إنسانيات عدد 51-52 | 2011 | الصحراء و هوامشها | ص57-61| النص الكامل
Hamza BACHIRI : Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie.
انطلقنا في هذه الدراسة من التعريف بالصحافة المكتوبة وأنواعها، حيث نجد من بين هذه الأنواع الصحافة الساخرة، التي تستعمل السخرية و التهكم و النقد، وسيلة للتعبير، أي أنها تتناول الأحداث بأسلوب ساخر، سواء رسما، أو كتابة. و تتسم هذه الصحافة خاصة بالنقد والجرأة في مواجهة الفساد السياسي والاجتماعي و الثقافي وكذا الاقتصادي، وغير ذلك من المجالات. فالسخرية هي أقوى سلاح يمكن أن يصل إلى النفوس بطريقة غير عادية، حيث تقوم بوظيفة البناء والنقد، ومحاولة تخفيف من آلام الشعوب و متاعبها اليومية. و من بين الأساليب و الفنون التي تعتمد عليها الصحافة الساخرة، الفن الكاريكاتيري الذي أصبح عنصرا دائما في الصحف اليومية، بتناوله لكل المواضيع لإعطاء محتوى إخباري وإعلامي معين، كما يستخدم في الصراعات الفكرية والسياسية بطريقة نقدية لاذعة أحيانا.
و الكاريكاتير هو تعبير عن ما ينتجه المجتمع من أفكار و عادات وأخلاق وممارسات. لذلك فهو ينطوي تحت لواء وسائل الاتصال التي تعبر عن الظواهر الاجتماعية. هذه الظواهر التي يمكن أن يكون منها ما هو بسيط و واضح، ومنها ما هو معقد حتى يصعب تحديد مفاهيمه، و من هذه الظواهر نجد السلطة بمختلف أشكالها وأوجهها من السياسية و عمالية والأبوية والأسرية و الدينية إلى غير ذلك.
تكمن دوافع هذا البحث في محاولة التعرف على فن الكاريكاتير وقدرته على استظهار أشكال السلطة داخل المجتمع الجزائري، أي التطرق إلى الكاريكاتير من الجانب السوسيولوجي، محاولين إبراز أشكال السلطة، و رمزيتها وسط المجتمع متكئين على الكاريكاتير لكونه يحمل بداخله الجرأة والقدرة على المواجهة و التنكر .
أما اختيارنا لعمل الرسام الكاريكاتيري أيوب، فإنه يعود إلى أعماله التي تحظى بشعبية كبيرة[1]، وسط فئة قراء الجرائد الناطقة بالعربية، كذلك لتميز أعماله من الجانب الفني و الفكري.
أولا :إشكالية الدراسة
يعتبر علماء الاجتماع السياسي أن السلطة ظاهرة اجتماعية ملازمة للفرد والمجتمع على حد سواء[2]، وتعد السلطة من الظواهر الاجتماعية الغامضة و التي يلفها دائما شيء من الرهبة والخوف والغموض. وهي تظهر بشكل واضح إذا ارتبطت بمفهوم السياسة والدولة بوصفها مؤسسات، حيث يعطيانها نوعا من الوضوح و التجلي، و لكنها توجد في أشكال أخرى داخل أي مجتمع أو فئة اجتماعية حتى أنها في بعض الأحيان تبدو متفردة ولا يظهر لها أي أثر. و نحاول من خلال شكل من أشكال التعبير الاجتماعي، الذي أصبح يمثل في حد ذاته ظاهرة اجتماعية ألا وهو الكاريكاتير و مهمته الكشف عن أشكال السلطة و الأثر الناتج عنها. و من هذا المنطلق تمت صياغة التساؤل الآتي: ما هي مضامين وأشكال السلطة في المجتمع الجزائري التي استطاع الكاريكاتيري أيوب أن يبرزها من خلال رسوماته؟
و من خلال هذه الإشكالية حاولنا ثلاث فرضيات محاولين التأكد منها أثناء عملية البحث:
- الكاريكاتير عند أيوب وسيلة إعلامية تكشف أنماط مختلفة للسلطة، هذه السلطة الخفية والمندسة في عدة أشكال وهيئات وصفات و كذا قابليتها للتأقلم و التبدل فيمكن أن نجدها: أبوية أو دينية أو أخلاقية أو سياسية أو اقتصادية.
- يكشف الكاريكاتير عن ثنائية الصراع ما بين الحاكم و المحكوم و الآمر والمأمور، عن طريق الجرأة التي يكتسبها هذا الفن ومحاولته الدائمة لفضح الأعمال السرية و الكوامن الداخلية لبعض الأعمال و الأفعال، سواء داخل الأسرة أو مؤسسات الدولة في حد ذاتها.
- يبرز الكاريكاتير مظاهر السيطرة و الخضوع و الإلزام، وهذه المفاهيم التي لا تبدو واضحة المعالم إلا إذا جاءت في سياق فكري، يستطيع الرسام تبسيطها و صياغتها على نحو يمكن من فهمها.
ثانيا :منهج الدراسة
حددنا مجال البحث في أعمال الكاريكاتيري أيوب، رسام جريدة الخبر اليومية الناطقة بالعربية لكونها أكثر توزيعا بين الصحف اليومية، إذ أخذناه مؤشرا لقياس قيمة السحب المقدر بحوالي نصف مليون نسخة يوميا (خلال فترة البحث)، و كذلك لكونها تخصص جانبا ثابتا لرسم الكاريكاتيري، على خلاف بعض الجرائد اليومية سواء الناطقة بالعربية منها أو بالفرنسية، التي تتصف بأنها جرائد خاصة مستقلة أي غير عمومية ولا تمول من طرف الدولة.
و قد تم اختيار عينة عن الرسوم الصادرة ما بين جانفي 2005 حتى ديسمبر 2006، و تم انتقاء الرسومات التي لها مضامين تحمل شكل من أشكال السلطة أو أثر لهذه السلطة في مختلف مجالاتها.
ولفهم أكثر لمعاني الكاريكاتير و السعي لتحليلها، لجأنا إلى استعمال المقابلة المباشرة مع بعض المهتمين و المعنيين بهذا النوع من أشكال التعبير الصحافية، فكانت مقابلة مع الأستاذ عمار يزلي[3] وكذلك مع الرسام أيوب. و كل هذا لتدعيم التحليل و التعبير ومحاولة مقاربة الفهم بين المرسل والمرسل إليه- بلغة الاتصال-.
و قد اعتمدنا على تقنية تحليل المضمون لأنه يساعد على البحث عن المعنى الذي يحمله النص أو الصورة. و تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول، كل فصل يحتوي على مبحثين.
نتائج الدراسة
إن الأعمال التي قمنا بتحليلها و الإنشغال عليها لرسام أيوب، ما هي إلا عينة متواضعة من المئات من الرسومات التي مثلت و أرخت لفترة من تاريخ الجزائر، معبرة عن أحداث منها السارة و منها المؤلمة. كذلك هو تمثيل دلالي لعالم النوايا الفعلية الكامنة وراء المواقف أو الأحداث، حيث تم عرض و فضح الأفعال و الكوامن الداخلية لتصرفات الأشخاص. و تأتي ردة فعل الرسم الكاريكاتيري من خلال التعاقد الخفي بين الرسام و الجمهور المتلقي لرسالة. تتكون نصوص العقد المبرم على الضحك، من خلال لغة إشارية للمسكوت عنه في كلا من العمل و الإنتاج الفني. فخلال تتبعنا لأعمال أيوب و دراستها، أدركنا أن الضحك ليس هو الغرض الأساسي من أعماله، بل يتعدى ذلك إلى إشارة المتلقي و لفت انتباهه فقط، ليضعه أمام الموضوع الهام الذي يمسه من كل النواحي والجوانب، هذه الخصوصيات التي امتاز بها الرسام أيوب على غرار بعض الرسامين الآخرين.
يبرز العمل الكاريكاتيري المقدم أشكالا كثيرة من الصراع داخل المجتمع الجزائري، وأهمها هو الصراع بين المواطن البسيط و المعبر عنه بالفأر، هذا المواطن المهمش الذي يتحايل على الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي حتى يتمكن من البقاء والصمود في ظل صراع القوى والتيارات المتباينة من حيث المنطلق و الهدف. و الفأر الذي بالرغم من صغر حجمه إلا انه دائما متواجد في الرسم. و في مقابله نجد القط الذي يعبر عن سلطة الأقوياء، الفأر هو تعبير عن المقاومة، و حيث تقوم سلطة تكون المقاومة[4]. يبرز لنا الكاريكاتير نماذج مختلفة من السلطة، سواء البيروقراطية أو الدينية أو الإعلامية، لكن يمكن لمس السلطة السياسية والأبوية بشكل واضح داخل المجتمع الجزائري الذي يمتاز بنمط السلطة الأبوية التي تتشعب نحو مختلف السلطات. فتنطلق من سلطة الأب في الأسرة أو الأمير بالنسبة إلى الجماعات الإسلامية، أو المدير في المؤسسة، و كذا الرئيس في المؤسسات الأخرى أو في السلطة العليا.
و بالإضافة إلى الرسم فإن أيوب يرتكز بشكل كبير على اللغة داخل النص، بالرغم من أن ذلك لا ينقص من قيمة هذه الأعمال لكونها تحمل مضامين سوسيولوجية عميقة، و في هذه اللغة نجد صراع آخر هو الصراع القائم بين المعرب والمفرنس[5] الذي يظهر من خلال ازدواجية اللغة المعتمدة من طرف الرسام.
الكاريكاتير خطاب، تسكنه الايدولوجيا ككل أنواع الخطاب[6]، و تظهر هذه الايدولوجيا في مواضيع رسمه، التي تعالج مواضيع الدفاع عن حقوق المواطن البسيط ضد كل أشكال التسلط و الغبن سواء كان ذلك من طرف الدولة المتمثلة في مؤسساتها العمومية وأجهزتها أو من طرف جهات أخرى تدعي الوصاية عليه على غرار الجماعات الإسلامية أو أصحاب النفوذ و المال، وذلك بأسلوب تهكمي ساخر، وهو الأسلوب الذي يعتمده عادة المضطهدين- صريح في بعض المرات و غامض و ماكر في مرات أخرى. و هو يعمد إلى إظهار رمزية السلطة حيث يظهرها في رمزية الدركي أو الشرطي، أو المسؤولين و في إطارات المصالح العمومية. و هنا يمكن الإشارة إلى شيء هام وهو إمكانية تحول الكاريكاتير في حد ذاته -هنا لا نقصد كاريكاتير أيوب بشكل محدد بل كل عمل كاريكاتيري ذو قيمة إعلامية- إلى سلطة لها تأثيرها على الرأي العام و كذا على القرارات السياسية داخل الدولة. و كذلك من بين النتائج التي توصلنا لها، هو التجانس بين الكاريكاتير و الصحافة و يظهر ذلك من خلال مراحل تطور الصحافة في الجزائر، بحيث أنه كان و ما يزال مرتبطا بها، و بالتحولات التي تشهدها منذ الاستقلال إلى هذا اليوم.
الهوامش
[1] مذكرة ماجستير، ماريف ميلود، التجليات الموضوعاتية لفن الكاريكاتير في الوسط الشعبيي، 2005.
[2] ملحم، حسن، التحليل الاجتماعي لسلطة، الجزائر، منشورات دحلب، 1993، الطبعة الأولى، ص.4.
[3] أستاذ بجامعة وهران و من بين مؤسسي جريدة الصحافة.
[4] جنيولوجيا المعرفة، ميشال فوكو، ترجمة أحمد السطاتي و عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، 2008، ط 2، ص.108
[5] Dourari, Abderazek, Les malaises de la société Algérienne, Alger, éd, Casbah, 2004, p.11.
[6] جنيولوجيا المعرفة، ميشال فوكو، ترجمة أحمد السطاتي و عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، 2008، ط 2، ص.87.