إنسانيات عدد 74| 2016| المرأة في البلدان العربية: التغيّرات الاجتماعية والسياسية| ص.90-95 |النص الكامل
يضم هذا الكتاب مجموعة تقارير ميدانية تسلط الضوء على وضعية المرأة في عدد من بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويعد أول تقرير صادر عن مؤسسة نساء الأورو-متوسط[1] تقييما عاما عن مدى التزام الحكومات، في هذه الدول، بتطبيق سياسة تمكين المرأة وتكريس مبدإ المساواة رجل- مرأة.
وبالرغم من أن النضال من أجل حقوق المرأة وتعزيز دورها في المجتمع لا زال متواصلا (ولو بوتيرة مختلفة) في كل من دول شمال المتوسط ودول جنوبه، إلا أنّنا سنركز في قراءتنا هذه على التقارير الخاصة بدول الجنوب وبالتحديد بالدول العربية التي وردت في هذا الكتاب وهي: الأردن، الجزائر، المغرب، تونس، لبنان ومصر، لنحاول رسم صورة عامة عن الأوضاع التي تعيشها المرأة في المجتمع العربي والوقوف على دورها ومدى حضورها ومشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية.
الوضعية الاقتصادية
الدخول في سوق العمل والمشاركة في النشاط المهني والاقتصادي
التعليم: تعكس هذه التقارير التزايد المستمر في نسبة الفتيات المتمدرسات وتفوقها على نسبة الذكور في بعض الدول ( مثل الجزائر ولبنان) في الطورين الثانوي والجامعي. وتعد سياسة التعليم الإجباري والمجاني من الطور الابتدائي حتى الطور الثانوي التي انتهجتها مختلف الدول العربية أهم عامل أدّى إلى التمدرس الواسع للبنات وتمكينهنّ من متابعة دراسات جامعية والحصول على شهادات عليا في تخصصات مختلفة.
لم يعد إذًا التعليم (بأطواره المختلفة) في البلاد العربية حكرا على الذكور كما كان في السابق، إلا أنّ حصول المرأة العربية على التعليم اللازم (الأمر الذي يعد مكسبا هاما وخطوة أساسية في طريق التمكين) لا يضمن لها دخول سوق العمل بسهولة ولا يعني بالضرورة الضفر بمنصب الشغل المناسب كما سيتوضح لنا في العنصر التالي.
عمل المرأة: تبين تقارير مختلف الدول العربية أنّ عدد النساء في وضعية نشاط مهني يشهد تزايدا مستمرا خاصة لدى النساء الحائزات على شهادات عليا. لكن تبقى نسبة النساء العاملات ضعيفة جدا مقارنة بالرجال (حيث لا تتعدى الربع في أحسن الحالات) وهذا مع العلم أنّ نسبة الفتيات المتمدرسات في الطور الثانوي والجامعي عادة ما تفوق نسبة الذكور وأنّ نظام العمل في دول كالجزائر مثلا قائم على المساواة في العمل (من حيث الأجرة أو الحق في المنصب) ويوفر حماية خاصة للمرأة (عطلة الأمومة وساعات الرضاعة).
ويكاد ينحصر عمل المرأة في قطاعات معينة: التربية، الصحة والإدارة بالنسبة للوظائف الحكومية[2] وفي مجال المهن الحرفية بالنسبة للأعمال الأخرى (تجارة حرة أو مؤسسات مصغرة،...).
وبالرغم من جملة القوانين والمواثيق التي تبنتها بعض هذه الدول العربية (وعلى رأسها الجزائر) فيما يتعلق بتجريم التحرش الجنسي في الوسط المهني ومناهضة التمييز ضد المرأة في مجال العمل، والتي من شأنها حماية المرأة العاملة وتسهيل إدماجها المهني، إلا أنّ المساهمة الفعلية للمرأة في النشاط الاقتصادي للبلد لا زالت محدودة للغاية. وترجع مختلف هذه التقارير ذلك إلى صعوبة تفعيل هذه القوانين (عند وجودها) على أرض الواقع من جهة وإلى محدودية تنقل أو حركية النساء والصعوبة التي تواجهها في التوفيق بين الحياة العائلية (حيث توزيع المهام والأدوار لا زال خاضعا ولو بشكل ضمني إلى المنطق التقليدي) والحياة المهنية (في ظل غياب تدابير وإجراءات تساند المرأة في تحمل مسؤولية رعاية الأسرة الملقاة بالكامل على عاتقها) من جهة أخرى. الأمر الذي يقلّص من فرصتها في دخول سوق العمل والحفاظ على منصب الشغل وبالتالي المساهمة الفعالة في الحياة الاقتصادية للبلد.
الوضعية السياسية
التمثيل السياسي والمشاركة في صنع القرار
بالرغم من عدم وجود مواد دستورية أو نصوص تشريعية تمنع مشاركة المرأة في الحياة السياسية في البلاد العربية، إلا أنّ هذا المجال يكاد يكون حكرا على الرجال فقط. حيث تظهر التقارير أنّ المرأة لا تحظى بنفس فرص التمثيل والمشاركة كما أنّها قلّما تصل إلى مناصب اتخاذ القرار التي تمدها بالصلاحية والشرعية الضرورية لتحقيق المساواة وحماية المكتسبات في هذا الشأن.
ولا يرجع غياب المرأة عن الساحة السياسية إلى عدم اهتمامها أو قلة مجهوداتها، فهي على العكس من ذلك قد أثبتت دورها الفعّال في الحراك السياسي (كما حدث في ظروف قصوى كثورات التحرير العربية من الاستعمار الأجنبي وثورات ما يعرف بالربيع العربي)، إلا أنّها تعاني من الاستبعاد والتهميش القائم على أساس التوزيع التقليدي للأدوار الاجتماعية.
ولعلّ اعتماد مبدإ الحصص في النّظام الانتخابي يعدّ من أبرز التدابير التشريعية التي اتخذتها معظم الدول العربية[3] (عدا لبنان التي لمّا تتبنّ هذا النظام) لضمان تمثيل أوسع للنساء على المستوى المحلي والوطني، الأمر الذي قد يساهم مستقبلا في وصول المرأة إلى مناصب اتخاذ القرار ويغيّر من الوضع الراهن الذي يشهد غيابا تامّا للمرأة على مستوى رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة، وجودا محتشما على مستوى التمثيل البرلماني وقلة على رأس وزارات محددة.
واقع العنف الممارس ضد المرأة
القوانين والممارسات
من الناحية القانونية: تعتبر المواد الدستورية والقوانين التشريعية من أبرز الوسائل التي تساهم في الحد من العنف ضد المرأة أو في تفاقمه داخل أي مجتمع كان.
وتظهر التقارير الواردة في هذا الكتاب أن كلاّ من قانون الأسرة وقانون الأحوال الشخصية وكذا قانون المواريث في الدول العربية يتضمن بطريقة أو بأخرى شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة. حيث لا زالت تكرس في مجملها الهيمنة الذكورية وتبعية المرأة للرجل، بالرغم من التعديلات النوعية التي تشهدها من فترة لأخرى على مستوى بعض البلاد العربية (كما هو الحال في الجزائر مثلا، حيث تم إسقاط واجب طاعة الزوج وإعطاء حرية اختيار الولي عند الزواج وتمكين المرأة من تجنيس زوجها وأبنائها).
وتأتي هذه التعديلات ضمن الاستراتيجيات الوطنية المتبعة التزاما بالمعاهدة الدولية للقضاء على جميع أنواع التمييز والعنف ضد المرأة والتي صادقت عليها البلدان العربية (مع إبداء بعض التحفظات)، حيث كشفت أيضا عن سَنّ قوانين مجرِّمة للعنف ضد المرأة في الوسط الخارجي وكذا العائلي (العنف الزوجي) في بعض من هذه الدول (الجزائر والمغرب والأردن).
من الناحية الميدانية: تخبر جملة التقارير الخاصة بالدول العربية عن واقع خطير للعنف الموجه ضد المرأة، حيث تمس هذه الظاهرة بأشكالها المختلفة ما لا يقل عن نصف نساء المجتمع في معظم البلاد العربية. وقد تزيد عن هذا في البلدان التي تعرف اضطرابات سياسية وعدم استقرار أمني، كما هو الحال في مصر ولبنان مثلا.
وتشير هذه التقارير إلى أنّ " اقتحام " النساء للمجال العام من خلال التمدرس والخروج للعمل ولّد مقاومةَ المجتمعِ تمظهرت في أنواع مختلفة من العنف الممارس ضد المرأة في الأماكن العامة (العنف اللفظي والنفسي، العنف الجسدي والجنسي والعنف الإداري والمؤسساتي،...) إضافة إلى العنف الممارس داخل الوسط العائلي في ظل انتشار الذهنيات التي تقبل وتشرعن العنف ضد المرأة (سواء في أوساط الرجال أو النساء) واستعصاء هذه الأفكار النمطية على التغيير بالرغم من التدابير والإجراءات القانونية والتشريعية التي تم اتخاذها والتي لا يزال تطبيقها وتفعيلها يقاوَم على أرض الواقع.
يتبيّن من كل ما سبق أنّ العنصر المشترك بين الدول العربية (على اختلاف إنجازاتها وتفاوت نسبة تقدمها في مجال تمكين وتحقيق المساواة) يتمثل في الهوة الموجودة بين المواد الدستورية، والنصوص التشريعية، والقوانين، والمعاهدات المصادق عليها والخطابات السياسية، من جهة، (والتي تكفل في معظمها حقوق المرأة وتكرس مبدإ المساواة) والواقع والممارسات اليومية التي تعاني منها المرأة من جهة أخرى. وكأنّ وتيرة تطور التشريعات سبقت وتيرة تطور الذهنيات والممارسات. فالنص موجود، لكنّ الفعل الذي يفترض أن يتبعه، مفقود.
ومع ذلك تبقى كافة الجهود المبذولة في سبيل ترسيخ مبدأ المساواة وحماية حقوق المرأة وتعزيز دورها في المجتمع العربي جديرة بالتثمين وقابلة للتحسين كما هو الحال في دول العالم الأخرى.
فإضافة إلى كونه أداة نوعية لمتابعة نشاط الحكومات وتقييمها في مجال حقوق المرأة والمساواة، فإنّ هذا التقرير الجامع (وبالرغم من كونه مقتضبا) يعد وثيقة مرجعية عن أوضاع المرأة في دول شتى. إذ يسمح للمهتمين بقضايا المرأة والفاعلين في هذا المجال بالوقوف على مدى تطور هذه الأوضاع من جوانب متعددة في البلد الواحد والمقارنة بين البلاد المختلفة بشكل يبرز جملة المكتسبات والفرص المتاحة لتفعيل وتعزيز دور المرأة في المجتمع من جهة، ونجده - من جهة أخرى- يلقي الضوء على مجموعة العراقيل والعقبات التي تؤول دون أو تحدّ من تحقيق المساواة وضمان المشاركة الفعلية والفعالة للمرأة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي على حد سواء.
خديجة بوناح
الهوامش
[1] مؤسسة غير ربحية، مستقلة، تنشط على مستوى منطقة المتوسط وتعمل على ترسيخ مبدأ المساواة والقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة.
[2] التي تنشط فيها أغلب النساء لما توفره من استقرار ودوام في المنصب.
[3] بنسب مختلفة تصل إلى النصف في دول كتونس التي طبقت مبدأ المناصفة أو كالجزائر التي تتراوح فيها النسب من الخمس إلى النصف.