يصدر هذا العدد من مجلة"اللغة والأدب" المخصص لأعمال ندوة أستاذ.تدور الأبحاث المنشورة فيه حول موضوعات متنوعة في اللغة والأدب العربي قديمه وحديثه، والأدب المقارن، قدّمها باحثون جامعيون، ومستشرق إيطالي الأب جوزيني كاتولين.
ويحتوي هذا العدد على مقالين متميّزيْن لأستاذين شاركا في نشاطات الندوة، لكن الموت غيبهما، يتعلق الأمر بالأستاذ محمد الصغير بناني الذي قدم مداخلة عن ابن خلدون والعلاقة بين البلاغة والعمران، تطرح أفكارا جريئة متميزة، وتحفر في بعض نصوص التراث، وتقدم لكل ذلك قراءة لافتة للنظر، غير أن الموت وضع حدا لهذا المشروع العلمي الواعد.
والأستاذ أبو العيد دودو الذي قدم مداخلة وهي عبارة عن عرض لكتاب في نظرية الأدب المقارن للعالم المتميز بيتر تسيما، عنوانه: (علم الأدب المقارن Komparatik1992)، وهو كتاب غير متوفر في اللغة العربية على الرغم من أهميته الكبيرة، يتعرض فيه صاحبه للمسائل التأسيسية والنظرية للأدب المقارن، ويطرح أسئلة جوهرية تثيرها الدراسات المقارنة المعاصرة. و من أهم ما يتعرض له المؤلف في مقدمة الكتاب، هذه الأسئلة المثيرة للجدل:
ما هو أثر اللغة والأدب القوميين في الخطاب المقارني؟
وهل يستطيع الأدب المقارن بهذه الطريقة تجسيد النقد المذهبي وتطويره بحيث يمكننا من التعرف على المميزات الثقافية لمذهب من المذاهب، وتحديدها؟ وأخيرا كيف يمكن أن تستغل المناقشات المنهجية التي تمت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لفائدة الأدب المقارن؟
وقد سد الأستاذ دودو –رحمه الله-بتقديمه هذا الكتاب فراغا واضحا عندنا، لكن الموت لم يمهله فانتزعه منا منذ أيام قليلة تاركا فراغا كبيرا في مجال الترجمة والأدب المقارن.
كما ضم هذا العدد من المجلة مجموعة من المواضيع الجادة الطرح، العميقة التحليل، كالدراسة التي قدمها عبد القادر بوزيدة حول "الحوات والقصر:رحلة على الحوات أم رحلة الوعي؟" وهو بحث في السرديات العربية المعاصرة، تتبع فيه الباحث طرق اشتغال النص الروائي على توظيف المادة السحرية في بناء عالم الرواية، لكنه ركز على خصوصية هذا النص، ولاحظ أنه يختلف عن الروايات العربية والغربية من حيث ذلك التوظيف، إذ تكاد تكون كلها مادة سحرية، وليس فيها ما يحيل على الواقع أحداثا وشخصيات وأماكن الشيء الكثير، إلا أنه اعتبر هذا الوعي الفني في بناء عالم الرواية جزءا من الواقع كما فعل غارثيا ماكيز في روايته "مائة عام من الحنين" التي أرخ فيها لحقبة من تاريخ كولومبيا.وقد توصل الباحث إلى أن الروائي استخدم مادة تاريخية إلى جانب مادة سحرية تعكس وعي بعض شخصيات الرواية وتمثل إدراكها للوقائع التاريخية، وهكذا تحول هذا الوعي السحري إلى فعل يساهم في تغيير الواقع. أما العناصر التي نسج منها وطار روايته فهي أشبه بتلك العناصر التي يتشكل منها عالم ألف ليلة وليلة السحري العجائبي.
كما اشتمل العدد على دراسة متميزة للباحث الطاهر لوصيف حول تعليم القواعد وتعلمها وهي مقاربة منهجية نظرية لتعليمية اللغة العربية وقواعدها، و قدمت في هذا الإطار الأستاذة خولة طالب الإبراهيمي مقالا أكاديميا حول التداولية، تعرضت فيه إلى إشكالية المصطلح والمادة العلمية المترجمة إلى العربية حول الموضوع، وذيلت مقالتها بعدد من المراجع المفيدة في الموضوع.وفي مجال الترجمة قدم الأستاذ عبد الحميد بورايو نصا لجماعة من الباحثين الفرنسيين حول دراسة الحكاية الشعبية، ويتعلق الأمر بـ:" في تغير المعنى وفي معنى التغير"De la variabilité du sens et du sens de la variabilité..
2-مجلة "الحوار الفكري"، مجلة علمية محكمة تصدر دوريا عن مخبر الدراسات التاريخية والفلسفية بجامعة منتوري بقسنطينة، السنة الرابعة، العدد السادس، سبتمبر 2004.
تعتبر هذه المجلة تجربة رائدة في مجال تنمية الحوار الفكري والفلسفي في الجامعات الجزائرية، وتعكس المادة العلمية الموجودة في هذا العدد مدى ما سيكون لهذه التجربة تأصيلا وتعميقا في مسار البحث العلمي في الجزائر مستقبلا، وهكذا ومن خلال محاور العدد يتبين لنا الاختلاف والتنوع والثراء التي تتميز به مواد هذه المجلة.، فقد تعرضت افتتاحية العدد لموضوع :"لحظات ومواقف " للأستاذ بوصفصاف عبد الكريم الذي تحدث فيه عن موضوع ممارسة الديمقراطية في الجزائر وآفاقها المستقبلية، كما اشتمل العدد على حوار أجرته المجلة مع عميد المؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القاسم سعد الله.أما البحوث والمقالات المعروضة، فقد تناولت موضوعات مختلفة، منها: قيم التسامح والحوار في ثلاثية الشيخ عبد الحميد بن باديس، للباحث لخضر مذبوح، والبعد التاريخي للتعددية الحزبية في الجزائر، لناجي بن جدية، والإسلام والعولمة لعليون السعيد، والألوهية في اليهودية بين الدين والسياسة لموسى معيرش، وموقف المتجنسين الجزائريين من المرأة خلال النصف الأول من القرن العشرين لمعماش النوي، بالإضافة إلى قسم للترجمة، وآخر للمتابعات النقدية، والرسائل والأطروحات الجامعية، وقسم للمقالات باللغتين الفرنسية والإنجليزية.وتعتبر هذه المجلة من المجلات الفكرية الرائدة في الجزائر، نظرا للجدية التي يتحلى بها الساهرون على إنجازها، والمواضيع المعالجة فيها لما تتسم به من الجدة والموضوعية في الطرح، يؤطر كل ذلك إخراج جميل للمجلة.
3- مجلة "أوان- Awan"، وهي مجلة دورية فكرية وعلمية تعنى بمراجعات الكتب، تصدرها كلية الآداب، جامعة البحرين، العدد المزدوج:الثالث والرابع، 2003.حجم المجلة سميك، يضم أكثر من 245 صفحة من القطع الكبير، تحتوي على بعض الصور والرسومات ذات الصلة بالموضوعات المعالجة.
يبدو أن المجلة تجدد رهانها على إنجاز فعل ثقافي مختلف، يتعانق مع هواجس تأسيس رؤية مغايرة لتجربة الاتصال بالكتاب وخبرة الاغتناء بالقراءة.فالمجلة عبارة عن فضاء جامعي فكري، غني ومتنوع، يلتقط المعلومات، ويتابع ويثير المساءلات، التي توفر لدائرة كبيرة من المشتغلين في الحقل الأكاديمي والثقافة العربية فرصة في حرية الاتصال والبحث والترجمة.احتوى هذا العدد المتفرد على محاور رئيسة، هي:
-ثقافات: تضمن هذا الركن من المجلة عددا من المواضيع الأدبية والفلسفية الهامة، كخرافة الهلع ووهم الرعب وهي دراسة جمعت بين التجريب الاجتماعي والتنظير النفسي، ودراسة حول " الذوق الفني ورأس المال الثقافي"، وموضوعا دسما معززا بالمرجعيات والإحالات حول "النظرية الشعرية والمنهج السوسيولوجي.وهي كلها دراسات مترجمة إلى اللغة العربية، يفيد منها القارئ العربي لا محالة.
-قراءات: عُرضت في هذه الزاوية من المجلة مواضيع هامة جدا تتصل بالمناهج البحثية الغربية وتجلياتها في الدراسات العربية، كسيميائيات العتبات، لعامر الحلواني، وتنظير النقد العربي: نحو ابستيمولوجيا جهوية، وهو عرض لكتاب "نقد النقد لمحمد الدغمومي، يكشف فيه محمد بوعزة الحاجة المعرفية للنقد إلى وعي ذاته من خلال اعتماد استراتيجية خطابية تفكر في خياراته المنهجية وآلياته المعرفية، وتعيد النظر في مسلماته التصورية والنظرية.وينتهي العارض لهذا المؤلف بحصاد فكري غني يفيد الدارس في التخصصات المتصلة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والآداب.
-الباحث:خصص هذا الركن الذي اتسع لتسع مداخلات تناولت كلها جوانب مضيئة من الحياة الفكرية والعلمية للمفكر جاك دريدا، من خلال أبحاث وحوارات، وترجمات لبعض أعماله، شكلت رصيدا علميا هاما، يمكن أن يسد فراغا كبيرا في مجال البحث الأكاديمي نظرا لاستخدام نظرية التفكيك في مجالات بحثية متنوعة في الدراسات العربية، وقد صدرت هذه الأبحاث قبل وفاة الفيلسوف دريدا بمدة قصيرة، وهي بذلك تكتسي أهمية قصوي في مجال التعريف بفكر ومنهجية هذا المفكر الذي ارتبط ذكره بالجزائر باعتبارها موطنه الأصلي وبالتفكيكية باعتبارها منهجا حداثيا(من الحداثة) في مقاربة النصوص.
-قرطاس : وهو فضاء فسيفسائي، يتضمن عرضا لحقول مختلفة، كالإسلام والجنوسة والتغير الاجتماعي، والمقامات والتلقي العربي، والجامعة والتنمية، وغيرها من المواضيع ذات الأهمية البالغة.
تعتبر هذه المجلة من المجلات الأكاديمية ذات القيمة العلمية العالية، سواء أتعلق ذلك بنوع المادة المقدمة من حيث قيمتها المعرفية والعلمية، أم بالشكل الذي تعتمده المجلة في ترتيب الأبواب وإخراجها.
4-مجلة، دورية أكاديمية متخصصة محكّمة، تعنى بالدراسات الإسلامية والإنسانية، تصدر عن جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، العدد:16، جوان 2004.
أنجز هذا العدد من مجلة جامعة الأمير عبد القادر والخاص بالذكرى العشرين احتفاء بتأسيسها، وهو عدد متميز تضمن موضوعات علمية متعددة تناولت جوانب من هدي القرآن الكريم إلى إصلاح أحوال الأمة، مثل موضوع القرآن ومعالجة التلوث الفكري، وموضوع القرآن والمدد النهضوي، وموضوع موقف الشريعة الإسلامية من المخدرات.كما جاء في هذا العدد جوانب من رشد الحديث الشريف، مثل موضوع موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من كتابة الأحاديث، وجوانب أخرى تاريخية كموضوع الفتنة الكبرى، وتراثية مثل موضوع الأندلسيين في فكر أحمد المقري، وتعليمية تربوية كتقويم وقياس الفعالية في المنظومة التربوية، وعلى العموم يشكل هذا الإصدار مساهمة طيبة في المكتبات العلمية، نأمل أن يستمر.
5- مجلة النور، وهي مجلة سياسية فكرية وثقافية، تصدر عن دار النور للنشر بلندن، السنة الرابعة عشر، العدد 163-164، ديسمبر-يناير 2005، وهو إصدار سنوي خاص، اشتمل على عدد من الموضوعات الفكرية وملفات وندوات، بالإضافة إلى دراسات، وتقارير عن بلاد العرب.
تعتبر هذه المجلة من المجلات العربية القائمة على الاعتدال والانفتاح على الآخر، تزاوجت مع رؤية إعلامية قائمة على المهنية ومبادئ تقول بعرض الآراء المختلفة، ومنها تجسيد الوسطية في زمن التطرف والالتزام بوحدة صف العرب والمسلمين في زمن الفتن والحروب المتنقلة.
إن المادة المشكلة لهذا العدد تندرج ضمن المناخات الجديدة والآفاق الواسعة، من ذلك مثلا موضوع "مأزق السياسات الليبرالية العربية الجديدة" للباحث برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، و موضوع "في خطاب المستقبل:الانتماء والارتقاء في الجذور والاحتياجات" لعلاء الدين آل رشي بالإضافة إلى عدد آخر من الموضوعات الفكرية.كما خصصت المجلة محورا للبلاد العربية عرضت فيه أهم الأحداث التي ميزت بعض الأقطار العربية خلال عام 2004 كمصر وتونس والجزائر والعراق وسوريا والأردن، وقد استرعى اهتمام المجلة موضوع الانتخابات الرئاسية في الجزائر، والاحتفالات بالذكرى الخمسين لثورة التحرير. أما محور "دراسات" فقد تضمن عددا من الموضوعات ذات الأهمية البالغة كالوضع العربي والدولي بعد احتلال العراق، ودراسة حول مختبرات الاستراتيجيات الجديدة في الولايات المتحدة، .بالإضافة إلى ما جاء في ركن "ندوة" من حديث حول لبنان في خضم تداعيات قرار مجلس الأمن رقم 1559، وهناك أركان ثابتة في المجلة، كإسلام ومسلمون، وكتب، وثقافة ومنوعات، وهي فضاءات مليئة بمادة دسمة تتناول انشغالات القارئ العربي على المستوى الفكري والإعلامي والثقافي.وبهذا التطلع نحو الجودة والمهنية الراقية، تعمل المجلة على أن تكون بحق مجلة الباحث العربي للقارئ العربي في شؤون العرب دون انغلاق على أبحاث الآخرين وشؤونهم.
الكاتب
عبد القادر شرشار