إنسانيات عدد 09 | 1999| المغرب : ثقافة، غيرية | ص 33-40 | النص الكامل
Crusades and courtly love Abstract: Wars that unfolded in the Middle ages between Europeans and Arabs, in Andalousia and in Orient, were the main factors that allowed the passage of the Arab-Moslem civilization in Europe. Furthermore, love poetry of Arabs was the essential element that has marked its impact on the European literature. |
Mohamed ABBASSA : Professeur, Institut des langues, Université de Mostaganem, 27 000, Mostaganem, Algérie
أطلق المؤرخون مصطلح الحروب الصليبية على تلك الحملات التي شنها الإفرنج في القرون الوسطى على بلاد الشام و فلسطين، إلا أن هذا المفهوم يكاد يكون ضيقا، فالحروب الصليبية أوسع من ذلك و قد سبقت هذه الفترة. في الحقيقة، أن الحروب الصليبية بدأت منذ فتح المسلمين لجزر المتوسط و بلاد الأندلس.
لكن ما علاقة كل هذا بالحب الكورتوازي. فالتناقض يبدو واضحا من أول وهلة : حرب و حب. غير أننا سنحاول في هذا المقام، أن نوضح هذه العلاقة غير الطبيعية و نبين أن الحب كان من بين الأسباب التي أدت إلى افتعال الحروب الصليبية في المشرق العربي.
الحب الكورتوازي هو الحب المؤانس أو المجامل الذي ظهر في البروفنس بجنوب فرنسا في القرون الوسطى، عند الشعراء الفرسان. فالشاعر يلتزم بتخصيص كل مواهبه الشعرية لخدمة سيدته التي يحبها و يستوحي منها أفكاره و صوره مثلما يضع الفارس براعته الحربية في خدمة سيده [1]. و الحب المؤانس يسمو بقيمه على أي حب فروسي آخر. هذا المفهوم يتميز بتمجيد المرأة و الخضوع لها حتى و إن لم تبادل العاشق الشعور نفسه. إلا أن المرأة التي يقصدها الشاعر البروفنسي تكون في أغلب الأحيان من المتزوجات. و هذا تقليدا للغزل العذري الذي اشتهر به شعراء بني عذرة. غير أن حب العذريين لصاحباتهم بدأ قبل زواجهن.
و قد تحتوي أغنية الحب على مواضيع غزلية أخرى كالحب العفيف و الغزل الصوفي. إلا أن هذه المواضيع الشعرية لم يعهدها الشعر اللاتيني القديم بل استحدثها الشعراء البروفنسيون في القرون الوسطى. و تعد الكورتوازية اللبنة الأولى التي انتشر بفضلها شعر السيدة الغنائي في أوربا، حتى اعتقد بعض المؤرخين أن تاريخ الحب يرجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي [2]، و هو العصر الذي اخترع فيه الشعراء البروفنسيون الحب الكورتوازي.
الحب المؤانس الذي نشأ في بلاد أوك لا يخرج عن كونه حبا أرستقراطيا، لأن الكورتوازية مثلما يشير اسمها، هي شعر البلاط و القصور، إذ حافظ عليها الكثير من الأسياد و حموا شعراءها. ظهر هذا النوع من الغزل لأول مرة في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي عند الشعراء التروبادور و قد نظموه باللغة الأوكسيتانية، و هي لهجة الجنوب.
و رغم أن بداية الشعر الغنائي الأوكسيتاني لا يزال يكتنفها بعض الغموض، فإن جل المهتمين بالدراسات الرومانية اتفقوا على أن غيوم التاسع (IX Guillaume) دوق أكيتانيا و كونت بواتيه (1071م - 1127م) هو أول من نظم الشعر الغنائي الكورتوازي في بلاد أوك. و لم يحفظ لنا التاريخ إلا بعضا من قصائده الغنائية التي يرجع أولها إلى سنة (496 هـ- 1102م)، و هو تاريخ عودته من المشرق بعد مشاركته في الحملة الصليبية الأولى [3]، و لا نعرف شيئا عن متقدميه. و من المحتمل أن يكون غيوم التاسع قد نظم قصائد أخرى ظهرت قبل الحرب الصليبية الأولى و لم تصل إلينا، لأن الظروف الاجتماعية كانت مهيأة في القرن الثاني عشر الميلادي لنظم مثل هذا الشعر [4]. و لهذا السبب يعتقد بعض الدارسين أن بداية الشعر الغنائي في البروفنس تعود إلى أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، أي قبل الحرب الصليبية الأولى.
إنه لمن المصادفة أن نجد المقطوعة الأولى من القصيدة الأولى للتروبادور الأول، أي غيّوم التاسع، تتضمن العناصر المبدئية التي بنى عليها الشعراء قصائدهم الغنائية، و هي الحب و السرور و الشباب. هذا الشباب الذي كانت تلتهمه رهبانية الأديرة و يستغله رجال الإقطاع، استخدمه غيوم التاسع لأغراض أخرى، فيها كثير من التحرر و الشعور بالوعي.
و بعد كل هذا، من أي مصدر استقى هؤلاء الشعراء البروفنسيون مفاهيم الكورتوازية الغريبة عن المجتمع الأوربي.
يرى جل الباحثين أن مفاهيم الحب التي طرقها الشعر الغنائي البروفنسي لا تعكس العادات الاجتماعية في جنوب فرنسا. و أن هذا الشعر يتناقض جذريا مع الظروف التي نشأ فيها [5]. و هذا يعني أن مفهوم الحب الذي ظهر عند الشعراء التروبادور جاء من جهة أخرى.
المشتغلون بالدراسات الرومانية يرجعون أصل الشعر الغنائي الأوكسيتاني إلى مصادر لاتينية محضة، مستندين في ذلك على مؤلفات أوفيديوس (Ovide) (43 ق.م - 18 م) في الحب، و مقطعات فورتينا (Fortunat) (530م -600م) الشعرية [6].
إن الشعر الأوكسيتاني في القرن الثاني عشر الميلادي ليست له أية صلة ظاهرة بالشعر الروماني اللاتيني القديم. و إن كتاب "فن الحب" لأوفيديوس [7] لا يشهد على أية علاقة بالكورتوازية، و لا يتضمن من العفة سوى نصائح الإغواء التي يقدمها أوفيديوس للرجل و المرأة على السواء، و غالبا ما يسودها الإثارة الجنسية البذيئة و يغيب فيما أدنى احتشام [8]. في حين أن تمجيد المرأة و إجلالها الذي جاء به الشعراء التروبادور في شعرهم لم يعرفه الأوفيديون من قبلهم، و قد اعتبرته الكنيسة التي احتضنت الشاعر فورتينا، ضربا من الكفر.
أما أكثر الباحثين من عرب و مستشرقين فهم يرون أن شعر الحب الكورتوازي الذي جاء به الشعراء البروفنسيون لأول مرة في أوربا لا عهد له بفلسفة أوفيديوس و لا بغيره من مفكري الرومان و اليونان، بل استورده الشعراء الأوكسيتانيون من بلاد الأندلس. لأن هذا الحب لا يعكس واقع المجتمع الأوربي في ذلك الوقت، و إنما هو جزء من مقومات العرب [9].
إن الشعر الغنائي الأوكسيتاني يرجع في نشأته إلى عدة عوامل، منها الحروب التي دارت رحاها بين العرب المسلمين الأندلسيين و النصارى الأسبان و الإفرنج. و قد اصطلحنا عليها بالحروب الصليبية الأندلسية.
إن الحروب التي نشبت بين المسلمين الأندلسيين و النصارى الأسبان مدة وجود العرب في شبه الجزيرة، لم يخضها الإيبيريون وحدهم و إنما شاركهم فيها كل من الفرنجة و النورمان والبروفنسيين. و كان السبي من أهم غنائمهم، كما كان من بين الأسرى أهل العلم و الأدب الذين انتفع منهم نصارى شمال أسبانيا و جنوب فرنسا.
إن الأسرى المسلمين الذين وقعوا في يد الإفرنج أثناء المعارك في الأندلس، قد سيقوا إلى جنوب فرنسا، و كان من بينهم المثقفون و الشعراء و المغنيات و غيرهم، عملوا في بلاد الإفرنج على نشر المعرفة و بعض الفنون و الأساليب التي كان يجهلها البروفنسيون [10].
و من أهم المعارك التي عرفتها الأندلس، تلك التي قام بها سانشو راميرو (Sancho Ramiro) ملك أراغون، في شمال الأندلس سنة (457 هـ - 1064 م)، بمساعدة أمير نورماندي، الذي عاد عبر جبال البرانس و معه آلاف الأسرى المسلمين، و كان من بينهم عدد من المغنيات استخدمهم النصارى في القصور [11].
أما هذا الأمير النورماندي فهو غيوم الثامن دوق أكيتانيا [12] و أبو التروبادور الأول غيوم التاسع الذي نظم، لأول مرة في أوربا، شعر الحب الكورتوازي. فكان هؤلاء الأسرى المسلمون و المسلمات الذين عاشرهم غيوم التاسع في قصر أبيه مصدرا من مصادر شعره الجديد.
و لم تقتصر حروب المسلمين مع الإفرنج على أرض الأندلس، بل جرت أيضا في بلاد الإفرنج و البروفنس، لأن العرب فتحوا منطقة جنوب فرنسا [13] و لم يخرجوا منها حتى بعد انهزامهم في معركة بواتيه سنة (114هـ - 732 م). و يرجع استقرار العرب في جنوب فرنسا إلى رغبة البروفنسيين الاستقلاليين الذين استنجدوا بالأندلسيين لمقاومة جيش شارل مارتل.
لقد شيد العرب في منطقة البروفنس قلاعا و حصونا، و لم تكن إقامتهم ظرفية، بل منهم من استقر بعائلته على السواحل و المرتفعات التي تملكوها. و ليس غريبا إذا وجدنا أن المناطق الفرنسية التي فتحها العرب المسلمون و مكثوا فيها طويلا هي التي أنجبت أشهر الشعراء البروفنسيين.
كان اتصال البروفنسيين بالحضارة العربية الإسلامية في الأندلس عاملا مباشرا في تحرر أهل الجنوب من قيود الفرنجة الشماليين، و تكوين كيان سياسي و اقتصادي و ثقافي خاص لهم. فكان أول عناصر هذا الكيان شعرهم الغنائي.
أما أهم مواضيع الشعر الأوكسيتاني فهو الغزل. و ما يثير الاستغراب في هذا الشعر هو أن يخضع رجل القرون الوسطى للمرأة و يكن لها كل الطاعة و يستسلم لها من أجل الحب، بل و يخدمها كما يخدم العبد سيده، في حين أن تاريخ المجتمع الأوربي، في تلك الفترة، يكشف لنا عما يخالف ذلك، إذ كانت المرأة تعد من أحقر المخلوقات، و غالبا ما يضربها الرجل لأبسط الأسباب. و لم يذهب الشعراء التروبادور إلى هذا القصد إلا للسخرية من رجال الإقطاع و الكنيسة و مظالـمـهم في حق الشعب البروفنسي و احتقارهم للمرأة.
لقد أدركت الكنيسة أن الحب الكورتوازي الذي بدأ ينتشر في بلاد أوك منذ أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، لا يعكس العادات و التقاليد في المجتمع الأوربي، بل يمثل ثورة فكرية في وجه المسيحية، فحاربه رجال الدين بكل الطرق لأنهم اعتبروه دينا جديدا رفع به الشعراء المرأة الأوربية من وضعها الرديء إلى مستوى راق. و كانت الكنيسة لا تريد هذا التقديس للمرأة و اعتبرت ذلك خارجا عن تعاليمها. لأن المرأة كانت تمثل الوطن و تحث على الاستقلال و التحرر.
كانت الحروب الصليبية في المشرق من بين الوسائل التي استخدمتها الكنيسة في القضاء على هذا الشعر الجديد. لقد أدرك رجال الدين أن ملامح التغيير التي بدأت تطرأ على منطقة جنوب فرنسا سببها تطور الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، و ذلك بفضل الإسلام. و أن الشرق هو منبع هذا التطور حيث توجد المعالم الإسلامية و الأماكن المقدسة. ففكر رجال الدين في قطع الصلات بين المشرق و المغرب باحتلال عساكرهم الأراضي المقدسة في الشرق و تمسيحها. و قد تجسدت أحلامهم في افتعالهم الحروب الصليبية في المشرق [14].
قامت أول حملة صليبية سنة (489 هـ – 1095 م) و تحمس لها عدد من الملوك و الدوقة الفرنجة من نورمانديا و جنوب فرنسا. لقد كانت هذه الحروب سببا في إنقاذ أوربا من الانهيار السياسي و الاقتصادي في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، فنجت من الشتات السياسي. و قد نجح الإكليروس في إبعاد رؤوس الفتن و إقناع الأمراء بأن العدو المشترك أمامهم هو الإسلام و المسلمون. و كان التروبادور الأول الشاعر غيوم التاسع الذي اتهمته الكنيسة بالكفر و حرمته من الجنة، من بين الدوقة و الكونتات الذين اشتركوا في هذه الحملة الصليبية.
إلا أن غيوم التاسع قد وقع في أسر الصليبيين أنفسهم عندما تحطم جيشه عن آخره في هرقله (Héraclée). و بعد أكثر من سنة عاد غيوم إلى جنوب فرنسا بعدما تيقن من أن ذهابه إلى المشرق كان فخا نصبه له أعداؤه بالتواطؤ مع الكنيسة للتخلص منه و الاستيلاء على أملاكه، فنظم قصائد يهجو فيها الإكليوس لكنها لم تصل إلينا بسبب الإعراض عنها و كسادها.
و لم يكن غيوم التاسع الشاعر الوحيد الذي شارك في الحرب الصليبية بل نجد عددا من الشعراء التروبادور قد شاركوا في الحملات الصليبية ضد المسلمين. فالحروب الصليبية إذن، كانت فرصة لاحتكاك هؤلاء الشعراء بالعرب المسلمين، خاصة في أوقات السلم التي كانت، بلا ريب، أطول من فترات الحرب. هذا الاختلاط دفع بالأوربيين النصارى إلى اكتشاف عناصر حضارة الإسلام و معالمها [15].
أما هذه الحملات الصليبية فقد ضمت في صفوفها أخطر السفاحين في ذلك الوقت : ملوك، و دوقة، و كونتات، دمروا المدن و ذبحوا سكانها من أطفال و شيوخ و نساء، في كل الأراضي الأوربية و الآسيوية التي مروا بها في طريقهم إلى القدس. لم تعرف الإنسانية جرائم بشعة كتلك التي اقترفها الصليبيون الإفرنج في ذلك الوقت. لقد فعلوا ذلك كله باسم المسيح و بمباركة الكنيسة.
لقد ذكر بعض المؤرخين القدامى ممن عاصروا الحروب الصليبية في المشرق، أنه ليست للإفرنج أية فضيلة إنسانية، و أن أعمالهم الحربية خالية من القيم الفروسية، بل إنهم أشبه ما يوصفون بالقراصنة و قطاع الطرق [16].
لكن الشعراء البروفنسيين فضحوا هذه الجرائم في قصائدهم، و لما كانوا يعتقدون أن رجال الدين المسيحي و الحب شيئان لا يلتقيان، وظفوا موضوع الغزل في قصائدهم للسخرية من الكنيسة و حروبـها الصليبية. فغيوم التاسع (Guillaume IX) دعا المرأة ألا تحب راهبا [17]. أما الشاعر مركابرو (Marcabrun) فهو يتهجم على الحرب الصليبية الثانية (1147م - 1149م)، لأنها تسببت في فراق حبيبين، فيصور لنا ذلك على لسان الفتاة الريفية التي تبكي فراق حبيبها الذي سيق إلى هذه الحرب [18]. و أما الشاعر برطران دي بورن (Bertram de Born) الذي عُرف بتحمسه للحروب، نجده يتخلف عن المشاركة في الحملة الصليبية الثالثة (1189 م - 1192 م) لمواجهة صلاح الدين الأيوبي. و قد برر هذا الشاعر موقفه ساخرا بحجة أنه رأى سيدته جميلة و شقراء فبدأ قلبه يضعف، و لهذا السبب تخلف عن الحرب [19].
و في الفترة نفسها ظهرت في البروفنس طائفة دينية تسمى الكاترية، تدعو إلى التحرر[20]. و قد جمعت هذه الهرطقة بين عقلانية القديس بولص الدمشقي في القرن الثالث الميلادي، و القديس أوغستين الجزائري في القرن الخامس الميلادي، و بين فلسفة الحب ذات الجذور العربية. و كل هذه الطوائف، من بولصيين و أوغستينيين و كاتريين، وقفت في وجه الكنيسة متهمة إياها باستعمال الخرافات وسيلة للاستبداد و الظلم.
أما الكنيسة فقد حاربت البولصيين و الأوغستينيين على مر العصور متهمة إياهم بالبدع و الهرطقة. لكن أقذر حرب قام بها رجال الكنيسة و أتباعهم في تاريخ المسيحية هي تلك الحرب المسماة "الصليبية الألبيجية" (La Croisade Albigéoise) التي شنها الإفرنج الشماليون بقيادة الإكليروس على مدينة آلبي (Albi) و المناطق المجاورة لها في جنوب فرنسا. و قد دامت هذه الحرب من سنة 1209م إلى غاية سنة 1229م، أصر فيها رجال الكنيسة على إبادة كل من له صلة بعقيدة الكاترية أو له علاقة بشعراء الحب الكورتوازي. و بهذه الطريقة قضت الجيوش الصليبية على شعب بأكمله و لم تستثن لا الأطفال و لا الشيوخ. و هكذا استطاعت الكنيسة أن تخمد ثورة الحب و تقدم خدمة جليلة لملوك فرنسا لاحتلال الجنوب.
كانت نهاية الحرب الصليبية الألبيجية في جنوب فرنسا في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي مؤشر بداية انحطاط الشعر الأوكسيتاني مع أهم عناصره : و هي اللغة الأوكسيتانية و الحب الكورتوازي، ليفسح المجال للأشعار الأخرى التي اشتهرت بعده كالشعر الإيطالي و الفرنسي الشمالي و الألماني. لكن الشعر الأوكسيتاني لم يمت بل لا يزال إلى يومنا هذا، و لو بدرجة اقل مما كان عليه في القرون الوسطى.
و لما فشل الإفرنج في الحروب الصليبية المشرقية و طردوا من بلاد الشام و فلسطين، و لوا وجوههم صوب الجنوب، أي بلاد الأندلس و شمال إفريقيا. و بعد أن استفادوا من عناصر الحضارة العربية الإسلامية في المغرب و المشرق، عظمت قوتهم حتى تمكنوا من استرداد بلاد الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.
و منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، انقلبت موازين القوى و أصبح التفوق الحضاري و العلمي للإفرنج الذين باشروا بحروب صليبية جديدة، استهدفت سواحل شمال إفريقيا و انتهت باحتلال الجزائر و باقي الدول العربية. و منذ ذلك الحين وقع العرب و المسلمون تحت الإستعمار الأوربي الذي عمل بكل ما في وسعه على طمس الشخصية الوطنية للعرب و تشويه عقيدتهم حتى لا يسترجعون مرة أخرى قوتهم. أما الفرنسيون، وهم أحفاد الفرنجة، فقد إنفردوا عن بقية الدول الإستعمارية الأخرى باستخدامهم أبشع أنواع التعذيب التقتيل الجماعي في الجزائر أثناء الإحتلال.
غير أن في مطلع الستينيات من هذا القرن، أدرك الأوربيون أن الإحتلال لا ينفع في القضاء على هوية العرب الإسلامية، بل زادهم إصرارا و تعلقا بمقوماتهم. فشرع الأوربيون بواسطة وسائلهم الإعلامية المتطورة على نشر مبادئ المادية و ما يسمى بحقوق الإنسان على الطريقة الغربية، و ذلك من أجل تفكيك البنية الإجتماعية عند العرب و انشغالهم بأمور هامشية.
و ليس صدفة إذا وجدنا أن البلدان الأوربية و الآسيوية و الإفريقية التي مر بها الإفرنج و أحفادهم عبر العصور، هي التي شهدت في هذا العصر أبشع الجرائم و الإبادات الجماعية الفظيعة، التي لم تعرف الإنسانية مثيلا لها إلا مع الإفرنج.
و في الأخير، ينبغي أن نقول إنه رغم محاربة الكنيسة لمبادئ الحب المستمدة من الفلسفة العربية الإسلامية و التي رأت فيها مظهرا من مظاهر التحرر، فإن القوانين الأوربية التي تسير العلاقات الإجتماعية، لا تخلو من هذه المبادئ التي تأثر فيها الأوربيون بالعرب المسلمين؛ بل كانت من بين الأسباب التي أدت إلى انتقال السلطة من أيدي رجال الدين المسيحي إلى رجال الدولة. و هذا ما كانت تخشاه الكنيسة في القرون الوسطى.
الهوامش
[1]- HOEPFFNER, Ernest .- Les Troubadours, dans leur vie et dans leurs oeuvres.- Paris, Ed. Armand Colin, 1955.- p.9.
[2]- BURNEY, Pierre.- L'Amour.- Paris, 2è éd. P.U.F., 1977.- p.8.- Cf. Denis de Rougemont : Les mythes de l'amour.- Paris, Ed. Gallimard, 1972.- p.20.
[3]- BEZZOLA, Réto Roberto.- Les origines et la formation de la littérature courtoise en Occident.- Paris, Ed. Champion, 1944-1963, 2è P.T.I..- p.209.
[4]- JEANROY, Alfred.- Les chansons de Guillaume IX.- Paris, Ed. Champion, 2è éd., 1972.- p. xix.
[5]- Denis de Rougemont .- l'Amour et l'Occident .- Paris, Ed. 10/18, 1979.- p.80.
[6]- ولد فورتينا بأرض إيطاليا، و لم يحفظ لنا التاريخ شيئا من أشعاره سوى بعض المقطعات ذات الطابع الإكليروسي.
[7] - ألف أوفيديوس كتبا في الحب أهمها كتاب "فن الحب" (Ars amatoria).
[8]- OVIDE.- l'Art d'aimer.- Paris, L.I., 1924.- p. 15 ss.
[9]- STENDHAL .- De l'amour.- Paris, Ed. G.F., 1966.-p.190.
[10]- بروفنسال، ليفي.- حضارة العرب في الأندلس.- بيروت (د.ت)، تر.ذوقان قرقوط.-ص.95.
[11]- BRIFFAULT, Robert.- Les Troubadours et le sentiment romanesque.- Paris, Ed. du Chène, 1943.- p.44.
[12]- Ibid.
[13]- PALENCIA, González Ángel.- Historia de la España musulmana.- 3aed., Barcelona-Buenos Aires, 1932.- p.23.
[14]- GROUSSET, René.- L'Epopée des Croisades.- Paris, Ed. Plon, 1939.- p.15 ss.
[15]- د. النقاش، زكي.- العلاقات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية بين العرب و الإفرنج خلال الحروب الصليبية.- بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1946.- ص. 197.
[16]- GABRIELI, Francesco.- Chroniques arabes des Croisades, traduit par Viviana Pâques, Paris, Ed.Sindbad, 2è éd., 1986.- p.p. 99-100.
[17]- JEANROY, Alfred.- Les chansons de Guillaume IX.- p.9.
[18]- BEC, Pierre.- Anthologie des Troubadours.- Paris, Coll. 10/18, U.G.E., 1979.- p.90.
[19]- HOEPFFNER, Ernest.- Op.cité.- p.118.
[20]- Denis de Rougemont.- L'Amour et l'Occident.-p.88.