إنسانيات عدد 74| 2016| المرأة في البلدان العربية: التغيّرات الاجتماعية والسياسية| ص.87-90 |النص الكامل
يتضمن هذا الكتاب فعاليات الملتقى الدولي الموسوم: "النوع الاجتماعي في حركة الصراعات، أشكال التفاوض، إعادة التركيبات" الذي تم تنظيمه في جامعة باريس ديدرو (Université Paris-Diderot) خلال الفترة الممتدةمن 30 سبتمبر إلى 02 أكتوبر 2009. يكمن الهدف الرئيسي من هذا اللقاء العلمي في دراسة وتحليل النوع الاجتماعي من خلال تحليل للأدوار الذكورية والأنثوية والمعايير والقيم الاجتماعية التي تعمل على البناء الاجتماعي للهويات الجنسية، وكذلك عن طريق دراسة مقارنة تشمل بعض البلدان الأوروبية والمغاربية في سياق مختلف التغيرات السوسيو ثقافية والاقتصادية التي تشهدها المجتمعات المدروسة.
انطلق هذا المؤلف الجماعي من خلال جملة من التساؤلات التي من بينها: كيف يتم تكوين الأدوار والمعايير الجنسية، التناقضات، التوترات الاجتماعية؟ وكيف تتم عملية التفاوض عليها وترتيبها وتحويلها من طرف الرجال والنساء المعنيين؟ لقد حاول الباحثون المشاركون في هذا الملتقى الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال تقديم حصيلة دراساتهم وأبحاثهم الميدانية في حقل النوع الاجتماعي.
يعرض هذا الكتاب مادة غنية ومتنوعة فيما يتعلق بالإطار النظري لمقاربة النوع الاجتماعي انطلاقا من مصادر وأدوات منهجية شملت السير الذاتية، الشهادات، التحقيقات الميدانية بالاعتماد على الملاحظات والمقابلات مع المبحوثين. لقد تضمن هذا المؤلف ستة أقسام: ففي القسم الأول حول "الهامش، الهامشية والانتهاكات"، تناولت الباحثة ماري-بيير أنغلاد (Marie-Pierre Anglade) دراسة حول الحركات الحضرية واستراتيجيات النساء المصابات بالإدمان على شرب الكحول بين أشكال العنف العائلي والهروب إلى الخارج (في الدار البيضاء، المغرب)، واهتمت بدراسة التمثّلات الاجتماعية حول هذه الشريحة الاجتماعية من النساء المغربيات، مختلف أشكال العنف المادي والمعنوي الذي يتعرضن له وصراعهن من أجل تحقيق الاستقلالية الاجتماعية، وكذا الكشف عن مختلف نماذج بناء الفردانية؛ وذلك بدخولهن إلى سوق العمل غير الرسمي كاستراتيجية تسمح لهن بالتواجد في الفضاء العام. أما الباحثة كارين لامبير (Karine Lambert) فقد تناولت دراستها النوع الاجتماعي، السلطات والإجرام داخل العائلة في فرنسا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر بالاعتماد على مصادر من الأرشيفات العائلية خلال فترة زمنية محددة، حيث تناولت تحليل أشكال العنف المادي والرمزي وعلاقته بنظام القرابة والرابط الاجتماعي من خلال الكشف عن الجوانب البنيوية والوظيفية للعلاقات الشخصية الخاصة، وذلك من خلال مختلف الممارسات الاجتماعية الخاصة بقيم الذكورية والأنثوية (الشرف، الرجولة، الهيمنة...).
أما القسم الثاني من الكتاب فقد تناول "الجنسانية، الجوانب الحميمية، الانتماءات: إعادة تركيب المعيار" وشمل دراسة للباحثة ساندا هووون (Sandra Houot) حول المعيار الجنسي، وذلك من خلال تحليل بعض الفتاوى الدينية -باعتبارها تأويلا دينيا عن المعايير الاجتماعية والثقافية– بارتباطها بانتهاك الأفرادِ المعاييرَ الاجتماعيةَ ومدى اندماجهم الاجتماعي في المجتمع المدروس. من جانب آخر، درس الباحث جيروم كوردوييه (Jérôme Courduiés) النوع الاجتماعي في محك العلاقة الزوجية انطلاقا من التغيرات وإعادة التركيبات للقيم الذكورية، من خلال التساؤل حول بناء الهويات الجنسية وما تتضمنه من أدوار ومكانات وتفاعلات اجتماعية بين الزوجين.
وعالج القسم الثالث "إعادة التركيبات للديناميكيات العائلية" حيث تطرقت الباحثة ليلى بوعسرية في دراستها لعلاقة النوع الاجتماعي بالفضاء العام، من خلال الحصول على مسكن واكتساب ملكية عقارية في الدار البيضاء (المغرب)؛ حيث سمح هذا الحراك الاجتماعي للنساء من الدخول إلى سوق العمل النسوي (العمل في النسيج) وإدخال تغيرات اجتماعية وثقافية للأدوار الاجتماعية الأنثوية. من جهة أخرى، تطرقت الباحثة ماري- بلانش تاهون (Marie-Blanche Tahon) لإعادة تركيب الأمومة، وذلك من خلال دراسة تحليلية للقانون السائد في مجتمع الكيبيك (كندا) حيث لا تنطلق هذه الدراسة من معطيات ديموغرافية أو من دراسة السياسات العائلية، وإنما تنبثق من عمل ميداني يكشف عن العلاقة بين العائلة والسياسة في مجتمع الكيبيك.
وتناول القسم الرابع موضوع "النساء في وضعية العمل، العولمة، أشكال من الفردانية ونماذج جديدة للنوع الاجتماعي" حيث تناولت الباحثة كامالا ماريوس- نانو (Kamala Marius-Gnanou) النشاط النسوي في المجتمع الهندي الذي يشمل على أشكال متنوعة منها : العمل المأجور، النشاطات الرسمية وغير الرسمية، المؤسسات المصغرة... وقد انطلقت الباحثة من دراسة حالات من العاملات المأجورات في القطاع الصناعي بتحليل آثار النشاطات النسوية وأشكالها فيما يخص الاستقلالية والرهانات الجديدة المرتبطة بالنوع الاجتماعي في المجتمع الهندي. في حين تناول الباحث إيمانويل زوليسيو (Emmanuelle Zolesio) إعادة التفكير في النوع الاجتماعي انطلاقا من حالات من الطبيبات في اختصاص الجراحة مركزا على الهوية الجنسية والهوية المهنية، وذلك لارتباط هذا الاختصاص المهني بالجنس الذكوري.
أما في القسم الخامس فقد تم التطرق إلى "أشكال من الحراك، الهجرات وإعادة التركيبات في الفضاءات". في هذا القسم درست الباحثة نادين كاتان (Nadine Cattan) حراك النساء المستخدمات في المنازل من خلال التركيز على التدفقات الهجرية جنوب – جنوب من سيريلانكا إلى بيروت، وذلك من خلال تحليل الممارسات في الفضاءات النسوية في سيريلانكا وعلاقتها بظهور أشكال جديدة من الحراك للنساء في بيروت، ويكمن الهدف من هذه الدراسة في محاولة تجاوز الثنائيات الجامدة (الخاص / العام، الرجل / المرأة، الرسمي / غير الرسمي، العمل / المنزل، الخضوع / الانتهاك...). من جانب آخر، تناولت الباحثة جوانا مورينو نييتو (Juana Moreno Nieto) الهجرات الموسمية انطلاقا من "عقود الأصل" من خلال دراسة حالات للعاملات المغربيات في القطاع الزراعي في إسبانيا. لقد اهتمت الباحثة بدراسة الهجرة النسوية الموسمية من خلال عقود محددة المدة للعاملات المغربيات، كاشفة عن تطور هذه الظاهرة وتفسير أسباب انتشارها ومختلف خصائصها وتحليل المسار الاجتماعي للعاملات المغربيات في وضعية الهجرة الموسمية في إسبانيا. من جهة أخرى، عالجت الباحثة دينا فايو (Dina Vaiou) أشكالا من الحراك المرتبط بالنوع الاجتماعي وعبور الحدود انطلاقا من تحليل السيرة الذاتية للمسار الهجري للمبحوثة المدعوة "ميموزا" بين ألبانيا واليونان.
في القسم الأخير من الكتاب تم التطرق إلى "الفضاء العام وإعادة التركيبات السوسيو سياسية" حيث قامت الباحثة ياسمين بريان، في دراستها حول وصول النساء إلى الجمعيات المحلية في المغرب، بتحليل المسارات الاجتماعية للنساء الناشطات في الحقل الجمعوي ومختلف الصعوبات المرتبطة به واستعماله كإحدى الاستراتيجيات للاعتراف الاجتماعي للنساء. أما الباحثة مريم يفوت فقد تناولت مسألة التمثيل النسوي ضمن الأحزاب السياسية المغربية انطلاقا من مقابلات مع بعض المبحوثات، بهدف دراسة مسارات وتجارب النساء في الأحزاب الديمقراطية، ومدى تأثير ذلك في تحقيق المساواة بين الجنسين من خلال المشاركة الحياة السياسية بالمغرب.
يمثل هذا الكتاب إثراء معرفيا في حقل الدراسات المهتمة بالنوع الاجتماعي، انطلاقا من تقديم بعض الباحثين حصيلة دراساتهم الميدانية التي شملت عددا من المجتمعات محل الدراسة. فإذا كانت الغاية من هذا الكتاب، هي دراسة وتحليل النوع الاجتماعي، باعتباره أحد المفاهيم المفتاحية لفهم صيرورة التحولات السوسيو- ثقافية والاقتصادية التي تشهدها المجتمعات المدروسة، فإن الهدف الرئيسي من هذا الكتاب، يكمن في تحليل الأدوار الذكورية والأنثوية، والمعايير والقيم الاجتماعية، التي تعمل على البناء الاجتماعي للهويات الجنسية. وفي الأخير، يمكن لهذا الكتاب، أن يفتح أمام الباحثين مسالك جديدة للبحث والدراسة حول ما تعرفه مجتمعاتنا حاليا، من أنماط التغير الكثيرة، والتّحول في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية.
نورالدين خيراني