انسانيات عدد مزدوج 85-86| 2019 | الغرافيتيا في شمال إفريقيا: أصوات الهامش| ص53 -55| النص الكامل
يأتي هذا المعجم تتويجا لمسار بحث طويل بدأه أحمد أمين دلاي الباحث الدائم بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية منذ وقت طويل من خلال مؤلفات كثيرة قدمها، إذ اشتغل منذ سنة 1996 على كتابه "دليل ببيوغرافي للملحون"، والذي يمكن اعتباره نواة أولى لهذا المعجم، ثم توالت أبحاث المؤلف فنشر العديد منها، أهمّها : أغاني القصبة، (Enag 2003)، الكنز المكنون في الشعر الملحون، (CRASC 2007)، الدرة الأنيقة في شرح العقيقة (CRASC 2007).
وأصّل الباحث اشتغاله ضمن مشاريع بحث متعدّدة في مركز البحث في العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا الثقافية CRASC، ما أهله ليصبح واحدا من أكثر المختصين في هذا النوع من الدراسات خصوصا مع طول تجربته وما راكمه من أعمال، حيث قام بإنجاز قاعدة بيانات حول الملحون Badomel، ويشرف حاليا على مشروع إنجاز "قاموس حول لغة الملحون" يُعنى بالبحث في مفردات لغة الملحون جمعا ودراسة في مستويات مختلفة : معجمية، صوتية ودلالية. إضافة إلى اشتغال أمين دلاي على العمل لتقديم مختارات في عدة مجلدات ضمن "ديوان شعر الملحون الجزائري : منذ النشأة إلى اليوم".
يتكون المعجم من أربعة مجلدات، حوى المجلد الأول الذي يقع في 143 صفحة ببيوغرافيا شعر الملحون المغاربي، إذ جمع عددا كبيرا من الكتب والمقالات والسير الذاتية، والمخطوطات الموزعة بين مدن جزائرية عديدة. وهنا نلاحظ ارتكاز البحث خصوصا على شمال غرب/وسط الجزائر (وهران- مستغانم- معسكر- غليزان - الجزائر العاصمة - البليدة- المدية). وهنا يبدو من جهة الجهد الكبير الذي بذله المؤلف لجمع مواد المعجم، ومن جهة أخرى حجم الجهد المنتظر بذله لتوسيع البحث نحو مدن جزائرية أخرى (الجنوب الغربي) وبلدان مغاربية أيضا خصوصا تونس وليبيا.
في المجلد الثاني الذي يقع في 614 صفحة تناول المؤلف شعراء الملحون الجزائري، وهو المجلد الأكبر حجما بين مجلدات المعجم، إذ بلغ عدد الشعراء الذين ذكرهم المؤلف 980 شاعرا. وقد اعتمد المؤلف في هذا المجلد عددا كبيرا من المراجع، إضافة إلى المخطوطات التي توصّل إليها. اعتمد المؤلف الترتيب الألفبائي الفرنسي في ذكر أسماء الشّعراء مع إيراد تعريف مختصر لبعض الشعراء، وفي مواضع أخرى اكتفى المؤلف بذكر المنطقة التي ينتمي إليها الشاعر والقرن الذي عاش فيه، ثم ذكر مطلع ما وصله من قصائد، المراجع التي ذُكر فيها الشاعر. وهذا ما اعتمده في كامل المجلدات.
المجلد الثالث خصّصه المؤلف لشعراء الملحون من المغرب، والذين بلغ عددهم 221 شاعرا، ويقع المجلد في 397 صفحة. اعتمد المؤلف في هذا المجلد على الكثير من المراجع، أهمها: معلمة الملحون لمحمد الفاسي، والقصيدة الزجل في المغرب لعباس الجراري.
في المجلد الرّابع جمع المؤلف شعراء الملحون في تونس وعدد قليل من ليبيا المجلد حوى 328 شاعرا، ويقع في 160 صفحة، وقد اعتمد المؤلف في هذا المجلّد بشكل كبير على مدونة الشعر الشعبي التونسي التي أصدرتها وزارة الثقافة التونسية سنة 2015م، وتقع في عشرة مجلدات.
تأتي أهمية تقديم معجم شعراء الملحون المغاربي انطلاقا من أهمية تثمين وإبراز قيمة التراث المغاربي المشترك من جهة، ومن جهة أخرى انطلاقا من أهمية الاشتغال على اللغة المغاربية الدّارجة، من خلال نصوص فنية شعرية عميقة اغتنت بالتاريخ والثقافة والممارسات المجتمعية والعادات المحلية المغاربية. كما اكتسب هذا المعجم أهميته من اتساع ميدان البحث الجغرافي، واشتغاله على المجال الجغرافي المغاربي كوحدة ترابية ذات هوية وبعد تاريخي موحد أكسب العمل أهمية بالغة، ووضعه في رهان علمي وبحثي عميق يتمثل في إثبات هذا البعد المغاربي في الشعر الملحون. ولقد نجح المؤلف في جمع عدد من المدونات والدراسات النقدية عن شعر الملحون في كل من الجزائر والمغرب، ولكن بالنسبة للشعر التونسي الممتد في جزء كبير على مصدر واحد هو مدونة الشعر الشعبي التونسي، كما ألحق شعر الملحون الليبي بالتونسي في مجلد واحد، مما يؤكد أهمية مواصلة الاشتغال حول شعر الملحون التونسي والليبي التوسع فيه.
تميّز عمل المؤلف بمقدرته على رصد نصوص وجمع مدونات من مصادر كثيرة كان سيكون مصيرها الضياع لأنها لم تحفظ في كتب، ولم تصل إلى يد الدارسين والباحثين، كما تظهر أصالة هذا العمل من خلال تأسيسه لحقل بحث بكر لم يُطرَق أكاديميا بشكل كافٍ في الجزائر على وجه الخصوص، ما يؤهله ليكون مرجعا مهما للدارسين. في انتظار أن يتواصل الاشتغال على هذه المدونات بعد الجمع والإحصاء، بتقديم عمل أكثر عمقا ولا يقل أهمية يرتبط بالتحليل والتمحيص، وهو ربما ما يُنتظر من المؤلف فيما سيأتي من إنتاج خاصة بالنظر إلى الكم الغزير الذي تمّ جمعه والاشتغال عليه بالدراسة والتحليل المتعدّد الأدوات والمناهج والرؤى.
فوزية بوغنجور