انسانيات عدد مزدوج 85-86| 2019 |الغرافيتيا في شمال إفريقيا: أصوات الهامش| ص 39-50| النص الكامل
DJILALI Houria (1): Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.
نستعرض في هذه الورقة نتائج دراسة أعدّت في إطار بحث قدّم لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر[1]، يدور موضوعها حول: "النشاط السياسي والحياة النيابية في مدينة مستغانم في فترة ما بين الحربين العالميتين (1919-1939)"، وبالتحديد الفترة الممتدة من تاريخ صدور إصلاحات جونار إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939. يكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة، فالدراسة المونوغرافية لمستغانم في هذه الفترة تسلّط الضوء على حقبة من تاريخ هذه المدينة، وتسمح بتتبّع التمثيل السياسي لسكانها في المجالس المحلية (البلدية، العامة والمفوضيات المالية) بصفتهم أهالي، كما تتيح تحليل مطالبهم الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية.
يمثّل تحليل النشاط الانتخابي والتمثيل النيابي خلال فترة ما بين الحربين العالميتين بمدينة مستغانم أحد أهم غايات هذا البحث، الذي يتوخى فهم وإبراز البعدين الاجتماعي والثقافي للمشاركة السياسية، انطلقنا من طرح عدد من الأسئلة التي تبحث في ميزة النشاط النيابي في مستغانم خلال هذه الفترة، وفي موقف الجزائريين من هذه الانتخابات، ومدى استجابتهم لها وثقتهم بالإدارة الفرنسية المنظمة لهذا الحدث السياسي.
الإشكالية والمنهجية
اعتمدنا في هذه الرسالة، التي دام البحث فيها من سبتمبر 2015 الى غاية مارس 2018، على المنهج التاريخي التحليلي الذي يقوم على تتبّع الأحداث التاريخية واستنطاقها ومقارنتها، مع الاعتماد على الإحصائيات المتوفرة وتسجيل أهم الملاحظات ونقد المعلومات في حالة وجود إمكانية لذلك، أمّا من الناحية البيبليوغرافية، فقد مكنّنا هذا العمل من الاطلاع على أهم المصادر والدراسات الأكاديمية والجامعية حول الموضوع، كما كان للأرشيف المتواجد بمدينة "أكس أن بروفانس"Aix-En-Provence" (بفرنسا) الدور المحوري في توفير المادة الخام لموضوعنا، بحيث شكل المنبع الأساسي له من خلال توفّر عدّة علب أرشيفية تخص موضوع الانتخابات المحلية وظروفها ونتائجها، وأخرى تخصّ النشاط السياسي بمستغانم بشكل خاص.
اعتمدنا في بداية البحث على مركزي الأرشيف بولايتي وهران والجزائر، وقد تصفحنا السلسلة I التي تضم ملفات حول قضايا وشؤون إسلامية، وتحتوي هذه السلسة على عدّة معلومات صادرة عن مركز المعلومات والدراسات[2]، تخص القضايا السياسة للفترة الممتدة ما بين (1837 و1961)، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية ما بين (1899-1858)[3]. أما العلب التي اعتمدنا عليها في الأرشيف المتواجد بـ "بأكس أن بروفانس"Aix-En-Provence" فموجودة ضمن السلسلة E، والتي تخصّ الانتخابات خلال الفترة الممتدة ما بين (1919 و1953)، وتشمل مجموعة من الوثائق الخاصة بالانتخابات التي نظمتها الإدارة الاستعمارية وقوائم المنتخبين ومحاضر الفرز وقوائم التعديلات والإضافات وكل ما يتعلق بهذه العملية السياسية[4].
اعتمدنا من جهة أخرى على تحليل مضمون عدد معتبر من الصحف والجرائد، كما هو الحال بالنسبة لجريدة صدى وهرانL’Echo d’Oran ، وهران الجمهوري Oran Républicain التي أفادنا تتبعها للأحداث بشكل مستمر، كما لم نستثن صحف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت تصدر خلال الفترة موضوع الدراسة، خاصة "البصائر" و"الشهاب" وغيرهما، إضافة إلى الصحف المحلية الصادرة بمستغانم كما هو الحال بالنسبة لـ La Gazette de Mostaganem وMostaganem وغيرها من الصحف التي تابعت الأحداث والتطورات المحلية.
تمكنا خلال هذا البحث أيضا من رصد الإنتاج الببليوغرافي حول النشاط السياسي في فترة ما بين الحربين[5]، فاطلعنا خلال بحثنا على كتاب " الاصلاحات في الجزائر ووضعية الأهالي " الصادر سنة 1919 لصاحبه Piquet Victor ، وكتاب "الحقوق السياسية للأهالي" لصاحبه Viard Paul Emile الصادر سنة 1937، إلى جانب مراجع أخرى مهمة[6]. إضافة إلى التراكم المعرفي الذي أنتج على مستوى مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية[7].
تضمّن البحث المقدمة التي تحدّد الإطار العام للموضوع وأهميته، والإطار الزماني والمكاني له، كما خصصنا المدخل للتعريف بمستغانم وأحوازها وتقديم نبذة عن التنظيم الإداري في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، وحول التمثيل الأهلي بالجزائر قبيل 1919، أمّا ما بقي من متن البحث فقد قسّم إلى ثلاثة أقسام، تضمن كل قسم فصلين يتبعان بخاتمة ومجموعة من الملاحق والفهارس.
التطبيق الانتخابي لإصلاحات فبراير 1919
شمل القسم الأول من البحث تحليل إصلاحات فبراير 1919 وتأثيراتها على المرحلة المحصورة ما بين (1919-1925)، فهذه الاصلاحات أعطت الجزائري الحق في انتخاب من يمثله بمختلف المجالس، وتميزت هذه المرحلة بضعف الحملات الانتخابية التي رافقتها شبه مقاطعة من الجزائريين، خاصة فيما يتعلّق بانتخابات الجماعة والمجالس المالية.
ظلّت عملية التمثيل النيابي خلال هذه المرحلة محتشمة، كما اعتمدت على شخصيات موالية للسلطة الكولونيالية والتي لا تملك القدرة على صياغة المطالب، مع تركيز حرصها على الحفاظ على المناصب التمثيلية التي حصلت عليها، وفي المقابل بذلت الإدارة الفرنسية كل ما بوسعها من أجل فرض ترشح الشخصيات المؤيدة لها والتي غالبا ما كانت تعتمد على نفوذها وثروتها ونسبها لضمان وجودها، مع الإشارة إلى السعي لإضفاء نوع من الشرعية على كل الانتخابات، والتستر على عمليات التزوير التي كانت تهدف إلى إبعاد مرشح وتقريب آخر، كما سخرت الإدارة الاستعمارية هؤلاء النواب لخدمتها قصد التمكن من تمرير مشاريعها الاستيطانية. لم تأخذ هذه الانتخابات بالاعتبار الاقتراحات التي كان يعرضها بعض النواب الوطنيين، لتصبح مسرحا لصراعات بين النخبة الجديدة ممثلة في الشبان الجزائريين والنخبة التقليدية ممثلة في الطرقيين وأصحاب الزوايا والموالين للإدارة الفرنسية.
مثّل التزوير ميزة هذه الانتخابات حيث أشارت إلى ذلك جريدة "صدى الجزائر"L’Echo d’Alger بتاريخ 5 مارس 1920، وكان لانعدام وجود الأحزاب السياسية الممثلة للجزائريين أثر في ضعف الوزن السياسي للمنتخبين ومحدودية دورهم مقارنة بالأحزاب الفرنسية التي كانت تؤطر الانتخابات الخاصة بالفرنسيين، كما مثّل عدم إتقان الجزائريين لتقنيات المناقشة والاثبات ولعبة التكتل لتمرير المشاريع المختلفة مؤشرا آخر على ضعف التمثيل.
الفترة النيابية الجديدة (1929-1935)
أما القسم الثاني، والذي خصّص لدراسة الفترة النيابية الممتدة ما بين 1929 و1935، فقد عالج الموضوع الانتخابي الذي تميّز بتنامي الحركة الوطنية الجزائرية وظهور توجه جديد لدى الجزائريين أساسه حرصهم الشديد على تطوير أساليب مواجهتهم للفرنسيين. ورغم تظاهر الإدارة الفرنسية بالحرص على إعطاء الصبغة الشرعية لانتخابات الجزائريين وإلغاء كل العراقيل التي قد تعيق هذه العملية - خاصة بسبب الضغوطات التي كان يمارسها أعوانها مثل إصدارها لعدة تعليمات لتنظيم وتسهيل العملية الانتخابية- إلا أن الوضع بالنسبة للجزائريين لم يتغير بالشكل الكبير، ليظل تمثيلهم في المجالس المحلية مقتصرا على أسماء معروفة من العائلات الكبرى وعائلات قدماء المحاربين والعائلات الدينية المحافظة التي تواصل سعيها للحفاظ على مزاياها الدينية، الاقتصادية والسياسية.
اتسمت الانتخابات في هذه الفترة النيابية بالكثير من التلاعبات والمخالفات، بحيث تواصل ذلك في المواعيد الانتخابية اللاحقة بتدخل الإدارة الفرنسية في سير العمليات وتزوير البطاقات الانتخابية وتوزيع قوائم مزيفة، كما واصلت النخب التقليدية محاولتها السيطرة على الانتخابات المحلية والفوز فيها، وحتى مشاركة هؤلاء النواب في مختلف المجالس اقتصرت على تدخلات شكلية وطرح قضايا عامة غالبا ويتكرّر طرحها هي نفسها في مختلف الجلسات
زاد تمسك الأعيان وقدامى المحاربين والملاك والقياد بهذه الامتيازات ومكاسبها وتخوّفوا من حصول بقية أفراد المجتمع الجزائري على مناصب إدارية تفقدهم مكانتهم[8]. ومن جانب آخر فقد ظهرت فئة جديدة - من حيث التكوين والمستوى التعليمي والمناصب الإدارية والسياسية التي تقلدتها إلى جانب الإدارة الفرنسية - امتلكت الثروة والمكانة الاجتماعية التي ساعدتها على إلحاق أبنائها بالمدارس الفرنسية، وهو ما ساعد في تشكّل نخبة مفرنسة. وفي الوقت نفسه، عرفت الأرياف ظهور فئات ذات مستوى تعليمي لا بأس به ومستعدة لخدمة الإدارة الاستعمارية، أمّا المدن فقد برزت فيها هي الأخرى فئة مثقفة وذات مستوى اقتصادي ساعدها على إقامة أنشطة مختلفة نظرا لتمتعها بدرجة من التعليم (المحامي والطبيب والقاضي والمترجم وغيرها)، مع تمكنهم من الفوز بمقاعد بالمجالس البلدية والعامة، وهذا ما لاحظناه خلال الانتخابات البلدية لسنة 1935 حيث ظهرت قائمتين على رأسها طبيبين، وتظّم كل منهما شخصيات مثقفة ومتعلمة، ثم ظهرت مختلف التيارات الوطنية التي ستهدف جميعها لاسترجاع حقوق الجزائريين في مرحلة انتقالية (1929 - 1934) تميزت بمشاكل اقتصادية واجتماعية حادّة.
شهدت مستغانم مثل باقي دوائر القطاع الوهراني نموا وتطورا ونهضة واسعة شملت مختلف الجوانب، غذّتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بنشاطاتها المختلفة وخاصّة بعد الاحتفال بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر، وشعور الجزائريين بالمهانة وعدم الأخذ بعين الاعتبار واقعهم أو النظر في مطالبهم المختلفة، وفي الوقت نفسه برز نشاط الحركة الوطنية بكل اتجاهاتها الحزبية السياسية وجمعياتها الدينية الثقافية ومنظماتها الاجتماعية والنقابية، فزاد نشاط النوادي والجمعيات بمختلف فروعها، دون إهمال دور الكشافة الإسلامية الجزائرية في تكوين الشباب وتربيته تربية دينية وعلمية.
ولعل أهم تغيير عرفته هذه المرحلة هو ظهور ميل لدى السكان نحو السياسة وإدراك أكبر للواقع الجزائري إلى جانب المشاركة في النقابات المختلفة، ثم حركة الإضرابات التي مست الميناء بالدرجة الأولى بمستغانم كما هو الحال في بقية مدن العمالة الغربية والجزائر عامة. ورغم تواصل سيطرة الأعيان في هذه الانتخابات إلا أنّها عرفت ظهور منافسين جدد تميّزوا بثقافتهم ومكانتهم العلمية، وهنا نشير أيضا إلى أهمية المشاركة الواسعة لـجمعية العلماء المسلمين الجزائريين خلال انتخابات 1935، حيث بدا جليا تغيّر الساحة السياسية المحلية. وقد كانت هذه الانتخابات فاصلة حيث أظهرت اندفاعا سياسيا كبيرا من طرف النخبة والنواب المثقفين، وبدرجة أكبر الاصلاحيين الذين سعوا إلى تحطيم المواقف الرجعية التي مثّلها النواب التقليديين الرسميين. لقد عكست هذه الانتخابات الصراع القائم بين التيار التقليدي المحافظ والتيار الإصلاحي، كما استفادت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من هذه المشاركة من خلال التأييد الذي ستحظى به في سنوات 1937 و1938 من قبل المستشارين الفائزين في انتخابات 1935، ووقد زادت هذه الأحداث من تخوّف الإدارة الاستعمارية من نشاط الشيخ عبد الحميد بن باديس بسبب تحديه في مواقفه للإدارة الفرنسية [9].
تسييس الانتخابات بمستغانم خلال المرحلة ما بين (1936-1939)
أمّا القسم الثالث والأخير الذي اعتنى بتحليل الحدث الانتخابي ما بين 1936 و1939، فقد سلّط الضوء على مظاهر سيطرة ثلاث مجموعات على الساحة السياسية بالجزائر، المجموعة الأولى تتمثل في فدرالية النواب المسلمين الجزائريين والتي يمكن القول بأن فدرالية قسنطينة هي المسيّر لها، وكانت تخضع لتأثير النخبة المثقفة ثقافة فرنسية، وهو ما ساعد على ترسيخ التأثير الفرنسي بالجزائر وظلت هذه المجموعة تعبّر عن تأييدها لفرنسا. ففي مستغانم مثلا تمّ تنظيم تظاهرة سلمية مساء يوم 13 أبريل 1939 جمعت أكثر من 1500 مسلما أمام فندق المدينة، بحضور كل نواب البلدية ورئيس البلدية، وقد عبّر هذا الجمع على تمسكه بفرنسا وحزنه وألمه عمّا تعانيه إيطاليا[10].
أما المجموعة الثانية فكانت تتميز بالتجانس، يمثلها كل من حزب الشعب الجزائري - الذي تميّز بتوجهاته الاستقلالية وبشعبيته الكبيرة على المستوى الجهوي، وعرف استقطابا كبيرا للشبيبة نحوه خاصة بعد عمليات القمع التي تعرض لها ومحاكمة عناصره البارزة- وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ذات التوجه العربي الإسلامي[11]، والتي سعت من خلال نشاطاتها المختلفة إلى ترسيخ أفكارها والصمود أمام السياسة الاستعمارية. وحارب طرفا المجموعة الثانية سياسة الاندماج والتجنس، وفضحا سياسة النواب المسلمين الانتهازية إلى جانب الشيوعيين وعبّر كل هؤلاء عن مساعيهم لتشكيل دولة مسلمة.
بينما تمكنت المجموعة الثالثة -والتي لم تكن بذات الوزن الذي حظيت به المجموعتان الأولى والثانية- من أن تلعب دورا هاما بين السكان الجزائريين، ويشكّل هذه المجموعة المرابطون الذين مثّلوا بالنسبة للانتخابات الفئة التقليدية المسيطرة، وبعد تراجع نشاطها على مستوى الانتخابات بسبب ظهور العناصر المثقفة سعت هذه المجموعة لإبراز قوتها رغم عدم تطرقها للمشاكل التي كان يعاني منها الشعب الجزائري، ومع ذلك فقد بقي هؤلاء المرابطين بعيدين عن الحركة المطلبية التي مثّلها المؤتمر الإسلامي الجزائري الذي كان من أهم مميزات النشاط السياسي خلال هذه المرحلة.
وفي وقت أصبح فيه الجزائريون يطالبون بتمثيل أكبر، وخاصة في غرفة النواب للتمكن من الحصول على فرص وحقوق أكبر لتمثيلهم بعد إدراكهم لأهمية التمثيل في مختلف المجالس، كان هناك تخوّف لدى الأوربيين بشكل عام من التحوّل إلى القسم الانتخابي الواحد وإمكانية طغيان وسيطرة الجزائريين على مختلف المجالس بحكم الأغلبية الديمغرافية الساحقة لهم، وظهور ميول مناهضة للفرنسيين وفرنسا.
شهدت سنة 1937 تحوّلات هامّة على الساحة السياسية خاصة فيما يتعلق بانتخابات المجلس العام، التي تميزت بترشح عناصر وطنية، والتي لم يكن هدف حزب الشعب الجزائري من خلال المشاركة فيها الحصول على مقعد داخل المجلس العام بقدر ما كانت تمثل استغلالا لفرصة نادرة لعرض برنامجه بشكل علني وقانوني، محاولا توجيه الرأي العام الجزائري نحو مسائل وطنية خاصة منها المطالبة بانتخابات حرة لصالح الجزائريين وخلق برلمان جزائري، ورغم عدم حصول المرشح بدائرة مستغانم ابن عنتر قدور على العدد الكافي من الأصوات إلا أنّه برز كممثل للتيار الاستقلالي الذي سيزيد نشاطه ويتبلور بعد الحرب العالمية الثانية.
أخيرا، يمكن تصنيف النتائج المتحصّل عليها ضمن هذا العمل الذي تمّ بقسم التاريخ بجامعة وهران ضمن سياق الدراسات الفونوغرافية والأبحاث الخاصة بالتاريخ المحلي الاجتماعي والثقافي. إذ هدفنا إلى تتبع سير الحياة النيابية والنشاط السياسي لدى الجزائريين بمستغانم في الفترة ما بين (1919-1939)، ومقاربة الأوضاع العامة الاجتماعية والثقافية التي ميزت هذه المرحلة، ومنها تأسيس فدرالية النواب المسلمين الجزائريين مثلا ومساهمتها في رفع سقف مطالب النواب الجزائريين، ولكنهم قلّما طرحوا المشاكل الحقيقية.
مكّننا تحليل التمثيل النيابي في هذه الفترة من تاريخ مستغانم أيضا من مقاربة مختلف الأنشطة السياسية والثقافية التي عرفتها هذه المدينة، سواء داخل أوساطها الحضرية أو من خلال وسائلها العصرية التي اعتمدتها بالدرجة الأولى مثل الجمعيات، والنوادي، والصحافة والطرق الصوفية وغيرها، والتي أدت إلى تراجع هيمنة أبناء الأسر الكبيرة والأعيان تدريجيا أمام ظهور شخصيات مثقفة اكتسحت الساحة الانتخابية، وجعلت المنافسة شرسة خاصة خلال المرحلة ما بين (1936-1939).
لقد رشّح سكان مستغانم عناصر وطنية لها القدرة والشجاعة على نقد الإدارة الاستعمارية ومواجهتها، بحيث يمكن وصف سنة 1937 بسنة المواجهات، إذ وجدت فرنسا نفسها أمام التحوّلات الجذرية التي بدأت تشهدها الجزائر عامة ومستغانم خاصة، ومجبرة على إيجاد حلول فورية في ظل الوضع الدولي المتدهور، كما يمكن القول بأن مشروع بلوم فيوليت قد رسخ فكرة أولوية المسائل السياسية على بقية المطالب، وشكل قاعدة لمشروع الإصلاح الذي جاء به الجنرال ديغول سنة 1946.
الهوامش
(1) تمت مناقشة الرسالة يوم 18 مارس 2018 بقسم التاريخ وعلم الآثار، جامعة وهران، أحمد بن بلة، تحت اشراف الدكتور مهديد ابراهيم.
[2] Centre d’information et d’études (C.I.E).
[3] من بين العلب الأرشيفية التي اطلعنا عليها ضمن هذه السلسلة نذكر : العلبة 4471 الخاصة بمعلومات حول القيّاد، والعلبة رقم 4475 حول النشاط السياسي بالقطاع الوهراني، والعلبة رقم 4476 حول السياسة الجزائرية (1918-1942). كما نشير إلى أهمية بعض التقارير والمعلومات التي حصلنا عليها عند زيارتنا لمركز الأرشيف الوطني بالجزائر العاصمة.
[4] سمح لنا الأرشيف المتوفر بهذه العلب بتتبّع مجريات الانتخابات في كل بلدية من بلديات دائرة مستغانم، واستثمارها في مقارنة النتائج والظروف كما هو الحال بالنسبة للعلبة E164 الخاصة بانتخابات المجلس العام لسنة 1919، العلبة E170 التي تحتوي على معلومات حول الانتخابات البلدية لسنة 1925، العلبةE174 الخاصة بانتخابات الجماعة وغيرها من العلب، كما كان للسلسلة H هي الأخرى الدور البارز في إثراء هذا البحث، وتتضمن وثائق مختلفة تتعلق بجوانب عدة منها النشاط السياسي للجزائريين والفرنسيين ومعطيات هامة حول الفلاحة، التجارة والصناعة وتظم معلومات ذات اهمية بالغة حول مختلف الأنشطة المنظمة على مستوى غرفة الفلاحة واللجان الفلاحية ومونوغرافية العمالة، وهو أمر ساعدنا كثيرا في معرفة تاريخ البلديات والنقابات والعمل وغيرها.
[5] حول هذا الموضوع، تمّ إحصاء أكثر من 25 علبة أرشيفية، 20 مرجعا باللغة العربية، 35 مرجعا باللغة الفرنسية، 24 أطروحة جامعية، 13 مقالا باللغة العربية، 17 مقالا باللغة الفرنسية نشرت أعداد مهمة منها بمجلة إنسانيات، 11 مصدرا من موقع Gallica.
[6]نشير هنا إلى عدة أطروحات ودراسات علمية، منها: أطروحة الأستاذ الدكتور ابراهيم مهديد حول انتخابات الأهالي في وهران (1919-1939)، أطروحة الدكتور خالد بوهند حول النخب الجزائرية (1892-1942) والتي تطرق في جزئها الثاني إلى قضية الانتخابات الخاصة بالجزائريين وتطوراتها، مع الإشارة إلى أن هذه الأعمال ركزت على تتبع الانتخابات المحلية ونتائجها، وأطروحة محمد عدة جلول حول دور المندوبين المسلمين في المجالس المالية في الغرب الجزائري ما بين الحربين العالميتين، أطروحة شوكرون جاك الموسومة بـ: « (Le mouvement national et le syndicalisme en Algérie (1926-1954 »
[7] يمكن للقارئ هنا العودة الى الدراسة التي قام بها الدكتور عروس زبير،2005، التنظيمات الجمعوية في الجزائر، الواقع والأفاق، محاولة في المفهوم والوظيفة، تنسيق الزبير عروس، دفاتر مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، البرنامج الوطني للبحث، السكان والمجتمع، رقم 13، الى جانب مقال الدكتور
Benkada, S. (25-26/09/2005), « La société civile et l’opinion publique algérienne vues à travers l’enquête de Mohamed Aziz Kessous, Oran Républicain, 1936 », Pensée politique Algérienne ,1830-1962, Actes du colloque, ED ANEP, p. 106-122.
[8] Direction des archives de la wilaya d’Oran, boite I4476, Politique Algérienne, Enquête générale (1918-1942).
[9] Archives nationales d’Outre-Mer (A.N.O.M), cote E90, CIE, Affaires indigènes, 1935.
[10]-A.N.O.M, cote Oran, 9H29, La Dépêche Algérienne, 12/04/1939.
[11]-A.N.O.M, cote Oran, 10H88, op.cit., Conclusion, février 1938.
ببليوغرافيا
بختاوي خديجة، (2001-2002). إصلاحات 1919 وآثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عمالة وهران (1919 -1925) . الجزائر، جامعة وهران أحمد بن بلة1 : كلية العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية.
بوهند خالد، (2010-2011). النخب الجزائرية (1892 -1942) ، نسبها، نشأتها وحركتها. الجزائر : جامعة سيدي بلعباس.
الشافعي سعيد، (2002-2003). جدلية التصورات في تاريخ الصراع الأيديولوجي في الجزائر ما بين الحربين العالميتين (1920-1940) . جامعة الجزائر : كلية العلوم الاجتماعية، قسم الفلسفة.
القورصو محمد، (1977). تأسيس ونشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عمالة وهران (1931-1935). الجزائر : جامعة وهران.
لشهب أحمد، (2007). التحالفات السياسية في الحركة الوطنية من 1936 إلى 1951. جامعة الجزائر : كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
مهديد ابراهيم، (1979). انتخابات الأهالي في وهران، (1919-1939). الجزائر : جامعة وهران.
Touati, L. (1984). Economie, Société et Acculturation, l’Oranie colonisée, 1881-1937, tome2. Université de Nice : faculté des lettres et sciences humaines, U.E.R d’histoire et de civilisation.
المقالات :
عروس الزبير، (2005) التنظيمات الجمعوية في الجزائر، الواقع والأفاق، محاولة في المفهوم والوظيفة. دفاتر مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. البرنامج الوطني للبحث، السكان والمجتمع. رقم 13، ص. 11-55.
دراس عمر، المشاركة الجمعوية وعلاقة الشباب بالسياسة في الجزائر، الحركة الجمعوية بالمغرب. دفاتر مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. العدد 5، 2002،ص. 169-180.
شوكرون جاك، التحولات النقابية خلال سنوات الجبهة الشعبية (1936-1938)، عن كتاب دراسات عن الطبقة العاملة في البلدان العربية، أبحاث الندوة العلمية الثانية من 3 الى 9 نوفمبر 1979، منظمة العمل العربية. العدد 3. الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، مارس، 1981-1982، ص. 316-318.
Benachenou, A. (1988). Croissance économique et sous-développement dans l’Algérie des années 1920, Recueil de conférences, L’Etoile Nord-Africaine et le mouvement national Algérien, actes du colloque du 27 février au 1er mars 1987. Paris : Centre Culturel Algérien. p. 155-186.
Benkada, S. (2005). La société civile et l’opinion publique algérienne vues à travers l’enquête de Mohamed Aziz Kessous, Oran Républicain, 1936, Pensée politique Algérienne ,1830-1962. Actes du colloque 25-26/09/2005. ANEP, p. 106-122
Collot, C. (1974). Le congrès musulman algérien, Revue des sciences juridiques économiques et politiques. Vol. XI, 4, p. 71-161.
El Korso, M. (1988). Les Affinités Politiques des Islahistes à partir d’une approche monographique, Le cas de l’Oranie, 1931-1940, Recueil de conférences, l’Etoile Nord-Africaine et le mouvement national Algérien. Actes du colloque du 27 février au 1er mars 1987. Paris : Centre Culturel Algérien, 1988, p. 243-273.
François, A. (1974). Le P.C.A de 1919 à 1939, Données en vue d’éclaircir son action et son rôle, Revue des sciences juridiques économiques et politiques, Vol. XI, 4, décembre 1974, p.175-214.