إنسانيات عدد 74| 2016| المرأة في البلدان العربية: التغيّرات الاجتماعية والسياسية| ص.98-100 |النص الكامل
يقدم هذا الكتاب مقارنة هامة بين أوضاع المرأة في دول الشمال المتقدمة ودول الجنوب السائرة في طريق النمو والدول التي تسمى بالنمور الأسيوية مثل أندونيسيا وماليزيا والفيتنام. وهو يسلط الضوء على تأثير مختلف العوامل الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية والتاريخية التي عانت منها المرأة في مسار تحقيقها للحريّة.
تقترح الكاتبة وفق ثراء مفاهيمي في الطرح والتحليل أفاقا للتفكير حول ممارسات جميع الحركات المنخرطة منذ نهاية القرن التاسع عشر في عملية مناصرة قضية المرأة ضد العنف والأفعال المسيئة لها، والتي تسببت لها في ضرر جسدي ونفسي وحرمان تعسفي من الحريّة سواء في الفضاء العام أو في الفضاء الخاص، ويمكن تعداد هذه التجاوزات التي تصنف في خانة الجرائم ضدّ النساء والتي لا تزال متواصلة في بعض مناطق العالم مثل: قتل الجنين الأنثوي، المعاملة المهينة، الاغتصاب الزوجي، التحرّش الجنسي والاتجار بالنساء.
نجد في الكتاب اهتماما كبيرا بمواقف الأديان من قضايا المرأة، مبرزة استعمال الدين للتصور المختزل للمرأة من أجل مصالحها، فكل "الأنبياء ومؤسسي الفلسفات "هم ذكور بدون استثناء، على الرغم من أنّ النساءهنّ أول من يتبنى الدين الجديد في أغلب الأحيان. وتركّز الباحثة على دور تأويل النصوص المؤسسة في صياغة هذه المعاداة ممّا يجعل من قضايا تحرير النساء رهانا رئيسا في الصراع الاجتماعي والتاريخي ما بين مشروعي مجتمعين أحدهما يطالب بتكوين مجتمع من الذوات الأحرار والآخر باسم الدين، يدافع بشدّة على الحفاظ على تسيّيس تعاليم الدين، ممّا يعطي للأصولية أكثر فعالية في التنافس على السلطة. وبما أنّ الباحثة ترى في الأصولية إعادة التأكيد على الهوية الدينيّة في مواجهة أزمة الحداثة، حيث يعوض بعض الرجال عجزهم عن مقاومة للهجوم الاقتصادي والسياسي والثقافي بممارسة سلطتهم في مجال لا ينازعهم فيه أحد على "العنصر الهش الضعيف" المتمثل في النساء .
تفسر الكاتبة التصوّر المختزل لدور النساء مبرزة أن المساواة بين الجنسين تعني بالنسبة للعديد من الرجال التشويش على تصورهم للعالم وقبول اقتسام السلطة التي استفردوا بها على الدوام. ومن الواضح أنّ الكثير مرتبطون أشدّ الارتباط بهذا النموذج من التفكير. فالتطور في اتجاه تحقيق المساواة بين النساء والرجال، وولوج النساء لمجال الشغل وتحرّرهن الجنسي يشكل بالنسبة لهم تهديدا رباعي الأبعاد يجسده فقدان الرجال لفحولتهم، التهديد بخراب العائلة وإضعاف المجتمع والتمكين من الانحطاط. تبدو هذه العقيدة الذكورية، والمتمثلة في الرغبة المتجذرة بعمق ليس من أجل أن تكون المرأة ناقصة وإنّما في أن يكون هو متفوقا عليها، هامة جدا وغامضة في الوقت نفسه. وقد كان لها تأثير كبير في الحركة النسوية. تعيش النساء في كثير من الأحيان السيطرة الذكورية في شكل حماية، ويعتبر التصوّر البطرياركي أو الأبوي المرأة كائنًا مختزلاً يعاني من القصور الأبدي، وهذا التوصيف يدفع بها إلى الحاجة في طلب الحماية مقابل الخضوع، ولايزال الزواج والأمومة يوفران في غالب الأحيان للنساء، وإلى يومنا هذا، حماية الزوج وعائلته، كما تتمتع الأرملة برعاية أبنائها حتى وإن انعدمت الحماية .
تذكر الكاتبة، بعد استعراض طويل لمعناة المرأة النفسية والجسدية والاقتصادية والحقوقية" "تاريخيا أهمية التقدم المنجز منذ منتصف القرن العشرين في مجال البحث عن تأكيد المساواة بين الجنسين خصوصا في مجالات الاستفادة من الحق في التعليم والشغل والحريّة في الانجاب والامتناع عن ذلك، وتعتبر كل حرية من هذه الحريات مكسبا ونتيجة نضالات طويلة.
تعتبر الكاتبة في نهاية عرضها لمضمون الكتاب هذه المكاسب هشة ومهدّدة في كل مكان، فالفروق الموجودة بين النساء والتي كانت دوما حاضرة لم يسبق لها أن كانت كبيرة مثلما هي عليه اليوم في جميع بلدان العالم. فروق يعكسها عدم تساوي الحظوظ في التمتع بالحقوق الأساسية والعيش في مجتمعات البطريركية تعتبرهن في وضعية دونية صالحات فقط للإنجاب.
سعاد زركوك