فؤاد نوار : Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie
نورية بن غبريط-رمعون: Directrice de recherche
زوبيدة رباحي-سنوسي: École Nationale Polytechnique Maurice Audin, (ENPO), 31 000, Oran, Algérie
واجهت الجزائر، على غرار بقية دول العالم، كوفيد 19، وقد أقرّت الحكومة بعد منتصف مارس 2020 تدابير احترازية بغية تسيير حياة الجزائريين زمن مخاطر الجائحة، خصوصا ما تعلّق منها "بالحدّ من الاحتكاك الجسدي بين المواطنين، تحديد نشاطات النقل، غلق بعض الأنشطة التجارية، فرض عطلة استثنائية مدفوعة الأجر، وضع نظام للحجزْ المنزلي والتأسيس لعلاوة استثنائية لفائدة مستخدمي الصحة"1. ترافقت هذه الإجراءات الطارئة مع تنامي الشكوك والخوف من وضع صحي غير مسبوق، وهو ما أجبر العديد من الفاعلين الاجتماعيين على تغيير نمط حياتهم المعتادة التي يشكّل "التمدرس" و"الشغل" معالم تنظيمها الزمني لغالبية الأفراد والمؤسسات، كما فُرض عليهم خوض تجربتـــــــــــي "التباعد الاجتماعي" "والحجر الصحي"، المترافقين مع تنامـــــــي السرديات "المسوّقة إعلاميا" حول أصول الفيروس ومدى قدرة "الطبّ" ومؤسساته على إنتاج اللّقاح المناسب له. تُظهر بعض إسهامات العلوم الاجتماعية (Courtemanche and al., 2022, p. 33-43) (Vico, 2023) 2 تزايد مظاهر التباين بين المعيش الاجتماعي اليومي زمن المخاطر الصحية عند محاولة فهم تأثّر الأفراد والمؤسسات بظرف الجائحة، ولكن في المقابل تبقى بعض البيانات الميدانية التي تدعّم هذا الطرح أو تنقضه شحيحة، ولا توفّر إمكانات مناقشة مؤشرات ذلك اعتمادا على التباينات السوسيو-اقتصادية، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالعائلة، وهو ما ينتج استنتاجات قريبة من "سوسيولوجيا اللّحظة" (Mebtoul, 2022, p. 32 ; Houti & Rahou, 2022, p. 42)، أو يستدعي بيانات دراسات سابقة بغية فهم رهانات المخاطر المفاجئة (Zitoun, 2022, p. 132).
نتناول في هذا النص أربعة عناصر من أجل مناقشة تجربة المعيش الاجتماعي زمن الجائحة، نخصّص العنصر الأوّل منها لاستعراض المقاربة المنهجية المتبعة في الدراسة الميدانية من أجل تحليل ظرفي و بنيوي فترة المخاطر الصحية، ونخصّص العنصر الثاني لعرض حالة الوضع الصحي غير المتجانس لشركاء البحث بعد سنة من بداية الجائحة وتفاوتات ممارسات الحذر لديهم، أمّا العنصر الثالث فنخصّصه لتحليل التمثلاث الاجتماعية غير المتجانسة للجائحة وتدابير تسييرها، ونخصّص العنصر الرابع لاستعراض تأثيرات الجائحة على العائلة وفاعليهاو الانقطاع عن التمدّرس والشغل والمعيش اليومي في الفضاء المنزلي.
مقاربة منهجية لوضع اجتماعي-صحيّ استثنائي: التساؤلات وميدان الدراسة
تستند هذه الورقة البحثية على بيانات تحقيق ميداني كيفي وكمي شمل 1200 وحدة سكنية (مارس 2021) على مستوى أربع ولايات (وهران، قسنطينة، البليدة، غرداية) والتي تُقدّم، صورة عن معيش الجزائريين، من خلال شركاء البحث، زمن الجائحة بعد أكثر من سنة من بدايتها (مارس 2020- مارس 2021)، وتستعرض وضعهم الصحي وفق مؤشرات محدّدة، وتناقش مواقفهم من الجائحة واستراتيجيات مواجهتها، كما تحّلل جوانب من تجربة حياتهم في ضوء تأثيرات المخاطر الصحيّة على يوميات العائلات وأفرادها، سواء تعلّق الأمر بالمناخ العائلي زمن الحجر الصحي، أو بتأثيرات توقّف التمدرس والشغل وما نتج عنهما من اضطراب في يوميات مرحلة الحجر الكلي .(مارس-جويلية 2020)، أو الجزئي (أوت-ديسمبر 2020)، أو المتكيّف (سنة 2021)، وتفتح مجال لمواصلة التفكير في إشكالية التفاوتات الاجتماعية، وآليات التضامن، ودور دولة الرعاية الاجتماعية في "مجتمع المخاطر".
تُسائل الدراسة -وبطريقة غير مباشرة3- واقــــع "التوافق التاريخي بين الزاد المعرفي للعلوم الاجتماعية وأدوات تحليلها... ومخاطر ظاهرة صحية مستعجلة..." خصوصا عندما "... يكون غياب المعرفة عن هذه الظاهرة الكونية أكثر صلة من المعرفة التي نمتلكها عنها" (دارم البصام، 2021، ص. 14)، ونعتقد أنّ تحدّي بناء المعطيات / البيانات حول الآثار الاجتماعية زمن المخاطر يشكّل مدخلا مهما لمساءلة مقدرة المخيال السوسيولوجي و"إبستمولوجيا الجائحة" (مجلة عمران، العدد الخاص 36، 2021) على تحليل الأزمات وفهمها.
سعت الدراسة -التي نُوقشت إشكاليتها بناء على التراكمات المعرفية للمشاريع البحثية المؤسساتية حول العائلة والمدرسة والشباب والشغل4- لأن تكون فرصة لإنتاج البيانات حول وضع اجتماعي استثنائي مرتبط بالمخاطر الصحية الطارئة ومقارنتها بالتحليلات التي عبّرت عنها خطابات الحسّ المشترك حول مواقف الجزائريين من تدابير الغلق، الحجر، اللقاح، التضامن خلال أكثر من سنة من بداية انتشار الوباء.
تمّ القيام بتحقيق ميداني كمّي 5 خلال الفترة الممتدّة ما بين 1 و31 مارس 2021، على مستوى 1200 وحدة سكنية (أربع ولايات، ثماني بلديات، 24 حيّا)، وقد استنادًا على استمارتين موجهتين إلى الوحدات السكنية التي حدّدها مخطّط بناء العينة الذي صاغه خبير إحصائي، وتمت صياغتها النهائية بعد الدراسة الاستطلاعية6، وقد تكوّن مجتمع البحث من: أرباب الوحدات السكنية ، وساكنتها الموجودة في حالة تمدرس أو شغل أو بطالة. تمحورت أسئلة الاستمارات حول مواضيع ذات صلة بـــــــ : تمثلات الجائحة وتدابير تسييرها، الحياة العائلية على مستوى الوحدات السكنية زمن المخاطر الصحية (المحطات الثلاثة للحجر)، يوميات الانقطاع عن الشغل والتمدرس وممارسات التضامن.
الجدول1: توزيع الوحدات السكنية على ميدان البحث
البلديات |
عدد الوحدات السكنية |
|
ولاية وهران |
وهران |
277 |
عين البيّة |
23 |
|
ولاية البليدة |
البليدة |
230 |
بني تامو |
70 |
|
ولاية قسنطينة |
قسنطينة |
268 |
سعد بوجريو |
32 |
|
ولاية غرداية |
غرداية |
288 |
الشعبة الحمراء |
12 |
|
المجموع |
08 |
7 1200 |
بلغ عدد المشاركين في ملأ الاستمارات القابلة للتحليل على مستوى الوحدات السكنية محلّ الدراسة 2486 فردا، وقد راعى سير التحقيق بعض الاختلافات الجغرافية(مدن مختلفة) والعمرانية(حضري، شبه حضري، ريفي) مع مراعاة التصنيف الاجتماعي للأحياء والسكنات.
الجدول2: معطيات حول عينة البحث المستهدفة بالتحقيق الميداني
سمحت معطيات التحقيق الميداني 8 بمقاربة تمثلات أفراد العائلات حول كوفيد19، و حول التناول الإعلامي للجائحة، وأشكال الهشاشة الممكنة جرّاء التوقف عن الشغل والتمدرس، كما سمحت في الوقت نفسه بمقاربة المناخ العائلي في ظل الحجر (العلاقة بين الزوجين، تسيير العلاقة مع الأطفال) والاختلالات التي ميّزت التقسيم الزمني اليومي لمعيش أفراد العائلات (العلاقة مع الشاشات، فترة النوم، فترات تناول الغذاء اليومي...).
إجرائيا، حدّدت الدراسة المكانة الاجتماعية للوحدات السكنية انطلاقا من مقاربة متعدّدة المؤشّرات، إذ لم تستند فقط على مؤشرات الوضع المهني لرب الأسرة أو زوجه، بل أدمجت متغيّرات أخرى تخصّ كلّ أفراد العائلة، وقد سمح ذلك بإنتاج حصيلة حول مكانة الفرد، معالم الفوارق الموجودة بين مختلف الوحدات السكنية (Cayouette-Remblière & Ichou, 2019, p. 385-392) والحدود بين الفئات الاجتماعية للوحدات السكنية. تمّ بناء هذا النموذج التحليلي لمقاربة التفاوتات الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية خلال كوفيد 19 بناء على المتغيّرات التالية:
-
المستوى الدراسي باعتباره مؤشرا على مستوى الرأسمال الثقافي لأفراد العائلة وعلاقاتهم الخاصة بالمعرفة.
-
نوعية ملكية السكن، وهذا المتغيّر مرتبط بالمؤشرات التالية وهي: نوع المسكن، وضعه القانوني، مساحته وعدد غرفه، عدد المقيمين فيه زمن الجائحة، وموقعه
-
نوعية النشاط المهني أو المهنة أو الوظيفة، ويتمّ تصنيفها وفق 12 فئة سوسيومهنية سواء تعلق الأمر برب الأسرة أو بزوجته (Derras, 2011, p. 143-166).
-
المكانة المهنية مقارنة مع حالة الانتساب لمنظومة الحماية الاجتماعية: حالة المنتسبين للضمان الاجتماعي للأجراء وغير الأجراء، وحالة غير المنتسبين. حيث يعطي هذا المتغيّر الفرصة لتحديد نوعية الشغل ودرجة استقراره.
لقد مكّنت مقاربة الفئات السوسيو-مهنية بناء على بعض مؤشراتها (scores) من تشكيل نموذج إجرائي لأربع فئات اجتماعية، وهذه التصنيفات ليست انعكاسا حتميا "للواقع"، بل هي بناء سوسيولوجي يسمح لفريق البحث بتحديد الفروق الموجودة بين الفئات الاجتماعية (la configuration de la catégorie sociale) (المذكورة سلفا) تبعا لتأثّرها بالجائحة. إجرائيا، تمّ تقسيم شركاء البحث المقيمين في الوحدات السكنية محلّ الدراسة وفق أربع فئات اجتماعية هي:
-
1. الفئة الاجتماعية المعوزة: تحدّد بناء على مكانة رب العائلة أو الزوجة ضمن الشغل الهشّ أو النشاط الاقتصادي الهش، يتكوّن عموما من فئة غير المنتسبين لمنظومة الحماية الاجتماعية، ومستواهم الدراسي محدود في غالب الأحيان.
-
2. الفئة الاجتماعية ذات الدخل القريب من المتوسط: تحدّد إجرائيا بناء على مكانة رب العائلة و/أو زوجته ضمن منظومة الشغل المستقرّ (مدخول مستقر نوعا ما، نشاط محدد، توقيت محدد، مستفيد من الضمان الاجتماعي)، وهو ما يضمن لهم وضعية مهنية ومستقرة نوعا ما.
-
3. الفئة الاجتماعية المتوسطة.
-
4. الفئة الاجتماعية الميسورة.
توزّع شركاء البحث المنتمون لـــــ 1200 وحدة سكنية، حسب المؤشرات المقترحة (scores)، على الفئات الاجتماعية الأربع ، كما يلي:
الجدول3: توزيع شركاء البحث حسب الفئات الاجتماعية
الفئات المعوزة |
الفئات ذات الدخل القريب من المتوسط |
الفئات المتوسطة |
الفئات الميسورة |
المجموع |
74 6.1% |
664 55.3 % |
404 %33.6 |
58 %4.8 |
1200 100 % |
تجدر الإشارة إلى أنّ الوحدات السكنية التي شملها التحقيق الميداني غير متجانسة من حيث تعداد ساكنيها كما هو موضّح في الجدول رقم 4.
الجدول4: توزيع شركاء البحث حسب عدد أفراد الوحدات السكنية
عائلات متكوّنة من 1إلى3 أفراد |
عائلات متكوّنة من 4إلى6 أفراد |
عائلات متكوّنة من 6إلى7 أفراد |
عائلات متكوّنة من أكثر من 8 أفراد |
المجموع |
108 14 % |
664 55.3 % |
353 29.4 % |
15 1.3 % |
1200
|
الوضع الصحي سنة بعد بداية الجائحة
تستدعي جائحة كوفيد 19 التفكير في علاقة فاعلي المجتمع مع المخاطر الصحية وتأثيراتها ، لاسيما عندما تعجز العقلانية الطبية بداية الجائحة عن تقليص الشكوك الاجتماعية جراء هذا الوضع، ولا تستطيع طمأنة هؤلاء الفاعلين عن طريق التوفيّر الفوري لإمكانيات مواجهتها، وفي هذا السياق، غالبا ما تتدخّل البيروقراطية، ذات المنحى المركـــــــزي لدولة الحماية بوصفها مجالا للفعل السياسي، من أجل تقبل المخاطر اجتماعيا أولا، وتسيير العلاقة بين "الخبرة والعامة"(Peretti-Watel, p. 5)
ثانيا . تحثّ المخاطر المرتبطة بجائحة كوفيد 19، والتي تبدو اليوم "ظرفية"، على التفكير والبحث في التفاوتات الاجتماعية، خصوصا عندما تتزعزع آليات التأمين وأنظمة الحماية وتُقوّض مقوّمات استقرار الممارسات الاجتماعية الروتينية اليومية، وهنا لا تصبح المخاطر موضوعا للتفكير في الحماية، بل تتمظهر بصفتها مبدأ عاما للتقييم في المجتمعات الحديثة (Ewald, 2000) التي تنتج المخاطر مثلما تنتج الخيرات (Beck, 2002).
ترتبط إذن المخاطر بشكل عام، والمخاطر الصحية المتعلّقة بكوفيد 19 بشكل خاص، بالتفاوتات الاجتماعية 9 بين الأفراد والجماعات
(Peretti-Watel, 2001, p. 36-42) لكونها تفرض على الناس العاديين (آصف بيات، 2014، ص. 38-44) التعامل مع وضعيات غير آمنة وغير مستقرة، وتمتحن دولة الحماية وأنماط تسييرها لتأثيراتها، لــــــــــذا نفترض أن هذه التفاوتات تزايد تمظهر حدّتها بين الأفراد والجماعات أثناء تعاملهم مع الشكوك التي تنتجها الجائحة ومواقفهم منها (من حيث تمثلاتهم، وممارساتهم، وخطاباتهم)، وإذا سلمّنا أنّ العلاقة مع مخاطرها هي علاقة مع الشكوك التي تؤثّر على اليوميات العادية/ الاعتيادية، وأنّ تجاوزها يستدعي الحذر، فإنّ هذا الأخير ليس قيمة مشتركة أو متّفق عليه، لأنّ الناس العاديين لا يملكون الظروف الموضوعية نفسها لممارسة الحذر (من حيث: نوعية الشغل، نوعية السكن، المكانة ضمن أنظمة الحماية الاجتماعية، الرأسمال الاجتماعي والثقافي...)، كما أنّ مواقفهم الثقافية وتأويلات مخيالهم الاجتماعي والثقافي والديني للمرض مختلفة، ولا تنتج الحذر نفسه المتوافق مع التدابير الوقائية المفروضة، التي تؤثّر بدورها على الاختيارات الاجتماعية للصحّة (مثال: قبول اللقاح، قبول تدايبر الغلق، قبول التباعد، قبول التوقف عن الشغل،...)، بل تصبح علاقتهم مع المخاطر ومظاهر الحذر منها أساس التفاوتات المؤثّرة على تعدّد الاختيارات الاجتماعية للفاعلين زمن المخاطر الصحية الطارئة، كما يمكنه أن يؤكّد عدم تجانس تمثلاتهم بشأن هذه المخاطر وبشأن القرارات المركزية المرتبطة بتسييرها، إضافة إلى أنّها تكشف هوامش حريّتهم التي يتمتّعون بها من "التحت" في سياق الإنتاج الاجتماعي للصحّة.
إذا كانت ظرفية مخاطر كوفيد 19 قد أبانت عن الفوارق في الخطاب بين الخبراء والناس العاديين من حيث التعارض الموجود بين خبرة الفئة الأولى ومعارف الحسّ المشترك وعقلانيته لدى الفئة الثانية، فإنّ البحث في ثقة الجمهور في مضامين الخبرة لحظة الأزمة لا يعتبر فقط مجالا لفهم هذه المواجهة، بل هو فرصة لتحليل الوصم المتبادل بينهما حول آليات مواجهة المخاطر غير المتحكّم في احتمالاتها، وآليات تسييرها في السياقات الزمنية المتعاقبة (ناس مشي واعية ضد أطباء عاجزون عن العلاج)، كما هو مجال لمقاربة المخاطر بوصفها منظومة للقيم تستدعي "الأخلاق" عندما تعجز العقلانية العلمية عن تقويض الشكوك (البعد الأوّل)، ومجال لمساءلة التضامن والحماية (البعد الثاني)، ومجال لمقاربة المسؤولية (البعد الثالث).
بيّنت الدراسة الميدانية أنّ الوضع الصحي لشركاء البحث بعد سنة من بداية الجائحة غير متجانس في العموم، ويمكن الوقوف على مؤشّرات ذلك عندما يتعلّق الأمر بتحليل الإجابات التي يقدّمها شركاء البحث حول الأسئلة التالية: "ماذا يمثّل بالنسبة لكم كوفيد 19؟، هل تعتقدون أنّ اللقاح علاج فعّال ضد كوفيد 19؟ كيف كنتم تستعلمون عن تطوّر الجائحة؟ ما هي مواقفكم من التدابير الاحترازية المتخذة طيلة فترات الأزمة الصحية (مارس2020-أفريل 2021)؟"، كما بيّنت في الوقت نفسه تفاوتا بين الفئات الاجتماعية من حيث إمكانياتها الموضوعية لمواجهة المخاطر وبناء استراتيجيات الحذر المتناسبة معها.
في تباين الفحص الطبي والإعلام حول الجائحة
بداية، تشير معطيات الدراسة الميدانية (الحالة الأولى من عدم التجانس) إلى أنّ نسبة تأكيد الإصابة بالجائحة لدى شركاء البحث من خلال تصريحاتهم بلغت 20.7% خلال الفترة الممتدة ما بين مارس 2020 وأفريل 2021، وتتوزّع على ثلاث فئات من حيث التأكد من الإصابة وهي: فئة شركاء البحث الذين أجروا فحصا طبّيا لتأكّد من أعراض الجائحة (57.7%)، وفئة الذين تطلّب علاجهم الاستشفاء على مستوى المؤسّسات الصحيّة (9.7%)، وفئة الذين صرّحوا بإصابتهم استنادا إلى تسجيلهم ظهور الأعراض الشائعة للمرض لديهم دون فحص طبّي (خصوصا فقدان حاستي الشمّ والتذوّق خلال الفترة الأولى من الجائحة) أو نتيجة لتأكيد تواصلهم مع أحد المصابين بالجائحة داخل الوحدة السكنية أو خارجها (32.7%).
تكشف الدراسة أيضا أنّ قرابة الثلث ممن أكّدوا ظهور أعراض الجائحة لم يُجْروا الفحص الطبي، وأنّهم اعتمدوا إمّا على التداوي الذاتي، من خلال تقاسم تعليمات الوصفة الطبية نفسها التي سجلّت لأحد مرضى العائلة (أو الوصفات المتداولة في الشبكات الاجتماعية)، أو "جرّبوا" الطرق "التقليدية" للعلاج حسب ما أشيعَ عَنها (الأعشاب الأكثر طلبا: الزعتر، الشيح)، أو اعتمدوا استراتيجية إنكار الاعتراف بالإصابة (ما تخبروش الناس، شكون قالكم بلي عندي كوفيد) من أجل عدم تقييد حركتهم وتواصلهم، مصنّفين الأعراض في خانة : نزلة برد عابرة، أو إنفلونزا موسمية عابرة، مجرد علامات إرهاق...إلخ .
تفيد أولى استنتاجات هذا التحقيق أنّ اللجوء إلى الفحص الطبيّ نتيجة ظهور أعراض الإصابة بالجائحة -خلال السنة الأولى- لم يكن ممارسة شائعة لدى شركاء البحث، بل توجد فئة اكتفت بتسيير مخاوفها الصحيّة وأعراض المرض لديها بناء على معارفها الطبية وغير الطبية المتداولة خارج الأطر "الطبيعية" ، وهذا الوضع يعكس اختلاف الممارسات زمن المخاطر خلال السنة الأولى من الجائحة وهوامش الحريّة الممكنة مقارنة بما أوصت به العقلانية الطبية حول "العلاج" و"الوقاية"، وما أقرّته البيروقراطية المسيّرة للجائحة من بروتوكولات صحيّة، كما تُظْهر أنّ رفض الفحص فترة ظهور الأعراض -والذي قد يؤشّر على مستويات متدنّية من الاعتراف بالجائحة وضعف الثقة في المؤسّسات الصحية وطريقة تعامل فاعليها مع المرض- لا يخصّ فئة اجتماعية بعينها، بل نجد نسبه مرتفعة لدى شركاء البحث الذين ينتمون للفئات الاجتماعية المتوسّطة والميسورة، واللتان لا تمثّل بالنسبة لهما "الإمكانيات المالية" -ولو نظريا - عائقا أمام طلب الخبرة الطبية.
ثاني الاستنتاجات مرتبط بالمفارقات المترتبة عن التسيير الإعلامي للأزمة الصحيّة عن طريق الجمع بين خطابات "الحثّ على المسؤولية" و"صناعة الخوف"، من أجل فرض الاعتراف الاجتماعي بالجائحة وآليات مواجهتها، وهي حالة لا تخصّ الجزائر فقط، على الرغم من درجة التزام شركاء البحث بتدابير الفترة الأولى والذي نفترض أنه تعبير عن حس مواطني معتبر لديهم. تجدر الإشارة إلى أنّ عزوف شركاء البحث عن التواصل مع المؤسسات الاستشفائية وفاعليها من أجل تقليص الشكوك حول الإصابة بكوفيد 19 بلغ 79% مقابل 21% ممن أجروا الفحوصات، وهذا المعطى يجعلنا نفترض أنّ الخوف من المخاطر الصحية الواقعية قد أنتج اختيارات اجتماعية "حذرة" لم تكن بالضرورة متناسقة مع تعليمات العقلانيتين الطبية والبيروقراطية المسيّرة للجائحة. الخوف الظرفي من قدرة المؤسسات الصحية العمومية على مواجهة المخاطر و / أو السمعة السابقة لخدماتها لدى خطابات الحس المشترك تفتح المجال لمناقشة صورتها لدى شركاء البحث وثقتهم فيها في ظل التغيّرات التي تواجهها هذه المؤسسات.
الجدول5:القيام بالفحص الطبي بسبب ظهور أعراض كوفيد19 (مارس2020-مارس 2021)
نعم، قمت بالفحص الطبي |
نعم، تمّ اسعافي في المستشفى |
لم أقم بالفحص الطبي رغم ظهور أعراض كوفيد |
المجموع |
|
الفئة المعوزة |
17.6% |
% 2.7 |
79.7% |
100% |
الفئات الاجتماعية الشعبية |
%19.4 |
% 3.2 |
%77.4 |
100% |
الفئات الاجتماعية المتوسطة |
%23.5 |
%6.2 |
%70.3 |
100% |
الفئات الاجتماعية الميسورة |
% 25.9 |
%5.2 |
% 69 |
100% |
تباين النوع الاجتماعي في المواقف من الجائحة
تُظهِر نتائج التحقيق الميداني حالة ثانية من عدم التجانس أمام وضع الجائحة، مؤشّره الفارق في نسب اللجوء للفحص الطبي لتأكيد الإصابة بأعراض جائحة 19 كوفيد بين جنسي شركاء البحث، وكذا الفارق في نسب الاستشفاء والاسعاف في المؤسسات المختصّة، ونسب الإصابة المصرّح بها، إذ تبين أنّ فئة الذكور كانت أكثر لجوء للفحص الطبي من الإناث للتأكد من الأعراض المرضية (36.1% مقابل 21.8%)، وأكثرهم استشفاء في المؤسسات الطبية (8.3% مقابل 3.2%)، وأكثرهم إصابة بكوفيد 19 (24.1% مقابل 19.6%). تُسائل هذه الاختلافات بين الجنسين مسألة توزيع الأدوار الاجتماعية داخل العائلة عند إصابة أحد الأزواج / أو كلاهما بالجائحة، وتكشف عن بعض صعوبات تسيير يوميات العزلة والحجر، وبعض صعوبات مواجهة تكاليف ذلك، وصعوبات ضمان التموين بضروريات الحياة اليومية للوحدة السكنية.
لقد فرضت إصابة أرباب العائلات بالجائحة (الذكور) إعادة توزيع مستعجل لبعض الأدوار الاجتماعية زمن المخاطر وأوجد مسؤوليات جديدة لربات البيوت، خصوصا لدى فئة "الماكثات في البيت" (غير الأجيرات) اللواتي تعوّدن على حصر نشاطهم في أدوار إعادة الإنتاج داخل الفضاء المنزلي، مثلما تعوّدن على تكفل "الزوج" بالنشاطات خارجه، وهذه الفئة كانت الأكثر طلبا للمساعدات غير المالية لتسيير متطلبات العائلة مقارنة مع حالة الزوجات العاملات، سيما في ظل المعوّقات الناتجة عن توقف "النقل العمومي"، أو بسبب السكن في المناطق المصنّفة اجتماعيا معزولة عن شبكة النقل العامة. يمكن القول أنّ إصابة رب العائلة كانت في الكثير من الحالات مجالا لامتحان فاعلية الروابط الاجتماعية القوية والضعيفة(2020 ,Bauvet) زمن العزلة من جهة، وكانت مجالا لاكتشاف أشكال غير معهودة من التضامن الجواري.
الجدول6:تأكيد الإصابة بالجائحة لدى شركاء البحث بعد سنة (مارس 2020- مارس2021 )
نعم، أصبت بعدوى كوفيد 19 |
لم أصب بعدوى كوفيد 19 |
المجموع |
|
رب العائلة |
23.1% |
76.9% |
%100 |
ربة العائلة |
%19.6 |
80.4% |
100% |
المجموع |
20.7% |
79.3% |
1200 |
العائلات ووضعياتها: مؤشر آخر
يمكن الوقوف على الحالة الثالثة من عدم التجانس جرّاء العزلة المنتجة للهشاشة عند تأكيد الإصابة بكوفيد 19 لدى شركاء البحث والمرتبطة بحالتي الطلاق (3.7% من شركاء البحث) والترمّل (5.2% من شركاء البحث)، إذ تشير المعطيات أنّ العائلات ذات الوالدية الواحدة قد عبّرت في تصريحاتها عن صعوبات مواجهة الجائحة نظرا لتزايد شعورها بالعزلة زمن الحجر وصعوبات ضمان استمرارية سدّ حاجياتها اليومية، وهذه الفئة كانت أكثر طلبا للمساعدات "غير المالية" و"للدعم المعنوي" مقارنة ببقية الوضعيات العائلية الأخرى. يمكن القول أنّ هشاشة العائلة ذات الوالدية الواحدة تزداد عندما تترافق وضعيتها مع مؤشّرات عزلتها الجغرافية (منطقة جغرافية بعيدة عن المركز العمراني، عدم الإقامة في البلديات نفسها مع الأقارب، صعوبات التنقل...) وتكون روابطها الاجتماعية العائلية ضعيفة أو في حالة أزمة، وهذا الوضع يحثّ على روابط التضامن الجواري (علاقات الجيرة أولا، الجمعيات المسجدية ثانيا). تجدر الإشارة إلى أنّ الدراسة لم تبيّن وجود تفاوتات "معتبرة" تربط بين نسب تأكيد الإصابة بأعراض الجائحة (المؤشر الأوّل) ومساحة المسكن وعدد غرفه (المؤشر الثاني10) وتعداد ساكنيه (المؤشّر الثالث)، وهذه النتيجة تفتح المجال لمناقشة تأثير الجائحة من منطلق تأثير المجال السكني11، أو المجال الجغرافي12.
الجدول7:تأكيد الإصابة بكوفيد19 ونوعية المسكن
نوعية المسكن |
نعم، أصبت بجائحة كوفيد |
لم أصب بجائحة كوفيد |
المجموع |
غرفتين |
%12.9 7.7 % |
%87.1 %13.5 |
%100 |
ثلاث غرف |
%22.3 %44.1 |
%77.7 %39.9 |
%100 - |
أربع غرف |
%19.5 %24.3 |
%80.5 %26.1 |
%100 - |
خمس غرف |
%22.4 %13.4 |
%77.6 %12 |
%100 |
أكثر من خمس غرف |
%24.1 %10.5 |
%75.9 %8.6 |
%100 |
المجموع |
%20.6 %100 |
%79.4 %100 |
%100 %100 |
سمحت الدراسة ببناء نموذج اجتماعي للعائلات شديدة التأثّر بالجائحة نظرا لهشاشة مقومّاتها الموضوعية التي لا تسمح لها بممارسة الحذر نظرا لضعف إمكانيات مواجهتها لمخاطر، وتقلّص هامش حريتها من أجل الإنتاج الاجتماعي للعلاج. مؤشّرات ذلك هـــــــــي: حالة العائلات ذات الوالدية الواحدة، أو العائلات التي يتواجد بها أشخاص تجاوزوا سنّ 65 سنة ويعانون من الأمراض المزمنة، الموجودون في عزلة مجالية (بسبب السكن في الأحياء المصنّفة هشّة)، أو علائقية (الرابط الاجتماعي القوي زمن الأزمة الصحية مأزوم ظرفيا أو في حالة قطيعة)، أو مؤسّساتية تضمن الحماية لغير المنتسبين لنظام الحماية الاجتماعية نظرا لعملهم الهش)، وينتمون إلى أسر محدودة العوائد المالية نتيجة لنشاطها المهني الهشّ غير المستقر ونتيجة ضعف مكانة معارفهم بشأن سوق الشغل، ما جعلهم قريبين من مؤشّرات الفقر المدقع13. يسيطر على هذا النموذج الاجتماعي مستويات مرتفعة من القلق من استمرارية الوضع الصحي الذي يقلّص حظوظهم في الاستفادة من التضامن الاجتماعي الممكن، وينمّي عندهم خطاب "القدرية" (جاء في تصريحات أحد شركاء البحث مايلي: الله غالب هذا أمر الله، لي جابها ربي رانا قابلينها، مكان لا لقاح ولا طبيب ...مين يجي الآجل يكمل الدور ما ينفع لاطبيب ولا لقاح، كل شيء بأمر الله...).
التفاوت في القلق والخوف من الجائحة
ترتبط الحالة الرابعة، من عدم التجانس الاجتماعي لدى شركاء البحث أمام الجائحة، وباختلافات قلقهم المعبّر عنه جرّاء تواصل الجائحة بعد سنة من بدايتها، إذ تبيّن الدراسة أنّ تفاوتات الإصابة بالمرض وأشكال التكفّل به قد أوجدت هي الأخرى تفاوتات من حيث مستويات قلق شركاء البحث، متأثرة هي الأخرى بمؤشّرات السنّ، الجنس، المستوى الدراسي والمستوى الاجتماعي... وإذا اعتبرنا أنّ العلاقة بالمخاطر تتمظهر في ممارسات الحذر الموجود بين شركاء البحث، فإنّ تباين تمثلات القلق والخوف والغضب...، هي الأخرى مؤشّرات على التفاوتات الاجتماعية التي أمكن تحديد بعض معالمها.
في هذا السياق، أبدى قرابة نصف شركاء البحث (55.2%) تواصل حالة القلق لديهم من كوفيد 19 بعد سنة من بدايته (مارس 2021)، بينما عبّر 41.1% عن تراجع قلقهم من الوضع الصحي، في حين لم يبد 3.8% موقفا واضحا من وضع الجائحة. تظهر المقارنة بين مواقف القلق من الوضع الصحي المرتبط بالجائحة تمايزا بيّنا بين شركاء البحث مؤشره السنّ، إذ يمثل هذا الأخير عاملا في إبراز الفروقات بين أفراد العائلات المنتمين لمجتمع البحث، ويتّضح أنّ حالات "القلق الشديد" أو "الظرفي" أو "المتواصل" تخصّ العائلات التي تتواجد فيها الفئة العمرية التي تجاوز سنّها 60 سنة (68.88%) مقارنة بباقي الفئات العمرية الأخرى، في حين أنّ حالة عدم القلق تخصُّ أساسا الأولياء الذين يتراوح سنهم ما بين "40-55 سنة"، وجزءً معتبرا من المتمدرسين في المتوسطات والثانويات وطلاب الجامعات الذين صنفوا توقفهم عن مزاولة الدراسة في خانة العطلة.
تقترن حالات تواصل القلق من كوفيد 19لدى الفئة العمرية التي تجاوزت 60 سنة إمّا: بــــــــــتجربة إصابتها بكوفيد 19 (21.1% تأكدوا من الإصابة مقابل 78.9%)، أو بتجربة اسعافها في المؤسّسات الصحية (3.3% تمّ اسعافهم في المؤسسات الصحية)، أو تأكيد أعراض الجائحة بعد ظهورها (32.2% أجروا فحوصا طبية نظرا لظهور أعراض كوفيد لديهم)، أو نتيجة لإصابة أحد أفراد العائلة المصغّرة بكوفيد 19 (22.2% صرّحوا بإصابة أحد أفراد الوحدة السكنية بكوفيد 19)، أو الموسعة (37.8% صرّحوا بإصابة أحد أفراد العائلة الموسّعة)، أو لفقدان أحد أفراد العائلة الموسّعة أو المصغّرة (12.2% صرّحوا بفقدان أحد أفراد عائلاتهم خصوصا في ولايتي البليدة ووهران)، أو بحالات الخوف من الفحص الطبي أثناء ظهور بعض الأعراض الدالة على الإصابة.
الجدول8:القلق من الوضع الصحي لدى شركاء البحث بعد سنة(مارس 2020 - مارس2021 )
لا أدري |
لست قلقا من الجائحة |
أنا قلق من الجائحة |
المجموع |
|
رب/ ربة العائلة |
%2.1 |
36.1% |
61.8% |
1200 |
المتمدرسون متوسطة، ثانوية، جامعة |
%5.6 |
45.4% |
41% |
1127 |
المجموع |
3.8% |
41% |
55.2% |
2327 |
على عكس مؤشري المستوى الدراسي والنوع الاجتماعي، يمثّل السنّ أحد أهم مؤشّرات التفاوت الاجتماعي الموجودة بين شركاء البحث من حيث تأثير القلق على ممارسات الحذر بين الفئات الاجتماعية زمن الجائحة، إذ تُبيِّن المعطيات الميدانية أنّ فئة شركاء البحث الذين يزيد سنّهم عن 60 سنة، والذين ينتمون للفئات الاجتماعية الميسورة أو المتوسطة هم الأكثر قلقا وأكثر لجوءً لاختبارات تحديد أعراض كوفيد 19 مقارنة بالفئة نفسها التي تنتمي للعائلات المعوزّة، وربما قد يكون تكلفة التحاليل 14 ، ومستويات الاستفادة من نظام الحماية الاجتماعية 15 العنصران الموضوعيان اللذان ينتجان الفوارق بين المنتمين للفئة العمرية نفسها 16 (Moutassem-Mimouni, 2016)
كشفت الدراسة أيضا عن تفاوتات نسبية أخرى مرتبطة بالوضعية المهنية خصوصا خلال الفترة الأولى من الجائحة (مارس- جويلية 2020)، إذ تكشف المعطيات أنّ فئة البطّالين والعمّال بأجر يومي والعاملين في القطاع غير الرسمي وصغار الفلاحين والتجّار كانوا أكثر الفئات قلقا من الوضع الصحي نتيجة توقّف نشاطهم المهني وعدم قدرتهم على الاستفادة من الإجراءات التي ميّزت بينهم وبين المستخدمين المتواجدين ضمن ظرف العمل المأجور العمومي (الفوارق بينهما في حدود 8%)، خصوصا مستخدمي الوظيف العمومي (ماعدا مستخدمي الصحّة، والأسلاك الوظيفية التي تمّ تسخيرها فترة الجائحة). يمكن أيضا تقديم الملاحظة نفسها حول تباين مستويات القلق عندما يتمّ المقارنة بين فئتين من المتمدرسين (تلاميذ المتوسطات والثانويات) وهما: فئة المتمدرسين المعنيين بامتحانات نهاية السنة، والفئة غير المعنية بها (الفوارق بينهما في حدود 8%).
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمة تباينا في تصريحات المبحوثين بشأن الإصابة بعدوى الجائحة، بما يُظهر ارتفاعا لدى الفئات الميسورة (36.2%) والمتوسطة (27.5%) مقارنة بالوحدات السكنية للفئات الاجتماعية المعوزة (15.8%) والمحرومة (14.9%). تنعكس هذه التفاوتات البنيوية الموجودة بين هذه الفئات من حيث فدرتها المالية على إجراء اختبارات تحديد الأعراض، إذ يتضح أن قُرابة ثلثي الأولياء الذين ينتمون إلى الفئتين الاجتماعيتين المعوزة وذات الدخل القريب من المتوسط (65%) لم تجر التحاليل الضرورية لتأكيد الإصابة بكوفيد 19 رغم ظهور الأعراض لديها وأنّ قُرابة ثلثي الفئة نفسها (62%) نفسها اعتبرت أنّ الثمن الذي خصّصته للإجراءات الوقائية 17 كان باهضا جدا مقارنة مع إمكانياتها المالية زمن الجائحة.
الجدول9:الفحص الطبي لتأكيد الجائحة لدى شركاء البحث الفئة الاجتماعية بعد سنة(مارس2020-مارس2021 )
نعم، أجريت الفحص |
لم أجر الفحص |
المجموع |
|
الفئة الاجتماعية المعوزة |
%14.9 3.7% |
85.1 % 7% |
100% 6.2% |
الفئة الاجتماعية ذات الدخل المحدود |
%21.1 %47.3 |
78.9 % 58% |
100% 55.3% |
الفئة الاجتماعية المتوسطة |
30.7 % %41.9 |
69.3 % 31% |
100% 33.7% |
الفئة الاجتماعية الميسورة |
36.2% %7.1 |
63.8% 4.1% |
100 % 4.8% |
المجموع |
24.7% %100 |
75.3% 100% |
%100 %101 |
حول الجائحة وتدابير تسييرها: قراءة في بعض المؤشّرات
تَأَثَّر معيش شركاء البحث بالمخاطر الصّحية لجائحة كوفيد 19 خلال السنة الأولى من ظهورها (مارس 2020-مارس 2021)، وقد بيّنت المعطيات الميدانية ذات الصّلة بـــــــــ : "خطابات فاعلي المجتمع حول الجائحة واللقاح"، "المواقف من التدابير الوقائية المتّخذة من طرف السلطات العمومية من أجل تفادي العدوى"، "مؤشرات احترام الإجراءات الوقائية ودرجة الالتزام بها" و"مصداقية المعطيات حول الجائحة وطرق الاستلام حولها" المواقف الاجتماعية من الظرف الصّحي الطارئ وغير المسبوق، كما سمحت بمساءلة درجة تأثيرها في التفاوتات الاجتماعية جرّاء الاضطرابات الراديكالية التي عرفها الشغل، والتمدرس والتنقّل، خصوصا خلال الفترة الأولى للجائحة (مارس-أوت 2020).
بداية، تميّزت مرحلة الحجر الصّحي خلال الفترة الأولى (مارس-ماي 2020) بتنامي الإحساس "بالغضب في غالب الأحيان" لدى شركاء البحث جراء الظرف الصّحي الطارئ، وقد عبّر عن هذا الشعور أكثر من ثلثي شركاء البحث (69%)، في حين انتاب هذا الشعور ظرفيا (من حين لآخر) 18.7% من مجتمع البحث، أمّا 12.3% فقد رأوا أنّ هذه المرحلة لم تنتج عندهم هذا الشعور. علينا أن نفرّق بين فئتين اجتماعيتين من حيث التصريح بهذا الشعور وهما: الفئة التي اعتبرت المرحلة الأولى من الحجر فترة راحة من الشغل والدراسة وتكاليف الحياة اليومية، وهي فئة تبدو قليلة (1/3 من شركاء البحث)، مقارنة بالفئة الغالبة التي صنّفتها فترة معاناة، لأنّها وجدت صعوبات في ضمان تواصل المؤانسة الاجتماعية التي تعودّت عليها، و/ أو تعطّلت "مصالحها اليومية" (2/3 من شركاء البحث).
الفوارق بين الفئتين معتبرة أيضا عندما يتمّ مقارنتها بناء على مؤشرات السن والنشاط المهني والجنس، إذ يتضّح أنّ الفئة الأولى يمثلها غالبية الأشخاص الذين يزيد سنهم عن 65 سنة، أو من ذوي الالتزامات المهنية الظرفية، أو الفئة الميسورة اجتماعيا، أو النساء العاملات في الوظيف العمومي/ القطاع العام اللّواتي استفدن من العطل الاستثنائية مدفوعة الأجر التي أقرتها الحكومة (عدا قطاع الصحة)، أمّا الفئة الثانية فتمثّل غالبيتها المرحلة العمرية 25-55 سنة، خصوصا لدى الذكور والذين صنّفوا الحجر وضعا "غير طبيعي" بالنسبة لهم (الشباب 18-24 سنة)، لأنّه أجبرهم على تسيير فائض وقتهم اليومي في الفضاء المنزلي، وحثّهم على البحث عن استراتيجيات يومية لاستهلاكه، أو عمّال النشاطات المهنية الهشّة والفئات الاجتماعية المعوزّة، أو شركاء البحث الذين يقطنون في مساكن حضرية ضيقة18.
تُظهر معطيات الدراسة عند تحليل السؤال: "ماذا تُمثل بالنسبة لكم كوفيد 19؟" عدم تجانس شركاء البحث من حيث نظرتهم للجائحة ومخاطرها، فبعد سنة من بدايتها، كان لا يزال قرابة ثلث العيّنة يتمثّل كوفيد 19 على أنّه عقوبة إلهية (32%)، مثلما هو الحال في الكثير من الدول (3.6%)، وهو ما قد يبدي ملامح نجاح البيروقراطية المسيّرة للأزمة الصحية 19 في فرض الاعتراف بالجائحة وأبعادها، خـــصوصا وأنّ 61.3% من المستجوبين قد صنّفوها على أنّها أزمة صّحية عالمية.
الجائحة"عقوبة إلهية"؟: عدم التجانس في الخطابات
تجدر الإشارة إلى أنّ الخطابات حول الجائحة بوصفها "عقوبة إلهية" عند البعض غير متجانسة جغرافيا، إذ نسجّل حضورها المعتبر لدى شركاء البحث في ولايتي قسنطينة وغرداية مقارنة بولايتي وهران والبليدة (ولاية شهدت حجرا كليا)، وغير متجانسة من حيث المستوى الدراسي لشركاء البحث، إذ كلّما تدنى المستوى الدراسي كلما ارتفعت نسبة التصريحات التي ترى في الجائحة عقوبة إلهية (42.5% لدى المستوى الدراسي ابتدائي، 19.7% لدى المستوى الجامعي)، وغير متجانسة من حيث الفئات الاجتماعية لشركاء البحث، بحيث كلّما انتقلنا من الفئات الميسورة اجتماعيا (10.3%) إلى الفئات الاجتماعية ذات الدخل القريب من المتوسط (36.1%) والمعوزّة (44.6%) ازداد حضور تمثّلات العقوبة الإلهية والأكذوبة في تصريحات شركاء البحث.
الجدول10:ماذا يمثّل كوفيد 19بالنسبة لشركاء البحث بعد سنة(مارس2020 - 2021) حسب ميدان الدراسة
مشكل صحّة عالمي |
عقوبة إلهية |
كذبة، مكانش منها " |
بدون إجابة |
المجموع |
|
وهران |
68.1% |
%26.9 |
4% |
4% |
100% |
البليدة |
%73.6 |
% 22 |
1.7% |
2.7% |
100% |
قسنطينة |
%48 |
%47 |
3% |
2% |
100% |
غرداية |
% 57.3 |
%33 |
5.7% |
4% |
100% |
يسمح خطاب "الجائحة بوصفها عقوبة إلهية" والمعبّر عنه لدى قرابة ثلث شركاء البحث بفتح النقاش والبحث في الأنماط الثقافية المنتجة للمعنى زمن المخاطر والشكوك، ويُسائل علاقة المجتمع بالمعرفة وهرميّة إنتاجها وأنظمة الاعتراف بها، وكذا العلاقة بالجسد وحميميته لحظة هشاشته نتيجة المرض، والمنظومة القيمية والأخلاقية المؤثّرة على ممارسات الحذر وتمثلاته، ولعلّ ذلك ضروري عندما نعلم أنّه تتساوى التصريح بهذا التمثل بين شركاء البحث الذين تعرّضوا للإصابة بكوفيد 19 (32.7% من المصابين بكوفيد يعتبرونه عقوبة إلهية) والذين لم يصابوا به (31.8% من غير المصابين يعتبروه عقوبة إلهية).
وفي مقابل ذلك، يعتقد 44% من مجتمع البحث أن الفئة التي تعتبر الجائحة "عقوبة إلهية"، تعد حسبهم أنها "جاهلة بالمرض"، واعتبر 32.6% منهم أنّهم "أشخاص غير مسؤولين"، بينما صرّحت البقيّة أنّ مثل هذه الخطابات صادرة إمّا عن "أشخاص ذوي معلومات مضلّلة" (17.2%)، أو صادرة عن "أشخاص عارفين بالمرض" (6.2%). تعبر خطابات من قبيل: "ربي راه يخّلص فينا" و" هذا جزاء أعمالنا"...، عن تمثلات قدرية تضعف من منظومة الاعتراف بالجائحة بوصفها أزمة صحّية وباللقاح وبفعاليته، وتتيح هامشا من الحرّية لانتقاد تدابير السلط التنفيذية محليا ومركزيا،وتضفي نوعا من الأريحية أمام تزايد خطابات التخويف (لي كاتبها ربي نلحقوها، الموت مشي بالمرض دايما)، كما تضعف من فعالية منظومة الاعتراف القيمي بالمؤسسات الصحية وقدرتها على العلاج (نمرض وما نروحش للسبيطار، السبيطار يخوّف قبل ما يكون كوفيد، نفضّل نعالج في داري، ما ندريش الثقة في المستشفى... ).
يعتبر الموقف من الجائحة بوصفها "عقوبة إلهية" فرصة لمقاربة مفارقات الوصم الاجتماعي المتبادل بين عقلانية "الخبرة" الطبيّة والطابع الاحتمالي لتطوّر الجائحة ومخاطرها (Peretti-Watel, 2001)، وعقلانية "الجمهور" (ناشي، 2013، ص. 19-32)، (Esquenazi, 2003 ; Moeschler, 2013) وهذا الوضع غالبا ما ينتج تدني الثقة بينهما، خصوصا عندما تتيح منصّات التواصل الاجتماعي المجال للتداول "الشعبوي" لمعارف الحسّ المشترك حول الجائحة (التخويف، الاستسلام للقدرية، خطاب الطمأنة، المؤامرة والتآمر...)، أو عندما تصبح مجالا لــــــ "تصفية" الخلافات بين الخبرة الطبية نفسها. "خطاب العقوبة الإلهية" قد يكون استدعاء لمضمون أخلاقي يمكنه أن يخفّف من وطأة الشكوك حول الجائحة وتكاليف ممارسة الحذر.
خطابات غير متجانسة حول فعّالية التلقيح وتدابير الغلق وتوقيف بعض الخدمات
لقد أنتجت الشكوك التي ارتبطت بالجائحة وأعراضها مواقف مشكّكة في التلقيح وقدرته على أنّ يكون علاجا فعّالا، إذ بيّنت معطيات الدراسة أنّ 78.7% من مجتمع البحث مرتاب من قدرة اللقاح على العلاج أو مُنكِر لفعاليته، في حين أنّ نسبة شركاء البحث الذين اعتبروه فعّالا بعد سنة من بداية الجائحة لم تتعد 21.1% (يجبُ التفريق بين الموقف الإيجابي من التلقيح والقيام به). تظهر العلاقة بين المواقف من اختيار اللّقاح وفعّاليته من جهة، والتمثلات الاجتماعية من كوفيد 19 من جهة أخرى انفصالهما التام من حيث التأثير المتبادل بينهما، إذ تبيّن المعطيات نفسها أنّ المواقف الإيجابية من اللقاح كانت محدودة (¼) حتى لدى الفئة التي صنّفت الجائحة مشكلة صّحية عالمية، لتتّضح فوارق أخرى بين فرض الاعتراف الاجتماعي بالجائحة من الأعلى وواقع الاعتراف باللقاح من الأسفل.
الجدول11:نظرة على فعالية اللقاح ضد كوفيد19 وفقاً لمختلف الآراء
مشكل صحّي عالمي |
عقوبة إلهية |
كذبة، مكانش منها " |
بدون إجابة |
المجموع |
|
اللقاح فعّال ضد كوفيد |
24.8% |
16.9% |
0 |
15.8% |
21.1% |
ربما قد يكون فعّالا |
%38.8 |
31.8% |
16.3% |
39.5% |
35.7% |
ليس فعّالا |
36.5% |
51.3% |
83.7% |
44.7 |
43.2% |
المجموع |
100% |
100% |
100% |
100% |
100% |
تجدر الإشارة إلى وجود مــــــــــلامح فروقات إقليمية بيّنة بين شركاء البحث من حيث مواقفهم من اللقاح، إذ أنّ مجتمع البحث في بلديتي البليدة (34.3%) وبني تامو (48.6%)، اللتان شهدتا الحجر الكلي منذ بداية الجائحة، هو على رأس قائمة من صنّفوا اللّقاح فعّالا، مقارنة مع شركاء البحث في بلديات مسعود جريو (9.4%) وقسنطينة (11.2 %) وغرداية (12.2%) الأقل تضررا من الكوفيد.
يؤكّد المعيش الاجتماعي اليومي لشركاء البحث أنّ الصّحة منتوجا اجتماعيا(Mebtoul, 2018) غير متجانس، تعكسه المواقف من الجائحة من ناحية، ويكشف من ناحية أخرى عن التفاوتات الموجودة بين شركاء البحث من حيث ممارستــــــي الحذر والوقاية ومواقف شركاء البحث من الإجراءات الوقائية المتّخذة من طرف السلطات العمومية لتفادي انتشار الجائحة (الفترة الأولى مارس- ماي 2020)، ومدى التزامهم بها خلال الفترة الممتدة ما بين جوان وسبتمبر 2020) أو بعدهما.
لقد عبّر أكثر من 85% من شركاء البحث عن مواقف إيجابية من تدابير غلق المؤسسات التعليمية والتكوينية، والمقاهي والمطاعم، وتوقيف النقل، وغلق المساجد ( 15% فقط لم توافق على إجراءات الغلق)، كما اعتبروها فعّالة للحدّ من انشار الجائحة (59.1%) أو في غالب الأحيان (33.8%)، في حين لم تتجاوز نسب من شكّكت في فاعليتها 7.2% من مجتمع البحث، خصوصا لدى فئة الشباب الذين يتراوح سنّهم ما بين 20 و29 سنة، من ذوي المستوى الدراسي الابتدائي، من المتواجدين في حالتي بطالة أو نشاط مهني غير مستقر في القطاع غير الرسمي.
أولى الملاحظات التي يمكن الوقوف عندها في تحليل المواقف من الإجراءات الوقائية التي تضمنتها المراسيم الخاصة بالجائحة والصادرة في شهري مارس وأفريل 2020، هو ارتفاع نسب رفض غلق المساجد مقارنة مع النسب المعبّر عنها حول غلق المدارس والمقاهي والمطاعم، وبدرجة أقل توقيف النقل. تُظهر تحاليل البيانات ملامح الرافضين لغلق المساجد وتبيّن أنّها: تنتمي للفئة العمرية التي يتراوح سنّها ما بين 44 و55 سنة، ذكورية في العموم، لها مستوى دراسي ابتدائي أو متوسط أو ثانوي (تقلّ نسبة الرفض لدى المستوى الجامعي)، نسبتها مرتفعة لدى الفئات الاجتماعية المعوّزة ذات الدخل القريب من المتوسط والمتوسّطة، وتقلّ نسبها لدى الفئة الميسورة عموما، وتزداد فوارق النّسب رفض غلق المساجد لدى الفئة التي صنّفت الجائحة أكذوبة (90.7% من هذه الفئة رافضة لغلق المسجد أو الفئة التي اعتبرتها عقوبة إلهية (42.4%).
الجدول12: الموقف من إجراءات الغلق الوقائية
المجموع |
شركاء البحث (الأولياء والمتمدرسون ) |
||
لا |
نعم |
||
100% |
13.5% |
86.5% |
غلق المدارس / الجامعات |
100% |
12.4% |
87.6% |
غلق المقاهي / المطاعم |
100% |
37.9% |
62.1% |
غلق المساجد |
100% |
23.6% |
76.4% |
توقيف النقل |
ثاني الملاحظات تتعلق بالمقارنة بين نسب قبول إجراءات الغلق الوقائية من جهة، وتواصل الزيارات العائلية/ الاستقبالات/ زيارات المعارف خلال الفترة نفسها (مارس-ماي 2020) أو القيام بشعيرة عيد الأضحى من جهة أخرى.
خلاصة
أولا، أبانت الجائحة عن تنامي التفاوتات الاجتماعية بين شركاء البحث زمن المخاطر الصحية بعد سنة من بدايتها، وقد وُضعت منظومات الحماية الاجتماعية للدولة وآليات التضامن الجواري أمام امتحان حقيقي حول قدرتها على مساعدة المؤسّسات الاجتماعية (العائلة، المدرسة، الشغل... ) في تجاوز تأثيراتها. ولذلك كانت أولى النتائج التي يمكن الإشارة إليها هي وجود التفاوتات في ممارسات الحذر بين الوحدات السكنية (مؤشرها الأساسي: الفئة الاجتماعية، نوعية الشغل والمستوى الدراسي، والاستفادة من أنظمة الحماية). لقد بيّنت الدراسة أنّ منظومة الحماية الاجتماعية الانتقائية في طبيعتها (لأنها لا تضمن الحماية سوى لأشكال العمل النمطي) كانت عاجزة عن ضمان الإنصاف في الحماية جراء المخاطر المتعدّدة (مخاطر صحية، مخاطر التوقف عن التمدرس، مخاطر التوقف عن الشغل). ومثل هذا الوضع يستدعي مناقشة إمكانيات دولة الرعاية الاجتماعية على مواجهة المخاطر مستقبلا.
ثانيا، تبيّن أنّ معيش شركاء البحث زمن الجائحة غير متجانس ومتفاوت بين الفئات الاجتماعية المختلفة .
ثالثا، تأثير عامل الزمن على تراكم التفاوتات الاجتماعية، إذ بيّنت الدراسة أن ظرفية الجائحة التي دامت قرابة ثلاثة سنوات أثّرت بشكل بيّن على إمكانيات الالتزام بالتدابير الوقائية وقبولها اجتماعيا، خصوصا عندما تكون الفئات الاجتماعية المعوزة غير قادرة على مواجهة التكاليف الاقتصادية للتدابير على مستوى الوحدات السكنية.
بيبليوغرافيا
ناشي محمد، (2013). الفضاءات العمومية ضمن السياق المغاربي: عناصر من أجل بناء إشكالية سوسيو تاريخية. ضمن رمعون حسن وهنية عبد الحميد (إشراف)، الفضاءات العامة في البلدان المغاربية . وهران: منشورات مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.
Bauvet, S. (2020). Alexandre Gefen, Sandra Laugier (dir.), Le pouvoir des liens faibles. Lectures. https://urlz.fr/sjWf
Beck, U. (2001). La société du risque. Sur la voie d’une autre modernité, trad. de l’allemand par L. Bernardi. Paris : Aubier.
Cayouette-Remblière , J ., Ichou , M. (2019). Saisir la position sociale des ménages : une approche par configurations. Revue française de sociologie , 3, (60).Paris : Presses de Sciences Po.
Courtemanche, A. et al. (2022). Accompagnatrice à l’écriture Sylvie Jochems . Effets de la pandémie de COVID-19 sur le développement des collectivités: apport des intervenants collectifs. Ecrire le social, (04), 33-43, https://urlz.fr/sjM4
Derras, O. (2011). Mobilité sociale et changements sociaux en Algérie : Essai d’analyse des inégalités des chances et des différenciations sociales. Insaniyat, (53), 143-166.
Ewald, F. (2000, 20 octobre). La société du risque. Risque et politique. [Vidéo]. https://urlz.fr/sjVA
Houti, L. ; Rahou, Y. (2022). Comment la crise sanitaire de la Covid-19 accentue les inégalités sociales de santé en Algérie.
S. Mouloudj et D. El Mestari (dir.), Société(s) et Pandémie. Oran : éditions du CRASC.
Mebtoul, M. (2018). Un parcours de recherche. Le quotidien : clé de lecture de la société algérienne, Insaniyat,(80-81).
Mebtoul, M. (2022). Société et pandémie Covid-19 en Algérie. S. Mouloudji., D. El Mestari (dir.), Société(s) et pandémie. Oran : éditions du CRASC.
Mimouni, M. (2016). Les retraités : retraite ou retrait ? Repos ou esseulement ? Enquête auprès des enseignants à Mostaganem. Insaniyat, (72-73).
Moeschler, O. (2007). J.-P Esquenazi, Sociologie des publics. Communication. https://urlz.fr/sjZc
Moutassem- Mimouni, B. (2016). La famille et les séniors face à la h ’ouana en transformation. Insaniyat, (72-73).
Paugam, S. (dir.), (2014). L’intégration inégale.Force, fragilité et rupture des liens sociaux. Paris : Puf.
Peretti-Watel, P. (2001). La crise de la vache folle : une épidémie fantôme? Sciences Sociales et Santé. France : John Libbey Eurotext.
Savidan, P. (dir.), (2018). Dictionnaire des inégalités et de la justice sociale . Paris : Puf.
Vico Équipe. (2023). Les effets sociaux de la crise sanitaire de la Covid-19. Une synthèse des principaux résultats de l’enquête « La vie en confinement » (Vico, 2020-2023) ». La vie en confinement : études & résultats, (10). https://urlz.fr/sOZF
الهوامش :
1 شهد شهر مارس 2020 صدور أربعة مراسيم (مرسوم رئاسي واحد وثلاثة مراسيم تنفيذية) تتعلّق بـجائحة كورونا وهي: "تدابير الوقاية من انتشار فيروس كرورنا (كوفيد 19) ومكافحته" (المرسوم التنفيذي 20-69)، " تدابير تكميلية للوقاية من انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) ومكافحته" (المرسوم التنفيذي 20-70)، "تمديد الحجر المنزلي إلى بعض الولايات" (المرسوم التنفيذي 20-72) والمرسوم الرئاسي المتضمن "تأسيس علاوة استثنائية لفائدة مستخدمي الحصة". وبالتالي فقد عرفت الفترة الممتدة ما بين مارس 2020 وأفريل 2021 صدور 58 مرسوما تنفيذيا في الجريدة الرسمية من أجل تسيير تبعات الجائحة.
2 هي دراسة أعدها عدد من علماء الاجتماع أثناء الحجر الصحي الأول من خلال طرح سؤال حول "الحياة في ظل الحجر") بهدف تحليل التأثيرات الاجتماعية لسياسة مكافحة الجائحة (الحجر، والتغطية الصحية، وما إلى ذلك)، من خلال الاستبيانات
3 أثار فريق البحث في نقاشاتهم حول الإطار النظري والنموذج التحليلي للدراسة مسألة تكيّف المعارف السابقة ونتائج الدراسات حول إشكالياتها ومنهجياتها مع "المجتمع زمن المخاطر التي تمثلها كوفيد"19 ، وقد اعتبروا أنّ نقد المعارف في السياقات الزمنية والمكانية ذات المخاطر يستوجب أوّلا إنتاج البيانات حول هذه الحالات الظرفية.
4تكوّن فريق البحث الذي أشرف على بناء إشكالية الدراسة "المجتمع والجائحة" وصياغة إطارها النظري وتحليل بياناتها وفرضياتها من الباحثين والباحثات التالية أسماؤهم : فؤاد نوار (مشرف على المشروع)، بن غبيرط نورية وسنوسي زبيدة، وقد ساهم الباحثون الدائمون لقسم البحث أنثروبولوجيا التربية وأنظمة التكوين: سعدي نوال، هند بوعقادة، بوخانوش سهام، سعود طارق، إبرير سامية، حمزة زريقات حسنية، زركوك سعاد وخيراني نورالدين في مرحلة التحقيق الميداني ومراقبة بيانات الاستمارات القابلة للتحليل.
5 اعتمد في بناء التقنيات الكمية على معطيات الاستطلاعات الكيفية التي أبانت عن ملامحها النقاشات الدورية التي نظّمها قسم البحث في أنثروبولوجيا التربية وأنظمة التكوين حول تأثيرات الجائحة على: العائلة وفاعليها (خصوصا النساء، المراهقون زمن الانقطاع عن التمدرس، الشباب، المسنون)، المدرسة وفاعلوها، والشغل.
6 شملت الدراسة الاستطلاعية عينة من: الأولياء، فاعلو التربية الوطنية (مدرّسون، مفتشون)، طلبة جامعيون، أطبّاء، جمعيات محلية والعاملين بأجر يومي.
7 بلغ عدد قاطني الوحدات السكنية (1200)التي شملها التحقيق الميداني 5852 فردا.
8 أدركت الظروف الاستثنائية وتأثيرات الأزمة الصحية على بناء المشروع وتكوين المحقّقات وتواصلهم مع العديد من العائلات.
9 نعتبر إجرائيا، "التفاوتات الاجتماعية تشكيل اجتماعي وثقافي يعبّر عن الاختلافات بين الأفراد والجماعات نتيجة توزيع غير منصف للموارد المادية والرمزية (الملكية، الشغل، الصحة، التكوين، السمعة، ...) ذات القيمة الاجتماعية المميّزة، أو النادرة، وهي موضوع للتقييم الاجتماعي للأفراد، وترتبط بمنظومة القيم والأخلاق، وتنتج حظوظا مختلفة للحصول على الثروة أو السمعة أو السلطة...". تظهر فعالية التفاوتات أثناء تحليل الفئات الاجتماعية في علاقاتها بالمعرفة والملكية والمكانة ضمن التقسيم الاجتماعي للعمل. أنظر: (Paugam, 2014 ; Savidan, 2018)
10 تتوزع الوحدات السكينة من حيث مساحتها كما يلي: 8.8% مساحة منازلها أقل من 50م2، 33.1% مساحتها ما بين 55و80 م2،29.7 % مساحة منازلها ما بين 81 و 110م 2 ، 28.4% مساحة منازلها أكثر من 110 م 2
11 Cf., Le colloque La ville au temps de la Covid-19. Quelles analyses et quelles approches pour la fabrication urbaine de demain ? Université des sciences et de technologie (USTO) et Centre de Recherche en Anthropologie Sociale
et Culturelle (CRASC), le 10-11-12 Mai 2022, Oran.
12 أظهرت المعطيات فوارق جغرافية لتأكيد الإصابة بكوفيد 19 من حيث النوع الاجتماعي، إذ تبينت أنّ إصابة الذكور كانت أعلى من إصابة الإناث في ولايتي البليدة وغرادية، في حين أنّ إصابة الإناث بعدوى الجائحة كانت مرتفعة لدى إناث ولايتي وهران وقسنطينة مقارنة بالنسب المسجّلة لدى الذكور الولايتين.
13 Cf., « Algérie. Rapport National volontaire 2019. Progression de la mise en œuvre des ODD », République Algérienne Démocratique et Populaire. Chapitre : Éliminer la pauvreté sous toutes ses formes ». Consulté mars 2022. www.unicef.org/algeria/media/1191/file/Rapport National Volontaire 2019 - Objectifs de Développement Durable (ODD).pdf.
14 (60%) من الفئة ذات الدخل القريب من المتوسط واالمعوزة من الذين يفوق سنهم 60 سنة اعتبروا تكاليف الإجراءات الوقائية والتحاليل زمن كوفيد 19 باهظة الثمن وتتجاوز قدرتهم الشرائية.
15 (50%) لا ينتسبون للضمان الاجتماعي نظرا لهشاشة مهنهم السابقة أو الحالية.
16 يمكن تعميق فهم تأثير السّن على إنتاج الهشاشة الاجتماعية ودور مؤسّسات التنشئة في مرافقتها من خلال العودة إلى العدد الموضوعاتي رقم 72-73 لمجلة إنسانيات الموسوم: الأشخاص المسنون بين ضفتي المتوسّط: أي مصير؟
17 عرفت أسعار القناع الطبي خلال المرحلة الأولى (مارس-جويلية 2020) ارتفاعا معتبرا نتيجة لتزايد الطلب عليه وقلّة العرض، بحيث انتقل سعر الوحدة من 10-15 دج إلى
150-200 دج، كما ارتفع سعر قارورة الكحول المطهّر ذات فئة 100ملل من 50-60 دج إلى حدود 250 دج (تصريحات صيدلي حول بعض الأسعار). يمكن بناء تصوّر عن تكلفة الإجراءات الوقائية خلال السنة الأولى من الجائحة عندما استوجب الوضعُ تغيير الكمامة وضمان استعمال الكحول المطهّر لكل أفراد العائلة (كم استهلكت عائلة متوسطة يتراوح عددها ما بين 5-7 أفراد من كمّامات خلال سنة من الجائحة خصوصا بعد العودة إلى المدارس والشغل؟ كم بلغت مصاريف الالتزام بالإجراءات الوقائية ضمن ميزانية العائلة؟). الشيء نفسه يمكن قوله حول فحص PCR الذي تجاوزت تكلفته عشر آلاف دينار وtest antigénique الذي بلغت تكلفة قرابة 2500 دج، وتكاليف الفحص لدى الأطباء الخواص المتخصّصين في الأمراض الصدرية خصوصا، تحليل الميزانية التي خصصتها العائلات لمواجهة المخاطر الصحية والحذر منها بناء على دراسة ميدانية حول "تكاليف العلاج واستهلاكه" يمكنه أن يكشف -بناء على تصريحات شركاء البحث- عن تفاوتات بين الوحدات السكينة. ويمكن للدراسة الاقتصادية لهذه المعطيات أن تسهم أكثر في فهم السلوك الاستهلاكي الوقائي ومحّدداته زمن الجائحة.
18 المساكن التي تتراوح مساحتها ما بين 60 و80 م 2 وعدد افرادها يتراوح ما بين 5 و7 أشخاص.
19 نستعمل لفظ البيروقراطية وفق المعنى الفيبيري للمفهوم، ونشير إليه إجرائيا: بمجمل الفاعلين الرسميين الذين تدخّلوا في تسيير الأزمة الصحيّة، سواء من خلال التدابير التي عبّرت عنها مضامين قراراتها (نموذج الجريدة الرسمية والجائحة) أو تدابير الدوائر الوزارية وكل قنوات نشرها إعلاميا.