يتكون الكتاب من أربعة مباحث تأخذ طابع التقرير العلمي المختصر، تحوي على أربعة مداخل للبحث حول شباب الهوامش وذلك ضمن ثلاث معتمديات[1] المتباعدة جغرافيا لكنها متشابهة من حيث خصائص سكانها الاجتماعية بتونس وهي: تطاوين الشمالية والقصرين الشمالية ودوار هيشر. تضمن المبحث الأول خصائص شباب عينات المعتمديات الثلاث حسب البيانات الشخصية، المبحث الثاني تضمن الخصائص الاجتماعية للشباب المشمول بالبحث في حين موضوع الشباب والشأن الديني كان موضوع المبحث الثالث والجزء الأخير من الكتاب تمحور حول الشباب والسياسة ثم خاتمة يقدم فيها فريق البحث أهم نتائج الدراسة.

يولي الكتاب أهمية بارزة لشباب الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية خصصت له دراسة كمية باستخدام تقنية الاستمارة لتفكيك سيرورة التهميش والإقصاء في مثل هذه المجالات الشبه حضرية. اهتمت الدراسة بمقاربة أنثروبولوجية لمعيش شباب المعتمديات ونشأته الاجتماعية، ولقناعاته الدينية وممارساته في الفضاء العام وأثر ذلك على تمثلاته لمؤسساته السياسية ونجاعتها لأن موضوع الشباب يعتبر مشغلا من مشاغل حقل العلوم الاجتماعية في تونس، خاصة بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق بن علي.

خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج من بينها: انخفاض نسبة التمدرس بالمناطق الثلاث بالإضافة إلى وضعية البطالة المرتفعة التي فاقت نسبة 45%  بالقصرين الشمالية، أوضاع أدّت إلى عزوف الشباب عن الزواج مع ارتفاع تدريجي لنسبة الطلاق بالمعتمديات الثلاث وصعوبة تكوين أسرة لدى الشباب والتي ترتبط أساسا بالصعوبات المادية، كما تتنشر بهدة المناطق شعور متزايد بعدم الأمن بالفضاء العام وهو نتيجة ارتفاع واضح للعنف في الوسط العائلي والعلائقي والذي يصل أحيانا إلى الإيقاف أو السجن .

في ظل ظروف التهميش التي تعرفها هذه المعتمديات التونسية، يحظى الشأن الديني باهتمام لدى الشباب المستجوب غير أن الدراسة كشفت أن الفتاوى الدينية (الرسمية) ليست حاضرة كمؤشر للوازع الديني للشباب والذي لا يعتمد عليها لتحديد سلوكه، بل إن قناعات الشباب بالفتوى مرتبط بمدى قناعتهم بمصداقية الفتوى سواء رسمية (تونسية) أو صادرة من جهات خارجية، وأن سلوك الشباب في المجال الديني يقوم على قراءة نقدية وذاتية للمصادر التي يعتمدها. يطرح هذا الوضع إشكال علاقة شباب مناطق الهوامش في تونس بـــ "الإسلام المؤسساتي" وباتجاههم نحو مرجعيات محلية يتماهى لديها الخطاب الديني مع الواقع وصعوباته أو استبدالها بمصادر إفتاء أجنبية عن المجتمع المحلي مما قد يوثر على تمثلات وتصورات الشباب هذه المناطق للباس والمظهر الخارجي، مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وسلوكهم في الفضاء العام.

في الجزء الرابع والأخير أكدت المعطيات الميدانية للدراسة حول الجانب السياسي أن شباب مناطق الهامش يتوجهون نحو العزوف عن الانخراط في الأحزاب السياسية، هذا "العزوف" يترافق مع تبني الشباب لأنماط أخرى "غير مؤسساتية" للمشاركة في الشأن العام وفي الحياة السياسية من خلال انخراطه في أشكال الحراك الاجتماعي وفي الاحتجاجات في الفضاء العام للمطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي في تونس.

هشاشة الأوضاع التي يعيشها شباب المناطق الثلاث بتونس أثّرت بشكل واضح على علاقتهم بمؤسساتهم الدينية والسياسة بنحو سلبي، صاحبه ارتفاع لمظاهر الهجرة والعنف، والإدمان مع ارتفاع واضح لنسبة الطلاق وللتسرب المدرسي. هي سلوكات  أثّرت بشكل واضح على تمثلات الشباب للمخاطر والسياسة والدين بتونس.

حسنية حمزة زريقات

الهوامش :

[1] المعتمدية هي تقسيم اداري يستخدم في تونس حيث تقسم الولاية إلى معتمديات والتي بدورها تقسم الى بلديات (شياخات) والبلديات إلى عمادات ثم الى مجالس قروية.