إنسانيات عدد 90، أكتوبر – ديسمبر 2020، ص. 39-41
بهدف تقييم وتثمين التّراث العلمي من خلال تعريف أدواته الإبستيمولوجية والمنهجية، نظّم المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، الكراسك، يوما دراسيا بعنوان : "أدوات دراسة التّراث العلمي وتثمينه : تحقيق النّصوص، تحليل مقارن للمضامين وترجمتها"، نشّطه فريق البحث الذي يشرف عليه البروفسور أحمد جبار من جامعة ليل) فرنسا(.
شكـًل المخطوط محور النقاش الذي أثاره ثُلة من أساتذة وباحثين من الكراسك وبعض الجامعات الجزائرية، حيث قدّم البروفسور أحمد جبار حوصلة تقييمية لمختلف المشاريع البحثية، تلتها النشاطات العلمية التي أنجزها في الكراسك على مدار تسع سنوات (2012-2019). إذ اعتمد البروفسور جبار منهجا نقديا لمساره البحثي من خلال ربط أهداف مشاريعه البحثية بما حققه حول موضوع تاريخ العلوم، مع تقديم مختلف التوجّهات المتعدّدة لدراسة النص، داعيا إلى ضرورة التطرق إلى سياق وظروف وحياة مؤلّف النّص ومختلف الكتب التي ألّفها، وكذا العصر الذي ينتمي إليه، مركّزا على كتابي البوني وابن خلدون.
وفي تقييمه لحصيلته البحثية في الكراسك، أحصى البروفسور أحمد جبار كل النّدوات والمحاضرات وورشات التكوين التي نشّطها فريق بحثه إلى جانب المنشورات. وقد أشار في هذا الصدد إلى أنّ أهمّ إنجازٍ حققه هو تأسيس مكتبة رقمية حول تاريخ العلوم تضمّ عددا معتبرا من المخطوطات، وهي بمثابة مكتبة المشروع، منتهيا بالدعوة إلى تطوير مقاربات دراسة وتثمين التّراث العلمي عامّة والمرتبط بالرياضيات تحديدا، بالرغم من المعوّقات التي تحُول دون ذلك.
في مجال قراءة المخطوط، وحول سلسلة الدورات التكوينية الثلاث التي نظمّها الكراسك تحت إشراف البروفسور : أحمد جبار خلال سنتي 2017 و2018، قدمت الباحثة نجاة لحضيري من الكراسك مداخلة موسومة بــــــ : مسعى قراءة المخطوط : من التكوين إلى التطبيق، حيث استعرضت خطوات قراءة المخطوط بدءً من الدورات التكوينية وصولا إلى تحقيق نص للجيتالي (حول : قياس الجروح)، كتطبيق لما تمّ تقديمه في ورشات التكوين. وانتهت بتقديم أهم الاستنتاجات المتعلقة بقراءته وتحقيقه منوّهة بأهميّة مراجعة المصطلحات وتدقيقها بهدف فهم موضوع المخطوط.
عرض البروفسور أحمد جبار نيابة عن الأستاذ : بوزاري عبد المالك من المدرسة العليا للأساتذة، القبة، الجزائر مداخلة موسومة بــ : مقدمة في تحقيق نصوص في الرياضيات باللّغة العربية : الأدوات والمناهج، والتي تناولت خطة قراءة المخطوط بدءً بالمقدمة ثم اعتماد النسخ الحديثة، فالترجمة، ثم البيبليوغرافيا العامّة، مع وجوب توفّر المؤشّرات والملاحق، إلى جانب الإشارة إلى النسخ القديمة المرتبطة بالموضوع، كما قدّم سياق إشكالية ومقدمة موضوع المخطوط، ومؤلّفه، مع الإشارة إلى عصر المخطوط أو الكتاب، تاريخ النّص، بنيته وموضوعه، إلى جانب استظهار أهم المنشورات ذات الصلة بالموضوع، دون إغفال مكانة النص في التخصّص أو المجال وحركيّته، بالإضافة إلى مكانة النص في التقاليد الإسلاميّة وفترة ما قبل الإسلام مع ذكر الدّراسات المقارنة وخصوصية النص السوسيوثقافيّة.
أمّا الأستاذ سيدي عمار عسالي من جامعة الأغواط، فقد قدّم مداخلة موسومة بــ : لمحة حول المخطوطات الفلكيّة والرياضياتية في خزائن توات، وتناول واقع مخطوطات خزائن المكتبة من حيث العناوين، المواضيع والتواريخ ومدى تأثّرها بالعوامل المناخية التي ساهمت في إتلاف جزء منها أو كلها. وقد كشف المتدخل عن ظاهرة كتمان معظم العائلات من المنطقة أمر امتلاكها للعشرات من المخطوطات في مختلف العلوم، ممّا يعكس انعدام الثّقة ويصعّب مهمّة البحث والدراسة للمتخصّصين في المجال. وفي السّياق ذاته قدّمت فايزة جابر من جامعة وهران مداخلة حول : أهميّة حركيّة المخطوط : كتاب الاستكمال نموذجا، إذ أشارت في قراءتها لكتاب "الاستكمال" للمؤتمن إلى ظروف الحكم في فترة المؤتمن في إسبانيا الإسلامية (1085م-1081م) التي عرفت عصرا ذهبيّا، وقدّمت سيرة مؤلف الكتاب ومختلف الكتب التي تلته، في الأخير عالجت حركيّة انتقال الكتاب في الشرق وفي الغرب مع تغيٌر جزئي في عنوانه، وكذا وجود مشروع الجزء الثاني من كتاب الاستكمال الموسوم بـ "الهندسة المادية" استنادا إلى ما ذكره ابن سرتاق.
من جهتها قدّمت الأستاذة أنيسة هربيلي من المدرسة العليا للأساتذة، القبّة(الجزائر)، مداخلة حول : تحليل نصوص الرياضيات باللّغة العربية القديمة : إجراءات التقريب نموذجا، فبدأت بالتّعريف بمنهج التّحليل الرياضي وتقنياته، ثم عرَّجت على تقديم كيفية قراءة وتحقيق نص أو مخطوط في الرياضيات. وفي الأخير استعرضت الأستاذة عياد ستي من جامعة وهران، في مداخلتها الموسومة بـــــ المنهجية : نماذج استغلال مخطوطات في الرياضيات وعلم الفلك، عدّة نماذج من كتب الرياضيات، إضافة إلى نماذج ترجمات الوثائق المرتبطة بالرياضيات والتي كٌلفت بترجمتها. وقد استخلصت من خلال استعراضها لمختلف الكتب المتعلّقة بالرياضيات موضوع التّحقيق والدّراسة وجود الجانب الفلسفي في كتب الريّاضيات القديمة، وغيابه في كتب رياضيات العصر الرّاهن.
تمحور النّقاش حول كيفيّة دراسة وتحقيق وتثمين المخطوط في مختلف العلوم بأقلّ تكلفة، مع تقديم توضيحات حول أهميّة البحث في تاريخ العلوم وضرورة الاهتمام بهذا المجال، لذلك تمت الدعوة إلى إنشاء مكتبة حول تاريخ العلوم في الكراسك، بهدف مواصلة وتسهيل مهمّة تحقيق التّراث العلمي وتثمينه.
نجاة لحضيري