إنسانيات عدد 102، أكتوبر–ديسمبر 2023، ص47-45 .
أصدرت مجلّة كراسات كرياد ،الصادرة عن مركز البحث في الاقتصاد المطبّق من أجل التّنمية، المجلد 1 والمجلد 2 لسنة 2020 ، يمثلان إسهاما خاصًا حول الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي وأثره في تفشي جائحة الكوفيد-.19 يتضمن هذا الملف من المجلة عددًا من الحقول والمواضيع المعرفية والبحثية حول أثر الأزمة على العالم والوطن العربي، وعلى الجزائر بشكل خاص
اهتم الاصدار الأول بالجانب الاقتصادي المتأزم جراء الوباء وتأثيره على المجتمع والحلول المقترحة ما بعد جائحة كوفيد-19 من أجل السيطرة على انتشاره وعلى جدوى الاعتماد على الاقتصاد المفتوح المتنوع والمستدام وعلى تأثير الجائحة على العديد من المجالات في اطار الحجر الصحي الكلي والجزئي الصحة، التعليم، العمل، التجارة والفلاحة وغيرها من المجالات، وعلى ذوي الدخل المنخفض عند السكان في المجتمع وممارسو النشاطات في الاقتصاد الموازي غير الرسمي.
كما ناقش هذا الاصدار تأثير الجائحة على الجانب النفطي من خلال تراجع أسعار البترول والغاز الطبيعي وعلى الاقتصاد الوطني والعالمي من خلال عنوان التحالفات والصراعات في سوق النفط الدولية ما بعد الكوفيد-19، مع الاهتمام بتموقُع الجزائر من خلال تحليل وضعية البلاد في ظل هذه الازمة والتحالفات بين الفاعلين في سوق النفط وتشجيع الجزائر على الاعتماد على سُبل وبدائل اخرى للطاقات المتجددة وتعزيز اقتصادها. كما ناقش موضوع انعكاسات الجائحة إلى محاولة الاصلاح الاقتصادي من خلال آثارها على الكثير من المجالات ومنها الجانب الصحي (زيادة الوفايات وضغوطات العمل على ممارسي الصحة) على وجه الخصوص وكذا على الاثار الاقتصادية والأزمة النفطية واعتبارها فرصة للقطيعة مع سياسة الريع والحاجة إلى الاستغلال العقلاني للإمكانيات المتاحة. ومن زاوية أخرى اهتم هذا الاصدار بتأثير الجائحة على النشاط الاقتصادي في الجزائر، حول الهشاشة الاقتصادية للمجتمع الجزائري في ظل الجائحة ، والتي انحصرت في مجالين من حيث تبعية الميزانية العامة للدولة لقطاع المحروقات وتدابير الحجر الكلي والجزئي في توقيف معظم النشاطات الاقتصادية ممّا أثّر على الجانبين الاجتماعي والاقتصادي.
تضمن الاصدار الأول تحليلاً لأثر الجائحة على مؤشرات الأسواق المالية العربية وهي حالات مختارة خلال الفترة ما بين ديسمبر 2019 إلى شهر ماي 2020، وهذا لمناقشة أثرها على الأسواق المالية العربية خلال بداية الجائحة وخلال فترة الذروة وذلك بالاعتماد على احصائيات ومؤشرات مختلفة باستخدام البرامج الاحصائية.
وفي ورقة بحثية موالية بينت لنا تأثير الجائحة على الأمن الغذائي بعد تفشي الوباء واختلفت أضراره وتأثيراته من قطاع لقطاع آخر ومنها ما يهم المجتمع مثل تأمين احتياجاتهم الغذائية أكثر من الاحتياجات الاخرى على المستويين العالمي والمحلي باستخدام البيانات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، كما اهتمت بتأثير الجائحة على السلع الغذائية سريعة التلف وكذا نقص الغذاء في الأماكن والمناطق الفقيرة والتي تشهد حروبًا، بالإضافة إلى ذلك اعتنى العدد بالأمن الغذائي في الدول المتقدمة والنامية وخاصة منها تلك التي تعاني من التبعية الغذائية .
إلى جانب هذا تضمن هذا العدد دراسة حول تطور واردات المنتجات الغذائية في الجزائر والاثار والتوقعات في فترة الجائحة ممّا يبين تأثير هذه الأزمة واتباع الجزائر لتدابير استثنائية متعلقة بقيود الاستيراد وحظر تصدير المنتجات الغذائية. وتوصلت الدراسة إلى ضرورة الاعتماد في مثل هذه المظاهر الطارئة والأزمات على التنويع .
أما الاصدار الثاني للمجلة، فاهتم بتنوع في المواضيع والاشكالات المطروحة من خلال عرض لتأثير الجائحة على العالم والجزائر، وأول ما يميز انتشار الوباء الاعتماد على الاحصائيات ولغة الارقام، وهذا ما ناقشته ورقة بحثية حول موضوع احصائيات كورونا إذ نبّهت هذه الدراسة إلى ما تفتقر اليه الاحصائيات من تقارير وتنبؤ بعدد الاصابات والوفيات المبنية على أسس ومعطيات رقمية واحصائية.
كما تضمن هذا الاصدار دراسة حول تصور الجزائريين للوباء وتأثيره على التنقل بعد رفع الحجر. كما تطرق العدد إلى الجامعة والدراسة عن بعد في الجزائر وتأثرها بالجائحة ،وبتأثير التعلم عن بعد على عادات الطلاب بسبب فتره بقائهم بالبيت وتغير العادات في التعلم جرّاء اغلاق الجامعات. كما تضمن هذا الاصدار اهتمامًا بأثر الجائحة على الجانبين الاجتماعي والاقتصادي من خلال مناقشة آثارها على المؤسسات الاقتصادية وجانب المحاسبة لحوافز التأجير بسبب شح النفقات النقدية الداخلة.
من جهة أخرى، اهتم هذا الاصدار بمسألة الرقمنة في الجزائر كآلية لمرحلة ما بعد الجائحة وقد عكست هذه الأزمة الصحية حاجة الجزائر إلى الرقمنة من أجل النهوض بالاقتصاد وتحسين حوكمة قطاع التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات لتسريع التطور التكنولوجي وتعميمه لمواجهة هذه الجائحة. كما اهتم باشكالية العمل عن بعد في التشريع الجزائري كنمط حديث لتنظيم العمل خلال جائحة كوفيد-19 وهذا لأهميته في مثل هذه الأزمات، وذلك من خلال استعمال تكنولوجيات الاتصال والمعلومات من جهة، من أجل مواجهة قصور تشريعي لعدم تقنين المشرع الجزائري للعمل عن بعد لحماية العامل وسلامته وحماية مصالح المؤسسة، من جهة أخرى .
وعموما، فإن مواضيع ونقاشات هذين العددين تصب في إطار واحد ومشترك عكسته تأثير جائحة كوفيد-19 على مختلف المجالات في المجتمع الجزائري، ويتعلق بتداعيات ورهانات اتخاذ القرار الصائب من أجل التحكم في مخلفات الجائحة، وتحسين الأوضاع وإعادة بناء الاقتصاد والمنظومات الأخرى لمواكبة الظروف الجديدة والاستراتيجيات المقترحة لتنمية المجتمع وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في ظل الكوفيد-19 وما بعد أزمة الكوفيد.
سهام بوخانوش
