Sélectionnez votre langue

تقديـم

إنسانيات عدد 03 - 1997 | ذاكرة و تاريخ | ص01-05 | النص الكامل


 يوجد بين الذاكرة والتاريخ اختلاف واضح في المعنى والوظائف، لكن الاختلاف لا يبقى العلاقة بين المفهومين.

فكلمة الذاكرة لها معان متعددة، وهي تحيل أصلا إلى الفلسفة وعلم النفس غير أن علوما حديثة مثل الإعلام الآلي والبيولوجيا الحديثة والأنثروبولوجيا التاريخية أخترقت موضوع الذاكرة. فالحاسوب يمتلك ذاكرة وتعتبر "الشفرة الجينية" (code génétique) ذاكرة الوراثة. وفي الأنثروبولوجيا التاريخية، يتخذ موضوع الذاكرة الجمعية أهمية بالغة.

ففي المجتمعات التقليدية، خاصة تلك التي تكون ثقافتها شفوية، تأخذ الذاكرة الجمعية فيها شكلين تاريخين : ذاكرة إثنية وذاكرة أسرية وترتكز كل منهما على أمثولة الأصل(mythe d'origine).

إن ماضي هذه المجتمعات حافل بأساطير الأبطال والأجداد المؤسسين والتاريخ فيها يقتصر على الأنساب : أنساب الأسر الكبيرة والقبائل التي يتناقلها الأفراد جيلا عن جيل بهدف تأكيد هويتهم وتدعيم بُناهم الاجتماعية والاقتصادية.

وفي المجتمعات الحديثة، ظهر مفهوم الذاكرة الوطنية، بفعل نمو المذاهب القومية ونشأة الدولة الوطنية التي أسست المتاحف الوطنية وأقامت دور الأرشيف والمكتبات الوطنية وكرست الاحتفال بالأحداث والشخصيات عبر إقامة الأعياد الوطنية والنصب التذكارية. إن هذه المؤسسات تعتبر - عن حق - مواقع الذاكرة «Lieux de la mémoire» تضفي مشروعية على الدولة والوطن. وتنظر القوى الاجتماعية والسياسية للذاكرة الجمعية، على أنها رهان هام تسعى إلى كسبه عبر الصراعات من أجل السلطة والنفوذ.

ويعني التاريخ شأنين متلازمين : مجموع أحوال البشر في زمن ماض ومجموع معلوماتنا حول تلك الأحوال. وإذا قلنا إن التاريخ بشري بالتعريف فذلك لا يعني كما تصوره المؤرخون التقليديون أن مادته هي بالضرورة "أعمال الأبطال". فالمدارس الحديثة في التاريخ لا تدرس الإنسان كفرد - رغم أهميته في صنع التاريخ - إنما تدرس التاريخ الاجتماعي (Histoire sociale) أي الإنسان كعضو في جماعة مهما كانت طبيعتها، فالتاريخ - مع ذلك - ليس هو الماضي، بل الماضي- الحاضر (Passé-Présent) لأنه حاضر بمعنين على الأقل:بشواهده وفي ذهن المؤرخ. إنه "عالم ذهني يستنبط في كل لحظة من الآثار القائمة" (العروي : مفهوم التاريخ).

إن عمل المؤرخ يتمثل في إعادة بناء الماضي باستمرار على قواعد موضوعية ومناهج علمية. يقول البعض : إن ربط الماضي بالحاضر يؤدي حتما إلى ذاتية المعرفة التاريخية. فكل معلومة ملونة بدواعي الحاضر وأغراضه محرفة. صحيح أن التاريخ معرفة نسبية مثله مثل العلوم الاجتماعية الأخرى. ولا يعود ذلك إلى نقص في بنية هذه العلوم بل إلى أنها تدرس واقعا متغيرا هو الإنسان. ومع ذلك، فالتاريخ مطالب باستخراج الثوابت ورصد القوانين. إنه يقيم الفرضيات ويقوم على استنباط مثله مثل العلوم الإنسانية الأخرى.

يتضح من هذا التعريف السريع لمفهومي التاريخ والذاكرة :
أن الفرق بين الذاكرة والتاريخ واضح. يخطئ من يعتبرهما إسمين على مسمى، عملة ذات وجهين. يتجه بعض الباحثين العاملين في حقل الأنثروبولوجيا- بصفة خاصة- إلى اعتبار الذاكرة أقرب إلى الحقيقة لأنها "الواقع الحي" بينما التاريخ لا يعدو أن يكون مجرد "ذاكرة مصطنعة" أو توظيفا لها.

صحيح أن المؤرخ - وهو يؤرخ أي يعيد بناء الماضي البشري لا يمكنه أن يتجرد من بيئته الاجتماعية ومن تصوراته حول الإنسان والكون، لكن عمله يرتكز أساسا على معيار الحقيقة. فالمؤرخ الذي يجعل من خدمة السلطة ديدانه هو في الواقع خادم لها تخلى عن خدمة الحقيقة إنه يحكم بأهوائه وفي هذه الحالة، يبتعد عن شروط المهنة التي تقتضي الالتزام بالوثائق واستعمال المناهج الجادة وتحديد الإشكاليات الصريحة. أما المؤرخ الذي يتقيد بأصول المهنة، فله الحق أن يفسر الأحداث والظواهر وفقا لرؤيته التاريخية وتصوراته للمجتمع والإنسان لا يحتاج إلى "وكيل" أو "منقذ من الضلال" يضع له خطا يسير عليه أو برنامجا يهتدي به.

إن الذاكرة التاريخية - موروثا روائيا كانت أم وثائقا - تمثل المادة الخام للتاريخ، بدونها لا يمكن إعادة بناء الماضي البشري- إنها مثل التاريخ تحيل إلى الماضي غير أنها نتاج اجتماعي يرتبط بالمخيال ويقوم على الانتقاء. فالمؤسسة السياسية والقوى الاجتماعية على السواء - تعرض الذاكرة باستمرار إلى التوظيف أكثر مما تعرض التاريخ. أما المؤرخ، فيتعامل معها تعامل المحلل - الناقد يهدف إلى تمييز الحقيقة من الخيال، يدرس ظروف تشكيلها ويستخلص أبعادها التاريخية ووظائفها الاجتماعية.

في هذا العدد من "إنسانيات"، نقترح على القارئ سبع دراسات تتناول قضايا تتصل بالذاكرة والتاريخ. وقد حرص أصحابها على معالجتها بمناهج وأدوات تحليلية تجمع بين "التاريخ والأنثروبولوجيا، في ظرف يتميز بجدل مستمر حول كتابة التاريخ الوطني" أو "إعادة كتابته"، يشكل التناهج(interdisciplinarité) مقاربة ضرورية لتجديد الدراسات التاريخية في الجزائر. فالمؤرخون الجزائريون مطالبون بتجاوز السجال المجرد مع ما سمي "بالمدرسة التاريخية الاستعمارية" وتطوير مناهجهم وتوجيه أبحاثهم نحو "تاريخ بديل حقيقي" يتم تلخيصه من الأفكار المبتذلة ومن مصادفات التجميع.

يتعرض السيدان حسن رمعون وفؤاد الصوفي في بحثيهما[1] إلى تأثير المؤسسة السياسية على الإنتاج الأسطوغرافي. إن تحليل مكانة المؤسسات في تنظيم المعرفة التاريخية ونشرها عبر المدرسة ووسائل الإعلام ضروري لفهم آليات صنع الذاكرة سواء كان ذلك في العهد الاستعماري أو ما بعده، أي عهد الاستقلال.

أما السيدة مليكة القورصو والسد رضوان عيناد ثابت[2]. فيتناولان في بحثيهما ظاهرة "النسيان" وكيفية "التعتيم" في عملية إنتاج المعرفة التاريخية. إن مشاركة المرأة الجزائرية في حرب التحرير أمر بارز في الخطاب السياسي الرسمي لكن نادرا ما نجد له مقابلا في الإنتاج الأسطوغرافي الخاص بالثورة المسلحة. إن هذا التغييب يهدف في الواقع إلى تهميش المرأة الجزائرية في الحياة الوطنية بقصد الحيلولة دون رقيها الاجتماعي. ويؤكد الخطاب التاريخي الاستعماري أن مدينة سيدي بلعباس وناحيتها تشكلتا في العهد الفرنسي. أما الآثار والحفريات فتشير إلى عكس ذلك. فالمنطقة تمتاز بتاريخ عريق يؤكد مساهمة سكانها في المقاومة المناهضة للاستعمار وفي حرب التحرير.

وتعود بنا دراسات السادة محمد غالم وصادق بن قادة ووردة ثنقور[3] إلى القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، عبر قراءة سوسيو-ثقافية لوثائق محلية ذات فائدة واضحة في كتابة التاريخ السياسي والتاريخ الثقافي.

إن الزلزال ظاهرة تحتل مكانة هامة في المعتقدات الشعبية لأنها تحيل إلى الأساطير الخاصة بنشأة الكون. إننا أمام ذهنية جماعية عريقة يتوجب دراسة نفوذها الحقيقي وتحيل أبعادها الأنثروبولوجية.

وتلعب وثائق مثل سجلات القضاء الشرعي دوارا في التعريف بالأسر والشخصيات التي احتلت مكانة بارزة في التاريخ الثقافي مثل الأديب والمؤرخ "مسلم بن عبد القادر" الوهراني".

و تكشف "أغنية قالوا لعرب قالوا" هوية متبلورة حول صورة صالح باي، هوية ثقلا تاريخيا تتداخل فيه المصالح الاقتصادية بالعوامل الأثنية والاجتماعية والدينية.

يجد القارئ في هذا العدد، إضافة إلى الدراسات الخاصة بالذاكرة والتاريخ، بحوثا أخرى تتناول "البحث الهوياتي والدولة الوطنية" (أمزيان فرقان) و"الولاية والتصرف : مساهمة في دراسة الطرق الصوفية في الجزائرالعثمانية" يقدم فيه كمال فيلالي قراءة جديدة لتاريخ الجزائر خلال العهد العثماني ثم عروضا عن وثائق تاريخية "سجلات المحاكم الشرعية" أو كتب نشرت مؤخرا أو ملتقيات نظمت في وهران أو خارجها.

محمد غالم


الهوامش

[1] ف. الصوفي : الذاكرة والتاريخ : الأسطوغرافيا الاستعمارية (بالفرنسية).
ح. رمعون : التاريخ الوطني والمؤسسات السياسية الهوياتية...

[2] م. القورصو : ذاكرة مناضلات الحرب التحريرية... (بالفرنسية) ر.عيناد ثابت : سيدي بلعباس : في الأساطير المؤسسة للاستعمار والتاريخ الوطني (بالفرنسية).

[3] م. غالم : ظاهرة الزلزال في الأسطوغرافيا الجزائرية التقليدية.

ص. بن قادة : أضواء ديدة حول شخصية مسلم بن عبد القادر.

وتنقور : صالح باي ومدينة النسيان (بالفرنسية)

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche