يـقترحه و يفرضه على النص[25].
الهوامش
[1]- إن معضلة قراءة النص القرآني أصبحت تثير حساسية مفرطة أكثر من أي وقت مضى لدى قراء الإيديولوجيات المنفعية التي أعتقد أن ما يهمها من وراء ذلك فهم جوانبه السطحية فقط أما القراءات المعاصرة للنص فصنعت الحدث التنويري حسب إعتقادنا، فجرأة ممارستها لآليات القراءة تعدت حدود النص لتغوص في أغواره وحاولت كشف طبقاته المتوارية لمدة طويلة من الزمن.
[2] - أبوزيد، نصر حامد.- مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن.- الطبعة الرابعة، المركز الثقافي العربي، 1998.- ص.9.
[3] - شوقي، زين محمد.- مفتاح التأويل في قراءة التراث الإنساني.- مجلة فكر ونقد، السنة الثالثة، العدد 28، أفريل 2000.- ص.60.
[4] - أبوزيد، نصر حامد.- فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محي الدين ابن عربي.- الطبعة الرابعة، المركز الثقافي العربي، 1998.- ص.ص.16-17.
[5] - ابن عربي، محي الدين.- الفتوحات المكية.- المجلد الثالث.- ص.193.
[6] - طه، عبد الرحمن.- تجديد المنهج في تقويم التراث.- الطبعة الثانية، المركز الثقافي العربي، 1993.- ص.ص.150-151.
[7]- أبو زيد،نصر حامد.- النص، السلطة، الحقيقة.- الطبعة الثانية، المركز الثقافي العربي، 1997.- ص.ص.150-151.
[8]- التفكيك Déconstruction: إستراتيجية Stratégie، براعة ودهاء.Stratagème فحص النصوص والموضوعات يسعى التفكيك إلى كسر منطق الخطاب الوثوقي القائم على الثنائيات. صواب – خطأ، وهم – حقيقة، شر – خير. ولقد إستفاد دريدا، مؤسس التفكيكية، من سابقيه في عملية تقويض دعائم الميتافيزيقا دون العمل على تجاوزها، نيتشه، هايدغر، فوكو. إن التفكيكية لا تراقب النص من الخارج باعتبارها نص خارجاني Le Dehors، كما رأت فيه الماركسية والوضعية المنطقية وإنما يخترقها لتغوص في أعماقه وينخرط في نظامها من الداخل باعتباره نص يحمل جوانيته Le Dedans، النص عند جاك دريدا ليس تـلك البنية المتناسقة والمتكاملة التي تضمن استمرارية دلالة جوهرية وخصوبة رمزية، النص هو طبقة رسوبية من نصوص تضرب جذورها في أعماق العقل البشري (أنظر تعريف النص و التفكيكية عند محمد أركون).
[9] - مثل هذه الممارسة التأويلية القائمة على الحفر والتنقيب والتفكيك تندرج ضمن دراسات تاريخ الأفكار الذي أرسى دعائمه الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو (أنظر حفريات المعرفة L’Archéologie du savoir، ترجمة سالم يفوت).
[10]- مسطح لا-مثولي: إستعمال دولوزي المفكر يخلق المفاهيم عبر حركة المفهوم ذلك أن أي عملية إنتاج منظومة معرفية لا تتم خارج المفهوم أو بعيدا عن العبارات والجمل. ونحن أمام النص نتحول إلى مفاهيم فلسفية تتحرك ذهابا وإيابا عبر أمكنة وأزمنة ومشاهد فهي بمثابة فضاءات (نحن نكتب دائما من أجل إعطاء الحياة ومن أجل تحرير الحياة مما يعتقلها ومن أجل رسم الخطوط للهروب.
Voir DELEUZE, Gilles.- Entretien avec Raymond Bellour et François Ewold.- in Magazine Littéraire, N°257, Septembre 1988.
[11]- أركون، محمد.- الفكر الإسلامي، قراءة علمية.- ترجمة هاشم صالح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 1996.- ص.55
[12]- تندرج أعمال محمد أركون ضمن قراءات فلاسفة ما بعد الحداثة لحظة تبنيه الممارسة التفكيكية و الحفرية بحثا عن أغوار وكنوز النص، لا يعترف بمعنى شامل كليا في النص بل ينص على خصوصيات العبارة ونمط وجود النص وتاريخية تأسيسه وتكوينه، فالنص مع أركون يغدو طبقة جيولوجية من نصوص تضرب جذورها في أعماق تاريخ العقل البشري، راجع محمد أركون: تاريخية الفكر العربي الإسلامي، مركز الإنماء القومي والمركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة، 1998.
[13]- أركون، محمد.- الفكر الإسلامي، نقد و إجتهاد.- ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي، الطبعة الثالثة، 1998.- ص.ص.314-315.
[14]- ARKOUN, Mohamed ; BARRMANS, Maurice ; AROSIO, Mario.- L’Islam, Religion et Société.- Interview dirigé par Mario AROSIO; traduit de l’Italien par Maurice BORRMANS.- Paris, Editions Cerf, 1982.- p.p.50-51.
[15]- Ibid.- p.21.
[16]- أركون، محمد.- الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد.- ص.317.
[17]- أبوزيد، نصر حامد.- إشكـاليات القراءة وآليات التأويل.- المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة، 1996.- ص 14.
[18]- المرجع نفسه.- ص19، القصد/النص/الفهم. مغامرة أبوزيد الكتابية وجرأتها تكمن في محاورته لنصوص تراثية هامة ك "ابن عربي" وسيبويه والمعتزلة… إن الفهم لا يكون والنص اللغوي ثابت مادام المدلول في حالة تغير دائم وخلق جديد. يستوي في ذلك النص اللغوي العادي، والنص القرآني الدال على حركية الوجود الدائمة "إن اللغة قوة دلالية في ذاتها تجعلها قابلة لتعدد التفسيرات على مستوى الدلالة الوضعية الظاهرة للغة ابن عربي." فتوحات مكة، راجع أبوزيد (حامد) إشكاليات القراءة وآليات التأويل، 12، المرجع نفسه.- ص.192.
[19] - المرجع نفسه.- ص.192.
[20]- يشير نصر حامد أبوزيد بهذا الصدد على أن إصراره في استخدام مفهوم التأويل إنما هو بمثابة العودة إلى الأصل. إن كلمة تأويل هي التي استخدمها قدامى المفسرين أمثال محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) الذي اطلق على كتابه "في التفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن."
[21]- ينفتح التأويل بـصورة جلية على النص العرفاني لدى أبوزيد، فالأمر لا يتوقف عند حدود النص القرآني فحسب بل حتى إشكالية كيف نقرأ العرفان الإسلامي. مساءلة مهمة بالنسبة إليه، فالتجربة العرفانية باعتبارها محتوى أنطولوجي ومعطى فينومينولوجي وتأسيس تاريخي تنتج خطابا لها دلالتها ونظام ظهورها، يجمع بين الفكر والذكر، بين التفكير والتدبير، راجع نصر حامد أبوزيد: فلسفة التأويل عند ابن عربي.
[22]- أبوزيد، نصر حامد.- مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن.- المركز الثقافي العربي، 1991.
[23]-حرب، علي.- نقـد النص.- المـركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1993.- ص 218.- إن المسلم به مع نهاية القرن العشرين أن أوهام الإيديولوجيا استطاعت أن تكتسح كل المنظومات الفكرية، وخاصة علوم الإنسان، لدى تبقى استراتيجية الإنفلات من قبضتها واردة إلى ما بعد هذا القرن.
[24] - عصفور، جابر.- هـوامش على دفتر التنوير.- المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1994.- ص.58.
[25]- يـشبه القارئ بِبْرُوكِسْت، وبروكست هذا قاطع طريق يوناني كان يعذب ضحاياه بطريقة فريدة من نوعها: كان له فراشان، فراش كبير وفراش صغير، فكان يطرح المسافرين الطويلي القامة على الفراش الصغير، والقصيري القامة على الفراش الطويل، ويحاول أن يجعلهم على قد الفراش. راجـع ع. العروي وعبد الفتاح كيليطو: مساءلة القراءة من كتاب المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال، الطبعة الثانية، 1993.- ص.20.