The phenomenon between normativity and objectivity in Khalil El Farahidi Abstract: The aim of this work is to show how El Khali El Farahidi managed from a historical point of view to found the first scientific concepts in the study of language practices on an individual level. This is born out through the production of speech as the bias of language, in so much as physical organ and also on the cultural level by the bias of social practices which condition discursive expressions from a dialectal view point in a multi racial society lake Moslem society. Key Words : Normativity – El Khalid El Farahid – Words – Phonetic – Language – Islam – Identity – Ideology. |
Djaafar YAYOUCHE : Professeur à la Faculté des arts, Université de Mostaganem, 27 000, Mostaganem, Algérie.
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.
تمهيد :
إن البحث في تاريخ علم من العلوم، لدى شعب من الشعوب،أواستقراء مراحل تطور ذلك العلم عبر حضارة ما، لهو في الحقيقة،إعادة تركيب البناء المنطقي، وصياغة الجهاز المفاهيمي لإنسان تلك الحضارة من خلال الوقوف على (العلة) الأولى التي وجهت المسار وحددت الغاية..
إن العرب في جاهليتهم لم يكونوا أمة ذات بال وشأن،وكانوا قوة كامنة موجودة في حالة (طاقة كامنة) في شبه الجزيرة العربية،التي انزوت في الجنوب بعيدة عن تأثيرات الحضارات السابقة كاليونانية والفارسية والمصرية والهندية والصينية، بمعنى آخر كان العرب أمة عذراء مازالت تختزن (طاقتها الحيوية) التي تنتظر الشعلة المفجرة لتحررها وتخرجها إلى عالم الموجودات بالفعل. الروح العلمية إذن، لم تتولد إلا مع أول سورة نزلت في غار حراء المبتدئة بقوله جل شأنه : (أقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق. إذ تعتبر سورة (العلق) بمثابة نقطة الانعطاف التي أحدثت تغيرا جذريا في المسيرة التاريخية لأمة (أمّية) كانت في إطار جغرافي ـ زمني ـ، وكأنها لا علاقة لها بما يدور حولها في العالم.
ولكن هذا التوجيه إلى القراءة القائمة على أساس التوحيد، ليُعد الدعامة الإسنادية الرئيسة لظهور حضارة إنسانية جديدة في خصائصها وفي غايتها.. واللغة التي نزل بها القرآن الكريم هي (الوعاء) الذي حددت فيه صيغة العقل العربي المسلم، إذ العربية هي اللغة الجديدة والتي من خلالها ستحدد آليات الفكر الحضاري الجديد..
إذن الإطار الفكري الجديد هو (اللغة العربية) التي كانت بل ومازالت تملك خاصية القدرة الإبداعية الواسعة، وهكذا أضحى التفكير الحضاري الجديد يتم داخل هذا (الإطار)، وبواسطة هذه اللغة ذاتها، ومن الدلالات الواضحة على أن اللغة العربية أسهمت في تحديد نظرة الإنسان المسلم إلى الكون وتصوره له ككل وكأجزاء، هي ـ أي الدلالة ـ ذلك العمل العلمي المنظم الذي تم في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، المتمثل في جمع القرآن الكريم وتدوينه في مصحف، وهذا من أجل حفظه من اختلاط القراءات الصحيحة والشاذة ببعضها ودخول اللحن فيه، فاللغة هي الأصل أو القاعدة المرجعية التي يعتمدها المفسِّر أو الفقيه أو المحدث أو كاتب السيرة في فهم النص واستخراج الدليل واستنباط الحكم.
هذا العمل التاريخي، نقل اللغة العربية من مستوى (الفطرة) و (الطبع) إلى مستوى (الكسب)، أي الانتقال بها من مستوى (السماع) و (المشافهة) إلى مستوى (الفهم) و (الكتابة)، وهكذا صار لنا محيط اجتماعي ـ ثقافي مركز اهتمام المستقطب لكافة أنواع الأبحاث العلمية واحد، هو (النص) القرآني العربي المبين.. والذي في إطاره حدد (المفهوم) و(المنهج) الذي ينبني عليهما (العلم).
من زاوية أخرى وبمعنى مقابل، التفكير لا يكون إلا من خلال منظومة مرجعية تتشكل إحداثياتها الأساسية سلفا من محددات هذه الثقافة القائمة على منظومة القيم العقدية التي أعلنت العهد الجديد للقراءة العربية من هنا نطرح سؤالنا الذي هو مفتاح المجال الدراسي الذي نريد تناوله في هذا السياق :
ـ ما المبررات العلمية لدراسة موضوع (الصوت) في اللغة العربية اليوم ؟ خاصة إذا علمنا أن علماء العرب القدامى قد تناول هذا الجانب، أو هذا المستوى من البناء اللغوي، ولكن إلى أيّ مدى وصلوا ؟
الجواب، معظم دراسات القدامى كانت منصبة على زاوية واحدة، وهي الأصوات: مخارجها وصفاتها؛ والحروف: مخارجها وصفاتها وطبيعتها..
ولكن، ألم تكن الدراسة الصوتية في اللغة العربية من الناحية الوظيفية دالة على رؤية (معرفية) جديدة لمفهوم اللغة العربية وماهيتها وأصل نشأتها ؟ ألم تكن المسألة ذات علاقة بالمجال المعرفي الجديد للحضارة العربية الإسلامية ؟ هذا ما نريد الإجابة عنه في هذا البحث.
- الموضوع :
1.1. المحاكاة الطبيعية :
إن العلم يدرس الظواهر المتنوعة في الكون، ليكتشف قوانينها والروابط المنطقية بين السبب والحادث ليصل إلى علاقة ثابتة تقوم عليها ظواهر الطبيعة(القانون)، إذًا، كيف يمكن دراسة الصوت اللغوي العربي ؟ إذا أردنا معرفة نشأة اللغة العربية، وبأي سلاح علمي يمكن لنا إعداده كي ندرس اللغة العربية على مستوى الأطروحات الفلسفية :
(المتى) و(الأين) و(الكيف) و(الجوهر) ؟..
يقول باشلار في كتابه الفكر العلمي الجديد" و يبدو لنا من الأدق أن نقول إن كل إنسان يجهد للتحلي بثقافة علمية يستند لا إلى نوعين من الميتافيزياء (…) يرتبطان بهدوء في الفكر العلمي الحديث بمصطلحين معروفين في الفلسفة المدرسية باسم المذهب العقلي والمذهب الواقعي[1]". وعلى هذا الأساس،سنتبع في دراستنا هذه منهج (العلم) ومنهج (التاريخ)، فالمنهج العلمي نستعمله للتجريد والبحث عن القوانين وعن الدقة والضبط في الأشياء التي يمكن قياسها، أما المنهج التاريخي نحاول بواسطته إعطاء وصف متكامل لموضوع الدراسة وليس بمعالجة التتابع الخطي الإنسيابي لتطور الظاهرة، وعليه سنضع موضوع الدرس الصوتي العربي في حقل الدراسات الأنثروبولوجية الثقافية.
لو ننظر إلى اللغة العربية في واقعها الطبيعي، المتمثل في ذلك المحيط الجغرافي المنعزل عن بقية العالم، نجد أن الإنسان العربي كان يعيش حالة الرتابة والهدوء، بل حتى سلوكه كان على نمط واحد ،ولغته كانت تأخذ مادتها اللغوية من المظاهر الطبيعية البسيطة،مثل: الرمل، الشمس، القمر، السماء، الأرض، النجوم، النخيل، الناقة،الذئب، الأفعى، الريم، الجبل، الفرس…إلخ، وكذلك من الواقع الاجتماعي المتمثل في:المرأة الأطلال، القبيلة، الحياض، العهد، الحرب، السيف، الرمح، القوس…إلخ، كل هذا كان المادة الخام للغة العربية الجاهلية ؛ فهذه الثقافة الصحراوية ولدت زمنا ثقافيا ثابتا لا شعوري،حركته تراوحية (حركة اعتماد)[2] ـ أي حركة الشيء في موضعه (حركة التوتر الكامنة في الجسم المعد للإطلاق) ـ لا (حركة نقلة)[3] فاعلة مغيرة، تنقله من زمن إلى آخر، ومن ثمة تتغير دلالة (الزمن)، لأن (الحركة) دالة على (التفاعل) وعلى (التغير) من نقطة (أ) إلى نقطة (ب)، ومن هنا جاء مفهوم (الزمن) الذي هووليد (الحركة) ومفهوم (المكان) الذي هو وليد الهندسة الحركية للأشياء.
هكذا غـدت المسألة اللغـوية ـ العربية ـ من مباحث الفيزياء المكانية والزمانية، ولكن هل نتعامل معها كـ(شيء)، أم نتعامل معها كـ(كائن) حي ؟ بخاصة إذا علمنا أن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي لم تتغير خصائصها وقواعدها على المستوى السطحي أو على المستوى العـميق لبنيتها.
فهل هذا معناه أن هذه اللغة الثابتة غير قادرة على الإبداع والتطور ؟ أم العكس، تملك خاصية التوليد الإبداعي ولها القدرة على مسايرة التقدم الفكري والعلمي للإنسان المعاصر ؟.. إن عنصر (الحركة) و(السكون) هما الظاهرتان الطبيعيتان اللتان سيطرتا على عقل الشاعر الجاهلي ونفسه[4]، ولهذا لم يخرج عن إطارهما في جميع إصداراته الشعرية، بالإضافة إلى عنصر (الصوت) و(السمع)[5]، إذ كان الشاعر الجاهلي يستعمل حاسة السمع كآلة لمحاكاة أصوات الطبيعة وحركاتها بواسطة اللغة، وهذه المحاكاة كي تكون صحيحة تتطلب من الإنسان إدراك النسب المتقاربة في الحركة الصوتية بين الأشياء المتحركة في الطبيعة، ولذا استطاع الشاعر العربي أن يبدع كلاما يعتمد على (الوزن) و(القافية)، وخاصة إذا علمنا أن (الوزن) هو صورة التفعيلة التي نهتدي بها إلى معرفة البحر، أما (الإيقاع) فهو (الجرس) الموسيقي وحركة الأصوات الداخلية الناتجة عن (النبر) الخاص بـ (المقاطع الصوتية) للكلمات، بل هو أي الإيقاع (الروح) التي يحملها ذلك (الهيكل) ..
ولما جاء القرآن الكريم أحدث (حركة نقلة) لهذا الإنسان العربي الذي مازال على (الفطرة)، وغيّر من خصائصه النفسية والعقلية من خلال مخاطبته بلغته العربية،معتمدا في ذلك استعمال تلك الأدوات والآلات الصوتية التي ألفها سمع الشاعر الجاهلي المتمثلة في (الإيقاع) أو لنقُل (الجرس) و (الوزن) و (القافية)، واستعمال الصور والمشاهد (المتحركة) و(الساكنة) بل و(الألوان) خاصة في النزول المكي..
ربما الآن بدأت الخيوط الأولى للمسألة تتضح، وهل هذه هي الأسباب التي دفعت بالخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ / 790 م)[6] إلى أن يقلب هرم اللغة العربية ؟ وهل هذا هو السبب ذاته الذي أدى به إلى دراسة الشعر العربي واكتشاف أوزانه وبحوره قبل أن يضع كتاب (العين) ؟
لأول وهلة، يظهر لنا الخليل وكأنه مازال يتحرك في نفس المجال الزمني والذوقي الذي كان يحياه الإنسان الجاهلي ؛ فعنصر (الصوت) و(السمع) الفطريان مكناه من استخراج الدوائر العروضية للشعر العربي، بل وعنصرا (الحركة) و(السكون) هما الأساس في هذا الاكتشاف..
إن الخليل، تناول اللغة بالدرس من القاعدة، وليس من قمة الهرم، كما فعل من سبقه من علماء اللغة؛ فبدأ الدرس اللغوي بما يجب أن يبدأ به، بدأه بدراسة الأصوات (الحروف) التي تتألف منها مفردات اللغة؛ فمن الناحية المنهجية (الميتودولوجية)، الواقع الإجرائي للغة يفرض هذا الأساس كمنطلق قاعدي، لأن الجانب المادي هو المدرك بالدرجة الأولى من قبل الحواس وخاصة (السمع) الذي يستقبل (الصوت) المرسل المسموع، أما من الناحية المعرفية (الإيبستيمولوجية) ألا يدل هذا على وجود نظرية معرفية قائمة بذاتها ؟
القرآن الكريم كان يحفظه الناس عن طريق (التواتر السمعي) في صدورهم ؛ فهل هوـ أي القرآن ـ المحدّْد لآليات التعامل مع اللغة العربية ؟ ولماذا القرآن الكريم يسبّق ذكر (السمع) على (البصر)، كحواس ونوافذ لعقل الإنسان على العالم الخارجي المحسوس ؟ هل هذا مجاراة لطبيعة ذلك العـربي الجاهلي الذي يتذوق الكلمات ؟ أم أن المسألة، مسألة نظام معرفي جديد ؟ البعض قد يتساءل، ما علاقة هذا بموضوع الدرس الصوتي اللغوي العربي ؟ ونحن نقول : ما هو ذلك الشيء الذي دفع الخليل ليشك في صحة النظام الأبجدي والألفبائي الذي سبقه مَنْ قبله بوضعها ؟
يتبين مما سبق ذكره، أن الخليل هو من الأوائل الذين أدركوا أن أصل اللغة محاكاة للطبيعة، بمعنى أن أول أمرها بالمماثلة لأصوات المسموعات،ثم تطورت حتى تباعد ما بين مدلولاتها الحسية الأولى ومدلولاتها المعنوية التي آلت إليها، كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيح الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس و نزيب الظبي ونحو ذلك ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعـد[7]". فهذه النظرية تبسط أولا من خلال مجهر الزمانية في البحث عن نقطة التولد في أصل النشأة[8] وينزل الخليل قضية المحاكاة في سياق التماثل الحاصل بين الألفاظ والمعاني على أساس (المضهاة) بين أجراس الحروف وأصوات الأفعال التي تعبر الأجراس عنها[9]، و هو مبدأ يطلق عليه اصطلاحا لفظ الاتفاق والتناسب[10] وحينئذ تغدو قضية التماثل مظهرا دلاليا في ارتباط الدوال بالمدلولات،ولعله الأول القائل بهذا الرأي بين علماء العربية، ولم يسبقه غيره إليه[11] ومن الأمثلة التي استشهد بها الفراهيدي على وجود العلاقة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله قوله:"صرّ الجندب صريرا، وصرر الأخب كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدّ وتوهموا في صوت الأخطب ترجيعا[12]". وقال : "يقولون : صل اللجام صليلا ؛ فلو حكيت ذلك وتثقلها، وقد خففتها من الصلصلة، وهما جميعا صوت اللجام ؛ فالتثقيل مدّ،والتضعيف ترجيع"[13].
فقد أدرك الخليل أن الاختلاف بين اللفظين الدال أحدهما على صوت الجندب والدال ثانيهما على صوت الأخطب، يرجع إلى اختلاف بين طبيعتي الصوتين، وليس هذا الصوت الممتد في (صرّ) بالتشديد إلاّ استشعارا بما في صوت الجندب من استطالة وامتداد، وليس الصوت المقطع في (صرصر) بالتضعيف إلاّ حكاية لما في صوت الأخطب من تقطيع، وهذا التقطيع متمثل في هذا اللفظ المرجع المكون من مقطعين هما:/ صَرْ/ / صَرْ/، ومثل هذا في صل وصلصل في صوت اللجام، وهذا يظهر المحاكاة سواء ظهر الانسجام كليا بين الدال والمدلول[14] أو اقتصر على جزء من مركبات الدال فسحب[15]، صَوْتَمًا كان أم مقطعا[16].
فالمنطلق عند الخليل هو فكرة "المضاهاة" ثم تتركز نظريته على ما يسمى بـ (إمساس الألفاظ أشباه المعاني)[17] أو"سوق الحروف على سمت المعنى المقصود"[18] بمعنى مساوقة الصيغ للمعاني[19]، ومقيما مبدأ التعديل والاحتذاء [20]ثم فكرة تقارب الحروف بتقارب المعاني.
وعليه يمكن تحليل نظرية المحاكاة هذه عند الخليل بن أحمد الفراهيدي إلى جملة من المراتب:
أولها : مرتبة المحاكاة الصوتية وتتمثل في ملاحظة تسمية الأشياء بأصواتها كالجندب لصوته و الأخطب لصوته.
ثانيهما :مرتبة المحاكاة البنائية، وذلك بأن يصور هيكل اللفظ جملة دلالته أو أن ينعكس بناؤه مراحل معناه؛فيأتي اللفظ حاكيا مدلوله بمجرد قالبه اللغوي المحسوس ؛ فمن ذلك المصادر التي تتأتى على وزن فعلان، مما توالت فيه الحركات للدلالة على الحركة والاضطراب، كالغليان والطوفان والجولان،حيث يكون التقلب والتحرك والاضطراب.
وفي هذه المرتبة من المحاكاة البنائية حاول الفراهيدي تحليل الصيغ الصرفية المزيدة للغوص في سر التآلف بين بناء المسموع اللغوي ومدلوله، ومن هذا دلالة ما زاد على البناء زاد على المعنى في إشارته إلى الفرق بين نون التوكيد الخفيفة والثقيلة عندما قال:" إنهما للتوكيد، كما التي تكون فصلا ؛ فإذا جئت بالخفيفة فأنت مؤكد، وإذ جئت بالثقيلة فأنت أشد توكيدا."[21]
ثالثها : أما المرتبة الثالثة من مراتب المحاكاة هي ما يطلق عليها اصطلاحا "المحاكاة التعاملية"[22] وتقوم على ضرب من تعامل دلالة الأصوات الفيزيائية ودلالة الهيكل الوزني لقوالب الألفاظ، ومن نماذجها : فعل صرّ الذي يطلق على صوت الجندب استشعر فيه من مدّ واستطالة، وفعل صرصر الذي خص به صوت البازي الذي يلهج به صوته المستطيل[23]
رابعها : ولآخر مراتب المحاكاة ما يتنزل على مستوى التركيب السياقي، وهو عبارة عن تجاوز ظاهرة المحاكاة منزلة الألفاظ عندما تتفاعل في صلب الخطاب لبناء التركيب الإبلاغي أو الإنشائي ؛ فهو إذن خروج من مستوى جدول الاختيار إلى جدول التوزيع خاصة في عملية الاشتقاق المؤسسة على قاعدة التقليب الجذري الرياضية المحض.
الخليل بعلمه هذا،استطاع أن يعطي نظريته هذه حسية المنشأ والممارسة بعدها اللساني من خلال ربط مستوى الأبنية الحسية للكلام بمستوى البناء الدلالي في اللغة، وهنا نصل إلى مبحث في غاية الأهمية وهو الجانب المعرفي من النظرية الخليلية (نسبة إلى الخليل).
2.1. البناء المعرفي الخليلي :
يعد الخليل بعلمه الإبداعي أول ممثل لنظرية التشريع الوضعي للغة ويتمثل ذلك في ابتداعه لأصوات اللين القصيرة، وهي:
(الحركات) رموزا تتميز بها، وليست الحركات إلا أصواتا لينة لا تختلف عن الألف والواو و الياء إلا من حيث الكم، فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، وقد قال الخليل في هذا :"الفتحة من الألف والكسرة من الياء والضمة من الواو"[24].
وفي هذا المقام قد ربط الخليل الخط بالصوت، أوقد حاول ذلك، إذ من خصوصيات الكتابة العربية تنفصل فيها عناصر اللفظ وأصوله وهيآته (الحروف والأوزان) عن علامات المعنى ومحدداته (الحركات) وهو بهذه العملية الإجرائية قام بـ(الوصل) بين (المبنى) و(المعنى)، لأنه أدرك لو لا الدلالة الذاتية للفظ في مستواه الصوتي على معناه، لكان ترجيح معنى لفظ بازاء معاني أخرى ترجيحا بلا مرجح، و هو محال[25] ؛ فموضع (الحركات) على (الحروف) معناه إعطاؤها قالبا منطقيا، ولكن الاستفادة من صيغة هذا القالب المعـلقن تتم بـ (النطق) وهذا يدخل في باب العلوم المشاهدة ـ أي المعارف الحسية ـ لأن الخليل يرى أن المستوى الصوتي الذي هو الأصل والأساس والسند والقاعدة الذي يتم فوقه إرساء البناء اللغوي، لا مجال للاعتباطية فيه، بل تغلب عليه القصدية والوظيفية.
إذن ربط الأصل اللغـوي بالموضع الحسي هو إشارة إلى المعنى المقصود في إطار البيئة العربية الجاهلية قبل الاختلاط، وبهذا هل كان عمل الخليل يريد تأكيد الطبيعة الحسية للغة العربية ؟.. ولقد قال أحد المعاصرين أن الكلمة التي لا يمكن إرجاعها إلى صورة صوتية مقتبسة من الطبيعة، وفي حدود الصناعة العربية، لهي كلمة دخيلة على العربية[26] وهل هذا يعني أن الخليل هو واضع أسس المعرفة الواقعية الحسية؟ ومن ثمة وضع المذهب الواقعي للتفكير ؟ بمعنى أن يكون المنطق في خدمة الواقع وليس العكس ؟
إذن الخليل (وصل) بين مذهبين مختلفين في نشأة اللغة؛ فهو عندما يدلل على وجود العلاقة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله ؛ فإنه من أنصار النظرية الطبيعية، وعندما يبتدع الحركات، فإنه من أنصار المذهب الوضعي أو (مذهب الوضع) في اللغة وهكذا تنتفي المناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، ولكن هذا تعارض ظاهري، فالخليل وجد أن الصوت هو أصل الحرف والحرف أصل اللفظ واللفظ أصل الكلام، والكلام مادة اللغة، وبما أن هناك مستوى من المسموع يدرك سماعا ولا يكتب ابتكارا له رموز دالة عليه ليعرف أحوال اللفظ ومقاماته المختلفة.
إذن البناء المعرفي الخليلي للصوت العربي كالآتي :
كأن الخليل كان يؤسس لعلم الفيزياء الصوتية عندما كان يختبر الأصوات على مستوى علاقة اللفظ بالمعنى، لأنه جعل مفهومه لفيزيائية الصوت، ولتصنيفه لمخارج الحروف على أساس مناطق النطق الفيزيولوجية دعامة لعلم فقه اللغة. ومن هنا تأتي مسألة المنهج الذي اتبعه الخليل ليؤكد صحة رأيه ؛ فهل كان منهجه معياريا أم كان موضوعيا ؟
3.1. الإطار المنهجي :
التفكير العلمي يبحث في (الكم) و( العلاقة) و(الحالة)، ومن ثمة يستطيع بناء الحوادث الطبيعية في أطر عقلية بمشاركة المعطيات الحسية وبلغة الكم، وعليه سنرى أن المنهجين اتبع الخليل في دراسته الصوتية للغة، المنهج المعياري أم المنهج الموضوعي ؟ وحتى نتمكن من الكشف عن ذلك لابد من النظر في كيفية والوسيلة اللتين استعملهما الفراهيدي.
أ. على مستوى الكيفية :
لقد أقام الخليل قطيعة معرفية (إيبستيمولوجية) بينه وبين مَن سبقوه في دراسة اللغة، إذ خالف الترتيب الهجائي أو الألفبائي الذي وضعه نصر بن عاصم[27]، ورتب مواد معجمه (العين) ترتيبا مخرجيا (صوتيا)، ولم يستطع الوصول إلى هذا النظام المعجمي الجديد إلا باستعماله وسائل جديدة فما هي ؟
ب. إذا على مستوى الوسيلة:
1ـ (الحركة) و(السكون) : كمفهومين فيزيائيين، استعملهما الخليل لدراسة الشعر والموسيقى وبعد ذلك اللغة العربية، إذ استطاع أن يكتشف (الإيقاع) و(النغم) و(الوزن) في الشعر بل وفي النثر أيضا وإلا كيف التمييز بين الأسماء المشتقة عن طريق (الإصاتة) لو لم تكن لها أوزان معلومة أساسها الحركة والسكون مثل : "فاعل" (الألف) للفعل كقاتل، و"مفعول (الواو) للانفعال كـ "مجروح" و"فعيل" (الياء) للفعل ككريم أو للانفعال كـ "قتيل" و" فعال" (الشد والألف) للفعل مع الكثرة كـ "سبّاق " و" أفعل " (الهمزة ) للتفضيل كأحسن وغير ذلك، وهكذا فالصورة الصوتية هي التي تعطي للمشتقات دلالتها المنطقية، وهذه دلالة أخرى على ثبات العلاقة بين (الصوت ) و( المعنى).
2ـ (الطبيعة) الصحراوية مخبر التجربة : وما هو عن الخليل، أنه خرج إلى البادية، بادية الأعراب في الجزيرة حيث (الفصاحة) و (السلامة) من اللحن ؟ فاختبر كلامهم ؛ فوجده طليقا بيّنا بيانا تاما ؛ فاستطاع إدراك مبتدأ الكلام ومنتهاه وتذوق الحروف وأدرك مخارجها[28]، وهو بذلك يدرس اللغة دراسة إجرائية ميدانية حتى تمكن من حصر كافة المظاهر الكلامية للغة العرب المستعمل منها والمهمل ؛ وبهذا استطاع جمع اللغة وهيكلة معجمه (العين) إذ فرض النظام على شتات اللغة، انطلاقا من العالم الواقعي المشخص وصولا إلى العالم الرياضي الصوري، وهو بهذا جعل (السماع) من الأعرابي الأمي أساس قياس درجة الفصاحة في الكلام أي أن اللغة تجمع مادتها من المنطوق الذي يمثل الأصل وليس من المكتوب الذي هو فرع لاحق.
3ـ ( الإحصاء) و(الكم) : نعلم جيدا أن الخليل ( أحصى) كلام العرب على أساس حروف الهجاء التسعة والعشرين ؛ فوجدها ـ أي لغة العرب ـ ثنائية أو رباعية أو خماسية أما (التكميم الرياضي) نجده في قوله :"اعلم أن الكلمة الثنائية المضاعفة تتصرف على وجهين، نحو قدّ ودقّ، وشدّ ودشّ، والكلمة الثلاثية تتصرف على ستة أوجه تسمى مسدوسة، وهي نحو : ضرب، رضب، ربض، ضبر، برض، والكلمة الرباعية تتصرف على أربعة وعشرين وجها، وذلك أن حروفها وهي أربعة أحرف ضربت في وجوه الثلاثي الصحيح، وهي ستة ؛ فصارت أربعة وعشرين وجها، يكتب مستعملها ويلغي مهملها (…) والكلمة الخماسية تتصرف على مئة وعشرين وجها وذلك أن حروفها وهي خمسة أحرف، ضربت في وجوه الرباعي وهي أربعة وعشرون وجها ؛ فصارت مئة وعشرين وجها، يستعمل أقله ويلغي أكثره"[29].
ونجد ابن خلدون في كتابه المقدمة يذكر أن الخليل تأتى له حصر كلمات المعجم بوجوه عديدة وذلك بقوله :"وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي، وألف فيها كتاب العين ؛ فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها، من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي، وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي، وتأتى له حصر ذلك بوجوه عـديدة حاصرة، وذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع الأعداد على التوالي من واحد إلى سبعة وعشرين، وهو دون نهاية حروف المعجم بواحد، لأن الحرف الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة والعشرين كذلك، ثم الثالث والرابع، ثم يؤخذ السابع والعشرون مع الثامن والعشرين، فيكون واحدا، فتكون كلها أعداد على توالي العدد من واحد إلى سبعة وعشرين فتجمع كما هي بالعمل المعروف عند أهل الحساب وهو أن تجمع الأول مع الأخير وتضرب المجموع في نصف العدة، ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي، لأن التقديم والتأخير بين الحروف معتبر في التركيب، فيكون الخارج جملة الثنائيات، وتخرج الثلاثيات من ضرب عدد الثنائيات فيم يجتمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العـدد، لأن كل ثنائية تزيد عليها حرفا؛ فتكون ثلاثية ؛ فتكون الثنائية بمنزلة الحرف الواحد مع كل واحد من الحروف الباقية، وهي ستة وعشرون حرفا، بعد الثنائية ؛ فتجمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العدد، ويضرب فيه جملة الثنائيات ثم تضرب الخارج في ستة، جملة مقـلوبات الكلمة الثلاثية ؛ فيخرج مجموع تركيبها في حروف المعجم وكذلك في الرباعي والخماسي[30].
ويمكن لنا أن نخلص ما قاله الخليل وما توسع ابن خلدون في شرحه وبيانه في هذه الجداول الآتية :
أما ما قاله ابن خلدون في عبارته "فتجمع كما هي بالعمل المعروف عند أهل الحساب وهو أن تجمع الأول مع الأخير وتضرب المجموع في نصف العدة، ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي، لأن التقديم والـتأخير بين الحروف معتبر في التركيب فيكون الخارج جملة الثنائيات".
ويمكننا شرح هذا بالطريقة الحسابية التالية :
أما بالنسبة للجداول التي وضعناها وكيف تنتج منها الثنائيات والثلاثيات والرباعيات والخماسيات يمكن شرحها بمثال على الشكل الآثي :
ألا نلاحظ هنا أن الخليل بن أحمد الفراهيدي بعمله هذا أرسى القواعـد الحقيقية لعـلم العـدد (الأرتميطيقي) الذي يعد المدخل لعلم الجبر ومنها موضوع المتواليات الحسابية، بل نجده كذلك منظر نظرية المجموعات في صيغتها المعاصرة ؛ ومن ثمة أليس هذا مظهرا من مظاهر الموضوعية في مبحث الدرس الصوتي عند الخليل الفراهيدي.
4ـ (التصنيف) و( الترميز) : عندما أحصى الخليل كلام العرب في(الثنائي) و(الثلاثي) و(الرباعي) و(الخماسي)، إنما قام في واقع الأمر بتصنيف مادة معجمه اللغوي إلى فئات (مجموعات)، وذلك بأن يبدأ بالثنائي ثم الثلاثي ودواليك، قام كذلك بتصنيف عناصر معجمه حسب المخرج، إذ يبدأ بالحلقي ثم اللهوي ثم الشجري ثم الأسلي ثم النطعي ثم اللثوي ثم الذولقي ثم الشفوي وفي الأخير الهوامش.
ولتوضيح العملية أكثر نضع هذا الرسم التخطيطي لمعجم العين :
وكل رمز من هذه الرموز يقابله حرف من الحروف الثلاثة: الألف والواو و الياء:
بل هذه الحركات ( حركات اللين القصيرة) تدل على مفهوم موسيقي لطبيعة الصوت؛ فالنغمة الموسيقية أساسية إذن في اللغة العربية لأنها أساس الأبنية والقوالب والأوزان في اللفظ العربي مما يعطي طابعا تناغميا بين اللفظ والمعنى، وهذه (الرموز) كأنها مفاتيح النوتة الموسيقية التي يستعملها عازف الجوق الموسيقي.
وفي الأخير أليس ما قام به الخليل يعدّ منهجا موضوعيا في دراسة الصوت العربي.. إن الاختبار الحسي والصياغة الرياضية للفراهيدي أوصلاه إلى اكتشاف نظام صوتي خاص بالمفردات وتراكيب ذات أبنية خاصة ؛ فإذا تغيرت في هيكلها (البناء) صارت لغة أخرى، ولذا يقول في موضع من كتابه العين عند الحديث عن الحروف الذلقية الشفوية في الرباعي والخماسي لتمييز الصحيح في كلام العرب من الدخيل عليه، أن كل كلمة رباعية أو خماسية خالية من حرف أو اثنين أو أكثر من حروف الذلق أو الشفوي أنها :"محدثة مبتدعة (…) لأنك لست واجدا من يسمع في كلام العرب كلمة واحدة رباعية أو خماسية إلا وفيها من حروف الذلق أو الشفوية واحد أو اثنان أو أكثر"[31]
5ـ (المصطلح المعجمي) : إن الاصطلاح المعجمي عند الخليل يمثل ذروة منهجه العلمي، إذ وضعه اصطلاحات خاصة بهذا المجال الدراسي ليدل على إحاطتة بموضوع بحثه واستيفاء جوانبه كلها، وبهذا يكون أكثر دقة وعلمية وعليه أمكننا حصر اصطلاحاته المعجمية كما يلي :
(أ) الجهاز النطقي : لقد وضع له الخليل اصطلاحات مازالت مستعملة حتى إلى يومنا هذا وهي خاصة بمناطق النطق وهي : المخرج المدرج، الحيز، الاعتماد، الموضع، الوقف، الجريان، الضغط، الارتفاع، الانخفاض، التصويت، الإطباق، الصوت.[32]
(ب) أعضاء النطق : الحلق، اللهاة، الشجر( مخرج الفم)، أسلة اللسان، نطع الغار، اللثة، ذلق اللسان، الشفتان، الجوف، أوهواء الفم[33].
(ج) صفات الحروف بحسب مخارجها : [34]
1ـ الحروف الحلقية وهي : العين، الحاء، الهاء، الغين،الخاء.
2ـ الحروف اللهوية وهي : القاف والكاف
3ـ الحروف الشجرية وهي : الجيم، الشين، الضاد.
4ـ الحروف الأسلية وهي : الصاد، السين، الزاي.
5ـ الحروف النطعية وهي : الطاء، الدال، التاء.
6ـ الحروف اللثوية وهي : الظاء، الذال، الثاء.
7ـ الحروف الذلقية وهي : الراء، اللام، النون
8ـ الحروف الشفوية وهي : الفاء، الباء، الميم .
9ـ الحروف الهوائية وهي : الألف، الواو، الياء، الهمزة.
(د) صفات الحروف بحسب الحركة والسكون : [35]
1ـ الحروف الصحيحة : مجموعها خمسة وعشرون حرفا تبدأ بالعين وتنتهي بالميم.
2ـ الحــــــروف المعتلة : هي التي تغير موضعها حسب حركة الهواء أوانحباسه وهي الألف والواووالياء والهمزة.
3ـ الحروف المجهـورة : والحرف المجهور هوما أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت، ومجموعها عنده ستة عشر حرفا وهي: ء، ا، ب، ج، د، ذ، ر، ز، ض، ط ع، غ، ق، ل، م، ن، و، ي.
4ـ الحروف المهموسة : وهي ما لان مخرجها دون المجهور وجرى النفس ؛ فكان دون المجهور في رفع الصوت ومجموعها عنده عشرة حروف وهي : الهاء، الحاء، الخاء، الكاف، الشين، التاء، الصاد، الثاء، الفاء، السين.
5ـ الحروف الشديدة : (حروف القلقلة): القاف، الجيم،الطاء،الدال،الباء، وسماها أيضا محقورة لأنها تحقر في الوقف وتضغط عن مواضعها، وهو من أطلق عليها اسم (المقلقلة)[36].
6ـ الحروف الرخوة : (اللينة) وهي: الهاء، الحاء، الغين، الخاء، الشين، الصاد، الضاد،الزاي، السين،الظاء،الثاء،الذال، الفاء.
7ـ الحروف المطبقة : هي حرف واحد عند الخليل، وهوحرف الميم لأن الفم يطبق إذا لفظ بها الشفتين[37].
8ـ الحروف الخفيفة (السهلة) : و هي عند الخليل ستة حروف، ثلاثة ذلقية وهي الراء، اللام، النون تخرج من ذلق اللسان من طرف غار الفم، وثلاثة شفوية وهي : الفاء، الباء، الميم مخرجها من الشفتين وهذا ما يسمى بالمخرج المشترك[38].
9ـ الحروف المصمتة : وهي عند الخليل سميت مصمتة "لأنها أصمتت ؛ فلم تدخل الأبنية كلها، وإذا عريت من حروف الذلاقة قلت في البناء، إذ لا يوجد في جسم كلام العرب خماسيا بناؤه بالحروف المصمتة ولا كلاما رباعيا كذلك[39].
10ـ الحروف الخفية المهتوتة : إذ لاحظ أن بعض الحروف أخفى صوتا من بعض فهي خفية مهتوتة (خافتة)، وهي عنده :
الهمزة،الهاء والتاء، و هو هنا قام بالمقابلة بين الطاء والحاء لقرب مخرجهما وكذلك بين التاء والطاء حين عرض للدال، ما قام به الخليل من التقابل هومثلما يجري في الفونولوجيا الحديثة[40].
11ـ الحروف المستعلية والحروف المنخفضة : ولعل وصفه هذا راجع لما أحس به أثناء تذوقه إياها من ارتفاع اللسان في بعضها نحوالحنك الأعلى أوانخفاض في بعض عنه[41] والحروف المستعلية عنده هي : الطاء، الظاء، الصاد، الضاد، والقاف.
12ـ الحروف المائعة : عند الخليل يوجد حرف واحد مائع هوالهمزة، لأنها تنقلب من صورة إلى أخرى إذا رفّه عنها[42] وليس لها موضع خاص وإن كان أصلها الحلق.
اصطلاحات فنية : الحركة، السكون، الصحة، الاعتلال، الجهر، الهمس، القلقلة، الرخاوة، الصلابة، الليونة، الكزازة، الإطباق الصتم، الهتاتة، الترفيه، التصويت، الاختفاء، الضغط، التحقير، النقص، التغيير، التقلب، الحذف، الزيادة الإبدال، النصاعة (الظهور)، الابتداء، التأليف، التقديم، التصرف، التذوق، الانبساط، التعري، البناء والتكرار والنحت.
الهوامش
[1]- غاستون، باشلار: الفكر العلمي الجديد، ترجمة.د/عادل العوا تقديم أ.جيلالي اليابس.- طبعة الأنيس، سلسلة العلوم الإنسانية تحت إشراف علي الكنز، موفم للنشر، 1990.- ص.1
[2]- الجابري، محمد عابد : تكوين العقل العربي.- بيروت، دار الطليعة، ط 2، مايو1985.- ص.82
[3]- الجابري، عابد : تكوين العقل العربي.- ص.82
[4]- عيكوس، الأخضر: الأبعاد الفنية للصورة التشبيهية في الشعر الجاهلي، مجلة جامعة قسنطينة للعلوم الإنسانية، ع5، 1994.- ص.7.
[5]- عيكوس، الأخضر: الأبعاد الفنية.- ص.8
[6]- الخليل بن أحمد الفراهيدي (أبوعبد الرحمان ـ الفراهيدي الأزدي، ت 175هـ) من أشهر علماء اللغة العربية، ولد بالبصرة حوالي سنة 100 هـ/ 718 م وأخذ علم العربية عن علماء كثيرين كان أهمهم بالنسبة إليه أبا عمروبن العلاء، ويعد الخليل أول من سلك مناهج جديدة في علم العربية، ألّف كتاب العين المرتب على مخارج الحروف من العين إلى الياء. ـ انظر حوله : الزبيدي : طبقات النحويين تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، ط 1، القاهرة 1954.- ص.ص.43ـ47 ؛ و القفطي : إنباه الرواة ؛ تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، ط 1، القاهرة (د،ت)1/341 ـ 347؛ و السيوطي : بغية الوعاة ؛ تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، ط1 القاهرة، 1964 ـ 1965، 1/557 ـ 560، وانظر: ابن خلدون : المقدمة، دار الكتاب اللبناني ـ مكتبة المدرسة،بيروت ـ لبنان 1982.- ص.ص. 1057 و1059 ـ 1061.
[7]- ابن جني، أيو الفتح عثمان : الخصائص، تحقيق محمد علي نجار.- بيروت، دار الهدى للطباعة والنشر، ط2، عن دار المصرية، 1952.-ص.ص. 1/46 ـ 47
[8]- المسدي، عبد السلام : التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، ط1،1981.- ص.79
[9]- ابن جني: الخصائص، 1/65
[10]- الرازي، فخر الدين : التفسير الكتاب (مفاتيح الغيب).- القاهرة، المطبعة البهية الـمـصرية ـ ط1، 1938، 1/22.
[11]- المخزومي، المهدي :الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه.- بيروت – لبنان، دار الرائد العربي، ط2، 1406/1986.- ص.86
[12]- ابن جني: الخصائص،2/152.
[13]- الأزهري : تهذيب اللغة، المؤسسة العامة للتأليف والترجمة.- دار الطباعة القومية، 1/49
[14]- إن ّ(الدال والمدلول) أو ما يعرف بالدليل ؛ فقد عرّفه فرديناند دوسوسير بأنه : كيان واحد لا يتجزأ وذووجهين متصلين ملتحمين التحام وجه الورقة وقفاها "انظر" دروس في الألسنية .ط. تونس 1985.- ص. 362. وقد سمي هذين الوجهين:الدال والمدلول فالدال هو الصورة الأكوستيكية أو الصورة التي يتضمنها كل دليل، والمدلول هو المتصور الذهني الذهني،وبما أن اللغة عند دي سوسير هي نظام من الإشارات المفارقة، والإشارة عنده تتكون من اجتماع الدال (الصورة السمعية للكلمة) والمدلول(أي الشيء المعين) وأن الرابط بينهما رابط اعتباطي " لو تقارن هذا بما جاء عند الخليل الفراهيدي لا نجد كبير الاختلاف،إذ الخليل يعتبر أن الاختلاف بين صوت وصوت راجع إلى طبيعة كل صوت في الواقع، و هو كذلك ميز بين الجانب السمعي للصوت (الجانب الأكوستيكي) وجانب المتصور الذهني المعنوي للشيء، وبهذا يمكن لنا القول أن الخليل سبق مؤسس الألسنية الحديثة في تغيير وجهة الدراسة للغة من المنظور المعياري إلى المنهج الوصفي التقريري العلمي الذي يعتمد على الملاحظة الصرف، وأنه بهذا ـ أي الخليل ـ استطاع أن يفرق بين مجالين هامين في الدراسة الصوتية، بين مجال فيزيولوجية الأصوات أوما يعرف بالتصويتية (phonologie) وبين مجال الصوتيات (phonétique) كما اصطلح عليها دي سوسير، بل نجده أيضا يكتشف الجانب السمعي للأصوات أي الأثر الذي يقع للسامع و هو ما يعرف اليوم باسم علم الأصوات الأكوستيكيAcoustic phonetics، وبهذا نجد أن الخليل يهتم بالجانب الفونيتيكي بشقيه الفيزيولوجي والفيزيائي السمعي.
[15]- إن مصطلح ( صوتم ) أو (الصوتيم) phoneme يعني عند دي سوسير هو: مجموعة الانطباعات السمعية والحركات النطقية للوحدتين : الكلامية والمسموعة، اللتين تشترط إحداهما الأخرى، فهكذا فها هي منذ الآن وحدة معقدة متموضعة في كلتيهما ـ انظر دي سوسير : محاضرات في الألسنية العامة : ترجمة غازي يوسف ومجيد النصر ـ المؤسسة الجزائرية للطباعة وحدة رضا حوحو ـ ماي 1986.- ص.57. أما تروبتسكوي يرى أن الفونام " هو أصغر وحدة فونولوجية في اللسان المدروس" غير أنه عند الملاحظة الدقيقة نجد أن رؤية الخليل و هو التي نجدها عند دي سوسير أكثر وجاهة، لأنه فعلا عند الجانب التطبيقي لتحليل الصوت نجد أن الصوتم يهتم بالجانب الكلامي والجانب السمعي حتى يتم إبلاغ الخطاب إلى السامع وإدراكه للمعنى المسموع.
[16] - أما مصطلح المقطع فقد قال بعض المحدثين أنه " كمية من الأصوات تحتوي على حركة واحدة ويمكن الابتداء بها والوقوف عليها" وقال آخرون:" أنه مجموعة من الأصوات المتتابعة لها قمة أوحد أقصى في الوضوح السمعي"، ويمكن تعريفه أنه "أصغر وحدة صوتية يمكن أن تنفصل في تركيب الكلمة" ومثال ذلك صرّ هي مقطع يتكون من / صَ / ارْ / ارَ / = صامت + صائت قصير + صامتين.
[17]- ابن جني: الخصائص 2/152
[18]- ابن جني: الخصائص 2/162
[19]- ابن جني: الخصائص 2/155
[20]- ابن جني: الخصائص 2/157
[21]- سيبويه: الكتاب، تحقيق ونشر عبد السلام محمد هارون.-القاهرة، دار القلم، 1966،1 / 149
[22]- ابن جني: الخصائص، 2/153 ـ 154
[23]- ابن جني: الخصائص، 2/152
[24]- سيبويه : الكتاب.- القاهرة، طبعة بولاق، ج 2.- ص.315
[25]- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر : المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق محمد أجمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية (د.ت)، ج1.- ص.16.
[26]- الأرسوزي، زكي : المؤلفات الكاملة.- دمشق، وزارة الثقافة، 1979.- ص.258.
[27]- جمعة، إبراهيم : قصة الكتابة العربية.- القاهرة، دار المعارف، 1947.- ص.50، وكذلك: عدنان، الخطيب:المعجم العربي بين الماضي والحاضر.- القاهرة، مطبعة النهضة الجديدة، 1967.- ص.ص. 22 ـ 25.
[28]- لقد استعان الخليل على تذوق الحروف وتبيين مقاطعها وتحديد مخارجها بتسكينها، لأنه رأى أن مخرج الحرف إنما يتمثل يتبين إذا كان ساكنا، ولما لم يستطع الابتداء بالساكن بدأه بالهمزة المفتوحة لأن الفتحة أسهل الحركات وأخفها؛ فكان يفتح فاه بالهمزة المفتوحة، ويقف على الساكن فيقول مثلا : أبْ، أتْ، أعْ إلى آخر الحروف، فاهتدى إلى تحديد المخارج ورتب الحروف بحسبها كما يأتي: العين، الخاء، الهاء، الغين، الخاء، القاف، الكاف، الجيم، الشين، الضاد، الصاد، السين، الزاي، الطاء، التاء، الدال، الظاء، الذال، الثاء، الراء، اللام، النون، الفاء، الباء، الميم، الألف، الواو، الياء، الهمزة. وهكذا اصطنع الخليل مقياسا لتذوق الحروف؛ فاعتمد الهمزة وهذا ما جاء عن الليث أن الخليل" كان إذا أراد أن يتذوق الحرف فتح فاه بألف ثم أظهر الحرف نحو: أب، أح، أع" إذن مقياس الخليل في تحليل أصوات الحروف هو التذوق الشخصي والملاحظة بواسطة حاسة السمع الموسيقية. انظر: ابن جني: سر صناعة الإعراب، باب الحروف.- ص.83، ولسان العرب ج1.- ص.7 وباب حرف العين. وانظر : الخليل: العين تحقيق عبد الله درويش (القسم الأول من الكتاب)، ط1، بغداد، 1967.- ص.ص 1-5
[29]- الخليل : كتاب العين، ج1.- ص.10.
[30]- بن خلدون: المقدمة.- ص.ص 1059-1060.
[31]- الخليل :العين، ج1.- ص.ص.57ـ 62
[32]- الخليل : العين، 12.- ص.ص. 5ـ9 ؛ ابن منظور: لسان العرب، حرف الهاء، حرف الجيم، حرف الميم، السيوطي : المزهر، ج 1.- ص.90.
[33]- الخليل: العين، ج1.- ص.ص. 5ـ9
[34]- الخليل: العين، ج1.- ص.ص. 5ـ9
[35]- الخليل: العين، ج1.- ص.5 و ص. 8ـ 9، ابن منظور: لسان العرب، ج1.- ص.7، حرف الهاء، حرف الجيم، حرف الميم.
[36]- لقد استنتج المهدي المخزومي هذه الحروف من عند سيبويه بقوله:" أما الحروف الرخوة (اللينة) لا توجد دلالة لها عند الخليل ولكن النظر في كلام سيبويه يرى بعض الباحثين أنها في الأصل كلام الخليل لأن سيبويه استعمل المصطلحات الخاصة بأستاذه " المهدي المخزومي : الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه.- بيروت ـ لبنان، دار الرائد العربي، ط 2، 1406، 1986م.- ص.116.
[37]- الخليل : العين.- ص.9، لسان العرب ـ حرف الميم.
[38]- الخليل : العين.- ص.9
[39]- ابن منظور : لسان العرب، حرف الياء، والتهذيب للأزهري، ج 1.- ص.ص. 21-24، مخطوط رقم 9 (لغة) بدار الكتب المصرية نقلا عن المهدي المخزومي ( المرجع السابق).
[40]- الخليل : العين.- ص.5
[41]- المخزومي، المهدي: الخليل بن أحمد.- ص.ص.120ـ121.
[42]- الخليل.- ص.4، لسان العرب، ج1.- ص.7، المخزومي، المهدي : الخليل بن أحمد.- ص.ص .108ـ109.