إنسانيات عدد 74| 2016| المرأة في البلدان العربية: التغيّرات الاجتماعية والسياسية| ص.115-117|النص الكامل
نظمت كليتا الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الصديق بن يحي- جيجل- الملتقى الدولي الثاني الموسوم بـ "المركز القانوني والسياسي للمرأة في التشريعات المغاربية في ظل التعديلات المستحدثة"، يومي 19 و20 أكتوبر 2015. وكان الهدف من الملتقى إستقراء دور المنظومة القانونية والسياسية في الدول المغاربية في تعزيز وتطوير مكانة المرأة القانونية والسياسية، والبحث في المعوقات التي تحول دون الوصول الفعلي للمرأة في الحياة السياسية، خاصة مع التحولات التي عرفتها مكانة المرأة في المجتمع في مختلف المجالات.
وقد عرف الملتقى مشاركة معتبرة لمجموعة من الأساتذة الجامعيين والباحثين من داخل الوطن وخارجه كتونس والمغرب وليبيا. وقسم برنامج الملتقى إلى جلسات عامة و ورشات عمل محددة وفقا لمحاور الملتقى، بما فيها ورشات المرأة وقانون الأسرة، ورشات المرأة والمشاركة السياسية، وورشات حقوق المرأة والتنمية.
تمركزت مداخلات الأساتذة المشاركين حول إشكالية مشتركة لقراءة الوضع القانوني والسياسي للمرأة في الدول المغاربية، وتنوعت المواضيع المطروحة بـاختلاف التخصصات العلمية للمتدخلين في العلوم القانونية والسياسية وعلم الاجتماع. وقد تم إدراج مصطلحات أساسية للكشف عن التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة بصفة عامة، خاصة من ناحية المساواة ما بين الجنسين في التشريعات والقوانين والدساتير المعمول بها في الدول المغاربية، والتمكين السياسي، وموقع المرأة في مراكز صنع القرار واتخاذه، والمشاركة السياسية للمرأة، والتمثيل السياسي، ودورها في التنمية وتسيير الشأن المحلي.
يأتي الملتقى الدولي في سياق عرفت فيه الدول المغاربية توجها نحو التمكين السياسي للمرأة، من خلال مجموعة من القوانين والتعديلات الدستورية، واعتماد سياسات التمييز الإيجابي لإدراج النساء في التمثيل والمشاركة السياسية والتي تركت أثرها في وضع النساء القانوني والسياسي. عرضت "سعيداني لوناسي ججيقة " من جامعة تيزي وزو، مداخلتها الموسومة بـ "أثر التعديلات الدستورية على المركز القانوني للمرأة المغاربية " وأشارت فيها إلى أن التواجد السياسي للمرأة المغاربية لايزال ضعيفا، بالرغم من التقدم المحرز في وضعها القانوني والسياسي وضمان المساواة ما بين الجنسين في الدساتير المعمول بها، وهو ما حاول توضيحه أيضا عزوز بن تمسك، من كلية الحقوق والعلوم السياسية سوسة –تونس- في مداخلته بعنوان " المرأة ومواقع صنع القرار في تونس " حيث أشاد بالدور الفعال للمرأة في ظل التأكيد على المساواة في حقوق الإنسان في مختلف أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أما قسوري فهيمة، من جامعة باتنة، فركزت في مداخلتها على الدور الذي تقوم به هيئة الأمم المتحدة للمساواة ما بين الجنسين، والسعي المؤسساتي للهيئة و مختلف لجانها من أجل تمكين النساء، ورفع العراقيل التي تقف أمامهن وتكبح قدراتهن.
من جهته، عرض عبد الصمد عبدو من جامعة مولاي اسماعيل بالمغرب، في مداخلته التي تناول فيها المركز القانوني للمرأة في مدونة الأسرة المغربية، مشيدا بدوره بالتغيرات التي عرفتها مدونة الأسرة، والمشكلات التي تعترض تطبيق المقتضيات الجديدة الخاصة بحماية المرأة. أما عائشة محمد بن مسعود فشيكة من جامعة طرابلس- ليبيا- فتناولت في عرضها مداخلة " المرأة والتنمية المستدامة" تحليل سوسيولوجي لدور مشاركة المرأة الليبية وأنماطها.
كما قدم كعباش عبد الحميد من -جامعة جيجل- تحليلا حول " السلطة المخولة" إشارة إلى وضع المرأة في المجتمعات الذكورية. وحاول المتدخل البحث في أصل الذكورية والتسلط الذكوري خاصة في المجتمع العربي والشمال الإفريقي، والمرجعيات التي ترتكز عليها، ذاكرًا أن نصف طاقة المجتمع المتمثلة في النساء ستبقى معطلة خاصة إذا لم تتبوأ مراكز السلطة والقرار. بينما أشار بن أعراب من كلية الحقوق والعلوم السياسية – سطيف – في مداخلته إلى مسألة حق المساواة ما بين الرجال والنساء في التوظيف، وأكد المتدخل أن المركز القانوني والسياسي للمرأة يمكن تعزيزه أيضا من خلال تجريم التحرش الجنسي بها في أماكن العمل.
في الورشة الثالثة للملتقى "المرأة والمشاركة السياسية"، ركز المتدخلون على الوضع السياسي والقانوني للمرأة في الجزائر، التي عرفت تقدما ملحوظا على إثر التغيرات والإصلاحات الدستورية لسنة 2008، وأهمها المادة المتعلقة بتوسيع حظوظ تمثيل النساء في المجالس المنتخبة، لكن يبقى الإصلاح الدستوري والقانوني رهينا بالمجتمع وتصوراته للمرأة، وهو ما أشار إليه لرقم رشيد من جامعة جيجل الذي تحدث حول إسهام المجلس الدستوري في تكريس الحقوق السياسية للمرأة، والذي أكد على أهمية دور المرأة ومنظمات المجتمع والحركات النسوية في إحداث التقدم الاجتماعي المنشود. وهو الطرح ذاته الذي أشارت إليه بولقراس سناء من جامعة جيجل كذلك، إلى أن المرأة بحاجة أكثر إلى دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في توفير الحماية والتدخل اللازمين لتعزيز أوضاعها. وعرفت الورشة أيضا عرضا لمداخلة نوارة تريعة من جامعة بومرداس، بعنوان " تطور المشاركة السياسية للمرأة في دولة موريتانيا"، وأشارت إلى أن موريتانيا أخذت بعين الاعتبار في إصلاحاتها آليات التمييز الإيجابي في تمكين المشاركة السياسية للمرأة الموريتانية التي كانت ضعيفة ومتأرجحة في ظل التغيرات التي عرفها نظام الحكم في موريتانيا ومختلف الانقلابات التي مرّ بها.
وعلى العموم، أصبحت قضية النهوض بمشاركة النساء في التنمية المجتمعية في مختلف المجالات إحدى الأولويات الدولية والوطنية، بالنظر إلى جملة التحولات التي عرفتها وضعية المرأة و صور تهميشها وغيابها عن مراكز صنع القرار، ومناصب المسؤولية خاصة في الفضاء السياسي، وهذه المفارقة كانت أهم محاور النقاش، التي أكد فيها المتدخلون على أن تثبيت حقوق المرأة قانونيا لا يتماشى إلا مع تدابير عملية تمكن النساء من ممارسة حقوقهن؛ لأن إشكالية النهوض بالمرأة قائم في الكيان الاجتماعي وما يحمله من تصورات ومعتقدات حول المرأة وأدوارها.
هذا، وقد اختتم الملتقى الدولي بعرض مجموعة من التوصيات والاقتراحات التي يمكن أن تساهم بصورة أفضل في تعزيز المكانة السياسية والقانونية للمرأة.
سمير فارح