Sélectionnez votre langue

الهوية الناعمة و الهوية الخشنة

إسانيات 47-48 | 2010 |جماعات، هويات و تاريخ | 41-55 | النص الكامل


Unyielding tough identity and mild conciliatory identity.

Abstract: To a conciliatory identity, founded on ideas diffused and carried by a vaguely outlined social category, we can oppose the unyielding tough collective identity, carried by a group social structure whose elite produces and diffuses a systematic ideology. This article aims at starting an outline of the tough unyielding identity. The main characteristics analyzed are relative to the never changing and exclusive classification which it imposes, characterized by natural, homogeneous, purist, imperative, and totalitarian conceptions which found it.

Keywords : Cultural identity - ethnicity - community - tradition - inter-culture.


Hassan RACHIK


 

تفترض الهويات الجماعية بُنى اجتماعية و انساقاً إيديولوجية، وتصعب مقاربتها ككتلة واحدة لشدة تعقيدها و غياب التجانس عنها، إذ أنه توجد كيفيات متعددة لحمل هوية جماعية ما. و من ثمة يمكن القول إن بعض هذه الهويات خشنة[1] و ثقيلة الحمل و بعضها الآخر ناعمة و خفيفة الحمل. ونستطيع تقدير وزن هوية من الهويات الجماعية من خلال المجالين السوسيولوجي و الأيديولوجي في آن واحد؛ فهو يتغير حسب مدى هيكلة الجماعات الاجتماعية المعنية. و على سبيل المثال، فالمجموعة القبلية، أو أية مجموعة أخرى، تنتظم حول الأملاك المشتركة ويكون لديها تنظيمات جماعية لاتخاذ القرار، فإن حمل هوية بعينها يقتضي [من أفراد الجماعة] واجبات و حقوقاٌ سياسية. و هنا تتجلى أهمية البعد العملي للهوية الجماعية.

يترتب عن الانتماء إلى الجماعة، وحَمْل هويتها أو المطالبة بها، حقوق (الاستفادة من الأملاك الجماعية) و واجبات سياسية (المشاركة في تمويل و تسيير هذه الأملاك). يقصى من الحياة السياسية للجماعة كل من يُعتبر غريباً عنها. و مهما تكن مدة الإقامة التي قضاها ضمن الجماعة، فإنها لا تمنح له الحق و لا تعد شرطا كافيا للاستفادة من الأملاك الجماعية. لا تعبر الهوية العملية عن نفسها من خلال خطاب مجرد و منسق، بل يتم الُتفاوض عليها، والمطالبة بها أو النقاش حولها في إطار سياقات اجتماعية و سياسية ملموسة.

فعند إحدى قبائل الأطلس العالي، برز أحد مظاهر إقصاء الأجانب جليا أثناء قيام أفرادها بشعيرة توزيع لحم البقرة التي نحرت تبركاً بالوالي الصالح للمنطقة، إذ لم يستفد من حصص اللحم سوى أرباب الأسر الذين هم أعضاء في الجماعة. و سنلخص مرحلة من مراحل إحدى الشعائر التي عايشناها عام 1988، التي تبرز الاستعمالات الملموسة عند هوية سياسية، حيث تم فيها تبني غريب من قِبَل جماعة القرية.

فبعد ما أُعِدت قائمة لذوي الحقوق (و الذي كان عددهم في حدود الستين) سُئِلَ الحاضرون إذا لم يُنْسَ أحد أرباب الأسر؛ و أثْر ذلك، أقترح أحد الحاضرين، و هو رب أسرة شاب، إضافة اسم مقيم إلى القائمة، الأمر الذي عارضه المنظم الذي كان يمسك بالسجل بحجة أن ذلك الشخص لم يكن عضواً ضمن جماعة القرية. ولم ينكر عليه أحد أنه كان ينحدر من مدينة كانت أمه هاجرت إليها بعد زواجها،تاركة القرية التي تنحدر منها.

و عندما توفى والداه، عاد الغريب، منذ اثنتي عشرة سنة، إلى قرية الأم أين ورث أملاكا عقارية و بقي، طيلة تلك المدة، محروما من توزيع الذبائح و المشاركة في الاجتماعات التي تقيمها جماعة القرية. رافع رب الأسرة الشاب، الذي كان يساند إدماج الشخص الغريب، مرافعة مطولة و قيمة، مستشهدا بالحجج السياسية على وجه التحديد؛ و مذكرا بالعديد من الحالات التي اُعْتُبِر فيها الغريب عضوا من أعضاء الجماعة (كالإسهام في المصاريف الجماعية، أو دفعه لغرامات مقابل إخلاله بالالتزام العام القاضي بتنظيف قنوات الري الخ...). ملخصاً مرافعته بصيغة تهكمية قائلا "عندما تكون هناك شدة، وقتها فقط تحصونه منكم" لائما بذلك الموقف الغامض للجماعة، التي كانت تقوم بدمجه لما يتعلق الأمر بسداد الالتزامات و تقصيه لما يحين وقت منح الحقوق، لِينتهي النقاش إلى آراء متباينة رغم أن عدد الأشخاص المؤيدين لِدمجه ارتفع. و عليه، فقد كان لا بد من انتظار توزيع لحم التضحية لمعرفة القرار النهائي: و بالفعل حصل الغريب على حصته من اللحم مما يكرس مكانته السياسية الجديدة.  (Rachik, 1992 :129-147).

تقوم الهوية القبلية على المرتكز السياسي، و هو الأمر الذي يجعلها قابلة للتبدل في سياق محدد؛ حينها يصير بالإمكان إما اكتسابها أو فقدانها. إن مكانة الغريب، هذه، تجسد الخاصية و المحتوى السياسيين لِلهوية القبلية بكل وضوح. حيث يتم إدماج هذا الأخير ضمن الجماعة المضيفة من خلال سيرورات عدة. فقواعد انصهار و تبني الغرباء متنوعة و هي تخضع إلى درجة تفتح الجماعة الاجتماعية المسْتَقبِلة لهم، والى الحجم و المكانة الاجتماعيين للغريب. و قد نجد غرباء يقيمون في جماعات منذ أجيال متعاقبة إلا أنهم لن يُدْمَجوا إطلاقا فيها. ومما لا ريب فيه، فإن الاندماج في جماعة ما و حمل اسمها تعد سيرورة سياسية في جميع الحالات، و يبقى الأساس الثقافي مجرد عامل تكميلي.

فقد يأتي غريب من قبيلة مجاورة، يتكلم اللغة نفسها، و يشترك في الدين وفي العادات نفسها مع القبيلة المضيفة إلا أن هذا يبقي غير كافٍ لِدَمْجِه. (Gellner : 60-63 ; Rachik, 2002 :117-158 ; Rosen, 1984 :53-57)                     

تقوم الهوية الجماعية لدى المجموعات الصغيرة التي تمتلك بنى لاتخاذ القرار، على المكانة السياسية في المقام الأول، و يقتضي ذلك نسقا معينا من الواجبات، الحقوق و الامتيازات. فالأشخاص الذين ينتمون إلى قبيلة ما ،أو جهة، أو بلد، و يقيمون بمدينة ما، يستطيعون إثبات و تماثل ذواتهم بالرجوع إلى جماعاتهم الأصلية، لكن طالما هم يكتفون بذكر أصولهم منفردين و طالما هم لا يتعارفون فيما بينهم و لا ينتظمون بشكل دائم، فهم يشكلون شريحة (catégorie) اجتماعية أكثر مما يشكلون زمرة (groupe) اجتماعية مهيكلة. وقتئذ، تكون المرجعية إلى الهوية رخوة و الأشخاص المعنيون بها يستعملونها بوصفها نظاما تصنيفيا و نادرا ما تصبح مصدرا أو مرجعية لتسوية المسائل العملية الخصوصية ( اقتراض، زواج، تبادل خدمات، الخ.). و عندما يتعلق الأمر بالأفكار، فإن هذه الهويات الجماعية تُخْتَزل، واقعيًا، في جرد للسمات الثقافية و القوالب النمطية.   

فإذا نظرنا، و لو باختصار، إلى توظيف الهويات الجماعية في مدينة مغربية صغيرة، انطلاقا من الدراسة التي قام بها جيرتز (Geertz) حول السوق souk. فهذا المؤلف يرى أن الخاصية الرئيسية للسوق هي أن الخبر ليس قابلا للتصديق، فهو يرى السوق عبارة عن مسابقة للأخبار، و ما قد يؤلم في السوق هو جهل (البعض) بما يعلم الآخرون. فالمعلومة بخصوص ثمن، نوعية و وزن السلع تكون صعبة الوثوق بها، إلا أن عناصر السوق المختلفة تُقَاس بمدى فعاليتها كوسيلة بحث عن المعلومة الصادقة. كما أنه أوضح كيف يكون اللجوء إلى النسبة[2]nisba بوصفها أداة تسمح للناس بالوصول إلى المعلومة التي تُصَدق أو هي قابلة للتصديق بتعبير أدق.

تعد النِسْبة نسقا تصنيفيا محليا، يتيح للناس التعرٍيف بذواتهم بالرجوع إلى عائلتهم، قريتهم، قبيلتهم أو مدينتهم، و غالباً ما تُدْمج في أسماء الأشخاص (كأن نقول مثلا عمر يزيغي = عمر من قبيلة يزغاة). و لذلك، لا تتم مقاربتها فقط على أنها مجرد تمثل لِما هو عليه الناس، إنما أيضا باعتبارها مجموع مبادئ و تصنيفات ثقافية، توجه هؤلاء الناس من خلالها تفاعلاتهم. و بتعبير آخر، فهي بناء ثقافي يوفر نسقًا تصنيفيًا يسمح للأشخاص أن يتصوروا ذواتهم و ذوات الآخرين،إضافة إلى أنها إطار يتيح لهم تنظيم بعض من صفقاتهم.

فمعرفة نِسْبَة شخص ما تسهل عملية البحث عن الشريك الجدير بالقبول، الذي عادةً ما ينتمي إلى القبيلة نفسها. تُحُد هذه الإستراتيجية الرئيسية من تكاليف البحث عن الشريك؛ و تحول دون التلاعب في وزن و نوعية السلع أثناء التبادل الذي تكون فيه الأطراف وجها لوجه. فاستخدام الهوية القبلية في السوق لا يستند على القبيلة باعتبارها وحدة اجتماعية-سياسية. إذ في المدينة، يصنف الناس ذواتهم و ذوات الآخرين مستحضرين (انتماءاتهم) إلى تجمعات إنسانية عريضة ذات بنى مرتخية و قد تكون حتى بالية (اتحادات قبلية، جهات...).

فالأشخاص الذين يستشهدون بمثل هذه الهويات لا يتعارفون فيما بينهم و نظرا لعددهم لا يمكنهم معرفة بعضهم البعض شخصيا. و في المدينة دائما، تختزل الهوية الجماعية و المعلومات التي تُلْحَق بها في عدد من القوالب النمطية التي تهدف إلى تميز شريحة اجتماعية التي يكون بعدها عريضاً، و محتواها رخوا و حدودها مبهمة. [مثل أن نقول] أن الأشخاص المولودين في فاس هم تجار قماش، أما الذين ينحدرون من سوس فهم أصحاب دكاكين الخ. (Rosen 1984 : 21-28)

إن العلم، خلال التعامل التجاري بأن السوسي بقال وبخيل و ذو سيرة حسنة، لا يقدم و لا يؤخر في شيء. و لا نكف عن القول، إلى أي مدى يؤمن الناس بالقوالب النمطية التي يلصقونها بهوية جماعية محددة و كذلك إلى أي مدى تُأْخَذُ بعين الاعتبار في تفاعلاتهم.

الظاهر أن المعلومات التي يحاول الناس الحصول عليها تكون أساسا عن طريق تجاربهم الشخصية و تجارب أناس آخرين كانت لديهم علاقات مع الشريك المحتمل. يدعم قييرتز فكرة أن النسبة لا تقدم إلا تخطيطا مبهما لما هو عليه الفاعلون وان المعلومات ذات الأهمية تُسْتقى أثناء عملية تفاعلهم. و يستخلص أن التصنيف المقولتي (catégorisation) مثل النسبة يفضي، وهذه مفارقة، إلي فردانية مفرطة (hyper-individualisme).

يستند الفاعلون (عند ما تقتضي الضرورة) إلى المعلومات التي لها صلات بالهويات الجماعية لشركائهم، و متى كانت هناك معلومات أخرى مستقاة، يُتَفاوض على المصطلحات التي تحدد انتماءاتهم (القبيلة،الدوار، القرابة) خلال التفاعل. (Geertz, 1986)

عندما تتلاءم الجماعة المكتملة مع شريحة اجتماعية عريضة، وقتها تكون هويتها ناعمة و تُخْتزل في تصورات جاهزة ذات التأثيرات المحدودة على التفاعلات الاجتماعية.

و عند ما توظف هذه الهويات الجماعية كوسيلة تجنيد و أداة سياسية، يفترض من الجماعة المعنية أن تكون منظمة (أو هي في طريق التنظيم) بصفة لا صورية (القبيلة) أو صورية (عند ما يخص الأمر: جمعية، حزب سياسي، الخ.)

يمكن للتجنيد أن يـبـنى على أسـاس إيـديـولـوجـيـا هويـاتـيـة (idéologie identitaire) ظاهرة و منسقة؛ و قد أظهرت مختلف الدراسات حول الوطنية أنه كلما كانت الجماعة منظمة بصفة كبيرة (الحركة الوطنية) و الايدولوجيا منَسَقة بصفة كبيرة، كلما ازدادت الضغوطات و تعددت على الأعضاء وغدت هذه الايدولوجيا ثقيلة التحمل، وأقصى تلك الحالات، واجب التضحية بالحياة من أجل الأمة.

و ضمن هذا النموذج الواسع من الهويات "الخشنة"، فإني أقترح الشروع في وضع ملامح لايدولوجيا الهوياتية المتسلطة.  

التصنيف الأحادي

لقد رأينا أن الهوية الجماعية يقتضي تصنيفا للناس و الجماعات الاجتماعية. و تَتعدد مقاييس هذا التصنيف ما بين: السياسة، الدين، الجنس، العرق، الجنسية، الخ. وهذه كلها مقاييس مَُصَنِفة، إلا أن تصنيف الناس و الجماعات لا يكون بالضرورة حصريا و لا أحاديا.

يستطيع الأشخاص، الذين يفصلهم الدين، التذرع بالجنسية كقاسم مشترك بينهم. و عكس ذلك، فالأشخاص الذين تفرقهم الجنسية، قد يتذرعون بالدين المشترك، أو باللغة المشتركة، الخ. كما أنه يمكن المطالبة بعدة هويات مع وضع ترتيب هرمي لها أو الاكتفاء بذكر المجموعة (البشرية) التي ينبغي للفرد أن يُظْهر لها ولائه الأقصى : كأن يكون إسبانيا قبل أن يكون كتالونيا، مغربيا قبل أن يكون مسلما، عربيا قبل أن يكون مسيحيا، الخ، أو على العكس من ذلك.

و قد يكون الانتقاء ما بين الهويات المتعددة قائما على مبدأ التراضي؛ و في مثل هذه الحالات، تنتفي مسألة الهرمية و نتحدث وقتها عن الهوية العديدة و المتعددة و نساوي بين مختلف الهويات الجماعية التي ندعي الانتماء إليها.

و قد نتعرف على الهوية الصلبة من خلال نموذج تصنيفها البسيط و الثنائي للأشخاص و الجماعات الذي تفرضه، فهي تتبنى مقياسا وحيدا لتعريف الجماعة و جعلها تتعارض مع الأخرى، و تفرض تعريفا ثابتا و تنفي نسبية أو هرمية الهويات الجماعية. لا ينبغي أن يكون لدينا إمكانية الاختيار بين الهويات المتعددة أو المطالبة ببعضها وفق (اختلاف) السياق، و إنما ينبغي علينا حمل إحداها مهما كان هذا السياق.

ولا يوجد ترابط ضروري بيت الهوية الصلبة و الهويات الجماعية، إذ في غالب الأحيان، الهوية الجماعية ذاتها تكون موضوعا لعدة إيديولوجيات؛ و الصيغة الصلبة ليست إلا إحدى الصيغ فيما بين الأخريات. و مثال ذلك، أن القومية العربية تشكل موضوعا لإيديولوجيات عدة، و صيغتها الصلبة التي تقصي الهويات الوطنية، الأقليات، اللغات غير العربية، الخ، ليست إلا صيغة من بين صيغ أخرى.

توجد صيغ أخرى، أقل تسلطا، تعترف بالهويات الوطنية لكنها ترفع الهوية العربية فوق كل الهويات (الأخرى). وبالتالي، تتجه الهوية الصلبة هذه، إلى إقصاء كل ما ينازع الولاء، وقد يكون، هناك، تنازع لهذا الولاء عند ما يضطر أعضاء الجماعة الاجتماعية إلى الاختيار الصعب ما بين الهويات التي يزعمون الانتماء إليها.

فأثناء حدوث تمرد قبلي، هل يتوجب أن يبقى (الإنسان) وفيا للقبيلة التي ينتمي إليها أم لأمته؟ و الأمر سواء عندما يكون هناك نزاع ديني، حينئذ هل يخلص الإنسان لأمته أم لدينه؟ و يغيب وجود مثل هذا التنازع حينما يكون الولاء محصورا على القبيلة، الدين، أو الأمة، فغياب تنازع الولاء ليس سمة من سمات الهويات الصلبة، بل هو نتيجة للتصنيف الأحادي الذي تفرضه (على المنتميين إليها).

تموضع الهوية

قد تتأسس جماعة اجتماعية ما على هوية ثقافية، و هذا يعني أن أعضاء هذه الجماعة يتقاسمون عناصر ثقافية موضوعية: مثل اللغة، الدين، العادات، الخ. تبالغ هذه المقاربة الماهيتية essentialiste بشأن الأسس الموضوعية للهوية الجماعية و لا تعير أسسها الذاتية أية أهمية. فالهوية الجماعية قد لا تقوم انطلاقا من السمات الثقافية المشتركة التي يلاحظها الباحث؛ ويتوجب على الفاعلين (الاجتماعيين) أنفسهم، أيضا، أن ينظروا إلى هذه السمات على أنها عناصر تميزهم عن الجماعات الاجتماعية الأخرى.

  فالناس الذين يتكلمون اللغة نفسها، و يدعون أصول مشتركة أو يمارسون نفس الديانة، لا يتقاسمون بالضرورة الهوية الجماعية نفسها. إذ يشكل الاعتقاد الذاتي، في هذه العناصر (أو في إحداها)، بعدا أساسيا في تعريف هوياتهم ؛  و بالتالي، فالعنصر الموضوعي غير كافٍِِ. لذلك لابد من النظر إلى الأشخاص المعنيين إذا كانوا هم أنفسهم يستعملونه بوصفه مقياسا للتصنيف أو عنصرا هوياتيا، أم لا.

  يمكن تصنيف الأشخاص، موضوعيا، وفق لون بشرتهم لكن ذلك يكون فقط عندما تعتقد الجماعات المعنية أن اللون يشكل عنصرا اجتماعيا و ثقافيا مميزا، حينها يتحول العامل الموضوعي إلى عامل هويتي؛ و لا يشكل اللون رمزا هويتيا في العديد من البلدان.

 ينطبق هذا أيضا على السمات الثقافية، حيث أن البعض منها، التي تؤخذ بعين الاعتبار في تعريف الهوية الجماعية لا تكون تلك التي عرًّفَها موضوعيا المُلاَحٍظ و إنما قد تكون تلك التي أقرها الفاعلون أنفسهم معتبرين إياها مُحدِدات تمييزية وشعارات اختلاف.

  فالأشخاص الذين ينتمون إلى هوية جماعية، وفق هذا التصور، لا يتقاسمون حتما ثقافة مشتركة و لا نفسية مشتركة، لكنهم يلتقون حول بعض الشعارات، الأفكار و الرموز الكفيلة بإبراز الاختلاف الثقافي (Barth, 1969). و لذلك لا تكون الهوية الجماعية مبنية على العناصر المشتركة الموضوعية، و إنما حسب الاعتقاد الذاتي في بعض العناصر التي تعتبر مُميزة؛ و حتى الوجود "الحقيقي" للسمات الثقافية التي يقال على أنها أساس الهوية الجماعية، ليس ضروريا؛ و يكفي أن يؤمن بعض الأشخاص المعنيين بذلك.

  فقد تَبْني جماعة ما هويتها على تاريخ مشترك متخيل و على سلالة نَسبية مُخْتَلَقَة... وليس مفيدا، من وجهة نظر دراسة الهوية الجماعية، معرفة ما إذا وُجِدَ أم لا، التاريخ المشترك المثبت أو القرابة الفعلية.

ولا شك أن هذه التفرقة بين التصور الموضوعي و التصور الذاتي، تفرقة أساسية، بدون ريب ، في مقاربة الهويات الجماعية. و كثيرًا ما اجمعنا ما بين التعريف الموضوعي على أنه ذلك التعريف الذي يعده الملاحظ انطلاقا من عناصر موضوعية، من جهة، و التعريف الذاتي الذي يصوغه أيضا، الملاحظ انطلاقا من وجهة نظر الفاعلين، من جهة أخرى.

أعتقد أن هذا التعارض يخفي مظهرين أساسيين للهويات الجماعية : أولا، أن الفاعلين (زعماء القبائل،المثقفون،الإيديولوجيون الخ.) يصوغون كذلك تعاريف موضوعية للهوية الجماعية، ثانياً، أن ما هو مُنْتَقى ذاتيا أو مُتَصور من قبل بعض الفاعلين يُفْرَضُ على الآخرين و يغدو، بحكم الظروف، عنصرًا ذاتيًا خارجيًا. و هكذا، قد ينتقي الجيل الأول شعارا (باعتباره بعدا ذاتيا) و يُقَدم هذا الأخير إلى الأجيال اللاحقة على أنه عنصر هوياتي موضوعي، جاعلاً من هذه الأجيال تعتقد أنه قديم، تاريخي و حتى أزلي.

  تُقدَم الهوية الصلبة الأسس الهوياتية لجماعة ما على أنها موضوعية، وكأن الشخص ينتمي إليها في غفلة منه و ضد إرادته. و تصير العناصر الموضوعية هي التي تُحدد الهوية و لا يُتْرك أي بديل أخر لأفراد الجماعة. تعد المكانة المكرسة، أسلوبا يتم من خلاله تصور الهوية الجماعية. يرث الفرد، بكل بساطة، العناصر التي تعرف الهوية الجماعية التي ينتسب إليها. وأفضل مثال على ذلك هو ذلك المثال الذي يخص الهوية القائمة على الجنس. و ليس من باب الصدفة، أن تكون الإيديولوجيات الأكثر تسلطا هي التي تستعين بالسمات البيولوجية لبناء تصوراتها الخاصة عن الهوية.

 وكأن العناصر الثقافية تكون مُعدة لتمنح هوية جماعية بشكل موضوعي و بصفة آلية إذ تكثر الأمثلة في هذا الصدد : القوميون العرب يؤكدون على أن العربي هو الذي يتكلم اللغة العربية ولو أنكر ذلك، و المثقفون الأمازيغ يقرون أن كل سكان شمال إفريقيا هم أمازيغ ولو لم يتكلموا أية لهجة بربرية؛ بالنسبة لهؤلاء، إن الأرض هي التي تمنح الهوية و ليس اللغة فقط. فهوية جماعة ما تُقدم على أنها "طبيعية" و "موضوعية"و لا يملك الأفراد الذين ينتسبون إليها أي بديل آخر إلا القبول بالهوية التي تُمْنَح لهم موضوعيا أي بطريقة تسلطية؛ و لا يُقْبل أي تفاوض حول هذه الهوية و محتواهاً.

المجانسة الثقافية

  ذُكِر آنفاً،وباختصار،الكيفية التي يمكن لنا أن نميز بين الهويات الجماعية سواء كانت تلك المبنية على ألأنساق الثقافية غير الجلية و الضمنية أو تلك المبنية على الإيديولوجيات المهيكلة و المصرح بها. يتطلب أدْلَجة الهويات الجماعية من المختصين (المثقفون، الإيديولوجيون) تعريفا لهوية الجماعة المقصودة وهؤلاء هم الذين ينتقون الشعارات،الرموز، والأحداث التاريخية، أو أي عنصر آخر يمكن بواسطته تدبير نسق دال.

  فالمقصود بالإيديولوجية هو ذلك النسق من الأفكار و القيم الذي يبين، بشكل صريح، من نكون نحن و كيف ينبغي أن نكون و من هو الآخر. يمكن اعتبار هذه الاديولوجية تشكل الجزء »المُفَعَل « من النسق الثقافي. فهي تحدد لأفراد الجماعة، كيفيات التفكير التي تكون متطابقة معِ النَحْنُ (أنماط التراتب ما بين الهويات...) و السلوك (كيف نلبس، كيف نُحِّي بعضَنا البعض،..) والإحساس (أحداث تجعلنا سعداء أو حزناء). و تحدد كذلك مواقف و سلوك التعامل إزاء الآخر (فيما يخص التحاور معه، احترامه، احتقاره، نبذه أو إبادته).

تسعى الإيديولوجيات الهوياتية للمرافعة عن الأنساق الثقافية المتجانسة بوصفها هدفا أسمى. و تخضع كثافة المجانسة الثقافية إلى الدرجة الاجتماعية لانتشارها (ما تحت الوطني، الوطني والعالمي) و إلى نمط هذه الثقافة (ثقافة عالية، ثقافة سفلى، أو ثقافة بشكل عام). تعد المجانسة الثقافية، حسب قيلنر Gellner، ظاهرة حديثة احْتضنتها العقيدة الوطنية.

  لا تشترك المجموعات الاجتماعية الريفية، في المجتمعات الزراعية التقليدية، مع غيرها في أية ثقافة مشتركة. و بالأحرى، ما يميزها هو الفصل، و التميز و الانشقاقات الثقافية بين النُخب و بقية السكان. فليس من مصلحة أي شخص ترقية المجاسنة الثقافية، و تقتصر الدولة على جمع الضريبة و حفظ الأمن العام فحسب. و عليه، فإن الهوية الثقافية التقليدية (القبلية، الطائفية، الدينية...) تبنى على التراتب الثقافي أكثر ما تقوم على المجانسة الثقافية. ومن الصعب جدا تصور اشتراك الطبقة الارستقراطية في المجتمع التقليدي مع الفلاحين في الثقافة نفسها [ Gellner, 1983 :24-43 ; Eriksen, 1993 :102-104].

  وبالمقابل، نجد أن المجتمع الصناعي الحديث يتطلب المجانسة الثقافية، إذ لا ينبغي لنا أن نكون نتاج قرية أو زمرة، و لا ينبغي للثقافة أن تكون متنوعة و محصورة في أمكنة بعينها. كما لا يحق إطلاقا، لهذه ألأخيرة، أن تُقر التراتب الاجتماعي أو تشرعه. فالمجتمع الصناعي يقتضي سكاناً متحركين، يمتلكون ثقافة مشتركة و تكوينا عاماً يسمحان لهم بتغيير المهنة، وأيضا أنظمة الاتصال الظاهرة التي لم تعد مرتبطة بالسياق.

  يعتقد جيلنر Gellner، أن الوطنية هي نظرية الشرعية السياسية و القاضية بتطابق الحدود الثقافية مع الحدود السياسية للدولة. تعرّف الوطنية من خلال تلك الإرادة التي تجعل الثقافة و المجتمع في توافق تام. و في هذه الحالة، لا يتعلق الأمر بالثقافة بمعناها الواسع و إنما يتعلق بالثقافة السامية.

 فالأمة لا تؤسس على ثقافة مشتركة سبقتها في الوجود، بالعكس من ذلك، فإن تكوّن الأمم، و سيرورات المجانسة الثقافية التي تصاحبها و النسق التربوي الذي ينشر هذه الثقافة السامية هي كلها محصلات للتصنيع. و بحكم هذه الثقافة المشتركة، يغدو الفرد عضوا في الأمة مباشرة. فالتجانس الثقافي الذي تسعى الوطنية إلى ترقيته هو نتاج الشروط الهيكلية للمجتمع الصناعي. فالثقافة المقصودة هنا هي الثقافة السامية التي تنشرها الدولة و نظامها التربوي.

  و من المؤكد أن التنميط الثقافي، لا بد منه ،من أجل الهويات الجماعية التي تتواجد في مستوى أشمل. و قد برهن أندرسون Anderson (1983) كيف أن اللغة المطبوعة قد أسهمت في خلق أسس الوعي الوطني. و استطاع الناس الذين يتكلمون أنواعا من اللغة الفرنسية، الانجليزية، الخ. التفاهم أكثر فأكثر بلغة محلية، لما تكون مطبوعة و مُنمطة. فهذه المقروئية المتصلة فيما بينها من خلال المطبوع و التي تفهم "نفس" اللغة تعتبر نواة المجموعة الوطنية المتخيلة. كما أوضح كيف أن وعي الانتماء إلى أمة، في أوربا، صار ممكنا بفضل التقاء كل من تكنولوجيا الاتصال (المطبعة) و نمو اللغات الدارجة vernaculaire و نسق الإنتاج (الرأسمالية).     

  لا تختزل المجانسة الثقافية التي تسعى إليها الإيديولوجيات الهوياتية في سيرورات توحيد المُقايسة standardisation المنجزة على المستوى اللغوي و التربوي. و تذهب إيديولوجية وعاء الذوبان melting pot إلى أبعد من هذا. فعلى الأفراد المنحدرين من مختلف ألأفاق الثقافية و اللغوية أن ينصهروا ضمن جماعة اجتماعية واحدة و يتقاسمون فيها ثقافة و هوية مشتركتين.

الهوية الآمرة و الهوية الانتقائية 

مع أدْلَجَة الهوية الجماعية، تسعى المجانسة الثقافية إلى أن تصبح آمرة و شمولية، بمعنى أنها تهدف إلى التسلل إلى كل ميادين الحياة الاجتماعية و خصوصا تلك التي تكون محط النظر. و يشكل الجسد و اللباس أهدافا مُثالية للهويات الآمرة بسبب بُعْدها الفُرْجَوي : حينها يصرح الناس (أو هم مجبرون على ذلك) بمن يكونون من خلال اللباس و الجسد، (الشعر الطويل، الحجاب، ذو رأس محلوق skinhead، أشكال أللحي و الوشم...)، بالإضافة إلى التأثيث. لا يجيز بعض المسلمين السلفيين التأثيث العصري و حتى التقليدي منه مقتصرين على حصائر أو أسجدة؛ حيث تفرض لأيديولوجيات الهوياتية على مستوى العلاقات الاجتماعية، ضغوطا أخرى على الشركاء منها انتقاء (الأصدقاء، الأزواج، الزملاء، الزبائن...).

لا تكتفي الهوية الجماعية بالقول بِ "مَنْ نَحْنُ" لكنها تقول كذلك "ما ينبغي أن نفعله". الفرق الأساسي بين هوية آمرة و هوية انتقائية، إن الأولى تقول للناس من هم، و ما ينبغي أن يفعلوا في مناسبات محددة و في مجالات محدودة من الحياة الاجتماعية: كارتداء اللباس التقليدي، الديني، أو الوطني وفق المناسبة، بينما تترك الهوية الانتقائية حرية أكبر للأفراد.

قد تكون الهوية الأكثر ثقلاً للحمل هي تلك الهوية التي تكون مؤسسة، في الوقت نفس، على الإيديولوجية التسلطية والشمولية للهوية الجماعية، فهذه الأخيرة لا تكتفي باختيار مناسبات لإظهار الهوية بل تُعْلنها يوميا و بأعلى صوت و في كل مكان. وهي لا تقتصر على مجال محدد من الحياة الاجتماعية (طقوس، لباس، تأثيث، تغذية، الخ.) بل تصبو إلى تنظيم و تماثل حياة الناس الاجتماعية سواء تعلق الأمر بما هو عام، خاص أو حميمي.

يمكن للأيديولوجية الهوياتية أن تُغْرِف من السياسة مثلما تغرف من الدين؛ و يبقى مَثَلها الأعلى الذي تسعى إليه هو محو كل فردانية عند أعضاء الجماعة (سواء كانوا شيوعيين، فاشيين، نازيين، أصوليين مسيحيين،إسلاميين، أو يهود الخ.) جاعلة منهم أفرادا قابلين للتبادل فيما بينهم (كأن يحملون اللحية نفسها، تسريحة الشعر نفسها، شكل و لون الألبسة نفسه، التأثيث نفسه، التغذية نفسها، طقوس الاحتفال بالزفاف نفسها، الدفن الخ).

فكلما كانت الهوية الجماعية أكثر انتقائية، و حُصِرَتْ في بضعة مجالات الحياة الاجتماعية، كلما كانت أكثر مرونة و أكثر ضعفا في قوتها الإكراهية. و لا يشعر الناس وقتئذ أنهم ملزمون بالمطالبة بهوية جماعية و استظهار ثقافتهم في كل وقت، إذ القليل من الأشياء، الشعائر، و الرموز، الخ. تكفي لإثبات الانتماء إليها.

أكيد أن الشعارات الهوياتية هي ضرورية لبقاء الجماعة الاجتماعية و انسجامها؛ إلا أنه كلما قلت هذه الشعارات كلما كان حمل الهوية الجماعية أكثر ليناً و كَبُرَت حرية الناس في المُطالِبة بهوية مشتركة.

التطهير

لا تُؤسس الهوية و تُعَاش في عزلة و أنما بالتفاعل مع الجماعات الاجتماعية. يخضع محتوى النَحْنُ إلى تصور الأخر و التفاعل معه؛ فالفواصل و الحدود (بالمعنى الرمزي للكلمة وليس الحيزي و الإقليمي) مع الآخر هي التي تُعْتَمد في بناء الهوية الجماعية. فبناء هذه الأخيرة، يتم بانتقاء بعض العناصر التي ترمز إلى التَميُّّز عن الآخر. و لا يكون المشترك (الثقافة، اللغة،الجنسية، الدين...) وحده مهما في الهوية الجماعية، و لا بد أن يُترجِم هذا المشترك الاختلافات و يرسُم الحدود الثقافية مع الآخر. تختلف طبيعة و محتوى الحدود المنتقاة للتميز عن الأخر حسب درجة التسلط لدى الإيديولوجيات الهوياتية.

ففي القوالب النمطية، قلما يُعرّف الآخر و في أسوأ الحالات فهو مثير للسخرية، الضحك، أو الازدراء، الخ. (بالنسبة لمن يتلقون هذه القوالب النمطية) بطبيعة الحال. وفي الحد الأقصى، قد نجد التطهير الذي يخص اللغة، التقاليد، الفن و التاريخ عند »الهوية التي يُسْخَرُ منها  « (عن طريق النُكَت و النوادر التي يرويها سكان بلد ما عن جيرانهم، مثلا). و يبقي (التطهير) الطريقة الحاسمة و القصوى لخلق الحدود مع الآخر

وهذا يعني أنها أداة مستعملة قصد الترصد لإسهامات الغرباء و إبعاد الدخلاء. وحتى الشخص الفرونكوفيلي الجيد، عليه أن يتبنى استخدام الكلمات الفرنسية بدلا من الكلمات الأجنبية؛ و التي تكون في غالبها    انجليزية : أن يقول »تيليكوبي «  بدلا من  »فاكس « ، »ديفي « عوضا عن  »شالنج « أو  « bonne fin de semaine » بدلا من  » « bon week-end، الخ. هذا ما أسماه هوبسباون "الوطنية الفيلولوجية" أي إلحاح على النقاوة اللغوية للمعجم الوطني، هذا ما دفع بالعلماء الألمان إلى ترجمة « Oxygène » بِـ sauerstoff، و هو الأمر الذي يلهم، اليوم في فرنسا، معركة ميؤوس منها يقودها من هم في المؤخرة ضد التدمير الذي لحق لغتهم نتيجة الخليط الفرنسي-الانجليزي « franglais » (Hobsbawn,1992 :108)

و في المغرب و غداة الاستقلال، سعى حزب الاستقلال المدافع عن سياسية التعريب إلى تخليص اللغة الدارجة من الكلمات الفرنسية و الأجنبية و استبدالها بكلمات عربية: كأن " لا تقل croissa (croissant) بل قُلْ هلالية Hilalya. تهدف كل إيديولوجية هوياتية إلى تجانس و تطهير اللغة و الثقافة من الإسهامات الأجنبية، و تصبح استبدادية عند ما يغدو التطهير مُمَنْهَجا و آمرًا، وتتخذ جزاءات ضد الأشخاص ( الصحفيون، المثقفون، الخ.) الذين لا يحترمون المُثل العليا للهوية الصلبة و الصافية.

خلاصة القول، هناك طبقتان من الهويات الجماعية، على طرفي النقيض،: إحداها ناعمة على مستوى التنظيم الاجتماعي (شريحة اجتماعية) و على الصعيد الإيديولوجي (قوالب نمطية) ؛ و الأخرى خشنة، تحملها جماعة مهيكلة تقوم النخبة بإنتاجها و نشرها بشكل منظم. وهناك نوع من الهويات الجماعية يحتل مكانة وسطية إذ يكون مبنيًا على تنظيم مهيكل (القبيلة، طريقة دينية، الخ.) و لكنه غير مؤسس على إيديولوجية هويتية مُمَنْهجة.    

تتميز الهوية الخشنة بالتصنيف الآحادي و الحصري و بغياب صراع الولاء، فهي تُقَدم نفسها على أنها طبيعية، موضوعية، خارجية و متعالية على أعضاء الجماعة؛ و يظل مثله الأعلى ، ليس فقط تجانس الجماعة على المستوى الاجتماعي و الثقافي، و إنما التطهير الثقافي، اللغوي، و حتى العرقي. و تتحقق هذه المُثل العليا ضمن التصور الآمر و الشمولي للهوية الجماعية.

 

الهوية الصلبة

الهوية الناعمة

   - تصنيف الأحادي و الحصري

  - هوية متعددة، نسبية و سياقية

-   غياب صراع الولاء

-    وجود صراع الولاء، توفيقية، تمازج الأجناس فيما بين الهويات المختلفة، الخ.

-   تقدم الهوية على أنها طبيعية، موضوعية، خارجية و متعالية على أعضاء الجماعة.

-    التحاور بخصوص تعريف أسس الهوية. وجود بدائل.

-   تثمين المجانسة الثقافية و التطهير

-    التكفل بالتنوع الثقافي

-   الهوية آمرة و شمولية

-    هوية انتقائية

ملاحظات

  1. غياب صراع الولاء هو سمة من سمات الهويات الجماعية المُشكَلة وفق مبدأ التداخل، فحسب هذا المبدأ يوجد العديد من الجماعات الاجتماعية لكن كل جماعة من هذه الجماعات الاجتماعية تنتمي إلى جماعة أكبر منها وصولا إلى الجماعة الكبرى. و هذا هو التجزؤ القبلي: حيث أن الفرد ينتمي إلى عائلة التي هي بدورها جزء من جماعية نَسَبية، و هذه الأخيرة مدرجة ضمن قرية و هي بدورها مندمجة في القبيلة. وفي هذه الحالة، يوجد تكامل بين الهويات الجماعية. لا تتعارض الهوية النسبية مع هوية القرية و لا مع هوية القبيلة.
  2. يتم التعبير عن الطابع الآمر لهوية ما من خلال استخدام التعابير، مثل، (الالتزام) و (ملتزم) وهما يقابلان «engagement » و « engagé » و يستعملان من قِبل الإيديولوجيات السياسية التي تعرف نفسها على أنها تقدمية وكذلك من قبل الإيديولوجيات الدينية التي تعرف نفسها على أنها أصولية. و في كلتا الحالتين، يكون التابع مرتبطًا بالنسق الذي يكرس هويته السياسية أو الدينية.

ترجمة أحمد يعلاوي   

 

Bibliographie

Anderson, Benedict, Imagined communities, Reflections on the Origin and Spread of Nationalsm, London, New Left Books, 1983.

Barth, Frederick, « Ethnic Groups and Boundaries », in Barth F., Selected Essays : Process and Form, 1969, in Social Life, Vol.I., Routledge, And Kegan Paul, 1981, pp.198-228.

Eriksen, Thomas, Ethnicity and Nationalism, Anthropological Perspectives, London, Pluto Press, 1993, pp.36-37 et pp. 59-64.

Hobsbawn, Eric, Nations et nationalisme, Paris, Gallimard, 1992.

Geertz, Clifford, 1986, « Du point de vue de l’indigène : sur la nature de la compréhension anthropologique », in Savoir local et savoir global, traduit de l’anglais par D. Plaume : Presses Universitaires Françaises, pp.71-90.

Geertz, C., « Suq : the Bazar Economy in Sefrou », in Geertz C., Geertz H., Rosen L., Meaning and Order in Moroccan society : Three Essays in Cultural Analysis, Cambridge University Press,1979.

Gellner, Ernest, Saints of the Atlas, The University of Chicago Press, 1969.

Gellner, Ernest, Nation et nationalisme, Paris, Payot, 1983.

Rachik, Hassan, Le sultan des autres, rituel et politique dans le Haut Atlas, 1992.

Rachik, Hassan, Symboliser la nation. Essai sur l’usage des identités collectives au Maroc, 2003.

Rosen, Lawrence, Bargaining for the Realty. The construction of Social Relations, The University of Chicago Press, 1984.


الهوامش

[1] فضلنا ترجمة Identité dure et identité molle  بالهوية الخشنة و الهوية الناعمة، بدلا من تعابير الصلبة، المتشددة أو المتصلبة... و الناعمة عن اللينة و الرخوة؛ و هما التعبيران اللذان ترجم بهما محمد حسين هيكل مصطلحي Soft power et hard power لٍـ Joseph Nye عند ما رد هذا الأخير على بول كيندي (1990) الذي زعم أن الدول العظمى في تقهقر. فابتدع نيي اصطلاحي القوة الناعمة و القوة الخشنة للتفريق بين مصدر قوة الولايات المتحدة الحالي و مصدر قوتها السابق الذي كان يكمن في القوة الخشنة و هو الذي عرف تراجعا في نظره. المترجم. 

[2] احتفظ المؤلف بمصطلح النسبة مثلما أوردها قييرتز في دراسته حول "السوق" و الذي يقابل النسب لغويا. المترجم

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche