إنسانيات عدد 07 | 1999 | فلاحون جزائريون ؟ | ص 65-75 | النص الكامل
Ahmed KERROUMI
I- المقاربة الإشكالية
يندرج بحثنا ضمن مسعى فهم أفاعيل السلطة السياسية في الجسم الإجتماعي (ميشال فوكو) من خلال إخضاع العلاقة بينها و بين المؤسسة المدرسة للدراسة و التقصي السوسيولوجي.
تؤكد الدراسات السوسيولوجية (خاصة أعمال ب.بورديو) أن كل سلطة سياسية ترتكز على منظومة إيديولوجية رمزية ذات طابع مهيمن من اجل تغذية هيمنتها المشروعة، بتوسع و في الديمومة، و بهذه الصفة تجد المؤسسة المدرسية نفسها متورطة موضوعيا في هذه الوظيفة فتحول إلى جهاز (بدلالة آلتيسار)، يتجاوز تبقين المعارف و المهارات من أجل تشكيلا النمدجة الضرورية للفرد وفق تلك النزعات الأيديولوجية الرمزية المهيمنة و المشروعة و هي بهذه الصفة، تشارك بفعالية في الحد من الزواجر القاسية للعنف الفيزيائي المشروع للسلطة كمورد للإرغام لصالح التوظيف المضمر، لكن الموسع للعنف الرمزي المشروع كمورد من اجل الإقناع، دون وعي الأفراد و الجماعات بذلك (ماكس قيبر / ببورديو).
انطلاقا من هذا المنظور النظري أخضعنا تدريس الفلسفة كمركب من مركبات الثقافة المدرسية المؤسسة في التعليم الثانوي للبحث السوسيولوجي لغرض تحديد معالم و نزعات منظومة القيم الأيديولوجية الرمزية التي تؤطر المؤسسة المدرسية من خلال الإشكالية التالية: كيف يتم تشكيل أفاعيل المنظومة الأيديولوجية الرمزية للسلطة السياسية داخل المؤسسة المدرسية؟ ما هي الكيفية التي بواسطتها تقوم السلطة السياسية بترشيح إيديولوجيتها ضمن مركبات الثقافة المدرسية لتحقيق هيمنتها المشروعة؟ ما هي الآليات التي تجعل تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي يندرج ضمن هذا المسعى العام؟ أي موقع يحتله تدريس الفلسفة؟ هل هو موقع السلطة الأيديولوجية ام البيداغوجية ؟ لقد علمنا على اختيار الفرضية التالية: ألا يمكن أن يكون تعليم الفلسفة في الجزائر قد خضع لعملية تقليم أظافر وظيفته البيداغوجية لصالح الوظيفة الأيديولوجية المهيمنة؟
II- المنهجية
اعتمدنا على منهجية التحليل البنيوي مؤطرة بالمنظور السوسيوتاريخي، مطعمة بتقنية تحليل مضمون الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة في الثانوي (التحليل الكمي و الكيفي) ارتباطا بستة مقابلات لستة إطارات شاركت في صياغة الكتاب المدرسي و البرنامج الرسمي.
III- تقديم البحث
تمحور البحث في ستة فصول، تسبقها مقدمة نظرية و ينتهي بخاتمة تتضمن استنتاجات البحث مفتوحة على آفاق البحث القادم منضاف لها ثلاث ملاحق و قائمة المراجع.
اهتم الفصل الأول بمعالجة المفاهيم القاعدية للبحث (من حيث الضبط النظري و الإجرائي) : السلطة، الأيديولوجيا، الفلسفة. الفصل الثاني و الثالث فقد إهتما بتحليل العلاقة بين السلطة السياسية و المؤسسة المدرسية، و كذا العلاقة بين هذه الأخيرة و البنية الأيديولوجية الرمزية المهنية التي تؤطر و تبنين السلطة السياسية ذاتها في فضاء الدولة- الأمة. ثم انتقل الفصل الرابع إلى معالجة موقع درس الفلسفة في خطاب الثقافة المدرسية (الخطاب و المميزات؛ الحرية و الحيادية : ما الحدود؟). أما في الفصلين الأخيرين فعالج الباحث مسألة خضوع الكتاب المدرسي للفلسفة لسلطة العنف الرمزي الهيمن يتبعها تحليل مضمون مدونة الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة.
IV- خلاصة الإستنتاجات
لقد شكل الكتاب المدرسي للفلسفة في بنيته الأساسية بحكم وظيفته ضمن المؤسسة المدرسية، ليستجيب لمطالب سلطة الأيديولوجيا المشظاة (و تعني لدينا : أيديولوجية الدولة- الأمة المهيمنة المركبة من قطع غير متناغمة و تنزع إلى العدائية فيما بينها) ذات طابع مقاوم.
و هو بهذا (أي الكتاب المدرسي) لا يمكن ان يستجيب لمنطق سلطة البيداغوجيا و بالتالي لسلطة المعرفة.
إن خطاب الكتاب المدرسي للفلسفة ليس إلا خطاب السلطة الأيديولوجية في أبعادها الرمزية المهيمنة و المشروعة. فقد شكلت السلطة السياسية إذن اعتقادا بوهم تأسيس فضاء التفلسف داخل خطاب الثقافة المدرسية المؤسسة، و في الحقيقة لم تشكله إلا من أجل تحقيق الترشيح الأيديولوجي الرمزي الضروري للهيمنة المشروعة إنها قبلت بتأسيس مجال مدرسي لكن دجّنته إلى حد فقدانه لكل نسغ حيوي، فانتصر سلطان الأيديولوجيا و انحصر سلطان العقل و البيداغوجيا.